الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق الدفاع عن النفس في ميزان الحقوق

فتحي علي رشيد

2023 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


من المؤكد أن مجلس الحرب في كيان العدو الصهيوني المسمى " اسرائيل" لو لم يجد في تأكيد قادة الدول الغربية في العالم على مقولة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها " لما كان يجرؤ على القيام بهذه المجازر والمذابح البشرية في غزة أو الاستمرار بها لهذه الفترة وبهذه البشاعة . حيث وجد في ذلك الموقف الغربى خاصة الأوروبي غطاء للاستمرار في ارتكاب مزيد من المجازر .ما يفهم منه أن تفنيد هذا الحق يمكن أن يلعب دورا ما في منع او إيقاف هذه المذابح المتتالية اليومية وغيرها من المذابح المحتمل حدوثها في فلسطين وغيرها ,وقد يساهم في التقليل من شرورها .
وللرد على من يرى أن لا حاجة بنا للرد على استخدام القوى الغاشمة لتلك المبررات القانونية والأخلاقية لارتكاب أعمال غير أخلاقية لأنها بها اوبدونها سترتكب تلك المجازر ولن تجد من يمنعها عن القيام بها او الاستمرار بها .أجد أن هذا صحيح جزئيا بدليل أننا نجد دائما عبر التاريخ ( سواء الاستعمار والنازية ) من يلجأ إلى مسوغات او مبررات قانونية او أخلاقية اويتخذ من من حقه في الوجود (تحت الشمس ) مبررا لتبرير جرائمه .
غياب الردود المنطقية والعقلية والقانونية :
يبدو لي من خلال ردود فعل النخب والقيادات العربية الخائبة ، او عدم تفنيد مزاعم قيادات الدول الغربية حول " حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها " . شكل غطاء نظريا وقانونيا لما قامت وتقوم به إسرائيل من جرائم بشعة ، كما ساهم في تبرير دعم الغرب المادي والمعنوي لما تقوم به إسرائيل تحت غطاء شعار حقها في الدفاع عن نفسها .وكذلك في تمسك تلك الدول بذلك الحق للقتل والتدمير وعدم الضغط على إسرائيل لوقف العدوان الهمجي على غزة. وبما أن تلك القيادات العربية لم تمتلك القدرة على دحض هذه المزاعم " حق إسرائيل في الدفاع المزعوم عن النفس ) ولم تسقطه نظريا وقانونيا .قد أتاح المجال للمجرمين والقتلة القيام بأبشع الجرائم والاستمرار بارتكابها طوال هذه الفترة .
ويبدو لي أن النخب والقيادات العربية تحتاج أكثر من النخب والقيادات الغربية إلى إعادة التذكير بالأسس النظرية والقانونية والأخلاقية لاستخدام كافة الحقوق بما فيها حق الدفاع عن النفس وشروط استخدامه ليس لوقف العدوان على غزة فحسب ، بل كي تمتلك هي حق الدفاع عن نفسها فيما لو قررت إسرائيل او أمريكا الاعتداء عليها ، وبما يمكنها مسبقا من الحيلولة دون وقوع أي عدوان مماثل عليها لاحقا . ولكي تعرف الآن ومستقبلا كيف تدافع عن حقوقها وحقوق شعوبها . ولتعرف كيف ترد على المزاعم الغربية والإسرائيلية .
ومن المؤكد أن ذلك ليس مهماً للنخب والشعوب العربية لإعادة الاعتبار لأنفسهم وتذكيرهم بحقوقهم التي كادوا ينسوها ، أ و لم تعد تعنيهم كبشر لهم الحق في العيش بكرامة أسوة بكل الشعوب .بل بما قد يمكنهم حاليا ولاحقا وابدا اتخاذ المواقف الصحيحة التي يفترض بالبشر الأسوياء اتخاذها بصدد ما جرى ويجري في غزة وغيرها ، وبما يمكن أن يساهم في مدهم بالقوة والثقة وبالقدرة والحق والعمل على استعادة حقوقهم وكرامتهم وعزتهم المهدورة .
مهزلة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود :
لا يمكن أن نتغاضى عن القول بأن هذا الموقف المتخاذل ناتج في جزء كبير منه بسبب أن الاعلام الغربي المسيطر استطاع خلال الثلاثين عاما الماضية ان يثبت في عقول كثير من نخبنا وقياداتنا ونخبه وشعوبه اعتباروجود إسرائيل كدولة أمرا طبيعيا . خاصة وبالتحديد منذ أن اعترفت قيادة منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود . وبالتالي تمكن الإعلام من أن يمسح من عقول القيادات والنخب العربية اساسيات وشروط استخدام حق الدفاع عن النفس ولتبرير الأعمال الانتقامية للمحتل والمعتدي .
وعلى ما يبدوا أن أغلب هذه القيادات باتت مثل القيادات والنخب الغربية تعتبرحق إسرائيل في الوجود مقدسا كونها الدولة الوحيدة الديمقراطية في المنطقة واعتبارها مثل أية دولة أوروبية يحق الدفاع عن نفسها في وجه الهمج والإرهابيين .وبالتالي يصبح من حقها في حال تعرض لها أحد من الداخل اومن الخارج بسوء مهما كان أن تستخدم حقها كدولة في الدفاع عن نفسها وشعبها ولأن ترتكب باسم هذا الحق ابشع الجرائم .
لهذا فإن إعادة تذكير القيادات والنخب العربية بالمبادئ والأسس القديمة التي قامت عليها الحضارة الإنسانية وشروط استخدام هذا الحق ، قد يكون مفيدا لتجاوز هذا الفهم .
حقوق الانسان وحق تقرير المصير :
بما أن الحفاظ على حقوق الانسان التي صاغتها الثورة البرجوازية والدول الصناعية والتمسك بها والدفاع عنها باتت الأساس الذي تقوم عليه الحضارة الإنسانية الراهنة ، او السائدة حاليا ,والتي إذا ما تم تجاهلها او خرقها تعرضت الإنسانية ومستقبلها ووجودها للخطر . لذلك كان حق تقريرالشعوب في تقريرمصيرها (لذي صاغه الرئيس ولسون عام 1919 ) وفي إقامة وتأسيس دول مستقلة ، حقا أساسيا لتثبيت حقوق الانسان من الناحية العملية . لهذا بات التمسك بحق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عنها مرجعا وحقا أساسيا للحضارة الراهنة ولكل الشعوب . ولذلك باتت المادة الأولى في التقرير الدولي لحقوق الانسان المقر عام 1948.تورد حق الأمم في تقرير مصيرها كمادة أولى ، و لهذا كان ومازال التمسك بحق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عنه والمطالبة بتحقيقه هو الأساس النظري لقيام مجتمع بشري عادل ومتماسك ولاستمراره .في حين أن حق الدول في الدفاع عن نفسها جاء متأخرا جدا في ميثاق األأمم المتحدة (المادة 51) بما يعني ويؤكد على أن حق تقرير المصير يتقدم على حق الدفاع عن النفس ويعلو عليه وله الأولوية .في حقوق الإنسان في حين تعطي الدول الغربية لحق الدفاع عن النفس وبالذات لإسرائيل الأولوية على كافة الحقوق بما فيها على حرية الرأي لنخبها وشعوبها وحق حرية التعبير .
حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني
إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا فإننا سنجد أن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولة عربية مستقلة لهم في فلسطين ضمن اتحاد فدرالي قد أقر منذ عام 1947 في القرار 181 رغم انف الاستعمار البريطاني الذي عمل على إلغاء وجود الشعب الفلسطيني .
وإذا كانت الهيمنة الاستعمارية في ذلك الوقت لم تتح المجال لدولة عربية لأن تقوم وتتشكل عام 1948 في فلسطين (لأسباب عدة ذكرناها في مقالات سابقة ) بينما قامت الدولة اليهودية فقط . ومع ذلك لم يتم الاعتراف الرسمي بإسرائيل إلا عام 1949 بعد تأكيد قياداتها على موافقتها وقبولها بالقرارين 181 و194 الواردين في القرار 273 لعام 1949 والعمل على التقيد بهما والعمل على تنفيذهما . حيث اعتبرالقرار التزام إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية على 45% من ارض فلسطين وتدويل القدس شرطا لقبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة .وبما أن إسرائيل لم تقم ولم تنفذ هذين القرارين حتى اليوم. فهذا معناه أن الاعتراف بدولة إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية لجوارها عام 1948 حسب ما ينص عليه القرار 181 ودون إعادة اللاجئين حسب القرار 194 . هو أمر غير شرعي والاعتراف بها غير قانوني ومخالف للشرعية الدولية وللقرار الذي شرع قيامها . بمعنى أن الدولة اليهودية التي أقيمت وسميت بإسرائيل لا يحق لها ان تكون عضوا في الأمم المتحدة (كونها فرضت بقوة العصابات الإرهابية ) وهذا يعني أنها من الناحية القانونية ليست دولة ولا يجوز الاعتراف بها .وإذا اضفنا لذلك عدم تحديد حدود سياسة محددة لها وعدم وجود دستور لها(من قبل قياداتها ) فهذا يعني أنها ليست دولة بل كيان عدواني قام ومازال منذ البداية وحتى اليوم ضد وفوق القانون الدولي المعترف به عالميا .
وبما أن إسرائيل ومن خلفها الدول الاستعمارية وافقت واعترفت باسرائيل كدولة ، ووافقت على اعتبارها دولة عضو في الأمم المتحدة لتعذر قيام الدولة الفلسطينية (حيث القت المسؤولية على خلافات تمت بين العرب وبين الفلسطينيين ) . وبما أن هذه المسؤولية سقطت بعد أن وافق العرب في قمة عام 1964 على إقامة كيان فلسطيني على أرض فلسطين قد اوجد أرضية مناسبة عام 1974 لقيام دولة فلسطينية ومن ثم لصدور القرار 3236 ومن ثم ليقر العالم كله من يومها ويذكر من جديد بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة و بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره والحرية والسيادة والاستقلال دون تدخل خارجي .وهو ما تحقق شكليا وجزئيا بعد عشرين عاما في اوسلوا عام 1994 من خلال موافقة إسرائيل على إقامة سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة يمكن أن تكون وتصبح دولة مستقلة لاحقا.
لكن بما أن اليمين الصهيوني سيطر على الحكم في إسرائيل عام 1995 بعد مقتل رابين وبدأ يهيمن على الحكم لذلك راح يعمل كل ما من شأنه منع قيام دولة فلسطينية ويقيم الحواجز والعقبات ,ويوسع المستوطنات ويقسم الضفة الغربية ويفصلها عن غزة.واستمرهذا الأمر بالتصاعد حتى بلغ أقصى مدى له عام 2004 حيث ارغم مجلس الأمن على اصدار قراراً يدين فيه استخدام قوات الاحتلال القوة المفرطة ضد الفلسطينيين وإقامة الجدار العازل (جدار الفصل العنصري ) وأدان على وجه التحديد الأنشطة الاستيطانية وأعمال العنف التي يقوم بها المستوطنين (بحماية قوات الأمن الإسرائيلية ) ضد المواطنين الفلسطينيين .بما يعني أن العالم كه اعتبر في ذلك العام أن إسرائيل باتت دولة خارج القانون الدولي العام لا يجيز لأحد اعتبارها دولة طبيعية ولا ينطبق عليها ما ينطبق على الدول الأخرى كسويسرا مثلا . وهذا ما تعرفه او يجب او يفترض بالدول الغربية أن تعرفه .لكن بما ان الدول الغربية لم تتخذ من أسرائيل موقفا حازما وجادا فإن هذا شجعها على الاستمرار بالتوسع والعدوان . مما اضطر الأمم المتحدة عام إلى التحرك عام2016 إصدار قرارجديد اعتبرت فيه كل ما قامت وتقوم به إسرائيل غير شرعي .و مع ذلك استمرت إسرائيل بأعمالها التوسعية والعدائية مما دفع الأمم المتحدة عام 2022 (للمرة المئة وخمس وعشرون ) لإصدار القرار 2334 "الذي تم فيه التأكيد على ادانة الانشطة الاستيطانية واعمال المستوطنين في الضفة الغربية .وحيث تم اعتبار العام 2022 العام الأكثر دموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة . لكن إسرائيل مع ذلك لم تتوقف بل استمرت بالعدوان والهجوم على جنين ونابلس والخليل بيت لحم وفي الاعتداء على المصلين في القدس .
وبما أنه لم تقم الأمم المتحدة بواجباتها ولم تقم أي من الدول الغربية او العربية او السلطة بأي عمل جدي لوقف تلك الأعمال العدائية كان لابد من قيام عمل يضع حدا للعدوان.
عملية طوفان الأقصى:
من هذه الزاوية نتوصل إلى أن ما جرى خلال العامين الماضيين في الضفة من اعمال عدائية مع استمرار حصار غزة كان لابد أن يلقى ردا ومقاومة من الفلسطينين وهذا هو الأمر الطبيعي والمنطقي والذي تقر به جميع الشرائع . وما لم تقم به السلطة الفلسطينية كممثلة للشعب الفلسطيني كان لابد لحماس يوم سبعة تشرين الاول أن تقوم به خاصة في ظل الخنوع العربي والدولي كي توقف العدوان والتوسع ومهما كانت النتائج .
فحق تقرير المصير للشعوب يتيح للجماعات أن تشكل حركات مقاومة كما حصل في جنوب فيتنام وكوبا وجنوب لبنان وغزة و فلسطين .إلخ ) قوة شعبية تتمسك بحق شعبها في الدفاع عن نفسه ووجوده في وجه العدو الغاشم والظالم بشتى الوسائل المتاحة .
من هنا فإن نشوء وقام حماس وقيامها بما قامت به حماس خلال الأربعين عاما الماضية وخصوصا يوم سبعة تشرين لايعتبر عدوانا بل حقا طبيعيا ومشروعا ومبررا للدفاع عن شعبها وحقه في الوجود والبقاء وتقرير المصير .ومن هنا فان حق الشعب في الدفاع عن نفسه ضد الاحتلال والتمسك بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يعطي لحماس مشروعية ويسقط عن الطرف المعتدي والمحتل حق الدفاع عن النفس ويصبح رد الفعل الذي يقوم به المحتل على المقاومة المشروعة عدوانا مضاعفا .
الاعتداء على المدنيين :
بما أن ما قامت به حماس يوم سبعة تشرين لم يكن هجوما على دولة طبيعية ولا على دولة مسالمة بل على دولة محتلة ومعتدية وغاشمة وظالمة لذلك فلايمكن ولا يجوز اعتباره عدوانا . وهذا ما ينسحب على المدنيين في المستوطنات فهم ليسوا كالمدنيين في باريس او برلين . كونهم موجودون في أراض تعتبرمواقع عسكرية متقدمة .و يعرفون أن الإقامة فيها (المستوطنات ) مدان ومحرم دوليا . ينطبق عليهم ما ينطبق على المحتل .
نختم بالتأكيد على أن هذا هو موقفنا من المحتل الإسرائيلي و غيره ومن المعتدي أيا كان ـ في العالم الذين لا يحق لهم أساسا استخدام حق الدولة في الدفاع عن النفس . وأننا إن قبلنا بذلك او شرعناه فإننا بوعي نبرر ونشرع العدوان والاحتلال وبقاءه ودوامه . ونعطي له شرعية ارتكاب الجرائم ويبقى ويدوم .ونكون في ذات الوقت نعطي للقتلة والمجرمين والأفاقين والعصابات والمرتزقة الحق في الإجرام وتدمير الحضارة البشرية .
فتحي رشيد 11/ 11/ 2023 موتالاـ السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |