الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم يهتم بأمرهما أحد الدزء الثالث

رياض رمزي

2023 / 11 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الثالث. لم يهتم بأمرهما أحد. رياض رمزي
جلس الفتى يحيى، ابن صابر ورقية، حول طاولة عليها لافتة تقول" الانتصارات تُستولد كالخيول الأصيلة". بدأت حادثة الطرد كما روتها له أمه تواصل الظهور على شاشة على شكل كتاب لم تتعرض أوراقه إلى التلف. من طرده كان يحسب أنها أفكار سيولي زمنها، تتلف، ثم تُرمى وتسحب عليها مياه السيفون. عندما راودته خشية من نسيان ماحدث لهما قالت له أمه" يا يحيى الجبال ليست غير طين قرر الانتفاع من شمس حولته إلى صخر لا يتزحزح". سمع والده قول أمه فأثنى على ما قالت، ثم قال له" أنظر إلى صفوف النخيل المتراصة ستجد كيف تقف متضامنة بوجه شراسة العواصف. يا يحيى نحن كالسجاد يحتاج للضرب بين زمن وآخر كي يتخلص مما علق به من غبار".
الأم والأب ينظران إلى يحيى مثل فلاح ينتظر حصاد زرعه. رأى الأمطار تجيء مبكرة في أوكتوبر قبل موعدها كأنها تمد لسانها هزءا بتجار يُسمنون أنفسهم بارتفاع ثمن الغلة كي يحققوا أرباحا من مجاعة منتظرة. كان الفلاح وزوجته الفلاحة ينظران لسنابل القمح مثل غزلان وديعة ينتظران منها عيشا إضافيا كي تتحول السنابل إلى رغيف قربان لسكنة المزرعة. الذئاب طرحت الغزلان الوديعة أرضا غير مكترثة بفلاحيْن تفاقمت شهيتهما وهما ينتظران. كانا أشبه بصيادين قرب البحر ينتظران وجبة هنيئة، لكن أسماك القرش جعلت وجود الأسماك خطرا. عاش يحيى وهو يرى أمامه لافتة تحذره" احذر أسماك القرش". أحالت أسماك القرش المياه رغوة تعتلي على أمواج عملاقة كي يدفعا الفلاحين وأبنهما بعيدا عن ساحل بحرهم. ما لم تدركه أسماك القرش أن الرياح والتيارات لن تغير مكان بحر غزة. احتفظ البحر بأقدام أثار الوالدين على رمل الشاطئ، الرياح لم تتمكن من إزالتهما، فهي احتمت بالرمال كملجأ. ثم جاء يوم لم تنل من جماله لا أمواج ولا غيمات تجمعت ففاضت على الرمال التي صار لوناه مثل مخطوط قديم يحكي مواضيع ملحمية ظلت شاخصة لم تندرس. برغم قوة الرياح لم تطبق الأمواج عليها ولم تحوّل القوارب الماخرة عباب بحرها إلى خشب متخلّع. مركب لم تضع الأمواج يدها عليه، لأنه كان مشغولا بمقاومة بلايا كان عليه أن يحافظ على هيكل كان يحيى يتنقل في أرجائه برغم عسف الرياح، كمن ينتظر وعدا تقتضيه ضرورة بقاء المركب في البحر كي يحط على الشاطئ ويدوس على خط أحمر محظور عليه تجاوزه، وحتى الاقتراب والوقوف بعيدا عنه. كان الفتى يتخيل الشاطئ البعيد كبيت أبيه الذي لم يره ولكنه سمع وصفا له من أمه، التي صورته له بزرقة معدن لم تنس ذاكرتها آخر عهد لماء سقته به. غضب الأب غضبة فلاح شاهد أرضه وقد عمها الجفاف. قالت له رقية " أنت لست أشد حرصا على الأرض من خالقها". ذكّرته بقتل سبط الرسول قائلة "هل كان الشمر وهو يأوي إلى فراشه ليلة ارتكابه لفعلته الشنيعة بقتل ريحانة رسول الله على دراية أنها قتلةٌ ستزن أطنانا من الآلام ولا يمكن إسقاط ذكراها من التاريخ؟. لمَ لمْ يقل له أحٌد ناصحا: تمهّل يا شمر أليس من الأجدر بك ونحن في بداية مستهل التاريخ أن لا تجعل البشر يفكرون الآن بقرب نهاية العالم؟". لكن الشمر لم يكن يعبأ لأن القتل كان مبيتا ومقصودا، لأنه فعل أراده الله كي يستنفر إرادة خلائقه، ليقتصوا من قتلة ابن سيدة نساء العالمين، عن طريق مفاقمة الرغبة في الثأر بدلا من التمرغ في عطالة التردد عن قتال الظالم. كي يعرف العربي أن القتلة مقصودة كي ينتفض القلب ويصحح أحكامه ولا يلجأ للغوِ على شكل ثرثرة تخرج من الفم وتتساقط كفتاة خبز من فم أدرد.
أوصاف الفتى.
متوسط الطول، شعره أسود مفروق من النصف بقسمة عادلة، يتكلم بصوت منخفض، لوجهه لون حجرة فُخرت بالنار. قادرٌ على شرح أفكاره، لم يكن أحد قادرا على انتزاعه من حزنه، كل فكرة يتبعها دليل على شكل آية، حين يتكلم يرفع قبضة يده. طرْد أمه وأبيه من بيتهما دفعه نحو التأمل. هدفي – كما قال- ليسا الانجرار للانتقام بل فهم ما حدث. فأن كانوا يقولون أنهم شعب الله المختار، فنحن خير أمة أخرجت إلى الناس. قال هل نبدأ فهم أعدائنا من سلوك أنبياء بني إسرائيل؟. حسنا لنبدأ كما قال.
قبل أنبياء بني إسرائيل قرأ ابن صابر ورقية عن نبي عراقي اسمه كلكامش الذي ظل يبحث عن عشبة الخلود، وحين وجدها مسكها بيديه، لأن فكرة الخلود لم تبارح ذهنه ليرتدي بدلة الخالدين طوال الأبدية. ظل ماسكا تلك العشبة ولم يفلتها من يده. حينما سئل عن مدى تعلقه بتلك العشبة قال" هي عدة عملي لست مصلّح عربات ولا صباغ أبنية يتخلون عن عدة عملهم بل من يحتضنوها حتى انتهاء الزمان. أنا مثل عازف العود لن يعدل عن عزمه في احتضان عوده والعزف عليه حتى يموت". حالة شعرية لشاعر يزرع الكلمات كي يكون مرضيا عنه من لغة مقدسة كأنه يسعى أن لا يستثنيه الخالق الذي زرع فيه الإعجاز اللغوي من قائمة مفضليه. مثل بلبل سمح له الخالق بإعجاز تتمنّاه كل الطيور. هي حالة شعرية تنتدب اللغة نفسها له ليقوم باختار الكلمات مثل غواص قضى عمره في قعر المحيطات يبحث عن اللآلئ دون أن تصيبه نزلة برد. كلمات لها معاني بسطت سلطانها عليه أولا ثم على من سمعها، مثل خفق رايات يحملها مجاهدون، يحوزون نظرات قدَرية، خرجوا تحت وقع تلك الكلمات في حرب هدفها إعلاء راية دينهم، يشكونها على قلاع وبروج مشيّدة. كذلك هو حال من يؤمن بأنه يحمل شعلة الخلود يردد سوَرا، مثل فنان لا يحتاج غير ضوء ولون ليرسم لوحته الخالدة. كل فعل يقدم عليه يجبره أن يكون في أعلى جهوزيته ليجتاز امتحان المسؤولية الكبرى المكلف بها. كل فعل يضطلع به يحيله إلى فعل استثنائي، كنسر يعيش على القمم لا يألف غير رائحة الأعالي يتغذى فيها على عشبة الخلود.

عندما تعب الله من الخواء وكان يجلس على عرشه فوق الماء قرر أن يخلق من يؤنسه في وحدته. قضى وقته في خلق جبال وأشجار للزينة وحشائش وبحارا وأنهارا. صمت لحظة ثم ماج حنينه لسماع أصوات تؤنسه في وحدة مملكته الشاسعة، فخلق زهورا تواصل روائحها االتردد عليه، وطيورا ورياحا تعزف له، تشعره بخفق الحب وإعجاز صنيعه. نظر مليا وجد أن ما ينقصه معين لا ينضب من حكايات يحكيها له بشرٌ من صنع يديه. قال كلاما حفظه نبيه " أريد بشرا أباهي بهم الأمم في اليوم الآخٍر". أوقف السيد الرب شطرا من وقته يسعى. استوقفه تفصيل، خالجته فيه فكرة أن يخلق العقل أولا، ثم بشرا يثبّت في رؤوسهم حكايات بما يناسب ذكائهم ومقامهم، في حكاية جوهرها انتصار الرب وجنده على عماء على هيئة تنين مخيف. غاصت يداه عميقا في طين لم تفسده تقلبات طقس نزوية وفجائية، فخلق جنودا من أجل تلك المنازلة الكبر كما في اليوم السابع حيث أراح أعصابه من هموم الخلق، أنهى عمله بتفجّر بلاغي على لسان نبيه يصف فيها المتقين أصحاب محمد" أن للمتقين مفازا،حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأسا دهاقا". ثم يصف وجوههم" وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، لا تسمع فيها لاغية..". سعى أتباع النبي للتشبه بتلك الصفات وتمثّلها كي يكسبوها في سلوكهم وفق مقولة: إن أردت الأبيض عليك أن تتطلع في الأبيض فقط، أن تعيش البياض وجوديا. مقاتل بدر يشبه مقاتل غزة، لأنهم عاشوا المعركة الأولى تمثلوها في كيانهم، وحين حفظوا معانيها وتيقنوا من جدواها وجدوها مزروعة في فيهم. لا يمكن معرفة كيف تحقق الانتصار إن لم تعرف شكل الإيمان لدى من جاد به، ينبع الانتصار من شكل إيمان حامله." حدّد نوع إيمانك كي أحدّد لك نوع انتصار". كذا قال النبي.
لماذا ما زالت بابل حاضرة في التاريخ وستظل حتى يوم يبعثون؟. اشتبك العالم وما يزال يشتبك في عراك وسباب على حدثِ حدث قبل ألاف السنين حين هدم أحد ملوك بابل الهيكل وجلب ألاف الأسرى حيث بدأت صحة العالم في التدهور ولم يعد لديه غير تلك المعركة. قام نبوخذ نصر بهدم الهيكل، ولم ينعم العالم بهدوء حتى يعيدوا بناء الهيكل أو يباد من ينوي ذلك. ما قام به الملك العراقي هو تمريغ أنف أعدائه. العراقي مرّغ أنف أنبياء إسرائيل، بلغت ذروته في فلسطين: في معركة بين من يثأر لحرق الهيكل في مواجهة من هو متهم بحرقه. عادة حرق الهياكل باتت عادة تنافست عليه أممٌ عظيمة بدء من أحشويرش ابن داريوس الذي حرق هياكل روما... معارك جرت في قلب العالم كما القدس اليوم هي مركز العالم. جاء الاسكندر لينتقم من الفرس. عندما وصل قلب آسيا غرز فيها رمحا ليعلن للتاريخ حضوره وليؤكد مطالبه منه كي لا يُنسى. معارك اليوم ليست مزاجا، بل امتثالا لتاريخ لديه ما يقوله بكلام يؤكد وجود حتميات تاريخية. وهي ثارات عبّر عنها القائد الفرنسي عندما وصل لقبر صلاح الدين ورفسه قائلا" قمْ عدنا منتصرين".
لم يتمكن أنياس البطل الطروادي التخلص من ذكريات فظائع معركة طروادة. برغم هروبه واجهته معارك جديدة من رحم المعركة الأولى. حرب طويلة كان عليه خوضها في ايطاليا كي ينجز تكليفا سماويا بإرساء أسس المدينة التي تحولت إلى عاصمة إمبراطورية روما العظيمة. أنه أنياس ابن فينوس الأمير الطروادي الذي فر حاملا والده على ظهره حيث التقى بامه فينوس، كما ابن رقية وصابر، أرسى سفينته في إيطاليا كقدر ليؤسس إمبراطورية بعد أن تزوج خلال عاصفة رعدية.
كلامي ليس ترديد لتاريخ بل هو استبصار، يشبه استبصار موسى حين رأى نارا على جبل حوريب" قال موسى لأهله أني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون".
تعلم ابن رقية أن يعقوب قال أنه رأى أيل على قمة سلم فقال له من المكان العالي، أن ذريته ستصبح أمة قوية. تذكر ما قاله نبيه عن مباهاته الأمم بقومه. قال ابن رقية لنفسه تسمو الأمم بمقدار ما لديها من أنبياء أودعوا كنوزهم في خزائن لغوية جعلتهم يعيشون في طبيعة محكومة بأوامر مقدسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا