الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*عرض حال حالة: « ربّ النسيان! »

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2023 / 11 / 14
كتابات ساخرة


أتنَقّل من الصالون إلى المطبخ مرارا و تكرارا؛ أمشي بينهما « كيلومتراتا »! تارة لجلب أشياء نسيت وضعها على طاولة (مائدة) الأكل.. المعضلة أن الصالة تبعد عن المطبخ بثلاث أمتار انطلاقا من مخرجها.. عندما أصل المطبخ أنسى فورا ما قدمتُ لأجله و لجلبه و ما احتاجه لإتمام مستلزمات بداية التغذية سواء (الغداء ) أو ( العشاء)… أنسى مثلا أنّي جئت للمطبخ لجلب ملعقة أو فرشاة أو الإثنين أو سكينة أو كوب أو قارورة المشروب الغازي أو منشفة الأكل أو أو .. فأمضي كالمعتوه /العبيط / الغبيّ و ذهني لم يعرف أبدا صفوه و في حركة ( الصفا/ المروة) لوقت حتى تفور أعصابي و تلتهب لمعضلة ( النسيان المرضية عندي …)…لا أتحدث عن تلك الشعائر و المناسك التي تقام في ( تلك البقاع التي أصبحت ملحقا للبيت الأبيض الأمريكي و بوقا للكينيست اليهودي ؛ تلك البقاع التي كانت قديما ، قديما مقدسة و لا يُجرّم و لا يمنع فيها الدعاء إلى الله كما اليوم و لا يمنع فيها الدعاء لنصرة المستضعفين كما اليوم يُدان أو يسجن و إن كان أجنبيا يطرد!) لستُ بحاجة إلى « صفاهم و لا مرواهم » حتى يكفّوا عن تولّيهم لـ الكفار ضد إخوانهم المسلمين! أليس (مَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يا ربّى أخبرني! بغض النظر عن روضة رسولك الأكرم و مسجده الحرام هل هذه البقاع بعد ما قرب الأنجاس المسجد الحرام (إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ ) و هل هذه البـِ ـ قَاعْ ـ مازالت تحِلّ للمسلمين و هل تُعد عند مقامك العظيم و تُحسب لديك دائما مقدسة، أم سقط هذا الّرُكن إلى أن يُعاد تطهيرها مجددا من العمالة و التدنيس و الـتَّنجيس ـ و إيقاف مناسك النّفاق من استحداث : (علب ليلية و صالات ـ الرّقص ـ و « القمار الحلال » و « مواخير الغواني حلال! » في علب البقاع الليلية! ).. يا حَراااااامْ! يا بيت الله !!!! .. يا ربّ!.. حماة الحَرمين الشريفين و الكعبة هل يزعجهم تحرير (المقدس الشريف) « أولى القبلتين وثالث الحرمين » .. لقد انفتحوا (عليهم)و على بغائهم و انغلقوا (علينا!) .. ها نحن عند الاعتمار و حج بيتك نيكتُم الرّجال ( الدعاء لإخوتنا) في قلوبنا خيفة من مخافرهم اللاشرعية! .. حتى لا نغضب بأدعيتهم الصهاينة الذين يقتّلون إخواننا في فلسطين ؟! .. عذرا قارئي العزيز ، ها أنا أعطيك مثلا حيّا عن حالة من حالات انفلاتاتي الذهنية و الخروج عن الموضوع.. فقط تذكرت هذا الهمّ و الكرب العرب الإسلامي و أنا أكتب معضلة نسياني، فخفت أن تطير الفكر و ينكحها « ربّ النسيان! » فكتبتها هنا بين قوسين ! .. طيب ! كنت أتحدث عن « ربّ النسيان ! » و معضلاتي اليومية معه حتى وجدت نفسي أتحدث عن هذا القوم الذين باعوا علنا ( عندي وثيقة تثبت جرمهم التاريخي في حق الفلسطينيين) من الأول فلسطين بضغط يهودي أمريكي مقابل حماية ملك « القطيع » و الحفاظ عليه إلى آخر الزمان .. هل اقترب آخر الزمان هذا الزفت ! .. و بعد ما باعوها .. يجرّمون كل تضامن و تعاطف مع الفلسطينيين الذين يُقتلون يوميا و يذبَّحون على مقربة من أعينهم! ألم يحِن بعد الوقت للقطيع العربي من الشعوب العربية و الإسلامية أن تجمّد مناسك الحج و العمرة حتى يعود (الحَرَمَيَّة و سُلالتهم السّلولية و الوهّابية من أهل البيت؛ الذين اغتالوا الملك « فيصل ») أصحاب لقب :« حماة الحرمين » إلى رشدههم العقائدي الصحيح السليم !
ـ كما ذكرت ، استغرق وقتا مهمّا كي أحصل خلال ( صفاي و مرواي) ، « صفية » كنية أطلقتها على صالة الاستقبال و « مروى » هي كنية ـ الكوزينة ـ أى (المطبخ) .. هو موقف متكرر عندي و مضنٍ جدا نفسيا قبل جمع و جلب كلّ ما احتاجه من « أكسوسوارات » و ضروريات ليتمّ مشهد طاولتي الغذائية بحكم أن التفاصيل عندي مهمّة و طقوسي الخاصة في كل شيء ! عندما أبدأ تناول وجبتي ؛ أكون شبيها بحال الذي كان قد انتهى من عدو أو سباق ـ سبرينت s-print- ـ لمسافة قصيرة؛ أحيانا هكذا اختلالات و تقطعات في الذاكرة المزمنة تستفز أعصابي فأصاحب ـ بحوثي ـ عن أغراضي المنسية بالسخط و السبّ و السفاح حتى! و يحدث أن أتشاجر مع نفسي .. تخيّلوا! .. كل هذا يحدث بيني و بين أشيائي و فضائي ـ خلف الأبواب المغلقة ـ en Huis clos في أغلب الأوقات لمّا ينفضّ جميعهم من حولي … ! و يحدث أيضا أن أنسى فجأة و أنا في لُبّ حديث ما كنتُ أتحدث فيه.. كأنّ أحدهم يقطع عنك تيار الإنارة فجأة و تجد نفسك في الظلام التّام الدامس ! هكذا تجتاحني بين الفينة الأخرى « ثقوب سوداء » يحدثها « ربّ النسيان! » و أبقى كما المعتوه بلا صوت و لا مفردة و لا صورة أمام محدثي.. فقط الدهشة من أمر أجهله يعوّض حيرتي و هوان أمري لحظتها ، تدوم وقعتي في ثقوبي السوداء الذهنية لثوانٍ طويلة قد تصل إلى دقائق فلا أدري من أين أتيت و إلى أين وصلت و لا أين كنتُ ذاهبا في الفكرة التي انطلقت بها النقاش ! من البديهيات إذن بالنسبة لحالتي أن أنسى ـ نسيا منسيا ـ مثلا ـ الأكل ـ و التغذية أو أتجاوز وجبة ما، و تذكّرني مظاهرات داخلية لأمعائي و معدتي ، و أبدأ أسأل نفسي هل أكلت في ظهيرة اليوم! ثمّ يلتبس لديّ الأمر بين ظهيرة الأمس الماضية و ظهيرة اليوم الحاضرة حال تساؤلي عن سبب شعوري بالجوع العظيم! و يحدث أن أنسى أوراقي النقدية في الموزع الآلي العمومي ، بحيث استرجع بطاقتي و أنسى الأوراق النقدية على فوهة « الموزّع » ثم انصرف و لا أتذكّر ذلك إلا بعد مرور مسافة معينة و بعد فوات الأوان !
ـ « ربّ النسيان » هذا يحرق أعصابي حرق و يجعلني .. سريع الالتهاب في أيّ لحظة و بمجرّد أيّ حركة خارجية تعترض مع مزاجي !
عندما أخرج و أتوجّه لمشاغلي و مصالحي و نشاطي و طقوسي اليومية لم يحدث وَ أن لمْ أنسَ شيئا و أنا أهمّ بالخروج أو بعده .. فإن لم أنسَ سجائري و مفاتيحي أو هاتفي ، أو جهازي ، أو بطاقة السفر أو قدَّاحاتي أو محفطتي الصغيرة أو « أكسوسوراتي الخاصة » التي تملأ جيوبي فهذا يعتير حدثا مهما!خارجا أمضي أيضا لحظات ( صفا و مروة) شبيهة بين صفا و مروة ( الصالة و المطبخ) و هو أن في الخارج يدي هي التي تقوم بالسّعي و بمناسك الصفا و المروة بين جيوبي بحثا عن أغراضي التي لم أجدها تحسّسا أو يخيّل لي بأنها ليست موجودة .. ثم أجدها بعد جهد جهيد و كأن كائنات خفية تقوم بإخفائها من جيوبي ثم تعيدها إليّ بعد ما تلاحظ أنّي تعبت من البحث ! لا أحدثكم عن كم الأشياء التي أضعتها في الشارع و الأماكن العمومية و الخاصة و داخل وسائل النقل العمومية، من محافط و وثائق و هواتف و مفاتيح و مطريات … تارة أنسى نظاراتي ، فإن لم أنسَ نظاراتي أنسى سجائري أو قداحتي أو بطاقة السفر أو مطريتي أو محفظة وثائقي الخاصة.. أنسى حتى نفسي فكم نجوت كذا من مرة من دهس حافلات و سيارات لي و أنا اجتاز الطريق لكن « ثقوب سوداء » ـ لا فكرة ما في أفق الوجود.. و مع ذلك أعرف أني كنتُ أسير فكرة ما غيّبت و محت كل الوجود من انتباهي و أنا أتجاوز و أعبر الممرات و الشوارع و الطرقات ! ـ تتنزّل عليّ و تجتاح انتباهي و تركيزي في هذه الأثناء بالذات .. « رَبّ النسيان هذا » ينغّص عليّ لحظات يومي أحيانا! طبيبي المختص يخبرني دائما بأنه ليس نسيانا بالمفهوم التقلييدي اللغوي و الكلاسيكي للنسيان و إنما حالتي و من حالاتي المرضية تفرز لدي هكذا معضلة مع وجودي و محيطي و مرده حسبه أنّي أعاني من ( فرط التفكير و الحركة) Hyperactivité de la pensée أو tachypsychie « التاكيبسيشي » نقص الانتباه مع تفاقم النشاط الذهني …
« accélération anormale du rythme de la pensée et des associations d idées créant un état de surexcitation »
معناه تسارع غير طبيعي في وتيرة التفكير و ازدحام و اكتظاظ الأفكار مما يخلق لدى المصاب مثلي حالة من الإثارة المفرطة!
أو ما يسمى بـ
des pensées intrusives
أي اجتاح من قبل « أفكار دخيلة » …
أحيانا أضحك في نفسي و طبيبي يحاول الإجابة عن تساؤلاتي .. لأنه بيني و بينكم كان يشرح لي حالة
« المبدع الخاص» التي تتلبّسني في معظم أوقات يومي !
و لان حظي و أقداري مجتمعين ساخرين منّي و جدا ، أني أنسى كل شيء إلا الكدمات و الأحزان و كل ما كدّرني ؛ هكذا أشياء تنشئ داخلي مناجم حفر و تكسير المُكسّر بشكل مستمرّ، يعني حتى مع النسيان -ما ليش نصيب !- أي ليس لي حظ معه !!
أمّا حسب قراءات و استنتاجات طبيبي المختص ؛ ( و لأن الطب العام و في معظم اختصاصاته ليس ضمن العلوم الدقيقة و لو حرصوا...) فإنّ هكذا حالة -حسبه - تخلق عندي نوع من الإهمال أو عدم الانتباه لكل الأشياء التي يعتبرها ذهني و مخي الباطنين بالثانوية و ليست مهمّة، فيهمل التركيز و التثبيت عليها، فتختفي سريعا تلك المعلومات.. و لكنها قد لا تختفي دون رجعة و إنما تتستّر في زاوية ما.. و قد
تظهر في أي لحظة !
مهما كان فإنّ « ربّ النسيان » هذا المُنكّل أحيانا و المستنفد أحيانا لكل معنوياتي ليس له أي تفسير إذ اعتقد أنه ما أنسانيه إلا « الشيطان ».. هذا هو « ربّ النسيان » الذي كنتُ أحدثكم عنه !
ـ باريس الكبرى جنوبا
ـ نوفمبر 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟