الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الشرقي والمجتمع الغربي

عبد السلام الزغيبي

2023 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


المجتمع الشرقي لم يعرف من الحرية إلا حرية الحاكم، فهو وحدة الفعال لما يريد، والكل عبيد يأتمرون بأمره (هيجل).
في المجتمع الشرقي نقد الزعيم أو القائد، او الحاكم العسكري مهما عظـُم شأنه أو صغـُر، يصبح مقدساً لدى أتباعه الذين لن يتوانوا عن إهدار دم منتقديه والمشككين بموقف من مواقفه أو برأي
من آرائه. فهو، بالنسبة لهؤلاء، يحمل من صفات التبجيل والعظمة ما يستدعي ولاءاً مطلقاً لا لبس فيه أو شبهة فيصبح الذود والدفاع عنه، بحق أو بغير حق، واجب مقدس لا يقبل المساومة أو حتى
المساءلة!
المثقف ابن هذا المجتمع هو ذلك الإنسان المفكرالجاد الذي يتصدر طليعة المجتمع فكرياً واجتماعياً. يثير الأسئلة، ويتبنى قضايا المجتمع وهمومه، لا يكون انتهازياً متحينا للفرص، ولا نفعيا،
منحازا للقوي ضد الضعيف ،أو للحاكم ضد المحكوم إلى غير ذلك من اللاءات.
و هو ذلك الفرد المنتج الفكري والإبداعي الساعي الى تغيير وجه الحياة في منحى مصلحة الإنسانية.
وما يهمنا هنا هو قضية علاقة المثقف والمفكر بالسلطة، التي هي علاقة قديمة، وارتباطها بالمجتمع، الذي يتشوق دوما إلى سماع صوت العقل الذي يحلل ويضئ الطريق ويرسم المستقبل، ولكنه مطالب أيضا، بكيفية المحافظة على استقلالية فكره وموقفه، وأن ينأى بذهنه عن السلطة، وهذا يفرض قدرا من تحمل "وحشة" التهميش وربما المصادرة، لكنها ضريبة حرية التفكير والقول وإرادة الفعل المستقلة.
السلطة وممثليها تتوجس من المثقف المستقل، فتجعل منه ضداً وخصماً في ذات الوقت، ويصبح كل ما يصدر منه، قابل للتأويل العكسي،تراه مطالبا بتفسير أي موقف وقفـه. وطنيّته متهمة، وولائه
موضع تساؤل، وفي كل الأحوال فإن العلاقة بين المثقف والسلطة، هي دائما علاقة نظرة توجس وخوف وشك وعدم اطمئنان من جانب السلطة ، الذي تضعه في خانة المعارضين لسياستها، والواقع أن المثقف بحكمطبيعته إنسان يدعو إلى الكمال، ويعمل على تحقيق الأفضل لمجتمعه، ولذلك لايرضى عن الاحوال القائمة ويدعو الى تغييرها، لأن المثقف يمتد تأثيره الى الجماهير، فإن السلطة تخشى من نفوذه فيها وتأثيره عليها، ولذلك فإنها تحاول بكل الطرق أن تبعده عن الجماهير، وتبعد الجماهير عنه...هذه ملخص علاقة المثقف بالسلطة في الانظمة غير الديمقراطية.
ماذا عن رجل السلطة في النظام الديمقراطي، ونأخذ مثال ديغول وسارتر..؟
في شهر مايو من عام 1968.. الطلاب والشباب في شوارع باريس و ميادينها وساحاتها العامة، يتظاهرون ويحتجون ضد حكم اليمين الفرنسي و حكم الرئيس ديغول، ينضم اليهم العمال
وعدد كبير من المثقفين اليساريين في فرنسا، تتوسع الثورة الطلابية الشبابية الى الجامعات في مدن اخرى، والكل يطالب بالتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، و بالتجديد والتمرد
على العادات والتقاليد القديمة، والثورة على الحياة التقليدية الرتيبة وتشكيل مجتمع فرنسي جديد.استجاب الرئيس ديغول لنداء ومطالب الجيل الجديد، ووعد بحزمة من الاصلاحات، لتجنيب المجتمع الفرنسي الانقسام او الاقتتال، بعدما وصلت الامور الى حد الاشتباك في الحي اللاتيني بين أنصار ديغول ومعهم اليمين الفرنسي وبين اليساريين والثوريين من الطلاب والشباب.وعندما علم ديغول ان رجال الامن أرادوا اعتقال الفيلسوف اليساري الوجودي جان بول سارتر وهو يوزع المنشورات في الشارع قال جملته المشهورة،" من يجرؤ على اعتقال فولتير" وقال لمستشاريه:" ‘إنكم بصنيع كهذا كما لو تريدونني أن أعتقل فرنسا بكاملها".وبعدها بشهور قليلة دعا الرئيس ديغول ( ابو الجمهورية الخامسة وبطل التحرير ) الى الاستفتاء العام على إصلاحاته وربط وجوده في قصر الاليزيه بنتائج الاستفتاء الذي لم تكن نتائجه لصالح زعيم فرنسا وصانع مجدها، فانسحب من الحياة السياسية بهدوء.
نظرة وتصرف الجنرال ديغول، لم تأت من فراغ، هي نتاج تقاليد وتراكم سياسي واجتماعي مدني فكانت ولازالت تقدر في ذلك دور ومواقف المثقفين وكتاب الرأي والفلاسفة من أصحاب الفكر
والأنوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا استاذ عبد السلام مقاله-عادله-بحق بلدان الدمقر
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 11 / 15 - 04:07 )
بلدان الدمقراطية ومثقفنا المكرود-في بلدان الشرق الاوسط ظاهرة لايحسد عليها فهو مشبوه مشبوه حتى لو تكلم في الفيزياء والكيمياء ناهيكم عن الاقتصاد والمجتمع والدمغرافيا السكانيه-والابشع-حينما يتوجه-مثقفنا-في التفكير بمعيشته وعائلته فعندئذ يكون ليس فقط قد وقع في الفخ لتاءييد الحاكم بل غالبا يتحول الى عدو خبيث بشع للثقافة ولزملائه المثقفين وقد عشنا مرارات وماءسي هذه الحالة في العهد البعثي الفاشي الاغبر في العراق بصورة فريدة وللاسف الشديد يوجد البعض من -ضحايا-البعث الفاشي الذين تحولوا الى اشرار-مبدعين-فاءخذت تترى الغنائم والالقاب الوطيفية الاعلى عليه كتساقط الحالوب في يوم شتوي بارد ورغم سقوط الطاغية ونظام الشر كله ومرور قرابة ربع القرن وهو هنا بيننا-يلتفت الى الوراء وكاءنه يحاول رؤية عودة الفاشي وبطلها الدموي فتجده يحبر المقالات بمدح شيطاني خبيث لايجيده الا-المثقف-الذي خان الثقافة واهلها والمجتمع الذي كان يعول على المثقف ان يقول كلمة حق تضيئ الطريق او يكون شمعة ضمن الشموع الضرورية لملء الطريق من النور والعقل والعلم والعاطفه الانسانيه سواء في التاءخي الداخلي او التاءخي بين الشعوب بلا ضغائن

اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا