الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث غزة الفلسطينية.. محاولة فلسفية لفهم ما يجري

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2023 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ما يجري في غزة الفلسطينية انقلاب تاريخي، بكل المعايير، و لا يمكن دحض ذلك بأعتى أسلحة التزييف و البروباغندا ! جماعة مقاومة، متواضعة على مستوى العتاد العسكري، تواجه أكبر قوة مرتزقة في العالم مدعومة، سياسيا و عسكريا، من طرف التحالف الأورو-أمريكي مجتمعا !
بمنطق الأشياء، الانتصار العسكري الصهيوني كاسح و ترسيم معادلات سياسية جديدة مضمون، أما بمنطق القيم فعكس ذلك هو ما تحقق، لحد الآن، الهزيمة العسكرية الصهيونية ثابتة، و لا ترسيم لمعادلات سياسية جديدة يظهر في الأفق القريب بله البعيد !
هذا محير بمنطق الأشياء الذي رسخته الحداثة الأداتية، لكنه أمر طبيعي بمنطق القيم الذي غير، عبر التاريخ، الكثير المعادلات السياسية و العسكرية التي ظنها أصحابها قدرا غير قابل للتغيير .
لا يمكن استيعاب هذا الانقلاب التاريخي الذي يجري في غزة الفلسطينية إلا من خلال مُدخلاته input القيميَّة التي أنتجت مُخرجات output ماديَّة. فـ “إرادة القوة” la volonté de puissance بلغة نيتشه، قبل أن تتجسَّد، اقتصاديًّا و سياسيًّا و عسكريًّا، هي قيمة حضارية متجذرة في اللاشعور الجمعي الذي شكله المتخيل الإسلامي، عبر إعادة تشكيل الشخصيَّة العربيَّة من منظور مقاوم/مجاهد لا يستسلم لبديهيات الأشياء بل يمتلك الإرادة الصلبة لتغييرها و قلبها رأسا على عقب.
لا يمكن وسم المقاوم/المجاهد الذي يواجه العالم الغربي مجتمعا على أرض غزة الفلسطينية، كما واجهه و انتصر عليه في أفغانستان، إلا بوسم “الإنسان الأسمى” the superman /le surhomme بلغة نيتشه، هذا النموذج الإنساني الجديد الذي دخل في سيرورة تطوّر قيمي، نجح من خلالها في كنس انحطاطه والخروج إلى الوجود موجودًا جديدًا مضمّخًا بقيم السادة ومجرَّدًا من قيم العبيد، بلغة نيتشه دائمًا، إنسان يمتلك تحمّل الجمال وعزم وجرأة الأسود وبراءة الأطفال، يقول نيتشه.
إنه زرادشت العربي-المسلم الذي ستأفل على يديه الطاهرتين أصنام الصهيونية، كما أفلت على أيدي أجداده أصنام الروم و الفرس، في مشهد مطابق لما يجري في غزة الفلسطينية: قبائل منتشرة في بيئة صحراويَّة جدباء، تحيط بها إمبراطوريتان من أقوى ما أنجزه التاريخ في حينه (الروم، الفرس).. في مرحلةٍ أولى، تنجح هذه القبائل في المحافظة على خصوصيّتها الثقافيَّة والاجتماعيَّة، واستقلالها السياسي، وفي مرحلة لاحقة تتمكَّن هذه القبائل من بسط سيطرتها على كل الامتداد الإمبراطوري الروماني – الفارسي، مشكِّلة نمطًا إمبراطوريًّا جديدًا بطابع عربي إسلامي.
ما أشبه اليوم بالأمس ! جماعة مقاومة/ مجاهدة تنتشر في رقعة ضيقة محاصرة، تحيط بها الإمبراطورية الغربية الأورو- أمريكية، بمرتزقتها و حاملات طائراتها و غواصاتها، و رغم ذلك تتحدى الحصار، تتحدى منطق الحداثة الأداتية.. بل و تنجح في فك الحصار و تحويل المرتزقة بحاملات طائراتهم و غواصاتهم إلى أشلاء جيف و خردة في سوق المتلاشيات !
لن نخاطبهم بمنطقنا الذي نعتقده حقيقة صادقة (و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى) و لكن سنترجم لهم هذا المنطق بلغة عبقري منبوذ من عباقرتهم الذي اتهموه بالجنون لأنه كشف عورتهم و شهّر بعدميتهم و انحطاطهم ، سنترجم لهم عقيدتنا بلغة العبقري فريدريك نيتشه ليدركوها :
ما أثار الفيلسوف نيتشه في منطق الإسلام، هو نزعته البيولوجيَّة/الغريزيَّة المفرطة في تأسيس قيمه الأخلاقيَّة، إلى درجة ترتقي بها إلى مستوى الأخلاق العمليَّة. فعلى خلاف المثاليَّة المسيحيَّة التي أسَّست لأخلاق العبيد، أسَّس الإسلام لأخلاق السادة انطلاقًا من نزعة بيولوجيَّة تتعامل مع الإنسان كنموذج واقعي تتحكم فيه الغرائز الطبيعيَّة، و لذلك كانت منظومة الأخلاق الإسلاميَّة استجابة لحاجات بيولوجيَّة أكثر من كونها استجابة لتأمّلٍ فلسفي مجرَّد.
هذا ما خلص إليه الباحث البريطاني “روي جاكسون” في كتابه الثوري “نيتشه و الإسلام” Roy Jackson, Nietzsche and Islam وهو يقارن بين “زرادشت” النيتشوي و “محمد” العربي، فكلاهما أحدث انقلابًا تاريخيًّا انطلق من مجال القيم، كلاهما سعى إلى تحطيم الأصنام القابعة في اللاشعور الجمعي من أجل تحرير الطاقة الإنسانيَّة الكامنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟