الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمال والعنف

كاظم لفته جبر
كاتب وباحث عراقي

(Kadhim Lafta Jabur)

2023 / 11 / 19
الادب والفن


يعبر مفهوم الجمال عن كل ما يوفر الراحة والسرور واللطف في نفس الإنسان ، بعكس مفهوم العنف الذي يمثل سلوك مؤذي للإنسان جسمانيا ونفسيا .كما أنه يمثل اعتقاد ونزوع بشري للدفاع أو التعدي أو التملك .
يرتبط الجمال بالعنف من خلال الألم الذي يحدثه في كل نفس ، ويخضع هذا الترابط لدوافع نفسية ، سواء كانت مرضية أو ترتبط بالإثارة واللذة أو التطهير بحسب ارسطو . لذلك كل عنف ذو معنى ، الا عنف الطبيعة فيكون خللاً في النظام .
فالجمال راحة والعنف ألم ، وترتبط الراحة مع الألم من خلال إشباع اللذات ، والأهواء والرغبات ، فكل رغبة غير محققه تصبح ألما في نفس الإنسان ، وعند إشباعها تتولد الراحة ، لذلك يلجأ أرسطو لوضع نظرية ( الكاثرسيس) التطهير للنفس من خلال مشاهدتها للعنف والرغبات والقتل على خشبة المسرح قديماً ، فينقل الرغبات من ظلمة اللاوعي إلى خشبة المسرح ليكون ظاهراً ومتحققا وتتطهر النفس من ادران انفعالاتها الغير سوية . كما يرتبط الالم بالجمال من خلال الغاية ، فعند المرض يكون الألم منبه للعلة من أجل الصحة ، وعند إجراء العمليات الصحية يكون الألم مفتاحاً ومرحلة من مراحل التشافي ، فكل ألم يدل على وجود الحياة ، فغيابه يكون اما بموت الجسد ، أو المشاعر والأحاسيس . فوجود الألم دليل على إمكانية التعافي .
ويرتبط مفهوم العنف مع الجمال من خلال المرض النفسي ، إذ يجد المريض النفسي ضالته في استخدام العنف اتجاه الآخرين سواء كان جسدياً أو نفسياً حتى يشعر بالراحة. والعكس ممكن أيضا من خلال البعض الذين يميلون للعنف والتمتع به . فالعنف ظاهرة ليست شاذة عن دوافع الإنسان ، بل جزء من حاجات ورغبات النفس المدفونة في صندوق اللاوعي .
فالعنف رغبة ، وقد يصبح حاجة عند ما يستلزم على الإنسان ذلك ، فخريطة اللاوعي تخضع لدوافع ورغبات ، واذا أصبحت الدوافع جزء من حياة الإنسان ، أصبحت حاجات ، فمثلما يكون هناك حاجة للإنسان للجمال ، كذلك تصبح هناك حاجة للألم .
فالجمال والعنف مفاهيم تخضع لبيئة المجتمع وتمظهراته وعاداته وصيرورة الزمان والمكان ، فما كان جميلاً قد يكون عنفاً في مجتمع آخر ، والعكس ايضا ممكن ، أو ما كان عنفاً وقبحا في زمنا ما يكون جميلاً في زمان آخر ، فالجمال والألم مفاهيم يخضعان لمفهوم الصيرورة ( التغيير) بلغة هيرقليطس ، وهذه الصيرورة تتحكم بها طبيعة الإنسان والمجتمع . لذلك تخضع طبيعة هذه المفاهيم لعوامل منها :خارجية منها المجتمع ، والدين ، والاقتصاد ، والسلطة السياسية ، أو داخلية نفسية باطنية ، وهذه العوامل الأولى تكمل معها الأخرى لتنتج لنا إنسان سوي أو غير سوي جمالياً .
فالعنف يتداخل مع الجمال اما ان يكون جزءاً منه ، او نداً له ، ففي الفن يكون جزءاً من رسالة الفن السامية ،لتخليص النفس من اهواءها ورغباتها ، من خلال خلق عالم خيالي موازي لعالمنا على خشبة المسرح والتلفزيون والسينما ، لكون مهمة الفن بحسب الكاتب والروائي الفرنسي (مارسيل بروست ) بأنه خلق لعوالم غير متناهية ، وما هذه العوالم الا عوالم اللاوعي وناسها الرغبات . أما مع الدين فيكون قد يكون على الأغلب نداً له في الجانب المادي ، وجزءاً منه في الجانب الروحي . أما من الناحية السياسية فتعتمد على أيديولوجيا السلطة اما ان تكون دينية فترفض كل أشكال الجمال وتعنفه وتنفيه ، أو مدنية تؤمن بالجمال كجزء من أجزاء المعرفة الإنسانية والحضارية . أما من الناحية الاقتصادية فتكون الثروة أساس للبناء الجمالي وتقبله . أما مع المجتمع فيخضع الجمال للعادات والتقاليد التي يؤمنون بها .
أما من الناحية النفسية فتعتمد بنائها التذوقي بشكل عكسي للعوامل الخارجية ، فما كان مرفوض في الخارج ، فهو مرغوب بالداخل . وهذا سر التداخل بين الجمال والعنف . فالثقافة الجمالية مهمة وأساسية لكل مجتمع يريد بناء ذاته والتقدم لوطنه . وعليه كل مجتمع يرفض الجمال فهو مجتمع معاق ، ومقيد بقيود سلطة القبح والشر التي تستولي على الفرد والمجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو