الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحلامْ وطبيعةالتفسير بين إبن سيرينْ، و نظريات علم النَفْس، بعد ألقرن العشرينْ!

عدنان سلمان النصيري

2023 / 11 / 20
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


أحلامُنا تكاد أن تكون بطبيعتها واحدة، عبرَّ كل حقباتِ التاريخ الإنسانِ، مادامت هناك مشكلة، وإرهاصات، تبحث عن حلول في التمنيات والرجاءات، في الارتقاء بطريق منازعة الحياةْ.
فمنذ الأزَل والإنسان يتسائل بعد الأستيقاظ من كل حلمٍ لذيذ ومليء بالخيالات الدافئة، أو المَشاهد ألسارَّةِ بأن يبقى يعيش تلك اللحظات، ولا يريد مغادرتها بالرغم من ادراكهِ بعد أن يصحو تماما من حلمه بأنه ليس حقيقةْ. أو العكسْ تماماً، عندما نَفِزُّ من كوابيس أحلامنا ونحن مُرتعِبين خائفين من المَشاهد المزعجةْ، ولحد المأساوية احيانا، فتبقى شاخصة في مخيلتنا للحظات قلقة، قد تمتد لساعات أطول بعد الاستيقاظ ، فتجعلنا مُرتهنين لتشاؤماتنا، قبل أن نعود لممارسة هواجسنا بشكل طبيعي. وبعد ان نستدرك بحمْدِ الله، على أنه كان مُجَرَّد حلمٍ مزعج أثناء النوم. وقد يبقى صداه بالاهتمام القلِق مستمراً لدى البعض داخل النفوس، وبمقدار طبيعة اختلاف التحمُّل والثقافة والاعتقاد بالتأويل، أو ألوقوع تحت طائلة الهواجس النفسية المرضية القلقة، كما في الإصابة بأعراض الوسواس القِهري الذي يحتاج إلى مراجعة الطبيب النَفْسي لتوَّخي العلاج.
وبمجرد ان نعود إلى مزاولة حياتنا الطبيعية بالتفكير والاستنتاج، فدائماً ما يراودنا السؤال الأهم، قبل أن نكلف انفسنا مع الغير، بخوض غمار الإجابة حول الحقيقة المخفية : لماذا نحن نحلم؟.. وهل الأحلام لها علاقة بالواقع الطبيعي لحياتنا ؟.
ولكن قبل الإجابة لابد من التطرق إلى الاعتقاد السائد الذي جاءت به المدرسة التفسيرية التقليدية منذ قديم الزمان، والتي كان من أهم روادها العالِم ابن سيرين في ألقرن ألأوَّل الهِجرِي. ومن أتباعها علماء كُثُرْ، لعل من بينِهمْ، العالم الرازي، وإبن سينا وغيرهِم. وبالرغم من وجود إجتهادات واختلافات بينهم، إلاّ انها لم تخرج جميعها عن الإطار العقائدي، بعمليةَ التوصيفِ والتبرير، في تحقيق العلاقة التفسيرية لاحلامنا وفقاً للمنظور الديني، في ممارسة علم النَفْسْ الفلسفي أو النظري أو التأملي الاسلامي، الذي يُعرِّفْ بطبيعة التفسير العام لأحلامِنا، وبأنه: نشاطٌ عقلي يتحقق بموجب العلاقة مع النصوص اليقينية العقائدية، التي مصدرها مشروطٌ بالوحيّ. أيِّ (بتحكم السماء المطلق في قدر الإنسان بالمنام واليقظة). مادامت منهجية العقيدة قائمة على مبدأ الإستخلاف للانسان في الأرض، وفق ارادة السماء. والتحكم به في كل شيئ ( بالحركة والتغيير والتأثير المتبادل)، وبالصراع مع المتناقضات عبر ممارسة عملية التقرب الى اللّهْ.
ويبقى الإنسان كائن طبيعي خاضع لمسألتين جدليتينْ:
(المسألة الأولى تكليفيةْ): كما في طريقة السَعيِّ لتَوَخّي الغاية المثلى في الارتقاء بالعلاقة مع خالقه، وبكل العناوين الشاملة في حياته، وبضمنها التي تعكسها الأحلام.
والمسألة الجدلية الثانية هي (تكوينية) ، والتي بموجبها يبقى الإنسان محكوما بالنقيض بين الصفات الإلٓهية المطلقة، والصفات الإنسانية المحدودة ضمن الزمان والمكان. والذي دائما ما يسعى المؤمن من محاولة فَكِّ الحلقات بمنازعة الذات المحدودة للوصول إلى إرضاء الذاتْ الإلٓهيّة المطلقة.
وبالمجمل فأن طبيعة تفسير الأحلام التي جاءت به المدرسة التفسيرية وفقاً لمنظور الدين الإسلامي، في ممارسة افتراضات نظرية فلسفية تأملية، منذ قديم الزمان، عندما إعتمدت على تفاسير ثلاثة وهِيَ:
١) قد تُمثِل رؤى لِمصدر الشَرِّ مِنَ قبل الشيطانْ. لِيُحْزنَ إبْنَ آدَمَ، وقد أوصت بإتباع النصائح المُحَببة في الإعتماد، حين يرى أحدنا شيئًا يكرههُ، ليقوم بالنفثِ عن يساره ثلاث مراتْ، ولِيتعوَّذ بالله من شَرِّ ما رأى، فإنها سوّف لن تضره".
٢) ومنها حديث النَفْس - وهو ما يَطلقُ عليه العلماء، بمواضيع الذكريات والأحداث الواقعية. : وبمَا يَهمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِه.
٣) رؤيا مباركة من رب السماء . وهي التي تخص الأنبياء وأهل الصلاح في درجات الإيمان. وبهذا قد جعل النبي من الرؤيا الصالحة جزءًا من ميراث النبوة.
وبالمقارنة مع المدرسة الحديثة في التحليل العلمي للأحلام، فانها تعتمد على أشهر النظريات التحليلية العلمية، في علم النفس الخاص بتفسير طبيعة الاحلام.
وقبل أن نخوض غِمار التَعرُّف على احدث الدراسات البحثية لعلماء الطب النفسي في هذا المضمار ، والتي تبلورت اهميتها كنظريات معتمدة في الدراسة والتحليل لواقع الاحلام الذي يمر بها الإنسان. لابد من تناول اهم وأحدث التعريف لمعنى الحلم: حيث عَرَّفَ عالم النفس التجريبِ "كالفين هول" بأن الحلم : مسلسل من الصور المنظورة خلال النوم، فيه مشهد أو أكثر، وأحداث وتفاعلات متعلقة بالحالِم، وكأنه يشبه الفيلم السينمائي، إنما يختلف في أن صاحب الحلم يكون هو الممثل والمشاهد في آن واحد! ويُعَرِّفَهُ علماء آخرون، على أنه عملية بيولوجية تتطلب وجود الوعيَّ، حتى وإن كان الحلمُ واقعًا خلال النوم، حين نظن أن الإنسان لا يَعي ولا يدرك. ويعزز هذا التعريف قولَ عالِمَيّ النَفْس "جان بياجيهْ" و"فولكسْ": ومفادهْ، أن تطور الحلم مُرتبطْ بتطور مَلَكات المعرفة في الإنسان من الطفولة إلى الشيخوخةْ. فقد أثبت "فولكسْ" بالتجارب السريرية على بعض الأطفال؛ أن الأحلام تطول وتشتد حيويتها وتَعَقُدها كلما زاد الإدراك العقلي للطفل.
وكذلك.. كما جاء به (سيغموند فروّيد) الذي يُعَدُّ مؤسس التحليل النفسِ، وأول من تحدث عن تفسير الأحلام وربطها بعلم النَفْس، وهو يتطرق من خلال التعريف عن الصور أو الأفكار أو المشاعر بكل انواعها المختلفةْ، التي نعيشها في المنامْ، المعبّر عنها : بتمثيلٍ الرغبات والأفكار والدوافع اللاواعية. مُعَلِلاً ذلك بمعرفته ، حين وجد أن الناس مدفوعون بالغرائز العدائية والجنسية، التي تُكْبَت باللاوعيّ تحت رقابة الإدراك الواعي. فإذا كنا لا نستطيع تحقيق بعض رغباتنا والتعبير عن بعض أفكارنا بطريقة واعية، فإن هذه المكبوتات تتجلَّى في أحلامنا.
وقد قسَّم (فرويِّد) محتوى الأحلام إلى نوعين: محتوىً صريحٍ. ومحتوىً كامن. وعبَّر عن المحتوى (الصريح) : بانه يشمل كل مانراه ونعيشه في أحلامِنا من صورٍ ومشاهدٍ وافكارٍ فعلية. أما معناها (الكامن) فهو المحتوى الغامض الذي يفسره المحلل النفسي المختصْ وحده. ويقود تحليل (فرويّد) إلى استنتاج يوضح أنه لا يوجد تفسير واحد للأحلام ينطبق على الجميع، فكل شخص يرى في أحلامه ما يتعلق به، من تجارب ورغبات ومخاوفْ لا تشبه بالضرورة رغبات الآخرين ومخاوفهم.
أما منهج عالم النفس الأمريكي "كالفين هال"، فلديه نظرية أخرى يشوبها بعض الاختلاف في تفسير الأحلام.
حيث لا يرى هذا ألعالِم أن أحلامنا هي انعكاس لرغباتنا الكامنة - على عكس العالِم فرويّد- بل قدم نظرية أخرى تقول إن الأحلام هي مُجَرَّد أفكار تظهر أثناء النوم، وتمثل انعكاسات من الحياة الشخصية. على عكس ما يرى (فرويّد) أن الأحلامْ هي إنعكاس للرغبات. ويعتقد (كالفين هالْ) بأن الأحلام انعكاس للطريقة التي يفهم بها الإنسان هذه الرغبات، مع مراعاة الدوافع والنواهي والمُحَرمات، التي يُؤمِن بها الشخص الحالِم. وإن الأحلام تعكس على نحو كبير مواجهة التحديات والصعوبات التي تواجه المرء، والصراعات والمعارك التي يخوضها يومياً.
وهناك نظرية خاصة تهتم بالتفسير العصبي البيولوجي للأحلامْ..

حيث ظهرت بحوث من نوع مُختلِفْ، منذ بداية القرن الـ20، لمحاولة تفسير الأحلام من منطلقٍ عصبِ بيولوجي. فقد طرح طبيبان نفسيان في جامعة هارفارد -هما: آلانْ هوبسون و روبرت مكارلي - نظرية مختلفة عام 1977، تفيد بأن الأحلام هي محاولة من الدماغ لفهم (النشاط العَصَبي) الذي يحدث أثناء النوم، إذ لا يتوقف نشاط الدماغ في مثل هذه الفترةْ، وإن تفسير نشاط الدماغ أثناء النوم، هو الذي يُوَّلِد الأحلام في نهاية المطاف.
ووفقا لـِ ( آلانْ هوبسون) وباحثين آخرين، فإن الدوائر الموجودة في جذع الدماغ، تنشط أثناء مرحلة حركة العين السريعة، أو ما تُدعى بـ(حركة الريم).
وبِمُجرَّد أن تنشط هذه الدوائر، تنشط معها كذلك المناطق المعنيَّة بالعواطف والأحاسيس والذكريات، ومن ثم يقوم الدماغ بتوليف هذا النشاط الداخلِ وتفسيره، ومحاولة خلق معنى من هذه الإشارات، مما يؤدي إلى الحلم. ويؤكد هوبسون، عدم تعارض نظريته مع وجود معنى للحلم، ويرى أن الحلم قد يكون أكثر حالات الوعي إبداعا، حيث ينتج عن إعادة التركيب العشوائي والعفوي للعناصر المعرفية، وخلق أفكار جديدة.
الكاتبْ والباحثْ ..عدنان النصيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -