الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الأرض والصراع الاجتماعي في السودان

تاج السر عثمان

2023 / 11 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الأرض والصراع الاجتماعي في السودان
تأليف : تاج السر عثمان الحاج
الخرطوم : يناير 2022م
















المحتويات :
الموضوع
مقدمة الصفحة
أولا – الأرض في السودان القديم
ثانيا : الأرض في ممالك النوبة المسيحية (500 – 1500 م)
ثالثا: الأرض في مملكة الفونج ( 1504- 1821)
رابعا: الأرض في سلطنة دارفور (1445- 1874)
خامسا: الأرض في فترة الحكم التركي - المصري (1821- 1885)
سادسا : الأرض في فترة المهدية (1885- 1898)
سابعا : الأرض في فترة الحكم الثنائي الانجليزي – المصري( 1989- 1956)
ثامنا : الأرض بعد الاستقلال ( 1956- 2018).
خاتمة
ملاحق











مقدمة :
يتناول هذا الكتاب الصراع الاجتماعي والطبقي حول ملكية الأرض في السودان وتبدلاتها وقوانين تنظيمها مع تغير نظم الحكم منذ السودان القديم، ممالك النوبة المسيحية، مملكة الفونج، سلطنة دارفور ، الحكم التركي –المصري، المهدية ، الحكم الثنائي الانجليزي – المصري ، وبعد استقلال السودان.
الواقع أنه بدأ الاهتمام الجاد بالجذور التاريخية لملكية الأرض والنزاع حولها بشكل كبير منذ أن نشر المرحوم البروفيسور محمد ابراهيم ابوسليم مؤلفاته : الفونج والأرض ( وثائق تمليك) 1967 ، الأرض في المهدية 1970 ،الفور والأرض 1975 ، ومحمد إبراهيم ابوسليم ود. ج. ل. اسبولدنق : وثائق من سلطنة سنار في القرن الثامن 1992.واصبحت تلك الوثائق من المصادر الأولية في دراسة تلك الفترات في تاريخ السودان، وكتب عنها الكثيرون في ابحاثهم والمجلات الدورية للدراسات التاريخية والسودانية.
كما تناولها بالدراسة والتعليق الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتابه : علاقات الأرض في السودان( هوامش علي وثائق الأرض)، دار الثقافة الجديدة 1993م.
ومعلوم أن الأرض هي ركيزة العمل الأساسي في الإنتاج الزراعي والرعوي والغابي وما بداخلها من كنوز (ذهب ، معادن، بترول ، مياه جوفية. الخ) ، لذلك كان الصراع الاجتماعي والطبقي حولها هو حول نصيب الطبقات الغنية من تلك الثروات ، فهي مفتاح السلطة والثروة وتقاسم الثروات والموارد، كما حدث في الماضي والصراع الجاري حاليا حولها وما أدي من صراعات وحروب .
هذا اضافة كما تابعنا في الدراسة توجه رأس المال الاقليمي والعالمي ووكلائه في الداخل بهدف الاستثمار في الأراضي وثروات السودان بالاستثمار في الزراعة وفي باطن الأرض ( بترول ، معادن ) وتشريد سكان تلك المناطق ، وصراع السكان الأصليين من أجل استعادة أراضيهم ، والصراع بين الرعاة والمزارعيم نتيجة لدخول الزراعة الالية ، التي قلصت المراعي.
زاد من الصراع علي الأراضي تغلغل نمط الإنتاج الرأسمالي في الريف ، وتشريد أعداد كبيرة من السكان الأصليين للمدن للعمل في المهن الهامشية، أو عملهم أجراء في أراضيهم التي تم نزعها منهم !! ، وسيطرة الوافدين الجدد علي الأراضي الزراعية كما حدث في جنوب كردفان (التجار، الموظفون، ضباط الجيش ) في مشاريع الزراعة الآلية في مثل : هبيلا ، ابوجبيهة ، الترتر ، تلودي ، الأزرق الليري. الخ ، مما أدي لاستقطاب طبقي لصالح أغنياء المزارعين العاملين في الزراعة الآلية، مما أدي لانضمام أعداد كبيرة من أبناء النوبا للحركة الشعبية بسبب نهب أراضيهم الزراعية الخصبة.
كما أدت الزراعة الالية كما تابعنا في الكتاب الي تدمير الغطاء النباتي جراء قطع الأشجار ، وتدمير البيئة والجفاف والتصحر الذي حدث في العام 1983/ 1984، مما أدي لتصبح المناطق الخصبة التي تقطنها قبائل الفور والداجو والبرتي والبرقو هدفا للنزوح لها من قبائل الابالة (رعاة الأبل) من شمال دارفور، ومن الزغاوة الذين تضررت مراعيهم بعد مجاعة 1983/1984 ، ومع قيام نظام الانقاذ اتخذ الصراع طابعا اثنيا بعد تسليح القبائل الرعوية وتكوين الجنجويد بهدف نهب اراضي تلك القبائل الخصبة ومواردها المعدنية، علي أساس المفهوالإسلامي " الأرض ملك لله" وعدم الاعتراف بملكية الحواكير للقبائل ، وادي للنزاع في دارفور الذي ساندت فيه الحكومة الجنجويد مما أدي لمقتل أكثر 300 ألف ونزوح أكثر 2,5 مليون ، مما أدي ليكون البشير ومن معه مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية ، وما زال الصراع مستمرا لنهب الأراضي الخصبة والثروات المعدنية ، كما حدث في جبل عامر الذي استولي علي ذهبه قائد الدعم السريع حميدتي، وجبل مون . الخ.
هذا اضافة للصراع في شمال السودان ضد السدود ، وشركات التعدين التي تنهب اراضي السكان المحليين ، وتستخدم المواد الضارة بالبيئة ( الزئبق ، السيانيد. الخ)، اضافة لأثر انفصال جنوب السودان الذي فقد فيه السودان خمس اراضيه ، و 75% من عائد النفط ، وفبل ذلك في شمال السودان فقد السودان جزءا عزيزا من اراضيه وهي منطقة حلفا بكنوزها وأثارها التاريخية ، بعد اغراقها بقيام السد العالي.
وأخيرا نأمل أن تثير هذه الدراسة المزيد من الحوار حول قضية الأرض باعتبارها محور الصراع الاجتماعي في السودان.
تاج السر عثمان

















اولا :
الأرض في السودان القديم :
المقصود بالسودان القديم هنا هوالفترة التي تغطي عصورماقبل التاريخ ( العصور الحجرية) التي عُرفت فيها ملكية القبيلة للأرض والتقاط الثمار والصيد وغير ذلك من سمات المجتمعات القبلية البدائية ، والعصور التاريخية حتي قيام ممالك النوبة المسيحية في نهاية القرن السادس الميلادي، بمعني أن تاريخ السودان القديم ينتهي مع بداية قيام الممالك المسيحية، ومع بداية قيام الممالك المسيحية يبدأ تاريخ السودان الوسيط.
وعصور ماقبل التاريخ تشمل العصر الحجري القديم والوسيط والحديث " النيولوتي"، والعصور التاريخية تشمل حضارة المجموعات ومملكة كرمة، ومملكة نبتة ومملكة مروي ، وحضارة المجموعة(×)، حسب التسلسل الذي وضعه عالم الآثار" رايزنر
كيف كان وضع الأرض في السودان القديم ؟
تظهر مسألة ملكية الأرض في السودان باعتبارها ركيزة العمل في الزراعة والرعي مع قيام اقدم دولة سودانية هي مملكة كرمة كان ذلك نتاج التطور واتساع الفروق الاجتماعية وظهور الطبقات المالكة والتي كانت من وظائفها حماية امتيازات ( ملوك ، كهنه، إداريين ، موظفين …) وحماية التجارة وبسط الأمن، وبالتالي ظهر الجيش ليقوم بتلك الوظائف وتحت ظل هذه الدولة شهد السودان قيام أول مدن كبيرة وشهد أول انقسام بين المدينة والريف، كما تطورت التجارة مع المملكة المصرية وتطورت الصناعة الحرفية مثل الفخار ، السلاح، العناقريب
أدوات الزينة ..الخ. وشهد السودان أول انقسام طبقي وعرف المجتمع طبقتين أساسيتين : الطبقة المالكة التي تشمل الملوك، وحكام الأقاليم، والكهنة، والإداريين، والموظفين، والتجار، وطبقة الشعب التي تضم المزارعين، والحرفيين، الرقيق ، الرعاة. كما عرفت دولة كرمة الفائض الاقتصادي الناتج من تطور الزراعة والرعي والتجارة والصناعة الحرفية ويتضح ذلك من الاكتشافات الأثرية التي أمدتنا بمعلومات عن تطور في تلك الجوانب .وعلي أساس هذه القاعدة الاقتصادية ولعوامل متداخلة ومتشابكة دينية وسياسية نشأت الدولة ويبدو أن تراكم الفائض الاقتصادي في يد الكهنة من العوامل التي أدت إلى قيام الدولة ونشأة المدينة التي قامت حول معبد أو مبني ديني ويتضح ذلك من الأراضي الزراعية التي كان يملكها الكهنة والتي كانت تمد الدولة والمعابد بالاحتياجات.
كما تظهر قضية الأرض في مملكة نبتة في الآتي :
جاء في قطعة أخرى يصف فيها (هارسيونيق) رحلته لارض نبته ،
حيث تم تتويجه يقول فيها :-
ياملك ارض المحس
تعال مندفعاً مع تيار النهر إلى..
تعال هنا لمعبد آمون ..
أعطى تاج الملوك ارض المحس
لاهبكم كل البقاع
ولاهبكم الفيضان العميم .
والأمطار الدافقة ..
واضع كل الأعداء تحت رحمتكم
فلا عاش من يعاديكم
والدم .. الدم .. للأعداء
من هذه الوثيقة تتضح وظائف أخرى من وظائف الملوك منها :ـ
أن الملك هو ممثل الاله آمون في الأرض ، وان هذا الملك هو الذي يهب الرعايا ( كل البقاع)
وإذا جاز التفسير يمكن القول بان الملك هو المتحكم في كل الأراضي الزراعية الخصبة التي يهبها لرعاياه للعمل فيها ، وانه يهبهم الفيضان العميم اللازم للزرع والضرع وبحسبان أن النيل هو عصب حياه رعايا نبته ، إضافة للأمطار الدافقة التي تسبب الفيضان والتي بدونها لا تكون حياة .
مملكة مروي
كانت مملكة مروي (300ق.م -350م) تطوراً ارقي واوسع في مسار الدولة السودانية ، وفيها تجسد الاستقلال الحضاري واللغوي والديني.
- في الجانب الاقتصادي: تطورت أساليب وفنون الرعي وتربية الحيوانات، حيث ظهر اهتمام اكبر بالماشية وبناء الحفائر لتخزين المياه واستعمالها في فترات الشح.
- دخلت الساقية السودان في العهد المروي ، واحدثت تطوراً هائلاً في القوه المنتجة حيث حلت قوة الحيوان محل قوة الإنسان العضلية ، وتم إدخال زراعة محاصيل جديدة ، أصبحت هنالك اكثر من دورة زراعية واحدة.
- ازدهرت علاقة مروي التجارية مع مصر في عهود البطالمة واليونان والرومان ، وكانت أهم صادرات مروي إلى مصر هي: سن الفيل والصمغ والروائح والخشب وريش النعام بالإضافة إلى الرقيق ، وكانت التجارة تتم بالمقايضة .
- شهدت مروي صناعة الحديد الذي شكل ثورة تقنية كبيرة. وتم استخدامه في صناعة الأسلحة وأدوات الإنتاج الزراعية مما أدى إلى تطور الزراعة والصناعة الحرفية ، كما تطورت صناعة الفخار المحلي اللامع .
واخيراً يمكن أن نتصور أن ملوك مروي الذين كانوا يحكمون باسم الآلهة ، كانت لهم سيطرة مطلقة علي الرعايا ، كما كانوا يمتلكون الأراضي الزراعية ويعتبرون العاملين فيها عبيداً لهم ، هذا إضافة إلى الضرائب والإتاوات التي كانت تصلهم من الرعايا والأقاليم وغنائم واسلاب الحروب ومن عائد التجارة ، وعليه يمكن أن نتصور أن هؤلاء الملوك جمعوا ثروات تم تحويلها إلى كنوز من الذهب والفضة وانفاق جزء كبير منها في بناء الأهرامات والأعمال الفنية العظيمة الشامخة التي تلمسها في أطلال وأثار ـ مروي / كبوشية .











ثانيا :
الأرض في ممالك النوبة المسيحة
ملكية الأرض:
لم توضح لنا المصادر التاريخية شيئاً كثيراً عن ملكية الأرض أو علائق الملكية، ولكن المسعودي في كتابه: مروج الذهب أورد ما يلي حول هذا الموضوع. ( ولمن بأسوان من المسلمين ضياع كثيره داخله بأرض النوبة يؤدون خراجها إلي ملك النوبة وابتيعت هذه الضياع من النوبة في صدر الزمان في دولة بني أمية وبني العباس.
وقد كان ملك النوبة استعدي المأمون حسين داخل مصر علي هؤلاء القوم بوفد أوفدهم إلي الفسطاط، ذكروا أن ناساً من أهل مملكته وعبيده باعوا ضياعاً من ضياعهم ممن جاورهم من أهل أسوان، وأنها ضياعه والقوم عبيده ولا أملاك لهم وإنما تملكهم علي هذه الضياع تملك العبيد العاملين فيها.
فرد المأمون أمرهم إلي الحاكم بمدينة أسوان ومن بها من أهل العلم والشيوخ وعلم من ابتاع هذه الضياع من أهل أسوان أنها ستنزع من أيديهم فاحتالوا علي ملك النوبة بأن تقدموا إلي من ابتاع منهم من أهل النوبة أنهم إذا حضروا حضرة الحاكم ألا يقروا لملكهم بالعبودية وأن يقولوا سبيلنا معاشر المسلمين سبيلكم من ملككم تجب علينا طاعته وترك مخالفته فإن كنتم أنتم عبيداً لملككم وأموالكم له فنحن كذلك.. فلما جمع الحاكم بينهم وبين صاحب الملك أتوا بهذا الكلام للحاكم أو نحوه معا؟ً وقعوا عليه من هذا المعني.. فمضى البيع بعدم إقرارهم بالرق لملكهم إلي هذا الوقت وتوارث الناس تلك الضياع بأرض النوبة من بلاد المريس وصار النوبة أهل مملكة هذا الملك نوعين، نوع ممن وصفنا أحرار غير عبيد، والنوع الآخر من أهل مملكته عبيد وهم من سكن النوبة في غير هذه البلاد المجاورة لأسوان..(1) من هذه الرواية التي قدمها المسعودي يمكن استنتاج بعض الملاحظات حول ملكية الأرض وعلاقة ملك النوبة برعاياه..
1- من الناحية النظرية كان ملك النوبة يعتبر الأرض ملكه، ولا حق لرعاياه في ملكية خاصة لها أو التصرف فيها بالبيع أو الشراء أو غير ذلك..
2- كل رعايا ملك النوبة الذي يعملون في ضياع معينة يعتبرون عبيداً لملك النوبة. وأن تملكهم لهذه الضياع تملك العاملين فيها.. وهذا وضع يختلف عن علاقة حاكم المسلمين في مصر مع رعاياه، بمعني أن رعاياه لم يكونوا عبيداً له وأموالهم ليست له.. ومن خلال وصف المسعودي نرى أنه صار النوبة من أهل مملكة هذا الملك نوعين.
- نوع ممن وصفنا أحراراً غير عبيد.
- والنوع الثاني من أهل مملكته عبيد وهم من سكن النوبة في غير هذه البلاد المجاروة لأسوان وهي بلاد مريس (نوباطيا)، ونستخلص من ذلك أن مواطني مملكة النوبة كانوا عبيداً لملك النوبة وأن الأرض الزرع والضرع كانت تعتبر من أملاك ملوك النوبة وأن شكل النظام الاجتماعي الذي كان سائداً في بلاد النوبة لم يكن يكفل للرعايا حقوقهم.
جانب آخر نلاحظه، هو أن الإسلام كان مدخلاً لرعايا النوبة للتخلص من عبودية ملك النوبة كما حدث لمواطني النوبة المسلمين في أسوان أي أن الإسلام لعب دوراً تحرراً تقدمياً واجتماعياً في تخطي عبودية الرعايا لملك النوبة، وكان هذا واحد من عوامل انتشار الإسلام بين النوبة في مصر وفي بلاد النوبة فيما بعد..
3- هناك خراج كان يدفعه الفلاحون أو الرعاة من إنتاجهم الفائض بعد خصم ما يكفي معيشتهم، أي بعد خصم الناتج الضروري، ولم تحدد لنا المصادر التاريخية نسبة هذا الخراج، ولكن من قرائن الأحوال طالما كانت الأرض هي من أملاك ملوك النوبة مع العاملين فيها فإن الفائض كان يذهب لملوك النوبة.. والفلاحون كانوا يعملون وفقاً لعلاقات الإنتاج العبودية أو نظام السخرة، مقابل معيشتهم وأولادهم .. وربما كانت هنالك نسبة يأخذها ملك النوبة كما كان يأخذ الفرعون في مصر القديمة(1)
4- يمكن أن نستنتج أيضاً أن الفلاحين كانوا يملكون حق الانتفاع بالأرض وفي هذا الإطار يتم تقييد الملكية الخاصة، ويمكن أن يورثوها لأبنائهم (كانت الوراثة عند النوبة تتم من جهة الأم).. ولكن نفهم مما ورد في كتاب المسعودي أن الفلاحين ليس لهم حق بيع هذه الأراضي، وكان هذا هو نزاع ملك النوبة مع رعاياه في أسوان، إذ أنه أعتبر المواطنين النوبيين عبيداً له، وإن الأراضي هي أملاكه ولا يجوز لهم بيعها أو التصرف فيها، وأن عملهم فيها هو عمل العبيد..
وهذا يلقي بعض الضوء علي ملكية الأراضي في سودان وادي النيل في العصور الوسطى في ممالك النوبة، وإن كان هذا الموضوع يحتاج إلي استجلاء من مختلف الجوانب وهذا ما لا نملكه الآن لشح المصادر.

ثالثا:
الأرض في مملكة الفونج

ملكية الأرض – الزراعة – الرعي :-
نبدأ بركيزة العمل الأساسية في الزراعة والرعي وهي الأرض وملكيتها .
1. في ممالك النوبة المسيحية كانت الأرض والرعايا من أملاك الحاكم ، ولم تكن هناك حقوق تنظم ملكية الأرض ، وكان الفلاحون يعتبرون عبيداً لملك النوبة أو من ينوب عنه في المناطق البعيدة عن السيطرة المباشرة للملك وبالتالي لم يكن للمزارع الحق في التصرف في الأراضي بالبيع والشراء .
وكان ملك النوبة أو من ينوب عنه يستحوذ على كل الإنتاج الزراعي الفائض بعد أن يحسم الجزء الضروري من المحصول الذي يكفي لمعيشة المزارع وأسرته ، وكان مجموع النتاج الزراعي الفائض يوزع على الطبقات المالكة (ملوك) موظفين (قادة الجيش) كهنة أو رجال دين ...) أي الطبقات التي تحكم ولكن لا تشارك في عملية الإنتاج .
وبالتالي فإن المزارع كان يعيش في فقر دائم ومستمر والواقع أن تعبير المزارع هنا ليس دقيقاً فنحن هنا لسنا أمام نظام أقطاعي كما هو الحال في أوربا القرون الوسطي حيث كان الفلاح يمتلك قطعة أرض يقسم العمل فيها على أساس عمل ثلاثة أيام في أرضه وثلاثة أيام في أرض الأقطاعي أو أرض الكنيسة أو الدير وكان عائد عمله يعود له وهو يشكل العمل الضروري لمعيشته ومعيشة أولاده ، أما نتاج عمله في أراضي الاقطاعي أو الكنيسة وهو ما يسمى بالنتاج الفائض الذي يستحوذ عليه الاقطاعي أو الكنيسة وهذا هو أساس حكم الطبقات الأقطاعية التي كانت تحكم في أوربا القرون الوسطي .
أما في مملكة النوبة المسيحية فقد كان الوضع يختلف ، فالفلاح نفسه كان عبداً لملك النوبة وكانت علاقة الإنتاج هي نفسها علاقة الإنتاج في المجتمع العبودي ، أي أن ملك النوبة أو الكنسية أو الدير كان يستحوذ على كل النتاج الفائض مقابل معيشة العبيد وأولادهم . وتلك كانت مرحلة متخلفة من النظام الاقطاعي الذي كان سائداً في سودان وادي النيل في بداية العصور الوسطي وحتى قيام دولة الفونج ، فماذا حدث بعد قيام دولة الفونج ؟
2. بعد قيام دولة الفونج حدثت تطورات جديدة فيما يختص بملكية الأرض وفيما يختص بالطبقات ، فقد ظهرت طبقة المزارعين بالشكل المعروف وبالمعني الدقيق ، أي المزارع الذي كان يعمل في أرضه أو أرض زعيم القبيلة أو الشيخ ، ويتم توزيع نتاج عمل المزارع (محصوله) بنسب معينة أو مقابل ضرائب أو خراج للسلطان أي أن عمل المزارع أنقسم إلى عمل ضروري يكفي لمعيشة أولاده ، وعمل فائض يوزع بنسب معينة على مالك الأرض أو شيخ الطريقة أو السلطان (زكاة ، فطرة) وبالتالي ظهر نوع جديد من الاستغلال أصبح يعاني منه المزارع كما ظهرت أيضاً طبقة التجار التي كانت نواتها من التجار العرب والمسلمين الأجانب الذين بدأوا يتكاثرون في أرض النوبة منذ إتفاقية البقط ، وظهور هذه الطبقة كان تعبيراً جديداً عن تطور الإنتاج الزراعي والصناعة الحرفية ، أي تقسيم جديد أرقى للعمل، والتجار أرتبطوا مع المزارع بعلاقة جديدة .
هذه هي أبرز التطورات التي شكلت طوراً أرقي من أطوار التقدم الاجتماعي الذي حدث مع ظهور دولة الفونج .
3. ملكية الأرض : بعد قيام دولة الفونج وعلى نسق الأقطاع الشرقي أصبح السلطان هو المالك الأساسي لكل الأراضي ، وكان من وظائف السلطان أنه كان يقطع الأرض ويحدد كيفية استغلالها وكانت هذه الاقطاعات تهب لأعيان الدولة أو السلطان نفسه أو شيوخ الطرق الصوفية وفي كل حالة يحدد الخراج أو الإعفاء منه.
(للمزيدمن التفاصيل راجع د. ابو سليم ، الفونج والأرض ، وثائق تمليك ، 1967، ود. ابوسليم ، الفور والأرض ، وثائق تمليك 1975، راجع ايضا أ.س. بولتون ، أضواء علي الملكية الزراعية في السودان، ، ترجمة هنري رياض ، الخرطوم مكتبة خليفة عطية، بدون تاريخ).
هذا فيما يختص بالأراضي التي تزرع بأساليب مختلفة سواء كانت بالرى الانسيابي أو الري المطري أو الرى بالسواقي ، أما أرض المرعى فهي لتربية الحيوان لا الفلاحة ( الفلاحة هنا معيشية فقط ليست حرفة أساسية ) فعلاقة الملكية هنا جماعية بحكم ظروف المرعي فالأرض مفتوحة للقبيلة كلها .
أي أن العلاقة القانونية هي أن الأرض ملك للجماعة أو القبيلة كلها مسئولة عن حمايتها من تغول القبائل الأخرى سواء كان بالنزوح الدائم إليها أو النزوح من أجل المرعي وعن تنظيم الرعي ودورته ويمثل سلطة القبيلة شيخها ويدفع شيوخ القبائل نسبة معلومة من الضرائب أو الخراج لشيوخ العبدلاب أو لسلطان الفونج .
ثم هناك الغابات وهي منطقة عامة للجماعة أو القبيلة كما أن استغلالها على الشيوع في حدود الجماعة أو القبيلة فإن ملكيتها على الشيوع أيضاً بنفس المقدار وتنظم كل قبيلة حسب أعرافها وتقاليدها حق كل بطن وكل أسرة وكل فرد من هذا ،الملك وشيخ القبيلة بمعاونه حفظة العرف وهو المنوط بتطبيق ما هو معقود بعرف القبيلة أو تقاليدها .
ويدفع شيخ القبيلة خراجاً معلوماً من نتاج عمل الغابة (خشب ، صمغ.) لسلطان الفونج أو الفورنخلص من ذلك إلى أن دولة الفونج عرفت الملكية الخاصة للأراضي الزراعية بحجج معينة من السلطان والملكية على الشيوع أو ملكية القبيلة فيما يختص بأراضي المراعي والغابات وفي كل الأحوال كان خراج هذه الأراضي يصل للسلطان أي أن النتاج الزراعي والرعوي الفائض كان يصل جزء منه للسلطان في شكل محاصيل أو ماشية (جمال – بقر - ضأن) ، هذا هو الأساس الاقتصادي والمادي لسيطرة حكام الفونج السياسية .
4. بين أيدينا وثائق توضح كيفية تمليك الأرض في مملكة الفونج الوثائق عددها 44 وثيقة نشرها وحققها د. محمد إبراهيم أبوسليم ود.ح.ل. أسبولدنق. وصدرت عن دار النشر بجامعة الخرطوم 1992م بعنوان (وثائق من سلطنة سنار في القرن الثامن عشر).
ومن تلك الوثائق يمكن أن نستخلص الأتي حول ملكية الأرض في السلطنة الزرقاء :-
أ‌. هناك أراضي التي كان يمنحها سلاطين الفونج للشيوخ والفقهاء وهي معفية من الضرائب بأنواعها المختلفة الشرعية والعرفية .
ب‌. التمليك له صفة مستديمة تستمر طيلة حياة الشخص صاحب الملكية وتمتد إلى ورثته أو إلى ذرية المالك ، كما يرد في الوثائق "إلى أن يرث الله الأرض وما عليها" ( انظر الوثائق ، ص 66)..
ج‌. يجوز لصاحب الملكية أن يتصرف في الأرض بالبيع ومثال على ذلك ما جاء في الوثيقة
أن الفقيه الأمين بن الفقيه حمد بن محمد المجذوب أشتري من أمنة بنت محمود زوجة حمد ولد عون الله عود ونصف من السعدنابية بسبعة ثياب وفردة مما يشير إلى أن قيمة العود ونصف كان سبعة ثياب وفردة.
د‌. هناك ضرائب شرعية وعرفية كان يدفعها أصحاب الأراضي للسلاطين مثل : السبل ، علوق ،شرور ، تورات ، كليقة ، خدمة ، نزول ، جسارة ، خسارة ، ضيافة ، عادة ، عانة ، قل ، جل ، مخلا ، سنسنة ، كسرة (للمزيد من التفاصيل، راجع تاج السر عثمان الحاج، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م). .
هـ. التمليك يتم في حجة تسمى سلطانية أو ملوكية عليها ختم السلطان والشهود وكاتب الوثيقة .
و‌. كان سلاطين الفونج أيضاً يمنحون أراضي لشيوخ القبائل لينتفع بها أفراد قبيلة الشيخ وآخرين ويكون خراجها لشيخ القبيلة ، مثال الأرض التي منحها السلطان بادي بن دكين للشيخ عوض الكريم أبو سن كما ورد في الوثيقة ( انظر الوثائق، ص52).
وفي هذه الحالة أيضاً يحق للشيخ أن يؤجرها وينتفع بخراجها .
ز‌. الوثائق أيضاً تفيدنا في معرفة أسماء بعض المناصب القيادية من الشهود الذين كانوا يشهدون على الوثائق التمليك مثل مقدم الخيل ، مقدم القواويد ، مقدم السلطية ، مقدم السواكرة ، سيد القوم ، العمال ، الجراي. الخ
ح‌. من الوثائق نفهم أن الشيوخ والمقاديم والجراي هم الذين كانوا يقومون بجمع الضرائب .
ط‌. كما تفيدنا الوثائق ببعض الألقاب التي كانت سائدة لأبناء الطبقات العليا في المجامع مثل الأرباب .
وتفيدنا أيضاً بأسماء كانت سائدة في تلك الفترة مثل شاور ، مسمار ، جيت ، دكام ، شمام ، الأسيد ، زقبير ، الشوش ، دقيس ، مكاوي ، مرناتي ، هينو ، هاكبت ، برقاوي .... الخ .
* مع تطور الإنتاج الزراعي والإنتاج الصناعي الحرفي ( للمزيد من التفاصيل عن تطور آساليب الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي، راجع ، تاج السر عثمان الحاج لمحات من تاريخ سلطنة الفونج) ، ظهرت التجارة كحرفة مستقلة ، وبالتالي ظهرت رأسمالية تجارية كدست الفائض الزراعي في شكل عينى أو نقدي ، ومع ظهور تلك الطبقة حدث تطور إجتماعي واقتصادي وظهر التملك الخاص للأراضي بما في ذلك حق الشراء والبيع والإيجار والوراثة ، ففي السابق ، كما ذكرنا كانت الأراضي تعتبر ملكية جماعية في الفترة التي سبقت قيام مملكة نبته ومروى والنوبة وبظهور هذه الممالك أصبحت ملكية الأرض الزراعية كلها من نصيب الملوك أو الكهنة والعاملون فيها عبيداً لهم . وبعد ظهور دولة الفونج وحسب ما ورد في وثائق تمليك الأرض كان السلطان يصدر الوثائق بتمليك وتخصيص بعض الأراضي الزراعية لبعض الأشخاص ومنهم مشايخ وقادة الطرق الصوفية ، وأصبح من الممكن أن يرث أبناء هؤلاء هذه الأراضي ، وأن يعاد توزيعها إلى مساحات زراعية متعددة ولكن دون التصرف فيها بالبيع في تلك الفترة .
وعندما بدأ التفكك وتحلل سلطنة الفونج أصبح من الممكن التصرف في تلك الأراضي بالبيع والشراء وغيره ، وفي بعض الممالك النيلية قام الأثرياء وأصحاب النفوذ الاجتماعي بالإستحواذ على مساحات واسعة من الأراضي ليقوموا بزراعتها بواسطة العبيد ، وفي المناطق الأخيرة قام ملاك الأراضي بتقسيمها إلى مساحات صغيرة وعرضها للأيجار عن طريق المشاركة في الإنتاج ، وهكذا تحولت حقوق استغلال الأراضي إلى ملكية خاصة حقيقية .
(O. Fahey and Spaulding Kingdom of Sudan, London 1974, P. 81- 82)
وهكذا يمكن أن نستنتج أن الملكية الخاصة للأرض بدأت تظهر وتتطور بقيام دولة الفونج وفي كتاب الطبقات يرد مثال طريف للكيفية التي سيطر بها سلاطين الفونج على أراضي النوبة والذي ورد فيه ما يلي " رفض الشيخ إدريس نصف دار العسل والبصل التي منحها له الملك بادي بن رباط ملك سنار ، امتنع الشيخ وقال لهم : هذه الدار دار النوبة وأنتم غصبتوها منهم ، أنا ما بقبلها الرسول (ص) قال " من سرق شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين " وقال لهم : أعطوني الحجز في كل شيء وأعطاه الملك الحجز في كل شيء كما طلبه .
(طبقات ود ضيف الله، تحقيق د. يوسف فضل ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، ط 3 1985، ص 60)
ويوضح د . يوسف فضل دار العسل والبصل بقوله :

ربما قصد بها المناطق التي تنتج تلك المحصولات فالعسل ينتج في منطقة كركوج وسنجة وهو الجزء الجنوبي من سلطنة الفونج ، بينما يزرع البصل في دار الشايقية (دنقلا) وهي الجزء الشمالي والحجز بمعني الوساطة وفض المنازعات والصلح بين المتشاجرين ومثال ذلك الشيخ إدريس هو تعبير مكثف لعلاقات الملكية الجديدة والتي بدأت باغتصاب ملوك الفونج عن طريق العنف والسلب والنهب لأراضي النوبة تمهيداً للسيطرة عليها ولقيام علاقات الملكية الجديدة ، التي تبدأ بتقسيم سلطان الفونج الأراضي بحجج معينة وبنسبة معينة من الخراج .
وجاء في الطبقات مثال لذلك عن زراعة أراضي حمد ودام مريوم ما يلي : " ومنها أن دار زراعته مسك للسلطنة عليها نصف الخراج بلقط الورق (ورق اللوبيا) والقرون (الباميا) والقنقر (الذرة الشامية) يقسم نصف سلطنة يديهم أياه . ( )
وهذا مثال لتوزيع خراج حمد ود أم مريوم الذي كان يأخذ نصفه ويذهب النصف الأخر للسلطان الذي أقطعه الأرض .




رابعا :
الأرض في سلطنة دارفور
ملكية الأرض :
نبدأ بركيزة العمل الأساسية في عملية الإنتاج الزراعي والرعوي وهى الأرض ، ومن ثم دراسة علائق الملكية والتوزيع .
معلوم إن السلطان موسى بن السلطان سليمان سولونج هو أول سلطان من سلاطين دار فور يضع سياسة شاملة إزاء الأرض ، وقد اعتبر كل أراضى السلطنة ملكا خاصا له ، يقول شقير ًً وقد عمل السلطان موسى بالنظام المشهور في الشرق فيما يتعلق بملكية الأراضي ، فجعل البلاد كلها ملكا للسلطان ، وقسّم بلاد الحضر إلى حوا كير أو اقطاعات ، وزعها على أهله واخصائه وكبار قومه بحجج مختومة بختمه ، فعاشوا بريعها هم واهلها المزارعون ، وكذلك قسّم البادية وخص كل قبيلة بأمير من أبناء السلاطين ، أو بعين من الأعيان يجبى زكاتها ، وجمع السلطان نصيبه من الزكاة والفطرة والعشور حسبما يفرضه الشرع الإسلامي .
وكان المقاديم يجمعون الزكاة من البادية وملوك الجباه يجمعون الفطرة والعشور من الحضر وربما تنازل السلطان عن نصيبه في الحاكورة أو القبيلة فاعفى صاحبها حجه بالجاه ، فلا يقربه أحد من الجباه أو المقاديم ، وقد جرى على هذا النظام جميع السلاطين الذين أتوا بعد السلطان موسى إلى انقضاء السلطنة
( نعوم شقير ، تاريخ السودان، تحقيق د. ابو سليم،، بيروت دار الجيل 1981، ص 162- 164) .
كما نفهم مما أورده د . أبو سليم في كتابه ( الفور والأرض ) أن السلطان موسى هذا هو نفسه الذي ألغي نظام النواب من أهل البلاد وقد عين موسى أربعة مقاديم من اخصائه في أقاليم السلطنة الأربعة وجرد النواب من السلطنة ، أي انه جرّد هذه البقية الباقية من القوى المحلية من السلطة الإدارية ، كما جردها من القوى الاقتصادية بجعل ملكية الأرض والتصرف فيها في يده بعد أن كانت في يد هؤلاء ، فالتجريد الإداري واكبه تجريد اقتصادي
( د. محمد إبراهيم ابو سليم ، الفور والأرض، وثائق تمليك ، معهد الدراسات الآفرو- آسيوية ، جامعة الخرطوم ، 1975، ص 75 ) .
هكذا نصل إلى بعض سمات * النظام المشهور في الشرق فيما يتعلق بملكية الأراضي على حد تعبير شقير ، ويمكن أن نحدد هذه السمات في الآتي :
ا _ أصبحت الأراضي كلها تابعة للسلطان ( ملكية الدولة _ الملك ) والسلطان هو الذي يتصرف فيها وقسمها إلى حوا كير أو اقطاعات بشروط معينة كما تم ذكرها أعلاه .
ب _ استندت الضرائب على الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية المستمدة من التقاليد السابقة للسلطنة .
ج _ نفهم مما أورده شقير ود . أبو سليم انه قبل قيام السلطنة الإسلامية كان النواب هم الذين يتصرفون في الأراضي ، وبقيام السلطنة تحول هذا الحق إلى السلطان ، أي أن التجريد السياسي واكبه تجريد اقتصادي .
التاريخ السابق لللاسلام في دار فور ، أي التاريخ الاجتماعي لقبائل وشعوب دار فور البدائية غامض وغير واضح بشكل كامل والروايات الوطنية أو الشفهية متضاربة ، ولكن من تلك الروايات يمكن أن نرسم لوحة عامة لذلك التطور قياسا على التطور الذي حدث للقبائل البدائية التي بدأت حياتها اعتمادا على الصيد والتقاط الثمار ، ثم اكتشفت الزراعة والرعى بعد تطور تاريخي طويل ، بعد تفكك نمط الإنتاج البدائي ، وظهور أول انقسام طبقي الذي تطور وأدى إلى ظهور الدولة والجيش والسلالات الحاكمة التي تركزت عندها فوائض الإنتاج الزراعي والرعوي ، واصبحت هي المالكة لللاراضى من الناحية النظرية .
وفى الرواية الشفهية التي أوردها آدم الزين في كتابه التراث الشعبي لقبيلة المسبعات والتي قارنها احمد عبد الرحيم نصر مع روايات إبراهيم إسحاق وعبد الله آدم خاطر وعلى بحر الدين وماكمايكل وشقير ودى كاليفان ويوسف فضل وسلاطين باشا واوفاهى وخلص إلى أنها نموذج مكتمل بالنسبة إلى الروايات الأخرى
( آدم الزين ، التراث الشعبي لقبيلة المسبعات "شرق الفاشر" ، سلسلة دراسات في التراث السوداني "10" الخرطوم ، شعبة أبحاث السودان كلية الآداب جامعة الخرطوم مارس 1970 ، ص 12- 18، في د. أحمد عبد الرحيم نصر : رصد دراسة لبعض جوانب السيرة الهلالية في السودان ، في مجلة الدراسات السودانية ، معهد الدراسات الآفرو- آسيوية ، عدد 1 ، 2 مزدوج المجلد الثاني ، اكتوبر 1988م ، ص 102 ) .
وسوف نعتمد على هذه الرواية والتي ما يهمنا منها انه جاء فيها أن القبائل الأصلية التي كانت موجودة في دار فور هي التنجر والدا جو والفور بل دخول العرب ، وان هذه القبائل كانت تعتمد على الصيد في معيشتها ، وكان الفائض من لحم الصيد ُيقطع ويٌجفف ( ٌيشرمط ) ، ونسبة لعدم وجود العملة فقد كانوا يقايضون الحم المجفف ( الشرموط )بالعيش أو بالشطة ، كما يرد في الرواية إن بعض القبائل مثل البديات كان يعيش على نهب وسلب القبائل الأخرى.
ونفهم من الرواية انه كانت توجد قبائل أخرى اكتشفت الزراعة أو لها إنتاج زراعي فائض من الذرة والشطة وغيرها والتي تقايضها باللحم المجفف ، ونفهم أيضا من هذه الرواية أن حرفة الرعى ظهرت بشكل واسع مع دخول القبائل العربية الرعوية ( البقارة والابالة ) ، هذا إضافة للقبائل النيلية مثل الهبانية والرزيقات وبنى هلبة والتعايشة والمسيرية والحمر والحوازمة. الخ ، واستقر الابالة في شمال دار فور والبقارة في جنوب دار فور . مع تطور حرفة الزراعة والرعى ، بدأت تظهر السلالات الحاكمة ، فنسمع عن ممالك الداجو والتنجر حول جبل مرة وغير ذلك .
وبظهور هذه الممالك ، بدأ نمط الإنتاج البدائي الذي كان قائما على التعاون ( نفير ، فزعه ) يتفكك تدريجيا ، واصبحت السلالات الحاكمة هي المالك الفعلي للارض ، واصبحت فوائض الإنتاج الزراعي والحيواني تتركز عندها عن طريق الضرائب حسب الأعراف المحلية والتي أطلق عليها السبل بأنواعها المختلفة .
ومع تطور حرفة الزراعة والرعى ازدادت أهمية الأرض باعتبارها ركيزة العمل الأساسية ، وربما تعايش وجود هذه الممالك ( الداجو التنجر. الخ) مع نمط الإنتاج القريب من المشاعة البدائية .
وفى حالة غرب إفريقيا كما يقول د. سمير أمين ً تتشكل الدولة في الأصل من مجموعة الحكام وبلاطه ، ومثل هذه الطبقة الحاكمة لا تخضع للمواصفات الكلاسيكية للعبودية أو الإقطاع ، ورغم أن العبودية لم تكن مجهولة في ظل الدولة الجنينية تلك ، الاانها لم تكن قد أصبحت بعد نمط الإنتاج السائد ، وإذا كان العبيد وهم عادة أسرى حرب يعملون خدما في المنازل لدى الملك ورجال البلاط والإداريين والعساكر ، ولذا لم تكن وظيفتهم في المجتمع وظيفة اجتماعية" (سمير أمين ، الصراع الطبقي في أفريقيا ، مجلة الفكر المعاصر ، مايو 1979 ، ص 12 ، ترجمة بيومي قنديل).
ومعلوم أيضا انه في دولة كهذه ، فان الفائض في الإنتاج الزراعي ( السبل العادية ) أو الشطر الأكبر يذهب لرجال الدولة ( عساكر موظفين ، خدم ، رجال الدين.الخ ) .
هكذا أو يشكل افضل منه ، يمكن تصور الملامح العامة للوضع قبل قيام سلطنة دارفور ، والتي شكلت حلقة أرقى واوسع في مسار تطور الدولة في دار فور ، كما حدث تطور جديد في نظام ملكية الأرض والتي كان النواب من البلاد يملكون أراضى البلاد التي كانوا يديرونها ويتصرفون فيها ، وعندما السلطان موسى اعتبر كل أراضي السلطنة ملكا خاصا ، وكما لاحظ د. أبو سليم فان ً التجريد الإداري واكبه تجريد اقتصادي ً. وهذا هو التطور الجديد الذي ظهر مع بداية نشؤ سلطنة دار فور الإسلامية ٌ. وهكذا اصبح السلطان من الناحية النظرية يمتلك كافة أراضى السلطنة ملكية مطلقة ، بل واعتبر السكان عبيدا له ، وهذه الملكية تم دعمها بالإضافة للعنف والقهر بمبررات استندت إلى الشريعة الإسلامية والأعراف والموروثان المحلية .






خامسا :
الأرض في فترة الحكم التركي – المصري
جاء احتلال محمد على باشا للسودان عام 1821 م في إطار إستراتيجيته لنهب ثروات السودان المادية والبشرية باعتباره أحد مصادر التراكم لتحقيق النهضة الصناعية والزراعية وبناء الجيش العصري في مصر، أما عن طبيعة الاحتلال فهو استعمار تركي- مصري قام على القهر والقمع.
كما شهدت فترة الحكم التركي توسعا في زيادة مساحات الأراضي الصالحة للزراعة مما أدى إلى زيادة المحاصيل الزراعية في الأسواق ، فنجد الحكومة في هذه تجلب عددا من خولية الزراعة وتعمل على تطوير زراعة القطن وتشق القنوات للتوسع في زراعة الأحواض وتشجيع تعمير السواقي ، وترسل الطلاب إلي مصر للتعليم والتدريب الزراعي ، وتجلب المحاريث لحراثة الأرض ، وتعمل على بناء المخازن في المراكز الرئيسية على طول الطريق إلى مصر لتوفير مياه الشرب لتسهيل الحركة التجارية وتصدير الماشية بشكل خاص ، كما اهتمت الحكومة بإدخال محاصيل نقدية جديدة مثل الصمغ ، السنامكى ، النيلة ، الخ ، واهتمت بالتقاوي المحسنة والأشجار المثمرة واهتمت بمكافحة الجراد .
ولكن رغم التحسينات التي أدخلتها الحكومة بهدف تطوير القوى المنتجة في الزراعة والإنتاج الحيواني ، إلا أن الضرائب الباهظة التي كانت تفرضها الحكومة على المزارعين والرعاة أدت إلى هزيمة هذا الهدف ، فقد هجر آلاف المزارعين سواقيهم في الشمالية ، كما
هرب آلاف الرعاة بمواشيهم إلى تخوم البلاد ، وهكذا نجد أن سياسة الحكومة التي كانت تعتمد على القهر والضرائب الباهظة أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني ، وبالتالي أدى ذلك إلى تدهور الأحوال المعيشية والمجاعات والأمراض والخراب الاقتصادي ، وغير ذلك مما شهده السودان في السنوات الأخيرة للحكم التركي _ المصري .
أشرنا في دراسة سابقة عن التشكيلة الاجتماعية للسلطنة الزرقاء ( راجع تاج السر عثمان الحاج ، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مرجع سابق)، الذي حدث في ملكية الأرض على يد سلاطين الفونج ، وتعرفنا على ذلك بشكل أفضل بعد نشر وثائق التمليك التي نشرها د . محمد إبراهيم أبو سليم في كتابه (الفونج والأرض) .
وفي فترة الحكم التركي حدث تطور جديد في ملكية الأرض وخاصة بعد صدور قانون 1857 الذي أصدره سعيد باشا ، والذي قنن فيه الملكية الخاصة للأرض ( البيع ، الإيجار ، الرهن.. ) . كما كانت الضرائب على صغار الملاك من المزارعين كبيرة ، وكان الذين يعجزون عن دفع الضرائب من المزارعين تبيع الدولة أو الحكام سواقيهم وأراضيهم إلى كبار ملاك آخرين ، ويتم تسديد الضرائب من العائد وتؤؤل ملكية الأرض إلى مالك جديد . وهكذا نلحظ بداية تركز في ملكية الأرض بالنسبة للقادرين وكبار الملاك ، هذا إضافة لارتفاع قيمة الأرض وخاصة بعد إدخال المحاصيل النقدية ، وارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي .
وكان كبار ملاك الأراضي إما معفيين من الضرائب أو يتهربون منها برشوة الحكام أو جباة الضرائب ، وهذا يوضح السبب في أن الثورة المهدية كانت في جزء منها ثورة صغار الملاك والفقراء الذين تضرروا من سياسة الحكم التركي الخاصة بالضرائب ونزع الأراضي منهم وبيعها لكبار الملاك المحليين والأجانب .
في فترة الحكم التركي – المصري ، عرف السودانيون الملكية الخاصة للأراضي وبيع الأراضي ورهنها وتوريثها حسب الشريعة الإسلامية والأعراف ، وكان ذلك بشكل أكبر واوسع مما كان عليه الحالة في سلطنة الفونج.
وكان ذلك من التطورات الكبيرة التي شهدها السودان في نظام ملكية الأراضي ، وتعبيرا عن ارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي ، نتيجة لادخال المحاصيل النقدية ( قطن، صمغ، نيلة، قصب سكر . .الخ).
خلاصة الأمر، عرف السودانيون خلال فترة الحكم التركي الملكية الخاصة للأرض وبيع الأراضي ورهنها وتوريثها حسب الشريعة الإسلامية ، وكان ذلك من التطورات التي شهدها السودان في نظام ملكية الأرض ، أو تعبيرا عن ارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي نتيجة لإدخال المحاصيل النقدية.
( للمزيد من التفاصيل، راجع، تاج السر عثمان الحاج، التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي، مركز محمد عمر بشير 2006).





سادسا:
الأرض في المهدية
ملكية الأرض :
عندما اندلعت الثورة المهدية ظهر نظام جديد لملكية الأرض ، وإن كان لا يختلف كثيرا عن مفهوم ملكية الأرض الذي كان سائدا في صدر الدولة الإسلامية في عهد الرسول ( ص ) ودولة الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية والدولة العباسية وحتى الدولة العثمانية . ومضمون هذا المفهوم يقوم على أساس أن خليفة المسلمين أو الإمام هو الذي يتصرف في الأرض أو يحدد كيفية استغلالها ، ويصدر التشريعات التي تحافظ على حقوق المنتفعين وحقوق المسلمين عامة .
وفي دولة المهدية كان الإمام المهدي يقوم مقام خليفة النبي ( ص ) أو خليفة المسلمين ، وبالتالي فإنه تصرف على النحو التالي :
أ – تعرض المهدي إلى الأرض لأول مرة في منشور صدر إلى أهالي زغاوة بمناسبة تعيين المك التوم أميرا على المنطقة وإرسال وفد معه لارشادهم ، جاء في ذلك المنشور ما يلي ( وأعلموا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، وقد أهلك الله المفسدين وغير أحكامهم والآن صرتم في زماننا وحكمنا، فعزيمة من الإمام محمد احمد المهدي بن السيد عبد الله إلى كافة من هو مؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف على حدود الله في الشرع واحيائه وحدوده في الزرع ولا يتخاصمون فيه ولا يدعى أحدكم وراثة الأرض عن آبائه وأجداده ليأخذ عنها خراجا أو يقيم من ساكن بها لأجل ذلك ) ( أبو سليم : الأرض في المهدية ، 1970 ، 13 – 14 ) .
ومعلوم أن تلك المنطقة التي وجه إليها المهدي منشوره ( أهالي زغاوة ) أو سكان الطرف الشمالي لإقليم دار فور والذي يسمي (دار الريح) ، كانت جزءا من سلطنة دار فور والتي شهدت نظاما سابقا حول ملكية الأرض التي كان ينظمها سلطان دار فور ، كما عرفت تمليك الأرض ( ألحوا كير ) بحجج معينة ، وبعد الحكم التركي عرفت أيضا الملكية الخاصة للأرض ، وبالتالي عرفت تلك المنطقة النزاع حول الأراضي ووراثة الأرض والخراج ( راجع د . أبو سليم : الفور والأرض ، 1975 ) .
وفي هذا الإطار وعلى ضوء هذه الخلفية نفهم توجيه المهدي الذي جاء فيه : وقف المشاجرة في طريق الزرع ، لايدعى أحد وراثة الأرض عن أجداده ، نهى عن أخذ الخراج .
ويعلق د . أبو سليم على هذا المنشور بقوله ( فالملكية بمقتضى هذا المنشور باقية ، ولكن حق الاستفادة من الأرض أصبح شائعا وشاملا لمن يملك ومن لا يملك .. ويبدو أن النقطة الرئيسية التي يهدف إليها المهدى هي خلق مجال للمعدمين لكي يزرعوا في أراضي الآخرين دون حرج أو استغلال لهم طالما أن هؤلاء الملاك لا يعملون فيها بأنفسهم ، ومن طرف آخر ، فإن هناك الجانب الأخلاقي الذي يدعو إليه المهدي وهو ألا يستغل المسلم مسلما آخر ) ( أبو سليم : الأرض .. ، 15 ) .
ويبدو أن تفسير د . أبو سليم لذلك غير متماسك للأسباب الآتية :
- من لا يملكون الأرض ( المزارعون ) كانوا يعملون في سلطنة دار فور وبعدها في فترة الحكم التركي والتي كانت قصيرة ( 1874 – 1881 ) ، أي تقريبا في سلطنة دار فور كانوا يعملون وفقا لعلائق إنتاج محددة : المزارع كان يدفع ضريبة ( خراج ) كانت تستند إلى الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية ، وبالتالي ، فإن من لا يملكون لم تكن لديهم مشكلة في حق الاستفادة من ملكية الأرض مقابل تلك الشروط ، بل وكانوا جزءا من الأرض لا يتغيرون بتغير المالك ، وبالتالي ، فإن عدم أخذ خراج منهم تعتبر خطوة من الناحية النظرية والمثالية ، أي كل عائد عملهم سوف يعود لهم مقابل تسديد الزكاة ، والزكاة تذهب للدولة . ولكن في هذه الحالة سوف يكون الملاك الذين يعيشون أساسا على ريع الأرض أو خراجها هم المتضررون ، أي عمليا نزعت منهم أو تغير وضعهم إلى الأسوأ من ملاك يعيشون على الريع والخراج إلى عاملين أو فلاحين .
وبالتالي ، نفهم إحلال مالك جديد للأرض أو تغيير في علائق الملكية لمصلحة المزارعين والمعدمين ، وفي هذه المرحلة ، مرحلة الكفاح المسلح كان المهدي على وعي شديد بأهمية مسألة الأرض ، وبالتالي ، فإن انحيازه للمزارعين كان واضحا ، إضافة إلى أن ضريبة الزكاة كانت معقولة مقارنة بضرائب سلاطين دار فور أو ضريبة الحكم التركي التي كانت باهظة ومعها قسوة وجلد وتعذيب في حالة تأخير السداد .
وهذا جانب من جوانب ثورة المهدي في فترة الكفاح المسلح ( 1881 – 1885 م) والذي كان انحيازه فيها واضحا لصغار الملاك والمزارعين والرعاة الفقراء والذين كانوا عظم الظهر الأساسي للثورة في تلك الفترة ، كما أشار المهدي نفسه في أحد منشوراته ، فمثلا جاء في منشور الدعوة ما يلي ( ثم أنى نبهت على بعض المشايخ وما أدركت من الأمراء فلم يساعدوني على ذلك أحد حتى استعنت بالله وحده على إقامة الدين والسنن ووافقني على ذلك جمع من الفقراء الأتقياء ) ( منشورات المهدية : 1979 ، 24 ) .
وفي المنشور نفسه يزيد المهدي هذه القضية وضوحا بقوله ( فمن له سعادة صدق بأني المهدي المنتظر ولكن الله جعل في قلوب الذين يحبون المال والجاه والنفاق مرض فلا يؤمنون حرصا على جاههم ورياستهم ( نفسه ، 26 ) .
وبالتالي نستنتج من ذلك أن دعوة المهدية في البداية كانت فاشلة وسط رجال الدين وزعماء القبائل وكبار موظفي الدولة من السودانيين وغيرهم من أصحاب المكانة في المجتمع السوداني .. ولكنها نجحت بعمق وسط الفقراء .
كثير من الباحثين أو المؤرخين يفسرون هذا الموقف للمهدى في أول منشور له حول الأرض من موقع أخلاقي أو مثالي ، استنادا إلى أسس نظرية فمثلا د . القدال يرى ( أن الدعوة المهدية انطلقت من مواقع التبشير بالعدالة المطلقة ( قدال : 55 ) وأن المهدي دعا أصحابه للترفع عن استغلال الغير .. وهذه هي الأسس النظرية التي قامت عليها سياسة الدولة في موضوع الأرض ) ( نفسه : 58 ) .
وفي اعتقادي ، أنه من غير السليم تحميل الأمور بأكثر مما تحتمل .. لا أعتقد أن المهدي كانت له أسس نظرية حول الأرض .. ولا اعتقد أن المهدية انطلقت من موقع التبشير بالعدالة المطلقة .. وواضح أنه لم تكن هناك عدالة مطلقة في أول منشور مشار إليه حول الأرض ، فانحياز المهدي كان واضحا للفقراء والمعدمين ، وسواء كان ذلك بوعي أو بغير وعي .. ولكنه كقائد كان يتمتع بذكاء وصدق الحدس ، فادرك من البداية أن عصب الثورة أو ضمان نجاحها يكمن في الانحياز للفقراء والمعدمين ، كما نلحظ تضرر كبار الملاك الذين يعيشون على الخراج أو الريع من هذه السياسة ، أي انه لم تكن هناك عدالة مطلقة ..
النقطة الثانية أن المهدي لم تكن له نظرية اقتصادية نبحث في فشلها أو نجاحها . فالمهدى كان ينطلق من الواقع ويأخذ في الاعتبار أحواله وأوضاعه المتغيرة ، فمثلا في رده على رسالة عامل بربر محمد الخير يورد ( ولكل حال وبلد وزمان ما يليق به والسلام ) ( الأرض في المهدية ، 25 ) ، أي انه لم يكن جامدا ، ولكنه كان يأخذ في الاعتبار ظروف وواقع كل منطقة وكل زمان .
وفي اعتقادي ، واستنادا على هذا المنهج ، فإن المهدي أخذ واقع الفقراء والمعدمين في بداية الثورة في الاعتبار ، وبالتالي ، فإن أول تشريع حول الأرض كان في مصلحة الفقراء من المزارعين وضارا بكبار الملاك الذين يعيشون على الخراج الذي أوقفه المهدي ..
وسنرى أن المهدي اتخذ مواقف جديدة تتلاءم مع ظروف وأوضاع جديدة بعد انتصار الثورة ، أي تخطيها مرحلة اندلاعها الأولي ( 1881 – 1884 ) .
ب – وجاءت المناسبة الثانية لذكر الأرض حوالي رجب سنة 1301 ه / مايو سنة 1884 في رده على استفسار حول عدد من المسائل وهذا الرد موجه إلى أحد عماله بالجزيرة دون ذكر اسمه بالتحديد ويرى د . أبو سليم ( ويغلب الظن أن العامل المذكور هو محمد الطيب البصير ومن المؤسف أن الاستفسار نفسه ضائع ويترك جوانب القضية في ظلام ) ( أبو سليم : الأرض، ص: 16 ) .
جاء ما يلي في الرد فيما يتعلق بالنقطة الخاصة بأمر السواقي والزكاة المفروضة ( واما ما ذكرتم من أمر السواقي إلى آخر ، فإن الساقية إن كانت لرجل واحد فتؤخذ منها الزكاة إذا بلغت ما فيه النصاب كالمشروع ، فإذا كانت الجماعة مشتركين فيها وهى بينهم لا يقتسمونها إلا يوم حصادها فتؤخذ الزكاة من جملتها ، وإلا بان الساقية لجماعة مشتركين فيها ، ولكن كل واحد منهم سابق لنفسه ببهائمه وخدامه ومتفرقة خدمة الجميع ، وكل منهم ينتج لنفسه فتؤخذ منه زكاة كل واحد منهم وحده إذا بلغ النصاب الشرعي وإلا فصاحب الطين له ما يرتضون به ) ( المصدر السابق : 16 ) .
ونجد أنفسنا هنا أمام حالة جديدة واجهت المهدي تختلف عن الحالة السابقة التي شرّع فيها للأرض ، وهي حالة منطقة الجزيرة التي كانت تنتشر فيها السواقي .. ونأخذ هذه الحالة أيضا في سياق تطور الثورة المهدية بعد أربع سنوات من اندلاعها وانضمام قوى جديدة إليها من أصحاب الأملاك بشكل كبير . أي أن الثورة بدأت تضم قوى اجتماعية جديدة بشكل أوسع من البداية وهي فئات ملاكي الأ راضي والتجار وبعض العلماء .. أي الفئات التي لم ينجح المهدي في الدعاية وسطها في البداية .. فنجد أن التوجيه واضح وبسيط ولا لبس فيه .. ويمكن تلخيصه في الآتي :
- إذا كانت الساقية (أو الأرض) لرجل واحد فتؤخذ منها الزكاة إذا بلغت ما فيه النصاب المشروع.
- إذا كان لجماعة مشتركين فيها وهي بينهم لا يقتسمونها إلا يوم حصادها ، فتؤخذ الزكاة من جملتها.
- إذا كانت الساقية لجماعة مشتركين فيها ، ولكن كل واحد منهم سابق لنفسه ببهائمه وخدامه ومتفرقة خدمة الجميع وكل منهم ينتج لنفسه فتؤخذ زكاة كل واحد منهم وحده ، إذا بلغ النصاب الشرعي وإلا فلا .
أما النقطة الثانية كما أشار د . أبو سليم: فهي في حكم الأرض المؤجرة والعشور التي تفرض عليها ، فهو يجيز للمالك أن يؤجر أرضه لغيره ويترك تقدير للاتفاق الذي يتم بين المالك والمستأجر ، وقد نص على ذلك بقوله ( وصاحب الطين له ما يتراضون به ) . وعلى هذا ، فإن على العامل أن يعتبر هذا الإيجار وان يقرر نصاب العشور على ضوئه والاستنتاج واضح ، أن الإمام المهدي هنا اعترف بالملكية الفردية ، وبالتالي اعترف بخراج أو جزء من فائض إنتاج المزارع أو ريع يذهب لمالك الأرض وفق التراضي ..
يقول د. أبو سليم ( ولكن ألا يعني هذا أولا وأخيرا أن المهدي يعترف ضمنيا بحق المالك في أن يأخذ نصيبا من إنتاج أرضه الذي يزرعه أخر وهو الأمر نفسه الذي اعترض عليه سابقا ؟؟ . إنه لكذلك ، على أننا ينبغي أن نلاحظ أن هذا أمر متصل بأراضي الجزيرة حيث عرف أهلها الملكية الفردية وارتبطوا بها في علاقات الإنتاج وقد جعل المهدى لذلك اعتبارا ووضع بعض الاستثناء ، وسنلاحظ ذلك عند الكلام عن أراضي بربر . ( أبو سليم : الأرض .. ص 17 ) .
أرى أن استنتاج د . أبو سليم صحيح فيما يتعلق باعتراف المهدى بالملكية الفردية .. وصحيح أيضا أن سلطنة دار فور والتي صدر منشور المهدي في أحد مناطقها ( دار الريح ) أيضا عرفت الملكية الفردية للأرض ..
وفي اعتقادي أن المهدي اخذ في الاعتبار واقع قوى طبقية جديدة ساندت الثورة واتسع عددها في مراحل لاحقة ، أي بعد أربع سنوات من الثورة وذات تقاليد راسخة في ملكية الأرض ، وذلك وفق منهجه ( ولكل حال وبلد وزمان ما يليق به ) .
ونلاحظ استمرار انحياز المهدى كما هو واضح من هذا المنشور للفقراء وصغار الملاك ، ويتضح ذلك من الزكاة التي تؤخذ فقط في حالة بلوغ النصاب الشرعي ، سواء كان ذلك بالنسبة لساقية الرجل الواحد أو الجماعة ، وبديهي يكون الإعفاء في حالة عدم بلوغ النصاب الشرعي ، وبالتالي ، فإن الضرائب الباهظة التي كان يدفعها المزارعون وصغار الملاك أيام الحكم التركي قد تم التخلص منها .
وفي حالة الملكية الفردية ، يتم تقدير الخراج أو الإيجار للاتفاق الذي يتم بين المالك والمستأجر ، أي أن المنشور فتح الباب أمام المستأجرين الذين كانوا يدفعون ضرائب باهظة أو خراج غير محتمل لتفاوض جديد أو تراضي جديد يتفق عليه الطرفان ( المالك والمستأجر ) . فبقدر ما أخذ المهدي مصالح المستأجرين، أخذ أيضا في الاعتبار مصالح ملاك الأراضي ، وابقي على الملكية الفردية .
ج – وفي شعبان سنة 1301 ه عرض حبيب الله موسى نزاعا حول أرض فأصدر المهدي حوله فتوى يقرر فيها ألا يملك النصارى والترك أرضا في السودان ( أبو سليم : المصدر السابق ، 18 ) . واليك نص العرض :
( إن نصرانيا يقال له حنه اشترى ذلك الطين ( الأرض أو الساقية ) من جماعة رفاعة والدا خلاب ، والنصراني المذكور اوكلني عليه من نحو سته ( ست ) سنين . والآن أن جماعة رفاعة والدا خلاب قد ادعوا من بعد السنين المذكورة ووضع يد إبراهيم المشترى منهم الطين ، أخذه إبراهيم من غير وجه شرعي فهل نسمع لهم دعوى مع طول هذه المدة أم لا ويصير الطين لبيت المال .. أفيدونا نفعنا الله بكم وبأسراركم والسلام .. ) .
وقد رد المهدى على ذلك بالتالي :
(وحيث قد صار التنبيه من سابق بأن المعاملات التي حصلت مع الترك واتباعهم أن صار نقضها يحصل خلل كبير وعدم استقامة فلا ينقض بيع إبراهيم بدوي لأنه الموجب في قانونهم ولولا ذلك لاستحق المدعى الآن عند حاكمهم سابقا ولما كان كذلك فإذا كان النصراني اسلم فملكه له وإذا لم يسلم فهو لبيت المال كمال أموال الترك والنصارى الباقين على كفرهم ومن بالققره والسلام) .
(24 شعبان سنة 1301ه / 20 يونيو سنة 1884 م . ) .
ونلاحظ هنا ، بداية ملكية الدولة الفعلية للأرض ، فنجد أن المهدى يصادر أراضي الترك والنصارى وإضافتها لبيت المال .. أي تحويل ملكية أراضي الأجانب إلى ملكية بيت المال كما يصدر فتوى بالا تملك الأراضي للترك والنصارى وكان ذلك لاعتبارين في اعتقادي : الأول: تجريد أعداء المهدية الأساسيين من الأجانب ( الترك ، النصارى ) من أملاكهم ونفوذهم الاقتصادي ، وبالتالي إضعافهم سياسيا ، وخاصة أن الثورة في عام 1884 لم تنتصر نهائيا وكان الترك هم الأعداء الرئيسيين للثورة . والثاني : تأكيد الطابع الوطني والقومي لملكية الأرض وتخليصها من الأثر الأجنبي من خلال سودنة الملكية ..
يقول د . أبو سليم ( وفي الحكم الثنائي اتخذ إجراء مشابه إلى حد ما وهو أن الأجانب منعوا من تمليك الأرض في السودان ، ونحسب أن القصد كان الحيلولة دون الملكيات الكبيرة واستغلال الملاك للمزارعين على النحو الذي كان سائدا في مصر ، وقد جنب هذا الأجراء السودان مشاكل كثيرة عانت منها بعض أقطار إفريقيا ) ( نفسه : 19 ) . وربما كان المهدى بعيد النظر عندما اتخذ ذلك القرار .
الجانب الآخر ، أن المهدى كان عمليا ، وكان لا يريد أن يغرق في تفاصيل الأحكام الماضية والنزاعات القديمة حول ملكية الأراضي ، والتي دائما تطل برأسها مع بداية كل عهد جديد حتى لو تم الفصل فيها في العهد السابق .. وبالتالي أبقى المهدى على المعاملات السابقة . وأفتى بالا ينقض البيع الذي تم في عهد الترك طالما انه حسب النظم المتفق على عهدهم .
وفي اعتقادي أن المهدى من زاوية أخرى ، كان بعيد النظر ، وكان لا يريد أن يغرق في صراعات الملاك من اتباعه ونزاعاتهم السابقة حول الأراضي والضرر الذي يمكن أن ينجم من ذلك بانحيازه لأحد الأطراف .. والذي يعنى خسارة أطراف أخرى ، وخاصة في تلك المرحلة من الثورة والتي لم تنتصر انتصارا كاملا ..
وحاصل القول ، أننا نجد أنفسنا هنا أمام حالة جديدة هي حالة مصادرة أراضي الترك والنصارى والأمر بأن تضاف أراضيهم إلى بيت المال ، والفتوى بالا تملك الأراضي للترك والنصارى .
د – في شعبان سنة 1301 ه يونيو سنة 1884 أصدر المهدي منشورا موجها إلى كافة ً أحبابه ً مضمنا فيه عدة أحكام ، ما يهمنا الفقرة الو رادة فيه عن الأرض وعلاقة القائمين عليها والمستفيدين من غلتها والتي جاء فيها ( وحيث أن الأمر كذلك وأنا حب لكم ما يدوم لكم نفعه فمن كان له طين فليزرع فيه ما استطاع زرعه وإذا عجز أو لا أحتاج له لا يأخذ فيه ( دقندي ) لأن المؤمنين كا لجسد الواحد وما يساوى به أخاه المؤمن يكن له في ميزانه دائما بدرجات علا عند الله وليست المسابقة من المؤمنين إلا فيما يبقي .. وإن كل مؤمن ملكه من الطين له .. ولكن من باب إحراز نصيب الآخرة فما لا يحتاج إليه يعطيه لأخيه المؤمن المحتاج .. ما عجز عنه واراد به الآخرة خير له من نفع دقندى عن قريب ويتحسر عليه إذ لم يصرفه لأخرته ) ( المنشورات : 196 – 198 ) .
ويوضح د . أبو سليم (التقندي) أو (التكندي) بأنه جعل يدفعه المزارع لشيخ القرية أو لصاحب الأرض مقابل انتفاعه بالزراعة أو طق الصمغ وجمعه ويكون ذلك بدفع جزء من المحصول ، وهذا أمر شائع في غرب السودان والكلمة متداولة على الألسن هناك ( أبو سليم : 1970 ، 21 ) .
وكما لاحظ د . قدال ، فإن المهدى كان بارعا في مخاطبة الآهلين بلفتهم ولسانهم ليسهل فهمه مباشرة من كلمة (دقندى ) المتداولة على الألسن في غرب السودان .
ما يهمنا في هذا المنشور ، وكما لاحظ د . أبو سليم هنا اعتراف المهدي بالملكية الخاصة وبحق المالك في استغلال ما يملكه من أرض ، رغم أنه يرغب أصحاب الأراضي لكي يعطوا دون مقابل ما لا يحتاجون إليه أو لا يقدرون على زراعته للمعدمين أو من في حاجة إليه أو لا يقدرون على زراعته للمعدمين أو من في حاجة إليه بدلا من أخذ دقندي .. ذلك بأم ما يعود لصاحب الأرض في الآخرة أجل وأبلغ مما يبلغه من ريع الأرض .. أي أن المهدى هنا يدخل في مرحلة التبشير والوعظ الأخلاقي والديني لأصحاب للوقوف إلى جانب المعدمين والفلاحين الفقراء بدلا من إرهاقهم ( بالتقندى ) .
ويبدو في هذا المرحلة أن أصحاب الأملاك قد ازداد وزنهم أو وزن من يعبر عنهم في قيادة الثورة المهدية .. أي بدأ يميل ميزان القوى الطبقي لمصلحتهم ، ولذلك جاء توجيه المهدي بهذا الشكل الذي يؤكد انتصار مفهوم الملكية الفردية .
ولكن المهدى وبتأثير من فكره السابق ووقوف الفقراء إلى جانبه يدافع عن مصالحهم من خلال وعظ الأغنياء بالكف عن الاستغلال وأخذ (التكندى) مقابل ما يعود لصاحب الأرض في الآخرة ..
والمهدى هنا لا يملك إلا أن يتصرف وفق هذا الشكل ويأخذ في الاعتبار الواقع الجديد ...
ويؤكد ذلك الاستنتاج ما أورده المهدى عندما تعرض إلي أراضي المهاجرين الذين هجروا ديارهم على عهد الترك تهربا من الضرائب الباهظة التي فرضت عليهم يقول المهدى :
( أما أهل الملك السابق الذين صار هروبهم من الطلبه فحيث إنها بيعت بجبر الترك وصار البائع مجبورا والمشترى دفع مالا فيها فلا يخرج ملكه بحضور صاحب الملك السابق إلا أن أعطاه ما دفعه في الأرض فلا كلام له حيث أنه لو كان في وقته قد دفع هذا المال لم تؤخذ أرضه ) .
وكما لاحظ أبو سليم فالمهدى هنا لا يقر بسريان ما أتخذه الترك في هذا الأمر ولا ما كان بين الناس إزاءه وإنما يجعله من قبيل الاستثناء ولكن عمليا الذين يستطيعون إعادة أرضهم هم القادرون على الدفع ( فكأن المهدى لم يرفع عن المظلومين حقهم كلهم وانما جعله لمن توفر له أن يجمع من المال ما لم يوفه عندما فرض عليه سابقا ) ( الأرض : 22 ) .
وهذا يؤكد غلبة الفئات الغنية وكبار الملاك على قيادة الثورة ، وإلا فإن المهدى باعتباره مصدر التشريع الأساسي كان في مقدوره إرجاع تلك الأراضي إلى أصحابها دون ربطها بالدفع الذي لا يقدر عليه إلا الأغنياء ..
ويتناول المهدى موضوع الرهن في المنشور نفسه ويقول ( ومن أرهن أرضه في دين وشرط سلب علته يعطى دينه .. ومن الآن فصاعدا بحلول حكم المهدية في بلده لا عله له ، حيث أنه لا دين وما سبق في زمن حكم الترك لا غرامة فيه وانما عليه عين دينه ) .
فالمهدى هنا يمنع الراهن بما تتيحه الأرض حيث يرد له دينه لأن في ذلك استغلالا لحاجة المدين وعوزه ويأمر بأن تحتسب منفعة الأرض من أصل الدين ، ثم يشترط ألا يكون هذا الاحتساب إلا من بداية حكمه وما سبق لا مطالبه فيه ..
وقد أمضي القاعدة نفسها في فقرة تالية إزاء هذا الانتفاع من المماليك المرهونة : ( واما من أرهن مماليكه وتدين مالا وشرط سقوط المنفعة فما فات في زمن الترك فقد فات واما من زمن وصول حكم المهدية في بلده فلا تسقط المنفعة ويكون الدين لله ومنفعته عند الله ...) ( نفسه : 23 ) .
ه – وفي خطاب من محمد الخير عبد الله خوجلى عامل عموم المهدى ببربر بتاريخ 24 / يوليو / 1884 م ( راجع نص الخطاب في المصدر السابق ورد المهدى عليه ، ص 25 - 27 ) ، طرح فيه عدة أسئلة تتلخص في الآتي :
+ إمكانية تجاوز حظر إيجار الأرض بالنسبة للضعفاء .
+ وضع الأراضي المغتصبة والنظر في دعاواها .
+ أهمية إصدار منشور خاص عن أطيان بربر .
وهنا أيضا نجد أنفسنا أمام منطقة ذات جذور راسخة في ملكية الأرض وبها وعى عالي وصراع شديد حول الأرض مثل منطقة الشمالية وبربر .. وخاصة فيما يتعلق بالوزن الاجتماعي للملكيات في إقليمه ، وإن محمد الخير قد عرض على المهدى أن يجعل فيه استثناء وأن يصدر عنه منشورا خاصا ..
وقد رد عليه المهدى في خطاب بتاريخ 16 ذي القعدة سنة 1301 ه / الموافق 17 / 9 / 1884 م أكد فيه على النقاط التالية :
1 – السماح بامكانية التجاوز عن حظر الأراضي بالنسبة للضعفاء الذين لا يقدرون على الفلاحة .. والمحتاجين في الوقت نفسه إلى ما يعود إليهم من إيجار أراضيهم بشرط أن تؤخذ العشور على أساسه ..
2 – كل من له طين وأخذه ظالم واستولى عليه متحيل وليكن لصاحبه بموجب الإقرار والشهادة الأمنية ..
3 – أوضح المهدى لمحمد الخير أن المنشور الذي أخرجناه على أهل أطيان الصعيد فهو بالنظر لكون الأطيان متسعة والعباد محتاجون إلى ما ينفعهم عند الله ولذلك أمرناهم بما يحوزون به ملك الأبد وهاهي المنشورة المكتوبة لأهل الصعيد واصله إليكم ، فما وافق المسلمين من حاله وأملاكه العمل فأجرهم عليهم وما لم يوافق لذلك من ضيق حاله وعدم تأهله لذلك بما تراه فأجره فيه ما ذكرناه سابقا .. ولكل حال وبلد وزمان ما يليق به والسلام ( راجع نص الخطاب في المهدية والأرض، ص 25 ) .
وفي ملحق للخطاب عدل المهدي الفقرة ( 2 ) والتي جاء فيها فليكن لصاحبه بموجب الإقرار والشهادة الأمينة على النحو التالي: ( ما لم يكن لاستيلاء ووضع اليد زائدا على السبع سنين الحاضر. وإما الغاب فنسمع الدعوى إلا إذا حضر نحو هذه المدة. فإن زاد على السبع لانسمع الدعوى . هذا بالنسبة للأطيان ، وإما بالنسبة للاستيلاء الغير أطيان فنسمع من وقت فتوح المديرية ، وأما قبل الفتوح يصير رفعها ولا نسمع الدعوى ( المرجع السابق ، ص 27 ) . وضح مما سبق إباحة المهدي للملكية الفردية وتأجير هذه الملكيات مع مراعاة الظروف المحلية في كل بلد ( لكل حال وبلد وزمان ما يليق به ) . أما التعديل الخاص بالنظر في النزاع إذا كان الاستيلاء لأقل من سبع سنين، وهذا حق جديد للحائز، لم يكن له فيها تقدم.
ثم ينظر المهدي في أمر صاحب الملك الذي يطلب رد أرضه هل هو مقيم أم غائب.. إذا كان مقيما فالحكم في أمره مقيد بأمد السبع سنين كما سلف.. أما إذا كان غائبا فمن حقه إذا كان غائبا أن ينظر في دعواه. وأن يرد له أرضه بشرط إلا يكون قد عاد وبقي فيه أثناء هذه الفترة ولم يطالب بأرضه.. وقد أضاف احمد على قاضي الإسلام إلى هذه القاعدة وقرر إلا يسقط حق المالك الذي حضر ثم دون أن يثير الدعوى وكملت المدة قبل أن يعود ثانيا إذا كانت إقامته قصيرة ، أما إذا كانت إقامته توطنا ومكث مدة قبل أن يسافر فقد سقط حقه في الدعوى ( نفسه ، ص 28 ) .
ويطرح د . أبو سليم سؤالا لماذا تراجع المهدي عن القاعدة الأولى وأعطى الحائز حقا على الأرض إذا طالت حيازته ؟ ويورد رأى هولت: أن الغرض من ذلك هو الحد من كثرة المنازعات بحيث لا يفتح باب الاستماع إليها إلا لفترة قصيرة )) ( هولت: دولة المهدية، في المصدر السابق، ص 29 ) .
وهذا رأى له وجاهته . ويرى د . أبو سليم ( ولكن الجانب الذي غلب على المهدي ودفعه إلى هذا الإجراء هو الرغبة في إعطاء بعض الحق للحائز بحيث لا يتعرض للتشرد والضياع إذا توطن واستقر على التملك لفترة طويلة ( د . أبو سليم ، ص 29 ) .
ورأى د . أبو سليم أيضا له وجاهته ، ولكن الجانب المكمل الأخر الذي يجب أخذه في الاعتبار أن تركيب قيادة الثورة قد تغير وأصبح يضم أصحاب الأملاك ، ربما يكون بعضهم من الذين لهم أملاك كهذه استولوا عليها بهذا الشكل ، وبالتالي ، فإن هذا التشريع عبر عن مصالحهم .. أما الذين تم الاستيلاء على أراضيهم فقد شكلوا الأرضية التي ساندت الثورة في البداية، وبالتالي، فإن الرأي الأول كان إنصافهم على الفور.. ولكن بعد الثقل الجديد لكبار الملاك في قيادة الثورة تم أخذ هذا الواقع في الاعتبار.
ويمكن أن نلخص فكر وتشريعات الإمام المهدي حول مسألة الأرض في النقاط التالية :
1 – في أول منشور بعد بداية الثورة كان انحياز المهدي واضحا للفقراء والمعدمين من المزارعين الذين شكلوا العمود الفقري والسند الأساسي للثورة ، وبالتالي عبر التشريع عن مصالحهم
2 – في المنشور الثاني واجهت المهدي مسألة جديدة وهي الملكية الفردية بعد ازدياد وزن كبار الملاك في قيادة الثورة المهدية.
3 – في مرحلة ثالثة تظهر لنا مسألة أراضي الأجانب مثل النصارى والترك ويفتي المهدي بمصادرتها وضمها إلى ممتلكات بيت المال وتظهر هنا ملكية الدولة المباشرة لأراضي الأجانب والتي يكون عائدها لبيت المال.
4 – وفي مرحلة لاحقة من يونيو سنة 1884 م وحتى أخر منشور لمحمد الخير تلحظ انتصار وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة نهائيا في فكر الإمام المهدي وخاصة بعد ازدياد ثقل كبار ملاك الأراضي والأغنياء في التركيب القيادي للثورة المهدية ، ورغم استمرار صراع المهدي على الأقل في الجانب الأخلاقي بأن يكف المالكون وأصحاب الأراضي عن استغلال المزارعين (بالتكندي) لأن ما عند الله خير وأبقي. ويتأكد هذا الفهم في المناطق التى فيها ملكيات فردية راسخة وطرق ملتوية في الحفاظ على الملكية الفردية كمنطقة بربر ( أو منطقة الشمالية ) ويقر المهدي فيها بتأجير الأرض والموازنة بين مصالح الملاك والذين تم اغتصاب الأراضي منهم ، فلا يتم النظر إلا بعد سبع سنين .. ويطرح المهدي قاعدته المنهجية الهامة وهى أن (لكل حال وبلد وزمان ما يليق به) .
هذا ما كان من أمر ملكية الأرض في الفترة ( 1881 – 1885 ) ، وهى فترة التشريعات المباشرة للإمام المهدي والتي كان يوازن فيها بين مصالح الفقراء وصغار الملاك وكبار الملاك من تأكيده على الملكية الفردية والضرائب غير الباهظة ( الزكاة ) على صغار الملاك ، وهذا الواقع فرضته طبيعة الثورة الشعبية والجماهيرية في ذلك الوقت أو توازن القوى في القيادة .

الفترة ( 1885 – 1898 ):
ونكمل هذه الصورة باستعراض الفترة ( 1885 – 1898 ) ، وهى فترة الخليفة عبد الله ألتعايشي .
1 – أشرنا سابقا أن الدولة المهدية استولت على كل الأراضي التي كان يمتلكها الترك والنصارى أو أراضي الحكومة وتشكلت بذلك النواة لملكية الدولة للأرض بحكم الغنيمة أو الفئ ، وأغلب تلك الأراضي كانت في الخرطوم والكاملين ودنقلا والحلفايا والفتيحاب والقاش ودار الشايقية .. وقد أعطيت تلك الأراضي في بعض الحالات للجهادية وعامة الأنصار دون مقابل ليستفيدوا من محصولها في المعاش وفي علف الخيول ولم يكن بيت المال يحصل منها على نصيب ( أبو سليم : الساقية، ص 235 ) .
2 – وفي بداية حكم الخليفة عبد الله اتسعت هذه العملية وحدثت حركة هجرة جماعية لترحيل البقارة من ديارهم البعيدة في جنوب دار فور على أم درمان لتأمين مركز الخليفة وحماية سلطانه من مؤامرات الأشراف وغدر سكان النيل ( قدال ، المرجع السابق ، ص 58 ) . ليس هذا فحسب بل أن تلك القبائل لم تكن كلها تفد إلى أمدرمان ، فبعد مجاعة سنة 1306 ه أخذ الخليفة يعمل على توطين ( أولاد العرب ) في منطقة الجزيرة والنيل الأبيض في موسم الخريف .. وكان يتخير لهم الأماكن القريبة من العاصمة ، أما التعايشة فكانوا يمنحون مزارع خاصة بهم ( المرجع السابق ، ص 59 ) .
وكان من الطبيعي أن يثير التهجير احتكاكا مع السكان المحليين بالذات عند حدوث تعدى على ملكيتهم الخاصة للأرض ، ويظهر ذلك من رسالة الخليفة لعماله بالجزيرة والتي حاول فيها أن يؤكد سياسته الرامية إلى أن يتم ذلك التهجير دون صراع مع سكان المنطقة ، جاء في الرسالة : -
( وقد بلغنا أنكم أجريتم قسمة أطيان الأهالي المزروعة التي زرعوها بأيديهم للأهل التعايشة ظلما بدون وجه حق وهذا ما لايرضي الله ولا رسوله ولا يرضينا وما علمنا السبب إلى ذلك ، فيلزم بوصول أمرنا هذا إليكم أن تسلموا كافة ديار أهالي البلد التي زرعوها إليهم وترفعوا الأهل التعايشة عن خصوص ديارهم التي زرعوها بأيديهم فقط ولا يأخذوا من ديار الأهالي المزروعة شبرا واحدا وكيف يحصل منكم ذلك الظلم مع أن الأراضي واسعة وليس فيها ضيق وهى كافية لأكثر من الأهل الذين توجهوا ) ( نص الخطاب في قدال المرجع السابق ، ص ، 60 ) . ويبدو من رسالة الخليفة تلك أن أهالي الجزيرة الذين انتزعت أراضيهم اشتكوا، وحاول الخليفة ظاهريا حل المشكلة بإرجاع الأراضي إلى أصحابها، فالمشكلة ليست في أن الأراضي واسعة ولكن المشكلة في أين الأراضي الخصبة ؟ .
ويبدوا أن الصراع هنا كان حول الأراضي الخصبة ذات المنتوج العالي والقريبة من ضفاف النيل والري الدائم .. وهذه الأراضي كانت مملوكة لأهالي الجزيرة منذ أيام الفونج ، ثم أن السبب الأساسي لذلك الاحتكاك هو تلك السياسة الواسعة للتهجير ، والتي كان لابد وأن تحدث تلك السياسة احتكاكا مع السكان المحليين .. وكما أشار د. قدال ( ولكن لنا أن نفترض أن توطينا جديدا على ذلك المستوى الكبير لابد أن يحدث احتكاكا بين المجموعات الوافدة والمجموعات المحلية ، وفي تلك الحالة ، فإن الصراع سيحسم لصالح المجموعات التي في يدها السلطة ) ( قدال ، المرجع السابق ، ص 60 ) .
وقد اتخذ الخليفة مثل ذلك الإجراء ضد قبيلة كبيرة هي قبيلة الشكرية حيث أمر بتوزيعهم على ثلاث مناطق : أم درمان ، عطبرة ، كسلا .
هكذا حدث تحول في ملكية الأراضي الزراعية لصالح الفئات الطبقية الجديدة التي كان يعبر عنها حكم الخليفة دون سند قانوني معلوم. وبالتالي استحوذ زعماء البقارة على أحسن وأجود الأراضي الزراعية .
وتلك العملية شبيهة إلى حد ما باستيلاء حكام سلطنة الفونج على أراضي النوبة الزراعية الخصبة في بداية حكمهم ، فالسيطرة السياسية في تلك الأنظمة كانت دائما تتبعها سيطرة اقتصادية ، وفي بلد زراعي كالسودان ، فان السيطرة الاقتصادية تعني السيطرة على أجود الأراضي الزراعية وأخصب المراعي .. وهذا ما فعلته الفئات الجديدة التي استولت على السلطة. يقول د قدال ( فما أحدثته المهدية من تحول خرج على النمط القانوني التقليدي الذي يستند على وثائق التمليك ) ( نفسه ، ص 30 ) . كما أورد وعلق على رأى د . محمد هاشم عوض الذي يقول أن الآثار التي خلفها الفونج والأتراك في ملكية الأرض أبعد أثرا من تلك التي أحدثتها المهدية ( في المرجع السابق ن ص 60 ) .
ولكن في اعتقادي أن مافعله الفونج والأتراك في بداية حكمهما للسودان لا يختلف عن ما فعله الخليفة عبد الله التعايشي في بداية حكمه .
نذكر أن حكام الفونج في بداية حكمهم نهبوا واستولوا على أراضي النوبة الزراعية الخصبة . وبعد أن تمكنت الطبقة الجديدة أو عصبة الفونج في السلطة والحكم وبعد أن أصبحت كل الأراضي ملكا للسلطان أو الملك على نمط النظم الإقطاعية الشرقية وكنتاج لتطور تاريخي طويل ظهر نظام التمليك والتوثيق الذي كان يقوم به سلاطين الفونج ، والتي كانت من ضمن أهدافها إعادة إنتاج النظام .
ونذكر أيضا أن محمد على باشا في بداية حكمه استولى على كل أراضي مصر ، وبعد ذلك قنن نظم التوثيق ، وفي مرحلة لاحقة ظهرت الملكية الخاصة للأرض بعد صدور قانون سعيد باشا في عام 1857 والذي قنن الملكية الفردية للأرض وحق المالك في البيع والإيجار والرهن وغير ذلك .
وبعد احتلال محمد على للسودان استولى نظريا على كل أراضي السودان ونظم عملية تحصيل الضرائب والملكية الفردية.. وبالتالي استولى الأجانب ( الأتراك والنصارى ) على أجود الأراضي، تلك الأراضي التي استولى عليها الإمام المهدي.. وتم تقنين تلك العملية وفق قانون محمد على وقانون سعيد باشا فيما بعد . والخليفة عبد الله – وليس هذا تبريرا – لم يفعل غير ما فعله الفونج والأتراك . ولكن الفرق أن حكم الخليفة لم يدم طويلا، فلو استمر ربما كان استنبط نظما ووثائق للتمليك لتقنين الواقع الجديد.. فوثائق التمليك ما هي إلا تقنين لواقع طبقي واجتماعي وهي نتاج تطور تاريخي طويل..
وأخير إذا أردنا أن نؤرخ للمسألة الزراعية في السودان الحديث ، فيمكن القول أن بذورها أو بداياتها بدأت بأول منشور للمهدي الذي طرح شعار الأرض لمن يفلحها ، أي جعلها ملكا مشاعا يعمل فيه من يملك ومن لا يملك .. واحسب أن هذا من نتاج الفكر السوداني المستقل والأصيل ... رغم تراجع المهدي الذي كان مرنا في ذلك التراجع وأخذ الظروف الموضوعية في الاعتبار.. ذلك لأن (الحق لايمكن أن يكون أعلى من البناء الاقتصادي للمجتمع والتطور الثقافي الذي يحدد هذا البناء ) ، كما يقول ماركس .
وهذا يدعونا للتأمل في تجربة الثورة المهدية عند بداية اندلاعها بدلا من البحث فقط في تجارب الثورة الفرنسية أو الثورات الأخرى التي طرحت مسألة الأرض أو الإصلاح الزراعي.








سابعا :
الأرض في فترة الحكم الثنائي الانجليزي – المصري
ملكية الأرض:
عندما احتلت قوات كتشنر السودان عام 1898 م كانت أشكال ملكية الأرض التي كانت في المهدية – كما اشرنا سابقا- على النحو الآتي :
أ - الملكية الخاصة للاراضى :
ب - ملكية الدولة أو بيت المال ، وتشمل أراضى الترك والنصارى التي صادرها الأمام وضمها لبيت المال إضافة للغنائم وغير ذلك.
ج - الملكية الجماعية للاراضى أو ملكية القبائل .
هكذا كان الحال من ناحية ملكية الأرض قبل الحكم الثنائي، وكان لابد للاستعمار كي يحقق أهداف احتلاله للسودان أو تحويله لمزرعة قطن كبيرة من مواجهة مسألة الأرض باعتبارها مسألة أساسية في مجتمع زراعي رعوي كالسودان، وتشكل ركيزة العمل الأساسي.
وبدأت الإدارة البريطانية في عمل مسح شامل لم يخلو من مشاكل تتعلق بدعاوى الملاك القدامى الذين صادرت المهدية أملاكهم وغيرهم، ولكن الحكومة أصرت على مبدأ أن جميع البور غير المأهولة تعتبر ملكا لها. لإنجاز عملية المسح استخدمت الحكومة فرق كاملة من المساحين في كل أنحاء المديريات فقاموا باستخراج خرائط محددة لكل المعلومات المطلوبة كموارد الماء والمراعى والغابات والجبال والمناطق الصحراوية والمدن الرئيسية وفروع النيل مما ساعد على إنجاز التخطيط للمشروعات الزراعية الكبرى في السودان (أنظر زكي البحيري، التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، 1930- 1956م، مكتبة النهضة المصرية 1987م، ص 20 – 21).
وبعد ذلك أصدرت الحكومة قوانين تنظيم الملكية وتسوية النزاع حول الأراضي والتي كان أهمها :
الذي نص علي الآتي: - قانون الحقوق على الأرض الزراعية لعام 1899 م
1- الامتلاك المستمر للأرض لمدة خمس سنوات والحصول علي ريعها يعطي الشخص الحق المطلق في ملكيتها ضد أي شخص آخر.
2- أي شخص يدعي فقدان ملكية أرضه في المهدية ، عليه أن يقدم الأدلة الكافية بأحقيته لتلك الملكية.
3- الاحتلال المستمر للأرض منذ مجئ الحكم الجديد يعطي الشخص حقا أوليا لملكيتها، كما نص القانون علي قيام لجان لسماع النزاعات الخاصة بملكية الأرض .
الملاحظ علي هذا القانون أنه صدر في الأشهر الأولي من عمر الحكم البريطاني ، وقد تفادي خلق اضطراب في المجتمع الذي خرج من حروبات داخلية وخارجية ، ويعكس ايضا اهتمام الحكم البريطاني بعودة الناس الي مناطقهم واستئناف زراعة أراضيهم ، ولهذا جاء اعترافه بالملكية في العهد المهدوي ، كما فتح المجال للاستحواذ الذي تمّ بعد 1899م ( د.محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث 1993م ، ص 254- 255).
- صدر قانون الغابات 1901 م ، قانون نزع الأراضي 1903 م الذي يعطي الحكومة الحق في الاستيلاء علي أي أرض يمكن أن تحتاج اليها للصالح العام ، علي أن تعوض المالك بقطعة أخري بعد الاتفاق معه ، وقد صدر هذا القانون لأن الحكومة كانت بصدد مد خطوط السكة الحديد في بعض المناطق ، وستحتاج الي تلك الأراضي.
كما صدر قانون تحديد الأراضي ومساحتها 1905 م الذي اصبحت بموجبه الحكومة المالك الشرعي لكل الأراضي الزراعية والغابات الخالية من الملكية الخاصة.
وفي عام 1912 ، تم تسجيل كل الأراضي الزراعية ، وصدر قانون تقييد تصرف السودانيين في الأراضي 1918 م الذي يتضمن عدم جواز بيع أو رهن أو التصرف في اي أرض ما لم يكن بموافقة المديرية ، ماعدا في حالة الوصية أو الايجار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات ، وعندما يراد بيع الأرض تحصل المحكمة علي صورة مما هو مدون عنها في "تسجيل الضرائب"، وتطلب اذا لزم – شهادة الشيخ أو العمدة بأن الشخص المسجلة الأرض باسمه هو المالك الوحيد لها ( للمزيد من التفاصيل راجع، سعيد محمد أحمد المهدي ، قوانين السودان ، المجلد الأول ، 1901- 1925، دار جامعة الخرطوم للنشر 1975م) .
وكان الهدف من صدور القوانين المقيدة لبيع الأراضي هو منع المضاربات وانتقال الأراضي للاجانب والمصريين ، ورغم صدور هذه القوانين ، فان عملية المسح والتسوية للاراضى لم تكن قد تمت نهائيا في أنحاء السودان .
ومن أهم القوانين التي أصدرتها إدارة الحكم الثنائي فيما يتعلق بالأراضي كان قانون تسوية الأراضي وتسجيلها عام 1925، والذي وضع القواعد الأساسية لتسوية وتسجيل الأراضي إذ ضم وجود صاحب الأرض والمستند الدال على ملكيته، واعتبر الأراضي غير المشغولة ملكا للحكومة.
ونص على انه في حالة الأراضي التي لاتزرع بشكل منتظم ، فأن مجرد زراعتها بواسطة أي شخص لمدة معينة لا يعطيه الحق في ملكيتها ملكية مطلقة ، كما نص القانون على أن يكون التصرف في الأراضي من خلال وثائق معتمدة ، كما تم إدخال نظام الحكر عندما نص هذا القانون علي " أن يحوز مالك الأرض الحكر تلك الأرض طوال مدة الحكر المبينة في الايجارة المسجلة مع التمتع بجميع الحقوق الضمنية أو الصريحة والحقوق التابعة لها ، وتكون خاضة لكل الاتفاقات الضمنية والصريحة والالتزامات النتعلقة بالأراضي خلال مدة الحكر( سعيد محمد أحمد المهدي ، قوانين السودان ، 499- 529). .
منذ عام 1923 ادخل الاستعمار نظام الإدارة الأهلية ومعها نظام الحواكير التي يديرها نظار القبائل ، وتقسيم الأراضي القبلية ( الحواكير)، حواكير لمالكيها الأصليين (مع إهمال للقبائل الصغيرة وعدم السماح لها بالاستفادة، باعتبارها مستضافة) وأصبح ناظر القبيلة مسؤولا عن إدارة الحواكير ، أي تمّ ربط الحاكورة بالقبيلة في المكان المحدد ، اضافة لسلطات ناظر القبيلة الادارية والمالية للحواكير.
وفى عام 1930 م صدر قانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام وذلك بنزع ملكيتها.
وهكذا نلاحظ تطورا آخر حدث مع بداية الحكم الثنائي ، وهو تطور حق الملكية الخاصة للأراضى الذي يعنى الاستعمال والاستغلال والتصرف ، فحسب ما ورد في قانون الأراضي وتسجيلها 1925 م عن التصرف في الأرض بأنه كل ما يرهن أو ينقل من شخص لاخر بفعل الأطراف ، أو بأمر محكمة ، وان أيلولة الأرض أو الرهن تعنى نقلها من شخص لاخر بالميراث أو أي طريقة قانونية أخرى (( د . سعيد محمد احمد المهدى : قوانين السودان _ المجلد الأول _ 1901 م _ 1925 م ، 1975 م ، ص 6 )).
يقول د. قدال " إن نظام تسجيل الأراضي من أهم انجازات الإدارة البريطانية ، وقد اصبحت الدولة هي المالك لكل الأراضي الزراعية والسكنية التي ليس لها ملكية مسجلة ، واصبح نظام ملكية الأرض يقوم علي قانون وعلم ، وحالت تلك السياسة دون نشؤ اقطاع في السودان " ( قدال ، المرجع السابق، ص 256).
ومهما يكن من أمر ،فان قوانين الأراضي لم تمس من الناحية الفعلية الحقوق العينية التقليدية المعروفة والمسلم بها للأفراد والقبائل والجماعات( محمد عمر بشير ، تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ص 38).
وبصدور هذا القانون 1930 م الخاص بقانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام ، وذلك بنزع ملكيتها ، تكون الإدارة الاستعمارية قد استكملت قبضتها على ملكية الأرض ، وقننت كل الخطوات التي اتخذتها منذ بداية حكمها والتي مهدت بشكل أساسي لإدخال زراعة القطن والذي كان من أهداف احتلالها للسودان .
وبعد ذلك قامت مشاريع القطن في مشروع : الزيداب ، الجزيرة ، القاش ، طوكر ، مشاريع القطن في جبال النوبا وكردفان، المشاريع الحكومية في النيل الأبيض وشمال الخرطوم ، مشروع الزاندي، لمشاريع الاعاشة ومشاريع الطلمبات في الشمالية .
هذا اضافة لمشاريع القطاع الخاص الزراعية مثل: مشاريع الطلمبات كما في : مشاريع عبد الرحمن المهدي ، ومحمد البربري ، وعزيز كافوري ، السيد علي الميرغني ، محمد ابو العلا ، وقد حققت هذه الفئات من الرأسمالية وشبه الاقطاع ارباحا هائلا من الاستثمار في الزراعة.
هذا اضافة لا ستثمار القطاع الخاص في مشاريع الزراعة الآلية المطرية مثل: مشاريع الزراعة الآلية في القدمبلية شرق القضارف لإنتاج الذرة والسمسم.الخ، والمشاريع الزراعية التعاونية ومعظمها علي ضفاف نهر النيل بالمديرية الشمالية، هذا اضافة للزراعة في القطاع التقليدي بالسواقي والشواديف التي كانت أغلبها في الخرطوم وسنار وكردفان والكاملين والنيل الأبيض، والزراعة المطرية في القطاع التقليدي كما في مناطق جبال النوبا والانقسنا وجنوب دارفور ، والزاندي في جنوب السودان والتي زراعة معيشية و تستخدم أدوات إنتاج بدائية ، وملكية الأرض غالبا جماعية للقبيلة.
بالتالي شكل هذا الاستثمار أحد مصادر التراكم الرأسمالي في السودان خلال فترة الحكم الثنائي ، كما حققت الحكومة الاستعمارية ارباحا هائلة من زراعة القطن وغيره وحولتها للخارج.





ثامنا :
تطور ملكية الأرض بعد الاستقلال :
1- فترة الديمقراطية الأولي:
- شهدت فترة الديمقراطية الأولي 56/ 1958 بعد الاستقلال مباشرة قيام امتداد المناقل لزيادة المساحة المزروعة قطنا في مشروع الجزيرة ، وتمّ اضافة حوالي 300.000 فدان جديدة لتصل مساحته الكلية الي المليون فدان تقريبا في عام 1956/1957م (تيم نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1990 ، ترجمة الفاتح التجاني ومحمد علي جادين، ص 32).
كما شهد مشروع القاش تطورا مماثلا لتصل مساحته في عام 1956/1957 الي 68,600 فدان بالمقارنة مع متوسط الفترة 25/ 1926 – 29/1930 الذي كان في حدود 29,400 فدان ( تيم نبلوك المرجع السابق ، ص 35).
2- فترة الحكم العسكري الأول : نوفمبر 1958 – أكتوبر 1964م
- في فترة الحكم العسكري الأول 58/1964م ارتبط الاقتصاد السوداني بمشاريع المعونة الأمريكية التي قامت علي قروض من أمريكا وبقية الدول الرأسمالية الغربية ، وزادت مساحة الأراضي المزروعة بقيام مشاريع مثل: مشروع المناقل وخزان الروصيرص وخشم القربة ، فخزان الروصيرص اعتمد في قيامه علي قرض جملته 18 مليون جنية من البنك الدولي بالاضافة الي القرضين من المانيا الغربية ومؤسسة التنمية العالمية التي تسيطر عليها أمريكا (ثورة شعب ، اصدار الحزب الشيوعي السوداني 1965 ، ص 56- 57).
وقام خزان خشم القربة بقرض مقداره 2,6 مليون جنية من ايطاليا ، وامتداد المناقل بقرض مقداره 15 مليون دولار من البنك الدولي ، كما قامت محطة ابحاث الحديبة تحت اشراف المانيا الاتحادية ، وقامت محطة ابحاث الجنوب والفونج والتوسع في قسم التجارب في الجزيرة وقسم الارشاد الزراعي تحت اشراف المعونة الأمريكية ( ثورة شعب ، مرجع سابق).
- كما شهدت فترة الحكم العسكري الأول فقدان جزء من اراضي السودان باغراق مدينة حلفا التاريخية وضياع كنوزها الأثرية بعد قيام السد العالي ، وبتعويضات بخسة وفساد لازم عملية التهجير الي منطقة خشم القربة ، وقد تناولنا ذلك بتفصيل في دراسة عن اثر اتفاقية 1959علي السودان.
3- فترة الديمقراطية الثانية : أكتوبر 1964 – مايو 1969
- وفي فترة الديمقراطية الثانية 1964/ 1969 ، شهدت البلاد توسعا في الأراضي المزروعة مثل :
خلال العشر سنوات " 1961/1962 - 69 / 1970 م" تم تطوير أكثر من 700,000 فدان من الأراضي الجديدة ، وتم قيام خزان خشم القربة ليروي 600,000 فدان من الأراضي الجديدة ، وقد تم تطوير 454,000 فدانا من تلك الأراضي حتى 1970م ( خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لجمهورية السودان الديمقراطية " 1970/71 – 74 /1975م " ، المجلد الأول ، الاتجاهات الرئيسية للتنمية ، وزارة التخطيط ، الخرطوم 1970 ، ص 35).
وتم قيام خزان الروصيرص ليروي 3.827.000 فدان ، هذا وقد بلغت مساحة الأراضي المروية في أول يناير 1970 بما في ذلك 120.000 فدان مروية بالفيضان 3.542,000 فدانا منها أكثر من 3 مليون فدان تقوم بزراعتها المؤسسات الحكومية والجزء الأكبر من الباقي تقوم بزراعته الجمعيات التعاونية .
وفي نهاية عام 1969 ومنذ عقد اتفاقية مياه النيل ، فان السودان كان لا يستغل أكثر من 9- 10 مليار متر مكعب من جملة 18,5 مليار متر مكعب التي تكفلها الاتفاقية للسودان (خطة التنمية، مرجع سابق).
هذا وتقدر أراضي السودان الصالحة للزراعة 120 مليون فدان ، يزرع منها 16 مليون فدان ، وتغطي المساحة المروية 4 مليون فدان (العرض الاقتصادي ، وزارة المالية والاقتصاد الوطني ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1974م ، ص 9- 10)، والأراضي الصالحة للرعي ب 80 مليون فدان.
وكانت المشاريع الزراعية المروية هي : مشروع الجزيرة، طوكر والقاش ، جبال النوبا ، مشاريع النيل الأبيض ، مشاريع النيل الأزرق، مشروع خشم القربة ، مشاريع الطلمبات في الشمالية.الخ.
الزراعة الآلية:
كما شهدت هذه الفترة التنافس بين الرأسمالية في أحزاب الائتلاف وغيرها حول الرخص التي مُنحت للزراعة الألية والتي حققت ارباحا طائلة بعد توزيع مساحات شاسعة الأراضي في القضارف ، والدمازين ، وهبيلا جنوب كردفان،.الخ، بعد نزع الأراضي من أهل المنطقة الأصليين، مما أضر بالرعي والبيئة والثروة الغابية (تاج السر عثمان، تجربة فشل الديمقراطية والتنمية في السودان، بحث غير منشور).
الجدير بالذكر أنه في العام 1968م، ارتفعت مساحة مشاريع الزراعة الآلية الي 2,8 مليون فدان (تيسير محمد أحمد، زراعة الجوع في السودان، مركز الدراسات السودانية،القاهرة 1994م ، ص 143،ترجمة).
رغم زيادة المساحات المزروعة في الزراعة الآلية والمروية الا أن الأوضاع المعيشية تدهورت وحدث نقص في الذرة، واستوردت الحكومة 300 ألف طن ذرة !! ( جريدة الرأي العام: بتاريخ 15 /11/ 1966).
4- فترة الديكتاتورية العسكرية الثانية: 25 مايو 1969 – أبريل 1985م
في بداية هذه الفترة صدر قانون الأراضي غير المسجلة لسنة 1970 الذي نص في المادة (3) :" يطبق هذا القانون على الأراضي في كل مكان بالسودان سواء أكان نظام تسجيل الأراضي معمولا أم غير معمول به في ذلك المكان. على أنه في حالة أي منطقة لم يتم تسجيلها قبل العمل بهذا القانون وكان يستعملها أو يستغلها أشخاص طبيعيون كليا أو جزئيا لمدة طويلة قبل العمل به ويبدو لمجلس الوزراء أن تطبيق أحكام هذا القانون على تلك المنطقة لا يتفق والعدالة فيجوز له بموافقة مجلس قيادة الثورة أن يأمر بألا تطبق أحكام قانون تسوية الأراضي وتسجيلها"..
تزامن إعلان قانون 1970 مع إلغاء نظام الإدارة الأهلية، والتي كانت مؤسسة هامة من حيث تنظيم الأراضي والتعامل مع النزاعات التي لا مفر من حدوثها بين ماكي الديار والحواكير، أو حتى بين أولئك الذين لا يملكون أي من هذه العناصر. ومع أنه تم إعادة نظام الحكم المحلي، إلا أنه أصبح أضعف بشكل كبير، إضافة إلى أنه فقد مصداقيته.
كما مكن قانون 1970 الحكومة أيضا من تنفيذ سياسة تنمية مبنية على توسيع القطاع الزراعي، خاصة الزراعة الآلية، حيث زادت نسبة الأراضي التي خضعت لسياسة الزراعة الآلية.
في فترة الديكتاتورية العسكرية الثانية "مايو 1969/ أبريل 1985" ، بعد صدور قانون 1970 زادت مساحات الأراضي المزروعة بقيام مشاريع زراعية جديدة مثل:مشروع السوكي الزراعي ، مشروع الرهد الزراعي، مشروع كلي ، ومشروع السيال. الخ.
كما صدر قانون تنمية الاستثمار الزراعي لعام 1976 الذي يهدف الي تشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار في الزراعة.
في هذه الفترة تم التوسع في الزراعة الآلية وقيام مؤسسات زراعية مثل: المؤسسة العامة للزراعة الآلية التي تضم : مؤسسات الدمازين والقضارف ، والدلنج، الرنك ، اقليم كوستي ، نيرتتي وأم عجاج ، والتي تقوم بإنتاج الذرة والسمسم والقطن والدخن. الخ، كما خُصصت مليون ونصف فدان لشركة ترياد الأمريكية (مليون فدان) وشركة الدمازين الزراعية (نصف مليون فدان).
اضافة للشركات الأجنبية مثل : الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي ، الشركة السودانية لإنتاج وتسويق المنتجات الحيوانية الأعلاف المحدودة ، الشركة السودانية المصرية للتكامل الزراعي المحدودة ، وشركة الدمازين للزراعة والإنتاج الحيواني ، وشركة الإمارات والسودان للاستثمار، التي دخلت ميدان الزراعة الآلية التي شهدت توسعا في المناطق التي ترويها الأمطار.
فقد دخل هذا الميدان رجال الأعمال والمتقاعدون والمبعدين من كبار موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وحققوا ارباحا طائلة من ذلك ، كما نشير لسلفيات البنك الزراعي التي شكلت حوالي 78% من سلفيات البنك التي كان من ضمنها تمويل هؤلاء لزراعة السمسم والفول السوداني والذرة بمناطق الزراعة الآلية ، وهي مشاريع ذات تكلفة إنتاجية قليلة وعائد كبير.
ويلاحظ أنه تمّ نقل الأرباح الناتجة من الاستثمارات في مناطق الزراعة الآلية والحيوانية الأخري الي الخارج ، بمعني لم يتم إعادة استثمار جزء منه في البلاد ناهيك عن استثمارها في القطاع الزراعي.
رغم تلك المشاريع للزراعة الآلية والمشاريع المروية والمساحات الكبيرة التي كان من المزمع زراعتها قطنا وقمحا وسمسما ودرة ودخنا .الخ ، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وفيما كان يُقال سوف يصبح السودان سلة غذاء العالم ، فان الإنتاج الزراعي ظل يتدهور من عام لآخر خلال هذه الفترة ، حتى اجتاحت البلاد المجاعة عام 1983/1984 ، بعد الجفاف والتصحر الذي حدث بسبب الهجوم علي الغابات من الزراعة الآلية وتدمير البيئة، وعدم تحوط الحكومة للكوارث الطبيعية مثل : هجوم الحيوانات والآفات والجراد والحشرات والفئران .الخ، والاستعداد الكافي لها .
أدي تدهور القطاع الزراعي، لفقدان أعداد كبيرة من اشجار الهشاب والطلح مما أثرفي إنتاج البلاد من الصمغ الذي يدر عملة صعبة ، والجفاف والتصحر الذي أدي للمجاعة ، وعدم تجديد الثروة الشجرية الذي قلص مساحات الغابات، وتدهور ثروات البلاد من الحيوانات الوحشية نتيجة لتغول الزراعة الآلية في مناطق الثروات الوحشية، وتقلص مساحات المرعي الطبيعي مما أدي للصدامات القبلية أو فقدان ثروات حيوانية كبيرة نتيجة لدخول أعداد كبيرة من الرعاة بحيواناتهم للدول المجاورة لمناطق الرعي الطبيعي، اضافة لتخلف القوي المنتجة في الزراعة، والتخلف العلمي والتكنولوجي..
رغم الضجيج الذي كنا نسمعه في السبعينيات عن الاهتمام بالقطاع الزراعي ومشاريع التنمية الزراعية ، الا أن الواقع الفعلي يشير الي أن نسبة الاستثمارات التي كانت موجهة للقطاع الزراعي لا تتجاوز 22% من جملة الاستثمارات رغم أنه كان المصدر الرئيسي للفائض الاقتصادي في السودان( العرض الاقتصادي 78/ 1978).
5- فترة الديمقراطية الثالثة:أبريل 1985 – يونيو 1989م
في فترة الديمقراطية الثالثة صدر قانون التصرف في الأراضي لسنة 1986 الذي أشار في في المادة (5) :" تعتبر جميع الحقوق العينية وحقوق الانتفاع الناشئة بموجب قواعد الأراضي لسنة 1923م أو أي من مشاريع التصرف في الأراضي المذكورة في المادة 28(2) صحيحة ونافذة كما لو كانت قد نشأت بموجب أحكام هذا القانون".
وفي المادة (6) : "لا يجوز إجراء أي تصرف في أي أرض حكومية إلا بعد أن تكون قد أخضعت للإجراءات الآتية: ( أ ) أن تكون قد سجلت في اسم الحكومة بموجب قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925 أو اعتبرت مسجلة بموجب قانون الأراضي غير المسجلة لسنة 1970 الملغي أو تكون قد تم نزع ملكيتها للصالح العام، (ب) أن تكون خالية من أي موانع سواء أكانت مسجلة أم غير مسجلة في حالة الأراضي التي لم يتم تسجيلها بعد أو من أي حيازات منشئة لأي حق عيني أو حق منفعة، (ج) أن يكون قد تم التصديق على تخطيطها من سلطات التخطيط العمراني، ( د) أن يكون قد تم مسحها وتحديدها، (هـ) أن يكون قد تم دفع المقدم المدفوع الذي تحدده اللوائح والأجرة السنوية عن السنة الأولى من سنوات الإيجار وأي رسوم أخرى تحددها الجهات المختصة"
كما أشار القانون في المادة (9): "إذا عجز مستأجر الأرض أو المنفعة عن تعمير قطعة الأرض المؤجرة له خلال المدة الابتدائية أو أي امتداد لها دون إبداء أسباب معقولة فيجوز للسلطات المختصة إلغاء عقد الإيجار واسترداد قطعة الأرض منه وإعادة التصرف فيها"، وفي المادة (10): "يجب على المستأجر أو المنتفع أن يلتزم بشروط عقد الإيجار أو المنفعة وألا يستثمر الأرض المؤجرة دون الحصول على إذن من سلطات الأراضي وسلطات التخطيط العمراني، إلى للغرض المخصصة له والمبين في عقد الإيجار أو أمر التخصيص النهائي أو المؤقت".



6- : فترة الديكتاتورية العسكرية الثالثة: 30 يونيو 1989 – أبريل 2019م.

الهجوم علي الأراضي الزراعية بعد انقلاب 30 يونيو 1989/ 2018 :
في بداية هذه الفترة صدر قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة 1994 الذي أشار في المادة (13) " يجوز نزع ملكية الأرض للمصلحة العامة بموجب أحكام قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930 عند ممارسة الوزير لسلطاته بموجب أحكام المادة 9(ج) ، (ه) ، (و)، كما أشار في المادة (14) الي نزع ملكية الأرض التي لم تعمر.
هذا القانون مع الإجراءات الأخري بعد انقلاب 30 يونيو 1989 و استيلاء الإسلامويين علي السلطة، مكن في الارض للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والتي تضاعفت ثرواتها بشكل هائل بعد الانقلاب وكان من اهم مصادر تراكمها الرأسمالي:
نهب اصول القطاع العام، اصدار قانون النظام المصرفي لعام 1991م والذي مكن لتجار الجبهة الاسلامويين ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني، والتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية، والمضاربة في العقارات ( شراء ونهب الأراضي والميادين العامة، والهجوم علي الأراضي الزراعية وتحويلها لمخططات سكنية بتخطيط عشوائي لم يراعي كوارث السيول والفيضانات. الخ)، والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية، والاستيلاء علي مؤسسات تسويق الماشية، اضافة لنهب عائدات البترول والذهب والجبايات وافقار المزارعين، ودعم رأس المال الإسلامي العالمي، اضافة للاستثمار في التعليم والصحة والذي اصبح مصدرا للتراكم الرأسمالي.
- كان من اكبر الخسائر في هذه الفترة انفصال جنوب السودان ، وتقلص مساحة أراضي السودان وفقدان ثروات بترولية ومعدنية وغابية ، وأراضي زراعية خصبة ومياة عذبة وثروة حيوانية ووحشية وسمكية ، وقد تحدثنا في كتاب قيد الطبع عن انفصال الجنوب ، كيف ولماذا؟ ، ولا نريد أن نطيل في ذلك .
، وكذلك احتلال مصر لحلايب وشلاتين . الخ واحتلال اثيوبيا للفشقة)، وتأجير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة لدول الخليج وغيرها لمدة تصل 99 عاما دون مراعاة مصالح الأجيال القادمة.
في هذا الفترة تمت أكبر هجمة علي اراضي السودان الزراعية أدت لصراعات طبقية وقبلية وحروب، كما في الآتي:
- اشتري المستثمرون من دول الخليج التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي إلى حد كبير مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي يرويها نهر النيل في السودان لزراعة محاصيل غذائية لدعم سكانها.
- بدأت عمليات الاستحواذ علي الأراضي علي نطاق واسع في السودان منذ عام 1972 ، مع إبرام معظم الصفقات بعد عام 2000.

- تم تخصيص معظم هذه الأراضي لـ 28 صفقة عبر وطنية ، مع شركات من دول الشرق الأوسط – بما في ذلك قطر ومصر ولبنان والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وسوريا – تستحوذ على مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاج المحاصيل الغذائية والأعلاف الحيوانية مثل البرسيم ، والوقود الحيوي.
- كما يتنافس مستثمرون من دول مثل الأردن وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على 3.4 مليون هكتار أخرى من الأراضي التي تخضع للتفاوض.
وغالبًا ما يشار إلى هذه المقتنيات الأجنبية باسم “الاستيلاء على الأراضي” ، لأنها تستهلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية مثل الأرض والمياه في كثير من الأحيان دون اعتبار للمجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض.
- الاستيلاء علي الأراضي والمياه في السودان واضح بشكل رئيسي في ولاية الخرطوم ونهر النيل والشمال، وقد اصبح التوسع سريعا بعد أزمة عام 2008 وتعزز بعد عام 2013 بإصدار التشريعات النهائية الصديقة للأعمال.
- بدأ ظهور الاستثمارات الزراعية الأجنبية الهائلة في السودان في أوائل عام 2000 ، عندما بدأ نظام الرئيس عمر حسن أحمد البشير في توفير الأراضي والمياه بشروط ملائمة لدول الخليج التي بدأت في تقليص مواردها المائية ، بسبب الاستخدام المفرط. يحتاج الإنتاج الزراعي المحلي إلى الاستعانة بمصادر خارجية.
- تم تسارع اندفاع دول الخليج في الاستيلاء على الأراضي الزراعية في السودان في أعقاب أزمة أسعار المواد الغذائية في عام 2008: بدأت العديد من البلدان المصدرة في تقليل كمية السلع الغذائية في السوق الأجنبية ، مفضلين التأكد من ضمان الأمن الغذائي لسكانها. على الرغم من القوة الشرائية الكبيرة لدول الخليج بسبب تصدير النفط ، فإنها لا تزال غير قادرة على ضمان الحصول على الغذاء الكافي لسكانها. لهذا السبب ، زاد السودان من وظيفته باعتباره “هدفًا غذائيًا”.
- حظيت مشاركة دول الخليج في اقتصاد السودان بتأييد حدث آخر: في عام 2011 ، كان انفصال جنوب السودان بمثابة صدمة للاقتصاد الوطني: فقدت الخرطوم السيطرة على معظم حقولها النفطية. كان على الشمال أن يتكيف مع الوضع الجديد. نظرًا لضرورة تنويع إيراداتها المالية ، وافق البشير في عام 2013 على تشريع جديد للاستثمارات (قانون تشجيع الاستثمار الوطني ، 2013) من أجل جذب الاستثمار الأجنبي بقوة إلى السودان من خلال تقديم إعفاءات ضريبية ملحوظة ودعم بيروقراطي قوي للمستثمرين .
- تم تنفيذ المشاريع الكبيرة التي من أجل الإنتاج الزراعي الصناعي للبرسيم بسبب أنتاجيته العالية وقيمته الغذائية. تبلغ الحصاد عشر مرات في السنة: يتم حصاد المحاصيل كل 30-35 يومًا بمتوسط إنتاج يبلغ 2 أو 3 أطنان للهكتار الواحد.
- يتم تصدير الأعلاف بشكل رئيسي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاستهلاك المزارع / الحيوانات. نظرًا لأن إنتاجها المحلي من الأعلاف آخذ في التناقص ، أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكبر مستوردي البرسيم في العالم إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
- يحتاج السوق العربي إلى حوالي 20 مليون طن من البرسيم ويتم إنتاج جزء صغير منه فقط على المستوى الإقليمي: ينتج السودان 5 ملايين طن. إمكانية التوسع في زراعة البرسيم في السودان هائلة. لهذا السبب ، تعد وزارة الاستثمار حاليًا دراسات جدوى لمشاريع البرسيم المستقبلية. بالنسبة للسودان ، فإن عرض الأراضي يعني الحصول على إجماع دولي ، والوصول إلى أسواق جديدة وابتكارات تقنية ، والأهم من ذلك ، مصادر جديدة للإيرادات من خلال إيجار الأراضي التي يمكن أن تطمئن استمرار النظام الحالي. بالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص ، فهذا يعني تحقيق أرباح كبيرة من قبل البلد المضيف الذي يضفي الشرعية على نشاطهم الزراعي.

– المشاريع الزراعية تتراوح أبعادها من 2000 إلى 100000 هكتار ، مروية بالمحور المركزية، والري المحوري المركزي هو طريقة لري المحاصيل حيث تدور المعدات التي تعمل بالكهرباء حول محور ويتم ري المحاصيل باستخدام رشاشات. يتم تروية المنطقة الدائرية المتمركزة حول المحور ، وغالبًا ما تخلق نمطًا دائريًا في المحاصيل عند مشاهدتها من الأعلى. لا تتطلب هذه التقنية إجراء عملية تنظيف عميق للأرض ، بل مجرد حد أدنى من التسوية التي تسمح للجهاز بالتحرك. إن إزالة رقائق الحجر والغطاء النباتي سريعة واقتصادية ، ولم يتم استنفاد السطح الأفقي للتربة. يمكن أن تختلف المحاور المركزية في الحجم ، والأكثر شيوعًا قادرة على ري 150 فدانًا. لا تتطلب هذه الميكنة الواسعة لدورة الإنتاج عددًا كبيرًا من العمال. يقوم المهندسون والمهندسون الزراعيون الهيدروليكيون بتنظيم الإنتاج بينما يكون الموظفون المتخصصون مسؤولين عن تشغيل الآلات الزراعية وصيانتها. الموظفون الأكثر تأهيلا هم من الخارج: المهندسون هم من الباكستانيين والسعوديين والأوروبيين ، في حين أن العمال الأقل تأهيلا هم سودانيون ولكن أيضا مصريون وكينيون وجنوب أفريقيون وفلبينيون. وعد الوظائف المعلن عنها من قبل الشركات قليل بشكل عام.
- المشاريع التي تستخدم الري المحوري هي : شركة لبنانية يقع مشروعها علي بعد 139 كم شمال الخرطوم لإنتاج البرسيم. تأسست في عام 2011 في منطقة ليست بعيدة عن قوز الحبشي.
اشترطت الحكومة السودانية عقد إيجار متجدد لمدة 99 عامًا مقابل 87200 هكتار من الأراضي. لضمان الوصول إلى الري ، يمنح المستثمر قطعة أرض طويلة على طول النيل حيث تم تركيب محطة ضخ. هذا مرتبط بخزان هيدروليكي مرتبط بأنابيب من الألياف الزجاجية تحت الأرض يمتد على طول ممر أرض تم شراؤه صراحة لهذا الغرض من قبل المستثمر. في عام 2014 ، بدأت المرحلة الأولى من الحصاد بـ 40 محورًا. تم إضافة 23 نقطة محورية في العام التالي (المرحلة الثانية). كان هدف المستثمر في النهاية هو 1000 محور لزيادة إنتاج وتصدير البرسيم بشكل كبير. يتم تدوير الزراعة الأولية كل عامين بزراعة عشب رودس والسمسم.

بطل الرواية الكبير الآخر للحدود الزراعية الجديدة في السودان هي RAAI (- الراجحي الدولية للاستثمار) ، وهي شركة سعودية لديها العديد من المشاريع الزراعية ليس فقط في هذا البلد ، ولكن أيضًا في المملكة العربية السعودية ومصر وأوكرانيا وبولندا. كما تخطط للتوسع في موريتانيا. مشروعها الرئيسي في السودان هو مشروع الكفاء ، حيث تم زراعة أول محاصيلها في عام 2009. حصلت RAII على 50000 فدان في منطقة بربر حيث تمتلك 140 محوراً وتزرع بشكل أساسي عشب البرسيم ورودس.
- مجموعة معاوية البرير (مجموعة متعددة الجنسيات تضم 30 شركة)، يمكن أن تقوم بزراعة 480 ألف فدان. لكن في الوقت الحالي ، لا تغطي المشاريع التي تقوم بتنشيطها معاوية الامتداد المتاح بالكامل وهي صغيرة نسبياً.
تؤثر عملية الاستيلاء علي الأراضي علي السكان الأصليين الذين يستخدمونها للأغراض الزراعية والرعوية. إنشاء مشروع زراعي يقلل من توفر مساحة لهذه الأنشطة الاقتصادية التي تنطوي على فقدان الآبار الثمينة. الزراعة التقليدية غير مروية ، ثم يبحث المزارعون عن أكثر الأراضي خصوبة حسب الأمطار. في الوقت نفسه ، يحتاجون إلى مساحات شاسعة من الأرض (الممرات) للماشية. بسبب تقلص المساحة ، تنشأ النزاعات بين القبائل والقرى للسيطرة على الأرض والمياه، مما أدي لاحتجاجات ومقاومة لتلك المشاريع واجتهتها الحكومة بالقمع. .
مما اضطر الحكومة منذ عام 2013 ، أن تطلب الهيئة الوطنية للاستثمار أن يخصص المستثمرون من القطاع الخاص 25 ٪ من عمليات الاستحواذ على الأراضي للمجتمع المحلي. نتيجة لذلك ، يطلب المستثمرون الجدد مساحة إضافية بنسبة 25٪ حتى يتمكنوا من الحصول على مساحة الأرض المطلوبة. ومع ذلك ، فإن إعادة تخصيص الأرض لصالح السكان المحليين متفرقة سواء بالنسبة لمشاكل تحديد أفراد “المجتمع المحلي” – خاصةً لأنهم من البدو الرحل أو نصف الرحل – والتأخير البيروقراطي.
كما يتطلب من المستثمرين تقديم تعويضات. غالبًا ما تكون في شكل سلع وخدمات: مدرسة أو مسجد أو عيادة أو مؤقتة و / أو مدفوعات للوصول إلى الآبار. يجب أن يكون تقديم الوظائف جزءًا من التعويض ؛ ومع ذلك ، فإن الوظائف قليلة واجورها تعتبر أقل من المتوسط.
( للمزيد من التفاصيل راجع : الاستيلاء علي الأراضي وتداعياته في السودان ،
موقع
Info Nile
6 مايو 2020 ، بقلم : انيكا ماكجينيس وفريدريك موغيرا).

* - كشف الخبير الدولي البروفيسور (باولو دودريكو) بجامعة فرجينيا في دارسة علمية نشرت في عام 2012 ، أن (23%) من الأراضي الزراعية في السودان تم بيعها أو إيجارها لمدد طويلة جدا لمستثمرين أجانب، وهى تبلغ حوالى (10%) من جملة الأراضي المستولى عليها على نطاق العالم، وان السودان هو رابع أكثر الدول في العالم تم الاستيلاء على أراضيها الزراعية (بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، اندونيسيا والفلبين)! ، وأكدت الدراسة انه لا توجد أي دلائل على ان الاستيلاء على تلك الأراضي كان وسيلة لتطوير الزراعة بجلب رؤوس أموال أو خلق فرص عمل، وانما هناك دلائل على فقدان التوازن البيئي وخسارة الدولة والسكان لمساحات ضخمة من الاراض الزراعية، بالإضافة الى خسارة المياه الجوفية التي تجمعت عبر ملايين السنين ولا يمكن تعويضها ( راجع اتفاقات الأراضي المنهوبة زمن الانقاذ ، مقال لزهير السراج ، الراكوبة : 14 / أغسطس 2021م).
- كشف تقرير لمنظمة قرين المختصة في كشف الأراضي الزراعية المنهوبة في العالم، والتي كشفت قبل عدة اعوام المساحات الضخمة من الأراضي الزراعية السودانية التي استولت عليها دول وشركات أجنبية، بدون أن تعود منها فائدة تذكر للسودان! * أوضح التقرير ان الأراضي التي خصصت لجهات أجنبية بواسطة النظام البائد في عام 2016 فقط، كانت كالآتي:
780 ألف هكتار للإدارة التركية العامة للأعمال الزراعية – الهكتار يساوى 2.4 فدان ــ 132 ألف هكتار لشركة وفرة المصرية، 100 ألف هكتار لشركة حصاد القطرية، 87 ألف هكتار لشركة GLB اللبنانية، 55 ألف هكتار لشركة أمطار الامارتية، 40 ألف هكتار للشركة السودانية المصرية للتكامل، 40 الف هكتار لاتحاد الفلاحين المصريين، 29 ألف هكتار لصندوق أبوظبي للتنمية، 25 ألف هكتار لنادك السعودية، 20 ألف هكتار لشركة جنات التابعة لاستثمارات الراجحي السعودية، 12 ألف هكتار لشركة مجموعة بينسو البرازيلية ، و(10 ألف) هكتار لشركة المراعي السعودية، غير آلاف الافدنة التي استولت عليها بعض هذه الشركات من قبل (إنتهى)! * ولولا سقوط النظام البائد لتم تنفيذ الاتفاقيات السرية التي عقدها مع دولة الصين لاستئجار نصف مليون فدان في مشروع الجزيرة، ومائتي ألف فدان في الشمالية لمدة 99 عاما، مقابل الديون الصينية على حكومة السودان التي تبلغ حوالى (11 مليار دولار) عجزت الحكومة السودانية عن سدادها، ولم يستفد منها السودان بشيء وذهبت لجيوب اللصوص!
( زهير السراج المرجع السابق).

- من الأمثلة للاستثمارات
المستثمر السعودي سليمان الراجحي الذي فاقت استثماراته مليار دولار علي رأسها مصنع للاسمنت ومشروع لزراعة القمح بدأت ب 60 الف فدان.
مشروع " أمطار" الإماراتي للشيخ محمد العتيبة غرب الدبة علي مساحة 130 ألف فدان ، واستثمرت فيه 95 مليون دولار .
شراكة " زادك" التي تقيم مشروعا في محلية جبرة في شمال كردفان علي مساحة 15 ألف فدان .
اعادة تحديث مصنع كريمة وتشغيل مصنع كريمة لتعليب الفواكه والخضار وإنتاج 400 طن يوميا بشراكة مع مجموعة القحطاني السعودية.
مشروع خزان أعالي عطبرة وستيت يتضمن ري مليون فدان انسيابيا ، وفرت السعودية 1,7 مليار دولار لهذا المشروع.
منح السعودية مليون فدان لمدة 99 عاما بشرق السودان
الاراضي الصالحة للزراعة تقدر ب 200 مليون فدان ( تقلصت الي حوالي 160 مليون فدان بعد انفصال الجنوب).
( راجع السر سيد أحمد : زمن التحولات (4/5) الفرصة الرابعة ، سودانايل ، 20 فبراير 2017).
- ارتفعت الاستثمارات الزراعية السعودية في السودان من 7% عام 2013 الي 50% في عام 2015 ، ويصل حجم الاستثمارات الخليجية في السودان نحو 23 مليار دولار، تعد السعودية أكبر مستثمر خليجي ( حوالي 15 مليار دولار)، حوالي 196 سعوديا يستثمرون في القطاع الزراعي بالسودان تتركز استثماراتهم علي الأعلاف والقمح والذرة ، أي أنها منتجات تهم السعودية سواء للأمن الغذائي للانسان أو للحيوان.
( موقع ساسا بوست ، الخليج يتجه للسودان باستثمارات مليارية فما السبب؟، 25 مايو 2016)
وتُقدر استثمارات القطاع الزراعي السعودي بنحو 10 مليار دولار.
تم تخصيص السودان لأرض بمساحة مليون فدان أمام رجال الأعمال السعوديين تحت اسم مشروع " وادي ستيت وعطبرة".
بلغت الاستثمارات الكويتية حسب جهاز الاستثمارات (فبراير 2016) 9 مليار دولار ، ويعد أبرز الاستثمارات الكويتية بالسودان مشروع سكر "كنانة" الذي تتلك فيه الكويت 33%
شملت الخطة التي جاءت في مبادرة الرئيس المخلوع عمر البشير الآتي:
اعفاء كامل لضريبة القيمة المضافة في الاستثمار الزراعي ، وحرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح بنظام مرن ، واعطاء المستثمر الأجنبي حق تصدير 100% من الإنتاج ، منح تسهيلات لجلب العمالة من الخارج ، ومنح اعفاءات ضريبية وحرية تملك الأراضي.( ساسا بوست المصدر السابق)
. يمتلك السودان ما يعادل 45% من اجمالي الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في الوطن العربي ، أي نحو 200 مليون فدان ، لم يستثمر منها سوي 30 مليون فدان.





الملاحق :
ملحق (1)

اتفاقيات الاراضي المنهوبة زمن الانقاذ

مقال لزهير السراج اورد تقرير الاراضي التي منحها نظام الانقاذ

الراكوبة 14 أغسطس 2021
تقرير لمنظمة قرين (GRAIN) ا تقرير لمنظمة قرين المختصة في كشف الأراضي الزراعية المنهوبة في العالم، والتي كشفت قبل عدة اعوام المساحات الضخمة من الأراضي الزراعية السودانية التي استولت عليها دول وشركات أجنبية، بدون أن تعود منها فائدة تذكر للسودان! * أوضح التقرير ان الأراضي التي خصصت لجهات أجنبية بواسطة النظام البائد في عام 2016 فقط، كانت كالآتي: 780 ألف هكتار للإدارة التركية العامة للأعمال الزراعية – الهكتار يساوى 2.4 فدان ــ 132 ألف هكتار لشركة وفرة المصرية، 100 ألف هكتار لشركة حصاد القطرية، 87 ألف هكتار لشركة GLB اللبنانية، 55 ألف هكتار لشركة أمطار الامارتية، 40 ألف هكتار للشركة السودانية المصرية للتكامل، 40 الف هكتار لاتحاد الفلاحين المصريين، 29 ألف هكتار لصندوق أبوظبي للتنمية، 25 ألف هكتار لنادك السعودية، 20 ألف هكتار لشركة جنات التابعة لاستثمارات الراجحي السعودية، 12 ألف هكتار لشركة مجموعة بينسو البرازيلية ، و(10 ألف) هكتار لشركة المراعي السعودية، غير آلاف الافدنة التي استولت عليها بعض هذه الشركات من قبل (إنتهى)! * ولولا سقوط النظام البائد لتم تنفيذ الاتفاقيات السرية التي عقدها مع دولة الصين لاستئجار نصف مليون فدان في مشروع الجزيرة، ومائتي ألف فدان في الشمالية لمدة 99 عاما، مقابل الديون الصينية على حكومة السودان التي تبلغ حوالى (11 مليار دولار) عجزت الحكومة السودانية عن سدادها، ولم يستفد منها السودان بشيء وذهبت لجيوب اللصوص! * ولقد سبق للخبير الدولي البروفيسور (باولو دودريكو) بجامعة فرجينيا – ان كشف في دارسة علمية نشرت في عام 2012 ، أن (23%) من الأراضي الزراعية في السودان تم بيعها أو إيجارها لمدد طويلة جدا لمستثمرين أجانب، وهى تبلغ حوالى (10%) من جملة الأراضي المستولى عليها على نطاق العالم، وان السودان هو رابع أكثر الدول في العالم تم الاستيلاء على أراضيها الزراعية (بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، اندونيسيا والفلبين)! * وأكدت الدراسة انه لا توجد أي دلائل على ان الاستيلاء على تلك الأراضي كان وسيلة لتطوير الزراعة بجلب رؤوس أموال أو خلق فرص عمل، وانما هناك دلائل على فقدان التوازن البيئي وخسارة الدولة والسكان لمساحات ضخمة من الاراض الزراعية، بالإضافة الى خسارة المياه الجوفية التي تجمعت عبر ملايين السنين ولا يمكن تعويضها.

يواصل ويقول : فما هو الهدف من مواصلة نفس سياسة النظام البائد في إهدار الأراضي والحقوق السودانية، وتخصيص مائة ألف فدان إضافية لتركيا والتي وضعت يدها من قبل على ما يقرب من مليون ونصف فدان بدون أن تستغلها أو ينتفع منها السودان بشيء، وهل من اختصاصات رئيس مجلس السيادة التصرف في الأراضي السودانية ومنحها للأجانب على حساب السيادة الوطنية والأسس الصحيحة للاستثمار؟!




ملحق (2)
الاستيلاء علي الاراضي وتداعياته علي السودانيين
موقع ، 6 مايو 2020 Info Nile
آراء الباحث

بقلم أنيكا ماكجينيس وفريدريك موغيرا

يشترى المستثمرون من دول الخليج التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي إلى حد كبير مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي يرويها نهر النيل في السودان لزراعة محاصيل غذائية لدعم سكانها.

تتبعت قاعدة بيانات Land Matrix ، التي تجمع البيانات عن الاستيلاء على الأراضي من الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ومساهمات المواطنين ، 762،208 هكتار من عمليات الاستحواذ على الأراضي على نطاق واسع في السودان منذ عام 1972 ، مع إبرام معظم الصفقات بعد عام 2000.

تم تخصيص معظم هذه الأراضي لـ 28 صفقة عبر وطنية ، مع شركات من دول الشرق الأوسط – بما في ذلك قطر ومصر ولبنان والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وسوريا – تستحوذ على مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاج المحاصيل الغذائية والأعلاف الحيوانية مثل البرسيم ، والوقود الحيوي.


كما يتنافس مستثمرون من دول مثل الأردن وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على 3.4 مليون هكتار أخرى من الأراضي التي تخضع للتفاوض.

وغالبًا ما يشار إلى هذه المقتنيات الأجنبية باسم “الاستيلاء على الأراضي” ، لأنها تستهلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية مثل الأرض والمياه في كثير من الأحيان دون اعتبار للمجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض.


لمعرفة المزيد ، تحدث كل من مؤسسي InfoNile أنيكا ماكجينيس و فريدريك موغيرا مع ستيفانو توريني ، الباحث المشارك في دراسة الاستيلاء على الأراضي والتنمية الزراعية في الأراضي الجافة السودانية ومرشحة الدكتوراه في الجغرافيا في جامعة بادوفا في إيطاليا.

بدأوا بسؤاله عن المناطق في السودان التي عانت من الاستيلاء على الأراضي والمياه أكثر من غيرها.

ستيفانو: الاستيلاء على الأراضي والمياه في السودان واضح بشكل رئيسي في ولاية الخرطوم ونهر النيل والشمال.

المحرر: لماذا هذه المناطق على وجه الخصوص؟
ستيفانو: منذ العقد الأول من القرن العشرين ، شهدت ولايات السودان توسعًا في المشروعات الزراعية للتصدير ، وهو التوسع الذي أصبح سريعًا بعد أزمة عام 2008 وتعزز بعد عام 2013 بإصدار التشريعات النهائية الصديقة للأعمال.

بدأ ظهور الاستثمارات الزراعية الأجنبية الهائلة في السودان في أوائل عام 2000 ، عندما بدأ نظام الرئيس عمر حسن أحمد البشير في توفير الأراضي والمياه بشروط ملائمة لدول الخليج.


المحرر: لماذا دول الخليج؟
ستيفانو: بدأت هذه البلدان في تقليص مواردها المائية ، بسبب الاستخدام المفرط. يحتاج الإنتاج الزراعي المحلي إلى الاستعانة بمصادر خارجية.

تم تسارع اندفاع دول الخليج في الاستيلاء على الأراضي الزراعية في السودان في أعقاب أزمة أسعار المواد الغذائية في عام 2008: بدأت العديد من البلدان المصدرة في تقليل كمية السلع الغذائية في السوق الأجنبية ، مفضلين التأكد من ضمان الأمن الغذائي لسكانها. على الرغم من القوة الشرائية الكبيرة لدول الخليج بسبب تصدير النفط ، فإنها لا تزال غير قادرة على ضمان الحصول على الغذاء الكافي لسكانها. لهذا السبب ، زاد السودان من وظيفته باعتباره “هدفًا غذائيًا”.

حظيت مشاركة دول الخليج في اقتصاد السودان بتأييد حدث آخر: في عام 2011 ، كان انفصال جنوب السودان بمثابة صدمة للاقتصاد الوطني: فقدت الخرطوم السيطرة على معظم حقولها النفطية. كان على الشمال أن يتكيف مع الوضع الجديد. نظرًا لضرورة تنويع إيراداتها المالية ، وافق البشير في عام 2013 على تشريع جديد للاستثمارات (قانون تشجيع الاستثمار الوطني ، 2013) من أجل جذب الاستثمار الأجنبي بقوة إلى السودان من خلال تقديم إعفاءات ضريبية ملحوظة ودعم بيروقراطي قوي للمستثمرين .

المحرر: ما الذي يزرع عادة على أرض السودان؟
ستيفانو: تم تنفيذ المشاريع الكبيرة التي درستها في المقام الأول من أجل الإنتاج الزراعي الصناعي للبرسيم (Medicago Sativa). يعتبر هذا المحصول “الملك” بين العلف بسبب إنتاجيته العالية وقيمته الغذائية. تبلغ الحصاد عشر مرات في السنة: يتم حصاد المحاصيل كل 30-35 يومًا بمتوسط إنتاج يبلغ 2 أو 3 أطنان للهكتار الواحد.

المحرر: من هم المشترين المستهدفين لهذا البرسيم؟
ستيفانو: يتم تصدير الأعلاف بشكل رئيسي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاستهلاك المزارع / الحيوانات. نظرًا لأن إنتاجها المحلي من الأعلاف آخذ في التناقص ، أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكبر مستوردي البرسيم في العالم إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.


يحتاج السوق العربي إلى حوالي 20 مليون طن من البرسيم ويتم إنتاج جزء صغير منه فقط على المستوى الإقليمي: ينتج السودان 5 ملايين طن. إمكانية التوسع في زراعة البرسيم في السودان هائلة. لهذا السبب ، تعد وزارة الاستثمار حاليًا دراسات جدوى لمشاريع البرسيم المستقبلية. بالنسبة للسودان ، فإن عرض الأراضي يعني الحصول على إجماع دولي ، والوصول إلى أسواق جديدة وابتكارات تقنية ، والأهم من ذلك ، مصادر جديدة للإيرادات من خلال إيجار الأراضي التي يمكن أن تطمئن استمرار النظام الحالي. بالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص ، فهذا يعني تحقيق أرباح كبيرة من قبل البلد المضيف الذي يضفي الشرعية على نشاطهم الزراعي.

المشاريع الزراعية التي قمت بزيارتها ، وتتراوح أبعادها من 2000 إلى 100000 هكتار ، مروية بالمحور المركزية.

المحرر: ما هو الري المحوري المركزي؟
ستيفانو: الري المحوري المركزي هو طريقة لري المحاصيل حيث تدور المعدات التي تعمل بالكهرباء حول محور ويتم ري المحاصيل باستخدام رشاشات. يتم تروية المنطقة الدائرية المتمركزة حول المحور ، وغالبًا ما تخلق نمطًا دائريًا في المحاصيل عند مشاهدتها من الأعلى. لا تتطلب هذه التقنية إجراء عملية تنظيف عميق للأرض ، بل مجرد حد أدنى من التسوية التي تسمح للجهاز بالتحرك. إن إزالة رقائق الحجر والغطاء النباتي سريعة واقتصادية ، ولم يتم استنفاد السطح الأفقي للتربة. يمكن أن تختلف المحاور المركزية في الحجم ، والأكثر شيوعًا قادرة على ري 150 فدانًا. لا تتطلب هذه الميكنة الواسعة لدورة الإنتاج عددًا كبيرًا من العمال. يقوم المهندسون والمهندسون الزراعيون الهيدروليكيون بتنظيم الإنتاج بينما يكون الموظفون المتخصصون مسؤولين عن تشغيل الآلات الزراعية وصيانتها. الموظفون الأكثر تأهيلا هم من الخارج: المهندسون هم من الباكستانيين والسعوديين والأوروبيين ، في حين أن العمال الأقل تأهيلا هم سودانيون ولكن أيضا مصريون وكينيون وجنوب أفريقيون وفلبينيون. وعد الوظائف المعلن عنها من قبل الشركات قليل بشكل عام.

المحرر: ما هي المشاريع التي تستخدم هذه التكنولوجيا؟
ستيفانو: تقع شركة GLB Invest اللبنانية على بعد 130 كم شمال الخرطوم ، وهي واحدة من أكبر المشاريع التي تستخدم المحور المركزي لإنتاج البرسيم. تأسست في عام 2011 في منطقة ليست بعيدة عن قوز الحبشي. اشترطت الحكومة السودانية عقد إيجار متجدد لمدة 99 عامًا مقابل 87200 هكتار من الأراضي. لضمان الوصول إلى الري ، يمنح المستثمر قطعة أرض طويلة على طول النيل حيث تم تركيب محطة ضخ. هذا مرتبط بخزان هيدروليكي مرتبط بأنابيب من الألياف الزجاجية تحت الأرض يمتد على طول ممر أرض تم شراؤه صراحة لهذا الغرض من قبل المستثمر. في عام 2014 ، بدأت المرحلة الأولى من الحصاد بـ 40 محورًا. تم إضافة 23 نقطة محورية في العام التالي (المرحلة الثانية). كان هدف المستثمر في النهاية هو 1000 محور لزيادة إنتاج وتصدير البرسيم بشكل كبير. يتم تدوير الزراعة الأولية كل عامين بزراعة عشب رودس والسمسم.

بطل الرواية الكبير الآخر للحدود الزراعية الجديدة في السودان هي RAAI (الراجحي الدولية للاستثمار) ، وهي شركة سعودية لديها العديد من المشاريع الزراعية ليس فقط في هذا البلد ، ولكن أيضًا في المملكة العربية السعودية ومصر وأوكرانيا وبولندا. كما تخطط للتوسع في موريتانيا. مشروعها الرئيسي في السودان هو مشروع الكفاء ، حيث تم زراعة أول محاصيلها في عام 2009. حصلت RAII على 50000 فدان في منطقة بربر حيث تمتلك 140 محوراً وتزرع بشكل أساسي عشب البرسيم ورودس.

ومع ذلك ، فإن أكبر عملية استحواذ على الأرض هي شركة Moawia Elberier ، وهي مجموعة متعددة الجنسيات تضم 30 شركة. في السودان ، يمكن أن تقوم معاوية بزراعة 480 ألف فدان. لكن في الوقت الحالي ، لا تغطي المشاريع التي تقوم بتنشيطها معاوية الامتداد المتاح بالكامل وهي صغيرة نسبياً.


المحرر: ماذا تعني عمليات الاستيلاء على الأراضي والمياه بالنسبة للسكان الأصليين الذين كانوا يمتلكون فيما سبق ما يسمى بـ “الأراضي الممسوكة”؟
ستيفانو: يتم استخدام الأرض من قبل السكان المحليين للأغراض الزراعية والرعوية. إنشاء مشروع زراعي يقلل من توفر مساحة لهذه الأنشطة الاقتصادية التي تنطوي على فقدان الآبار الثمينة. الزراعة التقليدية غير مروية ، ثم يبحث المزارعون عن أكثر الأراضي خصوبة حسب الأمطار. في الوقت نفسه ، يحتاجون إلى مساحات شاسعة من الأرض (الممرات) للماشية. بسبب تقلص المساحة ، تنشأ النزاعات بين القبائل والقرى للسيطرة على الأرض والمياه.

المحرر: كيف يتفاعل السكان الأصليون في السودان مع الاستيلاء على الأراضي؟
ستيفانو: جرت العديد من المظاهرات مع إنشاء مشروع زراعي جديد ، كان عنيفًا في بعض الأحيان. في شندي (في عام 2016) ، احتج العديد من الناس عندما بدأت شركة خاصة في سور الأرض التي يحميها الجيش. ادعت الشركة أنها أبلغت المؤسسات المحلية ، لكن هذه – كما يقول السكان المحليون – لم تشارك المجتمع مطلقًا فيما يتعلق بتخصيص الأراضي. في هذه المرحلة كان الصراع لا مفر منه وأصبح عنيفًا: في بعض الحالات شرع الجيش في هدم المستوطنات واعتقال الأشخاص.

في عام 2018 ، وبعيدًا عن الخرطوم ، احتل أشخاص من المجتمعات التي نزحت بعد إنشاء مشروع زراعي ، مخزن الشركة بعد الحصاد الأول وحرقوا المنتج بالكامل. تم اعتقال المحتجين الأكثر نشاطًا بينما تعرض آخرون لغرامات باهظة. بعد ذلك ، بدأت العديد من الشركات الخاصة في الاستثمار أكثر في الأسوار والحراس للإشراف على حدود مشروعهم الزراعي.

المحرر: ما هي الخطوات التي تتخذها الحكومة لتنظيم هذا؟
ستيفانو: منذ عام 2013 ، تطلب الهيئة الوطنية للاستثمار أن يخصص المستثمرون من القطاع الخاص 25 ٪ من عمليات الاستحواذ على الأراضي للمجتمع المحلي. نتيجة لذلك ، يطلب المستثمرون الجدد مساحة إضافية بنسبة 25٪ حتى يتمكنوا من الحصول على مساحة الأرض المطلوبة. ومع ذلك ، فإن إعادة تخصيص الأرض لصالح السكان المحليين متفرقة سواء بالنسبة لمشاكل تحديد أفراد “المجتمع المحلي” – خاصةً لأنهم من البدو الرحل أو نصف الرحل – والتأخير البيروقراطي.

المحرر: ما الذي يجب القيام به للحد من شدة آثار الاستيلاء على الأراضي في السودان؟
ستيفانو: قد تطلب السلطات الإقليمية من المستثمرين تقديم تعويضات. غالبًا ما تكون في شكل سلع وخدمات: مدرسة أو مسجد أو عيادة أو مؤقتة و / أو مدفوعات للوصول إلى الآبار. يجب أن يكون تقديم الوظائف جزءًا من التعويض ؛ ومع ذلك ، فإن الوظائف قليلة واجورها تعتبر أقل من المتوسط.

A project by
Supported by
Water Journalists Africa
IHE Delft Partnership Programme for Water and Development



ملحق (3)

تركيا توقع اتفاقيات للزراعة والتنقيب عن النفط في السودان
11 / 9 / 2018
رويتر
أنقرة (رويترز) - قالت وزارة الزراعة والغابات التركية يوم الثلاثاء إن تركيا والسودان وقعا اتفاقا بقيمة 100 مليون دولار للتنقيب عن النفط واتفاقا لتخصيص آلاف الأميال المربعة من الأراضي الزراعية السودانية لتستثمر فيها الشركات التركية.


الرئيس السوداني عمر حسن البشير في الخرطوم. صورة من أرشيف رويترز
وعزز البلدان العلاقات بينهما واتفقا في ديسمبر كانون الأول، حين توجه رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم في أول زيارة من نوعها لرئيس تركي، على زيادة حجم التجارة تدريجيا إلى عشرة مليارات دولار.

وقالت الوزارة التركية إن السودان خصص 780 ألفا و500 هكتار (ثلاثة آلاف ميل مربع) من الأراضي لتستثمر فيها شركات تركية خاصة، مضيفة أن ذلك سيوفر “الأمن الغذائي لتركيا والسودان ودول أخرى”.

وذكر وزير الزراعة والغابات بكير باكديميرلي في بيان أن شركة البترول التركية ووزارة النفط والغاز في السودان وقعتا اتفاقا لتطوير حقل نفط وهو ما يقود مبدئيا لاستثمار مئة مليون دولار.

ولم تعط الوزارة أي تفاصيل عن طبيعة ومكان الاستثمار، لكن وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية نقلت عن باكديميرلي قوله إنه اتفاق تنقيب.

وسيفتح بنك الزارعة التشاركي التركي فرعا في الخرطوم لتعزيز العلاقات المالية كما سيجري تيسير الإجراءات الجمركية لاستيراد الآلات والمعدات من تركيا، بحسب الوزارة وقبل عام رفعت الولايات المتحدة حظرا تجاريا وعقوبات أخرى عزلت السودان عن معظم النظام المالي العالمي، لكن اقتصاد السودان يعاني من أزمة بسبب نقص العملة الصعبة والمواد الغذائية الأساسية.

وأدى قرار الحكومة إلغاء‭‭ ‬‬الدعم، الذي نتج عنه ارتفاع سعر الخبز للمثلين، إلى خروج مظاهرات نادرة في أنحاء البلاد هذا العام. ويوم الأحد أعلن الرئيس السوداني عمر البشير حل الحكومة ووعد بتشكيل أخرى تضم عددا أقل من الوزراء لمواجهة الأزمة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وعززت تركيا، التي يسود التوتر علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ومصر، استثماراتها في السودان خلال الفترة الأخيرة.

وتعتزم تركيا إعادة بناء ميناء سوداني يرجع للحقبة العثمانية على ساحل البحر الأحمر وبناء مرفأ لصيانة السفن المدنية والعسكرية بموجب اتفاق توصل إليه الجانبان خلال زيارة أردوغان للخرطوم.

وتشمل الاتفاقات الأخرى التي وقعها أردوغان خلال الزيارة استثمارات تركية لبناء مطار جديد مزمع في الخرطوم واستثمارات من القطاع الخاص في إنتاج القطن وتوليد الكهرباء وبناء صوامع حبوب ومجازر.

إعداد هالة قنديل للنشرة العربية - تحرير عبد المنعم درار










السيرة الذاتية
• تاج السر عثمان الحاج
• اللقب : السر بابو.
• من أبناء أمبكول بمنطقة مروي بالولاية الشمالية.
• من مواليد مدينة عطبرة، يناير 1952م.
• تلقي تعليمه الأولي والاوسط والثانوي بمدينة عطبرة.
• تخرج في جامعة الخرطوم ابريل 1978م.
• باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي.
• صدر له:
1- تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م.
2- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
3- تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف 2005م.
4- النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل احمد ابراهيم، مكتبة الشريف 2005م.
5- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006م.
6- الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف 2006م.
7- التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان، مركز محمد عمر بشير 2006م.
8- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها، دار عزة 2006م
9- الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية 2007م.
10- تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني (1946- 1989م) ، دار عزة 2008م.
11- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، الشركة العالمية 2009م.
12- أوراق في تجديد الماركسية، الشركة العالمية 2010م.
13- دراسات في التاريح الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م
14- قضايا المناطق المهمشة في السودان، الشركة العالمية 2014
15- أسحار الجمال في استمرارية الثقافة السودانية ، مدارات للنشر 2021.
16- الهوّية والصراع الاجتماعي في السودان ، دار المصورات للنشر2021 م
• كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات ومنشورة في الصحف السودانية والمواقع الالكترونية، ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل داخل وخارج السودان.
• عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
• أُعتقل مرتين خلال ديكتاتورية نميري عامي 1973م، و1977م، ومرتين خلال ديكتاتورية الانقاذ عام 1995م لمدة سنة وتعرض لتعذيب وحشي.، وفي مارس 2018 بعد الهبة الجماهيرية في 16 يناير 2018.
• متزوج وأب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي