الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربات في المشهد السياسي لأزمات المنطقة

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2023 / 11 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


أزمات الشرق الأوسط وأوكرانيا تتطلب بالضرورة تدويلا في مجلس الامن وأسلوب اتخاذ القرارات فيه وبالمجمل هيكلة المنظمة الأممية التي تكشف عجزها وضآلة دورها تجاه ازمة غزة والحرب العدوانية عليها . وقد كتبت سابقا عدة مقالات ادعو فيها الى أهمية تعدد الأقطاب في النظام الدولي وعدم انفراد قطب بادارة العلاقات الدولية وفق مصالحه ورغباته بل ونزقه السياسي ..وان على دول العالم الثالث السعي نحو دعم تبلور اقطاب جديدة ودعم فاعلية الصين وروسيا تحديدا لما من شأنه الإسراع بتعدد الاقطاع وظهورها في المسار السياسي الدولي ..
فانفراد أمريكا كوسيط بين اسرائل والفسطينين (او بين العرب وإسرائيل ) لم يترتب عليه أي جدية في التعامل كوسيط ولا كمهتم بالازمة المستمرة منذ اكثر من نصف قرن فهو طرف داعم ومنحاز لإسرائيل التي تعتبر لامريكا والغرب مشروع سياسي اقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وهي فكرة رئيسية تبلورت في ذهن الحكومات الغربية منذ مرحلة ماقبل الحرب العالمية الثانية وتزايد حضورها والاهتمام بها بعد الحرب وما احدثته من متغيرات واحداث ومآسي .
واذا كان الغرب مستمر في دعم إسرائيل طول اكثر من قرن كامل من بداية التفكير في المشروع واعلانه ثم استمراريته فان العرب على العكس من الغرب تضاءل دعمهم واهتمامهم بالقضية الفلسطينية تباعا ففي حين كان الاهتمام بها عاليا في خمسينات وستينات القرن الماضي خفت تدريجيا الاهتمام بها مع نهاية السبعينات وحقبة الثمانينات ثم خفت اكثر مع تسعينات القرن الماضي مرورا بتعدد الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل وتحول الخطاب الذي كان يجعل من القضية الفسطينية مرتكز له الى الحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدلا من القول الصراع العربي الإسرائيلي ..ومع متغيرات عدة جرت في المنطقة خلال الحقبة الراهنة وانهيار عدد من الدول وفق احداث داخلية وتدخلات خارجية ومتغيرات داخل الصف الفلسطيني وتزيد الخلاقات والانقسامات بين الفصائل والجماعات وتعدد مرجعياتها وارتباطاتها الخارجية كان انفراد حماس بقطاع غزة والسلطة في الضفة الغربية .. وهذه الأخيرة (حماس) غير مرحب بها من إسرائيل وبعض دول المنطقة وفق مرجعيتها وتحالفاتها الجديدة إقليميا مع انها فازت في الانتخابات ولديها جمهور كبير مؤيد ومناصر .
في هذا السياق يمكن الإشارة الى تدخلات قسمت الفصائل الى محاور إقليمية حيث تمكنت ايران من التغلغل في عواصم عربية عدة وكيانات متعددة تابعة لها ولمحورها منها حماس ..وللعلم ايران لها أهدافها الخاصة وفق استراتيجيتها ببناء دولة كبيرة فاعلة تجدد مجد الإمبراطورية الفارسية وترى في تمددها داخل عواصم عربية وفاعلية جماعات ومليشيات تلتزم بخطها مددا لها في مسارها السياسي الإقليمي ضمن مشروعها ، ولهذا فايران تكسب من الصراع الراهن في غزة سياسيا في تفاوضها مع أمريكا .. وتركيا التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تعلي من خطابها السياسي الموجه للداخل التركي كورقة انتخابية ومؤيديها في عموم المنطقة من أحزاب وجماعات تلتقي مع حزب اردوغان في المرجعية الفكرية ..في هذا السياق تقف السلطة الفلسطينية بجمود دون مقاربات تجدد معها أساليب العمل السياسي داخليا ودون تطوير علاقاتها الخارجية او كسب تاييد رسمي وحزبي أيضا ...
مايؤكد مانذهب اليه مايحدث الان في غزة مقابل مواقف تنديد والشعور بالقلق من الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والمنظمة الأممية وليس هناك في مجلس الامن صوت واحد يدعم بقوة الحق الفلسطيني كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي سابقا خاصة عندما اقر ودعم مساواة الصهيونية بالعنصرية الذي تم التراجع عنه بتاييد امريكي عقب انهيار الاتحاد السوفييتي ..
الاحداث الراهنة في أوكرانيا وغزة وغيرها تتطلب وفق منطق الحاجة والضرورة تغيير في النظام الدولي وتركيباته التي تشكلت عقب الحرب العالمية الثانية واستمر بصفاته وفق انفراد أمريكا بإدارة النظام الدولي كشرطي حارس للمصالح الامريكية والغربية دون سواها وحان الوقت لاحداث تغييرات في مجلس الامن وتوسيعه ليمثل القارات كلها وفق الحجم الديموجرافي والقوة الاقتصادية وتعزيز فاعلية المنظمة الأممية وفق محددات موضوعية لاتجعلها أسيرة لدولة واحدة او لتحالف سياسي واحد . انفراد أمريكا بإدارة العالم تشكلت معه بؤر نزاع في مناطق عدة وتزايدت الازمات والحروب الاهلية من هنا تكون الدعوة لنظام دولي جديد امر هام بالنسبة لدول العالم الثالث ومنه منطقتنا العربية .
الجدير بالذكر ان للعرب أوراق سياسية واقتصادية مهمة يمكن استخدامها للضغط على أمريكا والاتحاد الأوربي لكن أيا منها لايستخدم ولا تتم الاشارة حتى الى ممكنات استخدامها .. وتبقى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني العربية تعلن الدعم والتاييد للفلسطينين بنزعة عاطفية ليس الا دون أدوار فاعلية داخل الشارع العربي او بالتنسيق مع مثيلاتها داخل الشارع الغربي .. مجمل القول ان الدعم الرسمي غربيا وامريكيا يشجع إسرائيل في عدوانها نحو غزة والتمادي في ذلك وهو امر اظهر تحولا كبيرا في الشارع الغربي مطالبا بوقف اطلاقا النار فورا ومنددا بما تقترفه إسرائيل بحق الفسطينيين ..
في هذا السياق يبدو ان مستقبل قطاع غزة غامض وملتبس وان عودته كما كان قبل السابع من أكتوبر امر مشكوك به ، وان خروج القوات الإسرائيلية كلها او بعضها سيأخذ وقتا طويلا ، وخلق استقرار في القطاع قد يتطلب حضور قوات اجنبية او شرق أوسطية مما يخل باستقلال القطاع .. وممكنات الحل الاخر تتمثل في اجراء انتخابات تشريعية للمجلس الوطني الفلسطيني مع انتخاب رئيس جديد للسلطة الفلسطينية التي تتولى وفق هذا التغيير إدارة القطاع باعتباره جزء من كيان السلطة وسيادتها الجغرافية والسياسية وبالتاكيد سيتفهم الرئيس وكلك أعضاء البرلمان المنتخب بعض الملاحظات الدولية والإقليمية في هذا الشأن .
والمؤكد أيضا انه بدلا من ان تؤدي الاحداث الى مقاربة دولية للحل النهائي للقضية الفلسطينية وفق حل الدولتين فان الإشارات في هذا الجانب محدودة وغامضة ولايركن اليها لتكون مؤشر إيجابي يخلق املا بالحل النهائي خاصة وان التطبيع العربي مستمر وتزداد الدول العربية جريا في هذا المسار وهو مايعتبر خصما من دعم القضية الفلسطينية زد على ذلك ان كثير من حقوق الفلسطينين مث حق العودة لم يعد محل اهتمام لدى أمريكا وحلفائها وهو أصلا محل رفض وعدم اهتمام من قبل إسرائيل وبالتالي فان اكثر الحلول السياسية لا تتضمن سوى الإقرار بسلطة منزوعة السلاح غير محددة المعالم في جغرافيتها لان إسرائيل لاتملك حدود جغرافية واضحة ومحددة بل نهجها التوسع المستمر خصما من الأراضي الفلسطينية .
نحن نعيش في واقع إقليمي ودولي ملتهب وفق أزمات متعددة ومعه تطرح مشاريع سياسية ومنظورات استراتيجية تستهدف إعادة توظيف وهندسة للجغرافيا الأوسطية وفق ابعاد استراتيجية ، منها مايخدم مشروع الحزام والطريق الصيني والمدعوم من روسيا ، ومنها مايخدم المشروع الأمريكي المناهض للصين ومشروعها ومدعوم اوربيا ومن بعض دول الإقليم ..ومعنى ذلك اننا إزاء تغييرات جيولوتيكس تستهدف منطقة الشرق الأوسط كما تستهدف الدول التي استقلت من الاتحاد السوفيتي (شرق اوربا ) وجميعها تدخل في المخطط الأمريكي واستراتيجيته المواجهة للرؤية والاستراتيجية الصينية والروسية ..
وحدهم العرب دون مشروع او استراتيجية تحدد افاق مستقبل منطقتهم وكيفية ضمان امنها واستقلالها خلال السنوات العشرين القادمة ، وحتى خلق توازن بين العرب وجيرانهم الذين يتمددون داخل حدودهم امر غير واضح في أساليب التعامل معه او مواجهته . أخير يمكن القول ان منطقة الشرق الأوسط لن تعرف الاستقرار في المدى المنظور حيث الرؤية الامريكية ومعها حلف الناتو تتضمن مزيد من الفوضى السياسية والأمنية في المنطقة وانهم غير مستعجلين للحلول السياسية سواء في سوريا او ليبيا او اليمن او السودان وحتى لبنان أيضا ،، من هنا يكون على النخب السياسية المحلية إدارك مخاطر عدم الاستقرار والفوضى السياسية في بلادها ومنطقتها ، وادراك مغازي القوى العالمية التي تبحث عن مصالحها فقط دون اهتمام لمصالح الشعوب الأخرى ،، وبالنتالي عليها واجب التفكير الإبداعي نحو مجتمعاتها ووضع الإجراءات والحلول المناسبة ولو مرحليا حتى تتمكن مجتمعاتهم من عبور نفق الازمات الى فضاء تتسع معه ممكنات الحياة السياسية والاقتصادية وحماية السيادة الوطنية ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف