الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فيلسوفي ميكافيللي الصغير-

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2023 / 11 / 12
الادب والفن


إلى روحي و.خ ،

أحرر لك هذه الرسالة في الساعات الأولى من صبيحة يوم الأحد الثاني عشر من تشرين الثاني ، لتكون شاهد قلبي في مدفن حبك المخامر ، وعهدا جديدا تتلى فيه ترانيم الغرام وتراتيل السدم على الأحياء والأموات ، وسجلا يحفظ ذاكرتي إذا فقدتها في يوم من الأيام ، فتقرئين لي منه بعض السطور لعلي أتعافى من مرض النسيان أو يحيى فؤادي بسر الكلمات . و إن جرؤ الزمان على أن أشرد عن اسمك أو صورتك أو اَثار رسيسك ، فإني لم أنساك أنا بل نسيت نفسي ،و إن قلت أنا فأنتِ ، وإن تفوهت ببنت شفة أو أطرقت فأنتِ ، فإني أصلي لخلوك سرا وجهرا ما دمت أعرفني وأعي وجودي ، فوجودي وجودك ، وغيابي وجود معك لكن بمسافة من الزمن .

تعرفين يا مجدليتي أنني لا أنسى دقائق الأشياء ، حتى ساعتك اليدوية وسلسلتك الذهبية اللتين كنت ترتدينهما عند أول لقاء مازلت أتذكرهما . إني أراك أمامي في كل يوم حتى في فنجان قهوتي الصباحي كقارئة كف ، كمَلك نزل من السماء ، كغيمة محملة بالغيث ، كراقصة غجرية تسحر المكان ، كوردة تنثر العبق، كحمامة للسلام . مازلت أحفظ عن ظهر قلب قصيدتك "فيلسوفي ميكافيللي الصغير" التي كتبت أبياتها الباهرة على ورقة صفراء مُنسمة برائحة عطرك الخاص ومذيلة بتوقيعك الذي يحمل اسمك بحروف لاتينية مخططة بفنية بديعة.


دعيني أعيد على مسامعك معلقتك الفريدة وأنا أتعندل بها بصوتك وهمسك.

ما كان عتابه إلا غزلا بي

يهوى أن يراني عزيزة نفسي

ويغضب من شوكة تشوكني

فيا شاعري وفارسي ومُعوَّلي

أنت كل شيء في حياتي

صرتُ شاعرة بشعركَ

و فيلسوفة بفلسفتكَ

و حمقاء بغلك

روحي وجسدي لك وحدك

فخدني إليك غير اَبهة بشيء غيرك

أسيرتك ، جاريتك أو فتاتك

فما عدت أتحمل الليل دونك

ولا حياة في الأفق ممكنة بعيدا عنك

أدين لك بحبك لي

وخوفك علي

ودراعا حولي

وملِكا يحميني

لن أنسى حديثك

ولا شعْرك

ولا فلسفلتك

ولا شجاعتك

ولا عقلك

ولا روحك

ولا شيء اَخر فيك

ولا شيء اَخر منك

يا فيلسوفي الصغير

ماذا سأناديك ؟

شوبنهاور لتشاؤمك

أم كانط لأخلاقياتك ؟

ديكارت لعقلانيتك

أم سارتر لوجوديتك ؟

سيوران لعدميتك

أم ميكافللي لنفعيتك ؟

صدقني يا حبيبي

عرفتك كمراَتي

ولم أعرف شيئا

هل كنت شبحا أم روحا ؟

أم كنت أنا ؟


............................................


اه يا ناهدتي ، كم يشدني التوق لتأليف دواوين من الشعْر الحر لينطلق حبنا من عقاله إلى سائر الأكوان ، لكن ليس الاَن ،فأنا لست في أحسن حال ، ولذلك أكتب لك هذه الرسالة ، شاربا سيجارتي من نوع" لوكامل" ، وأتسمَّع لموسيقى هادئة من التراث التركي الكلاسيكي لأنها تحمل نفس الحنين لشيء ما كان حيا في الماضي ، ربما كان غراما حبيب أو أرض فقير أو لحظة أُنس.

أريد أن أخبركِ سرا ، إني مصاب بالأرق ، كنت أظنه نيكتوفيليا ، لكنه في الحقيقة اضطراب في النوم ، لقد جعلني الامر منهكا جدا ومتعبا إلى أقصى الحدود . فقدت الكثير من التركيز ، ولم أعد أريبا وحذقا كما كنت . أصبحت أدخن كثيرا ، مدمنا على فناجين القهوة غارقا في التفكير العدمي ، ناقما على الأيام .أقضي الليل في التفكير فيك ، وفي الشعر والسياسة والأدب . بحثت عن العلاج لدى طبيب مختص ، فنصحني بتناول عقار السوفوريكسانت ، لكني لن أفعل أبدا ، أنا لا أثق في أحد ، فقد بدى لي هذا الطبيب مثل مستر فريز ، كما أني أعرف أن كل ما أحتاجه هو أن أعيش بعيدا عن العالم السفلي ، لكني لا أستطيع ذلك ، ولن أبوح لك بالسبب .

حبيبتي ، تعرفين كبريائي جيدا ، أكره أن يمس شيء كرامتي أو حريتي ، لكني الاَن مهدد بقوة تفوق قدرتي على الإعتراض ، إن نسيت اليوم تاريخ ميلادك فهذا نذير شؤم للأيام المقبلة ، قد أنسى كل شيء ، كل شيء تماما . الاَن تدرين أن عليك الوفاء بما عاهدتني عليه ، أن تخلصني من أسْر الإهانة كما يقتضي ذلك الشرف العسكري . سأنتظر بحب رصاصة الرحمة من يديك العذبتين. لا تترددي في قتلي ، احملي مسدسك بشجاعة لا متناهية وضعي رصاصة في رأسي ، سأبقى ممتنا لك ، ولا تخيبي ظني فيك بجبن أو احتيار ، وكوني قوية في مواجهة الحياة دوني كما تعلمتِ.


أرجوك لا تزري علي ، لأن هذه الحياة لعنة خالدة . كم هو صعب رؤية الأوغاد كل يوم ، لقد سئمت وجودهم ، إنهم كذابون ، مداهنون ، مغرورون ،متغطرسون ، نغلون ، سافلون ، وضيعون .ربما لهذا أحب الليل ، سكونه المحدود يوحي بأن الأرض تطهرت من هؤلاء . لكني أعلم أن هذا الهدوء هو في محيطي فقط ، فحياة الليل قاسية على العاهرات والمتشردين والأسرى والمرضى والمقترضين والمصابين بالزهايمر . لقد رأيت كل شيء في الحياة بشكل يكفي لأقتنع أن الموت خيار أفضل من البقاء في الفراغ والثقوب السوداء تتقاذفنا الأقدار السخيفة دون منطق يحكم الأشياء .

صغيرتي الجميلة ، وحدك من سيفهم كنه رسالتي ، إنها نهاية كل شيء أو البداية لشيء ما .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا