الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط الغرب الأخلاقي

رياض قاسم حسن العلي

2023 / 11 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


منذ مدة أتابع وبشغف كبير التحولات الأخلاقية في الغرب وخاصة في أوربا والتي هي المحور المركزي للفكر الغربي من ناحية الفلسفة وأنتاج الأفكار ومختلف النزعات ولكن ثمة أشياء أثارت انتباهي منها شيوع وتشجيع المثلية بل عد كل من يقف ضدها بمثابة ضد الطبيعة البشرية وكذلك أن النظرة الغربية المتعالية تجاه الشعوب الأخرى لم تتغير بل تصاعدت وتيرتها وأشياء أخرى كثيرة مما يؤدي إلى اتخاذ أحكام متناقضة إزاء قضايا متشابهة.
ويبدو أن أفكار عصر النهضة والتنوير والحداثة كانت موجهة بالدرجة الأساس إلى الفرد الأوروبي وليس لها أي طابع كوزموبوليتي وبالمناسبة هذه هي نفسها نظرة الدولة الرومانية للشعوب الأخرى ويبدو أنها لم تتغير هذه النظرة إلى اليوم.
وهذا يعني أن كل أفكار الحداثة كانت أفكار ذات طابع محلي موجهة إلى المواطن الأوربي وكانت نتيجة هذه الأفكار (الإنسانية) أن الأوربيين اتجهوا إلى احتلال واستعباد كل شعوب الأرض وسلب ثروات الشعوب وقتل كل من يقف ضدهم بل وصل الأمر إلى الإبادة الجماعية كما حدث في أمريكا الشمالية وأستراليا وأفريقيا.
ففرنسا مثلا التي قدمت نفسها كراعية للديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والعدالة بعد الثورة بنت كل مجدها على استغلال الشعوب الأفريقية وسرقة كل ثرواتها، وما حدث في فترة ديغول ما هو إلا سياسة قبول الأمر الواقع وليس تغييرا في السياسة الفرنسية، وليس غريبا أن أضواء باريس مضاءة بفضل يورانيوم النيجر الذي تسيطر عليه شركة أورانو الفرنسية، وربما الهيمنة الثقافية هي البارزة في الاستعمار الفرنسي من خلال فرنسة المجتمع المستعمر وهو هدف بعيد المدى الغرض منه خلق قبول نفسي للوجود الفرنسي من خلال التشبع بالثقافة واللغة الفرنسيتين وهذا ما نلاحظه بشكل جلي في أفريقيا وجزء من كندا.
والكل يعرف أن سبب تفوق الإنكليز يعود إلى سيطرتهم على الهند وربما تراجع بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية يعود إلى خسارتها لمستعمراتها وخاصة الهند، والإنكليز حينما يغادرون يتركون ورائهم وسائل للسيطرة منها زرع بذور الفتنة والانشقاق وكذلك رجال يدينون بالولاء للغرب وهذا واضحا في أغلب الدول التي كانت تابعة للتاج البريطاني في مرحلة الاستقلال الوطني (الشكلي) بل إن بعض الدول ما زالت تابعة لهذا التاج لحد الآن وهي الدول التي تعرف بالكومنولث، وكل دول الخليج هي الآن خاضعة للنفوذ الغربي بل إن حكامها تحت حماية الغرب ومتى ترفع هذه الحماية عنهم ترهم يسقطون كقطع الدومينو، ربما الإنكليز كانوا أكثر من غيرهم في إدخال مظاهر الحداثة في مستعمراتهم ولكن هذا محكوم بالنزعة الاستعمارية نفسها ولا يخرج منها، فهم يريدون الهيمنة الحضارية بنفس قدر الهيمنة الاقتصادية التي هي الحالة المركزية لكل تحرك استعماري.
واذا كنا يمكن فهم ان النزعات ذات الطابع الشاذ لها واقع محلي اوربي فكيف يمكن فهم ان الكثير من شعوب العالم مازالت تحت الهيمنة الانكلوسكسكونية لحد الأن بحيث يتاح لهذه الدول ان تتدخل عسكرياً في أي دولة وبذرائع شتى والغطاء القانوني لذلك التدخل هو مجلس الأمن المكون اساساً من الفائزين بحرب اندلعت في الغرب والتي مثلت أكبر سقوط اخلاقي له.
فالعالم الذي رفض تدخل روسيا في أوكرانيا هو نفسه الذي شجع أسرائيل منذ نشوئها على قمع السكان المحليين فالكيل بمكيالين هو الظاهرة الواضحة في السياسة والفكر الغربي.
ومن الأمثلة الأخرى على سقوط الغرب الأخلاقي هو الهيمنة الثقافية من خلال بث النظريات المختلفة وشكل الحكم السياسي والنظريات الأكاديمية والفلسفية وجعل الثقافة الغربية هي الأساس والمركز وماعداها مجرد هوامش تدور في فلك المتن الغربي، فغير مسموحا لأي نظرية تظهر خارج هذا المتن وحتى لو ظهرت فإنها تقمع بواسطة أدوات الهيمنة والسطوة وبالقوة غالبا، وتتجلى الهيمنة والسطوة الثقافية في الوقت الحاضر بوسائل التواصل الاجتماعي والمحكومة بضوابط ومعايير غربية بالدرجة الأولى من خلال خوارزميات تمنع الرأي الأخر، ويمكن قراءة كتاب (من يدفع للزمار) للباحثة البريطانية ف. س. سوندرز والذي بينت فيه الجانب المظلم من تاريخ أميركا الثقافي معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية، وفحص عدد كبير من الوثائق الرسمية التي أفرج عنها مؤخرا.
بل إن ما يدور في أذهان البعض حول نظرية المؤامرة يمكن فهمه بشكل واضح من عدم استعداد الغرب لرؤية أي شعب من شعوب العالم ينجح في التقدم الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي، فعلا سبيل المثال نجد أن العراق في السبعينيات استطاع أن يحقق الكثير من المنجزات وثمة تقرير ذكر أن العراق من الناحية الاقتصادية وبفعل ما يمتلكه من ثروة بشرية ومالية كان يتقدم على الكثير من الدول الأوروبية ومنها أسبانيا واليونان في مجالات التعليم والصحة، فكيف يمكن كبح جماح هذا التقدم؟ من خلال تسليط شخص سايكوباثي ديكتاتور يقمع شعبه ويدخله في حروب وصراعات فكان ما أراده الغرب بالضبط من تحطيم البنية التحتية للعراق وكسر الشخصية العراقية وفي النهاية كان لا بد من السيطرة المباشرة وجعله أضعف دول العالم.
ومن تجليات نظرية المؤامرة هو دور الغرب في إنشاء الجماعات الإسلامية المتشددة ومساعدتها في السيطرة على عقول المواطنين وبالتالي تقديم نموذج غير صحيح للدين ومن ثم التدخل المباشر من قبل الغرب في مساعدة تلك الدول أو التدخل العسكري للقضاء على تلك الجماعات ثم خلق جماعات أخرى وهكذا.
وعلى الرغم من التفوق الاقتصادي الصيني مثلا إلا أن هذا التقدم مرهون هو الآخر بالمركزية النقدية الغربية وما حدث لشركة هواري الصينية في عهد ترامب خير دليل على ذلك، لكن هل يمكن لمنظمة بريكس أن تتحدى هيمنة أوربا والولايات المتحدة على الحركة الاقتصادية العالمية؟
فمن المعروف أن أوربا وبعد الأزمات الكثيرة التي عانت منها لم تعد نفسها أوربا القرن العشرين ومما هو واضح أن الولايات المتحدة هي السبب في تباطؤ الاقتصاد الأوربي فبريطانيا مثلا تمر هذه الأيام بأسوأ حالاتها، لذا فأنه يمكن لبريكس أن تحطم الهيمنة الغربية على المدى البعيد لكننا هنا سنكون أمام هيمنة جديدة تقودها الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
يبدو اننا بحاجة ماسة الى أعادة قراءة كتاب ( تدهور الحضارة الغربية ) لشبينغلر.
-------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان