الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تضامن هابرماز وآخرين مع -إسرائيل-

علي حاكم صالح

2023 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



نشر الفيلسوف الألماني يورغن هابرماز وثلاثة مفكرين ألمان آخرين هم: نيكول دايتلهوف، أستاذ العلاقات الدولية ونظريات النظام العالمي، وراينر فوريست، أستاذ النظرية والفلسفة السياسية، وكلاوس غونتر، أستاذ النظرية القانونية والقانون الجنائي وقانون الإجراءات القانونية، بياناً بعنوان "مبدأ تضامن" في المركز البحثي "Normative Orders" في جامعة غوته بفرانكفورت. (Grundsätze der Solidarität. Eine Stellungnahme – Normative Orders، Habermas on Israel: a Principle of Solidarity | Reset DOC).
يأتي هذا البيان من أربعة مفكرين ألمان لإعلان التضامن مع "إسرائيل" واليهود في ألمانيا، وإعلان تأييدهم المبدئي للحرب التي تشنّها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين. وفي ضوء ما يبدو من ارتفاع لما يسمى بمناهضة السّامية في ألمانيا، وزيادة "الآراء المتضاربة" بهذا الخصوص، يضعون ثلاثة مبادئ يرونها راسخة لا جدال فيها يجب أن توجه كل نقاش في هذه المسألة: مبدأ التناسب، وتجنب سقوط ضحايا بين المدنيين، وشنّ الحرب مع احتمال التوصل إلى السلام في المستقبل. ونقرأ العبارة الآتية: "وعلى الرغم من كل القلق على مصير السكان الفلسطينيين، فإن معايير الحكم تتعثر تماماً عندما تنسب نوايا الإبادة الجماعية إلى الأعمال الإسرائيلية." بمقابل ذلك، يرى البيان أن نوايا الإبادة الجماعية ضد الحياة اليهودية بشكل عام هي ما تكشف عنه وتعلنه حماس صراحة. ويقرر البيان بلغة قاطعة: "إن الروح الديمقراطية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، الموجهة نحو الالتزام باحترام الكرامة الإنسانية، ترتبط بثقافة سياسية تعتبر الحياة اليهودية وحق إسرائيل في الوجود عنصرين أساسيين يستحقان حماية خاصة في ضوء الجرائم الجماعية التي ارتكبت في العهد النازي."
ما يعنيني في هذا البيان هو أنّ فيلسوف التواصل الشهير، ومنظِّر الحوار الإنساني، وصحبه القانونيين والمنظِّرين للنظام العالمي والعلاقات الدولية، يتجاهلون بالمطلق حق فلسطين في الوجود، بل إنّ كلّ ما أنعموا به على الفلسطينيين هو ضرورة حماية المدنيين، وهي، بالنظر إلى آلاف الضحايا من الأطفال والخدَّج والنساء في قطاع غزة حالياً وفي كل الأرض المحتلة عَبر عقود طويلة، عبارة ديكورية لا تعني شيئاً، يعلنها الآن الجميع حتى بايدن وغيره. ما كان لهؤلاء "المفكرين" أن يشيروا ولو من طرف خفي إلى حق فلسطين في الوجود، لأن فكرة "حق إسرائيل في الوجود" التي يدافعون عنها إنما هي من حيث المبدأ والواقع لم تقم إلاّ على أساس إلغاء حق فلسطين في الوجود.
واللافت جداً، والمخزي جداً، أنّ هابرماز وصحبه يدافعون عن حق إسرائيل في الوجود ثمناً لما تعرض له اليهود إبّان الحكم النازي، ما يعني أنّ على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن جرائم ارتكبها ألمان. هذا المفارقة البارزة لها الدلالات الآتية: أولاً أن هابرماز وصحبه لا يبالون أن يدفع غيرهم ثمن أخطاء حدثت في تاريخهم القريب، ثانياً، أنهم يخلطون عامدين، ومضلِّلين، بين معاداة السامية ومقاومة إسرائيل. الفلسطينيون لم يعادوا السامية، إنما الألمان هم من عادى السامية، وهم من ارتكب المذابح بحقهم. الفلسطينيون ضد "إسرائيل" المحتلة. ثالثاً: رغم كل مشاهد القتل التي تمارسها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في غزة وفي كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن هابرماز وصحبه لا يعتبرونها علامات على نيات إبادة، في حين أن مقتل عدد من "الإسرائيليين" أقل بكثير من الضحايا الفلسطينيين إنما هو دليل على نية إبادة اليهود، خامساً: لا يرون في تصريحات قادة إسرائليين تصف الفلسطينيين بالحيوانات، وتهددهم بقنبلة ذرية، وتخطط لتهجيرهم، دعوة إلى إبادة جماعية، بل وليست حتى دليلاً على نيات إبادة جماعية!
يتخلى المثقف الغربي عندما يصل إلى موضوع "إسرائيل" وفلسطين عن بوصلته الفكرية والمفاهيمية، التي صدَّعوا رؤوسنا بها. تختفي فكرة فهم الأمور والأفعال في سياقاتها التاريخية (فحماس إرهابية لأنها إرهابية، مثلما كانت منظمة فتح في السابق إرهابية لأنها إرهابية)، وتنصرف بوصلتهم عن مفهوم رؤية الأمور بكليتها، وتاريخيتها، ويصبح التفكير مقتصراً على الآن والهنا: فعلت حماس اليوم كذا، إذن من حق إسرائيل أن تفعل كذا. أما لماذا فعلت حماس ما فعلت، فهذا أمر خارج النقاش، لأنه بكل بساطة لا يجوز لحماس أو غير حماس أن تفعل شيئاً. على الفلسطيني ليس فقط ألاّ يفعل، بل ليس له حتى حق أن يصدر عنه ردّ فعل. كائن يجب أن يكون سلبياً، أو منفعلاً بلغة أهل الفلسفة. أمّا أن يكون ما حدث ضمن صراع مرير وطويل ضد محتل، فتلك مسألة لا تُناقش، لأنّ القول بحق "إسرائيل في الوجود" لا تعني فقط إلغاء حق فلسطين في الوجود، بل تعني أيضاً حق الفلسطيني أن يصدر عنه فعل، لأنه غير موجود، أو يجب ألاّ يوجد.
في البيان عبارة يمكن أن نضيفها من الآن فصاعداً إلى رصيد أفعال التواصل الهابرمازية وهي "حرب تقود إلى سلام." يكتب البيان أنّ هذه الحرب سوف تقود إلى احتمالية سلام مستقبلي. نعم قد تؤدي ولكن بعد إبادة الآخر، الفلسطيني. يوحي البيان أن الأمور، كل الأمور، كانت على خير ووئام حتى جاءت حماس فأعلنت الحرب. لم تبدأ الحرب في عُرف هابرماز الألماني جداً إلاّ يوم السابع من أكتوبر، قبل ذاك كان الجميع يعيش بسلام. وسوف يعود السلام بعد انتهاء هذه الحرب.
هذا نمط من التفكير يجب ألاّ يفاجئنا نحن الموهومين بحضارة حقوق الإنسان، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية. تتعطل هذه المفاهيم عندما يتعلق الأمر بالآخر، لا سيما الفلسطيني، والعربي. تصبح مجرد أكاذيب، أو في الأقل تلك مفاهيم لا يجدونها جديرة إلاّ بهم هم أنفسهم.
ويبدو أنّ الثقافة السياسية في ألمانيا التي يشير إليها البيان لا تتضمن شيئاً بخصوص الفلسطينيين، إنما فقط حق اليهود في الحياة، وحق "اسرائيل" في الوجود. لم يفعل الفكر الألماني، في هذا البيان، غير أنّ استبدل ضحيته الجديدة بضحية قديمة، الفلسطيني باليهودي. لنقل بعبارة أخرى ليس بوسع الضمير الألماني، والغربي عموماً، التفكير بعدالة كلية، عالمية، إنما فقط بتحقيق ما يراه عدالة لجماعة ولكن دائماً على حساب أخرى.
لا يختلف هذا البيان عن تصريحات ومواقف النخب السياسية الغربية في أي شيء، المفكر الغربي والسياسي الغربي على خط واحد في هذه المسألة، لم يفترقا يوماً. وإذا ما حدث، ليس في هذه الحالة بالتأكيد، فإنما في النبرة لا في الفكرة. يبقى الفلسطيني كما غيره من ضحايا الغرب اللامحدودين مجرد رقم في طريق المصالح والخلفيات الثقافية العنصرية المتوحشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترمب يتوعد بوقف المساعدات لأوكرانيا: لن ندفع لزيلينسكي مندوب


.. هنية: حماس أبدت مرونة عالية للتوصل لاتفاق يوقف حرب غزة




.. العربية ترصد أجواء عيد الأضحى في مخيم جباليا


.. غزة صوت الإنسان..فلسطيني يروي معاناته مع النزوح وفقدان الأحب




.. القوات الإسرائيلية تركز ضرباتها على غرب رفح