الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تغيّر الموقف الأمريكي تُجاه الحرب على غزة؟

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2023 / 11 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"يوآف غالانت" وزير الحرب الصهيوني في ندوة صحفية هذا الصباح، يقول: "نحن ننسّق مع الأمريكان على مدار الساعة، ورؤيتهم متطابقة مع رؤيتنا وسنستمر بالحرب حتى نقضي على هذه الحيوانات البشرية. وسنقتل قيادة حماس. ولن يكون هنالك شيء اسمه حماس بعد اليوم".
وقبل ذلك، ردا على سؤال حول مصير غزة بعد الحرب في مداخلة له مع الCNN فجر اليوم قال: "سنحتفظ بحرية العمل الكاملة للرد على أي وضع في قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب."

خلافا لما قد يعتقد البعض، الأمريكان ليسوا متضامنين مع الكيان الصهيوني. بل هم جزء من هيئة الأركان التي تدير الحرب. فلقد جاء وزير الخارجية، وجاء الرئيس بيدن. ثم جاء وزير الدفاع وعدد من قادة هيئة الأركان ومعهم معاونيهم وبعض الخبراء. وهم إلى اليوم في قاعة العمليات في تل أبيب.

لكن ما هي المتغيّرات التي أدت إلى الاعتقاد بأن الموقف الغربي بصدد التغير ببداية تغيّر موقف الولايات المتحدة؟

مع دخول الحرب أسبوعها الخامس، دخلت ثلاثة عوامل أساسية ضاغطة، دفعت الولايات المتحدة إلى التعامل معها على نحو مختلف، دون تغيير جوهر التزامها بتبنّي سياسة حكومة نتنياهو والحرص على تنفيذها.

العامل الأول: تصاعد احتجاج الشارع الغربي تصاعدا غير مسبوق، قد يصل، في ضوء الأزمة الاجتماعية المستفحلة منذ أزمة الكوفيد، إلى فوضى وأعمال تخريب، وقد تنتقل تداعيات هذه الحرب البشعة، بشكل من الأشكال، إلى أعمال عنف في الغرب، يصعب التكهن بإمكانية السيطرة عليها. وكذلك تصاعد غضب الشارع العربي كلما ازداد عدد الضحايا، بما قد يهدد انفراط جبهة التحالف مع إسرائيل، والتي عبرت عن نفسها بوضوح من خلال بيان وزراء الخارجية العرب الأول، الذي أدان حماس، وجرّمها، وأدان العنف الإسرائيلي بشكل محتشم. وانفضّ الاجتماع.
لكن مع تصاعد القصف، وبلوغ القنابل التي ضُرِب بها سكان غزة ما يُعادل ثلاثة أضعاف القنبلة الذرية، وتزايد عدد الضحايا، أنفجرت الشوارع، وبلغت ذروتها خصوصا في الدول المُطبّعة، حيث طالبت الشعوب، التي شعّرت بالعار، بإلغاء الاتفاقيات وبطرد السّفراء. مما دفع الملك عبد الله إلى ربط عودة السفير بوقف الحرب. والأخطر هو مطالبة الشعوب بفتح الحدود ووصول آلاف العراقيين لحدود الأردن، ومئات الأردنيين إلى الحدود مع فلسطين المحتلة. وهذا أدّى إلى تخوّف جدي من انتقال العدوى إلى مصر، بكل ما تُمثّله مصر الشعب من ثقل بشري، وذاكرة ورموز في علاقة بالصراع العربي الصهيوني على وجه الخصوص.. وهذا يشكل تهديدًا حقيقيا لانفراط الجبهة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وبالتالي يشكل تهديدا لإسرائيل
.
العامل الثاني: هو استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وفي سوريا. وضرب أنصار الله في اليمن لإيلات بالصواريخ. وتصاعد التوتر في جبهة لبنان وجبهة الجولان، علاوة على ما يجري في الضفة الغربية.

والعامل الثالث: هو ضغط عامل الزمن وتعثّر عملية الاقتحام البرّي، ممّا جعل الأمريكان يستبِقون البحث عن كيفية تأمين خروج إسرائيل منتصرة سياسيا من الحرب، فيما لو عجزت عن فرض الاستسلام على المقاومة عسكريًّا.

هنا كان لابد من فتح غرفة ديبلوماسية موازية لغرفة العمليات العسكرية، لتخفيف الضغط على الحكومات الغربية الداعمة للحرب على غزة، وحماية الأنظمة العربية المُطبِّعة، وتهدئة الغضب المتصاعد في الشارع.
يبدو أن هذه الخطة الديبلوماسية الجارية الآن صاغها السفير السابق المتقاعد "ديفيد ساترفيلد" الذي عينه بيدن منذ أسبوعين "مبعوثا أمريكيا خاصا للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط". وهذا أحد العارفين جدا بالصراع العربي الصهيوني. فمنذ بداية الثمانينات عمل في البعثات الأمريكية في جدة وتونس وبيروت ودمشق. وبعدها عُيّن مدير مكتب الشؤون العربية الإسرائيلية، ثم سفير أمريكا في لبنان. ثم منسق للعراق وكبير مستشاري كوندوليزا رايس. وبعد تقاعده عُيِّن مديرا للقوة متعددة الجنسيات والمراقبين (MFO)، وهي منظمة دولية، مهمتها تنفيذ البنود الأمنية لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وحفظ السلام في سيناء.

يشترك في تنفيذ خطة "ساترفيلد" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "ويليام بيرنز" الذي وصل إلى تل أبيب، أول أمس الاثنين، ومن المتوقع أنه سيزور الأردن ومصر. ووزير الخارجية بلينكن. كلّ منهما يشتغل في اتجاه. ولكن الهدف واحد. والشعار الذي غُلِّفت به الخطة لإرضاء الشارع في الغرب وتخفيف الضغط على الأنظمة العربية الحليفة المُناوئة لما يُسمّى محور المقاومة، ووقف الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية هو شعار "الأزمة الإنسانية". فالمعلن هو أن زيارة "بيرنز" تهدف أولا إلى حث إسرائيل على اتباع نهج أكثر دقة في استهداف عناصر حماس لتقليل سقوط المدنيين. وثانيا تهدف إلى توسيع تبادل المعلومات الاستخبارية لتوفير معلومات مفيدة حول مواقع الأسرى، ضمن ما يُسمى عادة "التزام الأمريكان بالتعاون الاستخباراتي مع شركائهم في المنطقة". ومن ثمة فهذه المحادثات ستشمل إضافة للكيان الصهيوني مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وربما دولة الامارات العربية المتحدة.

أما مهمة وزير الخارجية بلنكين، فالمعلن أنها تهدف إلى ثلاثة أمور:
أ) وقف مؤقت لإطلاق النار، بما يسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة.
ب) منع اتساع الحرب في المنطقة.
ج) النظر في المقترحات العديدة المطروحة، خاصة ما سبق وتم التوافق حولها ثم تعطلت. وهي التالية:
* الاتفاق على خروج مزدوجي الجنسية من غزة مقابل نقل الجرحى الفلسطينيين من الحالات الحرجة إلى داخل مصر. ولكن أمام تعنت حكومة نتنياهو بمنع خروج الجرحى، رفضت المقاومة من جانبها خروج مزدوجي الجنسية. وهو ما اتخذته القاهرة مبرّرا لغلق معبر رفح.
* تعطل الاتفاق على خروج المدنيين الأسرى من الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس وعددهم نحو 50، بينهم نساء وشباب دون الـ18 عاماً، وهي أيضا مبادرة تم إفسادها باستمرار إسرائيل في قصف غزة.
* وأخيرا، وضع غزة ما بعد الحرب، للإيهام بأن الولايات المتحدة لن تسمح بضمّ القطاع. وهذا في حدّ ذاته طُعْم مُسكّن يمكن بيعه للشارع مقابل الهدوء والترقّب.

ما يجب الانتباه إليه، هو أن كل هذه الأهداف المعلنة هي مجرّد عناوين وشعارات وتحركات لتهدئة الاحتجاجات المنفجرة في كل مكان وامتصاصها. وذلك ببيع "الأزمة الإنسانية" للشارع على شكل جملة من المهدّئات. أما الأهداف الحقيقية فتتمثل فيما يلي:

أولا، شراء مزيد من الوقت للكيان الصهيوني بإعطائه الفرصة لمزيد التدمير والقتل، لعلّه ينجح في القضاء على المقاومة. أو على الأقلّ ينجح في تحطيمها معنويًّا بالوصول بحصيلة القتل والترويع إلى درجة لا تُطاق، بما يخلق بيئة مواتية لترتيب وضع غزة لاحقا دون حركة حماس. وبما يجعل خروج الكيان من الحرب على صورة "المّنتصر" صاحب يد عُليا تُعفيه من أية عَقَبة في طريق الضمّ. وهذا أمر يراه الأمريكان مهم للغاية في علاقة بترميم التصدّع الحاصل في بيت الكيان الصهيوني الداخلي، سيما وأن إسرائيل مقبلة على أزمة داخلية كبيرة، بالنظر للمظاهرات اليومية لأهالي الأسرى المطالبين بإقالة نتنياهو، يتزامن ذلك مع استطلاع للرأي أظهر أن 76% من الإسرائيليين يرون ضرورة استقالته. زِد على ذلك وجود حالة سخط لدى قوى المعارضة، ومحاولتها استثمار الازمة للإطاحة بنتنياهو وجرّه للمحاكمة.

ثانيا، بيع "الهدنة الإنسانية" للأنظمة العربية المهدّدة بضغط الشارع، مقابل إعادة تعزيز "جبهة التحالف العربي الصهيوني" ضدّ محور المقاومة. وفي هذا السياق، سرعان ما أعطت الخطة الديبلوماسية ثمارها، إذ وردت أخبار أمس تقول بأن القوات السعودية اعترضت صاروخا أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل، وبأن الجيش السعودي دخل في حالة تأهب، عقب اشتباكات مع المتمردين الحوثيين مما أسفر عن قتل أربعة جنود سعوديين. ولم تكشف لا الولايات المتحدة ولا السعودية عن انخراط الرياض في وقف الهجوم على إسرائيل. وسيتواصل التعتيم على كل ما يمكن أن يتسبب في استفزاز الشعوب وإثارتها ضد الأنظمة.

ثالثا، وقف الهجمات على القواعد الأميركية. بحيث وصل بلينكن إلى قاعدة "عين الأسد" غرب العراق في زيارة غير معلنة لدواعي أمنية، التقى فيها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ليعرض عليه صفقة التوسّط لدى طهران لِلَجم جماعات محور المقاومة، ومنعها من استهداف القواعد الأميركية، مقابل "الهدنة الإنسانية"، باعتبارها "مطلب يرتضيه الجميع". وفيما واصل بلينكن رحلته نحو تركيا، طار السوداني إلى طهران حاملا تلك الرسالة. غير أن الخامنئي ردّ بكون فصائل المقاومة مستقلة، يتعين على الأمريكي التفاوض معها مباشرة. ونصح السوداني بأولوية وحدة العراقيين، قائلا له بأن "الولايات المتحدة تبيعكم الأوهام لتضرب وحدتكم، ولا تقدم لكم حلّا لغزّة". وفي نفس اليوم قامت "كتائب الإمام علي" بتنفيذ هجمات وُصِفت ب"المّوجعة" على القوات الأميركية.
بناء على ما تقدم لا يمكن بأيّة حال من الأحوال الظنّ ولو للحظة واحدة بأن إدارة بيدن تحرّكت فيها الإنسانية والعطف على الأبرياء في غزة، والحال أن وزير خارجيتها حذّر أمس صباحا من "أن هدنة في غزة قد تساعد حماس على تنظيم صفوفها". وعلينا أن نتذكر أن هذه دولة إحلالية قامت على إبادة السكان الأصليين. بما يعني أن إبادة سكان غزة لها صورة حقيقية في التراث السياسي والثقافي للولايات المتحدة. وبقدر التعويل على يقضة الضمير الإنساني المُتعاظم في الشعب الأمريكي وفي الشعوب الأروبية وفي كل شعوب العالم التي ملأت الشوارع نُصرة لأطفال غزّة، بنفس اليقين لا يجب أن نطمع في أيّ من حكومات أروبا الغربية المندفعة في مساندة الجريمة بشكل مُخزي. وحتى تلك الأصوات الرسمية المنفردة التي تعلو من حين إلى آخر في أروبا، فليست تعلو احتجاجا على المذبحة، بل احتجاجا على الاستمرار في سياسة الكيل بمكيالين، تلك السياسة التي أفلست الحكومات الغربية أخلاقيا، وأفقدتها كل مصداقية في نظر كل شعوب الأرض، بما في ذلك شعوب أروبا وأمريكا الشمالية. وهو ما عبّر عنه مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي أول أمس جوزيب بوريل بقوله: "علينا أن نحترم عقول الناس". وهو يقصد بأن العالم لا يمكنه، بعد الحرب على غزة، الاقتناع باتهام الغرب لروسيا بارتكابها للإبادة الجماعية، وإصدار محكمة الجنايات الدولة بطاقة جلب في حق الرئيس بوتين باعتباره مجرم حرب، على خلفية سقوط تسعة آلاف أوكرانيا خلال سنة ونصف من العمليات الحربية. وفي نفس الوقت يعتبر نفس الذين اتهموا روسيا ورئيسها، بأن قتل الجيش الإسرائيلي لعشرة آلاف مدنيا، بينهم 4800 طفل، و 2550 امرأة و 569 مسناً، إضافة إلى 24808 جريح، وثلاثة إلاف مفقود في ظرف شهر فقط، هو "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، رغم أن إسرائيل قوة احتلال، لا ينطبق عليها مبدأ "حق الدفاع عن النفس" في مواجهة الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال.
@








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام