الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل اتفاقية مدريد ، اتفاقية قانونية ؟ 14 نونبر 1975 / 14 نونبر 2023 .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


بحلول الرابع عشر ( 14 ) من نونبر 2023 ، يكون قد مر على ابرام اتفاقية مدريد التي تم توقيعها في الرابع عشر من سنة 1975 ، حوالي ثمانية واربعين سنة ، ورغم اشكالياتها المتناقضة مع الواقع ، لا تزال الأطراف المعنية ، وكل الباحثين والمهتمين بشأن الصحراء الغربية ، يطرحون السؤال عن مشروعية الاتفاقية ، ولا زال السؤال يهُمّ نتائجها التي لم تكن متوقعة ، ومع ذلك لا تزال تشغل المهتمين ، وتشغل حتى اطراف النزاع الذين لم يتعاملوا معها تعامل القانون الدولي ، بل ابرموها كاتفاقية رغم تعارضها التام مع القانون الدولي ، وتعارضها مع ميثاق الأمم المتحدة ، فهم شرّعوا على ضوئها ، أشياء متنافية من الأصل مع القانون الدولي ، كما ان الهيئات المختصة بالأمم المتحدة اهملتها ، ولم تعرها أهمية ، لأنها لم تؤصّل لشيء جديد لا في العلاقات الدولية ، ولا في القانون الدولي ، وبقيت كما كانت حتى ماتت عندما أصبحت متجاوزة ، وعند حصول معطيات وتغييرات فندت الاتفاقية من اصلها ، وغلّبت الموقف المعارض لها ، خاصة من جانب النظام الجزائري ، وجبهة البوليساريو الطرف الرئيسي الذي ابرمت الاتفاقية ضده ، حتى لا يصل الى مرحلة الدولة الصحراوية ، التي لم تكن الأطراف المهتمة قد طرحتها كاستفزاز ، عن المسيرة الخضراء ، وعرقلةً للنتائج التي ستترتب بالمنطقة ، بالإيجاب وبالسلب بعد دخول جيش النظام المخزني ، والجيش الموريتاني الى الصحراء ، والشروع في التصرف ، التصرّف الأحادي ، المنافي والمعارض للأمم المتحدة ، وللقانون الدولي ، والمعارض للقرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 .
فإبرام الاتفاقية المذكورة المتعارضة مع القانون الدولي ، والشروع في المسيرة ، كان الغرض منه ، وضع النظام الدولي ، والأمم المتحدة ، امام الامر الواقع ، بفرض الاتفاقية على المحافل الدولية بالقوة ، التي جسدتها الحالة التي ترتبت مباشرة بعد قرار محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 .
انّ من اغرب الاتفاقيات التي تم ابرامها باسم القانون الدولي ، رغم انها في صلبها وفي إجراءاتها كانت ضده ، ولم يعرها القانون الدولي اية أهمية ، كانت اتفاقية مدريد La convention tripartite de Madrid signée le 14 Novembre 1975 . وانّ أوجه الغرابة في الاتفاقية المذكورة ، انه تم ابرامها بين دول ، دون مراجعة الأمم المتحدة التي كان لها تصور أخر يدعو الى الالتزام بالقانون الدولي ، ويدعو الى التشبث بقرار وحكم محكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 . ومن جهة . فلأول مرة في تاريخ ابرام الاتفاقيات الدولية ، يتم ابرام اتفاقية مبنية على الغنيمة ، والوزيعة ، والقسمة ، التي تعتبر قرصنة مفضوحة ،لأنها تمت بمعزل عن الأمم المتحدة ، وبمعزل عن القانون الدولي ، ومتحدية حتى لقرار محكمة العدل الدولية الاستشاري . فحق تسميتها باتفاقية القرصان ، او باتفاقية القرصنة التي يدينها القانون الدولي ، وتدينها قوانين الأمم المتحدة . فاذا كان ابرام الاتفاقيات الدولية ، خاصة المتعلقة بالتراب ، أساسه رضى الأطراف المعنية ، وتحت اشراف القانون الدولي والأمم المتحدة ، فان ابرام اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 ، لتوزيع ارض متنازع عليها ، وتطالب بها اطراف أخرى ، اعتبر في حينه بالعمل الغير مشروع ، الذي تم رفضه من قبل منظمة الأمم المتحدة ، التي تعترف بجبهة البوليساريو التي لها مكتب سياسي ، واعلامي ، ودبلوماسي ببنايتها ب New-York ، ولها مكتب مماثل بواشنطن ، وبمدريد ، وباريس ، وبرلين ، بل أصدرت قرارا تعتبر فيه جبهة البوليساريو بمثابة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي / القرار 34/37 ... الخ ،كما أصبحت عضوا فاعلا بمنظمة الوحدة الافريقية OUA ، وعضوا نشطا بالاتحاد الافريقي الذي شاركت في تحرير قانون الأساسي ، الذي على ضوؤه أدى النظام المخزني قسم الانتساب الى الاتحاد الافريقي ، رغم ان منظمة الوحدة الافريقية كانت سباقة عن القارة الاوربية ، حين اتخذت العديد من المواقف التي خدمت من جهة ، الدراع المسلح للدولة الصحراوية " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " ، وزادت خدمة عندما اعترفت منظمة الوحدة الافريقية بالدولة الصحراوية ، كواقع ، وكحقيقة ، وكمشروعية دولية ، بدأت تفصح عن نفسها بالقرارات التي اتخذها واخذها مجلس الامن ، والقرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، عندما أدرجت قضية نزاع الصحراء الغربية ضمن الأقاليم الستة عشر ، التي تبحثها اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة .
ان من غرائب اتفاقية مدريد الثلاثية ، التي كانت الاطار ( القانوني ) للمسيرة الخضراء ، انه رغم عدم الاعتداد بها من قبل المجتمع الدولي ، ورغم تعارضها مع القانون الدولي شكلا ومضمونا ، ورغم انها غير مسجلة بالكتابة الخاصة للأمم المتحدة ، فان الأطراف الثلاثة التي وقعتها ، لتوزيع أراضي الصحراء كغنيمة وكوزيعة ، وقسمة ، ان الأطراف هذه ، نفسها لا تعترف بدورها باتفاقية مدريد ، بسبب ندم مدريد من توقيع اتفاقية لا يعترف بها القانون الدولي ، اتفاقية محاصة ، ووزيعة ، وغنيمة ، وطريدة .. فإسبانية ستنسل من الاتفاقية ولم تعترف بها الدولة الاسبانية ، التي لم تنشرها في جريدتها الرسمية ، والنظام المخزني الواقف وراء توقيع اتفاقية المحاصة ، بدوره لم يعترف بها ، لان الاتفاقية لم يصوت عليها برلمان الملك ، ونفس الشيء بالنسبة للنظام الموريتاني الذي وقعها واهملها ، لان البرلمان الموريتاني لم يصادق عليها كبرلمان الملك المغربي .
فلأول مرة في التاريخ ، ستبرم ثلاثة دول اتفاقية ، ضدا على القانون الدولي ، وضدا على الأمم المتحدة ، لتوزيع أراضي تخضع للأمم المتحدة ، وتبحثها اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة .. ، رغم موت الاتفاقية مباشرة في وقت وجيز من تسلل الدولة الاسبانية منها ، لأنها تسيء الى سمعتها كدولة شرعت في الدخول الى الفضاء الأوربي الديمقراطي ، فكان لازما عليها ان تعطي القدوة والمثل بالتشبث بالديمقراطية ، لإيجاد الحل لأي معضلة حولها خلاف ..
لكن حين سيخرج النظام الموريتاني من إقليم وادي الذهب سنة 1979 ، واصفا التواجد الموريتاني بالصحراء ، بالاحتلال وبالاستعمار ، وواصفا اتفاقية مدريد باتفاقية احتلال واستعمار ، يكون الانسحاب الموريتاني من وادي الذهب ، اكبر إدانة من قبل احد الموقعين على اتفاقية مدريد ، التي قسمت الصحراء كغنيمة ، وكوزيعة ، وكمحاصة ، وكطريدة ... فاصبح هذا الموقف الموريتاني الذي ادان الاتفاقية ، وخزة ضمير عند النظام المخزني الذي لا يزال لوحده ، رغم عدم اعتراف برلمانه بالاتفاقية ، لا يزال وحده كراعي للاتفاقية يبرر بها سيطرته على الساقية الحمراء ، وعلى وادي الذهب . لكن أين ثلث الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام المخزني المغربي ، وأين " الگويرة " التي كانت جزءا من إقليم وادي الذهب الذي شفعه النظام المغربي في سنة 1979 ، دون " الگويرة " التي ظلت موريتانية ؟
ورغم الصخب الذي رافق الاتفاقية المذكورة ، فان التحول الذي عرفه المجتمع الدولي من صراع الصحراء الغربية ، ساعد الدول الكبرى ، ومن بينها دول الفيتو بمجلس الامن ، على السير قدما على نفس سكة منظمة الوحدة الافريقية ، والاتحاد الافريقي . فاذا كان افريقيا قد اعترفت بالجمهورية الصحراوية ، سواء كمنظمة الوحدة الافريقية ، او كاتحاد افريقي ، فان العالم الغربي ، وخاصة واشنطن وباريس ، المتمرسين في القانون الدولي ، وصانعي القرارات السياسية الدولية ، لم يَتعَنْترُوا ( عنتر ) كالأفارقة الذين اعترفوا بالجمهورية الصحراوية ، رغم ان المشروعية الدولية تحث على مسطرة الاستفتاء وتقرير المصير ، ولم تشر ابدا الى الدولة الصحراوية التي استقبلها الاتحاد الأوربي بعاصمته الاوربية Bruxelles ، واستقبل رئيسها كرئيس دولة معترف به كغيره من نظرائه الرؤساء الافارقة والأوروبيين .
لقد حدثت عدة معطيات بالساحة ، جعلت اتفاقية مدريد الثلاثية ، التي ماتت منذ انسحاب اسبانية منها ، تدخل خبر المعاهدات التي خلقت واقعا متناقضا ، تعاملت معه الأطراف التي وقعتها تعاملا مصلحيا ، لكن من غير ان ترتقي المعاهدة الى درجة المعاهدات الدولية التي تركت نتائجها القانونية ، ليس فقط على الموقعين عليها ، بل على القانون الدولي ، وموقف الأمم المتحدة ، والقانون الدولي السلبي منها .
فكيف يتصور قيام مجموعة دول ، عن سبق وإصرار ، بتوقيع معاهدة ضد القانون الدولي ، ورفضتها الأمم المتحدة من يومها الأول ، بتقسيم ارض بيد الأمم المتحدة ، تبحثها ضمن اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، من ضمن ستة عشر اقليما تنتظر حل الاستفتاء ، وتقسيمها كطريدة ، وكوزيعة ، وغنيمة ، امام العالم الذي ظل يشاهد ولم يتحرك ، الا بعد تطور الوضع سلبيا ، وبدأت الحرب لتدوم ستة عشر سنة ، ولتتوقف اكثر من ثلاثين سنة ، ولتعود من جديد منذ 13 نونبر 2020 بمستويات ستعرف التغيير والتصعيد ، كلما مال موقف المنتظم الدولي ، الى احترام المشروعية ، واحترام قرارات القضاء ، سواء الدولي من خلال قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 الذي نص بالحرف على الاستفتاء وتقرير المصير ، او قرارات محكمة العدل الاوربية التي ابطلت الاتفاقيات التجارية ، المبرمة بين النظام المخزني وبين الاتحاد الأوربي ، بخصوص ثروات المناطق الصحراوية المتنازع عليها ، او قرارات المحكمة الافريقية لحقوق الانسان ..
لقد تملصت وتحللت موريتانية من اتفاقية او معاهدة مدريد ، التي مكنتها من منطقة " تيريس الغربية " ، وادي الذهب ، عندما انسحبت من الوادي في سنة 1979 ، عندما اعتبرت اتفاقية مدريد باتفاقية احتلال واستعمار ، وتكون هنا الدولة الموريتانية قد سددت ضربة قوية للتواجد المخزني السلطاني بالساقية الحمراء ، وبوادي الذهب ، حين اعتبرت تواجده بالغير مشروع ، ويكون احتفاظ موريتانية " بالگويرة " ، رغم انسحابها من وادي الذهب التي كانت " الگويرة " جزء منه ، تدليل مقصود على تعرية واقع النظام المخزني السلطاني المغربي المتعارض مع القانون الدولي ، والمرفوض من قبل الأمم المتحدة ، التي تبحث الأراضي ضمن اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ..
بل ان موريتانية ستذهب بعيدا للتكفير عن زلتها ، بتوقع اتفاقية مدريد الثلاثية ، عندما اعترفت صراحة بالجمهورية العربية الصحراوية ، التي اعترف بها الملك محمد السادس ، حين اصدر ظهيرا وقعه بخط يده ، يقر فيه بهذا الاعتراف الذي نشره بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 . يناير 2017 .
فبقي وحده النظام المخزني البوليسي ، متورطا في مخلفات معاهدة بدأت معطوبة ، وانتهت في حينها اكثر من معطوبة ، عندما تحللت منها موريتانية بعد ان تحللت اسبانية ..
فهل القانون الدولي ، والأمم المتحدة ، يجيزان ابرام المعاهدات لتقسيم أراضي هي بيد الأمم المتحدة ، ويتم تقسيمها قسمة الوزيعة ، والطريدة ، والمحاصة ، والغنيمة ؟ .
لقد هدف الحسن الثاني الذي وقف وراء ابرام اتفاقية مدريد ، من وضع القانون الدولي ، ووضع الأمم المتحدة ، امام الامر الواقع . فهل نجح ؟
ان الجواب هو الوضع الخطير الذي اضحى عليه نزاع الصحراء ، وهو وضع يسير نحو الحل النهائي الذي لن يكون غير الاستفتاء وتقرير المصير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24


.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-




.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر


.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير




.. كتائب القسام تستهدف جرافة إسرائيلية في بيت حانون شمال غزة