الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمزية في رواية -الهمج- عبد الرحيم عباد

رائد الحواري

2023 / 11 / 13
الادب والفن


قبل قدوم السلطة إلى فلسطين استخدم أدباء الأرض المحتلة الرمزية كوسيلة التفاف على الرقابة والملاحقة الأمنة التي اتبعها الاحتلال ضد كل من يكتب، وهذا الأمر أكده السارد في رواة "الهمج": "ستصادر جميع الكتب الموجودة بحوزتك، لأنها كتب تحريضية تعود إلى العهد البائد...أنت عدو للدولة، أنت إنسان متعلم، والدولة لا تريد متعلمين مثلك" ص50و51، وهذا ما يجعلها رواية واقعية بقالب تاريخي.
من هنا جاءت رواية "الهمج" التي تتحدث عن تاريخ مصر إبان غزو الهكسوس الذين وصفوا بأنهم قبائل همجية لا تعرف شيئا عن الحضارة، معتمدة على القوة والبطش والتخريب والقتل، مما سبب انتكاسة حضارية في مصر وتاريخها العريق.
فقدان الأرض والاستيلاء عليها
فقد استخدم السارد هذه الأحداث ليسقطها على ما يجري في فلسطين من خلال روائية أدبية، تبدأ الرواية بالحديث عن كيفية توغل الهمج في مصر من خلال التجارة وشراء الأرض بعد أن تركها صاحبها لينعم بالرفاهية والترف: "أن الأهالي لم يعدوا يهتمون بأرضهم اهتمامهم بنسائهم وأولادهم وصقورهم، راحوا يطالبونهم إما بالتنازل عن أراضيهم وبيعها، أو بأن تكون حصتهم ربع الإنتاج، وبعد مداولات ومناشدات ومساومات، تنازل الأهالي إلى القبول بالثلث، وهذا صار للهمج ثلثا المحصول، وللأهالي الثلث" ص18، إذن الابتعاد عن الأرض وإهمالها جريمة يقترفها الفلاح بحق الأرض/الوطن وبحق نفسه، فالرفاهية عندما تكون على حساب الأرض تؤدي إلى خراب الأرض وضياع الوطن: "استمر المترفون منهم في رحلات الصيد والقنص وزادوا من عدد الحريم، وصاروا يشربون الخمور التي بدأت بنات الهمج بتحضيرها، حتى لم يعدوا قادرين على العمل" ص19، السارد هنا يتحدث عما جرى في فلسطين في بداية الهجرة الصهيونية لفلسطين، وكيف أسهم النظام الإقطاعي في تسليم وتسريب الأرض الخصبة للصهاينة.
تفريغ الأرض من السكان
من هنا ما أن استولى الهمج على الأرض حتى أخذوا في تفريغها من أهلها وساكنيها: "أفكر في إجلاء من تبقى من المصريين البحرانيين" ص56، فقد استخدموا لتفريغ الأرض كل وسيلة حتى لا يبقي أي مصري فيها.
الحرب
وعن فكرة الحرب التي يعتمدها الهمج: "‘ كنت قد فقدت قتيلا واحدا، فإن المصريين قد فقدوا عشرات الآلاف من القتلى، ولم يحققوا نصرا واحدا، أما نحن فقد حققنا في كل معركة خضناها انتصارا" ص90، فالسارد يشير إلى الحروب التي خاضاها المحتل/الهمج وما حققوه من انتصارات على أنظمة مفككة وضعيفة لا تحسن القيادة ولا خوض الحرب.
المقاومة
من هناك كان لا بد من تناول المقاومة من خلال رحلة يقوم بها الأمير حورس إلى الصين للحصول على مساعدة عسكرية: "نحن مستعدون لأمدادكم بمليون جندي مقاتل، مع ذخائرهم، فهل عندكم متسع لاستقبالهم؟
ـ لا ينقصنا الرجال يا صاحب الجلالة
ـ ماذ1ا ينقصكم إذاّ؟
ـ الأرض
ـ وكيف تقاتلون/ ومن تقاتلون، وكيف أتمكن من إيصال الأسلحة لكم؟
...
هل يق5وم أخوانكم أصحاب الممالك المصرية بتقديم العون لكم؟
ـ لا يا صاحب الجلالة.
ـ هل يوفرون لكم الأرض التي تنطلقون منها، وحماية ظهوركم من الخلف؟
ـ لا يا صاحب الجلالة
ـ إذاّ فأنتم تقاتلون كما تفعل العصافير" ص117و118، فالحديث هنا متعلق بالثورة الفلسطينية وما تتعرض له من حصار عربية، فالأنظمة الرسمية العربية لعبت دورا تأمريا في منع الفلسطيني من العمل لاستعادة أرضه المسلوبة.
المجازر
من هناك كان الضغط على المقاوم كبير جدا، مما سمح ومهد للاحتلال للقيام بمجازر بحق الأهالي الأمنين: "فقد كان الجندي الهمجي يدخل البيت فيبقر بطن المرأة بالحربة، ثم يعلق زوجها على حديد الشباك ويمزقه، ثم يكسر جماجم الأطفال بالبلطات، ويقطع الأيدي بالسيوف، ويسمل الأعين، ويستبح الأعراض، واستمر الجند في أعمالهم زهاء أسبوع، حتى زكمت رائحة القتلى أنوفهم بعدها تركوا المسور يلعق جراحه" ص138، هذا المشهد يمكن إسقاطه على مجازر صبرا وشاتيلا وبقية المجازر الصهيونية في فلسطين وخارجها، وبهذا يكون السارد قد أشار إلى الطريقة المتوحشة التي يستخدمها الهمج في حروبهم.
الانتفاضة
ويتحدث عن الانتفاضة والوسائل التي استخدمها الأهلي في مواجهة الهمج: "وكانت ثورة الحجارة قد انتقلت كما تنتقل النيران في الهشيم، من مدرسة إلى مدرسة، ومن جامعة إلى جامعة" صص139، رغم أن السارد يتحدث عن حدث وطني كبير، إلا أنه لم يحسن تقديمه رمزيا، ففي تلك الحقبة من التاريخ لم يكن لطلاب المدارس ولا للمدارس أن تلعب مثل هذا الدور كما هو الحال اليوم، كما أن حديثه عن طلاب الجامعات زاد الهوة بين رمزية الحدث التاريخي وبين الواقع.
وهذه الهفو وقع فيها السارد أيضا عندما تحدث عن إضراب المعلمين والأطباء: "أعلن المعلمون عن إضراب، تضامن الأطباء مع المعلمين" ص131، إذن نحن أمام رواية تاريخية، استخدمت الرمز كوسيلة للالتفاف على الرقابة العسكرية، أستطاع السارد أن يبقي الأحداث ضمن النطاق التاريخي المتعلق بهجمة الهكسوس على مصر، لكنه في خاتمة الرواية أنزلق إلى الواقع ولم يجد حدثا، أو لم يحسن في (اختلاق أحداثا) تتماثل مع انتفاضة الطلاب في المدارس والجامعات.
الرواية من منشورات اتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة، الطبعة الأولى 1988.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر