الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع مع دولة إسرائيل

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


" بينما كنت بصدد تحرير هذه الدراسة ، كان البوليس السياسي البليد يطفئ صفحة Word ، ويعرقل هذه الدراسة بصادية وكبث وبجرم لا مثيل لهم في تاريخ الاجرام البوليسي "
عجيب حين يردد البعض ان مناهضي التطبيع مع إسرائيل هم عملاء الجزائر ، وعملاء جبهة البوليساريو ، وعملاء حتى لإيران ، ولحزب الله ، ولحماس .. هذه الفرية من الاخبار ، صدرت عن مواقع الكترونية مختلفة لها نسبة مرتفعة من القراء ، نسبت هذه التهمة ، ربط معارضة التطبيع بالجزائر ، وبجبهة البوليساريو ، رغم ان الجزائر لا تزال لوحدها تحن وتحتفظ بعهد " جبهة الصمود والتصدي " ، حتى عندما كانت في اوج قوتها ، لم تتصدى لفلان ، ولا صمدت امام عِلاّن ، ظلت جبهة شعاراتية فقط ، بل ظلت كذلك حتى انقرضت أنظمتها ، باستثناء واحدة منها هي الجزائر التي لا تتعدى سقف الاعلام ، لاستمالة الشارع العربي الذي تغلب عليه العاطفة ، بسبب ثقافة التحنيط التي تعرض لها ، منذ ان بزغت الى السطح تلك الأنظمة التي رفعت مشعل تحرير فلسطين ، لكن للأسف كانت هي من سلم إسرائيل فلسطين في حرب الستة أيام في سنة 1967 . ومنذ ها ، ورغم الشعارات المسوقة ، ستميل كفة الميزان سريعا نحو إسرائيل ، عندما نصبت فخا لقيادة منظمات التحرير الفلسطينية ، وجرتها لتوقيع اتفاق مدريد في سنة 1982 ، وهو مؤتمر كان مآله الفشل ، ولينتقل الجميع الى مؤتمر آخر ، مؤتمر ثاني هو Oslo في سنة 1993 . ومثل مؤتمر مدريد ، كانت حتمية نتائج Oslo ، الفشل بعد اكثر من ثلاثين سنة مرت ، كلها كانت حرب خداع ومقالب ، ركزت فيه إسرائيل على الوقت والزمن ، من جهة لتعرية قيادة المنظمات الفلسطينية بخواء مشروعها ، ومن جهة لإفراغ مشروع المنظمات الفلسطينية التي رمت بكل بيضها في اوفاق Oslo ، بعد ان طلقت الكفاح المسلح ، ورمت البندقية لتعوضها بالمفاوضات السياسية ، بدعوى ان ما ستحققه السياسية والمفاوضات ، عجزت البندقية عن تحقيقه . فاذا كان البديل هو المفاوضات للوصول الى الحل الديمقراطي ، فلا مجال لمواصلة المقاومة المسلحة ، لان فن المقاومة السلمية وبرعاية الولايات المتحدة الامريكية ، كافي للوصول الى بناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ..
عندما وافقت قيادة منظمة التحرير على المفاوضات ، آملة الوصول الى الدولة الفلسطينية ، كانت الالة الدبلوماسية الإسرائيلية ، تشتغل على نحو اخر عند الوصول الى نهايته ، سيكون قد شطب بالكامل على حل الدولة الفلسطينية ، حتى ولو كانت شَبه دُويلة تعيش تحت رقابة الجيش الإسرائيلي ، ومن دون ان تكون في يوم من الأيام دولة مسلحة .
كان من اكبر الأخطاء الاستراتيجية التي صدرت عن ياسر عرفات ، ومن معه في حركة " فتح " ، طبعا بعد ان حسم الصراع مع المنظمات الفلسطينية المعارضة لنهج عرفات ، وهي الخطة التي سار عليها محمود عباس ، وبشكل قضى القضاء النهائي على حلم وليس مشروع " الدّويْلة " الفلسطينية ، حين اعترفت منظمات التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل الدولة أولا ، ومع طول الوقت غيرت إسرائيل منهجية العمل ، بعد تؤكدها من نجاح المخطط الإسرائيلي ، لتنتقل الى الإفصاح عن مشروعها الذي يعني الدولة اليهودية ذات الحضارة التوراتية ، والزبورية ، والحاخامية ، حضارة ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد ، من التاريخ اليهودي الذي انتصر عندما آمن محمود عباس ، وقيادة منظمات التحرير بالدولة اليهودية ، بارض الميعاد الغير محددة الحدود ، والغير معروفة الجيران " انتظار نكبة جديدة ، ونكسة جديدة " .. فالمفاوض الفلسطيني ، عندما مرت الخمسة عشر سنة الأولى من مفاوضات Oslo ، كان يعتقد انه لا زال يتفاوض مع دولة إسرائيل " اللاّئيكية " ، وكان يجهل انه يتفاوض مع دولة إسرائيل اليهودية ، ذات المشروع الديني اليهودي الحضاري . فكانت المفاوضات مثل حوار الصم مع البكم ، أي مفاوضات من دون مخرج ، غير الرفض التام " للدُّويْلة " الفلسطينية التي أضحت مجرد حلم كان في زمان ما ، ولم يعد الآن ، لافتقاره الى عناصر الوجود .
عندما غزت إسرائيل " يهودا والسامرة " ، الضفة الغربية وقطاع غزة ، وسكوت الشارع العربي عن محرقة القدس التي استغلها الحسن الثاني عندما انشأ " لجنة القدس " ، وهي لجنة خدمت نظامه ولم تخدم في شيء القدس ، تأكد لإسرائيل ان الأنظمة القومية الدكتاتورية التي تتصدر دعوة تحرير أراضي 1967 ، وقبلها ، هي أنظمة شعاراتية ، ولن تشكل خطرا على حاضر ومستقبل الدولة الصهيونية ، لأنها أنظمة انقلابية مفصولة عن شعوبها ، أنظمة هزيمة ، وليس لها من التحرير غير التباكي الذي لن يرجع لها لا " غزة " في وقت من الأوقات ، ولا الضفة الغربية " " يهودا والسامرا " .. وبعد شتى معارك بعد فشل العسكري العربي الذي ظل دائما مهزوما ، سيتم ترتيب أولويات المفاوضات . لكن بينما اعتقدت قيادة منظمات التحرير بإمكانية الوصول الى " الدّوليْة " ، بقدر ما اصبح الايمان قويا لدى إسرائيل بحسم معركة المفاوضات لصالح الدولة الصهيونية اليهودية ذات الحضارة التوراتية ، والزبورية ، والحاخامية .. ففي المشروع الحضاري ، اليهودي ، الصهيوني ، الحاخامي .. ان نضال المفاوضات لن ينجح إسرائيليا الا عند التعريف بارض الميعاد ، وان الحديث عن ارض الميعاد ، يعني استحالة انشاء اية دُويلة ، ولو دُويْلة منزوعة السلاح ، وتخضع لإشراف الجيش الإسرائيلي ، كما لامجال لترديد " حق العودة " لان الاثنين من ضروب المستحيلات ، لانها تتعارض بالمطلق مع الدولة الحضارية اليهودية الصهيونية .. ومن ثم فان جميع قيادات شعب الله المختار ، ترفض فكرة " الدُويْلة " ، وترفض فكرة " العودة " .. وتكون الدولة اليهودية من Oslo سنة 1993 ، قد نجحت في اشعار المفاوض الفلسطيني ، باستحالة العودة الى قبل زمن النكسة ، فأحرى العودة الى زمن النكبة .
في هذا الخضم الحافل بالمعطيات التي كانت مدروسة ، ولم تنزل فجأة ، ستفشل Oslo ، لان الشّبَه مفاوضات قد توقفت من زمان ، وستجد منظمة التحرير بقيادة محمود عباس ، نفسها غارقة الى ما فوق الاذنين في اوساخ الدولار الذي ميعهم ، وعرى عنهم كمفيوزيين ، واصبح عباس ومن معه كحسين الشيخ والقيادات التي ترفل في النعيم ، بين سندان السكوت والقبول بالأمر الواقع ، وهو موقف اصبح مفضوحا ، وبين مطرقة الدولار الخليجي والاوربي ، الذي قتل حس المقاومة ، واشهر مسؤولية المفاوضات ، المفاوضات العقيمة ، التي لن تصل ابدا لبحث " الدّويْلة " الفلسطينية ، و " حق العودة " ، لا لمهجري زمن النبكة ، ولا لمهجري زمن النكسة ..
فإسرائيل وبعد ان تمكنت من الاستفراد بالتحكم في المفاوضات طيلة ثلاثين سنة ، تكون قد نجحت في إزالة العقبات من امامها ، وتكون قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تنسق ضد الفلسطينيين الذين لا ينتمون الى تلك المنظمات ، مع " الشاباك " ، ومع الجيش الإسرائيلي ، وبحكم تحكم تل ابيب في قوة الضرائب ، قد تحولوا كشبه موظفين عند الدولة الإسرائيلية ، حيث أصبحت مصالحهم مع الدولة الإسرائيلية اكثر اندماجا ، من (مصالحهم) ، باسم التحرير ، وباسم الدُّويلة ، وحق العودة ..
امام هذا المعطى الذي اصبح بارزا ، وهو الانتصار الساحق لدولة إسرائيل في حربها الحضارية ، وبعد ان اقتنع ، ومنذ مدة محمود عباس باستحالة قيام الدويلة ، وطلق هو بدوره " حق العودة " ، قبل إسرائيل ، لان القول ب " بحق العودة " ، هو قول بحتمية نهاية سيطرته على الفلسطينيين ، الذين لن يترددوا في قلبه ، وفي محاسبته ، ومحاسبة اسرته ، مع القيادات الفلسطينية التي تستغل الترويج لمصطلحات هي من الزمن المتلاشي ، والتي تعيش في النعيم ، والشعب الفلسطيني يعيش في الجحيم بالگيطوهات Les ghettos ، موزعا بين دول عربية تمارس عليه انظمتها قمعا مسلطا ، وطبعا باسم تحرير فلسطين ، وليس لهم من التحرير لا خير ولا سلام ..
في خضم الصراع الجاري اليوم بالمنطقة ، اصبح صراع اخر فوق السطح ، يدور باسم التطبيع وباسم المطبعين . وبما ان الشارع العربي هو عاطفي الحواس ، اصبح التمييز بين المطبع وبين الغير مطبع ، هو التخوين والعمالة . بل تم توظيف وهم التطبيع لتقريع نظام عروبي من الانظمة العربية ، وهو الدولة المخزنية البوليسية ، دون غيرها من الانظمة التي طبعت فعلا ، علاقاتها مع دولة اسرائيل .. وبلغت قسوة النقد ، عندما اتهموا النظام المخزنولوجي البوليسي ، باتهامه لمناهضي التطبيع ، بكونهم مرة عملاء للجزائر ، ومرة لجبهة البوليساريو ، وبلغ بهم اجتهادهم ادخال حتى الحرس الثوري الايراني ، وحزب الله اللبناني ، وحماس ، كوكلاء محليين ، للداعمين والمناصرين للتطبيع مع دولة اسرائيل .. والسؤال هنا . لماذا الانكباب فقط على تقريع النظام المخزني البوليسي واتهامه بالتطبيع ، وتجاهل انظمة السياسية عربية طبعت التطبيع الكامل مع دولة اسرائيل ، كالامارات العربية المتحدة ، البحرين ، سلطنة عمان ، بل حتى السودان ، ناهيك عن مصر والاردن الذين يتبادلون السفراء مع الدولة الاسرائيلية . بل كيف يبرر الاخوان المسلمون المصريون ، الرسالة التي وجهها الرئيس الاخواني " محمد مرسي " ، الى " شيمون بيريز " Shimon Pérez رئيس دولة اسرائيل ، فاتحا إيّاها ب " صديقنا العظيم رئيس دولة اسرائيل العظمى السيد Shimon Pérez ..
فهل الامارات وكل الدول التي طبعت التطبيع الحقيقي ، ستتهم معارضي تطبيعها مع اسرائيل بالعمالة للجزائر ، ولجبهة البوليساريو ، ولايران ، ولحزب الله اللبناني .. الخ .
النظام المخزني البوليسي ، لم يطبع مع دولة اسرائيل لاتهامه بالتطبيع . النظام المخزني البوليسي ، كان قد ربط علاقاته الدبلوماسية مع تل ابيب ، منذ زمن الحماية الفرنسية للمغرب . فكان التعاون بين الدولتين يجري على قدم وساق ، ويشمل جميع المجالات خاصة العسكرية والبوليسية .. والخدمات بين الدولتين كان الجميع يعرفها ، ولم تكن خفية .. فالدولة الاسرائيلية ساهمت مساهمة فعالة في عملية اختطاف المعارض المغربي المهدي بن بركة ، و" ارييل شارون " Ariel Sharon ، يرجع له فضل هندسة بناء الجدار الرملي والصخري في الصحراء .. كما ان النظام المخزني البوليسي ، كان له الدور الفعال من خلال السفارة المغربية ببيروت ، في اغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين في سنة 1973 ، وهم محمد النجار ، كمال عدوان ، وكمال ناصر .. وخوفا من تعرية الفضيحة ، منح الحسن الثاني ابناءهم منح دراسية في المغرب او خارج المغرب حتى ينهوا دراستهم .. والنظام المخزني البوليسي كان وراء عام " النكسة " في الهزيمة العربية في سنة 1967 . فمن خلال ولوج " الموساد " كصحفيين ، وبعض " الموساد " كان من شقة بالفندق يتابع اشغال مؤتمر القمة العربية في سنة 1965 .. احتلت سيناء المصرية ، واحتلت الضفة الغربية التي كانت تحت سلطة الأردن ، كما احتلت غزة التي كانت تحت السيادة المصرية .
فالنظام المخزنولوجي البوليسي ، لم يطبع مثل الامارات العربية المتحدة ، والبحرين ، وعمان ، ومصر ، والأردن ... الخ ، فعلاقاته مع الدولة العبرية كانت ممتازة ، ولم يسبق ابدا ان تأزمت ..
واذا كان محمود عباس ومن يدور في فلكه ، قد اعترفوا مقابل لا شيء بالدولة العبرية في مدريد في 1982 ، واكدوا هذا الاعتراف مقابل لا شيء في Oslo في سنة 1993 ، وتحول هذا الاعتراف الى اعتراف بالدولة اليهودية ، فان إسرائيل وبعد انتصارها في المعركة الكبرى ، تجاوزت منطق الدولة ، لتصبح دولة الأرض اليهودية . فهي حين تتكلم عن ارض الميعاد ، فهي تتكلم عن الشعب اليهودي ، شعب الله المختار ، أي تتكلم عن الدولة الحضارية ، الصهيونية ، اليهودية ، من توراتية ، وزبورية ، وحاخامية .. أي إسرائيل كما كانت منذ اكثر من 3000 سنة قبل الميلاد .. ففي دولة هكذا دولة ، يستحيل الحديث عن " الدّويْلة " الفلسطينية ، ويستحل الحديث عن " حق العودة " ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد