الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الاقتصاد العالمى الجديد

شريف حتاتة

2023 / 11 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


حول الاقتصاد العالمي الجديد
--------------------------------------
لم يسبق في التاريخ ، أن حدثت مثل تلك الدرجة من التمركز والتركيز ، في رأس المال اللذين نشهدهما اليوم ، ولا أن سيطرت عليه ، مثل تلك القلة من الدول والافراد التي تسيطر عليها اليوم.
دراسة الاستثمارات الرأسمالية في المجالات المختلفة ، تؤدي الى الاسراع بتوسيع الهوة التي تفصل بين الاغنياء وبين الفقراء ، العاجزين عن اللحاق بركب المعرفه . وهذه الظاهره يمكن لأي مسافر الى البلاد الصناعية الكبرى أن يلتقطها بسهوله في جميع المجالات ، ليدرك ما الذي فعله الاستعمار القديم والجديد ، بحياة أغلبية سكان الارض.
وخلال ال 20 سنة الماضية ، ابتكرت وسائل تكنولوجية ، أدت الى تخفيض كميات اغلب المواد الخام الضروريه للانتاج بمقدار الثلث . كانت الصناعة اليابانية هي الرائدة في هذا المجال ، وترتب على ذلك حدوث انخفاض في اسعار ما يزيد عن ثلاثين ماده من المواد الخام الاساسية ، وهو انخفاض ما زال مستمرا يؤدي الى تقليل الطلب على هذه المواد . هكذا اضيف عنصر جديد ومهم الى التحكم الاحتكاري في الأسعار ، كان القطن احد ضحاياه . في الوقت نفسه ادى التقدم في في اساليب الانتاج الحديثة ، واعتمادها المتزايد على تشغيل الآلي للمصانع واستخدام العقول الالكترونية ، الى تقليل الاحتياج الى الأيدي العاملة . ومعنى هذا ان المميزات التي تتمتع بها بلاد الجنوب وهي ثرواتها الطبيعية ، الى جانب وفره ايديها العامله ورخص اجورها ، تفقد قيمتها في ظل التكنولوجيا الحديثة بسبب انخفاض الطلب عليها.
ان عمليه الخصخصةالتي تتم في بلادنا ، تعني انتقال السيطره الكاملة على اقتصادنا الى الشركات المتعددة الجنسية ، التي تسعى دائما الى الاستفادة من هذا التقدم التكنولوجي بشكل مكثف ، تعني تهميش اقتصادنا وانحدار قيمتنا في ظل النظام العالمي الجديد.
ان التحكم في السوق و المضاربات والتلاعب بمقدرات الاقتصاد في البورصات ، كلها عمليات تعتمد على وسائل الاعلام الحديثة وعلى وسائل الاتصال الفضائية المتقدمة ، التي تسمح باجراء الصفقات الضخمة في لمح البصر . وهذا كله يحقق مصالح الأغنى والاقوى ، على حساب الشعوب الفقيرة التي لا تملك الا قدرا ضئيلا من الوسائل الحديثة.
وجميع هذه الامكانيات العلمية والتكنولوجية ، تسهل عمليات الدمج والاستيعاب وامتصاص للمشاريع والمؤسسات الاضعف ، وتسهل عمليات السيطرة والتحكم عن بعد ، والاداره الخاضعة لرأس المال المتمركز في العواصم العالمية . هكذا يصبح النشاط الوطني في مجال الاقتصاد ، سواء كان خاضعا للدوله أو للقطاع العام أو خاضعة للأفراد ، مهمشا . وتنتقل السيطرة للشركات الدولية ن وتتم التضحية بالسوق المحلي ، وبالاغلبية الكادحة الباحثة عن قوت يومها .
هذا هو النظام الاقتصادي العالمي الجديد ، الذي يتحدثون عنه . ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد . انه يعني تطورا مستمرا في وسائل النهب ، لصالح راس المال المتمركز في بلاد الشمال ، ومنها دوله صعدت الى المرتبة الثانية بعد امريكا ، وان كانت تنتمي جغرافيا وثقافيا الى الشرق ، دولة اليابان.
ماذا تعني اعاده البناء الهيكلي ؟
........................................
في عصر كهذا ، لم تعد كلمات مثل القرصنة، أو النهب ، تتداول في المؤسسات الاقتصادية والعلمية للعواصم الغربية ، أو المحافل او المؤتمرات ، أو الجامعات التي تدرس وتبحث وتناقش شؤون العالم . الآن ، حلت محلها كلمات جديدة متحضرة مهذبة ، مثل العولمة ، و القروض ، و الاستثمار ، والتجارة الحرة ، و التنمية ، و اعاده تركيب البناء الهيكلي.
ولكن باسم هذه العمليات جميعا ، وخلال السنين الممتدة من 1987 حتى 1997 ، كان مجموع الاموال التي انتقلت من الجنوب الى الشمال ، اثنى عشر ضعف الأموال التي استثمرتها الولايات المتحدة ، في اوروبا لتعيد بناء اقتصادها بعد الدمار الذي اصابها اثناء الحرب العالمية الثانية ، ومن بين هذه الاموال مائتا بليون من الدولارات ، انتقلت من بلاد الجنوب الى البنوك التجارية ، في المراكز المالية الكبرى اثناء الفتره نفسها .
ان العملية التي يطلق عليها البنك الدولي اعادة هيكلة الاقتصاد ، والتي تُطبق في عدد كبير من بلاد آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، ليست الا تطويرا لأساليب النهب القديمة ، وجزء من النظام العالمي الذي يستنزف امكانيات الجنوب لصالح بلاد الشمال الغنية . انها لا تخرج عن كونها عملية إبادة اقتصادية ، تشبه التطهير العرقى ، وتتم على نطاق اوسع بكثير ، وبوسائل تخفي حقيقه ما تؤدي اليه . دولرة الأسعار في هذه البلاد ، اي رفعها الى المستوى السائد في بلاد الشمال الغنية ، ركن اساسي في السياسات الاقتصادية ، التي اصر البنك الدولي على تطبيقها . هذا بينما متوسط الدخول في الجنوب ، يقل عن مثيله في الشمال سبعين مرة . فبائع التجزئة في امريكا ، يتقاضى اجرا يساوي أربعين ضعف اجر العامل الصناعي في مصر . اجر الطبيب المبتدئ في امريكا يتراوح بين 1000 و 1200 دولار ن بينما نظيره عندنا لا يزيد مرتبه في الحكومه عما يعادل 40 او 50 دولار . وهذا يعني ان اعاده الهيكلة هذه ، ستدفع بالأغلبية الساحقة من السكان في بلادنا الى مشارف الجوع ، بسبب الاختلال الخطير بين الدخول والاسعار.
امريكا ومنطقه الجات ومنظمة التجاره العالمية التي حلت محلها ، ترفع شعار التجاره الحرة . هذه ليست حرية الرأسمالية ضد الاقطاع ، ولا تعني اطلاق الامكانيات ، كما كانت تعني في المراحل الاولى للثوره الصناعية . وانما تعنى حرية الكبار، في التهام كل منْ هم اصغر منهم ... حرية الشركات المتعددة الجنسية ، في فتح السوق العالمي امامها ، ورفع الحواجز والجمارك والدعم واشكال الحماية ، التي كانت تبقى الكثيرين على قيد الحياة ، وتسمح لهم بمزاولة نشاطهم الانتاجي و الخدمي و التجاري . التجاره الحرة ، تعني استغلالا بشعا للفقراء ومتوسطي الحال . فمثلا الشركة العالمية نايك في اندونيسيا ، تعتمد على تشغيل قوه عاملة نسائية ، ويصل اجر العاملة مقابل جهدها الى 12 سنتا لكل زوج من الاحذية ، اي 12 سنتا من الثمانين او المائة وعشرين دولارا ، التي تشكل سعر البيع في المحلات.
البن المحمص يُباع في السوق بعشرة دولارات للكيلو في اسواق البلاد المنتجة . بينما سعر البن الاخضر هو دولار واحد فقط للكيلو . فأين تذهب الدولارات التسع ، التي هي فارق السعر بينهما ؟ . يتقاضى الفلاح الذي يزرعه من 25 الى 50 سنتا للكيلو ، ويُقتطع مبلغ 50 الى 75 سنتا لمصاريف النقل وارباحه ولتغطية ارباح التجار المحليين . اما التسعه دولارات ، فهي نصيب شركات التجارة الدولية والموزعين وتجار الجملة والتجزئة في الغرب . وهذا يعني ان نصيب الفلاح المنتج ، هو جزء من أربعين جزءا من سعر البيع (10 دولارات للكيلو) وهذا الجزء يدفع منه الفلاح ايجار الارض والقروض وأجور عمال ومصاريف الزراعة الاخرى .
المقاييس نفسها تنطبق على زراعه القطن ، الذي يبيعه المزارع للمنتج بسعر 350 جنيه للقنطار سنه 1998 ، فيصل دخله من هذا القنطار ، الى ما
يقرب من 75 جنيها ، اما سعره في السوق العالمي فيتضاعف ليصل الى ما يعادل 1000 او 1500 جنيها ، وتحققق منه الشركات العالمية ووكلاؤها ارباحا طائلة.
هكذا تتحدد الاسعار والأرباح ، في ظل الاحتكار العالمي الذي يطلقون عليه اسم التجاره الحرة . وهكذا تتم عمليه النهب تحت شعارات المعونة والتنمية واعاده بناء الهيكل الاقتصادي للبلاد النامية.
------------------------------------
من كتاب : " العولمة والاسلام السياسى " 1999
------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟