الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب غزة والنهايات السعيدة: عجز القوة وانتصار الضعيف

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 11 / 19
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


يوما بعد يوم تتأكد العديد من المقاربات تجاه العملية العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال في قطاع غزة، ويصير واضحا للعيان أن "إسرائيل" تنجح فقط في عمليات القصف من بعيد التي تقوم بها في نوع من التعويض النفسي للهزيمة والصدمة التي تسبب فيها عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر الماضي، ويبدو دليا ما يمكن تسميته بـ"عجز القوة" وفشلها في مقابل صمود "الضعيف" وقوته وانتصاره.
وهنا لابد من الرجوع للعقيدة العسكرية الخاصة بقوات الاحتلال عبر تاريخه في المنطقة والحروب التي خاضها والعمليات العسركية التي قام بها.. سنجد أنه قامت عقيدته على أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ونظرية الذراع الطويلة التي يمكن أن تضرب على مدى واسع من العراق (ضرب المفاعل النووي عام 1981م) إلى تونس (ضرب مقر منظمة التحرير عام 1985م).
وأنه الجيش الذي يمكن له أن ينقل المعركة إلى أرض العدو كما فعل في حرب لبنان، وفي حرب عام 1967م، لكن الحقيقة المرة أن جنود الاحتلال القادمون من شتى بقاع الأرض ليسوا بمثل هذه السمعة عند القتال وجها إلى وجه! وهو ما حدث عند بدء الاجتياح البري لقطاع غزة بعد عملية تمهيد نيراني كثيف يدعمه مدد من الذخائر الحديثة لا ينقطع من أمريكا، وللمرة الأولى تجد قوات الاحتلال نفسها أمام قوات فدائية تتسم بالبسالة وحسن التدريب والرغبة في التضحية بالنفس، وتجد نفسها أمام حرب مدن وشوارع، لم تستطع التكنولوجيا والأسوار والتحصينات أن تنفعها فيها.
وحدث ما يشبه عملية "عجز" للقوة وفشلها على الجانب الصهيوني، و"انتصار" للضعيف والإمكانات البسيطة وبسالة أفراد المقاومة الفلسطينية، خاصة مع العمليات المصورة التي كان يبثها رجال المقاومة الفلسطينية لتدمير الدبابات والآليات وقنص جنود الاحتلال، مما زاد من الأزمة النفسية وعمق جراح قوات الاحتلال وزادها تخبطا، خاصة حينما استهدفت المستشفيات المدنية، وعندما اقتحمت مستشفى الشفاء بحجة أن حماس والمقاومة الفلسطينية تستخدمه استخداما عسكريا، وكم كانت فضيحتها مدوية حينما لم تجد بالمستشفى ما يثبت صحت ادعائها.
وفوجئت إسرائيل بمدى فاعلية التصنيع المحلي الفلسطيني للقذائف المضادة للآليات "ياسين 105"، كما عجزت عن تحييد عمليات الرشق الصاروخي التي تنفذها المقاومة الفلسطينية، وأدهشتها عمليات المقاومة التي تتم من المسافة صفر وتفجير الآليات عبر جنود أشباح يخرجون من باطن الأرض ويعودون إليها دون أثر، وأصبحت أنفاق غزة لغزا غير قابل للحل، فهي كانت الحل الفلسطيني المناسب بسبب غياب الطبيعة الجبلية الحاضنة للمقاومة، وتتحدث المصادر عن امتداد هذه الأنفاق لأكثر من 500 كم تحت الأرض.
لتجد قوات الاحتلال نفسها عاجزة عن تحقيق أهدافها وفشلت القوة المزعومة لجيش الاحتلال، وفشلت عمليات إزاحة الفلسطينيين إلى جنوب القطاع، كما أن سياسة الأحزمة النارية الكانسة لن تكون بديلا أبدا عن الحرب البرية والمواجهات الفردية بين رجال المقاومة وجنود جيش الاحتلال، وكذلك استطاع الفلسطينيون الصمود ضد سياسة الحصار والتجويع لحد بعيد، رغم سياسة القتل الجماعي وتعطيل المستشفيات ومنع الوقود وقطع الاتصالات، لقد جربت قوات الاحتلال كل ما في جعبتها من أسلحة وخطط وعتاد وسيناريوهات ولم تفلح في الانتصار لا على الجغرافيا الفلسطينية في غزة ولا على الثقافة الفلسطينية وتكسر إرادتها، لتؤكد الجيوثقافية الفلسطينية على قدرتها على كسر كل معادلات الجيوسياسية التقليدية.
ويأتي تصريح الوزير "الإسرائيلي" باستخدام السلاح النووي وضرب غزة به في سياق العجز والإحباط والرغبة في الشعور بالتفوق ووهم شخصية السوبرمان الإرث التوراتي القديم والإرث الغربي الحديث الخاص بالمسألة الأوربية ومركزيتها، هو تصريح يعبر عن ”فشل القوة” وعجز آلة الحرب التي تم الترويج لها وعنها بأنها من أقوى الجيوش في العالم، وأقوى أجهزة المخابرات، فلقد كشفت عملية طوفان الأقصى زيف كل هذه الدعايات الزائفة.
هذه ليست حربا متكافئة بالمعنى المتعارف عليه بين جيشين نظاميين، لهما العتاد والتسليح نفسه، لكن رغم ذلك تراجع قوات الاحتلال في عمليات التوغل البري والخسائر التي يصاب بها والروح الفدائية العالية لدى رجال المقاومة وعملياتهم المصورة؛ تصيبه بالجنون وتضع آلة الدعاية والبروباجندا السياسية في مأزق شديد للغاية، خاصة في ظل بعض التقارير التي تحدثت عن وجود مرتزقة أجانب يقاتل في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي!
جاءت لكن العملية العسكرية جاءت في توقيت صعب للغاية لتكسر توزان القوى الإقليمية والدولية، وهناك مرحلة كان لابد أن تستمر فيها العمليات حتى يستوعب النظام العالمي والإقليمي صدمة طوفان الأقصى، ويجد لها مخرجا وفق توزان القوى الدولية والإقليمية..
وهذا الاستيعاب الدولي والإقليمي وكي نجني ثمار الصمود الأسطوري الفلسطيني الباسل، وحتى يصب في صالح الذت العربية والرواية الفلسطينية العادلة، سيعتمد على شيئين لا ثالث لهما، الأول قدرة العرب (من خلال الفلسطينيين) على تقديم رواية عالمية تفكك رواية الاحتلال لما حدث في يوم 7 أكتوبر بوصفه مذبحة تخرق حقوق الإنسان، لا بوصفه الحقيقي باعتباره عملية عسكرية ناجحة بكل المقاييس، والثاني قدرة العرب على تجاوز التناقضات الراهنة وبناء توافق داخلي، وإسلامي، ثم عالمي يضغط على أمريكا وحلفائها، حول "بيان سياسي" لتصور الدولة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة، بما يجعل تضحيات الشعب الفلسطيني الغالية لا تضيع هباءا.. وذلك أمانة في أعناق الرجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران