الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طوفان الأقصى، زوال إسرائيل أم الإخوان المسلمين؟

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2023 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


منذ تأسيسها على يد حسن البنا مطلع القرن العشرين، في أوج مد الحريات والمخاض السياسي عبر المملكة المصرية، ظلت الإخوان المسلمين جماعة وحركة مراوغة ومستعصية على جميع من عاصروها وتعاملوا معها. ما بين المعتمد البريطاني والملك العلوي وكبار رجالات الحكومة والدولة المصريين، ظلت علاقتهم جميعاً بهذه الجماعة وتحركاتها طامعة في تردد وارتياب ما بين القبول والرفض. وإذا حدث نادراً أن بلغت الحسم، كانت دائماً تنتهي إلى عداء سافر وقطيعة بَيِّنة إلى حدود الإقصاء التام أو حتى حرب الإبادة من الوجود. لقد تعاون الإخوان مع الإنجليز، ثم قاتلوهم؛ وتعاونوا مع الملك، وهو نفسه الذي قتل لهم مرشدهم المؤسس؛ وتعاونوا مع أنظمة عبد الناصر والسادات ومبارك، لكي ينفيهم الأول ويقتلوا الثاني بعدما سمح لهم بالعودة ويتآمروا على خلع الأخير الذي أشركهم في قطمة من الوليمة؛ وأخيراً تعانوا مع المجلس العسكري بعد 25 يناير 2011، حتى انقلب عليهم الأخير في أشرس وأدمى ملاحقة لوجودهم ذاته منذ نشأتهم قبل نحو 100 عام خلت.

كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة الأمريكية صدمة كبرى هزت الأركان الفكرية للعالم أجمع. وقد تمخض عنها استنتاجين رئيسيين: (1) نظم الحكم الاستبدادية عبر العالم العربي معزولة عن شعوبها وغير فعالة في حل مشاكلهم ومعالجة أمراضهم المتراكمة والمتفاقمة؛ و(2) الإخوان المسلمون هم التنظيم المدني (السلمي؟) الأكبر والأكثر اتصالاً بالجماهير، ومن ثم الأقدر على توجيهها وضبط حركتها والنهوض بها. وإذا كان القمع الذي تمارسه النظم الاستبدادية مُتهم بتفريخ وتغذية جماعات التطرف الديني عبر المنطقة والعالم، فإن الإخوان المسلمين بفضل خلفيتهم الدينية المشتركة- لكن المعتدلة- مع هؤلاء، هم الأقدر كذلك على تهدئة وترويض جموح هذا الهياج والتطرف المدمر.

على هذه الخلفية والأمل، أعطى الغرب بقيادة أمريكية الضوء الأخضر لفتح الباب لمشاركة ما يسمى الإسلام السياسي المعتدل، تمثله في هذه الحالة حركة حماس، في لعبة السياسة والحكم عبر المنطقة. وكما توقع الجميع، فازت الحركة الإسلامية بأول انتخابات ديمقراطية يشارك فيها الفلسطينيون بحرية. ثم تريث الجميع في انتظار وترقب لما ستؤول إليه الأحوال. كيف سيكون أداء التجربة الجديدة مقارنة بالفشل الذريع الذي وصم ما سبقها؟ هل يكون أدائها أفضل في تحسين معيشة المحكومين لها وفي ضبط سلوكهم ومعالجة تطرفهم، حتى رغم تظاهرها خطابياً بمعادة الغرب وإسرائيل؟

وكما رأت البلدان الأوروبية مع الولايات المتحدة بعض الفوائد الجلية التي يمكن لها أن تجنيها من هذا التمكين التجريبي لتيار الإسلام السياسي المعتدل من الحكم عبر المنطقة، كذلك رأت إسرائيل تحت قيادة نتنياهو فوائد لها يمكن أن تجنيها أيضاً. فعلى خلفية انقسام غائر يبدو غير قابل للالتئام عبر المنطقة العربية كلها ما بين الإسلاميين من جهة والعلمانيين في المقابل، كان تمكين حماس من حكم غزة ضمانة لا تتزحزح لإسرائيل للهرب من كابوس إقامة دولة فلسطينية موحدة تجمع بين القطاع والضفة الغربية وتقاسمهم في أرض الميعاد. فوق ذلك، رغم ديكتاتورية العلمانيين العرب وفسادهم وعجزهم الذي تضرر منه وذاق مرارته العالم أجمع، يبقى أنهم الوحيدون القادرون على تصور مشروع والتخطيط من أجله، مهما كان بائساً وسيولد ميتاً. بينما الإسلاميون- ومن ضمنهم الإخوان المسلمون- غير ذلك جوهرياً. هؤلاء لا تحركهم حسابات باردة وخاطئة مثل خصومهم العلمانيين، بقدر ما تُلهب خيالاتهم وتُزلزل أفئدتهم وأبدانهم العواطف الجياشة. وهذه السلعة بالذات هي التي كانت إسرائيل على استعداد لشرائها بأغلى الأثمان واللعب بها ضد القضية الفلسطينية برمتها. وظنت إسرائيل أن قوة نيرانها كافية لأمنها الذاتي وردع النيران الحمساوية عن التمدد إليها بسوء. كل ما عليها هو شراء الوقت وسيتكفل الفلسطينيون أنفسهم وفق هذه التقسيمة بحرق ملفات القضية.

ثم استيقظت المنطقة والعالم وإسرائيل وحتى الفلسطينيون أنفسهم فجر يوم 7 أكتوبر 2023 على فاجعة حمساوية لا تستطيع أن تستوعبها أي حسابات مهما كانت خاطئة وكارثية. وهو ما استوجب نفس رد الفعل ضد التطرف الذي أنجب هجمات 11 سبتمبر- هؤلاء أيضاً غير مؤهلين للعب سياسة ولابد من إقصائهم- مثل الإسلاميين الجهاديين قبلهم- من المشهد الرسمي بالكامل وبكل الوسائل الممكنة.

منذ تأسيسها تحت عين الإنجليز وفي كنف الملك وصولاً إلى اليوم الحاضر، هناك شيء ما في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وشُعَبها المتعددة يُغري جميع الفاعلين السياسيين على قطفه والاستفادة به. لكنهم بمجرد أن يمدوا أيديهم نحوها، يصطدمون بمكون آخر فيها ينفجر في وجوههم. هي ليست مصادفة ولا سابقة أن يشن ضدهم نتنياهو اليوم حرب إزالة من الوجود، لأن السيسي في مصر وقيس بن سعيد في تونس- البلدين الوحيدين خارج قطاع غزة حيث تمكنوا من الحكم أو المشاركة فيه بدرجة مؤثرة- قد فعلاها من قبله بقليل وحتى الآن، كحال كل الحكومات المصرية في الماضي. إذا كان واقع الحال ماضياً وحاضراً كذلك، هل سأل أبناء التنظيم أنفسهم يوماً: ماذا فينا يجعل كل من حاول الاقتراب منا ما كاد يفعل حتى فتح فينا نيرانه؟ أم أنهم مستريحون أكثر لمظلومية التآمر الكوني ضدهم؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا