الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحــــــمــــد لــــــطــــفــــي الــــسيد – رائد الليبرالية في مصر

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)

2023 / 11 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ولد أحمد لطفي السيّد عام 1872 في قرية "برقين" بمركز السنبلاوين بالدقهلية القريب من المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، كان والده عمدة القرية، وقد تربّى تربية قرآنية، ثم انتقل إلى مدرسة ثانوية في القاهرة، وبعدها التحق بكلية الحقوق عام 1889، ونال شهادتها عام 1894، ثم التحق بخدمة القضاء حتى عام 1905.
عمل في مجال الحقوق في عدة مناصب كقاض، ومدع عام ومحام، وعين في العديد من الإدارات مديرا للمكتبة الوطنية، وللجامعة المصرية "جامعة القاهرة" عدة مرات،، وكان وزيرا للمعارف، كما تولى حقائب وزارية أخرى، إلا أن عمله في الصحافة، والسياسة، والفكر، والأدب طغى على الحقول الأخرى. ومن أبرز أعماله في هذا السياق المشاركة في تأسيس "حزب الأمة"، ورأس تحرير "الجريدة" لسان حال الحزب 1906 – 1914، ويُعتقَد بأنها أسهمت في تكوين الوعي الأخلاقي للأمة المصرية . وبعد أن اعتزل العمل احتجاجا على سياسة الإنجليز، استجاب لدعوة سعد زغلول مشاركا في "حزب الوفد"، ثم أسهم في تأسيس"حزب الأحرار الدستوريين". وتولى أمانته العامة لبعض الوقت. وتنسب إليه المقولة الشهيرة "الخلاف لا يفسد للود قضية".
لم يشارك أحمد لطفي السيّد أستاذيه جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده فكرة أنّ المجتمع الإسلامي هو أفضل من المجتمعات الأخرى، إذ كانت المفاهيم المرتبطة بالنهضة والتنوير الأوروبيين أقرب إلى ذهنه، بوصفها أكثر فاعلية من حيث دفع المجتمع المصري نحو التقدّم والرخاء. وقد غدت فكرة "الحرية" هاجساً عند أحمد لطفي السيّد، كما غدا الدين عنده كذلك، فاعتبره من أهم العوامل المؤثرة في الطبع القومي، قابلاً للتكيـّف مع المشروع النهضوي القومي. فالأمة عنده تتحدد على أساس الأرض – شأنه في ذلك شأن رفاعة الطهطاوي – وهي أمة القاطنين في مصر بصورة أساسية، على اختلاف أطيافهم وأصولهم الفكرية، فقد أراد أحمد لطفي السيّد أن تصبح مصر وطناً للمصريين والسوريين والأتراك والعرب، وغيرهم من الذين يعيشون في مصر. لذلك، رفض فكرة القومية الإسلامية، ونظر إلى فكرة" أن أرض الإسلام هي وطن كل مسلم" على أنها فكرة استعمارية تنتفع بها كل أمة استعمارية حريصة على توسيع رقعة أرضها ونشر نفوذها.
وقد رأى أحمد لطفي السيد أن الحرية تستلزم غياب رقابة الدولة، إلا إنه استدرك ذلك فقال "باستثناء بعض الحالات الضرورية" التي فسرها ب"الحفاظ على الأمن والعدل والدفاع عن الوطن ضد عدوان خارجي". وفي اعتقادي أن في هذه الجملة من العموميات ما أتاح استخدامها في الاتجاه المعاكس تماما.
ورأى ألبرت حوراني أن أحمد لطفي السيد؛ اعتقد وربما بتأثير من أرسطو (إلى جانب أثر بعض أعلام الفكر الأوروبي) ، أن الناس خيّرون بالقوة، وسيقومون بوظائفهم في المجتمع بصورة عفوية إذا كانوا أحراراً، فيحققون بذلك طاقاتهم الإنسانية.
وذهب كذلك إلى إن الاستبداد المستمر قد أصاب المصريين برذائل الخنوع، لأن الحاكم المطلق لا يقبل بأقل من الخنوع التام والطاعة العمياء. واستمر هذا الوضع مع الإنجليز، فحكم "كرومر" بقوة السلاح، وأسهم في النهاية في عزل الخديوي عن الزعماء الوطنيين.
وفي المقابل، اعتقد أحمد لطفي السيّد بإمكانية تقييد سلطة الخديوي المطلقة، والسير صوب التأسيس لحكم دستوري ديمقراطي، وبناء قاعدة صناعية لمصر، كي يهييء السبل نحو الاستقلال والتحرر، وقد تـُوجت طموحات أحمد لطفي السيّد ببعض النجاحات، فأخذت تظهر المصانع في العشرينيات والثلاثينيات، وتأسس بنك مصر بدعم أساسي من صديق أحمد لطفي السيّد ورفيقه في المدرسة، طلعت باشا حرب. وتأسست الأحزاب السياسية، التي بنى مفكـّرنا أملاً كبيراً عليها في النهوض بوعي الأمة السياسي.
انطلق السيّد من الفكرة التي روّج لها محمّد عبده عن أهمية التربية في إنضاج وعي الجماهير ودفعهم نحو الاستقلال الحقيقي، فانتقد المدارس القرآنية القديمة ومدارس الإرساليات. و ركز بالمقابل على التربية البيتية، و انطلق منها ليطالب بحرية المرأة، حتى تكون التربية البيتية كاملة. وهو أوّل من سهل للبنات دخول الجامعة والدراسة فيها. وقد تركت هذه الأفكار تأثيرها الواضح في حال المرأة، إذ بدأت، بعد ذلك بعقد واحد فقط من الزمن، المناداة بنزع الحجاب وإشراك المرأة في المجتمع الكبير والحياة العامة التي نادى بها قاسم أمين.
وقد استلزمت انطلاقة مشاريعه في التربية والتعليم الكتابة بلغة مبسَّطة تقارب اللغة العامية، وقد شارك قاسم أمين الاقتراح بإلغاء الإعراب في اللغة. وقد رحّب أحمد لطفي السيّد بظاهرة المنفلوطي الأدبية التي تمثلت في أسلوبه الإنشائي الذي عني بالمعنى. كما اهتم السيّد بالترجمة بوصفها أساساً لنهضة الشرق العلمية، ربما على غرار محاولات العصر الذهبي في زمن المأمون عندما سعى إلى ترجمة التراث الإغريقي. وتذكـّرنا هذه المقاربة بترجمة أحمد لطفي السيّد لكتاب أرسطو "الأخلاق إلى نيقوموخس"، وغيره.
ختاما يمكن القول أنه قد تتوجت دعوته إلى توحيد الأمة برفعه شعار "مصر للمصريين" امتداداً لفكرة أحمد عرابي عام 1880، فأتاح المجال للأقباط من المصريين بالدخول في مشروعه الوطني على أساس من المساواة في الانتماء إلى الوطن الواحد. وامتداداً لهذه الدعوة قام سلامة موسى بتأسيس "جمعية المصري للمصري" التي دعت إلى الاستقلال الاقتصادي.وهكذا تمكنت مصر أن تصبح وطنا للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا