الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب المنهج الماركسي وأزمة الرأسمالية

تاج السر عثمان

2023 / 11 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تاج السر عثمان الحاج


المنهج الماركسي وأزمة الرأسمالية

الخرطوم : ديسمبر 2021























المحتويات
الموضوع
الصفحة
1- الايديولوجيا
2- المنهج الماركسي ونظرية المعرفة الماركسية
3- هيغل والديالكتيك: كل الفلسفات حقة وباطلة
4- المنهج الديالكتيكي
5- المفهوم الماركسي للطبقة الاجتماعية
6- مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية تتشابك مع المرحلةالاشتراكية.
7- بعض المفارقات في الماركسية والتجارب الاشتراكية
8- في الذكري 150 لميلاد لينين
9- في ذكري 8 مارس: الماركسية والمدارس النسوية.
10- الماركسية وأثر الثقافة والهوّية في التغيير
11- كارل ماركس : حياته وأعماله
12- منهج التحليل الثقافي : رؤية نقدية.
13- المفهوم الماركسي للاشتراكية
14- ثورة أكتوبر الاشتراكية: التجربة والدروس
15- ما هو منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع .
16- الذكري 150 لصدور مؤلف ماركس "رأس المال".
17- المفهوم الماركسي لتغيير الواقع .
18- كيف تناولت الماركسية مسألة الدين؟.
19- الثورة العلمية التقنية والمتغيرات في التشكيلة الرأسمالية.
20- التمايز الايديولوجي بين الشيوعية واليسار.
21- المفهوم المادي للتاريخ ودراسة المجتمع السوداني.
22- هل تبشر الماركسية بالجبرية الاقتصادية؟
23- جائحة "كورونا" ونقد ماركس للرأسمالية
24- المتغيرات البنيوية في النظام الرأسمالي.
25- الأزمة المالية نقطة تحول حرجة في عصر امبريالية العولمة.
26- تداعيات الأزمة العامة للرأسمالية.
27- مستقبل نمط الإنتاج الرأسمالي.












تقديم

هذا الكتاب مواصلة للكتاب السابق الذي صدر بعنوان : " اوراق في تجديد الماركسية"، الصادر عن الشركة العالمية للنشر 2010 ، يتابع دراسة المنهج الماركسي وأزمة الرأسمالية ، ويناقش المنهج الماركسي الذي يهتم بدراسة الواقع بهدف استيعابة وتغييره ، ويؤكد بعد تجربة أكثر من ثلاثين عاما علي سقوط التجربة الاشتراكية في بلدان الاتحاد السوفيتي وشرق اوربا ،أن الاشتراكية ما زالت المفتاح لحل أزمة الرأسمالية التي تفاقمت ، وزاد وتعمق الاستقطاب الطبقي والاستغلال الرأسمالي للطبقة العاملة الكادحين ، فالتجربة الاشتراكية لم تكن كلها شرا ، بل كانت لها ايجابيات من المهم الاستناد عليها في التجارب القادمة واهمها توفير احتياجات الناس الاساسية في التعليم والصحة والخدمات وحماية الطفولة والشيخوخة. الخ وتحرير الانسان من لعنة الحاجة والضرورة ، واستكمال ذلك بالحقوق الديمقراطية ، فلا يمكن تحقيق اهداف نبيلة بوسائل شمولية وقسرية ، اى أن الاشتراكية لاتطير الا بجناحين هما: الديمقراطية والعدالة الاجتماعية . تلك هى أهم دروس تلك التجارب .
تناولت الدراسات المنهج الماركسي في علاقته بنظرية المعرفة الماركسية ، وسمات المنهج الديالكتيكي الماركسي ، والمفهوم الماركسي لتغيير الواقع ، ونقد منهج التحليل الثقافي، والعلاقة الديالكتيكية المتشابكة بين المرحلة الوطنية الديمقراطية والاشتراكية ، ومنهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع .
كما تناولت كيف ساعد المنهج الماركسي في دراسة وتحليل الرأسمالية منذ نشأتها وتطورها حتى واقعها الراهن ، واستمرار تزايد وتفاقم أزماتها، ومستقبل نمط الإنتاج الرأسمالي ، وغير ذلك من الدراسات التي جاءت بين دفتي الكتاب الذي نتمني أن يثير نقاشا مثمرا.
تاج السر عثمان
ديسمبر 2021
























1
الايديولوجيا
كثيرا ما يثار هذه الايام أن عصر الايديولوجيا أفل نجمه، وضرورة تقليل الحمولة الايديولوجية، وتكوين حزب برنامج لا حزب ايديولوجيا..الخ، فما هي صحة هذه الادعاءات وماهي الايديولوجيا؟.
الايديولوجيا:
تعريف الايديولوجيا كما جاء في معجم العلوم الاجتماعية والفلسفية(هي مجمل التصورات والافكار والمعتقدات وطرق التفكير لمجموعة امة او طبقة أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو حزب سياسي، وتكون الايديولوجيات عادة مشروطة ومحددة بالظروف المناخية والعادات)( انظر معجم العلوم الاجتماعية والفلسفية، نيويورك 1944م، ص 149).
وفي قاموس الياس العصري(1985م) ترد كلمة ايديولوجيا Ideology، بمعني : فن البحث في الافكار والتصورات أو الفكريات.
وفي مؤلفات ماركس وانجلز يرد تعبير الايديولوجيا بالمعاني الآتية:
- في مؤلف الايديولوجيا الالمانية لماركس وانجلز يرد: ( الايديولوجيا والبناء العلوي الايديولوجي، بأنها تقلب الأشياء رأسا علي عقب). (خيالات)، ( الصور الكاذبة التي يرسمها الناس عن انفسهم).(آراء تبرر الأوضاع الاجتماعية الخاصة).(مذهب)، (انتاج عقلي مباشر)، ( الدين).
- وفي بؤس الفلسفة لماركس والبيان الشيوعي لماركس وانجلز يرد بالمعاني التالية: ( يتضمن كل العلوم الانسانية وخاصة العلوم الاجتماعية، بما فيها الاقتصاد السياسي والتاريخ). (برامج وتصريحات الاحزاب السياسية المختلفة).(التصويرات والآراء وردود الأفعال السيكولوجيا). (أماني مختلف الطبقات الاجتماعية).
- وفي نقد الاقتصاد السياسي الماركسي يرد بالمعني الاتي: (الأبنية الايديولوجيا العليا، كل الاعمال الثقافية، القانون، الأخلاق ، الاستطاطيقا، اللغة والمعارف الفلسفية والعلمية، وكل المذاهب والمواقف الاجتماعيةوالسياسية، وكل المنتجات الفكرية والاحوال والافعال النفسية التي تميز الوعي الطبقي أو الوعي الفردي).
- وفي بؤس الفلسفة ايضا يخلص ماركس الي أنه( لكي يتدعم كيان الطبقة، لابد أن يتحول الوعي الطبقي الي ايديولوجية طبقية، وان يتشكل الاثنان في خدمة الصراع الطبقي).
- وفي كتابه الثامن عشر من برومير لويس بونابرت، يشير ماركس الي الاتي( يقوم فوق اشكال الملكية وظروف الحياة الاجتماعية بناء علوي من الانطباعات والاوهام وأساليب التفكير والمفاهيم الفلسفية الخاصة والطبقة باجمعها هي التي تخلق هذه الاشياء وتشكلها وفقا لظروفها المادية والعلاقات الاجتماعية المقابلة لها، وقد يتخيل الفرد الذي يتلقاها عن طريق العرف أو التربية انها تشكل الأسباب الحاسمة لنشاطه ونقطة البداية لهذا النشاط، وكما أن الانسان يميز في حياته الخاصة بين مايقوله الناس عنه أو يفكرون بشأنه، وبين حقيقة شخصه، وما يؤديه بالفعل، فانه يجب التمييز اكثر من ذلك في الصراعات التاريخية بين اقاويل الاحزاب وادعاءتها وبين تكوينها ومصالحها الحقيقية، وكذا بين ما تتخيله عن نفسها وبين ماهي عليه في واقعها).
- وفي مؤلفه لودفيج فورباخ ونهاية الفلسفة الالمانية الكلاسيكية يحدد انجلز اشكال الايديولوجيا علي النحو التالي( ان القرون الوسطي الحقت بعلم اللاهوت جميع الاشكال الأخري للايديولوجيا: الفلسفة، السياسة، وعلم الحقوق وجعلت منها - اي هذه الاشكال- اقساما تابعة لهذا العلم(اللاهوت)، ولذا اضطرت كل حركة اجتماعية وسياسية أن تتخذ شكلا دينيا، وكانت كل حركة لكي تحدث اثرها في الجماهير المحشوة بالغذاء الديني وحده مضطرة أن تقدم لهذه الجماهير مصالحها الخاصة بها في لباس ديني).
- كما يحدد الفيلسوف الماركسي الفرنسي التوسير في مؤلفه (من اجل ماركس) الفرق المنهجي بين الايديولوجيا والعلم يقول ( وليس ثمة مجال للتساؤل حول تقديم تعريف دقيق للايديولوجيا، يكفي القول علي نحو تخطيطي جدا بأن الايديولوجيا هي نظام – يملك اتساقه المنطقي الخاص- من التمثلات، الصور أو الاساطير أو الافكار أو المفاهيم حسبما تكون الحالة، له وجوده ودوره في مجتمع معين، والايديولوجيا كنظام من التمثلات يتميز عن العلم بأن وظيفته العملية الاجتماعية ترجح وظيفته النظرية- أو وظيفة تقديم المعرفة).
- وفي مؤلفه: دراسات في الواقعية الاوربية يقول الفيلسوف الماركسي المجري جورج لوكاتش( الماركسية تبحث عن الجذور المادية لكل ظاهرة وتلاحظها في علاقاتها وحركتها وتكشف عن تطوراتها عبر مراحلها المختلفة، وهي في هذا السبيل تنتزع كل ظاهرة من الضباب اللاعقلي والعاطفي والغامض، وتدفع بها الي ضوء الفهم الباهر).
مما سبق نلاحظ التباين في تناول ماركس وانجلز وبقية المفكرين الماركسيين للايديولوجيا، فماركس وانجلز تناولا الايديولوجيا بمعاني سلبية وغير مرغوب فيها مثل: (صور كاذبة يرسمها الناس عن نفسهم)، ( أراء تبرر الأوضاع القائمة)، وبالتالي، فان ماركس وانجلز كانا يهدفان الي نقد الاوضاع الرأسمالية القائمة وعدم تبريرها عكس الايديولوجيا البورجوازية التي تحاول تبريرها، وبالتالي، فان ماركس حاول أن يوضح الصورة الحقيقية والصادقة والتي تنير الطريق لتحرير الطبقة العاملة والكادحين من كل اشكال الاستغلال.
النقطة الهامة التي أشار اليها ماركس في مؤلفه(بؤس الفلسفة): انه لكي يتدعم كيان الطبقة، لابد ان يتحول الوعي الطبقي الي ايديولوجية طبقية، وأن يتشكل الاثنان في خدمة الصراع الطبقي. وعليه لايمكن تناول البرامج وقضايا الصراع الطبقي بمعزل عن الوعي الطبقي والايديولوجية الطبقية، بالنسبة للطبقة الرأسمالية، فأن ايديولوجيتها تبرير الاوضاع القائمة، وبالتالي ترسم صور زائفة عن هذا الواقع، اما بالنسبة للطبقة العاملة، فان مصلحتها في تغيير هذا الواقع، وبالتالي مصلحتها في امتلاك صورة حقيقية عنه، حتي تفهمه وتعمل علي تغييره، وبالتالي، فان ايديولوجية الطبقة العاملة تتسق مع العلم.
علي أن النقطة الجديرة بالاعتبار والتي أشار اليها ماركس في مؤلفه (الثامن عشر من بروميرلويس بونابرت ( يجب التمييز اكثر في الصراعات التاريخية بين أقاويل الاحزاب وادعاءاتها وبين تكوينها ومصالحها الحقيقية، وكذلك بين ما تتخيله عن نفسها وبين ماهي عليه في واقعها).
اذن القول بزوال الايديولوجيا هو نفسه موقف ايديولوجي هدفه اشاعة المواقف الضبابية واللاعقليةوالغامضة.
فالماركسية تغلب جانب العلم والمعرفة الحقيقية بالاوضاع القائمة من اجل فهمها وتغييرها.










2
المنهج ونظرية المعرفة الماركسية
يتعارض المنهج الماركسي مع فكرة الحقيقة الوحيدة المطلقة والنهائية، وفي سجال انجلز مع الاشتراكي الالماني دوهرينغ في مؤلفه(انتي دوهرينغ)، اعترض انجلز بشدة علي ان يفترض الانسان انه صاحب الحقيقة الوحيدة والنهائية، يقول انجلز( عندما يكون الانسان صاحب الحقيقة النهائية والأخيرة والنهج الدقيق الوحيد، فمن الطبيعي أن يشعر باحتقار تجاه باقي البشرية الضالة والغريبة عن العلم(انجلز: انتي دوهرينغ، دار التقدم موسكو 1984، 36).
جاء انتقاد انجلز لدوهرينغ لأنه ادعي أنه الفيلسوف الحقيقي الوحيد في عصره، ولأنه يتكلم عن (الحقيقة الأخيرة والنهائية)، ولأنه لم يعرض ببساطة افكاره ويترك للتاريخ مسألة قيمتها، وانما هو كائن غير مادي، لايدعي لنفسه بأقل من العصمة البابوية من الخطأ، والاعلان المسبق عن زيف أي رأي بجانب آراءه، ولأنه تحدث عن اسلافه بازدراء شديد.
يقول انجلز( ان السيد دوهرينغ صاحب الحقيقة المطلقة، أو ايضا صاحب المنهج العلمي الوحيد في البحث الذي تصبح بعده جميع المناهج الأخري غير علمية)(ص، 36).
وبالتالي فان المنهج الماركسي ، كما اشرنا سابقا يتعارض مع الحقيقة المطلقة والنهائية، شأنه شان منهج العلم.
اما النفي في الفهم الماركسي فهو ديالكتيكي، بمعني أنه يبقي علي كل انجازات القديم وجوانبه الايجابية وعناصره القابلة للحياة والاستمرارية.
أما لينين فيشير في مؤلفه( المادية والمذهب النقدي التجريبي) الي ان( الفكر البشري قادر بطبيعتة ان يقدم لنا- وهو يقدم لنا بالفعل – الحقيقة المطلقة التي تتجمع من جملة الحقائق النسبية، فان كل درجة في تطور العلم تضيف حبات جديدة الي حصيلة الحقيقة المطلقة).
كما يشير انجلز في رسالة الي كونراد شميدت بتاريخ: 27/10/1890م الي ( تطور الفكر الذي يرتقي صاعدا علي سلم المعرفة البشرية ويحطم عند كل درجة منه الأطر الضيقة للتصورات والمعتقدات القديمة، ينطلق في الوقت ذاته من مستوي المعارف القائم، ويستند الي نتائجه).
وكما يقول فالح عبد الجبار( ليس ثمة نقطة نهائية في اكتمال المعرفة من حيث هي معرفة، مع أنها تتشكل من معارف هي احيانا متناهية لمواضيع متناهية)(قضايا فكرية: الكتاب 9، ص 298م).
وبالتالي، فان المعرفة العلمية ليست يقينا نهائيا وكاملا، وعملية المعرفة واختبار النظريات هي عملية الاقتراب والتقدم نحوها، هي عملية الانتقال من عدم المعرفة الي المعرفة، ومن عدم المعرفة الجيدة الي المعرفة الافضل.
وعلي سبيل المثال كان عالم الفيزياء اينشتين يعارض التصور القائل بأن علم الفيزياء علم ثابت لايتغير، لقد كان يري فيه علما متغيرا يقول اينشتين( ان تصوراتنا عن الواقع الفيزيائي لايمكنها أن تكون نهائية ابدا، وعلينا ان نكون مستعدين دائما لتغيير هذه التصورات).
وبالرغم من ان اينشتين قد عدل في قوانين ميكانيكا نيوتن، الا انه لم يطرحها جانبا، بل وضعها في مكانها المناسب ، حيث اكد ان ميكانيكا نيوتن لاتصلح الا لدائرة محددة من الظواهر.
كما كان بليخانوف يؤكد علي أن الديالكتيك المادي لايضيق حدود العقل الانساني، فهو يعرف ان حدود العقل لانهائية وغير محدودة.

وبالتالي، فان نظرية المعرفة الماركسية لاتعرف التوقف، ولاتعرف الحقيقة النهائية.
صحيح أن الجمود النظري كان له آثاره السلبية في الفترة الستالينية، ولكن نظرية المعرفة الماركسية خارج السور الستاليني، كانت في حالة تطور، علي سبيل المثال: أسهم مفكرون وفلاسفة ماركسيين مثل غرامشي في دراسة دور البنية الفوقية للمجتمع في التغيير، ودور الطبقة العاملة في خلق مثقفين عضويين يسهمون في تغيير تركيب المجتمع، وبالتالي عالج غرامشي نقطة هامة لم يتناولها ماركس وانجلز. كما أسهم الفيلسوف المجري جورج لوكاش في تخصيب الماركسية ايضا من خلال الاهتمام بالبنية الثقافية ودور الوعي في التغيير ودخل في حوار خصب مع الفلسفة الوجودية، كما اسهم في ارساء وتطوير علم الجمال من خلال دراساته في الواقعية الاوربية. كما اسهم مفكرو وفلاسفة مدرسة فرانكفورت الماركسيين في تخصيب الماركسية من خلال الحوار مع مدارس علم النفس والفلسفة الوجودية والبنيوية، والاهتمام بالجانب الثقافي والنوعي وغير ذلك من القضايا التي أثارتها المدارس النسوية الجديدة، كما أسهم فلاسفة من امثال هابرماس في تطوير المفهوم المادي للتاريخ وتحريره من الجمود الستاليني. اشار هابرماس في محاضرة له بعنوان ( من اجل اعادة بناء المفهوم المادي للتاريخ ) قدمها في اطار المؤتمر الذي نظمته جمعية هيغل العالمية في ستويغارت عام 1975 ، أشار هابرماس :
( ليس المفهوم المادي للتاريخ بالنسبة لى دلالة كشفية فحسب ، بل هو نظرية ، وبالتدقيق نظرية للتطور الاجتماعي ، يمتلك بفضل مكانته التأملية قيمة استدلالية بالنسبة للعمل السياسي ، ونستطيع الى حد ما أن تفضي الى نظرية واستراتيجية للثورة ) . ( هابرماس : بعد ماركس ، ترجمة محمد ميلاد ، دار الحوار للنشر والتوزيع 2002 م ، ص 65 ) .

لا اعتقد أن هابرماس كان يقصد تجاوز الماركسية ، ولكن هابرماس كان يقصد باعادة بناء المفهوم المادي للتاريخ تحريره من الجمود ، انتقد هابرماس الاحكام القطعية لستالين والذي حاول أن يقنن المفهوم المادي في احكام حاسمة بالنسبة للمستقبل في مؤلفه المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ، 1938 م . وبالتالى كانت مساهمة هابرماس في اعادة بناء للفهم الخاطئ الذي كرّسه ستالين ( ص 65 ) ، كما انتقد هابرماس الاشتراكية البيروقراطية التى كانت قائمة يومئذ وضرورة استكمال توفير حاجات الانسان الاساسية بالحرية والكرامة والسعادة وتحقيق الذات ، ص 103 ، المرجع السابق . وهى أشارات ذكية وسليمة .
اما الفيلسوف الفرنسي سارتر فقد كان يقول: الماركسية لايمكن تجاوزها، لأنها قامت علي نقد المجتمع الرأسمالي، فطالما ظل المجتمع الرأسمالي قائما بكل مآسيه، فان مشروعية النقد تظل قائمة.
كما أسهم الفيلسوف الفرنسي التوسير في تخصّيب الماركسية من خلال مناهج المدارس البنيوية، واسهم في توسيع وتطوير نظرية فائض القيمة في دراسته المعمقة لمؤلف ماركس (رأس المال)، وأشار الي أن ماركس يحتاج الي اعادة دراسة واكتشاف من جديد، وأن ازمة الماركسية جاءت من الجمود الستاليني، وتحرير الماركسية وتجديدها يعني تحريرها من هذا الجمود. كما حاول التوسير أن يوضح الفرق المنهجي بين العلم والايديولوجيا، يقول التوسير(وليس ثمة مجال للتساؤل حول تقديم تعريف دقيق للايديولوجيا، يكفي القول علي نحو تخطيطي جدا، بأن الايديولوجيا هي نظام- يملك اتساقه المنطقي الخاص- من التمثلات والصور أو الاساطير أو الافكار أو المفاهيم حسبما تكون الحالة، له وجوده ودوره التاريخي في مجتمع معيّن. والايديولوجيا كنظام من التمثلات يتميز عن العلم، بأن وظيفته العملية الاجتماعية ترجح وظيفته النظرية- أو وظيفة تقديم المعرفة)( التوسير: من اجل ماركس، باريس 1966م، ص 238).
كما تناولت الاحزاب الشيوعية في اوربا المتغيرات التي افرزتها الثورة العلمية التقنية مثل المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة، والتي اتسع مفهومها ليضم العاملين بأجر عضليا وذهنيا والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي. كما انتقد غرامشي مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا، وأشار الي ضرورة تجاوزه، وطرح مفهوم (الهيمنة)، اي تحقيق اغلبية جماهيرية واسعه، تحسم قضية الوصول للسلطة بطريق ديمقراطي جماهيري تعددي، كما طرحت الاحزاب الشيوعية الاوربية بعد الحرب العالمية الثانية قضية الوصول للسلطة عن طريق البرلمان.
وفي السودان طرح الحزب الشيوعي السوداني في مؤتمره الرابع 1967م التطبيق الخلاق والمستقل لماركسية ودراسة الواقع بذهن مفتوح، ودراسة التركيب الاجتماعي والطبقي للمجتمع السوداني من الباطن، وبعيدا عن النقل الاعمي من الكتب، ووضعت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية الاساس المتين للتحرر من الجمود.
كما طرحنا في السودان منذ دورة اللجنة المركزية في اغسطس 1977م، ضرورة الوصول للنظام الوطني الديمقراطي بطريق ديمقراطي جماهيري تعددي، وطورالحزب هذه الاطروحة في مشروع البرنامج والتقرير السياسي المقدمين للمؤتمر الخامس.
كما اسهم علماء اقتصاد ماركسيين من امثال: باران، توماس سنتش، سويزي، سمير امين في ارساء علم الاقتصاد السياسي الماركسي للنمو، بتناول قضايا جديدة حول التخلف واعادة انتاج التخلف، لم يتناولها ماركس ونجلز، وخاصة بعد دمج بلدان العالم الثالث بالاقتصاد الرأسمالي العالمي. وهكذا كانت نظرية المعرفة الماركسية تتطور وتتجدد مع تجدد القضايا التي تطرحها المتغيرات المحلية والعالمية.
اذن القول بتوقف تطور نظرية المعرفة الماركسية، وتلخيص الأمر كله في حفظ الاستنتاجات الستالينية، حديث يجافي الواقع.
وخلاصة ما نود ان نقوله: أن المنهج الماركسي أو الديالكتيك المادي يتعارض مع الحقيقة النهائية، فشانه شأن منهج العلم، ما ان تحل مشكلة حتي تظهر مشكلة أخري تحتاج الي حل، فما أن تظهر نظرية تفسر ظاهرة سابقة، حتي تظهر ظاهرة جديدة تحتاج لنظرية جديدة لتفسيرها، وهكذا منهج العلم يبدأ بالمشاكل ويتنهي بمشاكل جديدة تحتاج الي حل. كما ان المنهج الماركسي يهدف لتطوير النظرية لكي توجه الممارسة وتختبر في الممارسة التي بدورها تطور وتغني النظرية.
وبالتالي، فان منهج ونظرية المعرفة الماركسية في حالة تجدد دائمة، ويحضرني هنا انه بعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، اصدر فوكوياما كتابه( نهاية التاريخ وخاتم البشر)، أشار فيه الي أن النظام الرأسمالي نهاية التاريخ، ورد عليه الفيلسوف جاك دريدا في مؤلفه(اطياف ماركس) قائلا: ( ان ماركس الستاليني الذي تطور الي نموذج سوفيتي بيروقراطي هو الذي توفي وانتهي، اما ماركس الفيلسوف والمفكر فمايزال حيا بيننا)، وتتاكد صحة حديث جاك دريدا في الاقبال الهائل في اوربا وغيرها هذه الايام في اغتناء مؤلفات ماركس لدراسة وفهم طبيعة الرأسمالية المعاصرة وازماتها مثل الأزمة المالية التي يشهدها العالم الآن، اما فوكوياما نفسه فقد تراجع عن مقولة الرأسمالية نهاية التاريخ.


















3
هيغل والديالكتيك:
كل الفلسفات حقة وباطلة
معلوم أن هيغل(1770- 1831م) اسهم في تطوير المنهج الديالكتيكي، الذي ينظر للظواهر في شمولها وحركتها وتطورها، ويتعارض مع الحقيقة النهائية، يقول هيغل: ( كل الفلسفات حقة وباطلة، لم تدحض اى فلسفة، مادحض ليس هو مبدأ فلسفة معطاة، بل فقط فكرة أن هذا المبدأ أخير، انه التعيين المطلق)(هيغل: المختارات - الجزء الثاني- ترجمة الياس مرقص، دار الطليعة بيروت، يونيو 1978م: ص 165).
كما كان هيغل يشدد علي أن( الفلسفة الحديثة هي نتاج كل الفلسفات السابقة، ولذا لابد أن تتضمن مبادئ من كل منها)( هيغل: الانسكلوبيديا الفقرة (13)).
وعن الحقيقة والتاريخ يقول هيغل( يجب أن نكون مقتنعين بأن الحقيقة لها كطبيعة أن تشق دربها حين تكون ساعتها قد اتت، بسبب ذلك، انها لاتظهر ابكر مما يجب، بدون جمهور علي مايكفي من النضج، من جهة اخري كثيرا ما ينبغي ان نميز الجمهور عن الذين يعطون انفسهم بوصفهم ممثليه والناطقين باسمه).
وعن الحقيقة ايضا يقول هيغل: ( الحقيقة هي الهدف الاسمي للفكر، ابحث عن الحقيقة ففيها يكمن الخير، ومهما كانت الحقيقة، فانها أفضل من كل عداها، والواجب الأول للمفكر هو الايتراجع امام أي نتائج، فيجب أن يكون مستعدا للتضحية بأعز افكاره امام الحقيقة، فالخطأ مصدر كل دمار، والحقيقة هي الخير الاسمي ومصدر كل خير).
وكان هيغل يؤكد علي انه ليست ثمة حقيقة مجردة، فالحقيقة ملموسة. كما كان يشير الي أنه( اذا اردت تحطيم فكرة، فلنبدأ بتحليلها الي عناصرها الأولية).
وفي مقدمة الطبعة الثانية ل (رأس المال) ينتقد ماركس هيغل حول عملية التفكير. يقول ماركس( ان عملية التفكير عند هيغل – وهي عملية حيوية يقوم بها الدماغ الانساني- تتحول الي ذات مستقلة وتعتبر خالقة العالم الواقعي، ويعتبر العالم الواقعي مجرد الشكل الخارجي الظاهري(للفكرة). أما بالنسبة لي، فان الأمر علي العكس منذ ذلك، فالمثال ليس سوي العالم المادي منعكسا في الدماغ الانساني ومترجما لأشكال الفكرة).
علي ان الديالكتيك، كما أشرنا سابقا، تطور علي يد هيغل الذي بسط قوانين الديالكتيك الثلاثة بطريقته المثالية علي انها قوانين للفكر وحده.
وتم توسيع مفهوم الديالكتيك بالمعني الفلسفي علي يد ماركس وانجلز واصبح يعني:
( علم القوانين العامة لحركة وتطور الطبيعة والمجتمع الانساني والفكر).
يقول انجلز في مؤلفه ديالكتيك الطبيعة: (ان المقولات الديالكتيكية غيبية الطابع عند هيغل الذي يصوّرها أولية، أما ديالكتيك العالم الواقعي عنده، فليس الا ظلالها، ولكن الامر في الحقيقة هو علي النقيض من ذلك ، ان ديالكتيك الفعل ليس الا انعكاسا لاشكال حركة العالم الواقعي للطبيعة والتاريخ علي السواء).
يواصل انجلز ويقول: ( اذن من تاريخ الطبيعة وتاريخ المجتمع البشري استخلصت قوانين الديالكتيك، وهذه القوانين ليست سوى القوانين الاكثر عمومية لهاتين المرحلتين من التطور التاريخي ، وكذلك للفكر ذاته ايضا، وفي الحقيقة، فانها ترجع في جوهر الامر الي القوانين الثلاثة الآتية:
• قانون وحدة وصراع الاضداد
• تحول الكم الي كيف.
• قانون نفي النفي.
هذه القوانين الثلاثة كلها بسطها هيغل بطريقته المثالية علي انها قوانين للفكر وحده.
ان الخطأ يكمن في أن هذه القوانين لم تستنتج من الطبيعة والتاريخ، بل فرضت عليهما من فوق علي انها قوانين للفكر، فاذا قلبنا الأمر يصبح كل شئ بسيطا. وبذا تم وضع الديالكتيك علي قدميه بعد أن كان واقفا علي رأسه عند هيغل)( انجلز: ديالكتيك الطبيعة).

ومعلوم ان المنهج الديالكتيكي ظهر الي جانب الفلسفة الغربية في القرن الثامن عشر، والذي بلغ ذروته عند هيغل الذي عاد الي الديالكتيك كاعلي شكل من أشكال التفكير، ومعلوم ايضا ان الفلاسفة اليونانيين القدماء كانوا ديالكتيكيين بالفطرة، كان ارسطو اكثر العقول بينهم شمولا، وقد بحث هيغل بالفعل الأشكال الأكثر جوهرية للتفكير الديالكتيكي.
وعن هيغل يقول انجلز: ( دوره الكبير يأتي من أنه قدم لأول مرة كل العالم الطبيعي والتاريخي والروحي في شكل عملية، اي في حالة حركة مستمرة وتغير وتحول وتطور، ويحاول أن يكشف عن الترابط الداخلي لهذه الحركة والتطور).
يواصل انجلز ويقول( بالنسبة لنا لايهمنا هنا أن هيغل لم يحل تلك المهمة، ففضله التاريخي ينحصر في أنه طرحها، وهي مهمة من المستحيل علي فرد واحد أن يحلها).
يواصل انجلز ويقول( ان نظاما شاملا لمعرفة الطبيعة والتاريخ يتناول كل شئ وكل زمان، انما يتناقض مع القوانين الأساسية للفكر الديالكتيكي، مع ان هذه الحقيقة لاتنفي ابدا، بل تفترض أن المعرفة المنظمة لمجموع العالم الخارجي يمكن أن تحرز نجاحا ضخما في كل جيل جديد)( انجلز: فورباخ ونهاية الفلسفة الالمانية الكلاسيكية- ماركس وانجلز المختارات، دار التقدم ، موسكو 1970، ج 4 ، ص 30).
يواصل انجلز ويقول( كان هيغل عظيما وعملاقا في الفكر، فالديالكتيك والمنطق والتاريخ والقانون وعلم الجمال وتاريخ الفلسفة، كل هذه العلوم اكتسبت سيماء جديدة بفضل الدفعة التي قدمتها أفكار هيغل. وشكلت فلسفة هيغل وأرست دعائم فكر رجال من امثال شتراوس وبرونو باور وهانز ولاسال وماركس وانجلز.
وخلاصة مانود أن نقوله في هذا المقال:
1- تكمن اهمية هيغل، اضافة لتطويره للمنهج الديالكتيكي ، في العلوم الاجتماعية في نظرته لكل ظواهرها في حالة تطور وتغير، اى من زاوية ظهورها للوجود وزوالها، وانبعاثها من جديد بشكل ارقي من السابق.
2- الفلسفة هي التعبير العقلي عن عصرها، وكل فلسفة تم تجاوزها في عصر بعينها كانت حقيقة عصرها، وبالتالي، فان هيغل بحكم منهجه الديالكتيكي لم يستبعد المذاهب الفلسفية السابقة عليه ويعتبرها مجرد مذاهب قديمة ومجرد سقط متاع لانفع فيه، أي أن هيغل لم يكن عدميا، بل يدعو لانطلاق الجديد من القديم، بعد نفيه ديالكتيكيا.
3- اعطي هيغل العلوم الاجتماعية دفعة قوية، وبالتالي سوف يظل ديالكتيك هيغل حاضرا، في وجه دعاوي فلسفات ما بعد الحداثة التي تحاول أن تلغي كل التراث الفلسفي والعقلاني الذي اسهم في ارسائه فلاسفة من امثال هيغل.










4
المنهج الديالكتيكي
معلوم أن المنهج الديالكتيكي ظهر الي جانب الفلسفة الغربية في القرن الثامن عشر والذي بلغ ذروته عند هيغل الذي عاد الي الديالكتيك كأعلي شكل من اشكال التفكير ، ومعلوم ايضا أن الفلاسفة اليونانيين القدماء (زينون الآيلي، هبراقليطس، ..الخ) كانوا ديالكتيكيين تلقائيا وبالفطرة، وكان ارسطو اكثر العقول بيينهم شمولا، وقد بحث هيغل بالفعل الاشكال الأكثر جوهرية للتفكير الديالكتيكي.
يقول انجلز( بالنسبة للديالكتيك الذي يتسم بكونه يتناول الأشياء وانعكاساتها الفكرية في علاقاتها المتبادلة وفي تشابكها وفي حركتها وفي نشؤها وزوالها، فأن مثل العمليات السابق ذكرها لاتفعل غير أن تؤكد طريقة في البحث)( انجلز: انتي دوهرينغ، دار التقدم موسكو 1984، ص 29).
ومعلوم ان الماركسية طورت المنهج الديالكتيكي عند هيغل الي المنهج المادي الديالكتيكي. ومعروف ايضا أن الماركسية لم تخترع منهجا جديدا خاصا بها نستخدمه، يختلف اختلافا تاما عن المنهج المستخدم والمتفق عليه والمألوف في العلوم، ولكن مافعلته الماركسية هو أنها طورت وطبقت المنهج العلمي بطريقة شاملة يتضمن استخلاص نتائج عن المجتمع والانسان.
لقد انتزعت الستالينية من تعاليم ماركس كل روح نقدي علمي، ومعلوم ان الماركسية منهج بحث وتحليل ، والديالكتيك الماركسي خلال فترة الجمود لم يبق اذن وسيلة لتحليل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية التي يعجز عن تفهمها المنطق الشكلي، بل اصبح مادة لدراسات تقليدية مدرسية تنقب عن اصوله وانواعه وميادين استعماله( انظر علي سبيل المثال الكتاب المدرسي السوفيتي لافانسيف: أسس الفلسفة الماركسية، دار الفارابي 1984م).
لقد ابتذلت الكتب المدرسية تقديم الديالكتيك أو المنهج المادي الديالكتيكي سواء اكان ذلك في الفهم المبسط للديالكتيك باعتباره المثلث الهيغلي : الموضوع- نقيض الموضوع- التركيب، أم في محاولة تقديمه بطريقة تتضمن عقائد(Dogmas ) قاطعة لاأساس لها.
ومعلوم ان ماركس وانجلز لم يقدما في اى مكان بيانا منهجيا كاملا عن الديالكتيك المادي، كل مافعلاه هو أن قدما وجهات نظر فلسفية اخري ووضعا المبادئ الموجهة لتطوير فلسفتيهما.
يقول لينين( ان كل من قرأ تعريف ووصف المنهج الديالكتيكي كما قدمه انجلز، سيري انه حتي المثلثات الهيغلية لم ترد عنها اشارة واحدة، وكل ما يبلغه هو أن التطور الاجتماعي، انما هو عملية تطور طبيعية- تاريخية، وما أسماه ماركس وانجلز بالمنهج الديالكتيكي، لاشئ اكثر أو أقل من المنهج العلمي في علم الاجتماع، والذي يتكون من النظر الي المجتمع باعتباره كائنا عضويا حيا، في حالة دائمة من التطور، تتطلب دراسته تحليلا موضوعيا لعلاقات الانتاج التي تؤلف التشكيلة الاجتماعية المعطاة وفحص قوانين ادائها لوظيفتها وتطورها)(لينين: من هم اصدقاء الشعب وكيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين).
وبعبارة اخري اورد لينين( اكثر ماهو اساسي في الماركسية هو التحليل الملموس للواقع الملموس) او بعبارة اخري ايضا(ان الديالكتيك الحق هو التحليل التفصيلي الدقيق لعملية ما).
المنطق الشكلي والمنطق الديالكتيكي:
المنطق الشكلي (الصوري) يشمل مبدأ الاتساق أو عدم التناقض، واذا اردنا تحديد العلاقة بين المنطق الشكلي والمنطق الديالكتيكي، فيمكن القول: ان المنطق الديالكتيكي يتضمن المنطق الشكلي ، فكلا المنطقين الشكلي والديالكتيكي يساهمان في تقرير واكتشاف الحقيقة، ويساعدان العلماء علي ذلك.
والمنطق الشكلي يستند ويتمشي مع مبدأ الاتساق وهو يتقبل أشد صور المنطق الشكلي صرامة في اتساق القضايا، فان نقول( ان الكائن العضوي هو نفسه وليس نفسه) فهذا تناقض منطقي ، أما أن تقول( أنه في كل لحظة يتمثل مادة جديدة ويخرج مادة قديمة)، فان هذا تفسير اكثر دقة، ولايحوي تناقضا منطقيا ايا كان. أى ان الديالكتيك لايسمح بالتناقض المنطقي، ولكنه يتخلص منه، ان الديالكتيك الماركسي لايسمح بالتناقض المنطقي ، ولاهو يقدم قضايا لايمكن اختبارها، لكنه علي العكس تماما وبدقة، فهو يقدم قضايا عملية يمكن اختبارها، كما يقول الفيلسوف الماركسي موريس كورنفورث في مؤلفه(دفاعا عن الماركسية).
المنهج وتطور العلوم:
المنهج الديالكتيكي يتعمق ويتطور بتقدم التحليل المنطقي والرياضي والاكتشافات العلمية والانجازات التقنية، فالمنهج الديالكتيكي يتطور ويتكامل مع تطور العلوم نفسها، وبالتالي، فانه يفقد جوانب قديمة ويكتسب اخري جديدة.
وقد يحدث أن الكثير من النتائج العلمية التي وصل اليها علماء يأخذون بالمنهج الديالكتيكي، ان تصبح غير دقيقة وتترك بالتالي المكان لغيرها من نتائج البحث.
اما المنهج العلمي نفسه، فلم يترك مكانه لمنهج آخر، وانما هو قائم ويتطور ويتعمق بتطور العلوم والمعرفة والممارسة التي تغني وتخصّب المنهج.


































5
المفهوم الماركسي للطبقة الاجتماعية
معلوم أن ماركس لم يكتشف وجود الطبقات والصراع الطبقي في المجتمع، فقبل ماركس وصف علماء الاجتماع الطبقات والصراع الطبقي، يقول ماركس في رسالة الي ج.ودميير في 5/مارس/1852م، يفسر ما يزعم أنه اثبته علميا بمنهجه التاريخي(لافضل يرجع لي في اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع، ولا في وجود الصراع بينهما، فقبلي بزمن طويل وصف المؤرخون البورجوازيون التطور التاريخي للصراع بين الطبقات، ووصف الاقتصاديون البورجوازيون التشريح الاقتصادي للطبقات. الجديد الذي فصلته هو اثبات:
- وجود الطبقات يرتبط فقط باطوار تاريخية معينة من تطور الانتاج.
- ان الصراع الطبقي يؤدي بالضرورة الي ديكتاتورية البروليتاريا.
- ان هذه الديكتاتورية نفسها تمثل مرحلة الانتقال نحو القضاء علي الطبقات وقيام مجتمع لاطبقي).
أي أن ماركس تحدث هنا عن مرحلة انتقالية للاشتراكية بهدف الوصول للمجتمع اللاطبقي، وهذه المرحلة هي بالضرورة ديكتاتورية البروليتاريا، وهو مفهوم تجاوزته الاحزاب الشيوعية في اوربا منذ نهاية الحرب العالمية، وطرحت الطريق البرلماني الديمقراطي التعدد ي للوصول للاشتراكية. كما احدثت الثورة العلمية التقنية متغيرات بنيوية في تركيبة المجتمعات الرأسمالية المتطورة، واتسع مفهوم الطبقة العاملة الذي اصبح يضم العاملين باجر بايديهم وادمغتهم ويتعرضون للاستغلال الرأسمالي باستحواذ فائض القيمة منهم.
كانت نظرية ماركس حول مفهوم الطبقة الاجتماعية من المكتشفات الهامة في علم الاجتماع، أوضح ماركس أن الطبقة الاجتماعية ليست طائفة ولامرتبة ولانقابة ولامهنة ولاحرفة ولادرجة، ولاتقوم علي الثروة أو الدخل أو قيمة الأجر أو مستوي المعيشة ونوعها، برغم انها قد تنعكس علي العديد من هذه الخصائص:
وتري الماركسية المعايير الايجابية الآتية كافية للدلالة علي الطبقات الاجتماعية:
- الدور الذي يؤدي في الانتاج.
- تداول الثروة وتوزيعها.
- الاسهام في الصراع الطبقي الذي يتبدي في النضال من اجل السلطة السياسية.
- السيطرة علي الدولة باعتبارها التي تعبر عن عن سيطرة طبقة علي بقية الطبقات.
- الوعي الطبقي( الايديولوجيا الطبقية).
ومعلوم أن مفهوم الطبقة في الماركسية ليس جامدا، ولكنه تطور كعملية ويتضح ذلك من الأمثلة التالية:
أ- في البيان الشيوعي لماركس وانجلز: الطبقة الاجتماعية لاتتشكل بصورة نهائية الابظهور التضامن الطبقي ووحدة الدور في الانتاج والمصالح الاقتصادية المشتركة والوعي الطبقي.
ب‌- في مؤلفات(نقد فلسفة الدولة لهيغل) لماركس، (الايولوجيا الالمانية) لماركس وانجلز، العائلة المقدسة لماركس، (نقد الاقتصاد السياسي) لماركس: يغلب عليها التحليل الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي.
ج‌- وفي مؤلف (رأس المال) لماركس يظهر بوضوح الصراع بين البورجوازية والبروليتاريا، وملاحظة قوي اجتماعية أخري: المديرين.
د- وعند برنشتين ملاحظة أن الطبقات الوسطي بين البورجوازية والبروليتاريا تنمو علي الدوام، وتطور الرأسمالية يدعم الديمقراطية وخاصة الدولة الديمقراطية التي تعلو علي الطبقات.
ه-ويري كاوتسكي أن ديكتاتورية البروليتاريا، لامعني لها ويشير الي تزايد دور ووزن الطبقة الوسطي.
و- ويقدم لينين تعريفه للطبقات الاجتماعية علي النحو التالي:
( يطلق اسم الطبقات علي مجموعات بشرية كبيرة تتميز بوضعها في نظام تاريخي معين من الانتاج الاجتماعي، وبالعلاقات بينها وبين وسائل الانتاج( وهي علاقات يحددها القانون في الغالب)، وبدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل وبقدرتها بالتالي علي الحصول علي نصيبها من الثروة، كما تتميز بحجم هذه الثروة).
ويلاحظ أن لينين هنا يغفل الوعي الطبقي في التعريف.
ز-كما يقدم بوخارين تعريفه للطبقة في كتابه عن(نظرية المادية التاريخية 1931م)، علي النحو التالي( الطبقة الاجتماعية وحدة جماعية من الأشخاص الذين يؤدون دورا واحدا في الانتاج، ويقيمون علاقات واحدة مع غيرها من الوحدات الجماعية التي تسهم في عملية الانتاج).
من كل التعريفات السابقة حددت الماركسية المعايير الآتية لتعريف الطبقات الاجتماعية:
- معيار اقتصادي – اجتماعي.
- الفروق المترتبة علي الوعي الطبقي.
- الايديولوجيا.
- الموقف من الناس.
- مستوي الحياة والدخل.
- الثقافة.
وينتقد عالم الاجتماع جورج جورجيفتش في مؤلفه(دراسات في الطبقات الاجتماعية، ترجمة احمد رضا محمد، ومراجعة د.عزالدين فودة، بدون تاريخ): قلة الالنفات في التعريف الماركسي الي انواع المجموعات ذات الوظيفة الواحدة أو المتعددة الوظائف(المكان، الأسرة، الرابطة الأخوية، النشاط الذي لايستهدف الربح..الخ)، كما يشير الي اهمال الماركسيين دراسة التناسب العكسي بين الصراع الطبقي وبين صراع المجموعات المنطوية داخل الطبقة الواحدة.
مثال: الصراع بين المنتجين والمستهلكين، الصراع بين المهن، الصراع بين المجموعات المتقاربة اقتصاديا أو ذات الرابطة الأخوية، والصراع بين الأسر، والصراع بين الأحزاب السياسية والنقابات التي تدعي أنها تمثل الطبقة ذاتها..الخ.
كما يشير الي أن انعدام السيكولوجيا الجماعية لطبقات تمثل ثغرة خطيرة للغاية في النظرية الماركسية، كما انه دائما تولد طبقات جديدة في المجتمعات المتطورة صناعيا.
هذا اضافة الي جعل البروليتاريا منقذة للجنس البشري ولها قوي اعجازية قادرة علي تحقيق التحول النهائي.
كما يري جورج جورجيفتش أن النظرية الماركسية في الطبقات الاجتماعية( ليست بالوضوح الكافي)(دراسات في الطبقات الاجتماعية، ص 13).
في المناقشة لآراء جورج جورجيفتش: ناخذ في الاعتبار تغير وتبدل الواقع، عما كان عليه الحال عندما صاغ ماركس نظريته في الطبقات الاجتماعية، وفي هذا الجانب، فان النظرية مفتوحة وليست نهائية، بحكم منهج الديالكتيك المادي الذي لايعرف الحقيقة النهاية، بل يقبل الاضافات والتعديلات الجديدة التي تنبثق من الواقع المتجدد دوما، وليس كما أشار جورجيقتش( ان النظرية ليست بالوضوح الكافي)، فهي ليست نظرية نهائية مكتملة. المهم الأساس الذي انطلق منه ماركس حول مفهوم الطبقة الاجتماعية والذي حدده ماركس في : الدور في الانتاج والوعي الطبقي.
اتفق مع جورجيفتش: في تاريخية الطبقات الاجتماعية، وبدور هذه الطبقات الرئيسي في تحويل المجتمعات الحاضرة، وفي تقديري أن الكاتب يعبر عن شئ صحيح تماما حين يقول( ان وظيفة الطبقات الاجتماعية باعتبارها منتجة، وموضوعات تاريخية ودورها في الانتاج وفي تداول الأموال الاقتصادية وتوزيعها، وعلاقاتها مع تنظيماتها الخاصة بها، ومع بنيانها وبنيان المجتمع كله، وامكانياتها في الامتداد الي ماوراء حدود الأمم المختلفة، كل اولئك ظواهر مفعمة بالحركات الديالكتيكية تتسم بقابليتها اللانهائية للتنوع التجريبي).
وهذا يتفق مع منهج الماركسية في أن الطبقات ليست بلورات صلبة، صماء، جامدة ، وانما هي كائنات عضوية تتطور وتقبل التعدد اللانهائي ، كما يمكن أن تقبل الطبقة الواحدة تنوع الأحزاب والمجموعات السياسية التي تعبر عنها، كما تقبل تنوع الصراعات الاقتصادية وغير الاقتصادية.










































6



مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية تتشابك مع مرحلة الاشتراكية
من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن المرحلة الوطنية الديمقراطية تتشابك وتتداخل في مستويات معينة مع مرحلة الاشتراكية، وبالتالي لايمكن الفصل بين المرحلتين، ومع ذلك مهم الوضوح حول أن المرحلة الوطنية الديمقراطية مرحلة قائمة بذاتها.
وكان المؤتمر الرابع قد أشار حول المرحلة الوطنية الديمقراطية الي الآتي:
مازالت بلادنا تعيش مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، ومهام هذه المرحلة التي حددها المؤتمر ذات شقين: المهام الوطنية الخاصة بدعم الاستقلال السياسي والذي لايمكن أن يتحقق بغير انجاز الاستقلال الاقتصادي والتحرر من التبعية للاستغلال الرأسمالي، ومهام ديمقراطية تتلخص في ازالة كل العلاقات الاجتماعية والانتاجية المتخلفة التي تحول دون التقدم وتحبس الطاقات الخلاقة للجماهير، هذه المهام الوطنية الديمقراطية لايمكن الفصل بينها لأنها تكمل بعضها.
كما حدد المؤتمر الرابع القوي الاجتماعية صاحبة المصلحة في انجاز مهام هذه المرحلة في : الطبقة العاملة وجماهير المزارعين والمثقفون الثوريون والرأسمالية الوطنية، اما أعداء هذه المرحلة فهم: الاستعمار بشقيه القديم والحديث والعناصر التي يستند اليها في داخل البلاد وصاحبة المصلحة في الابقاء علي التخلف والتبعية.
وهذا التحديد للمرحلة ومهامها وقواتها واعدائها هو مانسميه باستراتيجية الحزب.
كما أشار المؤتمر الرابع الي أن الجبهة الوطنية الديمقراطية هي التعبير عن تحالف القوي الاجتماعية لهذه المرحلة، أي ان الحزب الواحد بما في ذلك الحزب الشيوعي لايصلح كاداة للتحالفات المطلوبة لانجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية، كما توصلنا منذ دورة ل.م اغسطس 1977م، الي أن الوصول لهذه السلطة يتم بطريق ديمقراطي جماهيري تعددي.وان الدور القيادي للطبقة العاملة يتم بقناعة الناس وليس بالفرض أو الوصاية.
وبالتالي، فان استراتيجية الحزب حاليا هي انجاز المهام الوطنية الديمقراطية.
مع هذا التحديد الواضح لاستراتيجية الحزب، نأخذ في الاعتبار أن المرحلة الوطنية الديمقراطية تشكل التربة الصالحة لنمو جنين العلاقات الاشتراكية والتي تتفاعل مع السمات والخصائص المحلية، أى أنه ليس هناك فصل ميكانيكي بين المرحلة الوطنية الديمقراطية والمرحلة الاشتراكية.
وكما كان يشير ماركس الي أن التشكيلة الاشتراكية تتخلق داخل التشكيلة الرأسمالية، وتخرج من احشاءها ، بالتالي سوف تكون حاملة لتناقضاتها لفترة طويلة، وبالتالي، فان قانون القيمة الخاص بحركة السلع سوف يظل فاعلا، ولذلك أشار ماركس الي التفاوت في قدرات وعمل الناس، وبالتالي يستمر التفاوت في الدخل، أي يأخذ الانسان حسب عمله، أي أن الحق البورجوازي يظل مستمرا حتي في المرحلة الاشتراكية، والتي يتم فيها لجم التطور الرأسمالي بتحويل فائض القيمة أو الفائض الاقتصادي لتوفير احتياجات الناس الأساسية: في التعليم والصحة، حماية الامومة والطفولة والشيخوخة وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الاشتراكي.
ولكن من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن الاشتراكية هي طور ادني من من المجتمع الشيوعي أو مرحلة انتقالية طويلة للوصول للمجتمع الشيوعي الذي يشكل بداية تاريخ الانسانية الحقيقي، ويتحقق فيه شعار من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته، وتطور الفرد الحر كشرط لتطور المجموع الحر، والانتقال من مملكة الضرورة الي مملكة الحرية، واضمحلال الدولة كاداة للقهر والقمع وتحولها لأداة لخدمة الناس، وليس الغاءها، وفي المجتمع الشيوعي يتم الغاء كل اشكال القهر الطبقي والقومي والجنسي والاثني، ويتم فيه الغاء قانون القيمة الذي يتم فيه سيطرة المنتوج علي المنتجين(زوال الاستلاب).
كما انه من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن الاشتراكية هي حركة نضال يومي، فكل خطوة نخطوها في اتجاه تحسين احوال الناس المعيشية والثقافية تقربنا من هدف الاشتراكية.
في تجديد المشروع الاشتراكي، توصلنا الي ضرورة التعددية السياسية والفكرية والثقافية، وتعدد القطاعات الانتاجية (ملكية دولة، تعاونية، مختلط، خاص..الخ)، ونبذ فكرة الحزب الواحد وديكتاتورية البروليتاريا، واعتماد الديمقراطية وسيادة حكم القانون، وحرية العقيدة والمعتقد.والحل الديمقراطي السلمي للمسألة القومية علي أساس حق تقرير المصير كحق ديمقراطي انساني، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل، علما بأن المساواة في القانون لايعني المساواة في الحياة، وبالتالي، لابد من الصراع الثقافي الطويل النفس لازالة البنية الثقافية التي تكرس دونية المراة.اضافة لحماية السلام العالمي ونبذ الحروب والحد من التسلح، والتضامن مع الشعوب من اجل سيادتها وحقها في السيطرة علي مواردها الاقتصادية واختيار نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية، وحقها في التبادل المتكافئ.
مع ذلك، نأخذ في الاعتبار تداخل وتشابك هذه المراحل: المرحلة الوطنية الديمقراطية، المرحلة الاشتراكية، مرحلة الشيوعية.
صحيح أن المرحلة الشيوعية مازالت هدفا بعيد المنال، وحتي الاشتراكية ، اذ أن الهدف المباشر الان انجاز المهام الوطنية الديمقراطية، بل الأكثر الحاحا حاليا هو برنامج اسعافي: يتم فيه اصلاح كل الخراب الذي تم في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاخلاقية، وهذا البرنامج يتداخل ويتشابك مع المهام الوطنية الديمقراطية، اذ أن كل خطوة نحققها في ذلك، تقربنا من البرنامج الوطني الديمقراطي.
ولكن لايغيب عن بالنا، علي المدي البعيد، يجب أن يكون هدفنا المجتمع الشيوعي الذي هو الطور الاعلي من المجتمع الاشتراكي، والذي يبدأ فيه تاريخ الانسان الحقيقي، وتزول فيه كل اشكال الاستغلال، فالاشتراكية هي الطور الادني من المجتمع الشيوعي والذي يظل فيها قانون القيمة الذي يعبر عن التفاوت موجودا، واذا لم يتم لجم التطور الرأسمالي من السهل الارتداد من الاشتراكية الي الرأسمالية.
وبالتالي من المهم أن يكون هدفنا المجتمع الشيوعي، وان نبقي علي اسم الحزب الشيوعي السوداني كتعبير عن ذلك الهدف البعيد.
















7


14- بعض المفارقات في الماركسية والتجارب الاشتراكية
بعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، ربط البعض بين الماركسية وفشل تلك النماذج، وخلصوا لاستنتاجات فحواها ان فشل تلك النماذج هو فشل للماركسية، فهل هذا صحيح؟.
في اعتقادي أن هناك مفارقات في الماركسية والتجارب الاشتراكية، ويمكن اعطاء امثلة لها من التجربة الاشتراكية السوفيتية منها:
1- ذوبان الحزب والنقابات في الدولة، بينما الاصل هو استقلال الحزب والنقابات عن الدولة، فالمفترض في التجربة الاشتراكية أن تشترك النقابات في تسيير الحياة الاقتصادية، واشتراك الجماهير الكادحة في هذا العمل ، وهذا يقفل الطريق امام تمكين البيروقراطية في جهاز الدولة، وهذه النقطة فطن اليها المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الروسي المنعقد في مارس 1919م، والذي قرر تكوين ادارة ثلاثية من نقابات العمال والحزب والمدير (التقني)،وكان للنقابات في البداية وحدها حق تحديد الاجور، ثم جاءت المرحلة الستالينية التي اصبح فيها حق تحديد الاجور من اختصاص المديرين التقنيين. وبهذا الشكل سيطرت الدولة علي الانتاج، بعد ان تم استبعاد نقابات العمال والحزب وتكريس ادارة الرجل الواحد للمنشأة الصناعية(توني كليف: رأسمالية الدولة في روسيا، 1988م).
اضافة الي أن ذوبان الحزب في الدولة وعدم استقلاله عنها، مهد الطريق لغياب الديمقراطية ولتصفية الحزب، وتم التخلص من خيرة الشيوعيين بالاعدامات والنفي والسجن، مما ادي الي حدوث تحولات في التكوين الاجتماعي للحزب، واصبحت الوصولية هي العامل الاساسي في دخول الحزب، وخلق طبقة بيروقراطية حاكمة، وهذا ماكان لينين يحذر منه، أي خطورة بقرطة الحزب. وكانت أزمة الحزب تكمن في انفراده بالساحة السياسية وغياب الديمقراطية في ظاهرة الحزب الواحد، الغاء الفصل بين السلطات(التنفيذية- التشريعية- القضائية) واحتكارها جميعا في يد قادرة هي قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي. كان غياب الديمقراطية ودمج السلطات كلها في يد الحزب الواحد هي مقتل الحزب الشيوعي، وكل الحزاب التي اقتبست هذا النموذج وقطعت الصلة بالحزب اللينيني الصحيح، وبالتالي، لم يكن غريبا أن ينهار النموذج السوفيتي أو النظام الشمولي، بعد اكثر من سبعين عاما علي قيامه.
2- في المرحلة الاشتراكية، كما كان يشير ماركس، يظل قانون القيمة الخاص بحركة السلع يفعل فعله، وبالتالي سوف يستمر التفاوت بين الناس حسب تفاوت قدراتهم الذهنية ومواهبهم، وبالتالي سوف يستمر الحق البورجوازي، ويسود شعار من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله، وبالتالي من المهم أن تكفل الدولة للعمال الحق في الدفاع عن انفسهم، ضد الدولة الاشتراكية التي تعبر عن هذا التفاوت، وبالتالي، كما كان يقول لينين أن لاتقمع الدولة حق العمال في الاضراب، وبالفعل كفلت الدولة الاشتراكية في روسيا، كما قرر المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الروسي، حق الاضراب. وتشير الاحصاءات الي انه في سنة 1922م، شن 192 الف عامل الاضراب في منشآت تابعة للدولة السوفيتية، وفي عام 1924 كانوا 43الف، وفي النصف الثاني من عام 1938م كانوا 8900( العفيف الاخضر: انهيار رأسمالية الدولة الستالينية، مجلة قضايا فكرية، العدد 9- 10). ثم بعد ذلك صادر ستالين حق الاضراب وصارت عقوبته الاعدام، وبعد الغاء عقوبة الاعدام، اصبحت العقوبة الاشغال الشاقة لمدة عشرين سنة(المرجع السابق)، اضافةالي اصدار قوانين عمل متعسفة مثل: ادخال نظام العمل بالقطعة الذي يكثف استغلال العمال ويفتت وحدتهم، كما تم منع حق العمال في تغيير اماكن عملهم، كما صدر قانون يبيح طرد العامل الذي يتغيب يوما بدون عذر مقبول واخراجه من سكنه اذا كان تابعا لعمله، كما صدر قانون في 26/يونيو/1940م يوجب عقاب العامل الذي يتأخر عن عمله يوما واحدا بدون عذر بالاشغال الشاقة لمدة تصل الي 6 شهور وبتخفيض اجره بنسبة قد تصل الي 25%( المرجع السابق)، اضافة الي تشغيل النساء في الانتاج الثقيل وغير الصحي وتحت الأرض وفي ساعات الليل، والعمل القسري غير المدفوع في روسيا الستالينية.
وهذا ادي الي تراجع الدور السياسي والمستقل للطبقة العاملة، واصبح الحكم بالنيابة عنها، وبهذا الطريق انفتح الباب أمام التمكين للبيروقراطية التي طالما كان لينين يحذر من مخاطرها والتي تؤدي للسلطة غير المقيدة والفساد، وكان ذلك من اسباب فشل التجربة الاشتراكية.
3- النزع القسري لملكية الفلاحين:
في عام 1928 طبق ستالين سياسة التجميع القسري لملكيات الفلاحين ، أي تم ضم الملكيات العقارية الصغيرة والمتوسطة الي قطاع الدولة، وكان ذلك خطأ اقتصاديا وحه للزراعة الروسية ضربة قاصمة، اثر علي تطور الزراعة الروسية لفترة طويلة.
ومعلوم ان انجلز كان يتعامل بحساسية عالية تجاه الموقف الذي ينبغي اتخاذه ازاء الفلاحين بعد الثورة الاشتراكية، وكان يري ضرورة قناعتهم ومشاركتهم في عملية الاصلاح الزراعي والزراعة التعاونية الكبيرة، حتي لو احتاج ذلك لوقت طويل يقول انجلز: ( من الواضح لنا أنه عندما تصبح سلطة الدولة في يدنا لن يخطر ببالنا أن ننزع ملكية الفلاحين الصغار بالعنف(بتعويض أو بغير تعويض سيان)، ان مهمتنا تجاه الفلاحين الصغار تقوم قبل كل شئ في توجيه انتاجهم صغير الحجم وملكياتهم الخاصة في السبيل التعاوني، لابواسطة العنف، بل عن طريق المثل وتقديم مساعدة المجتمع لهذا الغرض، ومن المؤكد أنه سيكون لدينا من ذلك مايكفي من الوسائل لكي نبين للفلاح الصغير المنافع المرتبطة بمثل هذا التحول، اننا نقف بحزم الي جانب الفلاح الصغير، سنبذل جهدنا في نطاق الممكن لكي نجعل قسمته اكثر احتمالا، ولكي نسهل عليه الانتقال الي التعاونية اذا ما اقدم علي هذه الخطوة، واذا كان لايستطيع أن يتخذ مثل هذا القرار بعد ، فسوف نعطيه وقتا وفيرا للتفكير في الأمر وهو في ارضه الصغيرة).
وبالتالي، فان انجلز كان واقعيا، وكان يدرك حجم تعقيد ارتباط الفلاح بالارض والزراعة الصغيرة ودورها في الانتاج وارتباط الفلاح بملكيته الزراعية، وحرية التجارة، وتفانيه في رفع الانتاجية.
ان السياسة الستالينية في نزع ملكية الفلاحين بالقسر، كانت لها نتائج وخيمة علي الزراعة في روسيا، فضلا عن انه ليس لها علاقة بالماركسية.
والواقع أن حقيقة استمرار علاقات لاراسمالية في الزراعة(الزراعة العائلية والفردية) حتي في حقبة رأس المال المتعدد الجنسيات الحالية، يؤكد أن الموضوع معقد ولايجوز التبسيط فيه، وأن قوة العمل العائلية لها دور في تنمية الثروة العامة للبلاد وفي توفير الغذاء، ولايمكن ان تزول بين يوم وليلة.
وهكذا كان مؤسسي الماركسية يدركون ان موضوع المزارعين وعلاقتهم مع بقية الطبقات في الثورة الاشتراكية عملية معقدة، وصعبة ولايجوز التبسيط فيها باتخاذ الاجراءات الادارية والقسرية، كمثل الحال الذي تم في روسيا الستالينية، اثناء فترة التحول القسري للمزارع الجماعية، مما ادي الي انهيار الزراعة في الاتحاد السوفيتي.
4- الماركسية وحرية الضمير والمعتقد:
في جدل انجلز مع الاشتراكي الالماني دوهرينغ في كتابه( انتي دوهرينغ)، وفي الفصل الأخير من الكتاب بعنوان( الدولة والعائلة والتربية)، يعالج انجلز مسألة الدين بشي من الواقعية والعمق والشمول، باعتبارها مسألة حساسة ولايجوز التبسيط فيها ، ولأنها ظاهرة معقدة، وبالتالي يجب معالجتها بوعي شديد. انتقد انجلز تصور دوهرينغ حول الغاء الدين باجراءات ادارية في المرحلة الاشتراكية. واكد انجلز علي حرية الضمير والمعتقد وترك كل شئ للتطور الطبيعي، بدون اتخاذ اجراءات ادارية، لأن القضايا التي تتعلق بمعتقدات الناس لايمكن الغاءها بقانون.
اذن منهج الماركسية وبعيدا عن اخذ النصوص خارج سياقها التاريخي هو نظرة عميقة وشاملة للدين باعتباره ظاهرة معقدة ولايجوز التبسيط فيها، ورفض الاجراءات الادارية واستخدام القانون في محاربة المسائل التي تتعلق بالثقافة وبحرية الضمير والنعتقد، والتمسك بقواعد الحرية الفكرية وحرية المعتقد، وترك كل شئ للتطور الطبيعي، وأن حرية الضمير والمعتقد تتوفر شروطها الحقيقية عندما يتم تحرير الانسان من سيطرة الحاجة وتوفير كل احتياجاته الأساسية.
وجاء ستالين ليطبق الافكار الخاطئة لدوهرينغ والتي انتقدها انجلز ، بجعل الالحاد سياسة رسمية للدولة، في حين أن الدولة للجميع، ولكل حرية معتقده الديني والسياسي والفلسفي والفكري، وكان ذلك من اخطاء التجربة الستالينية في الاتحاد السوفيتي.
5- الجمود النظري:
تم تحويل الماركسية في الفترة الستالينية من طابعها العلمي النقدي الثوري الي نظام يمنع كل بحث حر ونقد، واصبحت تقدم للطلاب في المدارس بطريقة دوغمائية، وبالتالي تم تعطيل المنهج الماركسي نفسه في تحليل التطورات التي تمت في البلاد، من خلال التناول النقدي لها واتخاذ مواقف سليمة تصحح مسار التجربة بعد كل فترة من خلال العقل الجماعي.
اضافة لتكريس عبادة الفرد باعتبارها من المكونات المهمة للظاهرة الستالينية والتي لها جذور في التاريخ الروسي.
تلك امثلة لبعض المفارقات في الماركسية والتجارب الاشتراكية.






























8
في الذكري 150 لميلاده: لم يزل لينين انسانا من الشعب
والأرض في إخصابها لم تزل
تفيض بالعطاء والخصب
ولم يزل لينين في صوته
الأخضر انسانا من الشعب
الشاعر : عبد الوهاب البياتي
تحتفل القوى الأحزاب الشيوعية والاشتراكية واليسارية وكل القوى الديمقراطية والوطنية المحبة للسلام والعدالة والتحرر من القهر الطبقي والعنصري والديني والقومي والجنسي بالذكري 150 لميلاد فلاديمير اليتش لينين (1870 – 1924)، الذي قاد ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية في روسيا، والتي كانت من أهم احداث القرن العشرين والتى رفعت فيها الجماهير في روسيا شعارات: الحرية – الخبز – السلام ، مثلما كانت الثورة الفرنسية من أهم احداث القرن الثامن عشر والتى رفعت فيها الجماهير في فرنسا شعارات : حقوق الانسان – الاخاء – المساواة ، وكما يقول ماركس : الثورات قاطرة التاريخ ، فقد كانت الثورة الفرنسية والثورة الروسية من أهم معالم التحول في التاريخ الانساني و الاجتماعي. والتي طرحت قضية تحرير الانسان من الحاجة والظلم والجهل ومن مآسي الحروب وتحرير شعوب المستعمرات من النير الاستعماري.
كما كانت ثورة اكتوبر الاشتراكية منارةً سامقة اعطت الأمل لكل العاملين والمضطهدين في العالم بامكانية زوال استغلال الانسان للانسان ، وتحقيق مجتمع تتحقق فيه الديمقراطية الحقيقة بمحتواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وتحرير الانسان من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والعنصري والجنسي والاثني ، واقامة التنمية المتوازنة بين كل شعوب العالم ، وضمان حق تقرير المصير كحق ديمقراطي انساني وكفالة حق الاقليات القومية في تنمية ثقافاتها ولغاتها الخاصة ، وضمان المساواة الفعلية بين المرأة والرجل ، باعتبار أن تطور اى مجتمع يقاس بمدى تحرر وتطور المرأة ، وتحقيق السلم الوطيد في العالم ، ،وتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب بغض النظر عن أنظمتها السياسية والاجتماعية ، وتاكيد السيادة الوطنية للشعوب وعدم التدخل في شئونها الداخلية ، وحقها في السيادة على مواردها الطبيعية . كما أكدت ثورة اكتوبر أن التشكيلة الرأسمالية ليست خالدة ، وان هناك امكانية للبديل الاشتراكي . ورغم الانتكاسة المؤقتة التي حدثت الا أن البديل الاشتراكي مازال مطروحا بعد استخلاص دروس التجربة السابقة.
الثورة الروسية كانت ملحمة جماهيرية حقا ، عكسها الصحفي الأمريكي جون ريد بشكل رائع في مؤلفه " عشرة أيام هزت العالم".
• انتصار الثورة الروسية لا ينفصل عن النضال السياسي والنظري الذي خاضه البلاشفة ضد التيارات اليمينية التي دافعت عن التطور الرأسمالي باعتباره أسبقية ، تجلى ذلك في مؤلفات لينين مثل: -
• تطور الرأسمالية في روسيا 1899 الذي توصل فيه لينين الي أن روسيا دخلت مرحلة التطور الرأسمالي وتفككت المشاعية وبرزت زراعة المحاصيل النقدية، وتطورت ونشأت الصناعات وبرزت طبقة عاملة، وغير ذلك من السمات والخصائص التي ميزت التطور الرأسمالي في روسيا.
• مؤلف لينين “ ما العمل ؟” 1901 ، الذي أوضح فيه لينين طبيعة الحزب من النوع الجديد الذي يقوم علي مبدأ المركزية الديمقراطية التي تقوم علي الحرية الواسعة في النقاش مع الالتزام برأي الأغلبية ، وشروط العضوية التي تستند على قبول البرنامج والدستور وتسديد الاشتراكات والعمل في إحدى الهيئات، وطبيعة الحزب الطبقية الذي يستند علي الطبقة العاملة، إضافة لاستناد الحزب علي النظرية الماركسية ، باعتبار لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية، والصراع ضد تيارات “ العفوية” و “ الاقتصاديوية” التي تحبس نضال الطبقة العاملة في النضال الاقتصادي فقط ، بدلا من النضال السياسي لتحرير المجتمع بأسره من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والاثني والديني والقومي.الخ.
• مؤلف لينين “ المادية والمذهب النقدي التجريبي 1908 ” الذي تصدي فيه لينين للهجوم علي الماركسية ومنهجها الديالكتيكي المادي بعد القمع الوحشي الذي تعرض له البلاشفة بعد هزيمة ثورة 1905 ، والتطورات الجديدة في العلوم الطبيعية بعد اكتشاف الالكترونات ومكونات الذرة الأخرى، واكتشاف النظرية النسبية ، وتوصل بعض الفلاسفة والعلماء مثل : ماخ، الخ إلي تلاشى المادة، دافع لينين عن الديالكتيك المادي ،وقدم مفهوما أوسع للمادة بأنها الواقع الموضوعي المستقل عنا، وأن أشكال المادة تتنوع، وإن ما تلاشى هو المفهوم القديم للمادة، وأوضح أن الحقيقة المطلقة هي المجموع اللانهائي للحقائق النسبية، وأنه لا يمكن الفصل بين المادة والحركة والمكان والزمان، وكانت مساهمة لينين تطويرا للمادية الفلسفية في ظروف الاكتشافات العلمية الجديدة.
• ساهم لينين في دراسة ظاهرة الامبريالية أو المرحلة الجديدة من الرأسمالية في مؤلفه “الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية 1916” والذي درس فيه المتغيرات في الرأسمالية ، وتصدير الأموال للخارج، والصراع بين الدول الرأسمالية لاقتسام ونهب موارد بلدان المستعمرات والحروب كشرط ملازم للمرحلة الجديدة من الرأسمالية.
• ساهم لينين في تطوير التكتيكات استنادا للتحليل الملموس للواقع الملموس، وأشار إلي أن النظرية رمادية والواقع أخضر ، وأن الماركسية ليست عقيدة جامدة بل منهج للعمل، كما أو ضح في مؤلفات: “تاكتيكان للاشتراكية الديمقراطية. الخ”، “ موضوعات نيسان” ، “ مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية”. الخ.
• كما أشار إلي أنه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية ، وأن دراسة الماركسية تعني دراسة الثقافة الإنسانية ، ودراسة واقع وخصائص وسمات كل بلد.
لاشك أن الصراع في كل الجبهات السياسية والاقتصادية والنظرية أسهم في وضوح خط البلاشفة السياسي والفكري ، وكان له الأثر الحاسم في نجاحهم في الوصول للسلطة.
كان لينين مفكرا عميقا ، وكغيره من المفكرين والعلماء طرحوا قضايا في عصرهم لازال بعضها حيا مثل:
– الماركسية منهج وليست عقيدة جامدة ، ومن المهم التفاعل مع التطورات الجديدة في العلوم الطبيعية والاقتصادية والانسانية.
– طرح لينين قضية استقلال الحزب والنقابات عن الدولة.
– أشار إلى أن دراسة الماركسية أو الشيوعية تعني الدراسة العميقة للفكر الانساني والثقافة الانسانية.
– الديمقراطية التامة والطوعية التامة في حل المسألة القومية أو تقرير المصير: أما بالاتحاد أو الانفصال.
– استخلص منهجا عميقا لدراسة الواقع الروسي ، والثقافة الروسية ، والتاريخ الروسي وأشار إلي ضرورة اخذ خصوصيات كل بلد في الاعتبار في عملية التحول الاجتماعية.
– تعدد الطرق للوصول للاشتراكية.
– الديمقراطية كشرط للوصول للاشتراكية.
واخيرا يظل التراث الثوري الذي تركه لينين ينير الطريق للثوريين في العالم من اجل تغيير الواقع البشع الذي كرسه النظام الراسمالي الذي وصل الي قمة شراسته في مرحلة العولمة الحالية الذي فضحته جائحة "كورونا" واثبت فشله في قيام نظام صحي تكون الدولة حجر الزاوية فيه، مما يؤكد ضرورة الاشتراكية التي تستهدف الانسان وتوفر له احتياجاته الأساسية في العمل والسكن والتعليم والصحة وحماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وتطوير الانسان في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية..
9
في ذكري 8 مارس
الماركسية والمدارس النسوية.
نظرت الماركسية الي قضية تحرير المرأة في ارتباط وثيق مع تحرير المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والديني، وكما هو معلوم، فان اول بحث رائد في الماركسية حول قضية المرأة هو الذي قدمه انجلز في مؤلفه" اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، والذي نشر لأول مرة عام 1884م، استند انجلز في مؤلفه علي بحث عالم الاجتماع الامريكي مورغان الذي عاش لفترة عشرين سنة وسط القبائل البدائية للهنود الحمر.
انطلق انجلز من الفهم المادي للتاريخ الذي يقول أن التحول في اسلوب الانتاج يؤثر علي الوجود الانساني باسره، بما في ذلك شكل العلاقات بين الرجال والنساء، ولايمكن الفصل بين الانتاج وتجديد النوع البشري في تطور المجتمع.
وكانت اهم استنتاجات انجلز تتلخص في الآتي:
1 - النظرة الي دونية المرأة هي نتاج تطور تاريخي اجتماعي، لاتتعلق بالفروق البيولوجية بين المرأة والرجل.
2 - المجتمعات البدائية شهدت المساواة بين المرأة والرجل، وكانت العلاقات الجنسية تقوم علي الاختيار الحر من الطرفين ، كما شهدت تلك المجتمعات حق الأم ، كان الابناء ينسبون الي الأم.
3 - مع ظهور المجتمعات الزراعية والرعوية والفروق الطبقية والدولة، وتركز الثروة في يد الرجال( ملكية الاراضي الزراعية وقطعان الماشية)، بدأت تظهر عدم المساواة بين المرأة والرجل ، واصبحت الوراثة من جهة الاب لاستمرار سيطرة الرجل.
-4 أشار انجلز الي أن الاطاحة بحق الأم كان الهزيمة التاريخية العالمية لجنس النساء، ومن هنا بدأت سيطرة الرجل وهيمنته في المجتمع ، وتراجع دور المرأة الي المنزل.وهذه الهزيمة ارتبطت بانقسام المجتمع الي طبقات مستغلة"بكسر الغين) ومستغلة(بفتح الغين"، وبالتالي يستحيل فصل النساء عن تحرير المجتمع ككل من الاضطهاد الطبقي وكل أشكال القمع والاضطهاد الأخري.
اضافة لمساهمة انجلز التي كانت رائدة بحق في البحث عن الجذور الحقيقية لاضطهاد المرأة والتي شكلت سلاحا هاما في الحركة النسوية في نضالها من اجل التحرر، أشار ماركس في مؤلفات متفرقة الي قضية المرأة علي النحو التالي:
* تطور المجتمع يقاس بتقدم المرأة.
* خروج المرأة للعمل مع الرجل، لابد أن يصبح بالضرورة مصدرا للتقدم الانساني، ويخلق أساسا اقتصاديا جديدا لشكل أعلي من الأسرة وللعلاقات بين الجنسين ، مكان العمل يقتح أمام النساء أوسع الفرص للنضال والتنظيم.
* النضال ضد اضطهاد المرأة مهمة الرجال والنساء في الحزب ، وليس مهمة النساء وحدهن، لأن تحسين احوال العاملات تفيد المجتمع وكل العاملين " رياض الاطفال، المساواة في الأجر، الاجازة مدفوعة الاجر في حالة الولادة، الحضانات المجانية، .. الخ".
* وكان من رأي ماركس وانجلز أن تحرير المرأة يتطلب ليس فقط دخولها الي مجال الانتاج الاجتماعي ، انما كذلك احالة الخدمات من امثال العناية بالاطفال والمسنين والعجزة الي المجتمع. كما يمثل ازالة الفوارق الطبقية وتقسيم العمل بين الجنسين شرطا مسبقا لبلوغ النساء المساواة التامة.
الشق الثقافي لتحرير المرأة
علي أنه من الخطأ التصور ان الماركسية نظرت الي تحرر المرأة في مستوي العلاقات الاقتصادية والانتاجية فقط ، ولكن للمسألة شقها الثقافي الذي يتعلق بالبنية الفوقية للمجتمع ،فبمجرد تحرير المجتمع كله من الاضطهاد الطبقي ومساواة المرأة مع الرجل في الأجر وبقية الحقوق ، لايعني ذلك أن قضية المرأة قد تم حلها. ذلك أن لقضية المرأة شقها الثقافي والذي يتعلق بالصراع ضد الايديولوجية التي تكرس اضطهاد المرأة ودونيتها ، والتي هي نتاج قرون طويلة من قمع واضطهاد المرأة ، وبالتالي لابد من مواصلة الصراع في الجبهة الثقافية أو البنية الفوقية للمجتمع، ضد الافكار والمعتقدات التي تكرس دونية المراة والتي كرستها مجتمعات الرق والاقطاع وحتي الرأسمالية التي تعيد انتاج عدم المساواة في توزيع الثروة وبين البلدان المتخلفة والرأسمالية، وتعيد انتاج عدم المساواة بين المرأة والرجل وتجعل منها سلعة واداة للمتعة الدعارة واداة للاعلان الدعاية، اضافة للقهر الطبقي والثقافي والاثني والجنسي.
اكدت تجربة الثورة الروسية أنه لا يكفي فقط التحرر الاقتصادي وزوال المجتمع القديم ، بل لابد من خوض صراع فكري وثقافي طويل النفس ضد البنية العلوية التي تكرس اضطهاد ودونية المرأة.
اذن قضية المرأة ننظر لها نظرة شاملة وفي ابعادها المتعددة ومن زاوية: تحررها كجنس ومن الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والنفسي والأبوي، وفي مستوي البنية الثقافية للمجتمع التي تكرس اضطهاد المراة والتي هي نتاج قرون من مجتمعات الرق والاقطاع ولاتزول بين يوم وليلة، بل تحتاج الي نضال ثقافي وفكري شاق.
أشار ماركس وانجلز الي أن الاشتراكية توفر الظروف المادية والحقوقية الضرورية للمرأة ، الا أن الاوهام في ان تؤدي الاشتراكية الي هذا التحرر تلقائيا لم يدر بخلد مؤسسي الماركسية ، ولم يتصور ماركس وانجلز: أنه مع انتصار الاشتراكية ستسود المساواة فورا بين المرأة والرجل ، فقد تناول ماركس الاشتراكية بصورة واقعية مشيرا الي أن الحديث يدور حول تشكيلة اشتراكية تخرج من احشاء الرأسمالية، ولذا سوف تحتفظ بسماتها، التي تعيد انتاج عدم المساواة لفترة طويلة، ولاسيما البنية العلوية التي تكرس اضطهاد المرأة.
كما كان لينين يشير الي أن " المساواة في القانون لايعني المساواة في الحياة" ، وكان لينين يدرك تماما أن عدم المساواة بين الجنسين سيبقي في المجتمع الجديد ، واسطع مثال علي ذلك هو العمل المنزلي يقول لينين :" حتى في ظل المساواة التامة في الحقوق يبقي علي كل حال ذلك التقييد الفعلي للمرأة لأنه يلقى علي كاهلها أعباء كل الشئون المنزلية وهذه الشئون المنزلية هي في غالبية الحالات أقل الأعمال التي تقوم بها المرأة انتاجية واكثرها وحشية واشدها وطأة وارهاقا ، وهذا العمل في منتهى الحقارة والصغر ولا ينطوى على شئ من شأنه أن يسهم بقدرما في تطوير المرأة" " لينين المؤلفات الكاملة مجلد 40، ص 157"
كما كان لينين يشير الي "أن الطبقة العاملة لاتستطيع احراز حريتها الكاملة اذا لم تحرز الحرية الكاملة للنساء".
الحركات والمدرس النسوية الجديدة:
في الغرب الرأسمالي ظهرت مدارس نسوية جديدة قامت علي نقد واقع المرأة في المجتمعات الرأسمالية المتطورة ونقد التجرية الاشتراكية الستالينية، باعتبارها كانت مخيبة للآمال فيما يتعلق بتحرير المرأة، ومهما كانت الخلافات حول هذه المدارس الا أنها أسهمت في رفع الوعي بقضية المرأة ، وظهرت المراكز المتعددة التي تدافع عن حقوق المرأة من زوايا ومداخل متعددة، تناولت ابعاد جديدة حول قضية المرأة، أفرزها تطور المجتمع الرأسمالي المعاصر وان كان من المهم ربط الجزء بالكل، وضرورة النظرة الديالكتيكية الشاملة، والتي تتنتاقض مع النظرة الاحادية الجانب:
- فهناك الحركات النسوية الليبرالية والتي تطالب بالحقوق السياسية والمعاملة المتساوية مع الرجال، ولكن من الزاوية الطبقية تدافع هذه الحركات عن نمط الانتاج الرأسمالي، وتصور قضية المرأة وكأنها نسبة "كوتة"، أو تمثيل شكلي لها في المؤسسات البرلمانية، دون استكمال تلك الحقوق بالمحتوي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتحرير المجتمع ككل من الاضطهاد الطبقي والثقافي.
- وهناك الحركات النسوية الراديكالية التي توجه سهام نقدها للمعايير الابوية الذكورية، وكأن الذكوريمثلون طبقة اجتماعية واحدة، علما أن بعض الذكور يدافعون عن قضية المرأة وتحرير المجتمع من كل اشكال الاضطهاد، وبعض الذكور له مصلحة في تكريس المجتمع الرأسمالي الذي يعيد انتاج عدم المساواة في الثروة وفي النوع، كما أن هناك بعض النساء يدافعن بشراسة عن مصالحهن الطبقية في المجتمع الرأسمالي.
- وهناك الحركات التي تسهم في تقديم خدمات خاصة مثل : المراكز النسائية لتقديم العون لضحايا الاغتصاب والعناية بامراض النساء والاستشارة النفسية أو العناية بالطفل.
- كما أن هناك حركات نسوية تفتقد النظرة الشاملة لقضية المرأة وتصور أن العدو هو الرجل باعتباره القوى التي تضطهد المراة وسيطرته في الدور الذكوري، ولاترى أن الرأسمالية أو أى نظام آخر هو السبب وراء اضطهاد النساء " توني كليف: المصدر السابق، ص "262
- وهناك الاتجاه النسوي الذي يرجع اضطهاد المرأة الي عامل نفسي وجنسي ، والي أن التناقضات الطبقية نبحث عنها في اللامساواة بين الرجال والنساء ، وبالتالي، فان الدعوة للاضراب في سرير الزوجية سيسدد ضربة ليس فقط الي التعالي الجنسي ونواتجه الثانوية من مجتمع طبقي وعنصرية ، كما يري أن المرأة الغنية عمياء عن ظروف النساء من بنات جنسها، كما يري عدم اختلاط الرجال بالنساء" المساحقات"، وأن الحل هو امة المساحقات.
ولكن التجربة اكدت أن تلك الاتجاهات لم تحل قضية المرأة، بسبب عدم النظرة الشاملة ، وأن القضية ما زالت تكمن في نضال المرأة والرجل من التحرر من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والجنسي والثقافي.كما يؤكد خصوصية وضع المرأة وضرورة العمل المشترك بين النساء غض النظر عن منطلقاتهن الفكرية لتحرير المرأة بتحقيق المطالب العامة التي تهم المرأة كجنس.كما تؤكد تلك الاتجاهات أن الرجل نفسه يحتاج الي تحرير من البنية الفوقية للمجتمع التي تكرس دونية المرأة.


























10
الماركسية وأثر الثقافة والهويّة في التغيير.
أشار انجلز في مؤلفه "انتى دوهرينغ " (1877) : أن الماركسية تحولت إلى علم باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ونظرية فائض القيمة التى كشفت سر الاستغلال الرأسمالي .
بهذين الاكتشافين تحولت الماركسية إلى علم ، وأصبح الواجب تطويرها في كل الاتجاهات ، ولأن العلم لا يعرف النهائية والاكتمال ، فان تطوير الماركسية عملية مستمرة ، وتنبع من منهجها الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في حركتها وتطورها وشمولها وتحولها وتغيرها الدائم ، وعليه فان التجديد ينبع من التغير المستمر في الواقع ومن منهج الماركسية النقدي والثوري الذي يؤكد علي الدور الحاسم للعامل الاقتصادي في التغيير، الا أنه لايقلل من أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية وتاريخ وهويّة البلد المعين وتقاليده الثورية في التغيير، وذلك بحكم التأثير المتبادل بين البنية التحتية والبنية الفوقية في المجتمع داخل التشكيلة الاجتماعية المحددة.
كان اكتشاف ماركس للمفهوم المادي للتاريخ نقطة تحول مهمة في تطوير علم الاجتماع ودراسة التاريخ، فما هو المفهوم المادي للتاريخ؟.
انطلق ماركس في الفهم المادي للتاريخ من حقيقة بسيطة : الناس قبل أن يمارسوا السياسة والفن والدين عليهم أن يوفروا احتياجاتهم الأساسية من : مأكل ومشرب وملبس ومأوى ، ولكى يتم ذلك عليهم أن ينتجوا ، ولكى تتم عملية الإنتاج لا بد من توفير وسائل الإنتاج والعمل البشرى، وأثناء عملية الإنتاج تنشأ علاقات بين الناس تسمى علاقات الإنتاج تتعلق بالملكية والتوزيع ، وحول البنية التحتية للمجتمع التى تتكون من قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تنشأ بنية فوقية تتعلق بأفكار الناس السياسية والدينية والفلسفية والفنية . الخ . وحدة البنية التحتية والفوقية أطلق عليها ماركس التشكيلة الاجتماعية .
على أن العلاقة بين البنية التحتية والفوقية معقدة ومتشابكة وذات تأثير متبادل ، صحيح أن البنية التحتية لها تأثيرها على البنية الفوقية ، ولكن البنية الفوقية أيضا لها تاثيرها في البنية التحتية ، فالعلاقة ديالكتيكية بحيث يصبح من الصعب الحديث عن أدنى وأعلى وخاصة في مجتمعات ما قبل الرأسمالية .
وهذا أيضا يقودنا إلى العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي والتى ذات تأثير متبادل ، صحيح أن الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي ولكن الوعى الاجتماعي يؤثر في الوجود الاجتماعي ويعمل على إعادة تشكيله.
أشار انجلز في خطابه على قبر ماركس : أنه مثلما اكتشف دارون قانون تطور الأنواع بالانتخاب الطبيعي ، اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع البشري ، فقبل ماركس كان علماء الاجتماع يرجعون تطور المجتمع البشري الى أفكار الناس ، ولكن ماركس انطلق من العكس ، من الإنتاج المادي وإعادة إنتاج النوع البشري باعتباره القوى الحاسمة في تطور المجتمع البشري .
ومنذ اكتشاف ماركس حدثت تطورات كثيرة في علوم الاجتماع والآثار والتاريخ والأنثروبولوجيا وغيرها أثرت الفهم المادي للتاريخ ، مثلما حدثت تطورات في علم البيولوجيا أثرت وطورت نظرية دارون حتى اكتشاف الشفرة الوراثية في عصرنا الحالى . كما حدثت تطورات في علوم الفيزياء والفلك والجيولوجيا ، كان لها الأثر الكبير في تطور تلك العلوم و الفكر البشري . فما أن تظهر نظرية تفسر ظواهر معينة ، حتى تظهر ظواهر جديدة تحتاج لنظرية جديدة لتفسيرها وهكذا تطورت النظريات والعلوم .
في علم الاجتماع على سبيل المثال : كانت مساهمة عالم الاجتماع مورغان الذي درس المجتمعات البدائية للهنود الحمر بعد أن عاش وسطهم لمدة عشرين عاما ، استند انجلز على تلك الدراسة في مؤلفه : أصل الدولة والعائلة والملكية الخاصة (1884) ، والذي أشار فيه إلى أن الدولة هى نتاج تطور المجتمع في لحظة معينة بعد تفكك المشاعة البدائية وظهور الملكية الخاصة ، أو بعد ظهور المجتمعات الزراعية الرعوية ، كما أشار فيه إلى التقسيم الاجتماعي للعمل بين المرأة والرجل في المجتمعات البدائية حيث يذهب الرجال إلى الصيد ويقوم النساء بالعمل المنزلى من نسيج وإعداد الطعام وتربية الأطفال والتقاط الثمار وصيد الحيوانات الصغيرة غير المؤذية .
أشار أيضا إلى المساواة بين المرأة والرجل في المجتمعات المشاعية البدائية ، وبتفكك المجتمع البدائي وظهور المجتمعات الطبقية بعد اكتشاف الزراعة والرعي ظهرت عدم المساواة بين الرجال والنساء ، وكان ذلك أول هزيمة لجنس النساء في المجتمع البشري .ومنذ دراسة انجلز تلك تطورت الدراسات التى تناولت قضية تحرير المرأة بمدارسها المختلفة .
وبعد مورغان تطورت دراسات الثقافات للمجتمعات البدائية ، مع الاختلاف النابع من ظروف كل مجتمع ، ولكن السمة العامة تؤكد صحة المفهوم المادي للتاريخ والذي كان هاديا ومرشدا لدراسات كثيرة حول النوع ، ودراسة العلاقات المتبادلة والمتشابكة بين الاقتصاد والدين والسياسة وأنظمة القرابة التى تتداخل فيها العلاقة بين البنية التحتية والفوقية للمجتمع . وقد تناول الماركسي ارنست ماندل في مؤلفه ( النظرية الاقتصادية الماركسية ) أمثلة كثيرة من دراسات معاصرة في علوم الآثار والاجتماع والآنثروبولوجيا وثقافات المجتمعات البدائية ، أكدت صحة المفهوم المادي للتاريخ الذي اتخذه ماركس مرشدا له في دراساته وأبحاثه مثل رأس المال .
كما أنه من الخطأ تعميم اللوحة الخماسية التي أشار اليها ماركس لنشأة وتطور الرأسمالية في أوربا ( تشكيلة بدائية ، رق ، اقطاع ، رأسمالية ،اشتراكية ) على كل التاريخ البشري ، في حين أن ماركس كان يعارض تحويلها إلى نظرية فلسفية وتعميمها على كل بلدان العالم ، وأشار إلى ضرورة دراسة خصوصية كل مجتمع بذهن مفتوح وبطريقة مستقلة ، وفي هذا الإطار أشارماركس في مؤلفه ( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ) إلى نمط سادس خاص ببعض بلدان الشرق ( الصين ، مصر ، الهند ، .. الخ ) ، يتمايز عن الأنماط المشار لها في لوحته الخماسية ، أطلق عليه نمط الإنتاج الآسيوى ، وهو يتعلق بملكية الدولة للأرض والرى مقابل خراج يدفعه الفلاحون للدولة . وقد حاول بعض الماركسيين تعميم نمط الإنتاج الآسيوى على كل البلدان غير الأوربية وهذا أيضا غير صحيح ، والسليم هو الدراسة المستقلة لكل مجتمع بذهن مفتوح لمعرفة واقعه وخصوصيته .
الجانب الآخر الذي انتقده انجلس في كتاباته الأخيرة اعتبار الاقتصاد هو العامل الوحيد الحاسم في التغيير ، فالى جانب الاقتصاد هناك عوامل أخرى: دينية ، قومية ، ثقافية، سياسية ، تقاليد كل بلد وهويتها وشخصيات القادة فيها تسهم في التغيير ،صحيح أن للاقتصاد دور حاسم ولكنه ليس الوحيد .
اما الماركسي انطونيو غرامشي ، فقد طور ملاحظة انجلس ، وأشار الى أنه من الصعب تحديد أى العاملين الاقتصادي أو الثقافي هو الحاسم في التغيير ، وأن الثقافة ضرورية لبناء القاعدة الاجتماعية نفسها ، وأن النظام الرأسمالي لا يعيد إنتاج نفسه بوسائل اقتصادية أو بالقهر ، وانما يعيد إنتاج نفسه بوسائل ثقافية أيضا ، وبالتالى من المهم التأثير الثقافي والأخلاقي للطبقة العاملة وأن يكون لها مثقفين عضويين مرتبطين بها ، كما انتقد المفهوم المبتذل للمادية الفلسفية التى تلغي دور الإنسان والممارسة باسم الحتمية التاريخية وتلغي التفكير النقدي ، وأشار الى أن التاريخ ليس له معنى الا بارتباطه مع التاريخ الإنساني ، كما أشار ماركس ان الإنسان ليس نتاج سلبي للبيئة ، بل يسهم في إعادة تشكيل البيئة نفسها .
النقطة الثانية التى ركز عليها انجلز : أن المفهوم المادي للتاريخ ليس بديلا لدراسة تاريخ كل بلد على حدة بهدف معرفة واقعه وخصائصه بذهن مفتوح ، وليس حشره في المخطط المسبق للوحة الخماسية أو نمط الإنتاج الآسيوى أو أي مخطط أيديولوجي مسبق .مثل هذا الفهم ضار بالمفهوم المادي للتاريخ. أى أن الماركسية منهج لدراسة الواقع بذهن مفتوح بدون تصورات مسبقة بهدف معرفته واستيعاب سماته وخصائصه والعمل على تغييره إلي الأفضل.
11
كارل ماركس : حياته وأعماله
كلمة الزميل تاج السر عثمان بابو في الاحتفال بالذكري 200 لميلاد لكارل ماركس الذي اقيم في المركز العام للحزب الشيوعي السوداني.
كارل ماركس : حياته وأعماله
1818- 1883 م
مدخل:-
كما هو معلوم تحتفل الأحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية والبشرية التقدمية وكل الرأي العام المستنير في العالم هذا العام، بالذكري ال 200 لميلاد كارل ماركس، والذي يعتبر من أعظم المفكرين في العالم، ولاغرو أن اعتبر ماركس الشخصية الأولي في الألفية الثانية، باعتراف أعداء ماركس والماركسية، ، مما يؤكد حيوية الماركسية ومنهجها الناقد للرأسمالية والتي تعمقت أزماتها بأكثر من أي وقت مضي. مع حدة الأزمة الاقتصادية وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2008 ، بدأ الكثيرون يعيدون قراءة ، وأصبحت مؤلفات ماركس الأكثر مبيعا..
قال عنه رفيق دربه وصديقه انجلز في خطاب علي قبره : ( مثلما اكتشف دارون قانون تطور الكائنات العضوية بالانتخاب الطبيعي، اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري).
• سوف اتحدث بايجاز قدر الزمن المتاح عن حياة ماركس في النقاط التالية: -
• سيرة ماركس ..
• مصادر فكر ماركس؟..
• ما هما أهم اكتشافين لماركس؟..
• ما هي أهم أعمال ماركس؟
أولا: - سيرة ماركس
- ولد كارل هانريك ماركس في "ترير " بالمانيا في 5 مايو 1818 من أسرة ميسورة الحال ، كان والده محاميا من أصل يهودي وأعتنق المسيحية، وكان مستنيرا وعقلانيا متأثرا بأفكار عصر النهضة.
- أنهي ماركس المدرسة الثانوية في العام 1830م، حيث تعلم الفرنسية والأغريقية وشيئا من العبرية.
- بعد ذلك التحق بجامعة بون ثم جامعة برلين، ونال درجة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة يينا، وكان موضوعها: ( الاختلاف بين فلسفة ديمقرطيس الطبيعية وفلسفة أبيقور الطبيعية، 1841م).
نتوقف هنا عند أهم صفات وشخصية ماركس المبكرة التي شكلت حياته ليصبح من أعظم المفكرين الثوريين في العالم..
• أورد جاك أتالي ي مؤلفه " كارل ماركس أو فكر العالم: سيرة ذاتية، ترجمة محمد صبيح ، دار كنعان للنشر 2008 ، نصا كتبه ماركس وهو في سن 17 سنة يقول فيه " علي الشاب الذي يتهيأ لاختيار مهنة أن يضع نصب عينيه "الواجب ، التضحية بالنفس ، خير البشرية ، وهمّ الكمال الذاتي"، ص 30 .
• كان له شخصيته المستقلة ، علي عكس رغبة والده أصرّ ماركس علي دراسة الفلسفة بدلا عن القانون في جامعة بون " والده كان محاميا".
• كانت له حوارات ومناقشات مع والده الذي كان مستنيرا ومتأثرا بأفكار فولتير وكانط.
• من سماته عدم اعتبار أي مخطوط أو عمل يقوم به ليس نهائيا ، بل قابل للاضافة والتعديل.
• أول أعماله الأدبية كانت أشعارا ، كان يرسل منها لرفيقته جيني ويستفالن.
• تزوج جيني ويستفالن التي تنحدر من أسرة ميسورة الحال عام 1843 ، وأنجب منها ستة أطفال : ايلانور ، لورا ، ادغار ، هنريك ، جيني وايفلين.
• التقي ماركس انجلز في باريس ونشأت صداقة بينهما دامت طيلة حياتهما.
• كان يطلق عليه لقب "المغربي " في برلين نسبه لشكله ولونه القريب من لون المغاربة .
• تميز ماركس بدقة الفكر وقوة منهجه الديالكتيكي المادي وبمتانة محاكمته العقلية ، ووضوح تحليلاته وشراسة انتقاداته ، ووضوح تصوراته.
بعد اكمال دراسته ومنحه درجة الدكتوراة من جامعة يينا، رفضت هيئة التدريس قبوله استاذا بالجامعة لنشاطه السياسي .
*عمل بميدان الصحافة حيث عمل في صحيفة " لانماريت رينان" محررا ورئيسا للتحرير ، واقترح ماركس عنوانا للصحيفة الشهرية " الحوليات الفرنسية الألمانية" لعقد الصلة بين الفلسفة الألمانية والممارسة الثورية الفرنسية.
يقول أنجلز: وكان عمله في الصحافة: حيث عمل علي سبيل المثال: في الجريدة الرينانية الاولي(1842)، وفي صحيفة: إلي الأمام الباريسية (1844)، وفي صحيفة البروكسالي الالمانية(1847)، وفي التربيون النيويوركية ( 1861- 1852)....الخ.
قدم ماركس التضحيات الجسام من أجل مبادئه حيث تعرض للتشريد والنفي وشظف العيش والطرد من السكن بسبب عدم التمكن من تسديد الايجار ، وتوفي اربعة من أبنائه قبل سن البلوغ ، عاني من الأمراض " الكبد ، الروماتيزم،الصداع المتكرر، التهاب الأسنان، ونوبات من الأرق" مما أدي لوفاته في 14 مارس 1883 ، رغم ذلك كان متفائلا ويعمل بنشاط وحيوية حتي أنجز مؤلفه "رأس المال" وبقية أعماله التي تصل إلي 100 مجلد.
ثانيا : مصادر فكر ماركس :
تطور فكر ماركس من الاتجاه اليساري في فلسفة هيغل الي النظرة المادية الفلسفية، والتي جاءت نتيجة للدراسة الناقدة لفلسفة هيغل، وكان هيغل يري أن "الديالكتيك هو القوانين العامة لحركة الفكر"، أما ماركس فقد وسع من مفهوم الديالكتيك والذي صار عنده " القوانين العامة لحركة الطبيعة والمجتمع والفكر"، وبذا تم وقوف ديالكتيك هيغل علي أرجله بعد أن كان واقفا علي رأسه.
كما تأثر ماركس بمادية فيورباخ وانتقد منهجه الميكانيكي، وعبر عن ذلك المفهوم الجديد في مؤلفه الذي نشر عام 1844م بعنوان( في نقد فلسفة الحقوق عند هيغل)، والذي أشار فيه الي أن "مهمة الفلسفة ليست تفسير العالم، بل تغييره "، ومن خلال نشاطه العملي ودراسته الناقدة للاقتصاد السياسي وافكار الاشتراكية الخيالية، بدأ ماركس يضع يده علي المعالم الأساسية للدور التاريخي للطبقة العاملة، وضرورة توحيدها حول نظرة عامة علمية الي العالم.
درس ماركس نقديا التراث اليهودي والمسيحي ومنجزات عصر النهضة، واستخلص من التراث اليهودي : أن الفقر لا يطاق وأن الحياة لا قيمة لها بدون تحسين حياة الشعوب ، ومن المسيحية حلم مستقبل متحرر يحب الناس فيه بعضهم البعض ، ومن عصر النهضة العقلانية والحرية وحقوق الإنسان ، ومن المانيا التراث الفلسفي الذي وصل قمته في فلسفة هيغل الذي درسه انتقاديا كما أشرنا سابقا ، ومن فرنسا النضال والممارسة الثورية لتغيير المجتمع كما حدث في الثورة الفرنسية، وكومونة باريس، ومن انجلترا دراسة الاقتصاد السياسي الذي درسه انتقاديا وتوصل إلي القانون الأساسي الذي تحكم المجتمع الرأسمالي فائض القيمة الذي فسر سر الاستغلال الرأسمالي. وهو بهذا الميراث كما قال جاك أتلي يكون المفكر العالمي المولع بالحرية والمناضل السياسي المدافع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين.
ثالثا : - ما هما أهم اكتشافين لماركس؟
أهم الاكتشافين والذين اطلق عليهما الماركسية فيما بعد هما:
1- المفهوم المادي للتاريخ والذي كان نقطة تحول مهمة في دراسة علم التاريخ، فقد انطلق ماركس من الحقيقة البسيطة، أن الناس قبل أن يمارسوا السياسة والفن والدين والحقوق..الخ، عليهم توفير احتياجاتهم الأساسية من: مأكل ومشرب ومأوي وملبس..الخ، ولكي يتم ذلك لابد أن ينتجوا، ولكي تتم عملية الإنتاج، لابد من توفير وسائل الإنتاج التي تتكون من أدوات الإنتاج ومواضيع العمل، وقوي الإنتاج التي تتكون من وسائل الإنتاج والعمل البشري.
واثناء عملية الإنتاج تنشأ علاقات تتعلق بالملكية والتوزيع، اطلق عليها ماركس علاقات الإنتاج، ثم استنبط ماركس مفهوم البنية التحتية للمجتمع التي تتكون من قوي الإنتاج وعلاقات الإنتاج، والبنية الفوقية التي تتكون من آراء الناس السياسية والحقوقية والدينية والفلسفية والفنية..الخ. ووحدة البنية التحتية والفوقية هي ما اطلق عليه ماركس التشكيلة الاجتماعية أو اسلوب الإنتاج المعين. واستقرأ ماركس تطور التاريخ الاوربي نتيجة للتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والذي يشكل المفتاح لفهم التغيير الاجتماعي، أشار الي اللوحة الخماسية التي تتكون من: المشاعية البدائية، الرق، الاقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية.
كما رفض ماركس تعميم اللوحة الخماسية الخاصة بتطور التاريخ الاوربي، علي كل المجتمع البشري، بل أشار الي ضرورة الدراسة المستقلة لكل مجتمع، أي أن ماركس رفض تحويل اللوحة الخماسية الي نظرية فلسفية تشمل كل بلدان العالم، وباعتبار أن الماركسية منهج لدراسة الواقع وليست عقيدة جامدة.
2- اكتشف ماركس ايضا القانون الذي يحكم نمط الإنتاج الرأسمالي والمجتمع البورجوازي الذي خلقه هذا النمط من الإنتاج، وهو قانون فائض القيمة الذي كشف جوهر وسر الاستغلال الرأسمالي.
وفي خطاب انجلز علي قبر ماركس أشار انجلز الي أن: ماركس لم يكتف بهذين الاكتشافين، رغم أن المرء سوف يكون سعيدا لو تسني له تحقيق واحد من هذين الاكتشافين.
أشار انجلز أيضا الي أن ماركس: كان يتسم بالعمق في كل حقل بحث فيه، حتي في حقل علم الرياضيات قام ماركس بابحاث مستقلة.
يواصل انجلز ويقول:هكذا كان ماركس رجل علم، لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركة ديناميكية- تاريخية وقوة ثورية، وكان سروره عظيما بأي اكتشاف جديد في حقل العلوم النظرية، وإن كانت مستحيلة التطبيق، ويزداد سروره عندما يشمل الاكتشاف الجديد تغييرا ثوريا مباشرا في الصناعة وفي التطور التاريخي عموما. فعلي سبيل المثال: كان ماركس متابعا عن كثب لتطور الاكتشافات المحققة في مجال الكهرباء واخرها تلك لمارسال دوبري.
لم يكن ماركس رجل علم فقط، بل كان مناضلا من أجل تغيير المجتمع الرأسمالي ومؤسسات الدولة التي جلبها معه، وكذلك ساهم ماركس في تحرير الطبقة العاملة الحديثة، والذي كان أول من جعلها تعي بموقعها وحاجاتها وتعي بشروط تحررها.
كما أشرف ماركس علي اصدار نشرات نضالية خلال عمله في منظمات في باريس وبروكسل ولندن ، حتي توج ذلك بتكوين تنظيم الشيوعيين الذي كان عبارة عن جمعية اممية للعاملين، وهذا وقد كلفت الجمعية الاممية للعاملين ماركس وانجلز باصدار بيان يوضح رؤي وأهداف الشيوعيين، وقد أصدر ماركس وانجلز بالفعل ( البيان الشيوعي) والذي صدر عام 1848م.
ورغم هجمات أعداء ماركس عليه، الا أنه لم يرد الا عندما تقتضيه الضرورة.
يقول انجلز أن ماركس مات محبوبا ممجدا ونعته الملايين من العمال الثوريين : من مناجم سيبريا الي كليفورنيا وفي انحاء أوربا وأمريكا كافة.
ويختتم انجلز خطابة علي فبر ماركس بقوله:
(ولعله من المهم القول أنه برغم خصوم ماركس الكثيرين، الا أنه لم يكن له عدو شخصي واحد. وسيخلد إسمه الي الأبد، وكذلك أعماله).
رابعا : - ماهي أهم أعمال ماركس؟:
أهم أعمال ماركس مع انجلز والتي تشكل محطات مهمة في تطور فكره الفلسفي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي هي:
- المخطوطات الاقتصادية والفلسفية(1844).
- العائلة المقدسة( 1845).
- الآيديولوجية الألمانية (1846)، والذي انجزه مع انجلز، والذي تم فيه اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ.
- بؤس الفلسفة(1847).
- البيان الشيوعي( 1848)، والذي وضعه مع انجلز.
- الحرب الاهلية في فرنسا(1871)، الذي أجري فيه تحليلا عميقا لتجربة كومونة باريس وأشاد ببسالة العمال وتضحياتهم وأسباب الهزيمة ، رغم أنه حذر قادة الثوار قبل الانتفاضة من التسرع في استلام السلطة دون توفر الظروف الموضوعية والذاتية.
- نقد برنامج غوتا(1875) الذي أكد فيه ضرورة الواقعية في صياغة البرنامج الذي يقوم علي دراسة الواقع لا الرغبات الذاتية، ودافع فيه عن حرية المعتقد.
- رأس المال، والذي اكتشف فيه القانون الأساسي للمجتمع الرأسمالي، نظرية فائض القيمة، ونشر المجلد الأول منه عام 1867م، والثاني نشره انجلز عام 1885م، والثالث في عام 1894م.
وبعد وفاة ماركس حدثت متغيرات كثيرة في العالم، وظواهر جديدة مثل تحول الرأسمالية الي مرحلة الاحتكار والتي تناولها لينين في مؤلفه(الامبريالية اعلي مراحل الرأسمالية 1916)،
كما حدثت تطورات فلسفية وعلمية تناولها المفكرون الماركسيون بالدراسة والتحليل، وقامت وسقطت التجارب في الاتحاد السوفيتي وشرق اوربا، كما حدثت الثورة العلمية التقنية والتي أحدثت متغيرات هائلة في العمل البشري وفي القوي المنتجة وفي تركيب الطبقة العاملة، وزادت شدة الاستغلال الرأسمالي وامتصاص فائض القيمة.واشتد نهب موارد البلدان المتخلفة مما زادها تخلفا وبؤسا، وزادت حدة الفوارق الطبقية والتناقضات بين مراكز الرأسمالية لنهب موارد الدول المتخلفة والبحث عن أسواق جديدة، واشتداد حدة الحروب وكل مآسي النظام الرأسمالي العالمي التي نعيشها الآن.

























12
منهج التحليل الثقافي : رؤية نقدية
تناولنا في مقالين سابقين مفهوم المركز والهامش والتحالفات ومفهوم الكتلة التاريخية، ولاحظنا أن مفهوم المركز والهامش يغبش الوعي الطبقي الذي يتجلي في أشكال سياسية واقتصادية وثقافية وإثنية، وتشويه مفهوم “ الكتلة التاريخية” ليصبح جواز مرور للتعاون مع أنظمة قمعية معادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلغاء الاستقلال السياسي والتنظيمي والفكري لكل حزب داخلها. مما يطمس جوهر الصراع الدائر في البلاد باعتباره صراع طبقي يتجلي أيضا في أشكال اقتصادية وسياسية وثقافية واثنية.
ونتناول في هذا المقال منهج التحليل الثقافي من زاوية نقدية.
معلوم أن منهج التحليل الثقافي برز في البلدان الرأسمالية المتطورة نتيجة لإسهامات كتاب مثل : ميشيل فوكو ، وهابر ماس وبيتر برجر وماري دوجلاس ..الخ، ويزعم منظرو هذا المنهج أنهم يقدمون رؤية أفضل لقضايا العالم المعاصر بعد عجز المناهج التقليدية عن تفسير تطورات ما بعد الحداثة التى أهمها سقوط النظريات الكبري ، ويرون البديل في الأنساق المفتوحة.
من أهم المراجع للتحليل الثقافي كتاب " التحليل الثقافي" المؤلف : ميشيل فوكو ، يورجين هابرماس، بيتر برجز، ماري دوجلاس وآخرين، الناشر : الهيئة المصرية للكتاب 2009م.
بالتأمل في تلك الأفكار التي يطرحونها كبديل فأنها لاتخرج عن تلك النظريات الكبري التي طرحها مفكرون مثل: ماركس بعد افراغها من مضمونها وتقطيع أوصالها وتشويهها ، واستبدال المنهج الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في تطورها وحركتها وشمولها وتبدلها وإنفتاحه علي التطورات الجديدة بذهن مفتوح، بالمنهج الانتقائي الغيبي الذي ينظر للظواهر في سكونها وعزلتها عن السياق العام وتجزئة العلوم الاجتماعية بدلا من تداخلها وتكاملها، ومحاولة التوليف بين المتناقضات مثل :الاشتراكية والرأسمالية. إضافة لانكار وجود الطبقات والصراع الطبقي، والحديث عن الأسرة والقبيلة والقومية والأمة بمعزل عن الطبقات والصراع الطبقي. هذا فضلا عن خطورة أن يقود منهج التحليل الثقافي لصراع الثقافات والعنصرية والاستعلاء الثقافي والعرقي مثل: الفاشية والنازية التي عاني منها العالم وادت الى نشوب حرب عالمية ثانية باعتبارها كانت تعبيرا عن أشد أشكال الرأسمالية دموية ووحشية.
لقد أكدت كل التجارب البشرية أن النظريات التي قامت علي تفسير ديني أو عنصري أو قبلي أو إثني أو ثقافي أو صراع مركز وهامش، أو صراع هوّيات. الخ ، قادت البشرية الي كوارث ، ونتجت عنها أنظمة صادرت حقوق الإنسان وإبادة جماعية كما حدث في بعض البلدان.
في حين المطلوب هو النظرة الشاملة التي تقود إلي مجتمع أساسه المواطنة وتتوفر فيه احتياجات الانسان الأساسية " مأكل ، مشرب ، مسكن، تعليم ، علاج..الخ"، ويحترم التنوع الثقافي والاثني والديني ويكفل الحقوق والحريات الأساسة، وحق كل مجموعة ثقافية في تنمية ثقافتها ولغتها ويعزز الوحدة من خلال التنوع.
اتخذ بعض الكتاب في المنطقة العربية وفي السودان منهج التحليل الثقافي هاديا ومرشدا لهم في دراساتهم وتفسيرهم للصراعات والمتغيرات العالمية والمحلية التي حدثت علي سبيل المثال عالم الاجتماع المصري السيد يس " راجع مؤلفه : الخريطة المعرفية للمجتمع العالمي : من المجتمع الصناعي إلي مجتمع المعرفة، 2008".
في السودان محمد جلال أحمد هاشم الذى صدر له كتاب : منهج التحليل الثقافي : مشروع الوطنية السودانية وظاهرة الثورة والديمقراطية ، الطبعة الخامسة، الخرطوم يوليو 2012".
* يمكن تقديم رؤيتنا النقدية لكتاب محمد جلال هاشم “ منهج التحليل الثقافي” في النقاط التالية:-
يقول ص 9 : الهدف معالجة نظرية لاشكالية الثقافة والهويّة والايديولوجيا من زاوية الثقافة كاطار مرجعي. والمقصود بالثقافة حسب تعريفه " الكل المركب الذي يشتمل علي نشاطات المجتمع من عادات وتقاليد ومعتقدات وفنون وممارسات ومؤسسات بما في ذلك وسائل كسب العيش"
بمعني آخر يقصد الكاتب المفهوم الواسع للثقافة باعتبارها مجموع الإنتاج المادي والفكري لمجتمع معين، أو بمعني آخر الحضارة.
وهنا يضّيق الكاتب واسعا ، لأن الثقافة بالمعني الواسع تقع داخل التشكيلة الاجتماعية التي تتكون من البنية التحتية للمجتمع" قوي الانتاج وعلاقات الانتاج" والبنية الفوقية للمجتمع" تقاليد ، عادات، فن، دين، فلسفة...الخ".
لكن التشكيلة الاجتماعية تمتد لتشمل العلاقات الاجتماعية والطبقية. أي أن مفهوم التشكيلة الاجتماعية أوسع من الثقافة أو الحضارة التي تتبدل مع تبدل التشكيلة الاجتماعية.
عليه أن منهج التحليل الثقافي يعجز عن تفسير التحولات في المجتمع، عكس المفهوم المادي للتاريخ الذي يري أن التحولات الاجتماعية في التاريخ تكمن في اقتصاد العصر المعين، رغم أن العامل الاقتصادي هو الحاسم في التغيير ، لكن هناك عوامل أخري تلعب دورها في التغيير مثل: القومي ، الديني ، الثقافي، كما أشار أنجلز، اي أن العامل الاقتصادي ليس هو الوحيد.
عندما يفسر محمد جلال هاشم كل التحولات بالعامل الثقافي ، يقع في النظرة الضيقة لآحادية.
وهذا ما يمكن أن يلاحظه القارئ من الآتي: -
•ينكر الكاتب الصراع الطبقي ويستبدله بصراع الثقافات ، وصراع الإنسان ضد الإنسان ، بدلا عن صراع طبقة ضد طبقة، ويرسخ مبدأ الذاتية والفردية، والوسطية بين الرأسمالية والاشتراكية ، ويتحدث عن المثقفين وكأنهم خارج الطبقات. ويحاول أن يحشر الرأسمالية داخل المنظومة الثقافية.
ويقدم تعريفا مضللا للرأسمالية بقوله هي “ حزمة ثقافية مركبة تبلورت في الغرب ذات تجليات اقتصادية وسياسية وفكرية تلتزم الليبرالية” ص 26 ، في حين أن التشكيلة الرأسمالية هي ذلك النظام التي تتحول فيه قوة العمل الي بضاعة، ويقوم عي الاستغلال الرأسمالي للعمال بامتصاص فائض القيمة منهم، ونهب موارد شعوب العالم الثالث في تبادل غير متكافئ، وتصدير نمط الانتاج الرأسمالي والسعي الدائم للبحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها”.
ينكر الكاتب وجود طبقة رأسمالية في السودان ، حتي الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية ينكر وجودها، في معرض مناقشته لكتاب د. فاطمة بابكر محمود “ الرأسمالية السودانية: أطليعة للتنمية”. وذلك امتداد لكل الافكار التي طُرحت من قبل أنه لاتوجد طبقات في السودان، ولايوجد صراع طبقي ، وبالتالي لايوجد حاجة لوجود الحزب الشيوعي، فالكاتب لم يضف جديدا لماكينة الدعاية ضد الشيوعية في السودان منذ الاستقلال، ويحاول أن يطرح منهجا توفيقيا أو تلفقيا كبديل للمنهج الماركسي.
* في ص 45 يقدم الكاتب تعريفا للطبقة بقوله “ الطبقة كمنظومة ثقافية تشمل النشاط الاقتصادي” ، وهذا تعريف غير دقيق ، فالطبقة الاجتماعية في المجتمع تتحدد بموقعها في الانتاج والوعي الطبقي ، كما يتحدد بنصيبها من الثروة، إضافة للسمات الأخري مثل: القدرة علي التزاوج..الخ.
كما أنه غير صحيح ما أورده الكاتب ص 42 “ ينظر الفكر الاقتصادي الماركسي إلي الاقتصاد بوصفه تجسيدا لمادية العلاقات الانسانية والتاريخية”، علما بأن ماركس طرح
الغاء استغلال الإنسان للإنسان وتحريره من الحاجة والاغتراب.
كما يقول ص 50 “ قالت الماركسية بمفهوم الصراع الطبقي واستناده علي العوامل المادية” ، وهذا أيضا غير صحيح، فالصراع الطبقي حقيقة موضوعية كان موجودا قبل ماركس ، ولم يكتشفه ماركس، بل أشارت الماركسية إلي أنه سيفضي في النهاية الي مجتمع شيوعي يشكل بداية التاريخ الإنساني الخالي من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والجنسي والديني والقومي والاثني والثقافي، ويكون فيه تطور الفرد الحر الشرط لتطور المجموع الحر.
في تعريف الكاتب للدولة ينكر الأساس الطبقي للدولة بقوله ص 35 “ الدولة هي مجموع المؤسسات التى تعمل في سبيل تركيز الإرادة العامة بما يعود بالخير عي الشعب”.
هذا تعريف يتجاهل المصالح الطبقية التي تعبر عنها الدولة، فالدولة هي نتاج تطور المجتمع في لحظة معينة تفكك فيها المجتمع المشاعي بعد اكتشاف الزراعة والرعي وظهور الملكية والتفاوت الطبقي، وظهرت الدولة لحماية مصالح الطبقات الحاكمة ، بالطبع هذا لايلغي الوظائف الأخري التي يجب أن تقوم بها الدولة التي أشار لها الكاتب والحالات الخاصة من الصراع الطبقي التي تعبر فيها عن توازن الطبقات في المجتمع.
•يطرح نظرة خاطئة للمفهوم المادي للتاريخ بقوله ص 42 " مايجعل المادية التاريخية قاصرة عن تحليل الواقع بكفاءة هو ذهولها عن الخصائص والإمكانيات الاستقلالية التى تتميز بها كل مؤسسة قيمية ..الخ".
وهذا زعم خاطئ لأن السؤال الأساسي الذي أجاب عليه ماركس في المفهوم المادي للتاريخ هو أسبقية الوجود الاجتماعي" الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.." علي الوعي الاجتماعي" فلسفة، عادات تقاليد، ثقافة، دين.الخ"، ولكن ذلك ليس بطريقة ميكانيكية، بل للوعي الإجتماعي استقلاله النسبي ، بحيث يؤثر علي الوجود الاجتماعي ويعمل علي تغييره، فهناك علاقة ديالكتيكية متبادلة أوانعكاس متبادل بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي، وأن للوعي الاجتماعي استقلاله النسبي.
وكذلك في التشكيلة الاجتماعية هناك تأثير متبادل بين البنية التحتية للمجتمع والبنية الفوقية، والبنية الفوقية لها استقلالهاالنسبي وتعمل علي تغيير البنية التحتية.
فمن حق الكاتب أن يتبني منهج التحليل الثقافي أو أي منهج آخر ، ولكن لا علي حساب تشويه الماركسية.
في الختام، مما سبق يتضح ضيق منهج التحليل الثقافي وقصوره عن التناول الشامل للظواهر ، ومحاولة تفسير كل نشاط المجتمع بمنظور ثقافي ، فضلا عن أنه ينكر الطبقات والصراع الطبقي ، ويطرح نفسه بديلا للمنهج الماركسي ، وبالتالي فهو منهج مضلل ويغبش الوعي الطبقي وطبيعة الصراع الدائر في البلاد منذ الاستقلال باعتباره صراع طبقي حول طريق التطور: هل هو في طريق رأسمالي مثل الذي يعاني منه شعب السودان حاليا الذي فقد فيه شعب السودان أبسط خدمات التعليم والصحة.الخ، أم في طريق وطني ديمقراطي يفضي للاشتراكية والديمقراطية وتتوفر فيه احتياجات الناس الأساسية والديمقراطية والتنمية المتوازنة ودولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو الجنس أو القومية، ويفتح الطريق لحق كل قومية أو مجموعة إثنية في تطوير ثقافاتها ولغاتها الخاصة مما يحقق الوحدة من خلال التنوع.


منهج التحليل الثقافي رؤية نقدية (2/2)
أشرنا في مقال سابق في عرض لكتاب د. محمد جلال هاشم عن: منهج التحليل الثقافي : رؤية نقدية، أنه يحاول أن يطرح منهج التحليل الثقافي بديلا للمنهج الماركسي ، وليس هناك مشكلة في ذلك ، ولكن ليس علي حساب تشويه المنهج الماركسي وعرضه بطريقة خاطئة، فضلا عن أنه ينكر وجود الطبقات والصراع الطبقي، ويقدم عرضا مشوها للمفهوم المادي للتاريخ باعتباره منهج قاصر عن دراسة الواقع؟.
هل المفهوم المادي للتاريخ قاصر عن دراسة الواقع؟.
أشار انجلز في مؤلفه "انتى دوهرينغ " (1877) الى أن الماركسية تحولت إلى علم باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ونظرية فائض القيمة التي كشفت سر الاستغلال الرأسمالي .
بهذين الاكتشافين تحولت الماركسية إلى علم ، بحيث يصبح الواجب تطويرها في كل الاتجاهات ، ولأن العلم لايعرف النهائية والاكتمال ، فان تجديد الماركسية عملية مستمرة ، وتنبع من منهجها الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في حركتها وتطورها وشمولها وتحولها وتغيرها الدائم ، وعليه فإن التجديد كامن في طبيعة ومنهج الماركسية النقدي والثوري .
كان اكتشاف ماركس للمفهوم المادي للتاريخ نقطة تحول مهمة في تطوير علم الاجتماع ودراسة التاريخ، فما هو المفهوم المادي للتاريخ؟.
انطلق ماركس في الفهم المادي للتاريخ من حقيقة بسيطة وهى الناس قبل أن يمارسوا السياسة والفن والدين عليهم أن يوفروا احتياجاتهم الأساسية من : مأكل ومشرب وملبس ومأوى ، ولكى يتم ذلك عليهم أن ينتجوا ، ولكى تتم عملية الإنتاج لابد من توفير وسائل الإنتاج والعمل البشرى، وأثناء عملية الانتاج تنشأ علاقات بين الناس تسمى علاقات الإنتاج تتعلق بالملكية والتوزيع ، حول البنية التحتية للمجتمع التى تتكون من قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تنشأ بنية فوقية تتعلق بأفكار الناس السياسية والدينية والفلسفية والفنية . الخ . وحدة البنية التحتية والفوقية أطلق عليها ماركس التشكيلة الاجتماعية .
على أن العلاقة بين البنية التحتية والفوقية معقدة ومتشابكة وذات تأثير متبادل ، صحيح أن البنية التحتية لها تأثيرها على البنية الفوقية ، ولكن البنية الفوقية أيضا لها تاثيرها في البنية التحتية ، فالعلاقة ديالكتيكية بحيث يصبح من الصعب الحديث عن أدنى وأعلى وخاصة في مجتمعات ما قبل الرأسمالية .
هذا أيضا يقودنا الى العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي والتى ذات تأثير متبادل ، صحيح أن الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي، ولكن الوعى الاجتماعي يؤثر في الوجود الاجتماعي ويعمل على إعادة تشكيله .
أشار انجلز في خطابه على قبر ماركس : أنه مثلما اكتشف دارون قانون تطور الأنواع بالانتخاب الطبيعي ، اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع البشري ، فقبل ماركس كان علماء الاجتماع يرجعون تطور المجتمع البشري الى أفكار الناس ، ولكن ماركس انطلق من العكس ، من الإنتاج المادي وإعادة انتاج النوع البشري باعتبار ذلك القوى الحاسمة في تطور المجتمع البشري .
ومنذ اكتشاف ماركس حدثت تطورات كثيرة في علوم الاجتماع والآثار والتاريخ والأنثروبولوجيا وغيرها أثرت الفهم المادي للتاريخ ، مثلما حدثت تطورات في علم البيولوجيا أثرت وطورت نظرية دارون حتى اكتشاف الشفرة الوراثية في عصرنا الحالى . كما حدثت تطورات في علوم الفيزياء والفلك والجيولوجيا ، كان لها الأثر الكبير في تطور تلك العلوم و الفكر البشري . فما أن تظهر نظرية تفسر ظواهر معينة ، حتى تظهر ظواهر جديدة تحتاج لنظرية جديدة لتفسيرها وهكذا تطورت النظريات والعلوم .
في علم الاجتماع على سبيل المثال: كانت مساهمة عالم الاجتماع مورغان الذي درس المجتمعات البدائية للهنود الحمر بعد أن عاش وسطهم لمدة عشرين عاما ، استند انجلز على تلك الدراسة في مؤلفه : أصل الدولة والعائلة والملكية الخاصة (1884) ، والذي أشار فيه إلي أن الدولة هى نتاج تطور المجتمع في لحظة معينة بعد تفكك المشاعة البدائية وظهور الملكية الخاصة ، أو بعد ظهور المجتمعات الزراعية الرعوية ، كما أشار فيه إلى التقسيم الاجتماعي للعمل بين المرأة والرجل في المجتمعات البدائية حيث يذهب الرجال الى الصيد ويقوم النساء بالعمل المنزلى من نسيج وإعداد الطعام، وتربية الأطفال، والتقاط الثمار، وصيد الحيوانات الصغيرة غير المؤذية .
أشار أيضا الى المساواة بين المرأة والرجل في المجتمعات المشاعية البدائية ، وبتفكك المجتمع البدائي وظهور المجتمعات الطبقية بعد اكتشاف الزراعة والرعي ظهرت عدم المساواة بين الرجال والنساء ، وكان ذلك أول هزيمة لجنس النساء في المجتمع البشري .ومنذ دراسة انجلز تلك تطورت الدراسات التى تناولت قضية تحرير المرأة بمدارسها المختلفة .
وبعد مورغان تطورت دراسات الثقافات للمجتمعات البدائية ، مع الاختلاف النابع من ظروف كل مجتمع ، ولكن السمة العامة تؤكد صحة المفهوم المادي للتاريخ والذي كان هاديا ومرشدا لدراسات كثيرة حول النوع ، ودراسة العلاقات المتبادلة والمتشابكة بين الاقتصاد والدين والسياسة وانظمة القرابة التى تتداخل فيها العلاقة بين البنية التحتية والفوقية للمجتمع . وقد تناول الماركسي ارنست ماندل في مؤلفه ( النظرية الاقتصادية الماركسية ) أمثلة كثيرة من دراسات معاصرة في علوم الأثار والاجتماع والأنثروبولوجيا وثقافات المجتمعات البدائية ، أكدت صحة المفهوم المادي للتاريخ الذي اتخذه ماركس كمرشد له في دراساته وأبحاثه مثل: رأس المال .
كما أنه من الخطأ تعميم اللوحة الخماسية التي أشار اليها ماركس لنشأة وتطور الرأسمالية في أوربا ( تشكيلة بدائية ، رق ، اقطاع ، رأسمالية ،اشتراكية ) على كل التاريخ البشري ، في حين أن ماركس كان يعارض تحويلها إلى نظرية فلسفية وتعميمها على كل بلدان العالم ، وأشار الى ضرورة دراسة خصوصية كل مجتمع بذهن مفتوح وبطريقة مستقلة ، وفي هذا الإطار أشارماركس في مؤلفه ( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ) إلى نمط سادس خاص ببعض بلدان الشرق ( الصين ، مصر ، الهند ، . الخ ) ، يتمايز عن الأنماط المشار لها في لوحته الخماسية ، أطلق عليه نمط الانتاج الآسيوى ، وهو يتعلق بملكية الدولة للأرض والرى مقابل خراج يدفعه الفلاحون للدولة . وقد حاول بعض الماركسيين تعميم نمط الإنتاج الآسيوى على كل البلدان غير الاوربية وهذا أيضا غير صحيح ، والسليم هو الدراسة المستقلة لكل مجتمع بذهن مفتوح لمعرفة واقعه وخصوصيته .
الجانب الآخر الذي انتقده انجلس في كتاباته الأخيرة اعتبار الاقتصاد هو العامل الوحيد الحاسم في التغيير ، فإلي جانب الاقتصاد هناك عوامل أخرى: دينية ، قومية ، سياسية ، تقاليد كل بلد وشخصيات القادة فيها تسهم في التغيير ،صحيح أن للاقتصاد دور حاسم ولكنه ليس الوحيد . أما الماركسي انطونيو غرامشي : فقد طور ملاحظة انجلس ، وأشار الى أنه من الصعب تحديد أى العاملين الاقتصادي أو الثقافي هو الحاسم في التغيير ، وأن الثقافة ضرورية لبناء القاعدة الاجتماعية نفسها ، وأن النظام الرأسمالي لايعيد إنتاج نفسه بوسائل اقتصادية أو بالقهر ، وانما يعيد انتاج نفسه بوسائل ثقافية ايضا ، وبالتالى من المهم التأثير الثقافي والاخلاقي للطبقة العاملة وأن يكون لها مثقفين عضويين مرتبطين بها ، كما انتقد المفهوم المبتذل للمادية الفلسفية التى تلغي دور الانسان والممارسة بإسم الحتمية التاريخية وتلغي التفكير النقدي ، وأشار إلى أن التاريخ ليس له معنى الا بارتباطه مع التاريخ الانساني ، كما أشار ماركس ان الانسان ليس نتاج سلبي للبيئة ، بل يسهم في إعادة تشكيل البيئة نفسها .
النقطة الثانية التى ركز عليها انجلز : أن المفهوم المادي للتاريخ ليس بديلا لدراسة تاريخ كل بلد على حدة بهدف معرفة واقعه وخصائصه بذهن مفتوح ، وليس حشره في المخطط المسبق للوحة الخماسية أو نمط الانتاج الآسيوى أو اى مخطط ايديولوجي مسبق .مثل هذا الفهم ضار باالمفهوم المادي للتاريخ. أى أن الماركسية منهج لدراسة الواقع بذهن مفتوح بدون تصورات مسبقة بهدف معرفته واستيعاب سماته وخصائصه والعمل على تغييره الي الأفضل.
بالتالي أن المفهوم المادي للتاريخ لا يمكن أن يكون قاصرا عن دراسة الواقع، كما أشار د. محمد جلال هاشم ، وخلاف الراي لا يفسد للود قضية.














13

المفهوم الماركسي للاشتراكية
أشرنا في المقال السابق عن الذكري المئوية لثورة اكتوبر إلي أن فشل التجربة الاشتراكية لايعني فشل الماركسية، بل من المهم استخلاص دروس التجربة السابقة من أجل بناء نظام اشتراكي اكثر ديمقراطية وعدالة.
نستعرض في هذا المقال المفهوم الماركسي للاشتراكية وتجربة تحرير المراة في الثورة الروسية.
1-المفهوم الماركسي للاشتراكية:
أشار انجلز الى أن الاشتراكية تحولت الى علم باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ونظرية فائض القيمة التى كشفت جوهر الاستغلال الرأسمالي يومئذ ، وهذا هو ما ميز الاشتراكية العلمية أو الشيوعية عن بقية المدارس الاشتراكية الاخرى ، وأصبح الواجب تطويرها في كل النواحي ، وأن الصراع الباطني أوالتناقضات الكامنة في الرأسمالية سوف تؤدي الى نفيها ديالكتيكيا ، وأن الاشتراكية سوف تخرج من رحم الرأسمالية ، وبالتالى سوف تظل حاملة لسماتها لفترة تاريخية طويلة، وأنها سوف تستند على منجزات الرأسمالية في التكنيك والإنتاج وفي الفكرالسياسي والاقتصادي والاجتماعي .
أشار ماركس في مؤلفه “نقد برنامج غوته “ إلي أنه طالما كانت الاشتراكية طور ادنى من الشيوعية ، وبالتالى سوف تكون حاملة لكل تناقضات الرأسمالية لفترة طويلة بحيث لايمكن القفز فوق هذه المرحلة التى سوف يكون فيها الحق برجوازيا ، وأن قانون القيمة الذي يعبر عن حركة إنتاج وتبادل السلع في الرأسمالية سوف يفعل فعله ، وبالتالى لابد من التحكم في مساره ومجراه ، بتلبية المتطلبات الأساسية للمواطنين وتوفير إحتياجاتهم الأساسية في : التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والسكن وضمان حق الأمومة والطفولة والشيخوخة . الخ ، وأن مرحلة الانتقال للمجتمع الشيوعي سوف تستغرق فترة تاريخية طويلة ، كما تفادى ماركس السؤال حول شكل المجتمع الشيوعي القادم بقوله أن العلم هو الكفيل بالاجابة في المستقبل.
إذن الموضوع في نظر ماركس وانجلز كان مبنيا على العلم والمعرفة وأخذ واقع وخصائص كل بلد في الاعتبار وعدم القفز فوق المراحل .
وجاءت التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي في ظروف كانت البلاد فيها متخلفة تقنيا ، فقد كان ماركس يفترض أن الاشتراكية سوف تنطلق في بلدان رأسمالية متطورة تقنيا مثل: انجلترا والمانيا ، ولكن ذلك لم يكن متوفرا في روسيا التى كان حوالى 70% من سكانها يعيشون في امية .
بالتالى ، فان ستالين انجز مهمة التصنيع واللحاق بركب الدول الرأسمالية الصناعية بتكلفة إنسانية باهظة وفي ظروف حصار اقتصادي وفي حروب أهلية إضافة للحرب العالمية الثانية التى فقد فيها الاتحاد السوفيتي 20 مليون شهيد ، فضلا عن سباق التسلح الذي أنهك الاقتصاد السوفيتي ،إضافة للتوجهات الايديولوجية الخاطئة التى كانت تشير الى ان البلاد دخلت مرحلة الاشتراكية المتطورة ، وأن البلاد اصبحت على قاب قوسين أو أدنى من المجتمع الشيوعي.
غابت الديمقراطية جراء فرض نظام شمولي في المجتمع تميز بنظام الحزب الواحد وربط النقابات والاتحادات والمؤسسات التشريعية بالدولة ، وإلغاء دور منظمات المجتمع المدني الأخرى ومصادرة نشاطها بعيدا عن الدولة.
إضافة للسياسة الخاطئة تجاه الأديان فقد جعل ستالين من الالحاد سياسة رسمية للدولة ، في حين كان ذلك يتعارض مع أفكار ماركس وانجلز التى كانت تركز على حرية الضمير والمعتقد ، وأن المسائل التي تتعلق بضمائر الناس ومعتقداتهم لايمكن حلها بقرارات ، وترك كل شئ للتطور الطبيعي. هذا إضافة الى أن الهدف ليس احلال دين محل دين، بجعل الالحاد سياسة رسمية للدولة ، فالدولة كما هو معلوم للجميع بغض النظر عن معتقداتهم الدينية أوالسياسية أوالفكرية أوالفلسفية.
ان فشل التجربة الاشتراكية لايعنى فشل الماركسية ، ولكننا نستخلص دروس تلك التجربة ونبني على إيجابياتها ونستفيد من أخطائها في بناء نماذج اشتراكية اكثر عدالة وديمقراطية وإنسانية.
صحيح أن الهدف الاستراتيجي في ظروف السودان هو إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ، وأن الهدف المباشر الاكثر إلحاحا من ذلك هو بناء أوسع تحالف من أجل إسقاط النظام الراهن وقيام البديل الديمقراطي بهدف إصلاح الخراب الذي أحدثه نظام الانقاذ في مختلف مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية، والذي يفتح الطريق لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي، ولكن ذلك لا يعنى التخلى عن هدف المجتمع الشيوعي البعيد الذي تشكل الاشتراكية طورا أدنى منه.
2-التجربة الاشتراكية وقضية المرأة:-
كانت الثورة الروسية نقطة تحول مهمة في حقوق المرأة حيث إنتزعت المرأة الروسية نتيجة لنضالها ومشاركتها الفعالة في الثورة الحقوق التالية علي سبيل المثال لاالحصر:-
أ- الحق الكامل في الاقتراع.
ب- حق الطلاق وطوعية علاقة الزواج.
ج- المساواة في الأجور وحقوق النساء في العمل.
د- المساواة الكاملة في الحقوق بين الزوج والزوجة.
ه- الحق في إختيار إسم الزوج أو الزوجة.
ز- التعليم المختلط.
ح- منع الدعارة ..الخ
أى أن الثورة الروسية حققت بضربة واحدة كل الشعارات التي كانت تطالب بها الحركة النسوية في أوربا منذ الثورة الإنجليزية والثورة الفرنسية.
لكن القوانين شئ والواقع الروسي شئ آخر، فقد كان الواقع الروسي متخلفا، إضافة إلي حروب التدخل والفقر والبطالة، كل ذلك جعل حق الطلاق للمرأة مستحيلا.
- اللجوء إلي الصناعة الثقيلة كان علي حساب سلع الإستهلاك مثل الأدوات المنزلية التي تخفف أعباء النساء إضافة لعمل النساء في الصناعات الثقيلة الضارة بصحتهن.
قضية المرأة لها شقها الثقافي ، فالتحول في البنية التحتية لايعني التغير التلقائي للبنية الفوقية التي لها استقلالها النسبي، قد تظل بنية ثقافية متخلفة مستمرة رغم تغير أساسها المادي مما يتطلب صراعا متواصلا في الجبهة الثقافية، وبالتالي مساواة المرأة مع الرجل في الأجر وحق المرأة في العمل لم يغير العقلية التي تنظر للمرأة بدونية التى كرستها مجتمعات الرق والإقطاع والرأسمالية للمرأة والتي كانت تقوم بكل أعباء الواجبات المنزلية مع حضورها من العمل مع زوجها في وقت واحد، رغم التحولات الاشتراكية التي تمت.
إضافة إلي أنه كان للنظام الشمولي وتخلف الواقع الروسي نفسه الدور الرئيسي في إجهاض مكتسبات المرأة التي حققتها في بداية الثورة الروسية ، وكان هذا من أسباب انهيار التجربة الاشتراكية ( قمع نصف المجتمع). ولأن المرأة التي تتمتع بحقوقها كاملة هي الأقدر علي الدفاع عن النظام الجديد ، وأن قضية تحرير المجتمع من القمع والاضطهاد هي مهمة الرجال والنساء، وكما أشار لينين: أن المرأة الشيوعية لها الواجبات والحقوق نفسها للرجل الشيوعي.








14
ثورة أكتوبر الاشتراكية : التجربة والدروس
نص الخطاب الذي قدمه الاستاذ تاج السر عثمان بابو عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
في الاحتفال الذي أقامه المركز العام للحزب الشيوعي السوداني بمناسبة الذكري المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية والذكري 53 لثورة اكتوبر السودانية، بتاريخ 25 أكتوبر 2017.
تحدث الأستاذ تاج السر عثمان بابو عن : ثورة اكتوبر الاشتراكية : التجربة والدروس وفيما يلي نص الخطاب:-
التحية لكم في هذا الاحتفال بمناسية :
الذكرى المئوية لثورة اكتوبر الروسية 1917.
الذكري 53 لثورة اكتوبر السودانية 1964 .
حسب البرنامج سوف أتحدث عن ثورة أكتوبر الاشتراكية ، كما هو معلوم تحتفل كل البشرية التقدمية والأحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية بالذكرى المئوية للثورة الروسية. والهدف من الاحتفالات استخلاص الدروس والعبر ، والوصول الي جذور وأسباب انهيار التجربة، بهدف بناء نظام اشتراكي أكثر ديمقراطية وعدالة اجتماعية في القرن الحادى والعشرين.
سوف أتحدث في ثلاثة محاور :-
الأول : ثورة أكتوبر وأسباب إنفجارها وعوامل نجاحها.
الثاني : منجزات الثورة الروسية.
الثالث : دروس التجربة الاشتراكية.
أولا: ثورة أكتوبر وأسباب إنفجارها وعوامل نجاحها.
كانت ثورة أكتوبر من أهم أحداث القرن العشرين ، مثل الثورة الفرنسية التي كانت من أهم أحداث القرن الثامن عشر، كما يقول ماركس : الثورات قاطرة التاريخ ، فقد كانت الثورتان الفرنسية والروسية من أهم معالم التحول في التاريخ الإنساني.
في الثورة الفرنسية كانت الشعارات : حقوق الإنسان - الإخاء – المساواة.
في الثورة الروسية كانت الشعارات : السلام – الحرية – الخبز.
وهى شعارات مازالت حية رغم هزيمة الثورة الفرنسية وعودة الملكية، وعودة الرأسمالية البشعة التي أفقرت الشعب الروسي ونهبت ثرواته وهربتها للخارج.
معلوم أنه سبق ثورة 1917 ثورات استفاد البلاشفة من تجاربها مثل: الثورة الفرنسية 1789 ، ثورات 1848 العمالية ي اوربا ، كومونة باريس 1871 في فرنسا ، ثورة تحرير الرقيق في روسيا 1861 ، ثورة 1905 في روسيا التي وصفها لينين بأنها كانت " البروفه" لثورة 1917 .
كانت الثورة تتيجة لتراكم كمي للمقاومة ضد النظام القيصرى المستبد منذ ثورة تحرير الرقيق " الأقنان" 1861 ، وثورة 1905 ، واضرابات العمال وانتفاضات الفلاحين والمسيرات المظاهرات السلمية التي تم قمعها بوحشية مثل : أحداث " الأحد الدامى" ، وثورة فبراير 1917 التي أنهت الحكم القيصرى ، وتم تكوين الحكومة البورجوازية المؤقته حتى ثورة أكتوبر 1917.
توفرت ظروف موضوعية لاندلاع الثورة يمكن تلخيصها في الآتي:-
•الظروف القاسيه بسبب الحرب العالمية الأولي التي مضى عليها ثلاث سنوات.
•جنّد النظام القيصرى 15 مليون روسي في الحرب مما أدى لنقص الأيدى العاملة في الزراعة ونقص الحبوب والمجاعه.
•ديون روسيا الخارجية التي بلغت 13,5 مليار روبل ، منها 8 مليار روبل لبريطانيا وفرنسا وأمريكا.
•الاعتماد على رأس المال الأجنبي أدى لفقدان روسيا سيادتها الوطنية.
•الملايين من الروس ماتوا في الحرب.
•انهارت الصناعة والزراعة وقطاع النقل.
•مصادرة الحريات الديمقراطية.
•كان الرأسماليون وتجار الحروب يجنون أرباحا طائله من الحرب ، وليس لهم مصلحه في وقفها .
تلك هى الظروف الموضوعية التي أدت لنشوب الثورة باعتبارها كانت المخرج الوحيد.
-كما توفرت ظروف ذاتية تمثلت في : الدرجة العاليه من التنظيم في المصانع والمكاتب والحقول والثكنات العسكرية وفي المؤسسات التعليمية، التى لعب فيها البلاشفه دورا كبيرا ، والتنظيمات القاعدية للمقاومة والتي تم تتويجها بتكوين سوفيتات العمال والفلاحين والجنود، إضافة لاستمرار إضرابات العمال و انتفاضات الفلاحين والجنود ، ونزولهم للشارع في الإضراب العام ، حتى تم تتويج ذلك بالإطاحة بالنظام القيصرى في ثورة 27 فبراير 1917 ، تحت شعار الثورة الذي لخصه لينين في : السلام – الخبز – الحرية.
- استولت البورجوازية علي السلطة وشكلت الحكومة المؤقتة..
-فشلت الحكومة المؤقتة في وقف الحرب ، ولم تلب مطالب الشعب ، واستمرت المجاعة وموت الالاف في الحرب والخراب الاقتصادي.
-كتب لينين " موضوعات نيسان – أبريل" التي طرح فيها تحويل الثورة الديمقراطية الي ثورة اشتراكية ، ومواصلة النضال ضد الحكومة المؤقتة البورجوازية واسقاطها بسبب عجزها وفشلها ، ونقل كل السلطة لمجالس السوفيتات ، وتغيير إسم الحزب من الاشتراكي الديمقراطي الي "الشيوعي". واعتمدت اللجنة المركزية هذا الخط بعد مناقشة واسعة.
-كان خط البلاشفة حتى يوليو 1917 هو مواصلة النضال السلمي الجماهيري وكسب الأغلبية ديمقراطيا في السوفيتات ونقل السلطة لها، ولكن بعد القمع الوحشي للمسيرات السلمية في يوليو 1917 والقمع الوحشي للبلاشفة الذين كانوا منحازين للجماهير وفي قلبها ، مما اكسبهم تأييدها ،وأدي لاكتساح البلاشفة السوفيتات في 31 أغسطس 1917.
-بعد اشتداد القمع الوحشي تحول البلاشفه الي الانتفاضة المسلحة.
-في سبتمبر وأكتوبر شارك أكثر من مليون عامل في الإضراب العام بجميع أنحاء روسيا، وسيطر العمال علي الإنتاج والتوزيع.
-في 10 أكتوبر 1917 صوتت غالبية اللجنة المركزية للبلاشفه للانتفاضة المسلحة.
-في 16 أكتوبر 1917 تم إنشاء اللجنة العسكرية الثورية للانتفاضة ، وتم وضع الخطة المحكمه لنجاح الانتفاضة.
-في 25 أكتوبر 1917 بالتقويم الروسي القديم السائد يومئذ " الموافق 7 نوفمبر1917" ، تمكنت قوات البلاشفة من الاستيلاء علي السلطة.
-بالاستيلاء علي السلطة تم تأميم البنوك والصناعات الكبيرة ، وتحقيق شعار الأرض للفلاحين بمصادرة الملكيات الكبيرة لأغنياء المزارعين " الكولاك" ، ووقف الحرب.
-نجحت الثورة بعد أن توفرت الشروط التي حددها لينين في مقاله " الماركسية والانتفاضة" الذي اعتبر الانتفاضة فنا، واعتمادها علي طبقة العمال والفلاحين والجنود ، ووصول التناقضات داخل الطبقة الحاكمة الي قمتها. وعجز الطبقة الحاكمة عن قمع الانتفاضة ، وواكب ذلك نهوض جماهيري وجيش ثوري دافع عن الانتفاضة حتي النهاية ، ووجود القيادة الثورية التي حددت البديل للنظام القائم. والاستيلاء علي السلطة في الوقت المناسب والدقيق حسب عبارة لينين " أمس مبكر غدا متأخر ، بل اليوم".
-تلك هى القواعد التي أكدتها تجربة ثورة أكتوبر السودانية في 1964.
-الثورة الروسية كانت ملحمة جماهيرية حقا ، عكسها الصحفي الأمريكي بشكل رائع في مؤلفه " عشرة أيام هزت العالم".
كل ما سبق لاينفصل عن النضال السياسي والنظري الذي خاضه البلاشفة ضد التيارات اليمينية التي دافعت عن التطور الرأسمالي باعتباره أسبقية ، تجلى ذلك في مؤلفات لينين مثل:-
تطور الرأسمالية في روسيا 1899 الذي توصل فيه لينين الي أن روسيا دخلت مرحلة التطور الرأسمالي وتفككت المشاعية وبرزت زراعة المحاصيل النقدية، وتطورت ونشأت الصناعات وبرزت طبقة عاملة، وغير ذلك من السمات والخصائص التي ميزت التطور الرأسمالي في روسيا.
مؤلف لينين “ ما العمل ؟” 1901 ، الذي أوضح فيه لينين طبيعة الحزب من النوع الجديد الذي يقوم علي مبدأ المركزية الديمقراطية التي تقوم علي الحرية الواسعة في النقاش مع الالتزام برأي الأغلبية ، وشروط العضوية التي تستند على قبول البرنامج والدستور وتسديد الاشتراكات والعمل في إحدى الهيئات، وطبيعة الحزب الطبقية الذي يستند علي الطبقة العاملة، إضافة لاستناد الحزب علي النظرية الماركسية ، باعتبار لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية، والصراع ضد تيارات “ العفوية” و “ الاقتصاديوية” التي تحبس نضال الطبقة العاملة في النضال الاقتصادي فقط ، بدلا من النضال السياسي لتحرير المجتمع بأسره من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والاثني والديني والقومي.الخ.
مؤلف لينين “ المادية والمذهب النقدي التجريبي 1908 ” الذي تصدي فيه لينين للهجوم علي الماركسية ومنهجها الديالكتيكي المادي بعد القمع الوحشي الذي تعرض له البلاشفة بعد هزيمة ثورة 1905 ، والتطورات الجديدة في العلوم الطبيعية بعد اكتشاف الالكترونات ومكونات الذرة الأخرى، واكتشاف النظرية النسبية ، وتوصل بعض الفلاسفة والعلماء مثل : ماخ، الخ إلي تلاشى المادة، دافع لينين عن الديالكتيك المادي ،وقدم مفهوما أوسع للمادة بأنها الواقع الموضوعي المستقل عنا، وأن أشكال المادة تتنوع، وإن ما تلاشى هو المفهوم القديم للمادة، وأوضح أن الحقيقة المطلقة هي المجموع اللانهائي للحقائق النسبية، وأنه لايمكن الفصل بين المادة والحركة والمكان والزمان، وكانت مساهمة لينين تطويرا للمادية الفلسفية في ظروف الاكتشافات العلمية الجديدة.
ساهم لينين في دراسة ظاهرة الامبريالية أو المرحلة الجديدة من الرأسمالية في مؤلفه “ الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية 1916” والذي درس فيه المتغيرات في الرأسمالية ، وتصدير الأموال للخارج، والصراع بين الدول الرأسمالية لاقتسام ونهب موارد بلدان المستعمرات والحروب كشرط ملازم للمرحلة الجديدة من الرأسمالية.
ساهم لينين في تطوير التاكتيكات استنادا للتحليل الملموس للواقع الملموس، وأشار إلي أن النظرية رمادية والواقع أخضر ، وأن الماركسية ليست عقيدة جامدة بل منهج للعمل، كماأو ضح في مؤلفات : “ تاكتيكان للاشتراكية الديمقراطية.الخ”، “ موضوعات نيسان” ، “ مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية”. الخ.
كما أشار إلي أنه لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية ، وأن دراسة الماركسية تعني دراسة الثقافة الإنسانية ، ودراسة واقع وخصائص وسمات كل بلد.
لاشك أن الصراع في كل الجبهات السياسية والاقتصادية والنظرية أسهم في وضوح خط البلاشفة السياسي والفكري ، وكان له الأثر الحاسم في نجاحهم في الوصول للسلطة.
ثانيا : ماهي منجزات ثورة أكتوبر؟
كانت ثورة أكتوبر متسقة مع شعاراتها ، وعدت وأنجزت الآتي:-
أنهت ويلات ومآسي الحرب العالمية الأولي بتوقيع معاهدة صلح “ بريست - ليتوفسك” مع المانيا .
وفرت إحتياجات الجماهير الكادحة الأساسية في التعليم والصحة والسكن والعمل ومحو الأمية ، وحماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وطورت الثقافة والفنون والموسيقي والرياضة.
حررت شعوب روسيا من الإضطهاد القومي علي أساس المساواة وحق تقرير المصير بما في ذلك حق الإنفصال وتكوين الدولة المستقلة في ظروف حرية الارادة والديمقراطية، وحق كل قومية في تطوير لغتها وثقافتها الخاصة.
ساهمت في تحرير شعوب المستعمرات من النير الاستعماري، وكشفت المعاهدات السرية مثل: معاهدة “ سايكس - بيكو” التي تم بموجبها تقسيم العالم العربي الي مناطق نفوذ وانتداب ، كما ساهمت في اندلاع ثورات المستعمرات في : الهند والصين ومصر وفيتنام والعراق وسوريا والسودان “ ثورة 1924”، والتي كانت تطالب بالاستقلال.
نقلت روسيا من دولة متخلفة إلي دولة صناعية متقدمة ، وكانت أول دولة في العالم استخدمت الطاقة الذرية لأغراض سلمية ، وتمت “كهربة” روسيا حسب شعار لينين “ الشيوعية تعني كهربة روسيا”، وكانت أول دولة تطلق الصواريخ العابرة للقارات ، وأول من بدأ غزو الفضاء ، وكان نجاح القمر الصناعي الأول “ سبوتنك” حافزا لأمريكا للاهتمام بالبحث العلمي وتطوير نظامها التعليمي، كما طورت علوم الرياضيات والفيزياء.
حفظت روسيا التوازن العالمي ، وغلت يد أمريكا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري “ مثال : العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 الذي قامت به بريطانيا وفرنسا واسرائيل.
ساهمت بفعالية في تحرير البشرية من البربرية النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب العالمية الثانية ، تحررت شعوب المستعمرات من النير الاستعماري، وقامت الثورات الاشتراكية في بلدان شرق اوربا ، والصين وفيتنام وكوبا وكوريا ، ونهضت حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة وحققت مكاسب كثيرة بأثر الثورة الروسية مثل : الحق في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي.. الخ.
أعطت المرأة حقوقها التي انتزعتها بنضالها الفعال في الثورة مثل: الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي ، وحق الترشيح والانتخاب ، وحق الطلاق .الخ.
أكدت إمكانية التنمية المستقلة عن مسار الفلك الرأسمالي والسيادة الوطنية لأكثر من 74 عاما ، ونجحت خلال ثلاثين عاما في أن تصبح دولة صناعية متطورة.
ثالثا: دروس التجربة الروسية:-
عندما نتحدث عن أسباب تقويض التجربة الاشتراكية والارتداد للرأسمالية ، يمكن الاشارة إلي العوامل التالية-
1- عوامل موضوعية يمكن تلخيصها في الآتي :-
التدخل الخارجي : في الفترة من 1918 حتى أواخر 1922 ، تدخلت قوات المانية ونمساوية ومجرية وأمريكية وايطالية ويابانية .الخ، والتي قدمت عونا مباشرا للقوى المعادية والحرس الأبيض لاسقاط النظام. ولكن صمدت روسيا في أحلك سنوات التدخل الخارجي ، إضافة للحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول الرأسمالية علي روسيا.
بالتالى ، فأن روسيا أنجزت مهمة التصنيع واللحاق بركب الدول الصناعية المتقدمة بتكلفة إنسانية باهظة ، وفي ظروف حصار وحرب أهلية. فضلا عن الحرب العالمية الثانية التي فقد فيها الاتحاد السوفيتي ملايين الشهداء من القوى الحية المنتجة ، وتدمير ثلثي المدن الروسية والمصانع، والجهد الكبير الذي بذله الاتحاد السوفيتي بعد الحرب لإعادة البناء والتعمير.
فرض سباق التسلح الذي أنهك الاقتصاد السوفيتي، خاصة بعد إعلان أمريكا برنامج حرب النجوم ، إضافة للمساعدات العسكرية التي كان يقدمها لبلدان حلف وارسو وللدول الأخرى ، والمساعدات الاقتصادية والتعليمية والعلاجية لبلدان العالم الثالث التي كانت على حساب سلع الاستهلاك، والتكلفة الباهظة لتدخل الاتحاد السوفيتي في حرب افغانستان.
من الأسباب أيضا ظروف روسيا التاريخية التي كانت متخلفة ، 70 % اميين، ووجود تقاليد عبادة القيصر والايقونات، وشهدت روسيا الثورة الصناعية بداية القرن العشرين.
2- أسباب ذاتية أو داخلية يمكن تلخيصها في الآتي: -
محاولة القفز فوق المراحل في البداية ، باعلان سياسة شيوعية الحرب التي أنهكت الفلاحين والشعب ، رغم منجزاتها في توفير مقومات الصمود بوضع كل العائدات في يد الدوله ، مما أدى للتراجع في النهاية وإعلان الدولة السياسة الاقتصادية الجديدة “ النيب” التي وفرت حافزا للمزارعين ، وأدت إلى تحسين الاقتصاد .
تمّ إ غلاق باب التعددية السياسية بمحاولة الاشتراكيين الثوريين لاغتيال لينين ، مما أدى لمأزق الحزب الواحد الذي كان يحذر منه لينين ويتخوف من تسلل البيروقراطية الضارة بمسيرة الحزب والثورة، وتحول المأزق الي تجربة. بالتالى غابت التعددية السياسية جراء فرض نظام شمولي بعد وفاة لينين ، تميز بالحزب الواحد ، وتم ربط المؤسسات التشريعية بالدولة والحزب والنقابات والاتحادات بالدولة، في حين كان لينين يشدد علي استقلال الحزب والنقابات والسوفيتات عن الدولة ، وكفالة حق الإضراب للعاملين، مما أدى لغياب الرقابه.
إضافة للصراعات داخل السلطة والحزب الحاكم وسيطرة حكم الأمن والمخابرات والذي أدى لفقدان وابعاد عدد كبير من الكوادر الشيوعية المخلصة، ونتج عن ذلك التفسخ والفساد في جهاز الدولة، وظهرت فئات رأسمالية فاسدة أثرت من ممتلكات الدولة، والتي لعبت دورا كبيرا فيما بعد في تفكيك وانهبار النظام السوفيتي ونهب ثرواته وتهريبها خارج البلاد.
السياسة الخاطئة تجاه الأديان ، بجعل الالحاد سياسة رسمية للدولة ، في حين أن ماركس وانجلز كانا يركزان على حرية العقيدة ، وأن الدولة للجميع غض النظر عن الدين أو المعتقدات السياسية أو الفلسفية، وأن المسائل التي تتعلق بحرية الضمير لاتحل بقرارات ، وانما تركها للتطور الطبيعي” راجع نقد برنامج غوتا - لماركس”.
أخطاء ومشاكل اقتصادية مثل : تغليب الصناعة الثقيلة علي حساب سلع الاستهلاك ، وتباطؤ النمو ، والتحول للزراعة التعاونية بالقسر ، لا الاقناع كما كان يشير انجلز.
كان ماركس وانجلز يتصوران أن الاشتراكية سوف تنطلق في بلدان متطورة تقنيا مثل : المانيا ، انجلترا.الخ، ولكن ذلك لم يتوفر في روسيا ، كما أن افتراض لينين بقيام الثورات الاشتراكية في المانيا وبقية البلدان المتطورة لم يتحقق ، بسبب فشل ثورة المانيا 1918 ، والمجر، .الخ.
كما أشار ماركس أن فترة الانتقال للمجتمع الشيوعي سوف تكون طويلة ، وأن الاشتراكية طور أدنى من الشيوعية يستمر فيها التفاوت والحق البورجوازي والصراع الطبقي، ويأخذ الانسان حسب عمله ، ولكن بدلا من الاعتبار لذلك كانت التوجهات الايديولوجية الخاطئة التي كانت تصور أن روسيا دخلت مرحلة الاشتراكية المتطورة، وأنها اصبحت على قاب قوسين أو أدنى من الشيوعية.
التهجير القسرى للشعوب ، وتغليب النزعة القومية الروسية ، مما كان له الأثر في تفكيك الاتحاد السوفيتي.
هذا التراكم الكمي من الأخطاء والتي استغرقت سنوات طويلة، ولم يتم معالجتها جذريا وفي وقتها ، أدت في النهاية الي تحول نوعي في تفكيك الاتحاد السوفيتي ، وعودة الرأسمالية.
كان من نتائج عودة الرأسمالية نهب ثروات روسيا وتهريب أموالها للخارج ، علي سبيل المثال : يوجد 700 مليار دولار يملكها أغنياء روسيا في البنوك السويسرية ، و7 تريليون روبل مستثمرة في أمريكا، إضافة الي تدهور قيمة العملة “ الدولار يساوي 60 روبل” ، وتدهور مستويات المعيشة ، وفقدت البلاد سيادتها الوطنية حيث بلغت نسبة الاستثمار الأجنبي في القطاع الصناعي الروسي 55,8%، إضافة للفساد ومشاكل غسيل الأموال. الخ.
من آثار انهيار الاتحاد السوفيتي إنفراد أمريكا وسعيها المحموم للسيطرة الاقتصادية والعسكرية علي العالم ، والنهب البشع لثروات البلدان المتخلفة والتابعة، والهجوم علي المكاسب التي حققها العاملون في بلدان العالم في : التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وحماية الشيخوخة والطفولة، والتفاوت المتصاعد في توزيع الثروة ، اذ يبلغ ما يملكه 1 % من أغنياء العالم نصف ما يملكه سكان العالم. اضافة الي الحروب وتجارة البشر والمخدرات والجنس، وغير ذلك من الواقع البشع الذي يعيشه العالم الآن والتي تناضل الشعوب والأحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية والوطنية من أجل تغييره.
والسلام عليكم وشكرا.









































15
ما هومنهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع؟.
السؤال المفتاح الذي طرحه ماركس لبناء نظريته عن المجتمع: ماهو الشرط لوجود حياة اجتماعية؟
في الاجابة علي هذا السؤال: أشار ماركس الي حقيقة بسيطة: هي أن البشرية قبل أن تمارس السياسة والفن والدين والعلم..الخ، عليها أن توفر مقومات حياتها التي تتمثل في : المأكل، المشرب، الملبس، المأوي..الخ. ولكي يتم ذلك لابد من ان ينتجوا.
ولكي تتم عملية الانتاج لابد من توفير أدوات الانتاج وموضوع العمل(وسائل الانتاج)، وحاصل وسائل الانتاج والعمل البشري اطلق عليه ماركس قوي الانتاج. وكذلك لابد أن تحدث علاقات انتاجية (ملكية أو توزيع) اثناء عملية الانتاج.
وحدة قوي الانتاج وعلاقات الانتاج تسمي البنية التحتية للمجتمع، وحول البنية التحتية تقوم بنية علوية تتمثل في السياسة والدين والفن والحقوق..الخ.
وحدة البنية التحتية والعلوية هي ما نطلق عليه التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية.
أشار ماركس الي أن التناقض بين قوي الانتاج وعلاقات الانتاج يؤدي الي التحول الاجتماعي، كما أشار الي أن الصراع الطبقي هو القوي المحركة للمجتمع، اضافة للعوامل الاخري من: سياسية واثنية وثقافية، ودينية..الخ.
ويلاحظ القارئ أن منهج ماركس في تناول القضايا هو المنهج المألوف عند كل مفكر علمي مستعد دائما لاعادة النظر في تقديراته السابقة علي ضوء الشواهد اللاحقة.، ولكن ذلك لايجعله يتخلي عن اساس نظريته العلمية.
المنهج الذي الذي وصل عن طريقه ماركس الي نظريته في التطور الاجتماعي هو المنهج نفسه الذي استخدمه دارون في اقامة نظريته عن تطور الانواع بالانتخاب الطبيعي.
وكما هو معلوم ، فان نظرية ماركس تفتقد تلك الدقة المميزة للعلوم التي تتناول ظواهر فيزيائية وكيميائية ، ذلك أن القوانين والتعميمات الموجودة في النظرية مصاغة في حدود كمية، ويقول البعض أن هذا يدخل في النظرية الماركسية نوعا من الغموض غير العلمي، ولكن اذا كان هذا الاعتراض يجعل من نظرية ماركس غير علمية، فهل يجعل ذلك من نظرية دارون في علم الاحياء أو نظريات فرويد في علم النفس مثلا غير علمية؟.
ويبقي أنه ليس ثمة انسان عاقل يتوقع أن تتخذ كل التعميمات عن التطور الاجتماعي والبيولوجي شكل الصياغة الكمية التي يتخذها علم الفيزياء أو الميكانيكا مثلا، ولكن رغم الاختلافات، نلاحظ أن العملية نفسها لاقامة نظرية أساسية في تلك العلوم نفسها التي رأيناها في النظريات الاجتماعية والبيولوجية عند ماركس ودارون.
علي سبيل المثال في اقامة النظرية الأساسية لعلم الميكانيكا: كانت الفكرة الأساسية التي قدمها العالم الانجليزي نيوتن والتي تم قبولها هي ( كل جسم يظل علي حالته من سكون أو حركة بسرعة متظمة، ما لم تؤثر عليه قوي خارجية). وباكتشاف هذه الفكرة الأساسية تم صياغة المفاهيم الأساسية لعلم الميكانيكا مثل: القوة، الكتلة،..الخ.
وهذا يناظر المفاهيم الأساسية التي صاغها ماركس مثل: قوي الانتاج، علاقات الانتاج، البنية التحتية والفوقية، التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية..الخ، ولكنها في هذه الحالة الأخيرة ليست كمية.
المثال الآخر هو النظرية النسبية الخاصة التي اكتشفها عالم الفيزياء اينشتين عام 1905م، والتي قامت علي مسلمتين :
الاولي: هي مبدأ النسبية القائل ( بان جميع اطر القصور الذاتي معادلة تماما لأداء التجارب الفيزيائية جميعا).
ويقتضي هذا أنه اذا كان ثمة معمل يتحرك بسرعة متساوقة، فان حركة المعمل لاتؤثر اى تأثير علي نتيجة التجربة التي تجري داخله.
الثانية: ( ان الضوء ينتقل خلال فراغ بسرعة ثابتة في اطر القصور الذاتي جميعا).
أو بعبارة اخري أن سرعة الضوء التي يقيسها راصد هي نفسها بغض النظر عن السرعة النسبية للراصد ومصدر الضوء.
هذا الامتزاج بين مبدأ النسبية وثبات سرعة الضوء وقع في نظرية النسبية الخاصة، وبمجئه تم استبعاد فكرة الاثير بقضها وقضيضها، وما يرتبط بها من مفهوم المكان المطلق.
وهكذا تم وبضربة واحدة اكتساح كل الاسس التي قامت عليها الفيزياء الكلاسيكية لمدة تزيد علي قرنين.
اذا دققنا النظر اذن في الافكار الأساسية عند ماركس نلاحظ طابعها العلمي ، وأن ماركس وضع نظريته في المجتمع علي النحو نفسه الذي وضع به آخرون أسس العلوم الأخري.
•كما أشرنا سابقا السؤال المفتاح الذي طرحه ماركس لصياغة نظريته العلمية ، ماهو شرط قيام حياة اجتماعية من نوع معين؟.
كان الجواب هو: أن شرط قيام أى نوع من الحياة الاجتماعية هو ان يتشارك الناس معا في انتاج إحتياجاتهم المادية ، وكانت القضية القائلة بأن الناس كي يشاركوا في انتاج ضرورات وجودهم، هي القضية الاساسية التي اقام عليها ماركس علم المجتمع، ومن هذه القضية استطاع ماركس أن يصوغ المفاهيم الأساسية التي يمكن علي ضوئها تحديد النمط الاجتماعي للانتاج مثل: قوي الانتاج، علاقات الانتاج. فمن اجل أن ينتج الناس اجتماعيا ضرورات وجودهم ، كان عليهم أن يصنعوا ألادوات والوسائل ، وأن يكتسبوا المهارة والمعرفة لاستخدامها ، وتلك قوى انتاجهم، وهو في استخدامهم لقوي الانتاج ، لابد أن يدخلوا في علاقات انتاج اجتماعية للانتاج.
كتب ماركس( فمن اجل أن ينتجوا ، لابد من أن يدخلوا في علاقات احدهم مع الاخر، وداخل هذه العلاقات فقط يمكن ان يتحقق الانتاج).
ويقول ماركس في مؤلفه (رأس المال): ( بينما يؤثر الانسان علي الطبيعة الخارجية من اجل الحفاظ علي وجوده، فانه يغير طبيعته هو..).
ويقول ايضا في مؤلفه( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي): ( علي اساس حالة معينة للقوي المنتجة تتكون علاقات انتاج معينة).
يواصل ماركس ويقول( ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم).
يواصل ويقول( عندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة درجة معينة من تطورها ، تدخل في تناقض مع علاقات الانتاج الموجودة في هذا المجتمع ، أو مع علاقات الملكية وليست هذه سوي التعبير الحقوقي لتلك التي كانت تتطور ضمنها ، وعندما تتحول علاقات الانتاج الي عائق امام تطور القوي المنتجة، عندئذ ينفتح عهد الانقلاب الاجتماعي).
يواصل ماركس ويقول( تتشكل المؤسسات الحقوقية والسياسية علي أساس العلاقات الفعلية بين الناس في عملية الانتاج الاجتماعي ، فلفترة من الوقت تساعد هذه المؤسسات في تطور القوي المنتجة لشعب ما وازدهار حياته الاقتصادية ، وعلاقات الانتاج تشمل علاقات الملكية التي يدخل فيها الناس الذين يملكون وسائل الانتاج ويستولون علي الناتج ويوزعونه ، وهي اساس البناء الاقتصادي للمجتمع وانقسامه الي طبقات).
وحين وصل ماركس الي استخلاص أن شرط الحياة الاجتماعية هو الاشتراك في نمط انتاج يتكون من دخولهم في علاقات انتاج محددة لاستغلال قوى الانتاج، وضع الفرض العام حول الطريقة التي تتطور بها الحياة الاجتماعية ، يمكن أن نسميها القانون العام لكل تطور اجتماعي ، وهو يقول بأن الناس دائما يجب ان يطوعوا علاقاتهم الانتاجية لقواهم الانتاجية، وأن يستنبطوا الافكار وينظموا انفسهم في المؤسسات التي تمكنهم من هذا.
وبعد عدة سنوات من اكتشاف ماركس الفهم المادي للتاريخ ظهر كتاب عالم الاجتماع الامريكي مورغان( المجتمع القديم)، والذي اكد بطريقة مستقلة اكتشاف ماركس وعمق نظرية ماركس، وقد اعتمد انجلز علي كتاب مورغان في مؤلفه( اصل الدولة والعائلة والملكية الخاصة)، والذي اوضح أن الدولة هي نتاج تطور تاريخي، ظهرت مع انقسام المجتمع الي طبقات، كما اوضح أن ظهور الفوارق الطبقية بعد اكتشاف الزراعة والرعي وخروج المرأة من الانتاج، كان بمثابة الهزيمة التاريخية لجنس النساء، ومنذ تلك اللحظة بدأ تهميش النساء وتكريس دونية المرأة، حيث كانت المراة في المجتمع البدائي متساوية مع الرجل، وكان هناك تقدير لدور المرأة من خلال نظام الامومة.
هذه باختصار اسس النظرية العلمية للفهم المادي للتاريخ التي استخدمها ماركس كخيط هادي لدراساته والتي اهمها مؤلف(رأس المال)، والذي اكتشف قانون فائض القيمة والذي اوضح سر الاستغلال الرأسمالي.
بهذين الاكتشافين(اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ، ونظرية فائض القيمة) تحولت الاشتراكية الي علم، والعلم لايعرف الحقيقة النهائية.
واكتشاف ماركس في علم الاجتماع ايضا، يمكن مقارنته باكتشاف كوبرنكس في علم الفلك ، كان علم الفلك قبل كوبرنكس يقول: بأن الارض هي مركز ثابت تدور حوله الشمس وغيرها من الاجرام السماوية، وهذه الفكرة أدت الي استحالة تفسير العديد من ظواهر الميكانيكا الفلكية. انطلق كوبرنكس من العكس تماما، فقد افترض أن الشمس ليست هي التي تدور حول الأرض ، وهكذا اكتشف وجهة النظر الصحيحة، واتضح الكثير مما لم يكن واضحا قبل كوبرنكس.
ومنذ اكتشاف دارون وماركس وكوبرنكس ونيوتن في علم الاحياء والاجتماع والفلك والميكانيك، علي التوالي، لم يتوقف الفكر الانساني ، ولم تتوقف هذه العلوم، بل حققت اكتشافات جديدة ووسعت تلك الاكتشافات والنظرية، علي سبيل المثال:
لم يتوقف علم الاحياء عند اكتشاف دارون بتطور الكائنات العضوية بالانتخاب الطبيعي، بل تطور علم الوراثة تطورا مذهلا، حتي تم اكتشاف الجين الوراثي( D.N.A ).
كما تطور علم الفلك تطورا هائلا حتي تم اكتشاف نظرية الانفجار العظيم(Big- Bang )، التي فسرت نشأة الكون، ومازال البحث العلمي مستمرا في البحث عن نظرية اكثر دقة.
كما اكتشف اينشتين النظرية النسبية الخاصة(1905) والنظرية النسبية العامة (1915) ، والتي عمقت وطورت نظرية نيوتن وخاصة بالنسبة لحركة الاجسام التي تتحرك بسرعات قريبة من سرعة الضوء.
وتطورت النظرية الماركسية، بمعالجة الظواهر الجديدة مثل تحول الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة الي مرحلة الاحتكار والتي تناولها لينين في مؤلفه(الامبريالية اعلي مراحل الرأسمالية، 1916)، والتي فسرت تطور الرأسمالية وسلوكها في تلك المرحلة،وباعتبار أن طبيعة الرأسمالية لم تتغير، بل ظهرت اشكال جديدة للاستغلال مثل الارباح الاحتكارية ونهب الشعوب اضافة الي نهب فائض القيمة عن طريق استغلال العاملين. كما ساهم لينين في توسيع مفهوم المادة في مؤلفه( المادية والمذهب النقدي التحريبي 1907)، والذي تناول الظواهر الجديدة في علم الفيزياء مثل الدلالات الفلسفية لاكتشاف مكونات الذرة(الالكترون، البروتون، ..الخ)، والتي استخلص منها بعض الفلاسفة نتائج مثل اختفاء المادة، وقدم لينين تعريفه الجديد للمادة، بأنها( الواقع الموضوعي المستقل عنا).
كما طور غرامشي الماركسية في ما يختص بدور البنية الفوقية للمجتمع في التغيير، وضرورة كسب الطبقة العاملة للقلاع في الجبهة الثقافية عن طريق خلق مثقفين عضويين يلعبون دوا هاما في هذه الجانب، باعتبار أن من يكسب المعركة في الجبهة الثقافية هو الذي يكسب السلطة السياسية في النهاية.
هذا اضافة لدور الاحزاب الشيوعية ودراسة واقعها وخصوصيتها ودراستها للمتغيرات المحلية والعالمية وتقديم معالجات لها مثل المتغيرات التي حدثت في تركيب الطبقة العاملة، في ظل الثورة العلمية التقنية، وضرورة توسيع مفهوم الطبقة العاملة ليشمل العاملين بايديهم وادمغتهم والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي، وتبني استراتيجية الوصول للسلطة بطريق ديمقراطي تعددي جماهيري.
واخيرا يعتبر مؤلف ماركس وانجلز: الايديولوجية الالمانية من اوائل المؤلفات التي صاغ فيها ماركس وانجلز المفهوم المادي للتاريخ بوضوح.







































16

الذكري ال 150 لصدور مؤلف ماركس " رأس المال"
بنهاية هذا العام (2017) يكون قد مضي 150 عاما علي صدور مؤلف ماركس " رأس المال" الذي رجع اليه الكثيرون بعد الازمة الإقتصادية والمالية التي انفجرت العام 2008م لتفسير ماحدث.
كان صدور المجلد الأول( 1867م) من مؤلف ماركس( رأس المال) المؤلف من أربعة مجلدات علامة فارقة في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية. اذكر أنني اطلعت علي المجلد الأول في مكتبة الخدمات الاجتماعية التابعة للخدمات الاجتماعية بمصلحة سكك حديد السودان بعطبرة، وهي من المدن العمالية الكبيرة ، كان ذلك في العطلة الصيفية عام 1974 من القرن الماضي، وكنت وقتها طالبا في جامعة الخرطوم ، كانت المكتبة تقع في مبني كنيسة قديمة في حي (السودنة) بعطبرة والذي كان محاطا بحدائق وأشجار (اللبخ) و(الذنيا) والتي كانت تضفي جواً بارداً على صيف عطبرة القائظ، اضافة الي ان المكتبة كانت تقع بالقرب من ورش عمال السكة الحديد، وكان ذلك الجو مساعدا في فهم واستيعاب المجلد الأول، اضافة لتخصصي في مادة الرياضيات، وترجمة عربية سائغة سلسة كانت من أعمال( محمد عيتاني).
كان المجلد الأول مثيراً لاهتمامي لدرجة كبيرة، وكنت معجباً بمنهج ماركس الديالكتيكي الذي ربط فيه بعمق وشمول علوم التاريخ و الاجتماع والاقتصاد اضافة للغة الادبية الرفيعة والساخرة احيانا، ومنذ ذلك الوقت واصلت اهتمامي بدراسة الاقتصاد السياسي الماركسي ، والذي ساعدني كثيرا في ابحاثي التي انجزتها عن التاريخ الاجتماعي للسودان.
كتب ماركس في مقدمة الطبعة الأولي لمؤلفه( رأس المال): ( انني انظر الي تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية كعملية تاريخية طبيعية ، وهدف مؤلفي النهائي هو اكتشاف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع المعاصرة).
يواصل ماركس ويقول( المجتمع المعاصر ليس بلورة صلبة، بل كيان عضوي قادر علي التحول وهو يتحول بصورة دائمة ) وهذا ما اكدته الأحداث من التحولات المختلفة التي مر بها النظام الرأسمالي من مرحلة الإمبريالية التي درسها لينين في مؤلفه( الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية 1916م)، وحتى مرحلة الرأسمالية المعاصرة( مرحلة العولمة) والتي ازدادت فيها الرأسمالية بقيادة امريكا شراسة وشراهة في استنزاف العاملين ونهب شعوب وموارد البلدان المتخلفة.
في ذلك المجلد الأول من (رأس المال) درس ماركس الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في انجلترا التي كانت اكثر البلدان الرأسمالية تطورا في عصره، كما استند علي الاستنتاجات العلمية التي خرج بها الكلاسيكيون في الاقتصاد السياسي البورجوازي مثل: آدم سميث، وريكاردو، ووليم بيتي، وغيرهم واعاد النظر فيها بشكل انتقادي.
وكانت ثمرة دراسة ماركس الملموسة للمجتمع الرأسمالي في انجلترا هو اكتشاف نظرية فائض القيمة التي شكلت حجر الزاوية لنظرية ماركس الاقتصادية واعطت الاشتراكية طابعا علميا وواوضحت للطبقة العاملة سر الاستغلال الرأسمالي والذي يقوم علي استحواذ الرأسماليين علي العمل غير مدفوع الأجر.
وبعد وفاة ماركس تمكن صديق عمره انجلز من اصدار المجلد الثاني( 1885)، والمجلد الثالث( 1894م).
ومن خلال متابعة جهد ماركس العلمي في اكتشاف القانون الأساسي للمجتمع الرأسمالي، نلاحظ أنه بذل جهدا علميا شاقا وعميقا ليصل الي ذلك الاكتشاف ويتضح ذلك من مؤلفات ماركس وانجلز الآتية:
- في عام 1844 م ، كتب ماركس مؤلفه ( مقتطفات من عناصر جيمس ميل في الاقتصاد السياسي)، وفي العام نفسه صدر مؤلف انجلز ( خطوط عامة في نقد الاقتصاد السياسي)، كما صدر في العام نفسه مؤلف ماركس( المخطوطات الفلسفية والاقتصادية).
- وفي عام 1845م صدرت دراسة انجلز الميدانية حول ( ظروف الطبقة العاملة في انجلترا) والتي وصفت وصفا دقيقا حالة البؤس والشقاء التي كانت تعيشها.
- وفي عام 1846م صدر مؤلف ماركس وانجلز ( الايديولوجية الألمانية) والذي تمت فيه صياغة (المفهوم المادي للتاريخ) والذي يعتبر الأساس المنهجي للاقتصاد السياسي الماركسي.
- وفي عام 1847م صدر مؤلف ماركس ( بؤس الفلسفة) والذي صاغ فيه مفاهيمه حول العمل المأجور ورأس المال، كما صاغ نظرية القيمة ووضع بعض عناصر نظرية فائض القيمة. وفي العام نفسه صدر كراس ماركس( العمل المأجور ورأس المال).
- وفي العام 1848م صدر (البيان الشيوعي) لماركس وانجلز والذي توصلا فيه أن الاشتراكية نتيجة ضرورية لتطور اسلوب الانتاج الرأسمالي، ويبقي ضرورة البرهان العلمي علي ذلك.
- وبعد فترة انقطاع في النشاط العملي من اجل تغيير المجتمع وتنظيم حركة الطبقة للوعي بمصالحها وصياغة مطالبها، عاد ماركس مرة اخري للبحث في الاقتصاد السياسي، فنجده في العام 1858م يصدر الغروندرسيه ( اسس نقد الاقتصاد السياسي – المسودة الأولية لرأس المال).

- وفي العام 1859م اصدر ماركس مؤلفه ( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي) والذي أشار فيه الي ضرورة دراسة العلاقات الاقتصادية للمجتمع المعاصر، فالعلاقة الحقوقية وكذلك أشكال الدولة كما يقول ماركس: لايمكن أن يتم فهمها من خلال نفسها، ولا من خلال ما يسمي التطور العام للفكر الانساني ، بل هي تكمن في العلاقات الاجتماعية المادية وبنية المجتمع المدني.
- وفي العامين 1861- 1862م صدر مؤلف ماركس ( نظريات فائض القيمة – المجلدات: 1، 2،3).
- وفي العام 1865 صدر مؤلف ماركس ( الاجور والأسعار والربح).
- وأخيراً كان ثمرة هذا الجهد الشاق مؤلف ماركس ( رأس المال – المجلد الأول) الذي صدر في العام 1867م، والذي شكل السلاح النظري للطبقة العاملة في نضالها من اجل تغيير المجتمع الرأسمالي وبناء المجتمع الاشتراكي.
لقد كان ماركس بحق مناضلا من أجل تغيير المجتمع الرأسمالي وباحثاً عميقا ترك بصماته على تطور الفكر الإنساني.



















17
المفهوم الماركسي لتغيير الواقع

* مع اشتداد حدة الفقر والبؤس الناتج من الواقع البشع الذي كرسه النظام الرأسمالي في مرحلة العولمة الحالية، حيث تتعمق الفوارق الطبقية، ويتم سحب الدعم عن التعليم والخدمات الصحية وخصخصة وبيع مرافق القطاع العام وتشريد الالاف من العاملين وازدياد اعداد العاطلين عن العمل، تنهض الحركات الجماهيرية المطالبة بتحسين الاوضاع المعيشية والثقافية، وتغيير الواقع المزري الحالي، وتزداد وتائر العودة الي ماركس ومنهجه في نقد الرأسمالية، وفي تغيير الواقع، فماهو المنهج الماركسي في تغيير الواقع؟,
*معلوم أن ما يميز المنهج الماركسي(الديالكتيك المادي) عن بقية الفلسفات والمناهج السابقة لها أن المنهج الماركسي لا يسعى لفهم ودراسة الواقع فقط ، بل من اجل تغييره . يقول ماركس ( كل ما قام به الفلاسفة في السابق هو تفسير العالم بطرق مختلفة، بيد أن المطلوب تغييره)( ماركس : موضوعات عن فورباخ، رقم(6)). وبالتالى، فان الماركسية ومنهجها الديالتيكي المادي لاغنى عنها للمناضلين الثوريين الذين يستهدفون تغيير الواقع وتجديد مجتمعهم الي الافضل، بعد دراسة وفهم واقعهم.
وبالتالى، فان المنهج الماركسي يتوسل للتغيير بدراسة الواقع ، تلك الدراسة المنبثقة من الخبرة والممارسة والتنظيم والنشاط العملي ، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور وتخصب النظرية.
والمنهج الديالكتيكي كما أشار ماركس في مقدمة الطبعة الثانية لمؤلفه (رأس المال)،الديالكتيك ( يتضمن في شموله وحسمه ادراك الحالة القائمة للاشياء ، وفي الوقت نفسه ايضا ادراك معنى تغير هذه الحالة وزوالها الحتمي ، لأنه يعتبر كل شكل اجتماعي متطور تاريخيا في حركة دافقة ، وبذلك يضع في حسبانه طبيعته الانتقالية وبنفس الدرجة وجوده المؤقت ،لأنه لايترك شيئا يفرض عليه ، ولأنه في جوهره ثورى ونقدي).
هذا ويكمن كل الهجوم علي الماركسية في هذه النقطة حيث أشارت الماركسية الي أن التشكيلة الرأسمالية مرحلة عابرة في التاريخ، وأنه من احشاء المجتمع الرأسمالي سوف تبرز قوى التغيير والتي تتمثل في قوى الكدح العضلي والذهني والتي تتعرض للاستغلال الرأسمالي بامتصاص فائض القيمة منها، وأن التناقض الرئيسي في المجتمع الرأسمالي بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الفردى لوسائل الانتاج سوف يحل في المجتمع الاشتراكي الذي ينفي ديالكتيكيا الرأسمالية.
كما يشير انجلز في مؤلفه: (انتي دوهرينغ)( الديالكتيك يدرك الاشياء وصورها الذهنية ، الافكار، أساسا في علاقاتها المتبادلة ، في تتابعها ، في حركتها ، في ميلادها وفنائها).
كما يتعارض المنهج الماركسي مع الرأى القائل أن الانسان نتاج سلبي للبيئة، بل يؤثر فيها ويعمل علي تغييرها، يقول ماركس( ان المذهب المادي الذي يقول أن الناس نتاج ظروفهم وتربيتهم ، وبالتالى ، ان الظروف المتغيرة والتربية المتغيرة ستخلف اناسا متغيرين ، ان هذا المذهب ينسى أن الناس بالتحديد هو الذين يغيرون الظروف ، وان الذي يعلم يجب عليه أن يتعلم هو ايضا(ماركس: موضوعات عن فورباخ(3)).
كما يعطى المنهج الماركسي اهمية فائقة للعلاقة المتبادلة بين المادة والوعي( الواقع والفكر)، المادة تحدد الوعى ولكن للوعى استقلاله النسبي، ويعمل علي التأثير في الواقع ويعمل علي تغييره، ومن هنا جاء قول ماركس ( ان الافكار تصبح قوة مادية عندما تتملكها الجماهير). كما توصل الحزب الشيوعي السوداني منذ مؤتمره الرابع المنعقد في اكتوبر 1967م، الي صيغة التطبيق الخلاق والمستقل للماركسية علي واقع السودان من اجل دراسته وفهمه وتغييره ، باعتبار ذلك هو الذي يؤدى الي تحويل الحزب الشيوعي الي قوة جماهيرية ، وفي تنمية خطوطه السياسية والجماهيرية وفي اكتشاف الاشكال الملائمة للتنظيم.
والواقع أن المنهج الماركسي ينظر للظواهر بذهن مفتوح وبدون تصورات مسبقة ، وهو يعنى دراسة الاشياء كما هى عليه حقا، في علاقاتها المتداخلة وحركتها الحقيقية، أو كما يقول لينين: التحليل الملموس للواقع الملموس. وأن المنهج الديالكتيكي ما هو الا المنهج العلمي في أوسع معانية.
كون استخدام الحزب الشيوعي السوداني للمنهج الماركسي أو المنهج العلمي ، فان ذلك لايعصمه من الاخطاء، ولكن في حالة حدوث الاخطاء يتم تحليل الظروف والشروط التي ادت اليها ونقدها، وبالتالي فان منهج الديالكتيك نقدي وثوري ولايعرف الحقيقية النهائية.
كما اشرت سابقا، في حالة الخطأ ، فان المنهج الماركسي يؤكد علي ضرورة الاعتراف بالخطأ وتحليل الاخطاء واستخلاص دروسها والتعلم منها بدلا من التستر عليها.
هذا اضافة الي أن المنهج الماركسي لايدعي أنه يمتلك الحقيقة النهائية والمطلقة، ولايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمنهج الديالكتيكي أو الماركسي يتعارض مع فكرة الحقيقة النهائية أو المطلقة.فشأنه شأن المنهج العلمي تكون الاجتهادات دائمة التجدد والانفتاح لقبول التحديات والاستعداد للتخلي عن كل ماهو عتيق عند ظهور ما هو افضل منه.
والواقع أن اختزال( المادية الديالكتيكية) في فترة الجمود النظري في نصوص ذات طابع علمي افرغت الواقع المادي من محتواه، بحيث جعلته في وحدة ثابتة نهائية، اضرت بالمنهج الماركسي وجردته من محتواه العلمي والنقدي، واصبح اداة لتبرير الواقع بدلا من نقده وتغييره الي الافضل.
علي أن جوهر المنهج الماركسي هو دراسة الواقع بهدف معرفته للتأثير فيه وتغييره. والواقع أن ماركس وانجلز لم يقدما بيانا منهجيا كاملا عن منهج الديالكتيك المادي أو المنهج الماركسي ، بل استخدما هذا المنهج خيطا هاديا ومرشدا في ابحاثهما ودراساتهما، وتوصل ماركس وانجلز في مؤلفهما( الايديولوجية الالمانية) الي اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ، والذي وصفه انجلز على قبر ماركس: أنه مثلما اكتشف دارون قانون تطور الانواع بالانتخاب الطبيعي، اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع البشري.
كما استخدم ماركس المنهج الديالكتيكي والمفهوم المادي للتاريخ في مؤلفه (رأس المال):وبعد دراسة باطنية شاقة وملموسة لتطور الرأسمالية في انجلترا والتي وصلت القمة في المجتمعات الرأسمالية يومئذ، اكتشف ماركس قانون فائض القيمة الذي وضح جوهر الاستغلال الرأسمالي. بهذين الاكتشافين تحولت الماركسية الي علم ، والعلم لايعرف الحقيقة النهائية. وبعد ماركس جاء اسهام لينين الذي فسر الظواهر الجديدة التي افرزتها الرأسمالية في المرحلة الاحتكارية، كما أسهم غرامشي في تطوير الماركسية من خلال التركيز علي دور البنية الفوقية واستقلالها النسبي، ودور العامل الثقافي في التغيير ..الخ.
قامت الماركسية علي نقد الرأسمالية، وطالما ظلت الرأسمالية قائمة بكل ركائزها، فان مشروعية النقد تظل قائمة، وبالتالي لايمكن تجاوز الماركسية لأن الظروف التي ولدتها مازالت قائمة ، كما كان يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر، وبالتالي مهم تكثيف نقد الواقع الرأسمالي المشوه الذي نشأ في السودان، باحصاءات دقيقة، وتوضيح التفاوت في توزيع الثروة والتفاوت في التطور بين الاقاليم المختلفة والتفاوت في النوع ..الخ، كل ذلك ضروري من اجل التنمية المتوازنة بين اقاليم السودان المختلفة، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وتوفير احتياجات الناس الاساسية(تعليم، صحة، خدمات( مياه، كهرباء.. الخ)، وتحقيق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل،.. الخ. فكلما كثفنا النقد للواقع الرأسمالي المؤلم في البلاد باحصاءات دقيقة ، كلما اقتربنا من جوهر المنهج الماركسي.
* وخلاصة ما نود أن نقوله أن المنهج الماركسي أو منهج الديالكتيك المادي، يدرس الواقع من اجل فهمه واستيعابه وتغييره، وأنه يعتمد علي الدراسة الباطنية الملموسة، على الارض، للواقع، واستخلاص نتائج من الواقع لا من تصورات ذهنية مسبقة، ويتعامل مع الظواهر والمستجدات في الطبيعة والمجتمع بذهن مفتوح، ويتخصب بالحوار، دون الاستعلاء، مع التيارات السياسية والفكرية الاخري، وأنه في جوهره نقدي وثوري، كما أنه لايدعى الحقيقة المطلقة والنهائية، وهو ينظر للظواهر في شمولها وحركتها وتغيرها الدائم، وهو طريقة في البحث ، ويصل للحقائق من الواقع وبذهن مفتوح ، ولايخضع الواقع للنظرية، بل تخضع النظرية للواقع، النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغنى وتخصب النظرية، كما يأخذ في الاعتبار الخصائص والظروف التاريخية لكل بلد في الاعتبار، وأن هذا المنهج يتم تطبيقه تطبيقا خلاقا ومستقلا حسب واقع وظروف كل بلد، بالتالي هو في جوهره المنهج العلمي في اوسع معانيه


































18
كيف تناولت الماركسية مسألة الدين؟
في تناول الماركسية ومسألة الدين، لا ننطلق فقط من نصوص ماركس الشاب المعروفة عام 1844م، وانما من تطور فكر ماركس حول الدين ،ومجموع التجربة والمعرفة التي راكمتها الاحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية، والحركة الديمقراطية والمدنية، وما توصل له علم الاجتماع المعاصر في تناول قضية الدين، وما توصل اليه المؤتمر الرابع والخامس للحزب الشيوعي حول الاهتمام بقضية الدين الاسلامي حتي يخدم تحرر الشعوب بدلا من استغلاله لخدمة مصالح المستعمرين ولمصالح طبقية ودنيوية زائلة ، وكذلك تجارب مثل: لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية التى انحاز فيها رجال الدين للمستضعفين في الارض وحتى الانتفاضات الأخيرة مثل التي حدثت في "بورما " عندما انحاز رجال الدين للكادحين الذين سحقتهم الطبقات الحاكمة واورثتهم الجوع والفقر، كل هذه التجارب تشكل رصيدا هاما ننطلق منه في تناول قضية الدين، بدلا من الانكفاء على نصوص ماركس الشاب التى تجاوزها ماركس نفسه، الذي كان يشير فيها الى أنه ليس هدف الاشتراكية احلال الالحاد محل الدين أو خلق دين بديل ، وانما الهدف تحرير الانسان من الاستغلال والاستلاب: يقول ماركس الناضج( ان الالحاد قد عاش وقته ، انه تعبير سلبي لايعنى شيئا بالنسبة للاشتراكيين الاصلاء ، ان المعني لديهم ليس هو انكار الاله وانما تحرير الانسان ) ، كما اشاد ماركس بدور رجال الدين الذين انخرطوا في النضال ضد الاضطهاد والظلم ،مثل رجل الدين ( مانزر ) في حرب الفلاحين وثنائه على دوره الخلاق والواعي كرجل دين مصلح، وان القضية الاساسية بالنسبة لماركس ، كانت ضد استغلال الدين لتبرير الاضطهاد الطبقي والظلم الاجتماعي القائم، وأن هدفه ليس تفسير العالم ، بل تغييره والغاء استغلال الانسان للانسان، وأن الجوهري في افكار ماركس أن حرية العقيدة لاتنمو ولاتزدهر الا بتوفير العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الناس ، ولايمكن للانسان أن يكون حرا في عقيدته في مجتمع قائم على استغلال الانسان للانسان ، كما أن القيم الروحية والاخلاقية السامية لاغنى عنها في بناء المجتمع الاشتراكي الديمقراطي.
كما نشير ايضا الي انتقاد فردريك انجلز للاستاذ الجامعي" دوهرينغ"، في مؤلفه " انتي دوهرينغ" الذي حاول انتاج توليفة فكرية جديدة حول الاشتراكية والاقتصاد والفلسفة موازية للماركسية واعتبرها الحقيقة النهائية والخالدة والتى تجب ما قبلها ، انتقد انجلز تصور "دوهرينغ" الذي حاول في تصوره لقيام المجتمع الاشتراكي أن يتم الغاء الدين بقرار ، أشار انجلز الى ضرورة حرية الضمير والمعتقد في المجتمع الاشتراكي، وعدم اتخاذ اجراءات ادارية فيما يتعلق بمعتقدات الناس والتى سوف تستمر في المجتمع الاشتراكي، ولأن هدف الاشتراكية ليس محاربة الدين وانما تحرير الانسان . كما نشير ايضا الي خطأ التجربة السوفيتية الاشتراكية التي جعلت من الالحاد سياسة رسمية للدولة في حين أن الدولة للجميع غض النظر عن معتقداتهم الدينية والفكرية والفلسفية، وكان ذلك من الاخطاء الاساسية للتجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا والتي تتعارض مع جوهر الماركسية .
ومعلوم أن ماركس كان يتجاوز نفسه وارائه باستمرار حسب منهجه الديالكتيكي الذي لايعرف النهائية والاكتمال والحقيقة المطلقة ، وهذه من سمات العلماء الذين يضحون بارائهم ومعتقداتهم السابقة كلما ظهرت حقائق جديدة ونظريات جديدة تفسر الاوضاع الجديدة،
فالماركسية في جوهرها ليست عقيدة جامدة وانما هى منهج ونظرية تتطور باستمرار ، وتتطلب مراعاة الواقع الموضوعي في كل بلد ، والانطلاق من خصائصه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، علي سبيل المثال : كان ماركس يعارض تحويل لوحته الخماسية لتطور التاريخ الاوربي( شيوعية بدائية، رق ، اقطاع،راسمالية ، اشتراكية) الى نظرية فلسفية شاملة لكل بلدان العالم ، كما كان ماركس يتجاوز تصوراته السابقة باستمرار ، فبعد اربعين عاما من صدور "البيان الشيوعي" كتب ماركس مقدمة له : بأن هناك اشياء شاخت في البيان بعد التطورات العاصفة التى مرت بها الرأسمالية ، وأن هناك حوجة لتعميم جديد ، هكذا كان منهج ماركس ، يأخذ دائما في الاعتبار الحقائق الجديدة التى يطرحها العلم وتطور المجتمع فليس هناك حقيقة نهائية ، وهذا هو جوهر منهج ماركس الديالكتيكي.
أما فيما يختص بتجربة الحزب الشيوعي السوداني ، فلم يكن الالحاد شرطا من شروط العضوية ، ولكن شروط العضوية حسب ما جاء في الفصل الثاني من دستور الحزب : (قبول برنامج الحزب ودستوره، والاشتراك في احد هيئاته والعمل النشط لتنفيذ قرارته، ودفع الاشتراكات المقررة، والاستقامة وحسن السلوك والاخلاص لقضية الشعب)، كما حدد الدستور سلوك العضو بين الجماهير،وايضا (احترام عقائد الشعب وتقاليده والبعد عن اى مسلك ينم عن عدم الاحترام لهذه العقائد والتقاليد).
كما أشارت وثيقة" الماركسية وقضايا الثورة السودانية" والتى اجازها المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي ، اكتوبر 1967م الى أنه: "اصبح لزاما على الحزب الشيوعي أن ينمى خطه الدعائي حول قضية الدين الاسلامي وعلاقته بحركة التقدم الاجتماعي والى أن يكون الدين الاسلامي اداة لخدمة المصالح الأساسية لجماهير الشعب السوداني لاأداة في يد المستغلين".
فالقضية الاساسية هى ضد استغلال الدين لخدمة مصالح طبقية ودنيوية زائلة ، اضافة الي أن التجربة السودانية كشفت مآسي استغلال الدين في السياسة كما حدث في تجربة نظان نميري الفاشي الدموي في قوانين سبتمبر 1983 ووتجربة انقلاب الأخوان المسلمين الاسلاموي في 30 يونيو 1989م ، وتراكمت تجارب واسعة للشعب السوداني في كشف ومعرفة استغلال الدين في السياسة والتى اورثت شعبنا القهر والبطش والنهب والفساد باسم الدين.
هذا فضلا عن أن الماركسية لم تطرح الغاء الدين شرطا مسبقا للتحرر الاجتماعي، وانما طرحت ضرورة انهاء الاوضاع الاجتماعية والسياسية التي تمكن المتاجرين بالدين من السيطرة علي العقول، كما تفعل جماعات الاسلام السياسي السلفية الظلامية الارهابية ،التي نهبت ثروات الشعب السوداني واورثته الفقر والبؤس باسم الدين، اضافة الي مصادرة الحريات الديمقراطية والدينية، واعتقال وتشريد وتعذيب وقتل الالاف من المعارضين السياسيين باسم الاسلام، وابادة الاقليات العرقية في جنوب السودان، وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ودارفور ، ومحاوله محو تاريخ السودان وآثاره الثقافية ، مما ادي الي انفصال جنوب السودان، وارتكاب فظائع وجرائم حرب، حتي اصبح رأس النظام السوداني ورموزه مطلوبين امام المحكمة الجنائية الدولية، هذا اضافة للجرائم التي ارتكبها تنظيم "داعش" في العراق وسوريا مثل ابادة الاقليات العرقية وسبي النساء والاعدام للمعارضين لهم، مما اعتبرها المجتمع الدولي جرائم حرب، وضد الانسانية..















19
الثورة العلمية التقنية والمتغيرات في التشكيلة الرأسمالية
احدثت الثورة العلمية التقنية العلمية متغيرات عميقة في التشكيلة الرأسمالية يمكن تلخيص جوهرها في الآتي:
*ارتبط العلم بالانتاج مباشرة،بحيث ادي ذلك الي زيادة انتاجية العمل الي حدود غير مسبوقة وانتجت للانسان قدرة هائلة في السيطرة علي مصادر الطاقة، بل واتسعت هذه السيطرة ليصبح الانسان قادرا علي السيطرة علي ظواهر كثيرة، وبالعقول الالكترونية، اصبح في الوسع اثبات أو نفي كثير من النظريات في فترة زمنية وجيزة. كما استندت هذه الثورة علي الاوتوماتية التي تعني ادماج المراحل الانتاجية المختلفة للسلعة في سلسلة متصلة تقوم بها الالات المتعددة دون تدخل من الانسان في اى من هذه المراحل. كما استندت هذه الثورة علي ( المعلوماتية) أو الاتصالات اللاسلكية بالراديو والتلفزيون والكمبيوتر(الانترنت)..الخ، والتي تم فيها الربط بين الالكترونيات الدقيقة وصناعة المعلومات، ليس فقط في مجال تخزين المعلومات ومصاعبها واسترجاعها ونقلها، بل في صنع أجهزة متنوعة تقوم بوظائف الادارة والمراقبة وتحليل المعلومات واصدار القرارات، ولم يعد وجود الانسان ضروريا في كل مراحل عملية الانتاج. كما تمكنت من خلال سيطرتها علي كل المعلومات المتعلقة بتصميم المنتج وصنعه وتسويقه من تقصير دورة الانتاج وتخفيض التكاليف.هذا اضافة للهندسة الوراثية والتي قامت علي أساس احداث تغييرات صناعية في النشاط البيولوجي للخلايا بهدف الحصول علي منتجات جديدة أو عمليات جديدة تضاعف انتاجية النبات والحيوان. هذا اضافة الي ثورة تكنولوجيا المواد والتي تعتمد علي الكيمياء لاستحداث مواد جديدة بهدف زيادة جودة المنتج. وهذه التحولات كما هو معلوم كانت بهدف وضع النتائج التي يصل اليها العلم مباشرة في عمليات انتاج صناعية عن طريق الوحدة العضوية بين العلم والتكنولوجيا وبسرعة بالغة، حتي اصبح الاكتشاف العلمي يعرف من خلال التطبيق الانتاجي، اذ لم يعد هناك فارق زمني كبير يمر بين الاكتشاف والتطبيق.
فماهي أهم المتغيرات التي احدثتها هذه الثورة في بنية المجتمعات الرأسمالية؟.
احدثت ثورة العلم والتكنولوجيا تحولات بنيوية في تركيب المجتمعات الرأسمالية المتطورة، علي سبيل المثال: احدثت تغيرا كيفيا شاملا علي العمل البشري. فكما قامت الثورة الصناعية الأولي باستبدال الجهد العضلي للانسان والحيوان بالالات، قامت الثورة العلمية التقنية باحلال اجهزة تحل محل العمل العضلي تلقائيا وذاتيا واوتوميا، وتقوم بوظائف العقل البشري. واذا كان نظام الرق كما هو معلوم يتطلب قوة عضلية كاملة، وكان نظام الاقطاع يحتاج الي مجهود عقلي يكفي للانتاج البسيط، والثورة الصناعية تطلبت عقلا كاملا، نلاحظ ان الثورة العلمية التقنية، لايمكن ان يوجد فيها العامل المناسب الا باستيعاب قدر هائل من العلم يكتسب بالتعليم والثقافة والتدريب، عموما الثورة العلمية التقنية تتطلب ارتفاعا كبيرا في رأس المال الثابت، اى زيادة في التركيب العضوي لرأس المال كما كان يقول ماركس.
من خلال الثورة العلمية التقنية، كما يقول د. فؤاد مرسي: استطاعت التشكيلة الرأسمالية ان تجدد نفسها وتجد متنفسا لتنشيط استثماراتها، واوجدت لنفسها فرصا جديدة للنمو، باتساع الحيز الذي اصبح متاحا لها استخدامه تكنولوجيا، كما استطاعت الرأسمالية ان ترفع المستوي العام للانتاج وتحدث تطورا هائلا في القوي المنتجة(أي وسائل الانتاج والعمل البشري).
منذ اندفاع الثورة العلمية التقنية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نلحظ في كل المجتمعات الرأسمالية المتطورة، منذ أواسط الخمسينيات انخفاضا منتظما في عدد الشغيلة اليدويين ، وصعودا لذوي الياقات البيضاء والذهبية (قوي العمل الماهرة جدا التي تشمل العلماء والمهندسين ومبرمجي الكمبيوتر والاداريين والاقتصاديين..الخ، وهم ايضا عاملين باجر ويتعرضون للاستغلال الرأسمالي، وتستحوذ الطبقات الرأسمالية علي فائض القيمة منهم، رغم دخولهم الهائلة).وبالتالي اتسع مفهوم الطبقة العاملة الذي اصبح يضم العاملين بأجر يدويا وذهنيا، اى قوي الكدح العضلي والذهني.
ومنذ ذلك الوقت جرت مناقشات واسعة وسط الماركسيين وغيرهم تناولت المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة، وعلي سبيل المثال: عالجت الأحزاب الشيوعية في غرب اوربا المتغيرات بعد الحرب العالمية الثانية، وعمقت ووسعت مفهوم الدور القيادي للطبقة العاملة، فالحزب الشيوعي البريطاني مثلا: منذ عام 1951م تخلي عن شعار (ديكتاتورية البروليتاريا)، وطرح شعار الاطار الديمقراطي للاشتراكية والوصول اليها عبر البرلمان والتعددية الحزبية.
كما طرح الحزب الشيوعي الاسباني شعار: وحدة قوي الثقافة والعمل في اتجاه الاعتراف بدور العاملين المهنيين والعلميين والمثقفين علي وجه العموم.
كما أشار غرامشي سكرتير الحزب الشيوعي الايطالي السابق الي ضرورة الموقف النقدي كما ورد في مؤلفه(دفاتر السجن) والتي تعتبر عملا فلسفيا عظيما، يؤكد فيه علي أنه من المستحيل صياغة نظرية فعّالة دون ممارسة نقد ذاتي. أشار الحزب الشيوعي الايطالي الي تحول المجتمع الرأسمالي المعاصر وتخلي البلدان الرأسمالية الصناعية عن الركض وراء فائض القيمة المطلق، وفي الوقت نفسه عن التمييز الجائر والحقوقي بحق الطبقة العاملة، واصبح الاتجاه الرئيسي للتطور هو الركض وراء فائض القيمة النسبي ورفع انتاجية العمل ، وبالتالي الاستخدام الأمثل للتقنية الجديدة وتوسيع مجال الخدمات، كما ترسخ الحق الانتخابي، وعوضا عن وضع (ديكتاتورية البروليتاريا) في مواجهة الديمقراطية البورجوازية الضيقة، ظهرت بهذا الشكل مهمة تطوير الطاقة الكاملة للديمقراطية، ويمكن أن تكون هذه الطاقة ثورية حقا، اذا ماحكم المجتمع علي أساس اجماع الأغلبية، واعتمد بالتالي علي قدرتنا بالظفر علي أساس (الهيمنة)، لقد تحدث غرامشي عن مثل هذا الاجماع وتلك (الهيمنة).
كما تحدث الحزب الشيوعي السوداني ومنذ دورة اللجنة المركزية في اغسطس 1977م والمؤتمر الخامس للحزب في يناير 2009م عن الوصول للنظام الوطني الديمقراطي بطريق ديمقراطي جماهيري تعددي.
كما اهتمم المفكرون والسياسيون من بلدان العالم الثالث بالتغيرات البنيوية التي تمت في المجتمعات الرأسمالية المتطورة بسبب الثورة العلمية التقنية، وبسبب ادخال تكنولوجيات جديدة، ولاحظوا شدة استغلال بلدان العالم الثالث في ظروف ثورة العلم والتكنولوجيا، واثرها علي اعادة انتاج التخلف الاقتصادي والاجتماعي في تلك البلدان، والتي ترسف تحت اغلال ديون ثقيلة(علي سبيل المثال بلغت ديون السودان 43 مليار دولار في حين أن اصل الدين 12 مليار دولار، أي كل دولار يربح اكثر من 2 دولار!!).
ومن الجانب الاخر تعمق التناقض الرئيسي في المجتمعات الرأسمالية وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الخاص لوسائل الانتاج، اضافة لدخول الرأسمالية في مرحلة الشيخوخة التي تتجلي في تدمير البيئة، والبطالة وتشريد الملايين من العاملين، وخلق بؤر من الصراعات الاقليمية لترويج تجارة الأسلحة، اضافة للشراسة التي اصبحت تتميز بها امريكا كما يتجلي في التدخل المباشر واحتلال بعض البلدان كما حدث في العراق تحت مظلة فرية اسلحة الدمار الشامل، وصرف اكثر من ترليون دولار علي حرب العراق في الخمسة اعوام الماضية.
كما تتلخص الأزمة البنيوية للتشكيلة الرأسمالية في الاتي:
أ- التباطوء الشديد في معدل وتائر ونمو الانتاج الصناعي.
ب- ضعف الفروع التقليدية في الصناعة الثقيلة وانحطاطها الأمر الذي يعوض عنه بصورة جزئية فقط عن طريق توسيع مجمع الكمبيوترات الالكتروني.
ج- عدم التوازن في التجارة والمدفوعات الدولية.
د- الحمي المالية والافراط في المضاربة والتي كان نتائجها الأزمة المالية الراهنة.
ه- الاشكال الجديدة لنهب البلدان النامية وأزمة الدين العالمي المزمنة.
و_ نزعة انخفاض الأجور الحقيقية ومستوي حياة الطبقة العاملة الي جانب اغتناء القلة الرأسمالية بشكل فاحش لامثيل له في السابق .
ز- الأزمات المالية الحادة (مثل الأزمة المالية الراهنة) والاقتصادية العميقة في عدد من البلدان.
ح- عسكرة الاقتصاد التي تميز قبل كل شئ الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الي نمو قدرة المجمع الصناعي العسكري المالي.
ط- تعمق الفوارق الطبقية ، اصبح 85 ملياردير يحكمون العالم ، ويزداد الاغنياء غني والفقراء فقرا.
ولاشك أن التراكم الكمي للتغيرات البنيوية في المجتمعات الرأسمالية المتطور سوف تؤدي الي تحولات نوعية تؤدي الي نفي الرأسمالية نفسها ، اي ان الاشتراكية التي تتخلق الان في احشاء النظام الرأسمالي سوف يقوم بنفيه، بعد ان وصل مرحلة الانحطاط التي تشكل خطورة علي الحضارة البشرية، وهذا الانحطاط نابع من صراع الوحوش بين اقطاب الدول الرأسمالية من اجل السيطرة العسكرية والاقتصادية علي العالم.
































20
التمايز الايدولوجي بين الشيوعية واليسار
* بعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، برزت اصوات باسم اليسار الفضفاض، دعت الي التخلي عن الماركسية والطبيعة الطبقية للاحزاب الشيوعية ، والتخلي عن اسم الحزب الشيوعي، بحجة استحالة بناء مجتمع شيوعي ، وأن فكرة المجتمع الشيوعي فكرة (طوباوية)، وهي افكار تحتاج لمناقشة بعد تجربة اكثر من عشرين عاما ، من السير في طريق العولمة الرأسمالية الذي افقر الملايين من الكادحين، وجردهم من ابسط خدمات التعليم والرعاية الصحية وحدمات الكهرباء ومياه الشرب النقية، اضافة الي النهب المكثف لثروات بلدان العالم النامي، وتركيز الثروة في ايدي قلة. وهي تجربة مريرة مرت بها شعوب العالم الكادحة ومازالت تقاومها من خلال نهوض الطبقة العاملة وجماهير الكادحين في مختلف بلدان العالم، من اجل تحسين اوضاعها المعيشية والثقافية، كما تجلت في انتفاضات وثورات شعوب البلدان الرأسمالية المتطورة وثورات شعوب امريكا اللاتينية وشعوب المنطقة العربية ضد الانظمة التي سارت في طريق الفساد والخصخصة وافقار الشعوب.
وهي تجارب نحتاج معها الي وضوح فكري ونظري يساعد في الصراع من اجل انتزاع الديمقراطية والسير قدما نحو المجتمع الاشتراكي والذي يفضي الي تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للكادحين.
فماهي قضايا التمايز الايديولوجي بين الشيوعية واليسار الفضفاض؟.
* رغم أن الشيوعية هدف بعيد، وحتي علي مستوي ذلك الهدف البعيد، نلاحظ ان ماركس وانجلز في البيان الشيوعي كانا يتحدثان عن ان من اهداف المجتمع الشيوعي تحقيق مجانية التعليم العام، نجد أن هذا الهدف تحقق بفضل نضال العاملين حتي في المجتمعات الرأسمالية المتطورة.
واذا رجعنا للمبادئ الاولية التي تحدث عنها ماركس والذي اعتقد انه كان من اكثر المفكرين والفلاسفة واقعية وبعيدا عن الطوباوية، علي سبيل المثال: تحدث ماركس في مؤلفه(نقد برنامج غوتا) عن مجتمع اشتراكي سوف يخرج من احشاء المجتمع الرأسمالي الحالي الذي يتميز بالتناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج وعلاقات الانتاج التي تقوم باستحواذ قلة علي جهد العاملين، اى ان فائض القيمة يذهب لثراء قلة من الرأسماليين بحكم منطق نمط الانتاج الرأسمالي الهادف الي تحقيق اقصي قدر من الارباح علي حساب الكادحين. اشار ماركس الي انه عندما يخرج المجتمع الاشتراكي من صلب المجتمع الرأسمالي، سوف يكون حاملا لسماته لفترة تاريخية طويلة، اطلق عليها ماركس الاشتراكية أو الطور الادني من الشيوعية، وفي هذه الفترة سوف يظل التفاوت بين الناس حسب قدراتهم الجسدية والعقلية قائما، و بالتالي سوف يتفاوتون في دخولهم وهو ما اطلق عليه ماركس ( من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله)، اي أن الحق البورجوازي سوف يظل مستمرا، اى أن قانون القيمة الخاص بحركة السلع في المجتمع الرأسمالي سوف يظل فاعلا، وبالتالي ان هدف مرحلة الانتقال(الاشتراكية) هي لجم التطور الرأسمالي وليس ايقافه، اما فائض القيمة الناتج من عمل الكادحين فسوف يتحول الي تلبية احتياجات الناس الاساسية: في التعليم الصحة، حماية الامومة والطفولة، الضمانات الاجتماعية ضد الشيخوخة..الخ.
كان ماركس واقعيا، لأنه افترض ان الرأسمالية لايمكن ان تزول بين يوم وليلة، وبالتالي أشار الي مرحلة الاشتراكية كطور ادني من الشيوعية، والتي يستمر الحق البورجوازي فيها لفترة تاريخية طويلة.
أى أن الاشتراكية هي طور ادني من المجتمع الشيوعي الذي يشكل بداية تاريخ الانسانية الحقيقي، ويتحقق شعار لكل حسب حاجته، وتطور الفرد الحر كشرط لتطور المجموع الحر، والانتقال من مملكة الضرورة الي مملكة الحرية، واضمحلال الدولة وليس الغاءها، والغاء قانون القيمة الذي يتم فيه سيطرة المنتوج علي المنتجين(زوال الاستلاب).
* في بلد نامي مثل السودان، رغم أن الشيوعية مازالت هدفا بعيد المنال، وحتي الاشتراكية، والمرحلة الوطنية الديمقراطية، اذ أن الهدف المباشر حاليا هو اسقاط نظام البشير الذي قهر شعبنا تحت شعارات الاسلام السياسي وانجاز برنامج البديل الديمقراطي الذي يتم فيه اصلاح الخراب الذي تم في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاخلاقية، وهذا البرنامج يتداخل ويتشابك مع المهام الوطنية الديمقراطية، اذ أن كل خطوة نحققها في ذلك تقربنا من البرنامج الوطني الديمقراطي.
عليه ليس هناك مبرر منطقي لأن نتخلي عن هدفنا البعيد المجتمع الشيوعي، الذي يبدأ فيه تاريخ الانسان الحقيقي، ويزول فيه كل اشكال الاستغلال، فالاشتراكية هي طور ادني، يظل يعمل فيه قانون القيمة الذي يعبر عن التفاوت موجودا، فلماذا نستبدل الذي هو اعلي بالذي هو ادني؟.
هذا اضافة الي أن الارتداد من الاشتراكية الي الرأسمالية يمكن أن يتم بسهولة، كما حدث في التجربة الاشتراكية السوفيتية وبلدان شرق اوربا، ونماذج دول الرفاه في اوربا الغربية.ونماذج مثل: الناصرية ، والبعث التي حكمت باسم اليسار في المنطقة العربية.
فاذا كان هدف احزاب اليسار الفضفاض الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية ، فانها تطلب الطور الادني الذي يسهل منه الارتداد للرأسمالية، وليس الطور الاعلي الذي يتم فيه الغاء كل اشكال الاستغلال، ويستحيل فيه الارتداد للرأسمالية.
* كما اشرنا سابقا الي أنه من منطلق الواقعية في بلد كالسودان، ان الهدف المباشر الآن: برنامج "البديل الديمقراطي" الذي يتم فيه وقف الحرب والحل الشامل والعادل لمناطق دارفور وجنوب النيل الازرق، وجنوب كردفان والشرق، وباعادة تاهيل القطاع الزراعي والصناعي والبنيات الاساسية مثل: السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية والبحرية، وان تدعم ماتبقي من عائدات النفط بعد انفصال جنوب السودان التعليم والصحة والخدمات(مياه، كهرباء.الخ)، التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات، السيادة الوطنية، واعادة توحيد الوطن علي اسس طوعية وديمقراطية، علي اساس دولة المواطنة التي تسع الجميع.
هذا البرنامج الاسعافي يتشابك ويتداخل ولاينفصل عن المهام الوطنية الديمقراطية بقواها وتحالفاتها، اضافة الي أن المرحلة الوطنية الديمقراطية تتشابك ولاتنفصل عن المرحلة الاشتراكية، والاشتراكية نفسها لاتنفصل عن المرحلة الشيوعية، اذا أن الاشتراكية هي الطور الادني من الشيوعية.
* اذا امتلكنا هذا الوضوح النظري والمتماسك الذي يربط ربطا ديالكتيكيا بين الاهداف البعيدة والقريبة، فلن تركبنا الحيرة، ولانحتاج لتصفية الحزب الشيوعي باسم اليسار، بحجة استحالة الوصول الي المجتمع الشيوعي بطرح غير سليم لمفهوم الشيوعية، علما، بأن هذا الطرح كانت قد تبنته احزاب الاممية الثانية بعد وفاة ماركس وانجلز، والتي حذفت المجتمع الشيوعي كهدف بعيد من برامجها، واكتفت بالاشتراكية فقط، ولكنها في النهاية وقعت في مصيدة الرأسمالية، ولم تنجز تحولات اشتراكية عميقة عندما وصلت للسلطة، بل مالت الي التهادن الطبقي مع رأس المال والاستغلال الرأسمالي البشع للكادحين، وابقت علي المجتمع الرأسمالي بركائزه. ولم تحدث تغييرا جذريا فيه.







21
المفهوم المادي للتاريخ ودراسة المجتمع السوداني
دراسة المفهوم المادي للتاريخ أو مناهج دراسة التاريخ الأخري ليست بديلا لدراسة التاريخ والواقع السوداني.
ففي رسالة انجلز الي شميدت بتاريخ:5/8/1890م، يقول: ( ان للفهم المادي للتاريخ اليوم مجموعة منن الاصدقاء الذين يرون فيه حجة لئلا يدرسوا التاريخ ، وهكذا يتكرر الوضع نفسه الذي قال فيه ماركس عن الماركسيين الفرنسيين اواخر السبعينيات (من القرن التاسع عشر) اعرف شيئا واحدا هو اني لست ماركسيا)( ماركس وانجلز: المؤلفات، المجلد 37، ص 370).
والمفهوم المادي للتاريخ في جوهره مستمد من فهم الظروف الواقعية والحياة الانسانية متنوعة وخصبة ومتجددة من الصعب حشرها في نموذج، بل تتعدد النماذج وفقا لتنوع وخصوبة الواقع والحياة الانسانية، ستظل دائما الهوة موجودة بين النظرية والواقع، سيظل السؤال: ماعلاقة الاطار النظري بالواقع وما علاقتة بالمجتمع السوداني؟وسيظل دائما الواقع اغني واعمق من كل نظرية، وجوهر الديالكتيك هو التحليل الملموس للواقع الملموس.
العلم لايعرف الكلمة النهائية، ويبدأ العلم بالمشكلات، ويعمل علي بناء النظرية التي تحل المشكلة ، وكل نظرية جديدة ذات شأن تثير مشاكل جديدة تحتاج لنظرية علمية جديدة لحلها.
أولا: المجتمع السوداني شأنه شأن المجتمعات الانسانية الخري مرّ بمراحل تطور مختلفة بدءا من العصور الحجرية واكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات / ومرّ بحضارات عرفت عرفت الزراعة والرعي وتربية الحيوانات والصناعة الحرفية والتجارة وقيام المدن واللغة المكتوبة وبناء الاهرامات التي تظهر من الآثار الخالدة لحضارات نبتة ومروي وعرفت التفاوت الاجتماعي والدولة التي تنوعت وتطورت وتوسعت في اشكال متنوعة. كما عرفت الديانات الوثنية والديانات التوحيدية( المسيحية والاسلام)، وتفاعل مع العالم اخذا وعطاءا.
دراسة تطور المجتمع السوداني تتطلب الذهن المفتوح لمعرفة خصوصيات تطوره وتمايزه عن المجتمعات الانسانية الأخري.
فمثلا: عند دراسة الدولة السودانية ناخذ في الاعتبار تاريخية الدولة وخصوصية تطورها بفعل اختلاف الثقافات والجماعات الاثنية والعوامل التاريخية المختلفة( انظر علي سبيل المثال: تاج السر عثمان: الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الدار العالمية 2007م).
وعند دراسة نظام الرق نأخذ في الاعتبار السمات والخصائص التي ميزت دور الرق في النسيج الاقتصادي والاجتماعي لتشكيلات ماقبل الرأسمالية في السودان، دون الانطلاق من استنساخ النموذج الاوربي أو البلدان الشرقية الاخري.(انظر علي سبيل المثال وثائق الرق التي نشرها الاستاذ محمد ابراهيم نقد في كتابه: علاقات الرق في المجتمع السوداني1995).
الطبقات:
معلوم أن الفضل لايرجع لماركس في اكتشاف وجود الطبقات، ولا حتي اكتشاف الصراع فيما بينها. فقد وصف المؤرخون التطور التاريخي لهذا الصراع بين الطبقات، ووصف الاقتصاديون البورجوازيون التشريح الاقتصادي لهذه الطبقات، كل مافعله ماركس، انه اثبت أن وجود الطبقات، انما يرتبط بمراحل تاريخية بعينها لتطور الانتاج، وهذا ما تؤكده مسيرة تطور المجتمع السوداني الذي عرف اول انقسام طبقي- كما أشار علماء الآثار- منذ: 3000 ق.م في حضارة كرمة حيث ظهرت طبقة الحكام(ملوك، كهنه، اداريين، موظفين، وطبقة الشعب التي تتكون من المزارعين، الحرفيين. وبعد ذلك تطور التركيب الطبقي في الحضارات السودانية اللاحقة المختلفة، سواء كان ذلك في تكوينات ما قبل الرأسمالية في السودان أو في السودان الحديث.
والدراسة في هذا الجانب خصبة ومتنوعة، فيما يتعلق بالتركيب الطبقي في السودان، وتتطلب الدراسة الميدانية واستخلاص نتائج من الواقع وبذهن مفتوح، دون اقحام مصطلحات الطبقات الاجتماعية، والتي نشأت وتبلورت مع تبلور الرأسمالية في اوربا. المهم دراستها في اطار خصوصية وتطور المجتمع السوداني ونشاطه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهذا ميدان خصب ورحب وبلا ضفاف للدراسة.
الأرض:
والارض في السودان التي تشكل ركيزة العمل الأساسية في مجتمع زراعي رعوي، وكيف تجلت وتطورت وتنوعت اشكال ملكيتها في السودان؟.
كيف كانت خصوصية نظام الاقطاع في السودان، وما هي الاشكال التي تجلت فيها تشكيلات ما قبل الرأسمالية في السودان؟. وتشكل وثائق الأرض التي نشرها د. محمد ابراهيم ابوسليم: (الفور والأرض)، (الفونج والارض)، ( الارض في المهدية)، اضافة للوثائق الموجودة في مصلحة الاراضي والمحاكم، مادة خصبة للدراسة.
الرأسمالية السودانية:
ضرورة دراسة نشأة وتطور الرأسمالية في السودان، لمعرفة خصائصها ومصادر التراكم الرأسمالي، ومعلوم أن السودان شهد ظهور بذور نمط الانتاج الرأسمالي في فترة الحكم، عندما ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عن طريق تصدير سلعتي: الصمغ والعاج، وكذلك سياسات النظام الوحشية في جباية الضرائب والتي ادت الي اقتلاع الالاف من المزارعين من اراضيهم وسواقيهم، ليجدوا انفسهم عاملين باجر في المصانع التي أنشأها الاتراك مثل: مصانع الصابون والذخيرة..الخ، اضافة لاتساع ظاهرة التعامل بالنقد بعد ادخال المحاصيل النقدية( القطن، النيلة..الخ)، ثم بعد ذلك تطورت الرأسمالية في الفترات التاريخية المختلفة، حتي ظهور الرأسمالية الطفيلية أو التداولية في مايو، والطفيلية الاسلاموية التي توسعت في فترة الانقاذ.وهناك الدراسة التي تم انجازها في المؤتمر الرابع وصدرت ضمن وثيقة: الماركسية وقضايا الثورة السودانية حول الرأسمالية السودانية ومصادر التراكم، كما انجزت د. فاطمة بابكر دراسة ميدانية حول الرأسمالية السودانية، ونشرتها في كتاب بعنوان: الرأسمالية السودانية: اطليعة للتنمية وهو جهد مقدر وممتاز، كما انجز: تاج السر عثمان دراسة عن: الرأسمالية السودانية: النشأة والخصائص، ونشرت في حلقات في صحيفة الرأي الاخر، كما انجز د. صدقي كبلو دراسة عن الرأسمالية الطفيلية ونشرت في كتيب صدر عن دار عزة للنشر 2007م.
المجتمع المدني:
من المهم دراسة التطور الباطني للمجتمع المدني في السودان(أو المدنية السودانية)، دون النقل الاعمي للمصطلحات الوافدة من اوربا والتي نبعت من ظروف مختلفة، ومن خلال ديالكتيك التفاعل بين الخصوصية والعالمية.
- دراسة الاستمرارية في الثقافة السودانية وأثرها وتفاعلاتها وتشابكها مع التطور الاقتصادي والاجتماعي.
- دراسة تجربة الدولة الدينية في السودان الحديث: دولة المهدية، دولة نميري بعد قوانين سبتمبر 1983م، وتجربة الدولة الدينية في نظام الانقاذ الحالي.
- دراسة سمات وخصائص التنظيم السياسي والنقابي في السودان( احزاب، نقابات، اتحادات، ...الخ).
- دراسة سمات وخصائص الطبقة العاملة السودانية.
- الثورة السودانية: ميدان خصب للدراسة من خلال تراكم المقاومة البطيئة عبر السنين الي الانتفاضة الشاملة، كما حدث في الثورة المهدية، وثورة اكتوبر1964م ، وانتفاضة مارس- ابريل 1985م، لمعرفة سمات وقوانين تطور الثورة السودانية، باعتبار تلك التجارب تعتبر رصيدا وارثا هاما في مقاومة الانظمة الديكتاتورية والاستبدادية.
- المؤسسة الدينية في السودان: صوفية، طائفية، وثنية، ودورها في مسيرة تطور المجتمع السوداني، ودراسة وظائفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.


ثانيا: يتساءل المرشحون: أن ماركس درس المخطط العام للتاريخ الاوربي، ولكن ماذا عن واقعنا و تاريخنا السوداني؟:
السؤال طبيعي ومشروع، فالمجتمع السوداني رغم خصوصيته، الا انه مرّ بالمراحل نفسها، التي مرّت بها المجتمعات البشرية:
1 – عصور ما قبل التاريخ:
أوضحت الاكتشافات التي قام بها علماء الآثار أن السودان مرّ بعصور ما قبل التاريخ(العصور الحجرية، القديم، الوسيط، الحديث)، كما أوضحت آثار الخرطوم، الشهيناب..الخ، اوضحت تلك الآثار أن انسان تلك العصور استخدم أدوات انتاج مصنوعة من الحجر ومن العظام، وان الانسان البدائي عاش علي التقط الثمار والصيد، وعرف التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء، كما لم تعرف تلك المجتمعات البدائية التفاوت الطبقي والدولة، والجيش..الخ، وقد ظل التفاوت بين التكوينات الاجتماعية مستمرا حتي يومنا هذا، بينما نجد مجتمعات ومدن حديثة عرفت نمط الانتاج الرأسمالي، لازالت هناك مجتمعات بدائية تعيش علي الصيد والتقاط الثمار( في الجنوب، الانقسنا..الخ).
وفي العصر الحجري الأخير(النيولويتي)، تم اكتشاف الزراعة والرعي، وحدث تحول نوعي من مجتمعات كانت تعيش علي الصيد والتقاط الثمار، الي مجتمعات زراعية رعوية، كما نلحظ ذلك من آثار حضارتي المجموعتين(أ)، (ج)، وبدأ يشهد السودان القديم بدايات الحضارة والتفاوت الاجتماعي.
استمر التراكم الحضاري الي أن ظهرت أول الممالك السودانية: كرمة، وبعدها ظهرت ممالك: نبتة ومروى، والنوبة المسيحية(نوباتيا، المقرة، علوه). وهذا يعكس:
- ظهور التفاوت الاجتماعي والطبقي والدولة والجيش، وطبقات: الحكام(ملوك، كهنه، اداريين..الخ)، وطبقة الشعب( مزارعين، رقيق، حرفيين..الخ)
- ظهور المدن وتطور الفن المعماري كما يظهر من آثار كرمة ونبتة ومروي والنوبة المسيحية، وبدايات اللغة المكتوبة مثل: اللغة المروية، النوبية، كما تطورت الصناعات الحرفية والتجارة الداخلية والخارجية، وظهور بدايات التعامل بالنقد في ممالك النوبة المسيحية.
- كما تطورت الديانات: من عبادة الاله آمون الي ظهور الهه جديدة في مروي مثل: ابا دماك..الخ، الي ظهور الديانه المسيحية في بداية العصور الوسطي.
- في مجال الانتاج المادي: حدث تطور في نظام الرى والحفائر وخاصة في مملكة مروى.
- كما لعبت المرأة دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية(الكنداكات)، وخاصة في مملكة مروي، كما عرفت الحضارات السودانية القديمة نظام الامومة.
- كما عرفت ممالك النوبة المسيحية نظام القنانة أو الاقطاع القديم الذي كان يمتلك فيه الملك الارض والعاملين عليها، ويعمل الفلاحون مقابل خراج معين يدفع للملك.
2- فترة الممالك الاسلامية: (الفونج، الفور، ..الخ)
حدث تطور اوسع في هذه الفترة حيث:
- تم انتقال من الديانة المسيحية الي الديانه الاسلامية، وتم انتقال من اللغة النوبية الي اللغة العربية.
- تم الانتقال من نظام الامومة الي نظام الابوة، وتغيرت الملكية من جهة الام الي جهة الاب.
- حدث تطور في النظام الاقطاعي: من نظام القنانة القديم(المزارعين عبيد للملك)، الي نظام اقطاعي مختلف في سلطنتي الفونج والفور: تنوعت فيه اشكال ملكية الارض(ارض السلطان التي يعمل فيها المزارعون عن طريق نظام السخرة، وارض الاقطاعي والتي يقتسم فيها المزارع العائد مع الاقطاعي- اضافة للضرائب الاخري القائمة علي الشريعة والاعراف المحلية، اضافة الي ملكية القبيلة للارض..الخ).
- كما عرفت تلك الفترة نظام الرق بسمات معينة تختلف عن نظام الرق في اوربا: حيث نجد أن وظائف الرقيق تتلخص في: التصدير للخارج، يقوم بوظائف العملة، العمل في مناجم الذهب، اضافة للعمل في مزارع الاسياد، وفي جيش السلطنة، وفي الاعمال المنزلية، ...الخ.
- ظهور الطرق الصوفيه كشكل اوسع للتنظيم: حيث نجد الطريقة الصوفية تضم افراد من قبائل ومناطق مختلفة.
- تطورت التجارة والصناعة الحرفية، والزراعة، وانتشرت الثقافة الاسلامية، كما تم تهميش اللغات والثقافات في الاطراف بعد سيادة مركزية الثقافة العربية الاسلامية.
- تطور اقتصاد السلعة- النقد، والمدن والحياة الاجتماعية.
- استمر التفاوت الاجتماعي والطبقي.
3- السودان الحديث(فترة الحكم التركي – المهدية- الحكم الثنائي – السودان المستقل).
ظهر السودان بشكله الحالي تقريبا في فترة الحكم التركي حيث تم ضم المديريات الجنوبية، ودارفور، اقليم التاكا(كسلا)، وشهد السودان في تلك الفترة بروز نمط الانتاج الرأسمالي ويتجلي ذلك في: الارتباط بالتجارة العالمية، والتوسع في اقتصاد السلعة- النقد، اقتلاع الالاف من المزارعين من اراضيهم وسواقيهم فرارا من الضرائب الباهظة والاساليب البشعة في جبايتها، وتحولهم الي عاملين بأجر في مصانع ومؤسسات ومزارع الحكم التركي الذي ادخل بعض المحاصيل النقدية مثل: الصمغ، القطن، النيلة،..الخ، وخاصة بعد التحديثات التي ادخلها ذلك العهد في الزراعة، وادخال بعض الصناعات مثل: صناعة الصابون، الذخيرة، حلج القطن..الخ.
- شهد السودان في تلك الفترة بداية الدولة المدنية، والتعليم المدني والقضاء المدني.
- كان الاقتصاد في تلك الفترة متوجها الي الخارج، بمعني كان يخدم مصلحة دولة محمد علي باشا في مصر، من حيث تصدير القوي البشرية(الرقيق) اليها، والفائض الاقتصادي الناتج من الضرائب واستثمارات النظام في السودان، مما ادي الي تدمير البنية الاقتصادية للبلاد وافقارها وارهاق كاهل السودانيين بالضرائب، وكان ذلك من اسباب اندلاع الثورة المهدية، ومن اسباب التخلف الاقتصادي والاجتماعي للسودان.
- شهدت تلك الفترة تراكمات كمية من المقاومة للاحتلال التركي بدأت من مقاومة الشايقية، وحريق المك نمر لاسماعيل باشا، وانتفاضات الجهادية السود في كسلا..، حتي تم تتويج تلك الانتفاضات، بالثورة المهدية، والتي كانت تحولا كيفيا في تغيير النظام.
فترة المهدية:
تم فرض دولة دينية باسم ايديولوجية المهدية التي احتكرت الاسلام، باعتبار أن المهدية هي الاسلام الصحيح الوحيد، وتم حل الطرق الصوفية، وحرق الكتب(عدا القرآن، وكتب الاحاديث والسنة..)، وتم حجر المرأة وفرض عقوبات الجلد عليها(بسبب السفور أو الخروج للشارع..)، وتم منع الغناء والرقص والالعاب(مثل الطاب،..)، كما تم الغاء التعليم المدني وتقرر الرجوع لنظام الخلاوي.
كما شهدت تلك الفترة في ايامها الاخيرة التفاوت الطبقي الصارخ والفساد والنهب باسم المهدية، كما تطورت التجارة الداخلية والخارجية والصناعات الحرفية والاسواق، كما شهدت مقاومة واسعة من القبائل السودانية نتيجة لعسف الدولة المهدية، كما ضرب الخليفة عبد الله تلك القبائل التي قاومته بوحشية مثل: مقتلة المتمة،..الخ، وكان ذلك من اسباب ضعف الدولة المهدية، مما جعلعا لقمة سائغة في يد قوات كتشنر عام 1898م.
فترة الحكم الثنائي:
ثم يعد ذلك جاءت فترة الحكم الثنائي(الانجليزي – المصري، 1898- 1956)، والتي ارتبطت فيها السودان بشكل اوسع بالنظام الرأسمالي العالمي، عن طريق التبادل غير المتكافي: استيراد سلع رأسمالية مقابل تصدير مواد اولية( القطن الذي كان يشكل اكثر من 60% من الصادر)
كما تم الغاء نظام الرق وادخال العمل الماجور في مؤسسات النظام الاستعماري الخدمية والزراعية والصناعية...الخ. كما تم نهب الفائض الاقتصادي وتصديره للخارج عن طريق البنوك والشركات الاجنبية، علي سبيل المثال: كانت ارباح مشروع الجزيرة في الفترة:1947- 1952م، 9 مليون جنية استرليني تم تصديرها للخارج( تيم نبلوك: صراع السلطة والثروة في السودان).
في هذه الفترة تطورت الفئات والطبقات الحديثة مثل: الطبقة العاملة، والخريجين، وطبقة التجار..الخ، كما ظهرت منظمات المجتمع المدني مثل: اندية الخريجين واندية العمال، وجمعية الاتحاد السوداني واللواء الابيض، ومؤتمر الخريجين، وحركة تحرير وتعليم المرأة، كما ظهر فن الغناء والموسيقي الحديث والحركة الادبية والمسرحية، وتطورت المدن السودانية، ومؤسسات التعليم المدني الحديث، والجمعيات الخيرية مثل معهد القرش، الي أن ظهرت الاحزاب السياسية والنقابات والاتحادات بعد الحرب العالمية الثانية.
السودان المستقل:
ثم بعد ذلك جاءت فترة مابعد الاستقلال، والتي تناولتها وثائق الحزب الشيوعي السوداني بالدراسة والتحليل مثل: وثيقة المؤتمر الرابع: الماركسية وقضايا الثورة السودانية، والتي اشارت الي سير البلاد في طريق التطور الرأسمالي، والذي كرّس التبعية للعالم الرأسمالي، وارهاق كاهل البلاد، في ظل الانظمة العسكرية والمدنية التي حكمت البلاد، وحتي نظام الانقاذ الحالي، حيث بلغت ديون السودان الخارجية 28 مليون دولار، اضافة لتعميق الفقر والذي وصلت نسبته 95% (يعيشون تحت خط الفقر)، اضافة للتمية غير المتوازنة والتي ادت الي انفجار الحركات في المناطق المهمشة، وغير ذلك مما أشارت اليه وثائق ودراسات الحزب الشيوعي السوداني.

مراجع للمزيد من الدراسة والبحث في الواقع السوداني:
ما عرضناه اعلاه خطوط عامة، مهم استكمالها بمراجع هامة تناولت تاريخ وواقع السودان مثل:
1- مؤلفات تناولت تكوينات ما قبل الرأسمالية في السودان علي سبيل المثال علي الحصر:
أ- أسامة عبد الرحمن النور: دراسات في تاريخ السودان القديم، مركز عبد الكريم ميرغني 2006م.
ب – محمد سعيد القدال:
- السياسة الاقتصادية للدولة المهدية، دار جامعة الخرطوم 1986م.
- تاريخ السودان الحديث، 1993م.
ج- محمد ابراهيم نقد:
- علاقات الرق في المجتمع السوداني، دار الثقافة الجديدة 1995م
- علاقات الأرض في السودان، دار الثقافة الجديدة 1993م.
د- تاج السر عثمان:
- تاريخ النوبة الاقتصادي- الاجتماعي، دار عزة 2003م
- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
- تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف الاكاديمية 2005م.
- التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي، مركز محمد عمر بشير 2006م.
- الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الدار العالمية 2007م
2- المناطق المهمشة:
أ- جعفر كرار أحمد: الحزب الشيوعي السوداني والمسألة الجنوبية، دار جامعة الخرطوم 2005م.
ب- عطا البطحاني: جبال النوبا: الاثنية السياسية والحركة الفلاحية(1924- 1969م)، مركز الدراسات السودانية 2000م.
ج- محمد سليمان محمد:السودان: حروب الموارد والهوّية، لندن 2000م.
د- تاج السر عثمان: الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف الأكاديمية 2005م.
3- المرأة السودانية:
أ- فاطمة باباكر : الاتجاهات الفكرية في الحركة النسائية، دار عزة 2008م.
: المرأة الافريقية بين الارث والحداثة، داركمبردج 2002م.
ب- تاج السر عثمان: تطور المرأة السودانية وخصويتها، دارعزة 2006م.
4- فاطمة بابكر محمود: الرأسمالية السودانية: أطليعة للتنمية؟( ترجمة سعاد العطا)، داركمبردج 2006م.
5- تاج السر عثمان: خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية(1900- 1956م)، الشركة العالمية للطباعة والنشر 2006م.




































22
هل تبشر الماركسية بالجبرية الاقتصادية؟
كثيرون من اعداء الماركسية يصوبون سهام نقدهم لها بأنها تبشر بالجبرية الاقتصادية أو الحتمية الاقتصادية، التي تلغي دور الارادة الانسانية في التغيير وتهمل العوامل الاجتماعية في التغيير مثل: القومية، الدينية، النفسية،تقاليد البلد المعين وتاريخه، فهل هذا الزعم صحيح؟ للاجابة علي هذا السؤال مهم توضيح اهم اكتشاف للماركسية، الا وهو المفهوم المادي للتاريخ، فما هو المفهوم المادي للتاريخ؟
المفهوم المادي للتاريخ:
كان اكتشاف ماركس وانجلز للمفهوم المادي للتاريخ نقطة تحول حرجة في منهج دراسة التاريخ، وفي تفسير التحولات الاجتماعية. كان علماء الاجتماع قبل ماركس يأخذون مفهوم الطبيعة الانسانية نقطة انطلاقهم في تفسير التحولات الاجتماعية . وعلي حد تعبير انجلز علي قبر ماركس ( لقد كانت الفكرة السابقة عن التاريخ تقوم علي أن الاسباب النهائية لكل التغيرات الاجتماعية ينبغي أن نبحث عنها في الافكار المتغيرة للكائنات الانسانية، لكن احدا لم يسأل من اين جاءت هذه الافكار الي اذهان الناس؟).
المفهوم المادي للتاريخ ماهو الا محاولة لتطبيق المنهج العلمي علي دراسة المجتمع ، وصفه انجلز في خطابه علي قبر ماركس (تماما كما اكتشف دارون قانون تطور الطبيعة العضوية ، فقد اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ الانساني).
ينطلق المفهوم المادي للتاريخ من التقدير ، بأن : (الانتاج وعلي اثره تبادل منتجاته يشكل أساس اى نظام اجتماعي، وان توزيع المنتجات وانقسام المجتمع الي طبقات أو فئات اجتماعية يحدده في كل مجتمع متواجد في التاريخ ما ينتج وكيف ينتج؟ وكيف يجرى تبادل هذه المنتجات؟ وهكذا فالاسباب النهائية لكل التحولات الاجتماعية والانقلابات السياسية ، يجب البحث عنها ليس في اذهان الناس وليس في فهمهم المتزايد للحقيقة الخالدة والعدالة، بل في تغيرات اسلوب الانتاج والتبادل ، ويجب البحث عن ذلك ليس في الفلسفة، بل في اقتصاد العصر المعني)(انجلز: انتي دوهرينغ، دار التقدم، موسكو 1984، ص312).
هل العامل الاقتصادي هو الوحيد في التغيير الاجتماعي؟
كثيرا ما يثير اعداء الماركسية، انها تقوم علي الجبرية الاقتصادية، او تنظر للعامل الاقتصادي باعتباره العامل الوحيد في التغيير وتهمل العوامل الاجتماعية الاخري التي تتكون من:دينية، وسياسية، وقومية، ..الخ.فهل هذا الزعم صحيح؟.
وفي هذا الجانب نلاحظ أن انجلز استدرك في توضيحات لاحقة وأشار الي المفاهيم المبتذلة للمفهوم المادي للتاريخ: تلك التي ترجع كل تطورات المجتمع الي العامل الاقتصادي كعامل وحيد أو التي تعتبر الافكار والمؤسسات نتاجا آليا لتركيب اقتصادي وطبقي ، وليس نتاج نشاط الناس الواعي وصراعهم.
وفي رسالة انجلز لشميدت في: 5/8/1890م يقول( ان مفهومنا عن التاريخ هو في المقام الاول مرشد للدراسة وليس رافع للبناء، فكل التاريخ ينبغي أن يدرس من جديد، وظروف وجود مختلف تكوينات المجتمع ينبغي ان تبحث بالتفصيل قبل أن نحاول أن نستخلص منها الافكار السياسية وافكار القانون المدني والافكار الجمالية والفلسفية الدينية..الخ التي تتوافق معها).
واكد انجلز مرارا ضرورة الدراسة المحددة في كل حالة للطريقة التي تنشأ بها الافكار ومؤسسات بعينها وتتشكل علي أساس تطور اقتصادي معين، والتأثير الذي تمارسه بدورها علي المزيد من تطور المجتمع، وحذر انجلز صراحة من سوء الفهم الناشئ عن الطريقة التي عرض بها هو وماركس النظرية احيانا.
وفي رسالة الي ج. بلوخ في : 21/9/1897م، يقول انجلز( انني وماركس نتحمل جزءا من اللوم علي حقيقة أن الشبان احيانا مايركزون علي الجانب الاقتصادي اكثر مما يستحق فقد كان علينا أن نؤكد هذا الجانب الرئيسي في معارضة خصومنا الذين كانوا ينكرونه، ولم يتح لنا دائما الوقت أو المكان أو الفرصة لكي نولي العناصر الاخري المشتركة في التفاعل ما تستحق).
ويستطرد انجلز في الرسالة نفسها ويقول: (وفقا للمفهوم المادي للتاريخ، فان العنصر النهائي المحدد للتاريخ هو انتاج الحياة الواقعية وتجدد انتاجها ، ولم يؤكد ماركس ولا أنا اكثر من ذلك ابدا، ومن هنا فاذا استخدم احد هذا القول ليعني به أن العنصر الاقتصادي هو العنصر المحدد الوحيد ، فانه يحول هذه القضية الي عبارة حمقاء مجرد فارغة لامعني لها).
ويلقي انجلز المزيد من الاضواء حول هذه النقطة في رسالة الي ستارليون في: 25/1/1894م قائلا( ان التطورات السياسية والقانونية والفلسفية والدينية والادبية والفنية..الخ تقوم علي اساس التطور الاقتصادي ، لكن هذه جميعا تؤثر علي الاقتصادي ، فليست المسألة هي أن الظرف الاقتصادي هو السبب ، وأنه هو النشط وحده، في حين ليس لأى شئ آخر سوى تأثير سلبي، بل أن هناك بالاحرى تفاعلا علي اساس الضرورة الاقتصادية التي تؤكد ذاتها دائما في النهاية).
فبالاضافة للظروف الاقتصادية أشار انجلز الي عوامل اخري في حياة البلاد تشمل( طبيعة الشعب وتقاليده وشخصيات قادته ، وفي المقام الاول تاريخه الماضي).
ويلاحظ القارئ مما ورد ذكره، ان القول بان المفهوم المادي للتاريخ يستند علي الحتمية أو الجبرية الاقتصادية ليس صحيحا، وهو حجة كثيرا ما يثيرها اعداء الماركسية في الهجوم علي الماركسية.
كما تشير رسالة انجلز الي أن الماركسية كانت في حالة تجدد وتجاوز لتصوراتها السابقة، وكانت في حالة نقد دائم وتجاوز لاستناجاتها السابقة وفق معطيات العلم الذي لايعرف الكلمة النهائية مما يتطلب تعديل النتائج والتصورات والمفاهيم حسب مستجدات الحياة.
فماركس وانجلز بعد خمس وعشرين سنة من صدور البيان الشيوعي(صدر عام 1848م) كتبا في مقدمة له بتاريخ:24/6/1872م :أشارا الي تبدل الظروف ، رغم أن البيان مازال محتفظا حتي اليوم بصحة ودقة مبادئه العامة، الا أن البيان شاخ في بعض نقاطه، وان هناك فصول يجب ادخال التعديل عليها، اضافة الي ان البيان نفسه يوضح ان تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين. وان هناك حاجة لتحليل المتغيرات الجديدة في الرأسمالية، واخذها في الاعتبار.
وهذا كان ديدن المنهج الماركسي أو منهج الديالكتيك المادي الذي ينظر للظواهر في شمولها وتطورها وحركتها والذي يتعارض مع النظرة الآحادية، ومن نافل القول ، أن نشير الي أن القول بالعامل الاقتصادي كعامل وحيد محرك للتاريخ يتعارض مع المنهج الديالكتيكي الذي ماهو الا المنهج العلمي في اوسع معانيه.














23
جائحة كرونا ونقد ماركس للرأسمالية
أشار ماركس إلي أن الرأسمالية في سعيها المحموم لتحقيق أقصي الأرباح، تدمر الييئة ، وجاءت التطورات الراهنة لتؤكد أن التراكم الرأسمالي والتوسع اللامحدود للسوق يتعارض مع متطلبات حماية البيئة والانسان، وأن قانون القيمة يجعل من الصعب توقف الرأسمالية عن نهب الموارد الطبيعية واستغلال قوة العمل ، فالرأسمالية تعتمد علي الاستحواذ علي الموارد الطبيعية ( الماء، الخشب، الأرض ، المعادن. الخ)،وأن قضية البيئة لا تنفصل عن القضية الاجتماعية، فالرأسمالية لا تمتص رحيق الحياة من البشر، بل تمتصها من الطبيعة والكوكب الذي يحتضننا جميعا بلا رقيب أو حسيب. في الرأسمالية لا يمكن الفصل بين بين التناقض بين الرأسمال والعمل ،وبين الرأسمال والطبيعة. يقول ماركس " إن التطور الحضاري والصناعي في عمومه كان دائما عنصرا فاعلا في تدمير الغابات لدرجة أن كل ما يتم الحفاظ عليها ، وإعادة إنتاجها بالمرة بالمقارنة".
كما يقول ماركس في مؤلفه ، رأس المال ، المجلد الأول :" كل التقدم المحرز في الزراعة الرأسمالية هو تقدم في نهب العامل وتدمير التربة ، وكل التقدم المحرز في زيادة خصوبة التربة لفترة معينة ، هو تقدم نحو تدمير المصادر الداعمة لتلك الخصوبة". كما أشار ماركس الي أنه " لا يمكن تلبية الاحتياجات الأساسية المادية والروحية للانسان بدون علاقة جيدة مع البيئة".
جاءت تطورات الأحداث بعد أزمة كورونا ، كوفيد- 19 المستجد، لتؤكد عمق أزمة الرأسمالية وخطورة المستوى المتقدم الذي وصلته في تدميرها للبيئة الذي كان له أثره في الدمار الاقتصادي أكثر من أزمات الرأسمالية السابقة، فقد ظهرت أزمة " كورونا" ، وقبلها ظهرت الأوبئة التالية:
- فيروس نقص المناعة " ايدز" الذي ظهر في ثمانينيات القرن الماضي.
- متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في 2003.
- انفلونزا الخنازير في 2009.
- متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في 2011 .
- فيروس " ايبولا" في الفترة من 2014 الي 2016 .
وهي اوبئة جاءت نتاجا لتدمير البيئة والطبيعة والغابات ، ومن صنع الراسمالية وسعيها المحموم للربح وتدميرها للبيئة ، حيث تولدت بسبب رداءة معايير الصحة ، وتدمير النظم الطبيعية ، والترابط النامي في عالم تسوده العولمة. لا شك أنه في ظل استمرار الجشع الرأسمالي وتدمير البيئة سوف تتكرر تلك الأوبئة ، وتكون تكلفتها الاقتصادية والصحية ومخاطرها أشد بكثير من الراهنة.
* تفاقمت الأزمة الاقتصادية باكثر مما حدث في أزمة 2007 – 2009 ، التي لم تتم معالجة آثارها جذريا حسب منهج الرأسمالية في المسكنات أو تهدئة الأزمة التي سرعان ما تنفجر من جديد، مما أدي لتفاقم الأزمة بشكل حاد ، وجارى الانتقال من الركود الأعظم الي الكساد الحاد بسبب الآتي:
- تراكم الديون والعجز عن سدادها، والتصدى لأزمة "كرونا "، والعجزالمتوقع أن يصل الي 10 % من الناتج المحلي الاجمالي، وارتفاع مستويات الدين العام في دول كثيرة، وفقدان شركات وأسر لدخلها ، وارتفاع دين القطاع الخاص الي حد لا يطاق، وتزايد حالات الافلاس والعجز عن سداد الديون.
- تصاعد نضال الطبقة العاملة والكادحين والفئات المتوسطة من أجل تدخل الدولة التي عجزت عن مواجهة الوباء، لتحسين الخدمات الصحية، بعد تهاوى سياسة الليبرالية الجديدة التي اعتمدت الخصخصة وتشريد العاملين ورفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة وتقليص الضمان الاجتماعي وحماية الشيخوخة والأمومة والطفولة، باعتبار أن الرعاية الصحية الشاملة كما أكدت جائحة " كرونا" من الضروريات لا الكماليات. اضافة لتصاعد النضال ضد البطالة جراء فقدان الملايين لوظائفهم، وانخفاض الأجور، و اشتداد حدة الصراع الطبقي والاجتماعي واضرابات العاملين بسبب تدهور الاوضاع المعيشية والاقتصادية ونقص الخدمات الصحية، وتفشي البطالة ، وعدم المساواة والأمن الاقتصادي، وتأثر الطبقة العاملة ( ذوو الياقات الزرقاء) بالأزمة.
- تنامي خطر الانكماش الذي يؤدى لركود ويخلق كسادا هائلا في البضائع ، واغلاق المصانع أو تقليل العمالة ،أي ركود في سوق العمل ( البطالة).
- انخفاض أسعار النفط والمعادن الصناعية ، واثره علي الدول المنتجة لها.
- استمرار انخفاض قيمة العملة ، وتراجع العولمة والنزوع للحماية.
- تزايد الاستقطاب الطبقي جراء التفاوت في الدخل والثروة ، وارتفاع نهب البلدان الرأسمالية للموارد الطبيعية في البلدان المتخلفة لتعويض الخسائر والمزيد من افقارها وتفكيكها، وخلق الحروب الأهلية والأزمات والفوضى داخلها بهدف نهبها، وتقليل المساعدات لها، والتدخل في شؤونها الداخلية، كما حدث في فصل جنوب السودان.
- تزابد شدة الاستغلال للعاملين عن طريق امتصاص فائض القيمة النسبي منهم، باحلال التكنولوحيا والآلة محل الانسان ، مع الضغط لانخفاض الأجور، وتزايد البطالة جراء تشريد العاملين والمزيد من افقارهم.
- التغبيش والتضليل الايديولوجي للكادحين حول الأزمة وتصويرها ليست ناتجة عن الرأسمالية التي تعمق التفاوت الطبقي والعنصري والجنسي والقومي وبين البلدان الرأسمالية المتطورة والنامية، لكنها ناتجة من الأجانب، وتأجيج النزعات العنصرية والقومية، وكراهية الأجانب، ونمو النزعات الشعبوية الفاشية.
- اشتداد التناقض بين نمط الإنتاج الرأسمالي الذي كان منذ نشأته يتجاوز الحدود القومية بحثا عن الأسواق منذ اكتشاف السكة الحديد والسفن البخارية والكهرباء والطائرات في الثورة الصناعية الأولي والثورة الصناعية الثانية التي ارتبطت بثورة المعلومات والكمبيوتر، وتزايد وتائر العولمة كما هو الحال الذي نعبشه. التي أدت الي ترابط العالم ، والاتجاه للتعامل مع جائحة "كرونا" بالعزلة وتشديد الحماية ، والمحاولة اليائسة لتفكيك العولمة، باشتداد القيود والأحكام علي حركة البضائع والسلع والخدمات والأموال والعمالة والبيانات والمعلومات، كما يحدث الآن في قطاعات الدواء والمعدات الطبية والغذاء ، وفرض القيود علي التصدير.
- هروب الدول الرأسمالية وعلي رأسها أمريكا للأمام والعودة للحرب الباردة بتحميل الصين مسؤولية جائحة "كرونا" ، ورفض الصين لذلك باعتباره تآمر من أمريكا لمنع تقدمها ، ليس ضد الصين فحسب ، بل ضد روسيا وايران وكوريا الشمالية، وتصعيد الحرب الجرثومية والالكترونية السرية ، وتصعيد النزعات العسكرية، والاستمرار في صرف ترليونات الدولارات للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، بدلا من توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين في الصحة والتعليم ومستوى المعيشة الرافي والأمن والاستقرار، وحماية الشيخوخة والطفولة والأمومة، وبناء علاقة عقلانية مع البيئة، ووقف الحرب الجرثومية والانحباس الحراري ، وتدمير الغابات،وقيام نظام أكثر تعاونا واستقرارا خاليا من التوترات والحروب ، والاستعداد للتصدى للكوارث والأوبئة التي سوف تتكرر، مما يؤكد ضروة تجاوز الراسمالية الي الاشتراكية.











24
المتغيرات البنيوية في النظام الرأسمالي
احدثت ثورة العلم والتكنولوجيا متغيرات عميقة في تركيب المجتمعات الرأسمالية، فماهو جوهر هذه الثورة؟
ارتبط العلم بالانتاج مباشرة، ادي ذلك الي زيادة انتاجية العمل الي حدود غير مسبوقة وانتجت للانسان قدرة هائلة في السيطرة علي مصادر الطاقة، بل واتسعت هذه السيطرة ليصبح الانسان قادرا علي السيطرة علي ظواهر كثيرة، وبالعقول الالكترونية، اصبح في الوسع اثبات أو نفي كثير من النظريات في فترة زمنية وجيزة. كما استندت هذه الثورة علي الاوتوماتية التي تعني ادماج المراحل الانتاجية المختلفة للسلعة في سلسلة متصلة تقوم بها الالات المتعددة دون تدخل من الانسان في اى من هذه المراحل. كما استندت هذه الثورة علي ( المعلوماتية) أو الاتصالات اللاسلكية بالراديو والتلفزيون والكمبيوتر(الانترنت)..الخ، والتي تم فيها الربط بين الالكترونيات الدقيقة وصناعة المعلومات، ليس فقط في مجال تخزين المعلومات ومصاعبها واسترجاعها ونقلها، بل في صنع أجهزة متنوعة تقوم بوظائف الادارة والمراقبة وتحليل المعلومات واصدار القرارات، ولم يعد وجود الانسان ضروريا في كل مراحل عملية الانتاج. كما تمكنت من خلال سيطرتها علي كل المعلومات المتعلقة بتصميم المنتج وصنعه وتسويقه من تقصير دورة الانتاج وتخفيض التكاليف.هذا اضافة للهندسة الوراثية والتي قامت علي أساس احداث تغييرات صناعية في النشاط البيولوجي للخلايا بهدف الحصول علي منتجات جديدة أو عمليات جديدة تضاعف انتاجية النبات والحيوان. هذا اضافة الي ثورة تكنولوجيا المواد والتي تعتمد علي الكيمياء لاستحداث مواد جديدة بهدف زيادة جودة المنتج. وهذه التحولات كما هو معلوم كانت بهدف وضع النتائج التي يصل اليها العلم مباشرة في عمليات انتاج صناعية عن طريق الوحدة العضوية بين العلم والتكنولوجيا وبسرعة بالغة، حتي اصبح الاكتشاف العلمي يعرف من خلال التطبيق الانتاجي، اذ لم يعد هناك فارق زمني كبير يمر بين الاكتشاف والتطبيق.
فماهي أهم المتغيرات التي احدثتها هذه الثورة في بنية المجتمعات الرأسمالية؟.
احدثت ثورة العلم والتكنولوجيا تحولات بنيوية في تركيب المجتمعات الرأسمالية المتطورة، علي سبيل المثال: احدثت تغيرا كيفيا شاملا علي العمل البشري. فكما قامت الثورة الصناعية الأولي باستبدال الجهد العضلي للانسان والحيوان بالالات، قامت الثورة العلمية التقنية باحلال اجهزة تحل محل العمل العضلي تلقائيا وذاتيا واوتوميا، وتقوم بوظائف العقل البشري. واذا كان نظام الرق كما هو معلوم يتطلب قوة عضلية كاملة، وكان نظام الاقطاع يحتاج الي مجهود عقلي يكفي للانتاج البسيط، والثورة الصناعية تطلبت عقلا كاملا، نلاحظ ان الثورة العلمية التقنية، لايمكن ان يوجد فيها العامل المناسب الا باستيعاب قدر هائل من العلم يكتسب بالتعليم والثقافة والتدريب، عموما الثورة العلمية التقنية تتطلب ارتفاعا كبيرا في رأس المال الثابت، اى زيادة في التركيب العضوي لرأس المال كما كان يقول ماركس.
من خلال الثورة العلمية التقنية، كما يقول د. فؤاد مرسي: استطاعت التشكيلة الرأسمالية ان تجدد نفسها وتجد متنفسا لتنشيط استثماراتها، واوجدت لنفسها فرصا جديدة للنمو، باتساع الحيز الذي اصبح متاحا لها استخدامه تكنولوجيا، كما استطاعت الرأسمالية ان ترفع المستوي العام للانتاج وتحدث تطورا هائلا في القوي المنتجة(أي وسائل الانتاج والعمل البشري).
منذ اندفاع الثورة العلمية التقنية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نلحظ في كل المجتمعات الرأسمالية المتطورة، منذ أواسط الخمسينيات انخفاضا منتظما في عدد الشغيلة اليدويين ، وصعودا لذوي الياقات البيضاء والذهبية (قوي العمل الماهرة جدا التي تشمل العلماء والمهندسين ومبرمجي الكمبيوتر والاداريين والاقتصاديين..الخ، وهم ايضا عاملين باجر ويتعرضون للاستغلال الرأسمالي، وتستحوذ الطبقات الرأسمالية علي فائض القيمة منهم، رغم دخولهم الكبيرة).وبالتالي اتسع مفهوم الطبقة العاملة الذي اصبح يضم العاملين بأجر يدويا وذهنيا، اى قوي الكدح العضلي والذهني.
ومنذ ذلك الوقت جرت مناقشات واسعة وسط الماركسيين وغيرهم تناولت المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة، وعلي سبيل المثال: عالجت الأحزاب الشيوعية في غرب اوربا المتغيرات بعد الحرب العالمية الثانية، وعمقت ووسعت مفهوم الدور القيادي للطبقة العاملة، فالحزب الشيوعي البريطاني مثلا: منذ عام 1951م تخلي عن شعار (ديكتاتورية البروليتاريا)، وطرح شعار الاطار الديمقراطي للاشتراكية والوصول اليها عبر البرلمان والتعددية الحزبية.
كما طرح الحزب الشيوعي الاسباني شعار: وحدة قوي الثقافة والعمل في اتجاه الاعتراف بدور العاملين المهنيين والعلميين والمثقفين علي وجه العموم.
كما أشار غرامشي سكرتير الحزب الشيوعي الايطالي السابق الي ضرورة الموقف النقدي كما ورد في مؤلفه(دفاتر السجن) والتي تعتبر عملا فلسفيا عظيما، يؤكد فيه علي أنه من المستحيل صياغة نظرية فعّالة دون ممارسة نقد ذاتي. أشار الحزب الشيوعي الايطالي الي تحول المجتمع الرأسمالي المعاصر وتخلي البلدان الرأسمالية الصناعية عن الركض وراء فائض القيمة المطلق، وفي الوقت نفسه عن التمييز الجائر والحقوقي بحق الطبقة العاملة، واصبح الاتجاه الرئيسي للتطور هو الركض وراء فائض القيمة النسبي ورفع انتاجية العمل ، وبالتالي الاستخدام الأمثل للتقنية الجديدة وتوسيع مجال الخدمات، كما ترسخ الحق الانتخابي، وعوضا عن وضع (ديكتاتورية البروليتاريا) في مواجهة الديمقراطية البورجوازية الضيقة، ظهرت بهذا الشكل مهمة تطوير الطاقة الكاملة للديمقراطية، ويمكن أن تكون هذه الطاقة ثورية حقا، اذا ماحكم المجتمع علي أساس اجماع الأغلبية، واعتمد بالتالي علي قدرتنا بالظفر علي أساس (الهيمنة)، لقد تحدث غرامشي عن مثل هذا الاجماع وتلك (الهيمنة).
كما تحدث الحزب الشيوعي السوداني ومنذ دورة اللجنة المركزية في اغسطس 1977م عن الوصول للنظام الوطني الديمقراطي بطريق ديمقراطي جماهيري تعددي.
كما اهتمم المفكرون والسياسيون من بلدان العالم الثالث بالتغيرات البنيوية التي تمت في المجتمعات الرأسمالية المتطورة بسبب الثورة العلمية التقنية، وبسبب ادخال تكنولوجيات جديدة، ولاحظوا شدة استغلال بلدان العالم الثالث في ظروف ثورة العلم والتكنولوجيا، واثرها علي اعادة انتاج التخلف الاقتصادي والاجتماعي في تلك البلدان، والتي ترسف تحت اغلال ديون ثقيلة(علي سبيل المثال بلغت ديون السودان 31 مليار دولار في حين أن اصل الدين 12 مليار دولار، أي كل دولار يربح اكثر من 2 دولار!!).
ومن الجانب الاخر تعمق التناقض الرئيسي في المجتمعات الرأسمالية وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الخاص لوسائل الانتاج، اضافة لدخول الرأسمالية في مرحلة الشيخوخة التي تتجلي في تدمير البيئة، والبطالة وتشريد الملايين من العاملين، وخلق بؤر من الصراعات الاقليمية لترويج تجارة الأسلحة، اضافة للشراسة التي اصبحت تتميز بها امريكا كما يتجلي في التدخل المباشر واحتلال بعض البلدان كما حدث في العراق تحت مظلة فرية اسلحة الدمار الشامل، وصرف اكثر من ترليون دولار علي حرب العراق في الخمسة اعوام الماضية.
كما تتلخص الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي في الاتي:
أ- التباطوء الشديد في معدل وتائر ونمو الانتاج الصناعي.
ب- ضعف الفروع التقليدية في الصناعة الثقيلة وانحطاطها الأمر الذي يعوض عنه بصورة جزئية فقط عن طريق توسيع مجمع الكمبيوترات الالكتروني.
ج- عدم التوازن في التجارة والمدفوعات الدولية.
د- الحمي المالية والافراط في المضاربة والتي كان نتائجها الأزمة المالية الراهنة، علي سبيل المثال قبل الازمة المالية الحالية كانت روؤس الاموال العائمة في المضاربات تقدر باكثر من ثلاثة ترليون دولار.
ه- الاشكال الجديدة لنهب البلدان النامية وأزمة الدين العالمي المزمنة.
و_ نزعة انخفاض الأجور الحقيقية ومستوي حياة الطبقة العاملة الي جانب اغتناء القلة الرأسمالية بشكل فاحش لامثيل له في السابق .
ز- الأزمات المالية الحادة (مثل الأزمة المالية الراهنة) والاقتصادية العميقة في عدد من البلدان.
ح- عسكرة الاقتصاد التي تميز قبل كل شئ الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الي نمو قدرة المجمع الصناعي العسكري المالي.
ولاشك أن التراكم الكمي للتغيرات البنيوية في المجتمعات الرأسمالية المتطور سوف تؤدي الي تحولات نوعية تؤدي الي نفي الرأسمالية نفسها ، اي ان الاشتراكية التي تتخلق الان في احشاء النظام الرأسمالي سوف يقوم بنفيه، بعد ان وصل مرحلة الانحطاط التي تشكل خطورة علي الحضارة البشرية، وهذا الانحطاط نابع من صراع الوحوش بين اقطاب الدول الرأسمالية من اجل السيطرة العسكرية والاقتصادية علي العالم.


































25
الأزمة المالية: نقطة تحول حرجة في عصر امبريالية العولمة
في تناولنا للأزمة المالية الراهنة، ننطلق من المنهج الماركسي في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية، ومن خلال هذا النقد نستبين الطريق الذي يجب ان نسلكه، وبحكم ان النظام الرأسمالي هو مصدر الشرور ويعيد انتاج الأزمات باستمرار، ومن خلال هذا النقد من المهم استعادة الثقة في البديل الاشتراكي من خلال التقويم الناقد للتجارب الاشتراكية الماضية حتي نستند علي ايجابياتها ومنجزاتها وننبذ ماهو سلبي وعفي عليه الزمن في تلك التجارب.
أولا: نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية:
كما هو معروف، فان ماركس هو الذي ابتدر النقد المنهجي والعلمي للاقتصاد السياسي الرأسمالي، كتب ماركس في مقدمة الطبعة الأولي لمؤلفه(رأس المال): (انني انظر الي تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية كعملية تاريخية طبيعية وهدف مؤلفي النهائي هو اكتشاف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع المعاصر).
يواصل ماركس ويقول(المجتمع المعاصر ليس بلورة صلبة، بل كيان عضوي قادر علي التحول وهو يتحول بصورة دائمة). وهذا مااكدته الأحداث في مابعد في التحولات المختلفة التي مرت بها التشكيلة الرأسمالية.
كان صدور المجلد الأول من كتاب (رأس المال) المؤلف من اربعة مجلدات حدثا مدويا في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية، في ذلك المؤلف درس ماركس الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في انجلترا التي كانت اكثر البلدان الرأسمالية تطورا في عصره، كما استند علي الاستنتاجات العلمية التي خرج بها الكلاسيكيون في الاقتصاد السياسي البورجوازي مثل: آدم سميث، ريكاردو، وليم بيتي وغيرهم واعاد النظر فيها بشكل انتقادي، ولذا جاء عمله الرئيسي يحمل عنوانا فرعيا هو (نقد الاقتصاد السياسي)، وكانت فكرة ماركس الأساسية هي انه لايمكن التوصل الي استنتاجات علمية الا عن طريق تحليل الواقع الاجتماعي والممارسة العملية، وكانت ثمرة دراسة ماركس العينية للمجتمع الرأسمالي في انجلترا هو اكتشاف نظرية فائض القيمة التي شكلت حجر الزاوية لنظرية ماركس الاقتصادية.
وبحكم تصور ماركس للمجتمع الرأسمالي باعتباره كائن عضوي يتحول باستمرار، فقد حدث تحول في المجتمع الرأسمالي من مرحلة المنافسة الحرة الي مرحلة الامبريالية، والتي درسها بعض الاقتصاديين مثل: هوبسن في مؤلفه (الامبريالية 1902م) ، والاقتصادي هليفردنك في مؤلفه(رأس المال المالي). استند لينين الي تلك الابحاث وغيرها في نظرية الامبريالية، وأشار الي سمات الامبريالية الخمس في مؤلفه(الامبريالية أعلي مراحل الرأسمالية 1916م) وهي:
- دخول الرأسمالية مرحلة الامبريالية التي اصبحت صورة المجتمع منذ ذلك الحين لاتحددها المنافسة الحرة، كما كان الحال في عهد ماقبل الاحتكارات.
- أشار لينين الي أنه رغم المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية الهامة في ظل الرأسمالية، فان هذه المتغيرات لم تؤد الي نشؤ مجتمع جديد، اذ أنها تمت في داخل الرأسمالية وسيطرة الاحتكارات والكارتلات والسنديكات والكونشرتات والتروتستات، وهي عبارة عن أشكال جديدة لتجلي علاقات الانتاج الرأسمالية، ومازالت تعمل كالسابق قوانين حركة اسلوب الانتاج الرأسمالي الأساسية: قانون فائض القيمة.
- ان اتساع سلطة الاحتكارات في الاقتصاد والسياسة استتبع تغيرات هامة في الاشكال الملموسة لفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية في الرأسمالية والاحتكارات الامبريالية خلافا لمؤسسات ماقبل المرحلة الاحتكارية لاتحقق الربح المتوسط، بل تستأثر بفعل وضعها المهيمن بالربح الاحتكاري، وهذا يعتبر من حيث الجوهر فائض قيمة شان الربح المتوسط، ولكن الشكل الذي يتجلي فيه يختلف.
- تستأثر الاحتكارات بالربح نتيجة استغلال العاملين في مؤسساتها، ولكن ايضا هناك جزء من القيمة تعتصره عن طريق الأسعار الاحتكارية من العمال غير العاملين في هذه المؤسسات ومن سائر الفئات والطبقات خاصة المستعمرات.
- انتهي التقسيم الاقتصادي للعالم بين الدول الرأسمالية، ضمن الصراع حول المستعمرات والمناطق الاقتصادية.
وبعد ذلك حدثت متغيرات في التشكيلة الرأسمالية، بفعل الثورة العلمية التقنية حتي دخلت مرحلة العولمة الحالية، وحتي دخولها في الأزمة المالية الراهنة والتي نعتبر من اكبر الأزمات في عصر امبريالية العولمة.
معلوم ان الازمات الدورية كامنة في النظام الرأسمالي منذ نشأته، وقد مر هذا النظام بأزمات كثيرة سابقة مثل:أزمة عام 1825م، 1857م واللتين حدثتا في مرحلة المنافسة الحرة من الرأسمالية، وازمة عامي 1907م، و 1929م، والتي تعتبر من اكبر الأزمات التي مرت بها الرأسمالية، فأزمة 1907م، كانت اول ازمة كبيرة بعد تحول الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة الي مرحلة الاحتكارات والتي ازداد فيها التنافس بين الدول الرأسمالية الكبري من اجل السيطرة علي موارد المستعمرات والبحث عن اسواق جديدة، وكان من نتائج هذه الأزمة وغيرها الحرب العالمية الأولي التي نشبت عام 1914م ووضعت اوزارها عام 1918م، وكان من نتائج هذه الحرب تغييرات سياسية كبيرة في العالم، مثل اندلاع الثورة الروسية عام 1917م ونهوض ثورات حركات التحرر الوطني في بلدان المستعمرات وخلق وعي تحرري عارم وسط الشعوب، امتد اثره الي السودان حيث اندلعت ثورة 1924.
أما ازمة 1929م فقد كان من نتائجها صعود النظم الفاشية والنازية في ايطاليا والمانيا ونشوب الحرب العالمية الثانية والتي وضعت اوزارها عام 1945م، ونتجت عنها تحولات كبيرة مثل ظهور المعسكر الاشتراكي في بلدان شرق اوربا، ونهوض حركات التحرر الوطني في بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية حيث نالت اغلب المستعمرات استقلالها بعد كفاح مسلح وسلمي حسب ظروف كل بلد، كما ظهرت حركة عدم الانحياز بعد ظهور الحرب الباردة.
كما تعتبر ازمة 1973- 1974م ايضا من اكبر الأزمات بعد السياسة الاقتصادية الكينزية والتي كان يعتقد ان الرأسمالية بعدها سوف تودع أزماتها ، وبعد هذه الأزمة تم تطبيق مايعرف بالتاتشرية والريغانية والتي تم فيها الاندفاع في اقتصاد السوق والخصخصة ورفع الدولة يدها عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
اذن أزمات الرأسمالية الدورية ظلت مستمرة رغم الاصلاحات والتعديلات التي تمت في النظام الرأسمالي، وسوف تستمر الأزمات باعتبارها من الافرازات الطبيعية للنظام الرأسمالي.
هذا ومن المتوقع ان تحدث الأزمة الراهنة تغييرات كبيرة في الاوضاع الاقتصادية والسياسية في العالم، وهذه التحولات سوف تنتج من حدة الاستقطاب الطبقي، والتنافس بين اقطاب الدول الرأسمالية، وباعتبار أن هذه الأزمة تمثل نقطة تحول حرجة في عصر امبريالية العولمة.
والواقع أن الازمة الحالية كانت نتاج لتراكم كمي من الأزمات الصغيرة كان يلاحظها الاقتصاديون في الاقتصاد الامريكي باعتباره من اكبر الاقتصادات في العالم، فقبل الأزمة كانت حوالي 700 شركة قد اعلنت افلاسها ، كما كان الاقتصاديون يلاحظون ان ازمة الديون العائلية قد ارتفعت من 680 مليار دولار عام 1974م الي 14 تريليون دولار. وفي عام 1990م كانت الديون الوطنية في امريكا تصل 3 ترليون دولار، حاليا وصلت الي 10,2 تريليون دولار. كما اتسع حجم القطاع المالي حيث كانت 30% من ارباح الشركات المدرجة علي مؤشر ستاندرد آندبورز 500 العام الماضي حققتها مؤسسات مالية. كما كان الاقتصاديون يلاحظون ان جملة المال في اسواق التداول العالمية تصل الي ثلاثة تريليون دولار، اي اكثر بكثير من حصيلة التجارة العالمية في عام بكامله، واكثر بكثير من مخزون المصارف العام بأسره، وان ذلك مضاربة خارج المراقبة سوف تؤدي الي عواقب وخيمة، وبالفعل وقعت المصيبة بانفجار الأزمة المالية الراهنة.
كما تضخم الاستهلاك في امريكا: علي سبيل المثال: المستهلكون الامريكيين ينفقون 800 مليار دولار اكثر مما ينتجون كل عام.كما امتدت آثار الأزمة لبقية البلدان بحكم ترابط وتشابك الاقتصاد في عصر العولمة.
كما دخلت الرأسمالية مرحلة جديدة في تطورها هي: امبريالية العولمة التي ليس هدفها فقط الاستيلاء علي اراضي واقامة مستعمرات، بل السيطرة علي اقتصاد العالم ككل في كل مكان وطيلة الوقت، وعلي سبيل المثال اصبحت الولايات المتحدة قوة كونية مسطرة علي العالم(روما الحديثة) علي حد تعبير الاقتصادي بول سويزي، وهي تخوض صراعا للحفاظ علي مكانتها وحتي توسيعها، كالقوة الأولي عسكريا واقتصاديا وسياسيا في العالم، وتنفق ثلث مجموع ماينفق العالم علي التسليح، وهي اهم بائع سلاح في العالم.
كما تحمل امبريالية العولمة في جوفها كل سمات وتناقضات الرأسمالية وأزمتها وبشكل أوسع واعمق مما كانت عليه في السابق مثال: يزداد تركز الثروة وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعا لامثيل له، وتشير الاحصاءات الي أن 358 ملياردير في العالم يملكون ثروة تضاهي مايملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة، وأن هناك 20% من دول العالم تستحوذ علي 85% من الناتج العالمي الاجمالي وعلي 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية(انظر مؤلف: فخ العولمة، للكاتبين هانس بيترمارين، هارالد شومان، الكويت 1998م، ص 11). كما تشير الاحصائيات الي أن 95% من ثروات وموارد العالم الاقتصادية مركزة في يد أقل من 15% من سكان العالم.
وهذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت داخل كل دولة حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين تعيش أغلبية السكان علي الهامش مثال: في امريكا 1% من السكان يملكون 40% من الثروة، وفي بلد متخلف كالسودان 94% من السكان يعيشون تحت خط الفقر حسب الاحصاءات الرسمية، 10% يستحوذون علي اكثر من 60% من ثروة البلاد.
ورغم نتائج العولمة السالبة مثل: ازدياد البطالة والتبادل غير المتكافئ مع بلدان العالم الثالث والديون الثقيلة، الا اننا نلمس تصاعد الحركات الجماهيرية والديمقراطية المطالبة بالغاء الديون الثقيلة علي بلدان العالم الثالث(المظاهرات ضد اجتماع دول الثمانية الكبار)، وحماية البيئة، الامراض الفتاكة(مثل الايدز)، حقوق المراة، وتحسين اوضاع العاملين المعيشية.
علي أن من ايجابيات العولمة هي ثورة المعرفة وارتباط العالم ببعضه البعض: الانترنت، الموبايل، البريد الالكتروني، واتساع دائرة المطالبة بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان، ومقاومة اهداف امريكا للسيطرة الاقتصادية والعسكرية علي العالم.
هذ ويقف العالم الآن علي شفا جرف هار من جراء: التهديد النووي، الجوع والامراض في بلدان العالم الثالث، التهديد البيئي(دفن النفايات النووية واتساع ثقب الاوزون..الخ)، مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، اضافة لأزمة البطالة(بلغت في الدول الرأسمالية المتطورة اكثر من اربعين مليون عاطل عن العمل، وفي الدول الاشتراكية السابقة دفعت عودة الرأسمالية اكثر من 37 مليون الي البطالة اضافة الي انهيار ذريع في اجور العاملين الفعلية ومستوي معيشتهم اضافة لمصادرة الحريات).
اما في العالم الثالث فتشير الاحصائيات الي أن اكثر من 800 مليون انسان يعانون من الجوع والبؤس، و16 مليون طفل يموتون كل عام من الجوع أو من أمراض قابلة للشفاء.هذا اضافة للنمو السرطاني للفساد المرتبط بالافراط في تداول المال واقتصاد السوق.
ومن خلال نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية والتقويم الناقد للتجارب الاشتراكية الماضية تستعيد الحركات الجماهيرية الثقة في البديل الاشتراكي القائم علي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأن الاشتراكية تتخلق في احشاء الرأسمالية، وسوف تخرج بعد مخاض طويل باعتبارها ضرورة تاريخية لحل تناقضات ومآسي الرأسمالية، وبالتالي فان الاشتراكية اصبحت ضرورة من اجل بقاء وازدهار البشرية.
ثانيا: استعادة الثقة في الاشتراكية
اضطرت أمريكا وغيرها من البلدان الرأسمالية بسبب الاعصار المالي الذي حدث الي اتخاذ اجراءت مثل: ضخ للسيولة بكميات كبيرة، تخفيض معدلات الفائدة، تأميم جزئي لبعض المؤسسات المالية، وسوف تواصل النظم الرأسمالية في اصلاح هياكلها التي عفي عليها الزمن لمواكبة المتغيرات التي حدثت بعد الثورة العلمية التقنية والتي تتطلب انظمة ديناميكية وحية ومتجددة ومتطورة، وبعد ان انفشعت سحابة الفترة الريغانية والتاتشرية التي اندفعت بطريقة جنونية في اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة والخصخصة وتصفية مؤسسات القطاع العام وتشريد الملايين من العاملين، أي ان النظام الرأسمالي سوف يتكيف مع المتغيرات التي حدثت بهدف اطالة عمره، وقد حدثت عوامل كثيرة ادت الي تجديد الرأسمالية وفك اختناقاتها مثل: التوجه الي الخارج بشكل واسع في نهاية القرن التاسع عشر بعد تحول الرأسمالية الي مرحلة الامبريالية(الاحتكارات)، بهدف البحث عن اسواق جديدة وموارد خام وايدي عاملة رخيصة من بلدان المستعمرات، وبالتالي استطاعت الرأسمالية ان تخفف الضغط علي حركة العاملين في مراكز الرأسمالية من خلال توسيع مصادر ارباحها، فاصبحت كما أشار لينين اضافة لنهب فائض القيمة من العاملين باجر، نهب شعوب المستعمرات اضافة للارباح الاحتكارية والطفيلية الأخري.ولكن التوجه للخارج كان حلا مؤقتا سرعان مابرزت حركات التحرر الوطني، وصراع اقطاب الرأسمالية من اجل اقتسام موارد المستعمرات، فنشبت الحربين العالميتين الاولي والثانية والتي نتج عنهما ثورات مثل: الثورة الروسية 1917 وظهور المعسكر الاشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية والثورات الصينية والفيتنامية والكوبية ونهوض حركات التحرر الوطني حيث نالت اغلب المستعمرات في افريقيا وآسيا استقلالها.
ومع شدة الحرب الباردة واندفاع الثورة العلمية التقنية بعد الحرب العالمية الثانية اضطرت الرأسمالية الي زيادة التركيب العضوي لرأسمال واندفعت بشكل اوسع في الصناعات الالكترونية، وتراجعت الصناعات التقليدية، واستطاعت الرأسمالية أن توجد متنفسا لاستثماراتها وفك اختناقاتها، وفي السبعينيات من القرن الماضي اندفعت الرأسمالية في سياسة مايسمي بالريغانية والتاتشرية، والتي تم فيها الاندفاع في اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة والقطاع العام.
وجاءت الأزمة الراهنة لتؤكد نهاية حقبة الربغانية والتاتشرية ومدرسة شيكاغو، بتدخل الدولة لانقاذ مؤسسات الرأسمالية بالاجراءات التي تم اتخاذها والتي أشرنا لها سابقا، ولكن تلك الاجراءات لايمكن وصفها بالاشتراكية بالفهم الدقيق لها، فالتاميم لايعني الاشتراكية، وليست هذه هي المرة الاولي التي تتدخل فيها الدولة في النظم الرأسمالية لحماية النظام، فقد تم ذلك من قبل بالاجراءات الكينزية في الثلاثينيات من القرن الماضي والتي تم بها انقاذ النظام.
ولكن كما أشرنا في مقالات سابقة أن الأزمة كامنة في طبيعة النظام الرأسمالي الذي يفرز الأزمات باستمرار، وان الرأسمالية دخلت مرحلة الشيخوخة حتي اصبحت البشرية مهددة بكوارث مثل: الحروب النووية، الجوع والامراض في البلدان النامية، التهديد البيئي، مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، البطالة وتشريد الملايين من اعمالهم، ازمة ديون بلدان العالم الثالث،...الخ، وبالتالي، فان النظام الرأسمالي لامستقبل له مهما اتخذ من اجراءات لاطالة عمره، وكل خطوة يتخذها تزيد من ازماته وتناقضاته. خذ مثلا احتلال امريكا للعراق بفرية اسلحة الدمار الشامل والتي كان ردفعلها مقاومة واسعة في العراق ونهوض جماهيري واسع في مراكز العالم الراسمالي من اجل سحب القوات الاجنبية من العراق ومن اجل عراق حر ديمقراطي يتمتع بكامل سيادته الوطنية وسيطرته علي موارده، وكانت حرب العراق من أسباب الأزمة المالية الراهنة، والجدير بالذكر أن امريكا انفقت اكثر من ترليون دولار في حرب العراق خلال الخمسة اعوام الماضية.
وكما تؤكد تجارب التاريخ أن الامبراطوريات الكبيرة عندما تصل مرحلة الشيخوخة والاضمحلال مثل: الامبراطورية الرومانية تصبح اكثر شراسة من اجل الاحتفاظ بامتيازاتها ومصالحها بشن الحروب، فلا تتورع عن ارتكاب الحماقات والاعمال العدوانية ضد الشعوب من اجل تعويض خسائرها. وبالتالي نتوقع في الفترة القادمة المزيد من شراسة امريكا من اجل الاحتفاظ بسيطرتها الاقتصادية والعسكرية علي العالم،كما نتوقع فترة مخاض طويلة سوف تعاني منها البشرية، وأن التغيير لن يتم بين يوم وليلة، بل سوف ياخذ فترة طويلة،رغم ان جنينه يتخلق الان في حركة جماهيرية واسعة تجري تحت ابصارنا تطالب بعالم جديد خالي من: التهديد النووي والامراض الفتاكة، وضد الفقر والجوع والبطالة وتحسين اجور العاملين ومستواهم المعيشي والثقافي وتوفير احتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والخدمات وضمان حقوق الامومة والطفولة والشيخوخة...الخ، توفير الحقوق والحريات الديمقراطية.
وهناك عوامل موضوعية تصب في صالح البديل الاشتراكي منها:
1- فشل النظام الرأسمالي في حل مشاكل البشرية.
2- التقويم الناقد للتجارب الاشتراكية السابقة، والتي رغم انجازاتها في توفير احتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي..الخ، الا ان تلك التجارب صاحبتها اخفاقات وسلبيات مثل مصادرة الحقوق والحريات الأساسية باسم الاشتراكية وفرض نظم الحزب الواحد والشمولية والبيروقراطية. ومن خلال التقويم الناقد لتجارب الاشتراكية السابقة، تتجاوز الحركات الديمقراطية الجماهيرية سلبيات تلك النظم، وتستعيد الثقة مرة أخري في الاشتراكية، واستعادة الثقة نفسها تتطلب الانطلاق من احتياجات الجماهير في التعليم والصحة والخدمات والقضاء علي الفقر والامراض ومحو الامية وتوفير السكن الذي يليق بالبشر، وتوفير أوسع الحريات الديمقراطية، ومن خلال استعادة الثقة في الاشتراكية تتبلور اهداف النظام الاشتراكي المقبل المواكب لاحتياجات العصر والذي يوفر للناس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويراعي ظروف وخصائص كل بلد.
3- اتسعت حركة العاملين بأجر في العالم وتطور مستواها العلمي والثقافي اضافة لتطور المعرفة والقوي المنتجة التي اطلقتها الثورة العلمية التقنية، مما يشكل التربة الخصبة للبديل الاشتراكي الذي يحل التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الخاص لوسائل الانتاج، هذا فضلا أن الاشتراكية اصبحت ضرورة لانقاذ الجنس البشري من الفناء.


















26

تداعيات الأزمة العامة للراسمالية
منذ ان اشار ماركس وانجلز في البيان الشيوعي(1848م)، الي أن( شبح الشيوعية اصبح يهدد قوي اوربا العجوز)، واشارة ماركس في مؤلفه(رأس المال): ان التشكيلة الرأسمالية ستظل عابرة في التاريخ، ومن احشاءها سوف تبرز الاشتراكية، وذلك بسبب التناقضات الكامنة في الرأسمالية والتي اهمها التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الفردي لوسائل الانتاج، وان الرأسمالية بطبيعتها تزيد تركز الثروة في ايدي الاغنياء يحيث يزداد الفقراء فقرا، والدليل علي ذلك: الازمة المالية الراهنة التي يعيشها النظام الرأسمالي والتي ستقود الي المزيد من تكديس الاغنياء ثرواتهم واستماتة الفقراء والطبقة الوسطي للبقاء علي قيد الحياة، ومن جديد ترفع الطبقة العاملة والفئات المتوسطة في امريكا وغيرها من البلدان شعار معاقبة المسئولين عن الأزمة، وان الطبقة العاملة والفئات المتوسطة يجب الا تتحمل عبء أزمة كانت من صنع مؤسسات مالية مفلسة، اضافة الي فشل ايديولوجيا اقتصاد السوق التي بشر بها الاقتصادي: ملتون فريدمان واندفعت فيها بقوة بريطانيا تحت قيادة تاتشر وامريكا تحت ادارة ريغان وكان من نتائجها الخصخصة ورفع الدولة يدها عن تقديم الخدمات الأساسية: التعليم ، الصحة،...الخ.
منذ البيان الشيوعي ، حدثت متغيرات كثيرة في الرأسمالية اهمها تحولها الي مرحلة الامبريالية، والتي تناولها لينين في مؤلفه( الامبريالية أعلي مراحل الرأسمالية 1916م)، والذي اشار فيه الي أن طبيعة الرأسمالية لم تتغير لكن ازداد الصراع بين الدول الرأسمالية علي اقتسام موارد المستعمرات، وأشار الي مصدر جديد من مصادر التراكم الرأسمالي وهو نهب شعوب المستعمرات اضافة الي نهب فائض القيمة من العاملين، اضافة للارباح الطفيلية الأخري الناتجة من الاحتكار وغيره.
ومن المتغيرات اندلاع الثورة الروسية 1917م، وانفصال روسيا عن المسار العام للنظام الرأسمالي العالمي، والازمة العامة للرأسمالية التي حدثت في الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي تشبه في جوانب كثيرة منها الازمة الراهنة للرأسمالية، والتي ستؤدي الي انكماش وكساد في الاقتصاد العالمي ، وسيتراجع الانتاج وترتفع نسبة البطالة داخل امريكا وغيرها.
جاءت الأزمة العامة للرأسمالية في الثلاثينيات بعد نهاية الحرب العالمية االأولي، وكان من نتائج تلك الأزمة، بروز السياسة الاقتصادية الكينزية التي انقذت الاقتصاد الرأسمالي العالمي، من خلال تدخل الدولة وعدم ترك الاقتصاد لانفلات السوق، وكان من نتائج ذلك ظهور دول الرفاه الاشتراكية، اضافة لصعود الفاشية والنازية في ايطاليا والمانيا، والحرب العالمية الثانية التي وضعت اوزارها عام 1945م، لتتغير صورة العالم بعد الحرب و كان من اهم تلك المتغيرات:
1- انهيار الفاشية والنازية وظهور المعسكر الاشتراكي، بعد صعود الانظمة الاشتراكية في بلدان شرق اوربا.
2- انتصار الثورة الصينية والفيتنامية والكوبية.
3- افول نجم الامبرطورية البريطانية والتي كانت قائدة للنظام الرأسمالي العالمي، وبدات تبرز امريكا كقائدة للمعسكر الرأسمالي، في صراع القطبية الثنائية بين امريكا والاتحاد السوفيتي، وخاصة أن امريكا لم تكن منهكة من الحرب العالمية الثانية، وكان وضعها الاقتصادي مريح، واسهم مشروع مارشال في اعادة تأهيل عدد من الدول الاوربية التي انهكتها ودمرتها الحرب، وخوفا من مواصلة انتشار المد الشيوعي.
4- نهوض حركات التحرر الوطني في بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.
5- اندفاع الثورة العلمية التقنية التي احدثت متغيرات بنيوية كبيرة في المجتمعات الرأسمالية المتطورة، وادخال تكنولوجيات جديدة، مما زاد من انتاجية الدول الرأسمالية، واشتد استغلال بلدان العالم الثالث، وتعميق تخلفها الاقتصادي والاجتماعي، واثقال كاهلها بديون تنوء من تحتها الجبال.
• وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي كانت صورة العالم قد تغيرت بصورة دراماتكية، وكان من اهم هذه التحولات:
أ‌- انهيار النماذج الاشتراكية الستالينية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا.
ب‌- انهيار النظام الاستعماري القديم.
ت‌- وقبل ذلك كانت قد انهارت الانظمة الفاشية والاستبدادية في اوربا الجنوبية( اسبانيا، البرتغال، اليونان).
ث‌- انهارت اغلب النظم الاشتراكية التي كانت تقوم علي نظام الحزب الواحد في افريقيا والعالم العربي.
ج‌- تراجع النظم الاشتراكية الديمقراطية التي كانت قائمة في شمال اوربا(دول الرفاه) مثل:في السويد، النرويج، ...الخ.
ح‌- ازداد الاندفاع المجنون نحو الاقتصاد الحر( اقتصاد السوق، الخصخصة أو تصفية القطاع العام، ..الخ) مثال: بريطانيا( في فترة تاتشر)، وامريكا في فترة(ريغان).
وجاءت الأزمة الراهنة للرأسمالية لتؤكد خطل الاندفاع المجنون في اقتصاد السوق، وهذه الأزمة سوف تكون لها آثار عميقة، مثلها مثل الأزمة التي حدثت في المكسيك بعد انهيارها الاقتصادي: سوف تؤدي الي الاستقطاب الطبقي الحاد( ازدياد ثروة الاغنياء وفقر الفقراء)، كما ستؤدي الي نهوض الطبقة العاملة والفئات المتوسطة للبقاء علي قيد الحياة، وسوف تؤدي الي تغييرات عميقة وأوضاع سياسية جديدة كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، بعد أن اصبح الحلم الامريكي هباءا منثورا.
ومن سمات الرأسمالية في مرحلة العولمة: الترابط والتداخل بين البنوك والشركات، وبالتالي، فان انفجار بنك مثل بنك (ليمان برازر) الذي يشكل رابع اكبر البنوك في امريكا، وانهيارمؤسسة مثل ( AIG ) للتأمين، والتي تعتبر من اكبر شركات التأمين في العالم وفروعها منتشرة في كل العالم، سوف يؤثر علي البنوك والشركات الأخري بسبب الترابط علي سبيل المثال: تكبدت بعض البنوك الاوربية خسائر مماثلة( سوسايتي جنرال، باركليز بنك، البنك المالكي الاسكوتلندي..الخ، اضافة لتأثر بعض المؤسسات الآسيوية والخليجية التي ترتبط بسوق الاموال الامريكية.
كما أن من آثار هذه الأزمة: سوف تؤدي الي انخفاض أسعار البترول، وهذا سوف يؤثر علي البلدان المنتجة للنفط مثل: السودان الذي اصبح يعتمد علي النفط كسلعة رئيسية في صادراته( يشكل النفط 90% من الصادر)، وبالتالي سوف تزداد البلاد رهقا علي رهق، اضافة الي ما ستؤدي له الأزمة من النقص في السيولة نتيجة هروب اموال كثيرة من بعض الاسواق، والمزيد من البطالة.
ومنذ تفكك الاتحاد السوفيتي، كان المراقبون يشيرون الي ان الخطوة القادمة هو تفكك الامبرطورية الامريكية اوالنظام الرأسمالي، مثلما تفككت الامبراطورية الرومانية، والامبراطورية الاسبانية، وبعدها الامبراطورية البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس، رغم قدرة الرأسمالية علي امتصاص ازماتها التي تحيط بها كما يحيط السوار بالمعصم.
وهذه الملاحظة جاءت من ان قطاع الخدمات، اصبح هو الرائد في اقتصاديات الدول الرأسمالية المتقدمة، وكذلك احتل نشاط الخدمات المصرفية والتمويل المرتبة الثانية في خدمة تمويل الاستثمارات في داخل العالم الرأسمالي وخارجه، وفي خلق فوائض وارباح تدخل لحساب هذه الدول والتي يتم اقتطاعها من الدول المتخلفة( علي سبيل المثال: تبلغ ديون السودان الخارجية 31 مليار دولار في حين أن اصل الدين 12 مليار دولار). اضافة لسيادة النشاط الطفيلي، وسيادة الاتجاه الريعي للدخول والارباح، أي أن الاقتصاد الرأسمالي العالمي يعاني من المضاربة واستفحال القطاعات غير المنتجة علي سبيل المثال: 500 مليار دولار تجوب الاسواق المالية يوميا، لايقابلها الا 5 مليارات تمثل اقتصادا حقيقيا منتجا، اما الباقي فمضاربة علي الاسهم علي العملة وعلي العقارات(العفيف الأخضر: انهيار رأسمالية الدولة الستالينية في الاتحاد السوفيتي، مجلة قضايا فكرية العدد:9- 10 ).
وحسب العفيف الأخضر: فان تراكم الديون واستشراء المضاربة وازدهار الانشطة الطفيلية في الاقتصاد الدولي وانهيار بناه التحتية والشرط الانساني فيه ليس شيئا في ذاته عصيا علي الادراك، بل محصلة منطقية لشيخوخة نمط الانتاج الرأسمالي، الناتجة عن التناقض بين علائق الانتاج والقوي المنتجة الهائلة التي اطلقتها الثورة العلمية التقنية.
اضافة الي أن تفكك النظام الرأسمالي سيتم بسبب عجز علائق الانتاج عن احتواء القوي المنتجة التي انجبتها، ومظاهر هذا التفكك لاتخطئها العين وتتلخص في : المجاعات والاوبئة، انتشار اليأس ، تدمير البيئة، التهميش أو عجز الرأسمالية عن دمج الشباب في مجتمعها(تفكك النسيج الاجتماعي: الاسرة، البيت، المدرسة..الخ)، الصراع بين اقطاب الرأسمالية( امريكا، اليابان، اوربا الغربية، الصين، الهند، روسيا..الخ)، الاجرام وتجارة المخدرات والجنس، الامراض النفسية..الخ.
كل ذلك يؤكد نبؤة ماركس ان التشكيلة الرأسمالية مرحلة عابرة في التاريخ.






























27
مستقبل نمط الانتاج الرأسمالي
كما أشرنا سابقا أن الهدف الأساسي لنمط الانتاج الرأسمالي تحقيق اقصي قدر من الارباح، وان نمط الانتاج الراسمالي يعمق التفاوت في توزيع الثروة، وان تركز الفقر في الرأسمالية هو الوجه الاخر لتركز الثروة في يد قلة، ويصبح المال دولة بين الأغنياء.كما أن هذا النمط يدمر البيئة، ويعمق التفاوت بين البلدان النامية والمتطورة، ويعمق التفاوت في النوع، ويهمش المليارات من صغار المزارعين بسبب الزراعة الحديثة التي تقوم علي الهندسة الوراثية، اضافة الي تعميق البطالة وتشريد العاملين. وان انتاج فائض القيمة هو القانون الأساسي للرأسمالية، وان العلاقة الأساسية في نمط الانتاج الرأسمالي تقوم علي رأس المال- العمل. ومعلوم أن هذا النمط برز في اوربا من نمط الانتاج الاقطاعي بعد ان تم الفصل بين المنتج ووسائل العمل، وتحويل سكان الريف الي عاملين باجر، ووجود عمال احرار، اضافة الي تراكم راس المال المالي مع نمط انتاج السلع من اجل التبادل باقسامه: الربوي، العقاري، المصارف. وان نمط الانتاج الرأسمالي يقوم علي انتاج سلع من اجل الربح الذي يخصص للتراكم، وان العاملين باجر هم الذين ينتجون فائض القيمة، الذي يتحول الي رأس المال، والذي يتحول الي ربح صناعي وفائدة وربح تجاري، ريع عقاري..الخ. وكلما ارتفع التركيب العضوي لرأس المال مع تطور الثورة العلمية التقنية، كلما أدي ذلك الي ميل معدل الربح للانخفاض، أي المزيد من البطالة وتشريد العاملين. وقد مرت الرأسمالية بمراحل مختلفة مثل: المنافسة الحرة، مرحلة الامبريالية، وحتي مرحلة العولمة الحالية، كما مرت الرأسمالية بأزمات بلغت اكثر من عشرين أزمة، وأن تاريخ الرأسمالية حافل بأزمات الائتمان وحالات الهلع والركود والانهيارات المالية.
هذا وتعتبر الأزمة المالية الحالية هي الأحلك في تاريخ الرأسمالية منذ اكتوبر 1929م، فالبنوك الاستثمارية التي صمدت في الركود الكبير 1929م وصدمة 11/سبتمبر/ 2001م مثل: (ليمان برازر)، و(ميريل لينش) سقطت. وكان من آثار الأزمة: استيلاء الحكومة علي عملاقين في قطاع الرهون العقارية(فاني ماي)،(وفريدي ماك)، وفرض سيطرتها علي اكبر شركة تأمين في العالم AIG ، ونهاية اثنين من البنوك الاستثمارية الأقدم والأشهر: (ليمان برازر)، و(ميريل لينش)، كما اشتري (بانك اوف امريكا) (ميريل لينش) مقابل 50 مليار دولار.
وكانت قيمة(ليمان برازر) في السوق قبل أن يشهر افلاسه 209 مليار دولار، وعدد موظفيه 25000 تم تشريدهم.
ومعلوم ان الاقتصاد الامريكي من أكبر الاقتصادات في العالم اذ تبلغ قيمة انتاجه 14 ترليون دولار في السنة، وبالتالي ، فان انهيار الاقتصاد الامريكي يعني بداية حقبة جديدة يؤشر لنهاية الدور القيادي الامريكي، وبروز ملامح لعالم متعدد الاقطاب، وسوف يشتد التنافس والصراع علي الموارد وتراكم هذا الصراع سوف يؤدي الي نشؤ اوضاع سياسية واقتصادية جديدة في العالم، اضافة الي نهاية الفترة الريغانية والتاتشرية التي اطلقت العنان لقوي السوق وفرضت الخصخصة وتدمير القطاع العام ورفع الدولة يدها عن الخدمات الأساسية، حتي ارتفعت اصوات كبيرة في اوربا وغيرها تطالب بالعودة الي الاشتراكية، المهم هذه الأزمة سوف تستمر لفترة طويلة وسوف تنتج منها أوضاع سياسية واقتصادية جديدة وتغيير في تركيب الانتاج وفي نمط الانتاج الرأسمالي.
وسوف يزداد نهب بلدان العالم الثالث، بالتدخل العسكري الأكثر سفورا كما حد ث في العراق، كما ستتعمق ازمة نمط الانتاج الرأسمالي، وتزداد البطالة وتشريد العاملين علي سبيل المثال: انهيار بنك(ليمان برازر) ادي الي تشريد 25000 موظف، وقبل ذلك كانت أزمة قطاع الخطوط الجوية العالمي عقب هجمات 11/سبتمبر/2001م والتي ادت الي فقدان 150000 شخص في العالم وظائفهم. وقامت الحكومة الامريكية بتأمين انقاذا ماليا بقيمة 15 مليار دولار لشركات الخطوط الجوية.
وفي عام 2008م، تخلص قطاع الخطوط الجويّة الامريكية من 22000 وظيفة بسبب ارتفاع تكاليف الوقود، وتكبد خسائر بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.
وهكذا مثلما كان يقول ماركس( الرأسمالية غير المقيدة والجشعة مثل تلك التي نشهدها الان ستلتهم نفسها في النهاية).
كما سوف تواصل امريكا في الاتجاه العسكري من اجل الحفاظ علي سيطرتها الاقتصادية علي العالم، والتي اهتزت، علي سبيل المثال: بلغت الديون الامريكية 36 ترليون دولار(في حين ان جملة الناتج الاجمالي الامريكي 14 ترليون دولار).
وكمثال علي اتجاه امريكا للسيطرة العسكرية علي العالم، انه بعد احداث 11/سبتمبر/2001م، وفي عام 2004م وعد جورج بوش برفع ميزانية الدفاع الي اكثر من 400 مليار دولار، رغم انه لم يكن يوجد مبرر لذلك بعد نهاية الحرب الباردة، وبناءا علي ذلك ارتفعت رساميل شركات الأسلحة الي 100 مليار دولار، بعد ان هبطت الي اقل من 50 مليار دولار.وانتعشت صناعة الأسلحة التي استفادة من التكنولوجيا الحديثة التي اطلقتها الثورة العلمية التقنية، علي سبيل المثال: بلغت أرباح شركة لوكهيد مارتن 4 مليار دولار من تصنيع القاتلة الحديثة F35. والجدير بالذكر أن الحكومة الامريكية انفقت ترليون دولار علي حرب العراق في الأعوام الخمسة الماضية.
ومن الجانب الاخر سوف يتزايد نهوض الحركات الجماهيرية في العالم وفي قلبها الطبقة العاملة والفئات المتوسطة من اجل الدفاع عن تحسين اوضاعها المعيشية، وعدم حل الأزمة الاقتصادية علي حسابها، ونهوض الحركة الجماهيرية هو العامل الحاسم في التغيير.ومن الجانب الاخر سوف تستميت الطبقات الرأسمالية في الدفاع عن امتيازاتها وتعديل نظامها الرأسمالي للخروج من عنق الزجاجة الحالي، باعادة الاعتبار للقطاع العام وتقوية دور الدولة للتحكم في مسار الأزمة، ولجم اقتصاد السوق، أي سوف تحاول الرأسمالية اطالة عمرها، ولكن نمط الانتاج الرأسمالي بطبيعته يعيد انتاج الأزمة، وطريقة مسدود ومدمر، وينطبق عليه القول: انه سوف يصل لمرحلة محددة يكون فيها اما الاشتراكية أو البربرية وانحطاط الحضارة البشرية.




















السيرة الذاتية
• تاج السر عثمان الحاج
• اللقب : السر بابو.
• من أبناء أمبكول بمنطقة مروي بالولاية الشمالية.
• من مواليد مدينة عطبرة، يناير 1952م.
• تلقي تعليمه الأولي والاوسط والثانوي بمدينة عطبرة.
• تخرج في جامعة الخرطوم ، ابريل 1978م.
• باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي.
• صدر له:
1- تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م.
2- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
3- تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف 2005م.
4- النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل احمد ابراهيم، مكتبة الشريف 2005م.
5- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006م.
6- الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف 2006م.
7- التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان، مركز محمد عمر بشير 2006م.
8- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها، دار عزة 2006م
9- الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية 2007م.
10- تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني ( 1946- 1989م)، دار عزة 2008م.
11- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، الشركة العالمية 2009م.
12- أوراق في تجديد الماركسية، الشركة العالمية 2010م.
13- دراسات في التاريح الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م
14- قضايا المناطق المهمشة في السودان، الشركة العالمية 2014
15- أسحار الجمال في استمرارية الثقافة السودانية، مدارات للنشر 2021 .
16 – الهوية والصراع الاجتماعي في السودان، دار المصورات ، 2021.
• كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات ومنشورة في الصحف السودانية والمواقع الالكترونية، ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل داخل وخارج السودان.
• عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
• أُعتقل مرتين خلال ديكتاتورية نميري عامي 1973م، و1977م، و مرتين خلال ديكتاتورية الانقاذ عام 1995م لمدة سنة وتعرض لتعذيب وحشي، ومرة في مارس 2018 بعد الهبة الجماهيرية ضد النظام.
• متزوج وأب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل