الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صُنّاع الكراهية يقودون المظاهرات ضدّ الكراهية!

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2023 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


أكبر عملية تطهير عرقي حدثت في المنطقة العربية هي تهجير 70% من الشعب الفلسطيني عام 1948 حيث عمدت عصابات "الهاغانا" المسلحة، والتي ستصبح الجيش الإسرائيلي لاحقا، إلى هدم البيوت وطرد سكانها، وقتل كلّ من قاومها.
بعد 1967، احتلت إسرائيل بقية فلسطين التي لا تزال الأمم المتحدة إلى اليوم تعتبرها أراضي فلسطينية مُحتلّة. ومن هذه الأراضي المحتلة تَواصل تهجير السكان من بيوتهم وإحلال المستوطنات محلّها. ولم تتوقف هذه العمليات أبدا.

قبل 7 أكتوبر بسنوات، تم طرد أهالي قرية باب شمس ووقرية المناطير وقرية أحفاد يونس. وأطردوا حتى فلسطينيين، كانوا قد هُجّروا من قبل، فأقاموا خياما في الخلاء. حتى هؤلاء لاحقهم الجيش وحرق خيامهم وأطردهم مرة أخرى.
قرية العراقيب في النقب، هذه هّدمت مئة وسبعة مرات، المرة تلو الأخرى! أهالي إقرث وكفر برعم، يحملون الجنسية الإسرائيلية، ومع ذلك منعوهم من العودة إلى قراهم.
قرى لفتا وعمواس ويالو وبيت نوبا، هذه تم التنكيل بأهاليها وتهجيرهم منها. وبعد ذلك تم هدمها بالكامل وتغيير شكلها... بعد سنوات طلب بعض أهاليها أن يعودوا لها ليروها فقط. فرفض الاحتلال السماح لهم حتى بالتذكّر.

بالمجمل 500 قرية وتجمع سكاني فلسطيني دمرتها حكومات إسرائيل المتعاقبة، وما زالت تدمر وتُهجّر وتزرع المستوطنات .
اليوم هناك أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في كل أنحاء العالم، وممنوعين من العودة إلى وطنهم. وهذا العدد وهذه المأساة، هي حصيلة أطول وأبشع عملية تطهير عرقي، التي لا تزال مستمرة دون توقّف. في عهد نتنياهو رئيس الوزراء الحالي، تم طرد الفلسطينيين من قرية سوسيا في الخليل. من الأغوار، ومن ضواحي القدس ... وإلى يوم الناس هذا، في الوقت الذي تتعرض فيه غزة للإبادة، يستمر المستوطنون المسلحون في الضفة الغربية في مهاجمة الفلسطينيين وقتلهم، والاستيلاء على بيوتهم وأثاثهم ومواشيهم. ثم يُطردونهم دون السماح لهم بأخذ أي شيء من أمتعتهم. والتقارير تتحدث عن مئات الأُسر في العراء. علما وأن كل هذه الانتهاكات تتم تحت إشراف الجيش الإسرائيلي وبدعم منه. كل هذا يحدث والدول الغربية تدعم وتساند. رغم أن كل الأعراف والقوانين الدولية، تعتبر المستوطنات غير شرعية. وهذا خلق ثقافة وقاحة عند قادة اسرائيل لا مثيل لِقُبحِها. فعندما قيل لنتنياهو بأن السلام وإقامة الدولة الفلسطينية سيقتضي إزالة المستوطنات غير الشرعية، تماما مثلما غادر المستوطنون الأروبيون الجزائر والهند وغيرها، بعد استقلال تلك البلدان. والمستوطنات الإسرائيلية أيضا أُقيمت على الأراضي المحتلة عام 1967.
هل تعرفون كيف أجاب؟
أجاب بأن "إزالة المستوطنات هي عملية تطهير عرقي".

المصيبة كون نتنياهو ليس وحده في انتهاك القوانين الدولية، وانتهاك السلم والأمن والتعدي على كرامة البشرية جمعاء، بل له شركاء. فهذه دولة تمارس، على نحو مستمرّ على امتداد خمسة وسبعين عاما، جميع أنواع جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الأبادة، وجرائم التطهير العرقي. ولا تعترف بالقانون الدولي ولا بقرارات الشرعية الدولية. وقادتها يُهدّدون المدنيين بالقضاء عليهم بالقنبلة النووية وتعتبرهم حيوانات، وتحاصرهم، وتمنع عليهم التنقل، وتحرمهم من الدواء ومن المواد الغذائية ومن وسائل العيش الأساسية.
دولة كهذه كيف يصفها المسؤولون في الدول الأروبية والولايات المتحدة الأمريكية؟
يقولون إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. والدولة الوحيدة التي تحترم حقوق الإنسان. وهي الضحية الدائمة. ومهددة من الفلسطينيين لأنهم إرهابيون ويُعادون السامية ويكرهون اليهود ويرفضون السلام!
وكنتيجة لنشر وترسيخ وإعادة نشر، وإعادة ترسيخ هذه الدّعايات على أوسع نطاق، باستخدام آلة الإعلام الجبارة، تمّ تزييف التاريخ، وتزييف الوقائع، حتى تحول الفلسطينيون ضحايا العصر، إلى معتدين في أذهان أجيال وراء أجيال. مع العلم أن قادة الدول الغربية، الذين يتظاهرون اليوم دفاعا عن الاحتلال تحت غطاء "العداء للسامية"، يعرفون جيّدا أن اليهود تم اضطهادهم في الغرب، وليس في بلاد المسلمين. يعرفون كيف عاش اليهود والمسلمون والمسيحيون قرونا طويلة مع بعضهم البعض. وكيف حافظ اليهود مثلهم مثل المسلمين والمسيحيين على معابدهم وشعائرهم ومدارسهم ومتاجرهم. وكانوا كغيرهم من الجماعات، لهم مكانتهم ولهم وُجهاؤهم. ولم يحصل أن أُبيدوا أو أحرقوا أو نُقِلوا إلى المعازل إلا في أوروبا. لعل آخر شاهد على ذلك، باي تونس (المنصف باي) الذي خُلِعِ عام 1942 من منصبه، وتمّ نفيه من تونس إلى أن توفي في منفاه بفرنسا عام 1948. هذا الرّجل تعرّض للعزل والنفي والتنكيل بسبب رفضه تسليم اليهود إلى قوات حكومة فيشي، المتعاونة مع النازية. فعاقبته سلطات الاحتلال لأنه يعتبر نفسه مسؤولا أمام الله على مصير رعاياه مهما كان دينهم.
ففي جويلية 1942، كما هو معلوم، وكما اعترفت بذلك الدولة الفرنسية على لسان أربعة من رؤسائها (ميتران، شيراك، هولوند، وكاكرون)، تمت على الأراضي الفرنسية، وفي مستعمراتها، أيام الاحتلال النازي، حملة تهجير واسعة استهدفت اليهود، إذ قام تسعة آلاف موظف حكومي بينهم خمسة آلاف شرطي فرنسي باعتقال 12844 يهوديا بينهم 4115 طفلا من منازلهم بأمر من "رينيه بوسكيه" قائد شرطة فيشي. ونُقل المعتقلون، وبينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى، إلى معسكرات الإبادة في "أوشفيتز" ببولندا. ولم ينجُ منهم سوى عدد قليل.
واليوم يتهم السياسيون في أروبا الفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعا على بكرة أبيهم، ويتهمونهم بالعداء
للسامية وكراهية اليهود. والحقيقة أن اليهود والعرب والمسيحيين والبوذيين وجميع ملل الأرض ونحلها، الكلّ ضحية هذه النازية الجديدة المتمثلة في الرأسمالية المتوحشة المزينة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. الإنسانية ضحية خدم النازية الجديدة، الذين يُضلّلون شعوبهم، ويزرعون الكراهية، ويخلقون الإرهاب والإرهابيين، ويُشعلون الحروب الظالمة في كل مكان، ويقفون مع المظالم والاحتلال والإبادة الجماعية، وفي نفس الوقت يقودون المظاهرات المّندّدة بالكراهية، لإخفاء الحقيقة. ولكن مذبحة أطفال غزة فضحتهم، وفضحت حقائق التاريخ التي سرعان ما اخترقت دروع الخداع والنفاق، ليس في أروبا وأمريكا الشمالية وحسب، بل في كل أركان الأرض الأربعة اكتشفت الشعوب أنّ جماعة "حق الدفاع عن النفس"، هم في الحقيقة يعتنقون الإبادة الجماعية، وشعارهم يعني "حق القائم بالاحتلال أن يقتل الواقعين تحت الاحتلال، وعلى الضحايا أن يستسلموا، وإلا فهم دواعش"! واكتشفت الشعوب جذور الكارثة، وأسبابها التي تعود إلى عام 1948. واكتشفت أن الإرهاب الحقيقي ومنبعه الذي لا ينضب هو الاحتلال. أما الذين يقاومون ويُدافعون عن أرضهم، فهم عُصارة الشعب الفلسطيني، فيهم إسلاميون وعلمانيون وماركسيون وقوميون وديمقراطيون ومسلمون ومسيحيون ...

على المؤرخين والمثقفين الشرفاء ومُحبّي السلام في فرنسا وفي العالم، أن يواجهوا هذه الحرب الدعائية التي تُشن على الأجيال في الغرب لتشويه وعيها، والزجّ بها في أتون كراهية مُفتعلة، يُرادُ بها جعل كل الفلسطينيين إرهابيين ومجرمين. إن من واجب المنتصرين للسلام والأمن والتآخي بين جميع البشر، إفشال هذه الحرب الدعائية العمياء التي لا تَقِلُّ خطورة وتدميرا على خطورة آلاف أطنان القنابل والمتفجرات التي تُلقى يوميا على الأبرياء في المستشفيات والمدارس وملاجئ الأنروا. وليس هنالك أكثر إنسانية وأكثر نُبل من نشر الرواية الفلسطينية المستندة للوقائع والحقائق والمعلومات والوثائق والمؤيدات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |