الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلسِّرُّ آلدَّفِينُ

عبد الله خطوري

2023 / 11 / 12
الادب والفن


.. لَم أفهم شيئا من تلك الكلمات والعبارات المُبهمَة التي وجدتُها في صفحات كناش مركون في ثنية بين كومات أوراق وكتب قديمة صفراء .. الحَقيقة، أني كنتُ مندفعا في البداية بنوع من الفضول الغريزي جهة ما يُكْتَبُ حول المغامرات العجيبة لسيف ذي يزن بأشباح فلواته وأبحره السبعة وقفاره التي لا تنتهي، وكان مسموحا لي أنْ أقرأ تلك الخيالات الرائقة تسافر بي عبر السماوات والأرضين أجنحةُ عفاريتها إلى آفاق لاحدود لها؛ وكنت أختلسُ من حين لآخر _ مستغلا خلوتي المتاحة _ النظر إلى بعض الصور الموزعة عبر صفحات" ألف ليلة وليلة " تتلُو عيناي بصمت سطورَها .. أمررُ حواسي بسرعة كبيرة على عجل تلتقط أكبر الجُرعات من الحروف والكلمات والفقرااات .. حتى آكتُشِفَ الأمرُ، هذا ما خمنتُهُ وآفترضتُه عندما لَمْ أجدِ اللياليَ الألف في مكانها المعهود .. لقد آختفتِ الصورُ والعبارات الجامحة الريانة التي تقول كل شيء دون مواربة أو تغطية، وآكتفيتُ ب "سَمّوْني وحش الفَـلا" و "رَمَوْني أهلي للخَـلا" و عاقصاته وعَيْرُوداته وشاماته وباروخه وسَحَرَته ودواهيه وسْقَرْديسِه وسْقَرْدُيُونِـهِ آسفا على قلة حيلتي وخبرتي وعلى حظي العاثـر الذي يُحرمني مما أرُومُ وأريــدُ .. وطفقتُ أتفقدُ لأيام رُفوفَ الكتب على أمل أنْ أجدَ لياليَ التي ولّتْ من غير رجعة؛ وفي طريقي التائه، التقيتُ بحي بن يقظان وغزالته الرؤوم وزهر المروج واللؤلؤ والمرجان في تسخير ملكات الجان والسر المكشوف في الحكمة والطب وأدواء الكروب ومفاتيح الكنوز في حل ما أشكل من الحروف وبشمس المعارف وبأبراج وكُويكبات ونجوم ودَعَوَات ولعنات وبدايات ونهايات وطلسمات محبة جالبات للأرزاق نافعات وغير نافعات _ كل شيء آختلط في ذهني ساعتئذ، ولم أكُ أميز شيئا _ وبجداول ورموز وأبجديات مشوشة وحروفٍ مبعثرة وخطوطٍ معقوفة متموجة وأشكالٍ معوجةٍ وألف متاهة ومتاهة بختلط فيها الجحيم بالجنان بالسحر الأسود والأحمر بالشعوذة بالخرافة بالدين بزعموا قيلَ قالَ بأقدار لا قِـبَـلَ لأهل القرية بها تطوقهم تحاصرهم فيلجؤون إلى مَنْ له دراية بفك ألغاز شفراتها المبثوثة في ثنايا مثل هذه الصفحات الحائلة للاستعانة بهم من أجل فك اللغز الأكبر الذي يعيشونه في دوامة حياتهم التي يغرقون فيها أبد الأبد ... لم أجدْ رغم كل هذه السعرات الحرارية ضالتي، فقد سَلبتْ مُتَعُ الليل والنهار لُبي وأُبْعِدْتُ عن فراديسها الشيقة الرائقة .. لقد أخْرجتُ من جنتي الأثيرة .. وها أنا ذا مع دفتر قديم .. دفتري _ نعم، دفتري _ ولن أدعَ أحدا كيفما كان يأخذه .. !! .. لا مكان له إلا عندي، بحوزتي في حِضني .. فتجربة الفقد السابقة علمتني أن لا أفرط في مقروءاتي المفضلة .. طويتُ الكناش نصفيْن، ألصقتُه بلحم بطني مباشرة، غطيتُه بمجاسدي دثرته بملابسي، كل ملابسي .. سروالي الصغير والكبير وشِعاري القطني الأبيض التحتي الداخلي، والكتاني الذي يليه، والخارجي الصوفي، بجوارحي كلها سترتُـه، ورحتُ تيّـاها بسري الدفين، بغنيمتي التي أودعتُها كتبي المدرسية ووضعت لها غلافا جديدا أخضر اللون، وأثبتُ في الوَسْمِ الاِسمَ والقسمَ والموسمَ الدراسي بشكل يوغل في إخفااااء خصوصيته أو ملكيته لأحد غيري .. إنه لي، ولن يأخذه مني أحدٌ .. ورغم أني لم أكن أعِ إلا قليلا مما كُتِبَ، فقد ظللتُ مأخوذا بطريقة الكتابة وشكلها غير العادي الذي يخترق الهوامش والحواشي ويبسط العبارات بلا تقيد بالسطور والصفحات .. هي كتابة مسترسلة غير متقطعة، تشغل مساحة الأوراق كلها، زاد من صعوبة آستيعابها عدم شكل حروفها وآعتماد خطوط المْسيد برسم حروف التحناش والتخناش المستعملة عادة في الألواح الخشبية للكتاتيب العتيقة .. بيد أن حميمية المضامين المطروقة هالتني كثيرا وجعلتني أقبل على القراءة بشكل نَهم مفرط في نهمه؛ إذْ أحسستُ أنها تتكلم عن أشياء تهم الجميع في قريتنا الجبلية الصغيرة، أشياء عادية عاشها ويعيشها الناس وأخرى لم أسمع بها قط، وأحداث كثيرة تنفك من براثن النسيان أو التناسي لتتفجر كحمم بركانية في وجه قارئها .. ولم أَأْبَـهْ .. رغم آستعصاء الفهم، رغم آستحالة الاستيعاب في كثير من الأحيان .. لقد وجدتُني وحيدا مع سري الدفين .. هذا السر المهمل بين أكوام ركام من الكتب العتيقة في ثنية غير مرأية للعيان جهة نافذة ضيقة مغلقة دائما .. وليس بمقدوري _ بعد أنْ أصررتُ على فعلتي ونويتُ الاحتفاظ بمسروقي العزيز _ أنْ أستعينَ بأحد .. لن أجرؤ .. هل أبوح به ؟؟ هل بآستطاعتي أن أظهر أمام العائلة بهاته الصورة المخجلة .. لص مختلس .. لا .. لا .. سأتحمل منفردا عناء ماجنَتْ يداي .. لن أسألَ أحدا .. ستسأل نفسي نفسَها .. وإنْ لم تستطع الإجابة، فذاك شأنها قدرها وعقابها .. أَنْ تظل بلا إجابة بلا إعانة .. غارقة في مهامه الأسئلة المشرعة على آلاف الاحتمالات والتخمينات .. سألِـجُ دركات مهامه العبارات أناجيها تناجيني أكمل الطريق منعزلا أقرأ وأعيد القرااااءة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو