الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معادلة الجزء والكل: واشنطن العدو الأساسي

سعد الله مزرعاني

2023 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



في نطاق تراكمٍ كفاحيّ مقاوم، فلسطينيّ وغير فلسطيني (في دنيا العرب والإقليم)، حصلت معركة غزة وغلافها، تحت اسم «طوفان الأقصى». قبلها بقليل، وعبر إعلان التطبيع السعودي – الإسرائيلي، كان يجري تعزيز انطباع، على نحو ممنهج، بأن القضية الفلسطينية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأنها آيلة تدريجياً إلى تصفية لا ريب فيها! الطابع الفلسطيني التنفيذي الصرف (أقله) لعملية «طوفان الأقصى»، كان عاملاً مهماً في إعادة الأمور إلى نصابها. ذلك أنه من أبرز شروط بقاء القضية الفلسطينية، حاضرةً وحيّةً، أن يكون العامل الفلسطيني قوة أساسية فيها (إذا لم يكن القوة الأساسية): لجهة الإصرار والكفاح والتضحيات والمبادرات، بكل السبل والأشكال والأحجام. مرّ الدور الفلسطيني بمراحل متعددة، ولا يزال: من التغييب الكامل تحت عباءة الأنظمة العربية، إلى إطلاق الكفاح المسلح، ثمّ تبنّي شعار «القرار الفلسطيني المستقل»... حصلت مبالغات وأخطاء في بناء العلاقات وتحديدها وحدودها. لم يكن ينبغي أبداً وضع القرار «المستقل» في تعارض مع ضرورة التكامل مع الأطراف العربية والإقليمية التي اعتبرت استعادة حقوق شعب فلسطين، بتحريرها، هي ما ينبغي أن يكون قضية العرب الأولى. إنّ ما برز من اعتراض هؤلاء على «القرار المستقل» لم يكن كله مبرراً، ولا بريئاً من الفئوية أو الاستخدام الخاص! الصحيح أن الطرفين كانا، ولا يزالان، مطالبين بإرساء علاقة تعاون تفاعلية جدلية: علاقة الجزء بالكل، والطرف المسانِد بالطرف المسانَد، وصاحب القضية بداعميه وداعميها... ولكن برزت، في السياق، مشكلة إشهار مسألة «القرار المستقل» في خدمة نوع من التفرّد وعدم التنسيق المشترك، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الخروج من بيروت عام 1982 وإلى يومنا الحاضر.

مسألة إرساء علاقة سليمة هو أمر بالغ الأهمية. توازنُها وتكاملها عاملان مهمان في إبقاء شعلة القضيّة حيَّة ومتوهجة في مواجهة عدو مدعوم من قوى هائلة الإمكانات والأطماع والتعسف. نعم إسرائيل، ككيان مغتصب، لم تكن في السابق وليست الآن وحدها. هي لا تقاتل بإمكاناتها، إنها كما سُميت عن حق «مخفر متقدّم» للرأسمالية الإمبريالية الاستعمارية العالمية، وخصوصاً لقوتها الضاربة والضارية المجرمة الولايات المتحدة الأميركية. إسرائيل أداة مشروع استعماري خبيث يجمع ما بين أسوأ الصيغ الاستعمارية القديمة (الاستيطان وإبادة السكان الأصليين وطردهم، إثارة الصراعات والانقسامات بافتعال الخلافات والعصبيات و... وتغذيتها)، وبين الصيغ المتجددة التي تلبس لبوس «الديموقراطية» و«الحداثة» و«الحضارة» والتقدّم العلمي والتكنولوجي... إلى تراكم عصبيات مؤسطرة ذات طابع عنصري مبني على التفوق والأفضلية على باقي الخلائق والأقوام والجماعات.


لقد حظي الكيان الصهيوني المغتصب أرضَ شعب فلسطين وحقوقه، والمعتدي على كل الدول العربية المجاورة، والمتطلّع دائماً إلى التوسع الجغرافي والاقتصادي والسياسي... بدعم غير مسبوق. لعل المثل الأبرز هو ما نشهده اليوم في معركة غزة التي استقطبت أكبر حشد من حضور القادة الأطلسيين ومعهم حاملات طائراتهم وأساطيلهم وغواصاتهم وملياراتهم وإمداداتهم العسكرية ودعمهم السياسي الوقح والمباشر المقرون بالتهديدات والضغوط والمكائد والأكاذيب... هذا من دون أن نذكر الدعم غير المباشر (أو المباشر والوقح أحياناً!) من أتباع الغرب الأطلسي أو صنائعه: حكاماً وملوكاً وأمراء عرباً، ممن كانوا دائماً متواطئين أو شركاء أو خونة في كل مراحل مشاريع التآمر والهيمنة الاستعمارية على المنطقة عموماً وعلى قضية الشعب الفلسطيني خصوصاً. ومشروع الهيمنة، الأميركية خصوصاً، على منطقة الشرق الأوسط «الكبير» أو «الواسع»، كان دائماً ولا يزال، حلقة بالغة الأهمية في مشروع هيمنتها (المتراجع) على العالم بأسره والذي تدافع عنه، بمنتهى الشراسة والوحشية: من أوكرانيا إلى غزة.
لقد وقع على الشعب الفلسطيني أكبرُ الأذى على نحو إجرامي غير مسبوق، ولكنه لم يكن وحده المستهدف. لذلك فإن الشعب الفلسطيني لا ينبغي أن يكون وحده في المواجهة. وهو الآن، بصورة خاصة، لا يجب أن يبقى وحيداً مستفرداً في معركة ذات طابع مصيري له وللمنطقة عموماً. من هنا فإن «الاستقلالية» ينبغي أن تتحدَّد على أساس هذه المعادلة لا على أساس مبادئ عامة لا صلة لها بالواقع. في ترجمة ذلك، على نحو صحيح، أن الدور الفلسطيني أساسي وجوهري في رفع راية الكفاح وفي إبقائها عالية في كل الظروف والمراحل. والواقع أن الشعب الفلسطيني الذي تعرض لأبشع وأخبث ظلم في العالم، قد واصل، في كل المراحل، مقاومة أسطورية أحبطت مراهنات الصهاينة وحماتهم على دفعه، بالإرهاب والضغوط والحرمان، إلى اليأس والوهن والتخلي. في نطاق هذه المعادلة، لا يجوز للشعب الفلسطيني أن ينفرد، كما لا يجوز أن يُستفرد! أما المستهدفون الآخرون وهم شعوب المنطقة، عرباً وغير عرب، فهم بالضرورة شركاء في الدفاع عن القضية، بمقدار تحمل مسؤولياتهم في مواجهة مشروع الاغتصاب الصهيوني من جهة، ومشروع الهيمنة الأطلسي الاستعماري من جهة ثانية.


وفقاً لما تقدّم، فإنّ الصراع في غزة وغلافها، هو أيضاً وأساساً صراع فلسطيني إسرائيلي. وهو بالمقدار نفسه، صراع إقليمي كبير حول مصائر المنطقة وموقعها وثرواتها وحقوق شعوبها في التحرر من أشكال التبعية والهيمنة والنهب والاستغلال التي يمارسها الغرب الاستعماري بقيادة واشنطن. ليس مصادفة، إذاً، أن واشنطن هي التي تدير المعركة مباشرة بعد أن تلقت أداتها المحلية، الحكومة الصهيونية، ضربة قاسية أفقدتها القدرة على احتواء هجوم السابع من أكتوبر الماضي، رغم كل الدعم الأطلسي والمجازر الهمجية المروعة. واشنطن لا تدعم عبر انخراطها الكبير والمباشر والوقح أداتها الصهيونية فقط، بل هي تدافع بالدرجة الأولى عن مواقع نفوذها وعن شبكة مصالحها وعملائها الذين تراصفوا في الاتفاقيات «الإبراهيمية» بأمر من واشنطن، وبأمل أن يكون العدو الصهيوني حامياً إقليمياً لهم، فإذا به يسقط عاجزاً أمام أبطال غزة، كما لم يتوقّع أحد! لكل ذلك، المعركة الأساسية هي مع واشنطن كما تتبدّى (بالبطولة والصمود والمعاناة الرهيبة) في أوضح صورها في هذه الأيام.
تحيّة لأبطال غزّة ولمعجزة صمود شعبها. تحية لشعب فلسطين المكافح والمتشبث بحقوقه. تحية لكل القوى المنخرطة في الصراع ضد العدو الصهيوني وقوى المشروع الاستعماري الأطلسي المجرم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -