الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التموجات الدلالية للقصيدة الومضة-لدى الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني -الصمت المقروء-

محمد المحسن
كاتب

2023 / 11 / 14
الادب والفن


التموجات الدلالية للقصيدة الومضة-لدى الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني
-الصمت المقروء-


تقوم معرفة النص على استنطاقه بوساطة الأسلوب الذي يتخذه المنشيء وسيلةً لإيصال غاياته الدلالية،وإن مفتاح فهمه يقوم على استقراء بنيتهِ التكوينية كاملة،لأن البنية تمنح الناقد المتمرس قيماً فنية كثيرة تأخذ به إلى علامات دلالية،لم يلجأ اليها الشاعر اعتباطا,وإنما هي نتاج حاجات نفسية,فتحقق تلك العلامات حين تنتظم في السياق قيم المعنى وقيم الموسيقى التي تتآلف معها لتكوين دلالةٍ عامة أو خاصةٍ،إذ إن للبنية الشعرية علاقة بالتوجه الدلالي المقصود،وهي مدعاة لإظهار تلك الدلالات بصفات صوتية يقصدها الكاتب وعياً أو لا وعياً،ويستعملها في إنتاج الدلالة العامة للنص،لأن قدر المعنى يتعلق بقدر اللفظ فلكل واحد منهما أهمية في تكوين جمالية النص وتصويره،أو ما تتوطنه-النص-من إشارات واضحةٍ تنبئ عن اهتمام المتكلم ،إذ إن كل شيء يخرجه المتكلم على لسانه له صلة بما يعتمل في نفسه،فما يخرجه إلاّ ليُظهر شكلَ إحساسه وتصوراته،فإرهاصات الشاعر تفضحها عيون كلماته،لأن الأخيرة علامات يقدمها المنشيء برسائل مهمة إلى المتلقي الذي يستطيع من خلالها فك شفراتها،وتحليل معانيها،ومعرفة مقاصدها،فالعلامة طريقٌ يدل الباحثين عن حقيقة النص ,ووجوده في السياق إيماءة إلى المسكوت عنه،ولهذا فإن للشعراء لغتهم التعبيرية الخاصة التي يجدون فيها بوحهم،وكل كلام شعري هو حصيلة انفعالات نفسية يُظهرها مضمون ما يجيش في أعماق الكاتب..
ومن هنا بات الكلام رسالة ابلاغية،تحمل القصدية والوظيفة معا،فكيف إذا كانت الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني تؤكد أهمية حضورها وغايتها التعبيرية في نصها.
انهزم الشّعر..
انهزم الكلام..
ما ظلّ غير صوت الموت
يعلن الحداد
لقد تابعت ما تكتبه الشاعرة التونسية أ-نعيمة المديوني في ومضاتها الشعرية فوجدت الكلمة تتحرك في بنية السياق حركة حيّة تمنحه تموجات دلالية،إذ تتوسع حيوية النص لتجعل تلك الحركة انبثاقاً وجدانياً قائماً على العدول والتكثيف الدلالي،فهي تختزل الكلام بقدر ما تستطيع ايصال قصديتها إلى المتلقي بصدق وجداني وفني.
وهنا لابد أن أسجل اعترافا بأن قصيدة شاعرتنا أثارت انتباهي.
أولا لقوتها.
وثانيا أنها تناسبني وتتواءم مع ذائقتي،إذ تناولت قضية نحياها،ولم يسقطها التاريخ رغم ايغالها في الزمن،وهي فلسطين المجللة بقدسية الزمان والمكان،والموشحة بدموع الثكالى واليتامى وعطر الشهداء في زمن فقد فيه العرب-الطريق إلى الحكمة-وغدا فيه أيضا-الصمت أفصح من الكلام-فاسحا المجال لزئير الموت،لعلعة الرصاص،نعيق المدافع ونباح الرشاشات..! "ما ظلّ غير صوت الموت يعلن الحداد "
وبإختصار شديد..إنها قصيدة تستنفر عقل وفكر المتلقي ليكون على قدر مستواها الفكري،والفني والأدبي.
وهذا ما حدث في حالة الشاعرة التونسية أ-نعيمة المديوني مثلاً،وتجربتها الشعرية الغنية التي لم تنفصل عن حقيقة امتلاك الشاعرة لرؤيا فلسفية متكاملة،مكّنتها من التجريب في نموذج القصيدة الومضة بنماذج متألقة تسجَّل لها.
إنها تجربة شعرية غاية فى العمق وآية فى الجمال،صاغتها شاعرتنا فى بضع كلمات،ولكن بين هذه الكلمات آلاف من الكلمات والمعانى مسكوتاً عنها،وعلى المتلقى أن يتأمل ويبحث ويحلّل حتى يصلَ إلى ذروة المتعة الشعرية والتأملية..
تجربة عميقة وقوية تم رصدها فى كلمات قليلة تحمل كل معانى وعطاءات التجربة بين سطورها،فالتجربة هنا كالومضة التى تلقى بأضوائها على من حولها ولمساحات بعيدة حسب ثقافة وفكر كل متلق.
ختاما أقول :
من مزايا قصيدة الومضة حيث هي منتقاة في لفظها،ويمكن تعليل حضورها المعاصر بسرعة إيقاع العصر سرعة هائلة لم تعد تتحمل القصائد القائمة على السرد الطويل،والإيقاعات البطيئة،ولذلك كانت الومضة والهايكو من الأنماط الشعرية التي نجد حضورها في تنامٍ مستمر. ولكن الأبرز هل تستطيع ذائقتنا البصرية والسمعية استيعاب حضور الجيد من الومضة وتقبله دون نكران،مع المحافظة على قدرتنا في التواصل مع القصيدة الطويلة دون إقصاء أو نكران فضل..؟
وهل يستطيع الشعراء ألا يستسهلوا قصيدة الومضة ولا يقدموا لنا جملاً مبتورةً جوفاء خالية من سمة الذكاء التي هي السمة الأبرز لقصيدة الومضة..؟
وللأيام حكمتها..وللشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني تجلياتها الإبداعية التي لا تخطئ العين نورها وإشعاعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا