الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب المعلومات

رباب خاجه

2023 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في الآونة الأخيرة سمعت الكثيرين في السوشيال ميديا العربية و الإسلامية، في محاولة منهم لإستجداء العواطف بحجم ما يتعرض له أبناء غزة، يردد بأن "مجموع القنابل التي أطلقتها إسرائيل على غزة من يوم أكتوبر7 حتى الآن، تصل بحجم قنبلة هيروشيما تقريبًا و هي أخطر منها في مساحة الدمار." و للاسف هناك منهم المثقفون و الكتاب الذين يرددون هذا الكلام دون أن يتأكدوا من هذه المعلومة. و هناك شخص قال أن حجم الدمار حتى أكبر مما فعلته القنبلة النووية في كل من هيروشيما و نجازاكي مجتمعين (يا لهوي!). معقولة؟
مقارنة أثر الدمار الناتج عن مجموع القنابل الكلاسيكية من إسرائيل في خلال 23 يوم مع القنبلة النووية، الولد الصغير Little Boy ، كما سميت، التى ألقتها أمريكا على هيروشيما-اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، هو كمن يقارن البرتقال مع البلح. لكن من هو مصدر هذا الكلام الذي إنتشر كالنار بالهشيم في الإنترنت؟
تخمينك صحيح: قناة الجزيرة. بالطبع هذا ليس غريبًا عليها. فقناة الجزيرة عندها تاريخ في نشر أنصاف الحقائق -كمن يقول " و لا تقربوا الصلاة " و يترك " و أنتم سُكارى" – أو حتى الكذب البواح. و لذا لابد من أخذ المعلومة منها مع ذرة ملح، كما يقول الفرنجة. لكن ما هو عذر المثقفين؟ هذا هو المصدر، إقرأوه بأنفسكم لتتأكدوا:
https://www.aljazeera.net/news/2023/10/25/%D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A3%D8%B3%D9%82%D8%B7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%BA%D8%B2%D8%A9
أولاً: بغض النظر عن حجم الدمار و أعداد القتلى، فالقتل هو القتل، سواء كان لشخص واحد أم لمليون. بل ذهب ستالين إلى أبعد من ذلك عندما قال "قتل شخص واحد هو تراجيديا، قتل أكثر من شخص هو إحصاءات." فحساب من هم الأكثرية المقتولة من الطرفين ليس دليل على من هو الشيطان و من هو الملاك، قتل البرئ خطأ و لو كان شخص واحد. و حتى باسم يوسف الذي هو بالأساس طبيب و يعرف أن حق الشخص بالحياة هو واحد، إنجر في هذه الحجة عندما قارن عدد ضحايا كل طرف بمقابلته مع بيرس مورغان الشهيرة كدليل على من هو الملاك و من هو الشيطان، فصارت كلماته مرفوعة على بانرات المتظاهرين الذين يقدسون شخصية البطل الذي يعبر عن إنحيازاتهم.
ثانيًا: لماذا التهويل؟ إذا إتفقنا أن قتل البرئ خطأ، التهويل و لي الحقائق التاريخية و الكذب ليس إلا بروباغاندا يراد بها الإستقطاب. لكنها للأسف وسيلة قادرة على دغدغة المشاعر، و تشغيل الإنحيازات الموروثة لدينا، فتنجح بإثارة الأغلبية عاطفيًا و تقضي على أية محاولة منا للتفكير النقدي.
التفكير النقدي اليوم لم يعد رفاهية، بل هو ضرورة من ضرورات الحياة الإنترنتية، الذي صار بإمكان الفرد فيه أن يصل إلى المعلومة الفعلية مختلطة بالمعلومة المزيفة بلمسه واحدة للشاشة. هي حرب لا تقل خطورتها عن أي حرب أخرى تدار على الأرض، بل قد تكون أخطر، لأنها تعمل من الداخل. هي حرب معلوماتية Information Warfare سهلة الاستخدام و عادة ما يكون مصدرها جهة واحدة أو حتى شخص واحد، ارسل هذه المعلومة لخمس أفراد على قائمة معارفه(على أقل تقدير)، و هؤلاء الخمسة أرسلوه لخمس افراد آخرين من معارفهم و هكذا تنتشر المعلومة أسيًا لدرجة يضيع معها المصدر الرئيسي الذي أرسل هذا الإدعاء بالأساس. و هنا الخطورة. و لذا لابد أن نقوم بالتأكد من كل معلومة مهما كانت معقدة، قبل أن نصدر الحكم في أية مسألة. أو على أقل تقدير، لا نصدر الأحكام طالما ليس لدينا أدلة كافية و نقول "لا نعرف" و هذا ليس عيب، بل واقع.
بالرجوع إلى الخبر في قناة الجزيرة و تحليلاتها بالنسبة لما تتعرض له غزة من دمار: لو إفترضنا أن مجموع ما قامت إسرائيل بإطلاقه من صواريخ كلاسيكية (و إن كانت تكنولوجيًا متطورة و بها أجهزة GPS)، على غزة هو 12 ألف طن TNT ، و أن القنبلة النووية (هيروشيما) وزنها يعادل 15 ألف طن TNT فهذا لا يعكس حجم الدمار الذي قد يحدثه كل منهما، بل هي مقارنة بين الوزنين فقط. حتى نعرف حجم الدمار لابد من عمل مقارنة بين مجموع القتلى في كل الحالتين؛ عدد القتلى، حسب معلومات من حماس نفسها من يوم 7 أكتوبر حتى الآن هو 8 ألف شخص، و عدد قتلى ليتل بوى لوحده 140 ألف شخص في لحظات، هذا غير التشوهات الخلقية التي أورثها من تعرض للإشعاعات إلى أجيال بعده.
و كذلك ذكرت الجزيرة أن اسرائيل تستخدم " الفسفور الأبيض المحرم دوليا " و هذا غير صحيح. فالفسفور الأبيض ممكن أن يستخدم في عمل الدخان أو حتى للإنذار بأن هناك قنابل أقوى ستأتي بعدها. و هو ليس محرم دوليًا، لكن إستخدامة لابد أن يكون مقنن و بشروط. عرضه بهذه الطريقة يوحي أن إسرائيل تستخدم أسلحة كيماوية لتقوم بالإبادة الجماعية، و سواء كان هذا الإدعاء صحيح أو كذب، فعلى أقل تقدير نحن لا نعرف.
التهويل و الكذب و الخداع و عرض أنصاف الحقائق لإستدراج العاطفة و عمل الإستقطابات بالعالم قد يكون بالنسبة لقناة الجزيرة، و من مثلها، سواء كانت موجودة بالعالم الاسلامي أو العربي أو الجناح الشرقي كروسيا و الصين أو الغربي كاوربا و امريكا، هو مجرد بيزينس، أو " الجمهور عايز كده"، لا يستفيد منها سوى الديكتاوريون. و الإخوان المسلمين هم شر الدكتاتوريين، لأنهم يتكئون على عمود ديني قومي سلطوي. و لا يهتمون بالإنسانية لأن لديهم غاية أكبر، ألا و هي ارجاع الخلافة الإسلامية. إن كنتم تشكون في ذلك إسمعوا بأنفسكم تصاريح قياداتهم من هنية و مشعل و أبو عبيدة. و هؤلاء لا يترعرعون إلا بالماء العكر. لذلك لا يمكن أن تكون قناة الجزيرة، البوق الرسمي للإخوان، إلا الجناح الإعلامي لهم في حرب المعلومات العالمية. نعم الإخوان اليوم هم حزب عالمي. لذلك لابد من الحذر بألا تنجر أرجلنا إلى مالا يحمد عقباه. فنعض أصابع الندم بعد فوات الأوان.
نحتاح أن نتشكك بكل خبر و لا نصدقه إلا بعد فحص و تأكيد.نحتاج الى تشغيل آليات التفكير النقدي، و نتوقف عن إتباع القطيع، لأن السير مع القطيع يسلبنا العقل و لن نعلم أننا مسيرون، الخوف و العاطفة والشعور بالذنب الذي يبثه فيك الفهلوي الذي يعرف كيف يستغل ضعفك تجاه إبناء جلدتك هي ما تقودنا بكل مكر، فنسلم القيادة لمن يدغدغ مشاعرنا أكثر و يعمينا عن رؤية الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح