الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف الديمقراطي من المسألة الديمقراطية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


" طيلة اشتغالي على هذه الدراسة ، ومجرمو البوليس السياسي ، المدير العام ، و( صديق ومستشار ) الملك يطفئون صفحات Word بشكل جنوني مرضي وهستيري "
عندما نتحدث عن المسألة الديمقراطية ، التي تؤرق فكر كل ديمقراطي ينشد النظام الديمقراطي ، فالمعنى الأصيل من ذلك ليس اللهو ، وليس توزيع الكلام على عوانه ، لتدليس الواقع بما يُبقي عليه ، ومن خلاله يُبقي على المستفيدين من هذا اللبس الذي فضحته عدة تجارب حصلت باسم الدفاع عن الديمقراطية ، لكنها في اصلها كانت مجرد افرازات وقتية تم توظيفها من خلال لغة خاصة ، لديمومة واقع الحال على حاله كما هو مشاهد اليوم ، وليستمر جميع المستفيدين من الوضع القائم ، يستغلون الشعارات المُلوح بها ، للمزيد من التحكم ، وللمزيد من الاثراء الفاحش الغير محدود ، في مقابل تفقير الرعايا التي تزداد يوما فقرا على فقر .
فالمقصود عند الحديث عن الديمقراطية ، ليس إجراءات هلامية وكاذبة ، بل المقصود كيفية بناء الدولة التي يجب ان تكون بالدولة الديمقراطية .
فمنذ سنوات الخمسينات والجميع حُكم ومحكومين ، يتحدث عن الدولة الديمقراطية التي تكون دولة الشعب ، وليس بدولة الخواص ، ولا بدولة الرعايا طالما لم يتحرروا من " تَلّيسْ " الرعايا ، ونفضوه عن اكتافهم ، لان الرعية المتعودة العيش في دولة رعوية ، وبسبب الجهل ، لا يمكنها ان تعيش الاّ في بساط دولة رعوية ، على رأسها راعي كبير ، يتلون في الألقاب من ملك مرة ، الى راعي مرات ، الى خليفة في دولة خليفية ، الى إمام معظم ، وكل هذا بهدف ديمومة السيطرة ، وديمومة الافتراس اللامتناهي لثروة الرعية ، التي تعتقد ان وضعها المزري والمشفق عليه ، هو اختيار رباني ، وامتحان على صبر الرعية في التناغم مع حياة المسكنة والدروشة ، لان جنتها وكما يشرح ويفسر فقهاء الأمير ، والامام ، والراعي ، في الاخرة ، وليس فوق الأرض . فما دام الأمير هو من ينوب عن الرعية في الظفر بالخيرات ، فهو حاميها عندما تضعف الضعف الشديد ، كلما مستها اوبئة كالطاعون ، والجايحات ، والامراض المختلفة ، وحتى الوحش ( كورونا ) الذي نسيه الجميع ، ولم يعد احد يذكره على اطراف لسانه ، خاصة وان ( كورونا ) كان نعمة أدخلت لصندوق محمد السادس 34 مليار درهم جمعها من الرعايا وهي أموالها ، ونزل فيه ملايين وملايين العملة الصعبة بالدولار وباليورو ، طبعا كلها أصبحت أموال الأمير الامام والراعي الكبير جلالة السلطان المعظم ، الله وليه وناصره على اعداءه ..
لذا فأمام هذا التناقض الصارخ في الممارسة باسم الديمقراطية ، ولو كانت معيبة في شكلها وفي مضمونها ، فالرعيل الأول الذي تقمص دور المعارضة ، باسم الدفاع عن ( الشعب ) الذي لم يكن غير رعية ، استعمل مطلب الديمقراطية ، أي ديمقراطية الإجراءات ، خاصة عند ترتيب الأولويات ، كالتعارض من تثقيف الرعية لتصبح شعبا ، الى استهلاك مطلب توعية الجماهير التي باسمها تنظم جميع المسرحيات المُلعبة ، ولو انها كانت مفضوحة ، تناغم معها الجميع بسبب تعريض قواعد الرعية المختلفة ، ليس للدفاع او للمطالبة بالحقوق ، والرعية تعيش من دون حقوق ، بل باستعمال شعارات العهد الذي كان عهد التحرر الوطني في العالم ، لتثبيت مصالح مشعوذي السياسية ، الذين يتلونون لون الحرباء ، عند الدفاع عن مصالحهم الخاصة ومصالح طبقتهم ، باسم الدفاع عن مصالح الرعية التي مصالحها يتقنها الأمير الامام والراعي ، ولا علاقة لها بأفكار " مونتسيكيوه " ، ولا بأفكار " هوبوز " ، ولا بأفكار " جون لوك " ولا "سانسيمون " ، ولا "ماركس " الذي اوجد اتباعا معارضة من نوع خاص ، وعندما اسقطوا ما جمعوه على وضعية خاصة ، احتضرت تلك الأفكار ، باحتضار أصحابها الذي اطنبوا في اللغو في التنظير من بعيد ، لواقع محكوم بأولياء الله الصالحين أمثال سبعة رجال ، وامثال عبدالقادر الجيلالي ، الذين كانوا يتجسدون وبوفرة في المواسم ، وفي الاضرحة ، واجمالا في الطقوس البالية التي لا علاقة لها بالمرة مع الشعارات الدائرة ، التي كانت تُكذب نفسها بنفسها ، خاصة امام ارتماء الجميع في الممارسة التقليدانية ، والطقوسية ، ارتماء عن وعي يتماشى مع مصالحهم ، التي كانت تندمج مع النظام الطقوسي والمحافظ ، فكانت حقيقة الدولة ، مجرد دولة طقوسية تحكم بالمزاج ، وبالصدفة ، وب " لو طارت معزة " ، وتحكم بالقمع والعصا ، وحتى بالقتل والذبح . فعندما يلَوّح عبدالرحيم بوعبيد ، وعلي يعتة ، ومحمد بن سعيد آيت إيدير ، واتباعهم بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وحزب التقدم والاشتراكية ، وبمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي سابقا ، بالتحديث ، وبالعصرنة ، والمدلول هنا هو الدعوة الى الديمقراطية ، فهم حين كانوا يرددون مصطلح الديمقراطية ، كانوا يشيرون الى نوع من الممارسات التي يجب اضافتها الى القاعدة العامة التقليدية ، من اجل الحفاظ على المصالح المشتركة ، داخل ضرورة الحفاظ على نفس النظام ، وليس الحفاظ على نفس الدولة التي قد تعرف وكما عرفت ، مرور أنظمة كلها كانت غارقة في المحافظة باسم القيم ، وباسم الخصوصية ، التي هي خصوصية الحاكم الاقطاعي في اقطاعية الحق الإلهي ، لا في بناء الدستور الديمقراطي ، الذي وحده يجسد التعريف العملي للدولة الديمقراطية ، من الدولة التي ليست ديمقراطية .
فعند معرفة القيادة البرجوازية للأحزاب التي رفعت شعارات اكبر منها ، في الميدان الاشتراكي ، والحقوقي والقيمي ، وفي التراث المتعارض مع الحركة الاخوانية ، بان الاستحقاقات التي سيشرف عليها رئيس الدولة ، كملك ، وكأمير للمؤمنين ، وكراعي يحكم الدولة الرعوية ، وكإمام كبير رغم انه لم يسبق ان أمم بالناس الصلاة ، هي استحقاقات الملك التي تجري ضمن قانون ودستور الملك الأمير ، وان المؤسسات التي يجري التنابز من اجلها ، هي مؤسسات الملك الأمير ، من برلمان ، ومن مجالس قروية ، وبلدية ، وإقليمية .. وان اللعبة او المسرحية كلها تدخل في تدعيم قوة النظام الطقوسي ، خاصة في طابعه التقليداني ، الذي يرفل حتى فوق الدستور الذي هو دستور الملك . لان عند حصول تعارض فجأة بين الدستور وبين عقد البيعة ، تعطي احقية الأولوية ، والاسبقية ، والسبق في التطبيق ، طبعا الى عقد البيعة الذي يمكن اعتباره بالدستور العرفي الغير مكتوب ، على الدستور المكتوب الذي ابدعه عملاء الأمير ، القوة الفعلية ، والقوة الرمزية المحصنة من أي نقد ، او تجريح ، حتى ولو كان الهدف منه نبيلا وليس محشوا بأساليب الحروب الخفية ، التي تصبح عبارة عن تناقض أساسي بين الحاكم بأمر الله في اقطاعية الحق الإلهي ، وبين الطامعين في جزء ولو يسير من سلطاته ، وليس كل الحكم ، حكم جمهوري ، او حكم ملكية برلمانية ديمقراطية على شاكلة ملكيات اوربة الغربية .
ان الوصول الى هذه المرحلة التي زادت استفحالا مع محمد السادس ، واصدقاءه زملاء الكوليج الملكي ، Le collège royal ، و نظامه المعزول في العالم بسبب هذا النوع من الحكم النقيض للديمقراطية ولو في ابسط صورها ، لم يأت صدفة ، بل كان تراكما لعدة محطات ، ساهم بها بوفرة من رفعوا مشعال النضال باسم الدولة الديمقراطية ، لكنهم في قرارات نفسهم كانوا يخدمون شكلا من الحكم الاميري السلطاني باللباس البوليسي ، والعدو الرئيسي للنظام الديمقراطي . فالنشاط السياسي الذي اخذ اوجها كثيرة ، كان في حقيقته يصب في مصلحتهم المندمجة مع مصلحة النظام لا ضده ، ولا علاق لها بمصلحة الأقلية من الشعب التي تنشد وتناضل من اجل الديمقراطية الحقيقية ، في حين ان الرعية الجاهلة ، الغارقة في حياة الدروشة والمسكنة ، لم تكن معنية بالخطة التي برع فيها السياسويون على اختلاف انواعهم ومشاربهم . فحين ينخرط هؤلاء السياسويون ، مشاركة في جميع استحقاقات النظام المخزني السلطاني البوليسي ، وهم يعلمون علم اليقين ، ان ما يتنافسون لتنزيله ، هو خريطة طريق الحاكم بأمر الله الاقطاعي ، وضمن دستور لا ديمقراطي ، من فوقه دستور عرفي غير مكتوب يجسده عقد البيعة ، فان مشاركتهم تكون تدليسا على ( الشعب ) ، ومؤامرة باسم الديمقراطية التي لم يكن منها غير الاسم . فكل ما كان يحصل من اخراج النظام ، فيكون كل المشاركين في العملية مخزنيين سلطانيين ، يؤثثون المشهد باسم شعارات يتلاعب بها ، كالاشتراكية ( عبدالرحيم بوعبيد ) ، والشيوعية ( علي يعته ) ، والتقدمية ( منظمة العمل سابقا ) . اما من كان يصطف على يسار هذه الكائنات ، فرغم قوة الشعارات المرفوعة ، فان نوع الممارسة المتبعة ، كانت تجهض تلك الشعارات ، وتحكم عليها بالخنق حتى قبل ان يصل بعضها الى يد ( الشعب ) .
عندما نتأمل اليوم في الساحة السياسية ، نكاد نجزم ان النظام المخزني البوليسي ، حقق النصر الساحق ، لكنه نصر تحقق بالمساهمة الفعالة للقوى السياسية التي ناضلت بالشعارات المختلفة ، لكنها من داخل الدولة لا من خارجها . ان الساحة السياسية اليوم ومنذ مجيء محمد السادس ، اصبح يؤثثها وبشكل صارخ ، فقط البوليس السياسي ، والجهاز القروسطوي السلطوي دراع النظام ، عند تنظيم المسرحيات السياسوية وما اكثرها ، وبعضها حصل برداءة لم تحصل في أي زمان سابق .. وفي وضع كهذا ، حيث ان الجميع اصبح يشهر بمخزنيته وبسلطانيته المغلفة بالغشاء البوليسي ، ويتصارع لتنزيل برنامج السلطان ليظفر برضاه ، نتساءل مع من يمكن بناء النظام الديمقراطية الذي له عنوان واحد لا اثناء ولا اكثر . ان أحزاب الستينات والسبعينات والثمانينات ، وبالشعارات التي كانت تطرحها ، من جهة لخدمة النظام ، ومن جهة لخدمة مصالحها المرتبطة مع النظام ، وكانت تشكل برشوكً يحمي النظام من انتفاضات الرعية ، انقرضت من الساحة ، ومن بقي منها يعيش في حضن الدولة ، لا خارجها . وان بعض التشكيلات باسم بعض القيم المتعارضة مع الممارسة ، جعلت بعض الاتباع المرجعيين ، وليس التنظيميين ، يجدون اليوم نفسهم في نفس وضع تشكيلات السبعينات والثمانينات ، مع الفارق ان تمثيلية قدماء السياسة السياسوية ، كانت ظاهرة ولها اتباع ، وان كانت مصالحهم متضاربة ، لكن تجتمع وتتوحد كرجل واحد عندما يخص الاجراء ، المصلحة الخاصة . فإضراب الدارالبيضاء في يونيو 1981 ، الذي فقد فيه الداعون اليه السيطرة على الشارع الذي تجاوزهم ، لم يكن القصد منه الاحتجاج على الزيادة في ثمن الخبز عشر سنتيمات ، بل كان ضغطا من الحزب ومن النقابة ، للضغط على النظام حتى يتنازل لهم عن بعض حصص المقاعد البرلمانية ، ولم تكن تهدف الثورة على النظام ، رغم ان الجماهير رفعت شعارات اسقاط النظام ، وبناء النظام الديمقراطي الجمهوري .
اذا كان بناء الأنظمة الديمقراطية ، تقوم به الأحزاب المناصرة والداعية لهذه الأنظمة ، فان غياب هذه الأحزاب التي بقيت مجرد عناوين عرت عنها نبيلة منيب ، يجعل اية دعوة الى الديمقراطية ، وفي غياب الأحزاب الوازنة ، مجرد حلم صعب المنال . وحين نقول بصعب المنال ، ليس المقصود مقاومة النظام المخزني السلطاني البوليسي لمطالب الدمقرطة ، بل المصيبة في الغياب الكلي للمفروض انهم ديمقراطيون حقيقيون ، وغياب الساحة من المناضلين الحقيقيين الذين يزنون بين المطالب ، وبين الشعارات المرفوعة ، وبين مراحل النضال والمحطات ، التي ستقطعها العملية للوصول الى الديمقراطية . ان الساحة اليوم فارغة الاّ من النظام السلطاني واجهزته البوليسية ، والأجهزة السلطوية الطقوسية ، و( الطبقات ) ذات المصالح مع النظام المخزني .. وطبعا لا يغيب عن الاذهان تلاميذ Le collège royal ، الذين اثروا الثراء الفاحش الذي قل نظيره . فعلاقة بن سودة الخازن العام ، والمدير العام للضرائب ، ومزوار وزير المالية لا تزال على البال .
اذن ما المنتظر من تناقض ، من جهة فراغ الساحة كليا من المعارضة البرجوازية ، كما كان عليه الحال في الستينات والسبعينات والثمانينات ، ومن جهة طرح مطلب الديمقراطية كمحور في الصراع . لكنه للأسف لن يرقى لمستوى الصراع ، وكما قلت لغياب الداعون الى الديمقراطية ، ليس كأجساد ، بل كقوة تلاشت منذ سنة 1999 ، بل قبل هذه السنة بسنوات مضت كانت عبارة عن سنوات مؤامرة ..
لا يمكن الحديث عن الدولة الديمقراطية ، ومنها الحديث عن النظام الديمقراطي ، من دون الحديث عن الداعون الى الدولة الديمقراطية ، وداخلها الى النظام الديمقراطي . وطبعا فان المقصود بالداعين الى الدولة الديمقراطية ، هم الأحزاب والنقابات التي انقرضت في بلاد المخزن السلطاني . وحتى نضيف . هل كان بالنظام المخزني السلطاني قبل ثلاثينات القرن الماضي أحزاب سياسية ديمقراطية ؟ هل كانت به نقابات التي ستظهر مع CGT الفرنسية ؟ ..
وقبل ان نتطرق للواقع المنتظر ، وعند حصول فراغ في الحكم ، وكيف يمكن امتصاص الجحافل الغير منظمة في تنظيمات ، ونوع الشعارات التي ستطرح ، وهي شعارات ستغرف طبعا من الإسلام ، ولن تغرف من الماركسية ولا من الاشتراكية ولو كانت اشتراكية " سان سيمون " المثالية ، هناك خمس منطلقات أساسية تحدد وحدها الموقف من المسألة الديمقراطية كما فهمها التقدميون المخلصون ، وكما يمكن تجديدها عند طرح إشكالية الدولة ، واشكالية النظام الديمقراطي ، أي ان وضوح الخط ، الخط الجماهيري ، هو وحده سلامة الممارسة السياسية الشعبية ، وابتعادها عن انصاف الحلول السلبية ، وعن عقم الخط الانتخابوي الضيق .
أولا : الاقطاعية السياسية في اقطاعية الحق الإلهي ، هي عدوة الديمقراطية ومدمرتها :
اعتقد ان المسألة الديمقراطية في دولة مخزنية سلطانية بوليسية قامعة وجبرية ، وامام آلاف الشهداء والضحايا الذين سقطوا دفاعا عن الدولة الديمقراطية ، ونقولها جاهرين ، تطرح اول ما تطرح ، التساؤل الجذري حول مشروعية النظام المخزني السلطاني الملكي . فالإقطاعية السياسية التي تشكل جوهر النظام المخزني الجبري القائم ، تنفي النفي المطلق مبدأ النظام الديمقراطي والدولة الديمقراطية ، لا سيما من خلال :
-- استيلاء الحاكم بأمر الله ، السلطان الطاغي ، والملك الجبري على كل الدولة ، فيختزل لّب الحكم في " أنا الدولة ، الدولة أنا " . انه وحده يمثل السلطة التشريعية ، وهو وحده يمثل السلطة التنفيذية ، كما يمثل ( السلطة ) الجهاز القضائي ، لأنه هو القاضي الأول ، رئيس القضاة ، الذي تصدر محاكمه الاحكام على رعاياه باسمه ، وخاصة ان ملفات البوليس تكون مزورة عن اخرها ، كما كنت ضحيته بمؤامرة مفضوحة من تدبير مدير البوليس السياسي الذي سهر شخصيا على تزوير المحضر لإدخالي الى السجن ، وبمعية الوزير المنتدب في الداخلية المدعو الشرقي ضريس ، وتحت الرئاسة الفعلية ل ( صديق ومستشار ) الملك المدعو فؤاد الهمة .
ان القضاء في الدولة المخزنية ، من وظائف الامامة ، والامام هو رئيس المأمومين ( القضاة ) ، الذين يسهرون على تنزيل المحاضر البوليسية لبوليسه السياسي ، رغم معرفته بانها مزورة ومطبوخة .
ففي النظام السلطاني المخزني البوليسي ، الدولة هي دولة الأمير الذي يحكم بسندين / مشروعيتين . مشروعية الدستور ، ومشروعية الإسلام / عقد البيعة . ففي هكذا نظام قروسطوي تقليداني ، تنعدم مطلقا كل مظاهر الديمقراطية ولو في حدودها الدنيا .
-- رفض الاعتراف بالأحزاب والهيئات السياسية ، كمؤسسات ذات تمثيلية ، مع الفصل أصلا ، بين التمثيلية والانتخاب ، بل واعتبار العلاقة " مباشرة مع الشعب " الذي يتم التعامل مع افراده ك " رعايا " ، " عبيد " ، لا كمواطنين ..
-- فرض مبدأ قداسة الحكم البوليسي المخزني ، التي لا يجوز معارضة سياسته او المس بها ، او حتى التفكير في ذلك . فاي عمل او تعامل سياسي يجب ان يندرج ، وفقا لقانون النظام الملكي ، في اطار احترام القيم السياسية الاقطاعية السائدة ، حيث يستمد العمل السياسي مشروعيته من مشروعية النظام الطقوسي المخزني السلطاني البوليسي القائم ، وليس العكس .
اذن هذا هو جوهر الحكم المخزني التوتاليتاري البوليسي ممارسة ودستورا ( راجعوا دستور 2011 ) ، حيث عكست الدساتير التي انفرد القصر دائما بوضعها ، تقنينا لأوضاع السلطة الاستبدادية الطاغية المطلقة ، التي لم تجعل من الديمقراطية في يوم من الأيام ، هدفا ولا طريقا في الحكم ، بل عملت دوما على محاربتها ، والتحالف تاريخيا وحاليا ، مع القوى الاستعمارية ، لإحباط أي تطلع شعبي نحوها . وهذا ما يدفعه الى طرح مفهومه السياسي الخاص للديمقراطية ، على انها صيغة للتساكن بين الحاكم بأمر الله في اقطاعية الحق الإلهي ، وبين الرعايا المحكومين ..
وهكذا ، حرص النظام الاقطاعي على افراغ الديمقراطية من أي مدلول حقيقي ، وتمييعها بجعلها مجرد لعبة تنافس سياسي ، يتصدر دفتها القصر الملكي من موقع الحكم الابوي البتريركي ، البتريمونيالي ، الطقوسي ، الثيوقراطي ... ، الذي تتهافت عليه كل الأطراف ، للتظلم ، والتشكي ، والتباكي على اعتابه ( الشريفة ) للاستفادة من ارادته ، ولاستمداد المشروعية السياسية منه لا من غيره ، أي من الشعب .
قد يبدو هذا القول مجرد تكرار للبديهيات . لكن ما الذي جعل بديهيات الامس ومسلماته ، تصبح اليوم موضع طعن وتشكيك من طرف البعض ؟ . وما الذي تغير في جوهر النظام وطبيعته حتى يتسابق هذا البعض اليوم مثل الامس ، على دور " المعارضة البناءة " نبيلة منيب وحلفاءها السابقين ، رافضا استخلاص الدروس ومتماديا في تحريفه وتزييفه الخاص للديمقراطية ؟ فما هي هذه الدروس أولا ؟
ثانيا : وظائف الانتخابات :
اذا كانت الاقطاعية السياسية هي جوهر الحكم المطلق ، فان الطابع السائد في الخطاب الأيديولوجي والسياسي للنظام ، يبقى هو الازدواجية ، حيث نجد من جهة ، المفاهيم المغرقة في التخلف المخزني البوليسي ، ومن جهة أخرى ، التهافت الليبرالي في الشكل واللهجة . وهذا يطرح المعادلة القائمة على الصعيد الاجتماعي ، بين الأصول الاقطاعية للدولة المخزنية البوليسية ، والتطلع نحو الليبرالية والعصرنة ، ومن خلال ذلك اخضاع البرجوازية الوطنية ، وكذلك سجن الفئة العليا من البرجوازية الصغيرة في دور لا يمس الهياكل الأساسية ، بل يسعى فقط الى ترميمها واصلاحها ومعارضتها " معارضة بناءة " .
ومن هنا كان كل الحرص الدائم لدى النظام المخزني ، هو احداث اكبر ما يمكن من الرواج السياسي ، لكن في اطار لا يتجاوز حدود " الطبقة السياسية " ، سيرا على مبدأ : " السياسة مع النخبة ولها " . وهذا هو تكتيك الانفتاح الذي مارسه وكرره ، خلال الحملات الانتخابوية التي نظمها في السابق ، وهنا سقط ما يسمى بالتعديل الدستوري الذي تم إدخاله على دستور 2011 بفعل ضغط حركة 20 فبراير . ان هذا يعني ان ما يسمى بالانفتاح بصيغه العملية ، وهي الانتخابات ، يؤدي عدة وظائف ، نوجزها اجمالا في ثلاثة : إضفاء المشروعية على الحكم . تجديد التحالف الطبقي الحاكم . وأخيرا تقنين أساليب القمع السياسي والايديولوجي . فلننظر عن قرب الى هذه الوظائف على ضوء " التجارب الديمقراطية " الماضية ، وخاصة منها ما استدرج تحت نعت " مسلسل التحرير والديمقراطية " الذي فشل الفشل الذريع .
1 – اذا كانت الاستفتاءات الدستورية قد استهدفت إضفاء المشروعية على طبيعة الحكم المخزني البوليسي المطلق ، فان الانتخابات تعدت ذلك نحو فرض مشروعية الوضع الاستبدادي الطاغي البوليسي بترتيبه الجديد . أي بتكامل الصفة المخزنية للحكم البوليسي المخزني ، مع واجهة ليبرالية شكلية مركبة من برلمان ، ومجالس ، وهيئات موازية كالمناظرات وغيرها .
وهكذا ، فبعد ان تمكن النظام من فك عزلته داخليا وخارجيا بعد موت الحسن الثاني ، واضفى على نفسه طابع الوطنية مكان الخيانة الواضحة ( الاعتراف بالدولة الصحراوية ) ، لم يتردد في تسجيل مكاسبه هذه ، عن طريق تقنين وضعيته بنيل " تزكية وطنية " للدستور في 2011 ، الذي قاطعته بعض الأحزاب المعارضة ، لكنها شاركت في الاستحقاقات التي جاءت على أساسه ، مزكّية بذلك بهذه المشاركة ، الدستور الذي قاطعته ، رغم عجز النظام في تحقيق هذا التحول طيلة الفترات السابقة من المعركة الدستورية ، والمعركة الديمقراطية .
2 – اما الوظيفة الثانية ، وهي تجديد التحالف الحاكم ، فتبرز من خلال ظاهرتين ، أولهما تذويب البرجوازية المتوسطة ، او على الأقل الفئة العليا منها – في اطار الطبقة الاقطاعية – الرأسمالية ، وتجريدها من كل صفات الوطنية ، ومن إمكانيات التطور المستقل المتبقية لديها ، هذا في الوقت الذي اندحرت الفئات السفلى منها . وباختصار ، فان ما حدث هو تفكك البرجوازية الوطنية كطبقة ، وما وجود بعض الكائنات ( المعارضة السابقة ) في الحكومات المتعاقبة ، والحرص على تقوية هذا الوجود للأعلام الخارجي ، الا تعبير سياسي عن هذا التطور الاجتماعي الذي حصل في ظل تتمة " المسلسل الديمقراطي " مع محمد السادس . اما الظاهرة الأخرى ، فهي ان حصيلة هذه التجربة في مجموعها ، قد انحصرت في المفهوم الذي عبر عنه دهاقنة النظام الجديد منذ مجيء محمد السادس ، أي مفهوم تكوين اطر جديدة للملكية ، بفتح باب أوسع للتمييع والارتشاء والتدرب على أساليب الحكم المخزنية ، والعمل على استقطاب العناصر المشاركة في " التجربة " الجديدة على اختلاف مشاربها ، وبناء على تصوره الذي يعتبر الأحزاب مجرد مدارس لتكوين اطر قد لا يستحيل استيعابها ودمجها في جهاز الدولة المخزنية البوليسية .
3 – غيران الوظيفة الحاسمة للانتخابات ، تبقى هي احتكار النظام سلطة تحديد الحقل السياسي المشروع ، ورمي أي عمل او نضال ديمقراطي حقيقي وغير انتخابوي في اللاّشرعية . فعلى عكس ما يذهب اليه أصحاب الخط الانتخابوي من ان " المسلسل الديمقراطي " سمح " للجماهير " ، الرعايا الجاهلة باقتحام الساحة السياسية ، فان الحقيقة والوقائع شاهدة ، ان المسلسل الانتخابوي لم يكن في حقيقته ، الا تطبيعا للمزيد من تهميش الجماهير الشعبية الحقيقية ، وانتهاك حقوقها الدنيا ، باسم الديمقراطية المفتري عليها .وهكذا بقيت تلك الجماهير مبعدة عن المشاركة السياسية الفعلية ، ولا يتم اللجوء اليها الا بشكل ظرفي ، سواء من طرف النظام المخزني البوليسي ، او من طرف القيادات الشائخة والعاجزة ، لتزكية وضع من الأوضاع ، كما كان الشأن في المسيرات التي نظمها النظام ، وكان ابرز في " المسيرة الخضراء " ، او في الحفلات الانتخابوية ، الشيء الذي طبع المسلسل الانتخابوي المزعوم بطابعه النخبوي الواضح . وهنا يكمن الدور الأيديولوجي للانتخابات الانتخابوية . فقد اثبت القمع الجسدي التي تعرضت له الانتفاضات الشعبية عبر تاريخ الانتفاضات الجماهيرية ، ان محاولة إضفاء المشروعية على حكم مخزني بوليسي لا شرعي ، باسم الديمقراطية ، ليست في نهاية الامر ، سوى شكل من القمع الأيديولوجي . الم يعتبر الحسن الثاني نفسه غداة انتفاضة يونيو 1981 ، انها كانت خروجا عن الديمقراطية ؟ طبعا خروجا عن ديمقراطيته التي كانت حسنية ، وليس خروجا عن الديمقراطية بعنوانها الكوني . نعم انها خروجا عن مفهوم النظام للديمقراطية التي يريدها حزاما واقيا ، وقيدا على النضال الشعبي . ولهذا كانت الانتفاضات الشعبية والجماهيرية التي عرفها تاريخ الانتفاضات الشعبية ضد نظام الحكم الاستبدادي والاقطاعي والدكتاتوري ، حسما شعبيا مع شعارات النظام ، واعلانا عريضا عن نهاية وهم ( الاجماع الوطني ) ، وحجة قاطعة على الطابع الهامشي النخبوي لما سمي بالتجربة الديمقراطية وافلاسها . فماذا حين يعترف محمد السادس بفشل نظام حكمه ، ولم يترتب عن هذا الاعتراف اي رد فعل يكون في مستوى اعتراف الملك بفشله .
ثالثا : مفهوم النضال الديمقراطي بين مغالطة " الاجماع الحزبوي " والخط الوطني المستقل :
لقد أدى اختلاف التعامل مع المنطلقين اللذين ذكرنا ، الى فرز فهمين وممارستين متعارضتين للعمل الديمقراطي . الأولى تقوم على قاعدة عدم المس بمشروعية النظام اللاديمقراطي القائم ، والمغتصب لثروات المغرب ، بل والمساهمة في تثبيت تلك المشروعية بالضبط ، تحت تغطية شعار ( الاجماع حول شخص الملك وحول القصر ) ، وليس المقصود هنا ( الاجماع ) الذي يؤلف بين مكونات النخبة السياسية على اختلاف مواقعها ، سلطة ومعارضة . وعلى هذه القاعدة ، ركب التيار الإصلاحي الجديد ، او النيومخزن موجة " التحرير " الصحراء ، و " الديمقراطية " الانتخابات الانتخابوية منطلقا من ان :
-- الانتخابات ولو الانتخابوية وسيلة لتحسين " صورة المغرب وسمعته " ، وهنا نتذكر تجنيد نبيلة منيب وحلفاءها التي تخلت عنهم ، عندما وضعوا نفسهم بيد النظام المخزني باسم ( الدفاع عن الصحراء ) ... لدى الرأي العام الدولي ، وبالتالي ، دعم المعركة الديبلوماسية للنظام المخزني البوليسي في الدفاع عن ( الصحراء ) . وكأن العالم يجهل المآل الذي ينتظر نزاعها الذي اشرف على نهايته .
-- الانتخابات ولو الانتخابوية توفر للبلاد مؤسسات ديمقراطية ، مما يشكل دعما " للجبهة الداخلية في وجه المناورات والاعتداءات الخارجية " . ونحن نتساءل عن هذه الجبهة . هل هي الفدرالية التي لم تعد وانطوت على نفسها بعد ان طلقتها نبيلة منيب ... هل حزب النهج الديمقراطي وحده يكوّن هذه ( الجبهة ) .. هل المقصود بالجبهة غير جماعة العدل والإحسان .. وهل الوضع النهائي للصحراء بالمريح ، او هو مهدد في كل وقت وحين بقرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، قرارات تنص على الاستفتاء وتقرير المصير ...
-- واعتبار الانتخابات الانتخابوية ، لأنها جرت ضمن دستور الملك ، وليس ضمن دستور الشعب الغير موجود ، مدخلا لتطبيق برنامج انقاد وطني ، وبخاصة في المجال الاقتصادي الذي وصل مشارف الكارثة الخطيرة ..
ان ما يتغاضى عنه هؤلاء الذين لم يعودوا يمثلون شيئا وسط الرعايا ، ان موقف النظام من تعامله مع نزاع الصحراء الغربية ، كان بمقياس دعم مصلحته السياسية الخاصة ، وان تقديم هذه المصلحة على انها مصلحة وطنية منزهة عن الصراع الدائر بين هذا النظام والجماهير الشعبية ، انما هو تزييف لطبيعة القضية نفسها ، واقحام للعمل السياسي كله في خط النظام ، وابعاده عن الخط الوطني المستقل .
ان جميع التبريرات المقدمة للنّطّ ضمن عش النظام ، تنقصها الجدية والقدرة على الاقناع ، لا سيما وان الدخول الى الانتخابات من باب الاجماع الوطني للدفاع عن الصحراء ، قد قاد هؤلاء سريعا الى بث الخلط والغموض ، حول طبيعة معركة الديمقراطية ، ومعركة الصحراء المقبلة على فترات ستكون جد خطيرة . ان المعركة هنا تكون قد تحولت الى معركة " دنكوشوتية " ضد أعداء الديمقراطية المجهولين ، الذين لا يعرفهم الا اقطاب الإصلاح الجدد .
ان اكبر وهم حاول هؤلاء زرعه في اذهان المناضلين القاعديين ، والجماهير عامة ، هو نزاهة الحكم وبراءته ، من كل الخروقات والممارسات اللاديمقراطية ، ومن بينها قوانين الانتخابات .
لن نطيل الحديث عن الطرح الإصلاحي للديمقراطية ، فقد انفضح امره وتعرت عورته عند الخاص والعام ، وبات طرحا معزولا ، عزل نفسه بنفسه في الساحة ، بعدما جمع حوله ما جمع من دخلاء غير منتفعين ، لكنهم يبحثون عن المنفعة للتعويض عن السنوات العجاف ، وبعدما تحطمت مغالطة ( الاجماع ) تحت ضربات الموقف الشعبي ، وتضحيات القواعد التحتية المناضلة التي رسمت باستماتتها ووفاءها للعمل الثوري ، خطاً وطنيا مستقلا في كل القضايا الوطنية ، منها والديمقراطية ، رافعة شعارا دقيقا يربط بين المهام المرحلية والتطلعات الاستراتيجية ، الا وهو شعار فك الارتباط حول النظام اللاديمقراطي ، المخزني ، البوليسي ، الاستبدادي والطاغي الطغيان المطلق ، والتقدم نحو الوحدة الشعبية الحقيقية التي ستبزغ سريعا عند حصول الفراغ الكبير في الحكم .
لقد كان هذا الشعار ولا يزال ، بممارسته التنظيمية والشعبية والجماهيرية ، مقياس فرز جوهري داخل الحركة التقدمية المغربية التي في طريقها الى البروز والظهور ، بل والساحة السياسية ككل ، ذلك انه أعاد وضع الصراع الديمقراطي على حقيقته ، أي كمواجهة أيديولوجية ، وسياسية ، وطبقية لسياسة الحكم البوليسي الدكتاتوري ، ومفاهيمه التي غلفها بشعار " المسلسل " الانتخابوي المفضوح ، والتقت فيها مصلحته مع مصلحة فئات أخرى ، عبرت عنها تنظيمات وقوى متباينة ، هي البرجوازية المتوسطة من خلال حزبها ، والإصلاح من خلال مواقعه " القيادية " .
واختصارا ، فان الخط الوطني المستقل ، بتمكنه من عزل اطروحات النظام و( الإصلاح ) معا ، وتطويق اثرها السلبي على الجماهير ، قد أعاد الاعتبار لمفهوم النضال الديمقراطي بمعناه الثوري ، ومن خلاله لمفهوم السيادة الشعبية ، في انصهارها مع النضال الاجتماعي اليومي للجماهير الكادحة . فالمغرب يتطور ، ومقبل على تغيير أساسي نهايته سيحددها قوة نزول الشعب الى الشارع ، وقوة الشعارات التي سترددها جموع النازلين ، وستكون مدعمة من قبل الأمم المتحدة ، ومن قبل مجلس الامن ، والاتحاد الأوربي ، ومدعمة اكثر من قبل القضاء الدولي الجنائي .
رابعا : إقرار سيادة الشعب كأفق ثوري للنضال الديمقراطي :
ان الديمقراطية اما ان تكون واقعا يسود العلاقات الاجتماعية والسياسية ، او لا تكون بالمرة . " فالديمقراطية ليست يافطة تعرض على السياح . انها حقيقة يجب ان تفتح لكل واحد إمكانية التقدم والمعرفة ، وتتطلب تنظيما اجتماعيا يحتاج هو نفسه الى تغييرات في الهياكل ، وليس فقط ، مراجعة دستور في غياب الممثلين الحقيقيين للجماهير الشعبية .
ان تطبيق الديمقراطية على الحياة السياسية ، يعني البحث عن الماسكين الحقيقيين بزمام القوة السياسية ، لإخضاعهم لإرادة الشعب " . بهذا الوضوح حدد المهدي بن بركة ، المضمون الاجتماعي للديمقراطية ، الذي يعني استحالة الجمع بين واقع القهر والهيمنة ، وبين إيجاد مؤسسات ديمقراطية فعلية .
ان النضال الديمقراطي يجب اذن ، ان يبقى وفيا للهدف الاستراتيجي الثابت الذي هو : تحقيق السيادة الشعبية ، وبالتالي ، فعليه ان يتجنب الفخ الذي ينصبه الحكم باستمرار ، لمحاولة حصره في افق ضيق ، وجعله في نهاية الامر ، يخدم المشروعية القائمة ويرممها ، ويسمح للنظام بإيجاد واجهة شكلية تصونه من العزلة الداخلية ، والعزلة الخارجية التي بلغت حدا لا يطاق ، وصلت أحيانا الى إهانة الملك الذي لا يبالي .. ان أي انزلاق في هذا الاتجاه ، او أي مبادرة تضع الالتزام بالعمل على تحقيق سيادة الشعب جانبا ، وتتوهم إمكانية الإصلاح الإيجابي للأوضاع القائمة ، لا يمكنها ان تنعكس الا بمردود سلبي . وهذه حقيقة نستنتجها من المنطلق الأول ، أي من تحديد طبيعة الحكم الراهن التي تجعله غير راغب ، بل غير قادر على تحقيق اية تجربة ديمقراطية ليبرالية ، عدا التجارب البرلمانية المزيفة والمشوهة التي تبقى في كل الأحوال ، سجينة الأيديولوجية الاقطاعية ، عدوة الديمقراطية ومدمّرتها .
ان وضع النضال الديمقراطي في افقه الثوري الصحيح ، يعني انه لا يشكل اختيارا تكتيكيا تفرضه ضرورات الرواج السياسي ، بل محورا أساسيا لكفاح الجماهير وقواها الحية .
ان تحقيق السيادة الشعبية كهدف ثوري لهذا الكفاح الجماهيري وقواها الحية التي ستبزغ مستقبلا من وسط الشعب ، يقتضي بدوره ، نهج أساليب ثورية في تثقيف وتنظيم الجماهير ، لا أساليب التسلط والانحراف والتعامل مع المناضلين بنفس المنطق المخزني البوليسي ، الذي يشكل عماد الحياة اللاديمقراطية المفروضة على الشعب المغربي .
ان النضال الديمقراطي ، مثل كل المعارك النضالية ، اذا لم ينطلق من وضوح تام في المواقف إزاء النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم . واذا لم يتبلور هذا الوضوح على مستوى الشعارات والمهام النضالية اليومية ، بوضع الخط الفاصل مع الطبقة السائدة ، وسياستها وشعارتها ، فانه لن يؤدي الا الى نتائج عكسية تضر بالمسيرة النضالية الثورية للشعب .
لا غرابة اذن ، مرة أخرى ، ان يؤدي خوض " المعركة الديمقراطية " بمنطق ( الاجماع ) باستثناء حزب النهج ، وجماعة العدل والإحسان ، ووسائله وضوابطه ، الى عزلة أصحابها وبقاءهم سجناء انصاف الحلول السلبية ، ومؤسسات النظام النخبوية والهامشية ، وانفضاح امرهم على الصعيدين الوطني والديمقراطي ، عند الخاص والعام ، كما اسلفنا القول أعلاه .
ولا بأس ان نخلص مع المهدي بن بركة ، ما آلت اليه سياسة ( الاجماع ) باسم الوطن ، وباسم الديمقراطية ، وباسم الصحراء : " انه من البديهي ان من يكتفي بالخطة التكتيكية المرحلية ، دون ان ينطلق من افق استراتيجي ، يكون مصيره اما ان يسرق منه الخصم سياسته ، واما ان يظهر بمظهر الانتهازي " .
خامسا : الجبهة الوطنية الديمقراطية تجسيدا للخط الجماهيري المستقل :
اذا كان النضال الديمقراطي ( بمعناه الأصيل ، وليس بما الصق به من تشويهات وتحريفات انتخابية ضيقة ) ، يقتضي الفرز الأساسي ، والحيلولة دون تلغيمه للصف الوطني ، والتصدي لتكتيكه السياسي بخط وطني مستقل ، فان الانفتاح الذي يجب ان يسود في الحقيقة ، هو بين القوى الوطنية والتقدمية المناضلة الذي يوحد بينها هدف إقامة سيادة الشعب ، وتحرير البلاد من السيطرة الأجنبية بكل مظاهرها . لذلك نقول انْ لا اجماع حقيقي غير الاجماع الشعبي حول ضرورة الديمقراطية الحقيقية ، كعنوان لمرحلة التحرر الوطني بكاملها .
ان الديمقراطية اذ تعتبر بهذا المعنى ، معركة شاملة ، فهي تتطلب استعدادا شاملا يدمج كل القطاعات الشعبية ، والتنظيمات التقدمية ، في نضال يومي ، في سبيل إيقاف عدوان النظام المخزني البوليسي على المستضعفين ، إيقاف انتهاك الحقوق الديمقراطية ، انهاء الاعتقال السياسي ، إقرار مواطنة المواطنين ، وبكلمة ، في سبيل مواجهة الحكم الدكتاتوري الطاغي والمستبد .
ان الجبهة الوطنية الديمقراطية ، يجب ان تكون تجسيدا متكتلا لهذا التطلع الديمقراطي ، واطارا وحدويا لتحقيقه من خلال :
-- تكثيف الدعاية للمفهوم التقدمي الحقيقي للديمقراطية .
-- الجواب على الوضع القائم حاليا ، لتعميق القطيعة مع الطبقة السائدة ، والنضال ضدها في كل الواجهات السياسية والنقابية والثقافية .
-- تنمية وتطوير الفرز الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي على طريق بلورة الأداة الثورية من قلب الجماهير ومن قلب الشعب عندما سينزل الى الشارع عند حصول الفراغ الكبير في الحكم .
ان تعميق التوجه الوحدوي على أساس هذه المهام ، هو الكفيل بتوفير شروط العمل الجبهوي المنتظر مستقبلا من وسط الشعب ، وشق الطريق نحو بناء الجبهة الوطنية العريضة ، كهدف ثابت وبُعْد استراتيجي للممارسة السياسية الآنية .
والخلاصة هي ان القضية الديمقراطية ، شكلت ولا تزال ، محور الصراع في مجتمعنا ، وستظل كذلك ، لغاية حل التناقض الرئيسي في البلاد ، وفرض السلطة الوطنية الديمقراطية .
ان المعركة الديمقراطية بهذا المفهوم ، معركة دائمة ومستمرة ، ولا يمكن اختزالها في لعبة انتخابوية فوقية . انها معركة شاملة غايتها الاسمى إقرار سلطة الشعب بتصفية سيطرة الطبقة السائدة التي تقف عائقا في وجه التحرر الوطني الديمقراطي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجهز لنا أكلة أوزبكية المنتو الكذاب مع


.. غزة : هل تتوفر ضمانات الهدنة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. انهيار جبلي في منطقة رامبان في إقليم كشمير بالهند #سوشال_سكا


.. الصين تصعّد.. ميزانية عسكرية خيالية بوجه أميركا| #التاسعة




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الدفاع المدني بغزة: أكثر من 10 آلا