الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة إبراهيم - الجزء الثانى

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2023 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لعنة إبراهيم – الجزء الثانى
إلى يائير لابيد ،،،
2-من نكبة 1948 إلى عدوان 1956
كانت نكبة1948 بداية لسيطرة تيار الإسلام السياسى على الشرق الأوسط ، إذ غذت النكبة مشاعر لعنة إبراهيم والصراع الدينى بين الإسلام الإسماعيلى والحلف اليهودى الإسحاقى المسيحى الغربى إلى أقصى درجة ، وكما قال أمين معلوف ، عندما سقط التسامح فى مصر والشام سقط فى العالم كله ، كذلك فقد كانت النكبة هى المغذى الأكبر لديكتاتوريات حكم العسكر والتيارات القومية المتطرفة التى صعدت على أكتافها فى كل المنطقة ، كالناصرية ، والبعثية ، وغيرها ، وذلك بحجة الدفاع عن القومية العربية فى مواجهة القومية اليهودية الإسرائيلية الزاحفة على المنطقة ، وبذلك فلم تنحصر آثار النكبة فى فلسطين فقط ، بل تجاوزتها إلى كل أنحاء الشرق الأوسط ، وقد كان من الطبيعى أن يكون التأثير الأكبر فى مصر ، فقد كانت مصر هى منشأ جماعة الإخوان المسلمين، الذين سيطروا على قسم كبير من الشارع المصرى والعربى و قاموا بتوجيهه نحو صراع هوية دينى ضد العالم المسيحى الغربى ، كان قد بدأ فى الخفوت أثناء الحقبة الإستعمارية ،،،
وكذلك فقد كان من الطبيعى أن تتجه مصر الناصرية القومية العربية فى نهاية الأمر شرقاً ، ضاربة عرض الحائط بأى إنجاز حضارى كانت قد حققته المنطقة أثناء حقبة الإستعمار الغربى، إذ لم تكن الخلافات السياسية التى أدت إلى هذا الإنفصال الحضارى والتوجه شرقاً سوى أسباب ظاهرية فى الواقع ، كرفض الإنضمام إلى حلف بغداد مثلاً ، ولكن صراع حضارات فجرته لعنة إبراهيم والتحالف اليهودى الإسحاقى الغربى فى مواجهة العدو الإسلامى الإسماعيلى التقليدى ،،،
كان لنمو شعبية ناصر المتزايدة بين العرب بسبب تحبيذه للسياسات الحيادية فى الحرب الباردة نتيجتان حتميتان ، الأولى هى أن علاقاته مع الغرب كانت تتدهور بسرعة والأخرى هى أن إسرائيل قد بدأت تعتبر مصر تحديها الخارجى الأكبر، كانت الدولة اليهودية وثقتها بنفسها تزداد بقوة منذ ولادتها ، وبموجب قانون العودة ، الذى أعطى لأى يهودى الحق فى أن يهاجر إلى إسرائيل ويستقر هناك ، تدفق حوالى سبعمائة ألف يهودى على البلاد جاءوا من شرق ووسط أوربا ، ثم من اليمن والعراق ودول المغرب العربى ، مما شجعها على تبنى سياسات الردع الفورى ضد أى محاولات تهديد عربية ، وقد قامت سنة 1953 بقتل سبعة وخمسين قروى فلسطينى حاولوا إختراق حدود الهدنة فى قرية كبيا بالضفة الغربية ، وذلك فى نفس الوقت الذى أخذت فيه الدول العربية تتبنى سياسة العمليات الفدائية خاصة من سوريا ومصر ،،،
كشفت حرب فلسطين لناصر وزملائه عن ضعف القوات المسلحة المصرية ، وعندما إنسحب أول رئيس وزراء إسرائيلى ، المقاتل ديفيد بن جوريون ، من االسياسة مؤقتاً فى ديسمبر 1953 خلفه المعتدل موشيه ساريت، وأصبح هناك فترة من الإنفراج النسبى فى العلاقات المصرية الإسرائيلية ولكن فى فبراير 1955 أعادت فضيحة لافون ، أجواء التوتر مرة أخرى ، وهى خطة تفجيرات فاشلة ، قامت بها المخابرات الإسرائيلية ضد المنشآت البريطانية فى مصر للوقيعة بين مصر والدول الغربية، ونسبت إلى إسم وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت ، بنحاس لافون ، كما أعادت بن جورنيون إلى السلطة ، وبعد أسبوع من عودة بن جورنيون قام الجيش الإسرائيلى بإنتقام شامل ضد هجمات الفدائيين بغارة على مركز القيادة فى غزة موقعاً خسائر فادحة فى صفوف المصريين،،،
لم يستطع ناصر تجاهل هذا الضعف المهين للقدرات العسكرية المصرية وبدأ منذ ذلك التاريخ فى مفاوضات سرية من أجل شراء أسلحة شرقية نظراً لمحدودية كميات ونوعية الأسلحة التى كانت تسمح بها الدول الغربية ، وقد توجت مفاوضاته بالإعلان فى 27 سبتمبر 1955 عن صفقة أسلحة ضخمة من تشيكوسلوفاكيا مقابل أرز وقطن من مصر ، وتعتبر تلك الصفقة بداية التحول الفعلى نحو المعسكر الشرقى فى الحرب الباردة ، والذى وضع أسسه السفير السوفيتى البارز فى القاهرة ، دانيال سلود ،،،
وبذلك وصل العداء الغربى والقلق الإسرائيلى من ناصر مداه ، وإنضمت فرنسا ، صديق مصر التقليدى ،إلى صفوف أعداء مصر ، حيث إقتنعت أن ثورة الجزائر التى إندلعت سنة 1954 كانت تمول من القاهرة ، كذلك فقد إعتبر أنتونى إيدن ، رئيس وزراء بريطانيا، أن ناصر كان مسؤولاً عن كل مشاعر العداء للغرب فى العالم العربى ، ونسى أو تناسى أن لعنة إبراهيم ، والإنحياز لإسرائيل على حساب أبناء عمومتهم ، كان هو السبب الرئيسى فى ذلك ، وإنضم أعضاء الكونجرس المناصرون للصهيونية إلى هؤلاء المعادين للناصرية مقتنعين بأن ناصر كان يحاول توحيد الدول العربية وتحويلها إلى توابع سوفيتية ، وإزداد الأمر سوءً بإعتراف ناصر بالصين الشيوعية فى مايو 1956 ،،،
ومع ذلك فلم تفقد الدول الغربية الأمل تماماً فى إمكانية الإحتفاظ بمصر داخل المعسكر الغربى، كانت مصر قد عقدت العزم على بناء سد عملاق عند أسوان ، وفى فبراير 1956 تم التوصل إلى إتفاقية مؤقتة تقضى بأن يقرض البنك الدولى مائتى مليون دولار لتنفيذ المشروع ، بشرط أن تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا بتقديم قرض آخر بقيمة سبعين مليون دولار لدفع تكاليف العملة الصعبة، ورغم أن ناصر قد قبل الشروط الصعبة التى تتضمن بعض الإشراف على الإقتصاد المصرى ، فقد فوجئ بإعلان الولايات المتحدة سحب قبولها بالتمويل بحجة عدم إستقرار الإقتصاد المصرى ، وذلك على أمل إسقاط ناصر أو إضعافه على الأقل ،،
كان رد فعل ناصر عنيفاً جداً ، ففى ذكرى الإحتفال بالعيد الرابع لثورة يوليو فى الإسكندرية 1956 ، أعلن ناصر على العالم ، أمام الجماهير المحتشدة ، تأميم قناة السويس وتشكيل هيئة لإدارتها ، وإرتفعت شعبية ناصر متحدى الغرب ، فى العالم العربى والعالم الثالث ، أكثر فأكثر ، ولكن ماكان يمكن أن تمر الأمور بهذه السهولة ،،،
أعقب حادث التأميم ثلاثة أشهر من المفاوضات فى لندن ونيويورك ، حاولت فيها بريطانيا الإشراف على القناة بالقوة ، لكنها فشلت فى ذلك لإن الإدارة الأمريكية بقيادة إزيزنهاور ودالاس رفضت ذلك ، لكن الحكومتان البريطانية والفرنسية كانتا مصممتين على إستخدام القوة وإبتكر التحالف السرى الفرنسى الإسرائيلى خطة لغزو مشترك لمصر مع بريطانيا ،،،
وفى 29 أكتوبر 1956 غزت إسرائيل سيناء وفى اليوم التالى أصدرت بريطانيا وفرنسا إنذاراً مشتركاً مطالبين مصر وإسرائيل بإيقاف القتال وسحب قواتهما عشرة أميال من القناة ، وكجزء من الخطة قبلت إسرائيل ذلك الإنذار لكن ناصر رفضه وأمر قواته أن تنسحب للدفاع عن القناة ، وعندما إنتهت مدة الإنذار فى 31 أكتوبر هاجمت الطائرات البريطانية والفرنسية المطارات المصرية وحطمت معظم القوة الجوية المصرية ، وفى 5 نوفمبر نزلت قوة إنجليزية فرنسية من قبرص إلى بورسعيد وإستولت على المدينة وزحفت جنوباً على طول خط القناة ، التى كتنت مصر قد سدتها بواسطة بعض السفن الغارقة، لكن الضغط السوفيتى الأمريكى أوقف الزحف نحو السويس ، وأوقف كل عملية الغزو فى نهاية الأمر ،،،
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 4 نوفمبر تشكيل قوة طوارىء دولية للإشراف على وقف إطلاق النارالتى قبلته بريطانيا وفرنسا فى نوفمبر من نفس الشهر ،وبذلك سجلت مصر نصراً سياسياً وإرتفعت شعبية ناصر أكثر ، فقد أجبر الرئيس الغاضب إيزنهاور الإسرائيليين على الإنسحاب من سيناء وغزة مبكراً سنة 1957 ، تاركاً مصر مسيطرة تماماً على القناة ومابها من كميات ضخمة من العتاد العسكرى البريطانى ، وبمساعدة الولايات المتحدة تم تطهير القناة وإعادة فتحها فى إبريل 1957 ، وصودرت كل ممتلكات بريطانيا وفرنسا ، وتم ترحيل نحو ثلاثة آلاف بريطانى وفرنسى ، بالإضافة إلى آلاف آخرين رحلوا من تلقاء أنفسهم بسبب خسارة مصادر أرزاقهم ،،،
وهكذا خرج ناصر منتصراً من حرب السويس ، وإنتهت رسمياً الحقبة الإستعمارية البريطانية الفرنسية فى الشرق الأوسط ، كما فشل الحصار الإقتصادى الذى ضربته القوى الإستعمارية على مصر ، وبعد سنتين من ذلك التاريخ أطاح إنقلاب عسكرى بالملكية العراقية الحليف الباقى لبريطانيا العظمى سابقاً ،وإنهار حلف بغداد ، ودام الإستعمار البريطانى فى الخليج لنحو عقد آخر من الزمان حتى إقتضت الصعوبات المالية إنهائه ، وكذلك فقد إنسحبت فرنسا من المغرب العربى وأذعنت بإستقلال الجزائر سنة 1962 بعد محاولة قمع فاشلة ، وشهدت السنوات من 1956-1959 علوتيار الناصرية ، الذى بدا كأنه صلاح الدين الجديد الذى سيوحد العرب والمسلمين من أجل طرد الصهاينة صليبى القرن العشرين ، فقد القى التحالف الغربى مع إسرائيل فى حرب السويس مزيداً من الوقود على النار التى إشتعلت عام 1948 وحدد مسارات تاريخ الشرق الأوسط الشائكة حتى اليوم ،،،
متابعينى الأعزاء ، أعتذر عن نشر باقى الأجزاء ، حيث فرض الموضوع نفسه لتظهر كل الأجزاء مجتمعة فى كتاب إنشاء الله ، دعواتكم ،،،
أهم المراجع
1-الكتاب المقدس - مؤسسة الجدوين - سنغافورة – نسخة إنجليزية
2-القرآن ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
3-الفيدا-كتاب الهندوس المقدس-العلاقة بين إبراهيم والبراهما
4-المسيحية بين الحقيقة والخيال-جورج إدوارد إفرى – ترجمة عادل أسعد الميرى-آفاق للنشر والتوزيع - القاهرة
5- تاريخ اليهود – يوسيفيوس- دار صادر – بيروت
6-بنو إسرائيل – محمد بيومى مهرن – دار المعرفة الجامعية - الإسكندرية
7-الحركة الصليبية – سعيد عبدالفتاح عاشور – مكتبة الأنجلو المصرية – بيروت
8-اليهود فى الدولة العربية الإسلامية فى الأندلس – خالد يونس عبدالعزيز- مكتبة دار الأرقم-فلسطين - غزة
9-تاريخ الشرق الأوسط – بيتر منسفيلد - ترجمة عبدالجواد سيد - مطبعة الفتح – الإسكندرية
10-الشرق الأوسط، ألفى سنة من التاريخ – برنار لويس- لندن – نسخة إنجليزية.
11-ملفات السويس – محمد حسنين هيكل – دار الشروق - القاهرة
12-مركز الزيتونة للدراسات الفلسطينية – بيروت
13-معهد ميتفيم الإسرائيلى للدراسات الإقليمية- تل أبيب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران