الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المسألةاليهودية بين الفكرة الدينية والقومية
حاتم استانبولي
2023 / 11 / 19مواضيع وابحاث سياسية
المسألة اليهودية بين الفكرة الدينية والقومية
الفكرة هي العامل المتغير والإنسان هو العامل الثابت في إطار العلاقة بين الفكرة والإنسان لذلك حدث عبر التاريخ الإنساني انتهاء أفكار وعقائد وظهور أفكار وعقائد جديدة للمجموعات البشرية التي عاشت في ذات المكان عبر الزمان.
القومية كمفهوم تحمل في إطارها إمكانية تعدد الأديان ولكن لا يمكن للدين وحده أن يكون شرطا للمفهوم القومي.
القومية كمفهوم عصري تحولت من شعور إلى واقع نتيجة لمتطلبات تصاعد التنافس الرأسمالي بين البرجوازيات الأوروبية في مرحلة انتقال أوروبا من المرحلة الاقطاعية الى المرحلة الرأسمالية التي فرضت ضرورة ظهور الدولة القومية للحفاظ على المصالح البرجوازيات الوطنية التي تطلبت تحديد إطارا قانونيا (الدولة) للتبادل السلعي في حدود ارتفاع وتيرة الإنتاج الصناعي ما بعد الثورة الصناعية.
التطور الرأسمالي فرض متطلبات اجتماعية تخفف من التوترات الداخلية في إطار المفهوم الجديد للدولة القومية التي تعتمد على أساس المواطنة التي فرضت واقع جديد تُوَظَف فيه الهوية الدينية لصالح الهوية القومية.
في منطقتنا العربية الشعور القومي تحول إلى واقع ملموس من خلال الهوية الدينية التي فرضت اللغة العربية والشرائع الدينية الإسلامية على الفئات الاجتماعية المختلفة.
كان هناك علاقة متبادلة ما بين الشعور القومي العربي والدين الإسلامي.
الآية الثانية في سورة يوسف التي ورد فيها (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) أعطت اللغة العربية وحامليها وحاضنها قوة إلهية جعلتها اللغة السائدة في حدود الدولة الإسلامية المترامية الأطراف وأعطت قوة لمراكزها ما بين المدينة المنورة ودمشق وبغداد .
عندما انتقلت الخلافة إلى القسطنطينية ظهر التعارض ما بين الشعور (القبلي) القومي العربي وشكل الحكم الإسلامي.
عبر الزمان فقد المسلمون العرب تدريجيا مركز قوتهم في نواة الخلافة الحاكمة مما وسع التعارض ما بين الشعور (القبلي) القومي والديني ليتحول إلى صراع أدى إلى تقويض أُسس الخلافة الإسلامية.
الشعور القومي( القبلي) العربي ارتفعت وتيرته طردا مع التوسع الإسلامي الذي فرض لغة القرآن كلغة رسمية سائدة غيبت العديد من اللغات والثقافات في مناطق نفوذها واقتصر التصنيف بين الفئات الاجتماعية على أساس الدين خُيِرَ أهل الكتاب من يهود ونصارى فمنهم من أسلم ومنهم من بقي على دينه.
القبائل اليهودية التي كانت منتشرة في اليمن والجزيرة العربية هي قبائل عربية كانت عقيدتها اليهودية والقبائل المسيحية كانت قبائل عربية عقيدتها المسيحية وجاء الإسلام وتبنت بعض القبائل العربية الديانة الإسلامية فمنها من كان يهوديا أو مسيحيا وتحول إلى الإسلام ومنها من بقي على دينه.
الإسلام كدين طرح منظومة من القيم والأعراف السياسية والاجتماعية حاكت المشكلات القائمة وكانت ارضية لبناء قيم عامة ناظمها اسس الدين الاسلامي الذي أذاب الفروقات العرقية في المفهوم الشامل للدين الإسلامي .
الإسلام كعقيدة كان مؤهلا أن ينتج نظاما سياسيا حاضنته القبائل العربية وصارع الامبراطوريات المحيطة في أوطان القبائل العربية التي كانت تتحرك ما بين اليمن مرورا بالجزيرة العربية الى بلاد الشام وانتشرت بعد الفتح الاسلامي الى شمال افريقيا التي كان يسكن معظمها القبائل الأمازيغية البربرية التي تبنت العقيدة الاسلامية واندمجت في ثقافتها تأثرت وأثرت بها .
مارست القبائل العربية اليهودية دورا وظيفيا القبائل مركبا متعدد الأوجه تبعا لعناصر القوة والضعف فهي لم تدخل في صراع مع الإسلام بل رضخت وتعاونت معه في مراحل ذروته وعملت على تقويضه في مراحل تراجعه.
ما قبل أن تصبح الفكرة القومية ضرورة رأسمالية لرسم حدود إطار السوق الرأسمالية الوطنية كانت الفكرة الدينية هي التي تحدد الفواصل ما بين المجموعات العرقية التي كان الدين يجمعها في حدود النفوذ السياسي في الممالك والإمبراطوريات في ظل سيادة العلاقات الإقطاعية كان للكنيسة دورا رئيسا في الحياة السياسية للمجتمعات.
القبائل اليهودية بحكم وظيفتها السوقية الرئيسية التي كانت تستفيد من البنية الهشة للمجتمعات التي كانت تسمح لها في ممارسة دور الممول من خلال عملية ربوية جعلتهم بنظر المجتمعات الاوروبية مسؤولين عن فقرهم ومصادرة أملاكهم. القبائل اليهودية لحماية وظيفتها كانت دائما تميل هذه القبائل الى التحالف مع النظم السياسية الحاكمة وتستمد منهم الحماية من خلال تشريعات (مواثيق هنري الرابع لحماية المكتسبات اليهودية في الإمبراطورية الكارولنجية عام ١٠٩٠) تحفظ وتحمي دورهم الوظيفي. أما فردريك الأول أصدر ميثاقا عام ١١٥٧ استخدم فيه مصطلح اقنان البلاط كوصف للجماعات اليهودية ليعطيهم حماية السلطة الملكية.
كان إعلان قانون نابليون بونابارت المدني (1804) حدثا تاريخيا مفصليا.
هذا القانون الذي حدد الإطار القانوني للدولة الفرنسية واعتبر المواطنة هي أساس الهوية الوطنية بغض النظر عن الهوية الدينية.
معظم القبائل اليهودية إختارت المواطنة والاندماج في المجتمعات الأوروبية.
بعد الحروب القومية الأوروبية رُسِمَت الحدود القومية للدول( البرجوازية) القومية الحديثة التي حاصرت الفكرة الدينية في إطار دورها الوظيفي الأخلاقي بدون اي دور سياسي في الدولة القومية الحديثة وتم التوافق مع البابوية على إقامة دولة الفاتيكان.
القبائل اليهودية اندمجت في المجتمعات المدنية الأوروبية وطورت من منظومتها المالية وقوننة العملية الرَبَوية في إطار النظام المالي البنكي الجديد في النمسا في عهد فردريك الثاني عام ١٢٤٤ اقر النظام الضريبي يوضح فيه الفوائد على القروض تمنح بضمان الرُهونات التي تمنح المرابي الاستيلاء على الممتلكات المرهونة في حال لم يتمكن المدين من تسديد دينه. دور المرابي الذي لعبه اليهود بحماية السلطة الحاكمة كانت سببا رئيسيا لظهور تهمة الدم في إشارة امتصاص دم الشعب.
اليهود عبر التاريخ بكل طوائفهم الشرقية والغربية كانوا مندمجين في المجتمعات التي كانت تحتضنهم وكانوا دائما يجدوا رعاية خاصة من الحكام والملوك والامبراطوريات كما إحتُضِنوا ومارسوا حقوقهم في ظل الحكم الإسلامي ولقوا من ساعدهم (يهود السفارديم ) وأرسل لهم الأسطول العثماني البحري لنقلهم من إسبانيا إلى الدولة أراضي العثمانية عام ١٤٩٢ عندما تم نفيهم من الأندلس بعد انتهاء الحكم الإسلامي في الأندلس بتهمة مساعدة المسلمين.
كل الوقائع التاريخية تؤكد أن اليهود لم يكونوا يعانون من اضطهاد بسبب كونهم يهود إنما كان اليهود الفقراء والعامة يعانون من دور أغنيائهم (المرابون) الذين كانوا دائما يتحالفون مع النظم الحاكمة ضد شعوبهم.
في مرحلة انتقال الرأسمالية الى مرحلتها الامبريالية ظهرت ضرورة للاستيلاء على مصادر الطاقة التي كانت بوادرها قد ظهرت في العراق والجزيرة العربية مما يتطلب عقد مؤتمر دعا له رئيس وزراء بريطانيا عام ١٩٠٧ Henry campbell- Bannerman التوصية التي خرجت من المؤتمر أن شعوب جنوب البحر المتوسط تشكل خطرا مستقبليا على الغرب كانت أرضية لتلاقي المصالح الرأسمالية والطموح الرأسمالي الصهيوني الذي عرض توظيف الفكرة الدينية اليهودية لِلمصلحة المشتركة لِرأس المال اليهودي ورأس المال الغربي لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين يلعب دورا وظيفيا في إشغال شعوب المنطقة بصراعات ذات أبعاد دينية ويصبح فيه دور الاستعمار الخارجي حكما ما بين القوى المتصارعة.
الاضطهاد الذي وقع بحقهم في أوروبا خاصة بعد الكساد الكبير في العالم الغربي الرأسمالي الذي أدى للحرب العالمية الثانية ونتائجها التي افضت الى تنفيذ وعد بلفور بالمعنى القانوني عبر قرار التقسيم اشعل صراعا جديدا بالمنطقة أخذ أبعادا دينية مغلفا بالشعور القومي العربي الذي حرك القبائل العربية لمساعدة الغرب لإسقاط الحكم العثماني. الاستعمار الذي خذل الشريف حسين والغوا وعدوهم بإقامة دولة خلافة إسلامية عربية على أنقاض انهيار الدولة العثمانية.
لم يعاني اليهود باختلاف انتماءاتهم القومية من أي مشكلة في التاريخ خاصة في المنطقة العربية حيث كانوا مندمجين في المجتمعات المحلية ويمارسوا حقوقهم الدينية والمدنية. لهذا فإن أي طرح لحل مسألتهم يجب توضيح ماهية مسألتهم اهي دينية ام سياسية ام اقتصادية وفي الثلاث عناوين هم يحظون بحماية قانونية محلية وإقليمية ودولية.
المفهوم القومي العربي حتى الآن هو شعور عام لم يتحول إلى ضرورة راسمالية عربية تلعب فيه البرجوازيات الوطنية دورا فاعلا في تحقيقه لكون اكثريتها برجوازيات كمبرادورية تابعة لمركز رأس المال الغربي.
والوضع الاقتصادي العالمي أصبح متداخل المصالح لا يمكن فصلها ميكانيكيا حيث أصبحت معقدة ومتداخلة التركيب تلعب فيها التكنولوجيا دورا رئيسيا في علاقاته المركبة.
الحديث عن القومية يجب أن يقترن بالحديث عن مفاهيم الحرية والعدالة والمشاركة التي يجب أن تعكس ميزان القوة الاجتماعي في البناء الفوقي للدولة القومية المنشودة.
وفي هذا الصدد فإن مفاهيم الحرية والعدالة والمشاركة للقوى الاجتماعية بحيث تضمن توازنها وتضامنها وتماسكها هي التي يجب ان تولى اهمية قصوى خاصة بعد التجارب التي مرت بها المنطقة ان كانت قومية بوجهيها القبلي والعقائدي أو تجارب قطرية طرحت أولوية الدولة القطرية.
إن أية رؤية مستقبلية لتحقيق مفهوم القومية العربية بالضرورة أن يجب يكون ناظمه الحرية التي معيارها العدالة الإنسانية في جوانبها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومصداقية ترجمة جوانبها من خلال قوننة تأمين المشاركة من قبل كافة القوى الاجتماعية بما يعكس ميزان قواها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
إذا استند تطبيق المفهوم القومي العربي على هذه الثلاثية فلا مكان لأية مسائل لحلها لأنها ستؤمن مساحات لممارسة كافة الحقوق الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقومية .
ما نعاني منه في حل المسألة الفلسطينية واليهودية هي الخلط بين العدالة الالهية والعدالة الإنسانية.
في حين تسعى القوى الاستعمارية من ضمنها الرأسمال اليهودي لتوظيف مفهوم العدالة الالهية لتحقيق مكاسب سياسية لتبرير الاعتداء على الشعب الفلسطيني وحقوقه في تصادم مع العدالة الإنسانية التي تشرع حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية والتاريخية والحقوقية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية.
هذا التصادم يطرح تساؤلات حول اولوية العدالة وادوات تنفيذها ؟
كل الديانات تتفق على أن تحقيق العدالة الالهية لن يكون الا بادوات إلهية ولا يمكن للإنسان بغض النظر عن موقعه أن يمارس تنفيذ الحق الإلهي.
لذلك فإن كل ما يمارس من قبل كافة القوة او الحكام او الافراد باسم العدالة الالهية هو غير صحيح وغير مبرر دينيا بل هو يستخدم لتبرير القتل والاعتداء والسرقة باسم الحق والعدالة الإلهية التي يستخدمونها للهروب من المحاسبة القانونية على جرائمهم .
وفي هذا الصدد فإن استخدام المقولات الدينية التوراتية لتبرير مصادرة الأرض والحق الفلسطيني تدخل في هذا السياق.
العدالة الإنسانية التي ناظِمها الحرية ومعيار مصداقيتها المشاركة هي القيم والمفاهيم التي يجب أن تقيم على أساسها اية مسالة ان كانت دينية أو سياسية أو حقوقية أو اقتصادية.
وللإجابة عن حل المسألة اليهودية لا يوجد مسالة يهودية يراد حلها فهي اصلا محلولة لكون جوهرها ديني وهم يمارسون حقوقهم الدينية وهم يتمتعون بالحماية بكل بقاع الارض وهم خارج منظومة المحاسبة القانونية الانسانية.
المسألة التي يراد حلها هي المسالة الفلسطينية التي يعاني شعبها منذ ٧٥ عاما.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تعمر بلدك أم تبقى في أوروبا، ما الأهم بالنسبة لك؟ | ببساطة م
.. المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: ه
.. قصف إسرائيلي تزامنا مع وصول وفد تركي إلى دمشق للقاء الإدارة
.. -المتاح لا يكفي-.. أزمة غذائية حادة تلاحق سكان غزة
.. شبكات | أين أموال الشعب السوري؟ الكشف عن ثروة بشار الأسد