الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والشريعة الإسلامية

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 11 / 20
دراسات وابحاث قانونية


في المجموعة القانونية العراقية المتمثلة أساسا بالقانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 ورد لأول مرة مفهوم أجر المثل، تماشيا وتأثرا بالقوانين المماثلة وأهمها القانون المدني المصري والفرنسي، وإن حاول مشرعوه في وقتها عدم مغادرة الإطار التشريعي المعمول به والراسخ في الثقافة القانونية والعدلية والقضائية العراقية، ولا سيما أحكام "المجلة العدلية العثمانية" التي لعبت دورا مهما في النظام القانوني والقضائي والفقهي في العراق وسائر الدول العربية التي كانت تتعامل بها، ويمكن القول مع القائلين أن مصادر القانون المدني العراقي والتي حاولت التوفيق بين مادية القانون المدني المصري المبني أساسا على المجموعة الفرنسية المدنية بفلسفتها المادية القائمة على تعظيم الحق الشخصي والنظر إليه على أنه الوظيفة الأولى للقانون، وبين الدور الأجتماعي والوظيفي للقانون والشريعة الإسلامية القائمة على مبدأ التوازن بين الحق الفردي المحمي وحق المجتمع المطلوب مراعاته، كي لا يكون هناك تواز مفرق أو تضاد فيما بين الحقين .
تأريخيا وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي بعد تدخل من قبل رجالات الدين المعروفين آنذاك، وإعلانهم الثورة على المحتل الانكليزي وتحرر العراق وتحوله باتجاه بناء الدولة الحديثة، فقد كان للشريعة الإسلامية الحظ الأوفر في رسم الفلسفة القانونية والتشريعية والتأثير فيها بشكل ايجابي، ومن ثم كان لها البصمة الواضحة على التشريعات التي رافقت هذه التطورات، والمتتبع للمسيرة القانونية التشريعية الجديدة في العراق يجد إن الشريعة الغراء كانت مصدراً رئيساً ومؤثراً في سن وصياغة التشريعات على اختلاف أنواعها، ونذكر في هذا الخصوص ما ورد في أول وثيقة دستورية صدرت في العراق وهي القانون الأساسي العراقي للعام 1925 ورد النص في المادة (13) إن الإسلام دين الدولة الرسمي وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام، وما لم تنافٍ الآداب العامة).
من هنا نرى أن المجتمع العراقي الجديد والسلطة التشريعية التي تأسست في ظل الأستقلال الوطني عن السلطة العثمانية السابقة وتحت التأثير المباشر للأحتلال البريطاني وسيطرته بعد قيام الحكم الوطني، لم تنجح في عزل العراق التشريعي والقانوني والقضائي والعدلي عن تأثيرات الشريعة الإسلامية المتمثلة حصرا في مجلة الأحكام العدلية التي بقيت نافذة في معظم أحكامها إلى أن صدر القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وتحت تأثير ودفع رسمي متعدد الجوانب نحو تقنين تشريعان تتصف بالروح العصرية الحديثة وأيضا بالتعاطي العملي الواضح والبين، فقد شكلت لجنة قانونية وفقهية من رجال القانون والشريعة برئاسة المرحوم الدكتور أحمد السنهوري الذي كان يمثل منصبا أكاديميا عاليا في العراق وواحد من رجالات التقنين والقانون في البلاد العربية.
في موضوعنا الأساسي وهو دعوى أجر المثل لم ترد بالصيغة التي يتم التعامل بها حاليا في ساحتي القضاء والقانون العراقيان، والتي كان مصدر التعامل بها هي أحكام القانون المدني قبل نفاذه، فقد كان المفهوم الذي جاء في عموم التشريع الإسلامي ومنها المجلة أنها تقع في دائرة دعاوى الضمان بأنواعه على أساس وجود الأذن أو التعدي، وقد وضعت الشريعة أحكاما أقرب للواقعية الطبيعية في معالجة هذا الموضوع وحتى التسمية والتوصيف مما أوجده القانون المدني، ذلك أن التشريع القانوني قائم كما قلنا على مفهوم الحق المادي فقط، فصاحب الحق صاحب سلطان على محل الحق حر في أستخدامه أو تركه، وبالتالي يكون موضوع المطالبة به متوقفا عليه وحده دون أن يكون لعامل أخر دور في تحديد وتوقيت المطالبة.
حتى في التوصيف أنها دعوى "أجر مثل" بمعنى هي مطالبة المالك بأجر دون أن يلتفت القانون ومشرعه على أن الأجر هو ألتزام قانوني مقابل تمكين مؤجر من حق، وينشأ عن هذا الألتزام والألتزام المتقابل سلسلة من العلاقات القانونية التي نظمها القانون سلفا، في حين أن دعاوى أجر المثل التي تقام في المحاكم تقوم على عنصرين أساسيين هما إدعاء الشريك بأن شريكه غاصب للحق المحمي والموثق بموجب سند قانوني، والنقطة الأخرى أنها تقام بدون إنذار ولا إعذار وبالتالي تفقد مبررها الموصوف بأحكام المادة "1063" من القانون المدني التي تشترط لقبولها أنها تكون بدون إذن، وهنا يقع عبء الإثبات على المدعى عليه في إثبات الأذن خلافا للقواعد العامة في القانون المدني، التي تؤكد أن العلم بالأنتفاع المشترك دون معارضة معلنة يعد قبولا مبدئيا كقرينة حتى يثبت العكس (السكوت في معرض الحاجة بيان) و (لا ينسب لساكت قول).
الحالة الوحيدة التي أشار لها الفقه الإسلامي بأجر المثل فقد كانت محدودة جدا وفي أطار محدد لا يمكن تجاوزه، هذه الحالة بالنص هي (إذا استعمل شخص معين مال غيره بدون إذن صاحبه يكون لمالك المال أجرة المثل وبهذا الصدد تنص المادة (590) من مجلة الأحكام العدلية على انه (لو استعمل واحد مالاً بدون إذن صاحبه كان غاصباً فلا يلزمه ضمان المنفعة ولكن إذا كان ذلك المال مال وقف أو مال صغير فحينئذ يلزمه ضمان المنفعة أي أجرة المثل بكل حال وإذا كان معداً للاستغلال فإنما يلزمه ضمان المنفعة أي أجرة المثل إذا لم يكن استعماله بتأويل ملك أو عقد مثلاً لو سكن واحد في دار أخر مدة بدون عقد أجارة لا تلزمه الأجرة ولكن إذا كانت تلك الدار وقفا أو مال صغير لزمه أجرة مثل المدة التي سكنها في كل حال أي سواء كان ثمة تأويل ملك أو عقد أو لم يكن وكذلك إذا كانت تلك الدار دار كراء ولم يكن ثمة تأويل ملك أو عقد يلزم أجرة المثل مثال ذلك لو استعمل واحد دابة الكراء بدون إذن صاحبها فتلزمه أجرة المثل).
المبدأ المعتبر هنا يقوم على حالتين فقط لأجر المثل أو ضمان المنفعة وهما:.
• إذا كان ذلك المال مال وقف أو مال صغير فحينئذ يلزمه ضمان المنفعة أي أجرة المثل بكل حال.
• وإذا كانت العين معدةً للاستغلال فإنما يلزمه ضمان المنفعة أي أجرة المثل إذا لم يكن استعماله بتأويل ملك أو عقد.
إذا ووفقا لأحكام المادة 590 من أحكام المجلة لا تشير إلى مفهوم أجر المثل الواردة في القانون المدني العراقي، وإنما تتكلم عن حالتين محددتين الأولى حماية مال القاصر وتحديدا الصغير ويمكن القياس عليها بتوسيع المفهوم لتشمل كل فاقد أو ناقص الأهلية أو المحجوب أهليته بالمعنى القانوني في القانون العراقي القاصرين عموما، وثاني أموال الوقف بأعتبار حرمة الوقف وتخصيصه وطبيعته العامة، وهنا يحق أن نتوسع ليشمل هذا الشرط الأموال العامة من باب طبيعة المال وتخصصه، إذا الصورة التي أتى بها القانون المدني العراقي لا تتصل بأي شكل أو حال بالمصدر الأساسي لبذي من المفترض بالمشرع المدني أن يعتمده في بناء القواعد القانونية اللازمة.
أما في الشريعة الإسلامية ونحن نتكلم على المقونن منها وهي مجلة الأحكام العدلية أنفة الذكر، فقد ورد مفهوم أجر المثل تحديدا في مجالات عقد الإيجار وبخمس حالات، هي وعلى الترتيب:.
1. تعطى أجرة المثل في كل حالة يكون فيها عقد الإيجار فاسداً وهذه الحالة اتفق عليها عموم فقهاء المسلمين، كأن يكون فساد الإجارة ناشئاً عن فقدان احد شروط صحتها، أو ناشئاً عن احتواء الإجارة على شرط من الشروط التي تفسدها، أو ناشئاً عن جهالة الأجرة عند إنشاء عقد الإجارة وهكذا، وبهذا الصدد تنص المادة (462) من مجلة الأحكام العدلية على انه (فساد الإجارة ينشأ بعضه عن جهالة البدل وبعضه عن فقدان شرائط الإجارة ففي الصورة الأولى يلزم اجر المثل بالغاً ما بلغ وفي الصورة الثانية يلزم اجر المثل بشرط ان لا يتجاوز الأجر المسمى)، يتبين من ذلك ان فساد الإجارة تكون فيه الأجرة أجرة المثل، هذا ما نصت عليه المادة (461) من مجلة الأحكام العدلية بقولها (الإجارة الفاسدة نافذة لكن الآجر فيها يملك اجر المثل ولا يملك الأجر المسمى) .
2. تعطى أجرة المثل في حالة سكوت المتعاقدين عن تحديد الأجرة أو إذا تعذر إثبات اتفاقهم عليها وهذه الحالة أيضا متفق عليها عند فقهاء المسلمين، كما لو اتفق الطرفان على كل محتويات العلاقة الايجارية، إلا انهما لم يتطرقا للأجرة أو لم يذكرا ما يشير إليها، كما لو قال المستأجر للمؤجر أرضيك أو لا أخيب ضنك، أو لا ترى إلا ما يسرك، فهنا تكون الأجرة أجرة المثل، وبهذا الصدد تقول المادة (563) من مجلة الأحكام العدلية (لو خدم واحد أخر بناءاً على طلبه بدون تعيين أجرة فله أجرة المثل ان كان ممن يخدم والا فلا) والمادة (564) (لو قال واحد لأخر اعمل هذا العمل وأنا أكرمك فعمل العمل المأمور به استحق أجرة المثل).
3. تعطى أجرة المثل في حالة وجود عذر طارئ أو طبيعي يسوغ البقاء في العين المؤجرة، إذ من المسلم به ان عقد الإجارة ينتهي باستيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو انتهاء المدة، الا إذا كان هنالك عذراً مشروع يمنع فسخ الإجارة، كما لو انتهت مدة الإجارة الزراعية قبل ان يحصد الزرع فتبقى الأرض الزراعية بحيازة المستأجر بأجرة المثل حتى تحصد الأرض، ولو اجبر المؤجر منعاً للضرر الذي قد يلحق المستأجر بقلع الزرع قبل أوانه، هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وما نصت عليه المادة (526) من مجلة الأحكام العدلية بقولها (لو انقضت مدة الإجارة قبل إدراك الزرع فللمستأجر ان يبقي الزرع في الأرض إلى إدراكه ويعطي أجرة المثل)، ويخرج فقهاء الامامية عن هذا الإطار بقولهم إذا انقضت مدة إجارة الأرض الزراعية دون ان يدرك الحاصد فان رضي مؤجر الأرض ببقاء الزرع فيها باجرة أو بدونها ورضي المستأجر بذلك فلا مانع، أما إذا لم يرض المؤجر جاز إجبار المستأجر على إزالة زرعه، فان أوجب إزالة زرعه وتضرر المستأجر بذلك فلا يجبر المؤجر على دفع تعويضٍ له .
4. تعطى أجرة المثل في حالة اقتران عقد الإجارة بشرط معتبر كما لو استأجر شخص على عمل واشترط عليه شرطاً زائداً على العمل المستأجر عليه، فجاء الأجير بالعمل بدون الشرط فهنا تكون الإجارة صحيحة ويكون للمستأجر الخيار بين فسخ عقد الإجارة أو إرجاع الأجرة المسماة ودفع أجرة المثل للأجير بدلاً عن الأجرة المسماة، وهكذا في كل شرط في عقد الإجارة فان تخلفه لا يوجب بطلان الإجارة بل يوجب الخيار لصاحب الشرط فان فسخ فينبغي عليه دفع أجرة المثل، وبهذا الصدد تنص المادة (505) من مجلة الأحكام العدلية على أنه (يجوز عقد الإجارة على عمل عينت أجرته وشرط إيفائه في الوقت الفلاني ويكون الشرط معتبر مثلاً لو أعطى واحد لخياط ثياباً على ان يفصلها ويخيطها هذا اليوم أو لو استكرى واحد جملاً بشرط ان يوصله في عشرة أيام الرحلة تجوز الإجارة فان قام المؤجر بالشرط استحق المسمى والا استحقت أجرة المثل بشرط ان لا يتجاوز الأجر المسمى) .
5. تعطى أجرة المثل في حالة غصب العين المؤجرة فهنا يرى فقهاء الامامية للمستأجر ان يطالب الغاصب باجرة المثل بالنسبة للمنفعة الفائتة إذا كان الغصب بعد تسليم العين المؤجرة وله حق المطالبة بالفسخ إذا كان الغصب قبل تسليم العين المؤجرة ، ويرى فقهاء الحنفية إذا غصبت العين المؤجرة سقطت الأجرة عن المستأجر وللمؤجر ان يطالب الغاصب باجرة المثل، ويرى فقهاء الحنابلة للمستأجر الخيار بين الفسخ والرجوع على المؤجر بالأجرة المسماة وبين إمضاء الإجارة والرجوع على الغاصب باجرة المثل.
من تدقيق هذه الصور النصبة القانونية المذكورة على سبيل الحصر في أحكام المجلة، تؤكد على ما ذهبنا إليه في البحث، من أن دعوى أجر المثل يشترط فيها أن ترد على علاقة قانونية أساسها وجود عقد إيجار ومؤجر ومستأجر، لكن هذه العلاقة القانونية أصابها بعض النقص في التعقيد أي في صياغة العقد أو في الوصف أو في تحديد مستلزمات العقد، ولا ترد خارج موضوع الإجارة الحقيقية أو المفترضة لأنها تتحدث عن أجرة وليس عن تعويض أو ضمان تصرف مبني على مخالفة قانونية أو شرعية كما هو الشائع الآن في المحاكم، بما يسمى دعوى أجر المثل بين الشركاء المبنية على عدم الأذن المسبق للأستغلال أو الأجازة اللاحقة له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق


.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري




.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو


.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين




.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما