الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضور فلسطين في ثوب إبداعي مطرز بالرفض والصمود والتحدي..في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.-فلسطين العربية-

محمد المحسن
كاتب

2023 / 11 / 12
الادب والفن


الشاعر هو جبهة الدفاع الأولى عن قضايا الخير والعدل والإنسانية بأدواته التي تنبثق من الضمير وتصل إلى الضمير (الناقد)

لطالما كان للقضية الفلسطينية مسار واضح في مفردات الشعر التونسي،ومنذ عقود شتى،فقد ترسخت فكرتها،لتكون نهجا تونسيا قوميا،لتحدث ذلك الهاجس الفكري والجمالي في أبجديات القصيدة التونسية،وعلى الرغم من اتساع مساحة تلك القضية الواقعية الإنسانية في مفردات الأدب الشعري العربي،فإن للتجربة التونسية خصوصيتها في مقاربة هذه القضية التي سكنت وجدان الأدباء العرب.
وفي سباق استعادة النكبات التي أصابت القضية الفلسطينية،يمكن أيضا استعادة أهم نماذج التفاعلات المحايثة والموازية لها.لعل أهمها،أولا-تضامن الجماهير العربية اللامشروط.
وثانيا-تهافت الأنظمة العربية عليها،باتخاذها ذريعة لخدمة أجنداتها الخاصة بها.
وثالثا-تحولها إلى قبلة «مقدسة»يولي المبدعون قرائحهم شطرها،وفي مقدمتهم الشعراء،بدليل آلاف الدواوين المنجزة في الموضوع.بشقيها التقليدي والحداثي،ذلك أن المبدع العربي جد مقتنع في قرارة نفسه،بأن جواز دخوله الفعلي إلى المؤسسة الإبداعية،يكمن في تكريسه حصة أساسية من كتاباته لخدمة القضية الفلسطينية.كما لو أن الأمر يتعلق بنوع من العشق/الواجب الاضطراري،الذي لا مناص للمبدعين كافة بمختلف اختصاصاتهم،من الانصهار في لهيبه.
لقد تركت نكبة فلسطين عام 1948 أثراً واضحاً في التاريخ المعاصر،فهي أشد ضراوة وأطول عمراً وأكثر عمقاً،ما جعلها أكثر إثارة لمشاعر الشعراء الذين تركوا لنا تراثاً أدبياً خصباً، يمتاز بالصدق في العاطفة والبراعة في التصوير والسمو في الرؤى.
ولعلّ فلسطين بحضارتها ومعاناة أهلها وخلود هويتها العربية كانت أبرز محاور الإبداع في عدد من قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (قصيدة فلسطين العربية نموذجا)
هذا الشاعر الفذ ما فتئ شعره يلهج بذكر فلسطين،ويستغيث الشعوب لنجدة أهلها.
هي فلسطين تاريخ طويل من النضال وإرث خالد من البطولات،وسجل ناصع للشهادة،تتراكم عبر الشعر الذي قيل فيها معاناة الفلسطينيين وأحزانهم النبيلة وصمودهم المذهل،كما في القصيدة التالية-التي جاءت باللهجة العامية ذات الجرس الموسيقي التونسي-لشاعرنا الكبير د-طاهر مشي :
فلسطين العربية

فلسطين عربية وتبقى هي
رغم الخائن والرجعية
غزة من لوجاع تنين
وقلبي حزين
على حال عربنا راقدين
قنابل دفاقة
زرعوها في البر وهادة
كيف الصيادة
حتى م الجعبات ثنين
ولا كانوا رفاقة
ينوض عباره بالوجهين
غزة من دون العربان
يهدوا في كل السيسان
ولا خلوا انس ولاجان
ولا فلاقة لا حراقه
غزة صناديد وشجعان
وفزاعة في انهار الغاره
معروفين بناس احرار
لا يخافوا الروم الغدارة
ولا مدافع تضرب بالنار
ولا حلاليف الخشوا الغابة
ولا ذلوا للاستعمار
ولا صهيوني مكشر نابه
يرحمهم ضنوة لحرار
حصدوا في ايامات الصابه
ولبسوا الجبة والبنوار
وما جابوا طريق السلهابة
ولا حكام العملوا العار
باعوا لزرق شامخ نابه
لا نخوة ولا استنفار
سحابتهم في البر ضبابا
وداروا قمة في مشوار
وعملوا في التقرير اجوابا
ظني في التقرير احكار
وعملوا العار
وكلمتهم ماهي جيابة
تبقى فلسطين العز
رجال وكايد لا تتحز
بشارتنا صهيون اهتز
وضاع دليله في الميدان
نهار الغورة ذل وكز
معاها من تونس فرسان
عروبة وقت الضيق تبان
ثابت موقفهم بالنية
مع القضية
ما تترك لرض العربية
يصدر د-طاهر مشي في شعره عن رغبة واضحة،تشكّل مرتكزاً مهماً لفكره النضالي،وتقوم هذه الرغبة على تأصيل الاتّجاه المقاوم في الوجدان العربي،وصقله بالشخصية الفلسطينية، التي تنبعث في نصوص الشاعر نيران غضب في وجه المغتصب،وإشادة بالصمود الأسطوري المذهل للمقاومة الفلسطينية سيما بغزة..أرض العزة،لذلك كان التأكيد على ثبات الهوية الفلسطينية في مواجهة سياسة التهويد،وسلب الحقوق التي ينتهجها الاحتلال الغاشم.
د-طاهر مشي شاعر تونسي ثوريّ عشق فلسطين،فهي الوطن والجرح الغائر في الجسد العربي رمز النهوض والمقاومة،فكانت قصيدته هذه "فلسطين العربية"شعر ثورة،وحكاية عشق ووطن لا تضعفه المحن.واستنهاض للهمم العربية كي تكافح-بالقلم والبندقية-استرادا لوطن سليب ومستَلب،وتنشد أنشودة التحرير للقادمين في موكب الآتي الجليل..
مَنْ يقرأ شعر د-طاهر مشي يلمس حالة من النقاء الوطني والالتصاق بأرض فلسطين التي تحولت إلى لحن يعزفه الشاعر بأنغام الحزن الشفيف والأمل المكمم،يقاوم من خلاله كلّ حالات الألم والهزيمة والإنكسار..
إنّ مهمة الشاعر واضحة في بعث روح المقاومة،وتأصيل أركانها،إذ يرسم صورة واضحة المعالم للشخصية الفلسطينية المستنيرة المقاومة،ذات الجذور الراسخة في التراب الفلسطيني، والملتصقة بطين الأرض.
وشاعرنا-د-طاهر مشي بقصائده الحماسية المنتمية لفلسطين يسير على طريق الشعراء الفلسطينيين الكبار: محمود درويش،سميح القاسم،إبراهيم طوقان،وعبدالرحيم محمود،وعبدالكريم الكرمي،وغيرهم من الشعراء الملتزمين بهذه القضية المقدسة : فلسطين.
وهذا ما سيجعل من قصيدته"فلسطين العربية"مصدر رؤى وانبعاث لحالة تجدد ومقاومة لشعب لا يعرف سوى النهوض والنماء،يستمد عفويته من شعور فطري يجذبه لفلسطين منبع الحبّ الصافي والأم الحنون،الأمر الذي سيحيل قصيدته-في تقديري-إلى مغناة وطن خالد،وحبّ لا ينتهي.
لقد فهم"الطاهر" العلاقة بفلسطين اتّحاد كامل بالتراب وحبّ لا ينضب لوطن يستحق التضحية والفداء،ممّا يعكس أهمية الذاكرة الشعريّة في صياغة الوجدان الشعري،واستحضار الأحداث.. وتبقى فلسطين عروس المدائن،وحالة عشق لا تقاوم،تفوح بعبق العروبة،وتكتنز بإرث الحضارة،تنبض بدم عروبي دافق،وتلهج بالرغبة الجامحة بعودة أبنائها إليها مهما طال الفراق..
ويظل الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي يكرس بعزيمة صلبة،وإرادة فذة لا تلين ثقافة المقاومة وجذوتها الملتهبة التي تمنح الحرية والكرامة للشعوب،وتؤمن بمقدرات الأرض الحُبلى بالنضال،والمكتنزة بالإيمان بالنصر المحتوم،ترتدّ إلى جذر حضاري راسخ،وفعل إنساني معاصر،لا تحدّ منه قسوة الحياة،ولا تنال منه أيدي المحتلين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا