الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيحاء والواقع في قصيدة -رسالة إلى يشجب بن يعرب- محمد سلام جميعان

رائد الحواري

2023 / 11 / 15
الادب والفن


الإيحاء والواقع في قصيدة
"رسالة إلى يشجب بن يعرب"
محمد سلام جميعان
" تَبَرَّأوا ما شِئْتُمُ، وما اسْتَطَعْتُمْ
من دِمائِنا
وأخْرِجونا من حِمى دِيارِكُمْ
ثُمَّ الْعَنوا أرحامَنا إلى الأبَدْ
وقَيِّدوا أرواحَنا يا مَعْشرَ الأعْرابِ
- إنْ شِئْتُمْ- بِحَبْلٍ مِن مَسَدْ
وأتْرُكوا مصيرَنا، يا أهْلَنا، في كَفِّ حَلّالِ العُقَدْ

نَدْري بأنَّهُ كَثيرٌ بَحْرُكُمْ
وأنَّ ماءَ نَخْوَةِ الأعْرابِ لا يُحَدّْ
لكنَّهُ في غَزْوَةِ الأحْزابِ مِنْ زَبَدْ

شُكْراً لَكُمْ لأنَّكُمْ
سَمِعْتُمْ فَوْقَ ما يُطاقُ عَنْ أخْبارِ مَوْتِنا
شُكْراً لَكُمْ يا أيُّها الفُرْسانْ
لأنَّكُمْ واجَهْتُموا المَغولَ والتَّتارْ
مِنْ أوَّلِ النَّهارْ
بِحَرْبَةِ اللِّسانْ
وأنَّكمْ جَنَحْتُموا للحربِ عِنْدَ
جِدِّ الجِدِّ
في طَنٍّ مِنَ الأكْفانْ

شُكْراً يا جَدِّي الطّاعن في الجِبْتِ
لن أرْفَعَ في وَجْهِكَ – مِنْ قَهْري- صَوْتي
وسأُخْرِسُ لو شِئتَ امْرَأتي
وأَخِيطُ بإبْرَةِ جارَتِنا... بِنْتي
وسأبْصُقُ في يومِ الجُمُعةِ
كي تَرْضى أيّامُ السَّبْتِ
وسأقبلُ أنْ تَجْعَلَ ما فَوْقي
تَحْتي
لكنّي أدْرِكُ ما يأتي
مِنْ نَصْرٍ يَصْنَعُهُ مَوْتي


وأسْألُ اللهَ العَلِيَّ أنْ يَكْفيكُمُ
في دَوْرَةِ الأيّامِ شَرَّ المَعْرَكَةْ
وشَرَّ غَدْرِ البَرْمَكَةْ
وَلْتَعْذُروا جَهْلي، وما جَرى
على لِسانيَ المُعْوَجِّ مِنْ جُموحِ الفَذْلَكةْ
فَقَدْ نَسيتُ أنَّني
أسْتَنْجِدُ الأَعرابَ في زَمانِ الأمْرَكَةْ

والآنَ، وفي آخِرِ مَكْتوبي
مِنْ بَعْدِ صلاةِ العَصْرِ
سأصيحُ: أيا وَحْدي وأنايْ
وأهْديكُمْ شَيْئاً من بَعْضِ بقايايْ
وأعْتَرِفُ أنّا النَّمّامُ إليْكُمْ بِجَميعِ عُيوبي
فَوَحْدَكَ يا ربُّ العالِمُ أَنّي
( أطْبُخُ في القِدْرِ حَصايْ)
والسلام. "
الواقع البائس يدفعنا للابتعاد عنه، وتقديمه بغير صورته/شكله، من هنا يلجأ الأدباء/الشعراء إلى الإيحاء فهم يبتعدون عن المباشرة لما فيها من قسوة/شدة، لكي يحصلوا على شيئ من القوة تساعدهم على تناول الواقع وتقديمه بصورة أدبية تليق بذوق المتلقي، وهذا ما فعله الشاعر محمد سلام جميعان في قصيدة "رسالة إلى يشجب بن يعرب" يفتتح الشاعر القصيدة بهذا المقطع:
"تَبَرَّأوا ما شِئْتُمُ، وما اسْتَطَعْتُمْ
من دِمائِنا
وأخْرِجونا من حِمى دِيارِكُمْ
ثُمَّ الْعَنوا أرحامَنا إلى الأبَدْ
وقَيِّدوا أرواحَنا يا مَعْشرَ الأعْرابِ
- إنْ شِئْتُمْ- بِحَبْلٍ مِن مَسَدْ
وأتْرُكوا مصيرَنا، يا أهْلَنا، في كَفِّ حَلّالِ العُقَدْ"
مخاطبة (الكبار) بلغة الأمر: تبرأوا، وأخرجونا، العنوا، قيدوا، اتركوا" يحمل بين ثناياه تحقيراً لهم، فكيف يأمر المواطن العادي (القادة)!!
وإذا ما أخذنا أول فعل "تبرأوا" وأخر فعل "اتركوا" واللذان يحملان معنى الابتعاد/التخلي، نعلم حجم السخط الذي يحمله الشاعر لهؤلاء (الكبار)، وبما أنه يأمرهم بالابتعاد عنا نصل إلى فكرة الأذى الذي يسببونه لنا، فابتعادهم عنا يعد غنيمة ومكسباً.
ثم يبدأ الشاعر بتوضيح وشرح موقفه من هؤلاء وبالتفاصيل:
" نَدْري بأنَّهُ كَثيرٌ بَحْرُكُمْ
وأنَّ ماءَ نَخْوَةِ الأعْرابِ لا يُحَدّْ
لكنَّهُ في غَزْوَةِ الأحْزابِ مِنْ زَبَد"
فيخبرهم/يخبرنا بأنهم ليس لهم فاعليه على أرض الواقع، ولا يجيدون إلا القول والكلام: "في غزوة الأحزاب من زبد" نلاحظ أن معنى "زبد" يخدم فكرة عدم الفائدة/عدم الجدوى، وهذا يبرر ويوضح لماذا أمرهم بالابتعاد عنا.
"شُكْراً لَكُمْ لأنَّكُمْ
سَمِعْتُمْ فَوْقَ ما يُطاقُ عَنْ أخْبارِ مَوْتِنا
شُكْراً لَكُمْ يا أيُّها الفُرْسانْ
لأنَّكُمْ واجَهْتُموا المَغولَ والتَّتارْ
مِنْ أوَّلِ النَّهارْ
بِحَرْبَةِ اللِّسانْ
وأنَّكمْ جَنَحْتُموا للحربِ عِنْدَ
جِدِّ الجِدِّ
في طَنٍّ مِنَ الأكْفانْ"
عندما يبتعد الشاعر عن الواقع ويستخدم الرمز: التاريخ، فهذا يشير إلى احترامه للمتلقي الذي بالتأكيد يمكنه ربط ما يطرح مع الواقع، من هنا يأخذنا الشاعر إلى التاريخ، إلى "التتار والمغول" ليعطينا صورة الواقع الرسمي الذي واجه الغزاة بالقول واكتفى به: "بحربة اللسان" وهذا ما فعلوه الآن وهم ينظرون إلى غزة التي تواجه وتقاوم الصهاينة والأمريكان معاً.
"شُكْراً يا جَدِّي الطّاعن في الجِبْتِ
لن أرْفَعَ في وَجْهِكَ – مِنْ قَهْري- صَوْتي
وسأُخْرِسُ لو شِئتَ امْرَأتي
وأَخِيطُ بإبْرَةِ جارَتِنا... بِنْتي
وسأبْصُقُ في يومِ الجُمُعةِ
كي تَرْضى أيّامُ السَّبْتِ
وسأقبلُ أنْ تَجْعَلَ ما فَوْقي
تَحْتي
لكنّي أدْرِكُ ما يأتي
مِنْ نَصْرٍ يَصْنَعُهُ مَوْتي"
ذروة الجمال الأدبي يأتي حينما يستخدم الرمز/الإيحاء، فالشاعر حينما (شكر) الجد الطاعن في السن، أكد احترامه وتقديره للجد حينما أخر ما يزعجه "صوتي" وهذا يشير إلى حجم القمع الذي يتعرض له الشاعر من (الجد) الذي يمنع حتى الكلام أو حتى التعبير عن المشاعر، وهذا ما أكده الشاعر عندما أضاف: "سأخرس امرأتي" فهنا الأفعال متعلقة بالفم تحديداً، فالفم هنا هو أساس التمرد/الفعل، ودوره هنا يختلف/يتناقض تماماً مع فم (الكبار) الذين يصدرون الكلام من طرف لسانهم "بحربة اللسان" وليس من قلبهم.
ونجد هناك فعلاً أخر متعلق بالفم "سأبصق" الذي جاء كتعبير عن السخرية بما يطلبه/يريد (الكبار/الجد) من الشاعر الذي أكد حتمية النصر: "لكني أدرك ما يأتي من نصر يصنعه موتي" فهنا يستخدم الشاعر الإرث الثقافي الكنعاني القديم الذي يرى في الموت حياة، فموت البعل سيتبعه انبعاث جديد له.
ونلاحظ الإيحاء من خلال حديثه عن "الجمعة والسبت" وهذا له بعد ديني وسياسي في الوقت ذاته، فهو يؤكد حجم الهوان الذي يمارسه (الجد/الكبار) الذين أضاعوا السياسة والدين معاً، بحيث أصبحوا يخضعون للصهاينة مقدمين ورافعين يوم السبت على الجمعة التي أهملوها واحتقروها.
" وأسْألُ اللهَ العَلِيَّ أنْ يَكْفيكُمُ
في دَوْرَةِ الأيّامِ شَرَّ المَعْرَكَةْ
وشَرَّ غَدْرِ البَرْمَكَةْ
وَلْتَعْذُروا جَهْلي، وما جَرى
على لِسانيَ المُعْوَجِّ مِنْ جُموحِ الفَذْلَكةْ
فَقَدْ نَسيتُ أنَّني
أسْتَنْجِدُ الأَعرابَ في زَمانِ الأمْرَكَةْ"
يستوقفنا خروج الشاعر عن الإيحاء/التاريخ، واستخدام (المباشرة) عندما قال: "الأمركة" ويجعلنا نتساءل هل هذا له علاقة بحجم الضغط والانفعال عند الشاعر، بحيث جعله يخرج عن نسق القصيدة، فمزج الرمز/الإيحاء بالواقع: "شر وغدر البرمكة/أستنجد الأعراب في زمان الأمركة"؟ أم أنه وجد في "البرمكة/الأمركة" تماثلاً وتقارباً في اللفظ، حيث نجد حروف الألف، الميم، والكاف، والراء مشتركه بينهما، مما لا يؤثر على نسق الإيحاء في القصيدة؟.
" والآنَ، وفي آخِرِ مَكْتوبي
مِنْ بَعْدِ صلاةِ العَصْرِ
سأصيحُ: أيا وَحْدي وأنايْ
وأهْديكُمْ شَيْئاً من بَعْضِ بقايايْ
وأعْتَرِفُ أنّا النَّمّامُ إليْكُمْ بِجَميعِ عُيوبي
فَوَحْدَكَ يا ربُّ العالِمُ أَنّي
( أطْبُخُ في القِدْرِ حَصايْ)
والسلام. ""
يختم الشاعر القصيدة بصورة ساخرة، مسلماً بقوة (الكبار) وعدم القدرة على تغيير ما فيهم أو تغييرهم، مكتفياً بمصارعة الواقع وعدم التسليم بما هو كائن.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر وعلى موقع العهدة الثقافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب