الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذهنية القبلية و الذهنية الوطنية

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 11 / 14
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


تشهد معظم البلدان العربية منذ حوالي خمسة عقود من الزمن ،حروبا داخلية و خارجية ، دامية و طاحنة . لا شك في أن من الذين شاركوا فيها و قدموا أقصى التضحيات من رادهم الذود عن الوطن والأمل في قيام الدولة الوطنية العادلة الضامنة للمساواة بين مواطنيها و العيش الكريم لهم . ولكن اللافت للنظر ، أن هذه الحروب ،عندما تكون داخلية ،تكاد أن تختزل باقتتال بين طائفتين أو فئتين محليتين من الناس كل منهما انتصارا لزعيمها. أو بتعبير آخر ، لا توجد في أغلب الأحيان ، صلة بين هذه الحروب الداخلية و بين سيرورة إصلاحية أو ثورية من أجل التقدم والتطور ، في خدمة جميع سكان البلاد . فبالرغم ، من وسائل القتال التي يستخدمها المتحاربون ، المقصود هنا ليس السلاح الفردي فقط ، الحاضر في أجواء الفوضى ، في كل المناسبات و من ضمنها إعلان نتائج الامتحانات المدرسية ،و لكن الثقيل منه كالمدافع وعربات التويوتا الداعشية أيضا، الذي يتدفق على البلاد عادة من جهات أجنبية ، دعما لجماعة تحارب جيرانا ينافسونها أو أبناء عمومة قرروا الانفصال عنها . أما مرد ذلك فيرجع غالبا إلى استغلال الجهات الأجنبية أزمة مترتبة أصلا على نقصان الإنتاج أو ركوده مقابل زيادة عدد السكان ، استنادا إلى أن التقدم ليس مرادفا دائما للحضارة في حين أن الفقر والافقار و الجهل يكون مردهم أيضا إلى مصادرة الحريات و تجريم الفكر و إفشال التعليم الرسمي و الإغراءات على عدم الاعتماد على الذات بالإضافة إلى التهديد بالسجن و المحاصرة و إغراق السوق المحلي بالمنتوجات الأجنبية و ضرب العملة الوطنية في ظل سلطات غير وطنية .
و من نافلة القول أن البلدان العربية تتعرض أيضا إلى شتى أنواع الحروب الاستعمارية التي تتجسد بتنصيب سلطات عليها ، مهمتها الرئيسية هي المحافظة على مصالح الدولة الاستعمارية الموكِلة ، ينبني عليه تبعية لهذه الأخيرة في السراء و الضراء . هناك أيضا حروب استيطانية جرت في الجزائر و انتهت بالفشل ، و لكنها تركت جراحا ما يزال بعضها نازفا أو لم يكتمل التئامها بعد ، إلى جانب الحرب الاستيطانية المستمرة ، التي تقودها الحركة الصهيونية في فلسطين و جوارها ، منذ قرن من الزمن و نيف . تحسن الإشارة في هذا الصدد إلى أن شروط العيش تكون متطابقة أحيانا في ظل السلطة الوكيلة و تحت وطأة الاستعمار المباشر ، لا فرق في الحالتين ، أو ان الاختلاف قليل بينهما . على عكس الاستعمار الاستيطاني ، كما في فلسطين ، كون الغاية من هذا الاستعمار هي أساسا ، إفراغ البلاد من سكانها الأصليين بواسطة كافة الأساليب و الوسائل المتوفرة لديه بحيث تصير شروط بقائهم في بلادهم مستحيلة ، منها المجازر المتكررة إجبارا على الرحيل ، و منها التصفية أيضا الجماعية قتلا.
نصل الآن إلى أصل التفكّر في أوجه الحروب و النزاعات التي جلبت علينا و لا تزال ، الثُكل و الخراب و الفقر و النزوح ، علنا نتمكن من تفحص الذهنية التي طبعت سلوك الأفراد والجماعات و المجاميع التي انتظمت أحزابا و فصائل من أجل أداء دور فيها ، بدافع الواجب العام أو خدمة للمصلحة الفئوية أو الجمعية .
لمّحنا أعلاه إلى أن مواقف السلطة في مجتمعات البلدان العربية تميزت بذهنية تفضل ضرورة كسر شوكة الجيران و أبناء العمومة في البلاد نفسها ، على المشروع الوطني الذي لم ينجز بعد و المتوقف في غالبية هذه البلدان ، استجلابا لرضى الدولة الا جنبية الموكِلة على السلطة الموكل إليها ،دليلا على أن هذه الأخيرة لا تمتلك ذهنية الدولة و على أنها ماتزال محتفظة بذهنية توجب خدمة شيخ العشيرة أو ملك الملوك !
لا شك في أن عبء المسؤولية في إطار الوكالة الأجنبية صار أكبر ، عندما صار العدو هو الحركة الصهيونية ثم دولتها بالنظر إلى العلاقة العضوية التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية خصوصا و بالدول الاستعمارية سابقا عموما ، هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن المشروع الصهيوني كما هو معروف هادف إلى إقامة دولة استيطانية واسعة ، يترتب عليه إفراغ البلاد التي تقام عليها هذه الدولة من سكانها . نجم عنه تناقض بين ذهنية الدولة التي تملي على الحركة الصهيونية أفعالها من جهة و بين ذهنية ملكية من جهة ثانية همها الأساس المحافظة على العرش و سيادة العائلة المالكة
مجمل القول أن دخول الحركة الصهيونية إلى فلسطين أوقعنا في حيرة من أمرنا حيث غشي البصر وسط ضباب كثيف ، فصرنا ننتظر الخلاص بمساعدة البلدان الشقيقة ، فهذه عربية حينا و إسلامية أو عربية ـ إسلامية حينا آخر ، دون أن نتساءل عما يجعل هذه البلدان قادرة على نجدتنا بالرغم من أن دولها مثل دولتنا ، ما تزال مشاريع قيد الدرس ، ناهيك من أنها تارة هي متصالحة فيما بينها و تارة أخرى متحاربة وأن السلطات التي تحكمها تقوم بما يطلب منها بموجب وكالة أجنبية . من الصعب جدا في المطلق ، أن ينتصر جيش الملك أو الأمير على جيش الدولة الوطنية ، أي خادم صاحب الجلالة على الجندي الذي يدافع عن الأمة ،هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن الانتصار في غياب الدولة لا يعدو سكرة عابرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-