الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود

راتب شعبو

2023 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر، دون أي احترام للقانون الدولي والإنساني، فتُقصف المشافي والمدارس والبيوت ويُهجر الناس بمئات الآلاف من أماكن سكنهم ثم تُقصف جموع المهاجرين، حتى بات من الصعب إحصاء عدد الضحايا، ويقتل الأطفال الفلسطينيون بمعدل طفل كل عشر دقائق، بحسب تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أمام مجلس الأمن، ويمنع إيصال المساعدات الإنسانية ... الخ، نقول في هذا الوقت، تشتد في أوروبا محاربة العداء للسامية وتعلو نبرة التضامن الغربي مع دولة إسرائيل ومع اليهود، وكأن الحرب الدائرة رحاها والقصف والموت اليومي الغزير يطال اليهود وليس الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه تُرفض إشارات التضامن مع الفلسطينيين الواقعين تحت قصف رهيب مستمر، وقد تكلف إشارة التضامن صاحبها، الاستجواب بتهمة العداء للسامية، أو الطرد من العمل.
في فرنسا مثلاً، خرجت في 12 تشرين ثاني/نوفمبر، بدعوة من رئيسة الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ، مسيرة لمحاربة العداء للسامية شارك فيها طيف سياسي واسع من اليمين واليسار، من ضمنهم رئيسا جمهورية سابقان، ورئيسة الحكومة الحالية ومسؤولون حكوميون حاليون وسابقون وعدد من المنتخَبين ومن الزعماء السياسيين. هذه مفارقة صريحة، أن يخرج معظم الجسد الرسمي الفرنسي (الرئيس الفرنسي عبر عن مساندته التامة ولكنه قرر في اللحظة الأخيرة عدم المشاركة) للتضامن مع اليهود احتجاجاً على ممارسات عدائية يغلب عليها الطابع الرمزي (وهي بلا شك تستوجب الإدانة والمواجهة) دون التضامن مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لجرائم حرب مستمرة.
في عيوننا تبدو هذه مفارقة صارخة، وهي كذلك، ولكنها ليست مفارقة في العين الأوروبية. ذلك أن لبروز مظاهر العداء للسامية في أوروبا أصداء بعيدة تولد لدى الأوروبيين قلقاً أكثر بكثير مما تولده وحشية إسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين، مهما بلغت. فهذه الجرائم تجري على أرض بعيدة، كما أنها تستهدف ذاك الصنف من البشر الذين يحملون "ثقافة" أخرى، وخرج من بينهم من يستهدف أوروبا نفسها بعمليات إرهابية. صادفت في اليوم التالي للمسيرة التضامنية المذكورة، الذكرى الثامنة لمذبحة مسرح باتكلان التي وقعت ضمن سلسة هجمات تعرضت لها باريس في 13 نوفمبر 2015، وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). لم يكن مفاجئاً أن الإعلام الإسرائيلي سعى منذ البداية إلى المماثلة بين حماس وداعش وكأنه لا وجود للقضية الفلسطينية التي باسمها، وليس باسم المرجعية الإسلامية، فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006. من السهل أن يستجيب الأوروبي لهذا الإعلام وأن يحذف القضية الفلسطينية من المعادلة، وأن يجد نفسه بالتالي في المعسكر الاسرائيلي من الصراع. هذا ما يريد التشديد عليه نتنياهو حين يقول، في رد غاضب على الرئيس الفرنسي الذي طالب بوقف إطلاق النار، "إن ما فعلته حماس في غزه ستكرره في باريس ونيويورك".
تمت الدعوة إلى المسيرة المذكورة تحت عنوان "الجمهورية في خطر وركائزها مهددة"، يشير هذا إلى أن مصدر قلق المشاركين مستقل عما يجري في غزة من إجرام، وفي هذا ما ينم عن فشل المسؤولين الفرنسيين في رؤية الترابط بين ما يقلقهم (تنامي الأفعال المعادية للسامية) وما يحل بغيرهم من ظلم فادح ومن قتل وتهجير. واضح للعين المجردة أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي والوحشية الاسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين على أنهم بشر أقل، على ما صرح، دون خجل، أكثر من مسؤول اسرائيلي، هو السبب وراء التزايد الحاد في عدد الممارسات المعادية للسامية في فرنسا (تجاوزت 1200 اعتداء منذ السابع من أكتوبر، حسب تصريح وزير الداخلية الفرنسي) التي تضم حوالي نصف مليون يهودي، وتعتبر ثالث دولة في العالم من حيث عدد اليهود فيها، بعد إسرائيل وأميركا.
لقد تغيرت بيئة ومضمون ما يسمى العداء للسامية بين الأمس واليوم، ففي حين كان هذا العداء يعبر عن تيار سياسي أوروبي من طبيعة عنصرية، بات يغلب عليه اليوم نزوع غير أوروبي تحمله عناصر غير منتظمة يحركها دافع سياسي هو التضامن مع فلسطين، وإن كان هذا الشكل من التضامن تائه وفاقد الصواب وذا مردود سيء على الفلسطينيين. لكن يبقى إن غالبية من يدخلون في خانة اللاسامية اليوم هم من الساميين أصلاً وليسوا من الآريين، بعد أن صارت اليهودية مسألة شرق أوسطية أكثر منها مسألة أوروبية.
ومما يشير إلى التحول المشار إليه، أن اليمين المتطرف في فرنسا (التجمع الوطني، الاسم الجديد للجبهة الوطنية) المعروف بعدائه للسامية والذي سبق أن أدين مؤسسه أمام القضاء بتهمة العنصرية والعداء للسامية، شارك في المسيرة. كما يذهب في الاتجاه نفسه، تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 2019 خلال مأدبة عشاء مع قادة يهود، "إن معاداة الصهيونية شكل من أشكال معادة السامية"، في هذا جمع متنافر بين المعاداة على أرضية سياسية والمعاداة على أرضية عرقية.
ما سبق يقول إن مناهضة معاداة السامية في فرنسا، وفي مجمل أوروبا الغربية، يتحول أكثر فأكثر إلى غطاء لدعم عدوانية إسرائيل، وقبول الوقائع التي تصنعها على الأرض على حساب حقوق أصحاب الأرض وعلى الضد من قرارات الشرعية الدولية.
في المقابل، خرجت مسيرات تضامن مع الفلسطينيين في كثير من المدن الفرنسية، رغم التضييق الرسمي المباشر (رفض إعطاء تصريح) أو غير المباشر (مضايقات من البوليس وفرض غرامات). العديد من مسيرات التضامن مع فلسطين تعرض لعنف الشرطة باستخدام غاز الدموع ورشاشات الماء ... الخ. بين مسيرة رسمية منظمة يشارك فيها المسؤولون وتواكبها وسائل الإعلام، ومسيرات شعبية تتعرض للعنف والتضييق من الشرطة، فارق واضح يقول إن الاستقطاب السياسي الذي تشهده فرنسا هو استقطاب داخلي جاهز لاستقبال "الصراع المستورد" الذي تكلم عنه الرئيس ماكرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح