الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإساءة إلى العصر الذهبي الحديث لأرمينيا

دلير زنكنة

2023 / 11 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إرث أرمينيا السوفييتية في ضوء 20 عامًا من انبعاث الرأسمالية

بقلم ماركار ملكونيان
ترجمة دلير زنگنة

ملاحظة المؤلف
فيما يلي سلسلة من ستة أجزاء من مقالات الرأي القصيرة التي ظهرت في الفترة ما بين 15 نوفمبر 2010 و4 أبريل 2011، على موقع Hetq Online، وهو منشور على الإنترنت للصحفيين الاستقصائيين في أرمينيا (http://www.hetq.am/eng /). آمل أن تقدم هذه المقالات لمحة، من منظور أوسع ومختلف تمامًا، للتغيرات التي حدثت في إحدى جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي.
…………

في 21 سبتمبر، الذكرى التاسعة عشرة لانفصال أرمينيا عن الاتحاد السوفييتي، وصف رئيس الجمهورية تاريخ أرمينيا بأنه كفاح طويل من أجل الحرية، حيث "نقلت عائلاتنا المَلكية والنبيلة، مدعومة من الامة، من يد إلى يد، راية الهوية الأرمنية والروح الأرمنية والدولة الأرمنية”.

لقد كان مجرد خطاب، بالطبع، نموذجيًا في ذلك؛ قليل من الاناس البالغين يأخذون مثل هذه الأشياء على محمل الجد هذه الأيام. لكن الخطاب جمع بين موضوعين لا يشكلان العملة المتداولة لدى الخطباء ومقدمي النخب فحسب، بل وأيضاً الأكاديميين والكتاب: عصر المجد الذهبي في الماضي البعيد، والعصر المظلم للاحرية في الماضي السوفييتي القريب.

تسير قصة العصر الذهبي على النحو التالي: ذات مرة، في القرن الخامس الميلادي، أو بعد خمسة قرون في "مدينة الـ 1001 كنيسة"، اتحد الملوك الخيرون بروح قومية مع رعاياهم المبتهجين لصد الغزاة وبناء الحضارة، وبالتالي تعزيز هذا الهدف المجيد النهائي للتاريخ، وهو الدولة الحديثة.

مثل القصص الخيالية الأخرى، تتجاهل هذه القصة التفاصيل التاريخية، بما في ذلك حقيقة أن النخارار nakharas والإيشخان ishkhans، أولئك الذين يفترض أنهم حاملو لواء الروح الأرمنية و الدولة الأرمنية، كانوا في الواقع مرازبة Satraps [حكام مقاطعات تابعين للدولة الفارسية او الميدية] أنفقوا الكثير من طاقتهم القتالية في إخماد التمردات المحلية . دعونا نذكر أنفسنا بأن معظم رعايا السلالات الأرساسيدية Arsacid والباغراتية Bagratid خلال العصور الذهبية ولدوا في العبودية الإقطاعية. كانوا عرضة لأهواء أسيادهم، ويتعرضون بشكل دوري لخراب الجيوش الغازية، وكانوا يكدحون حتى موتهم المبكر.

لا عجب إذن أن ينتفض الفلاحون مرارًا وتكرارًا ضد "عائلاتنا المالكة والنبيلة". لكن إذا قبلنا القصص الخيالية شبه الرسمية، فسيبدو أن البوليسيانين Paulicians والتوندراكيين Tondrakians ، أعداء الاستبداد الإقطاعي، لم يكونوا بالتالي تجسيدًا لـ "الروح الأرمنية و الدولة الأرمنية" (كما زعمت القصة السوفيتية الرسمية). بل أعداء لتلك الروح و الدولة.

يجد المعجبون بالعصور الذهبية أنفسهم في نفس المعسكر مع أولئك الذين يصورون الماضي السوفييتي بألوان أكثر قتامة. لقد تعلمنا الآن أن أرمينيا السوفييتية كانت بمثابة "زنزانة" انتظرت فيها الأمة بصبر سبعة عقود من الزمن من أجل الخلاص. (المصطلحات مأخوذة من كتاب غارين هوفانيسيان الأخير، عائلة الظلال ، لكن جوزيف غوبلز اشار الى الاتحاد السوفييتي باعتباره زنزانة في مقالته عام 1942 بعنوان "ما يسمى بالروح الروسية".)

ولكن اليكم النقطة الغريبة: لم يحدث من قبل منذ ألفين و خمسمائة سنة أن كان هذا العدد من الأرمن في رخاء وآمان وتغذية جيدة ومتعلمين وعمر طويل كما كانوا خلال السبعين عامًا فترة الاتحاد السوفييتي. ليس في القرون الأربعة والعشرين التي سبقت الفترة السوفييتية، ولا في العشرين عامًا التي تلت ذلك. (أي شخص يرغب في إنكار هذا الادعاء الأخير يجب أن يكون مستعدًا لإنكار حقيقة أن نساء الطبقة العاملة في أرمينيا كان لديهن خيارات حياة أكثر قبل ثلاثين عامًا مما لديهن اليوم). لا عجب إذن أن الكثير من المواطنين كبار السن لدينا لا يتذكرون أنهم عاشوا حياتهم في زنزانة.

إذا كانت مدينة آني عاصمة العصر الذهبي في العصور الوسطى، فمن المؤكد أن يريفان ألكسندر تامانيان كانت عاصمة العصر الذهبي الحديث في أرمينيا. بعد مرور جيل واحد على إلقاء الأم أرمينيا بنفسها مرة أخرى بين أحضان قواديها المسيئين في الغرب، لا تزال معالم يريفان، مع استثناءات قليلة، تتكون من إنجازات تم بناؤها خلال السنوات السوفيتية، أو تم التنقيب عنها وحفظها خلال تلك السنوات: ساحة لينين، المعرض الوطني، دار الأوبرا، نظام مترو الأنفاق، متحف ماتناداران، متحف إريبوني، جامعة الولاية ومعهد البوليتكنيك، والمجمع الرياضي. والواقع أن مدينة يريفان ككل، بهندستها المعمارية المميزة، وشوارعها، وحدائقها، ومتاحفها، وآثارها، ونوافيرها، تشكل في حد ذاتها إبداعاً سوفييتياً.

ثم هناك مسألة الصناعة الوطنية: المواد الكيميائية، و ادوات الآلات، والتعدين، وتوليد الطاقة الكهربائية، والزراعة الآلية. كانت هذه إنجازات دولة صغيرة ومدمرة وغير ساحلية يبلغ عدد سكانها في أوجها أربعة ملايين نسمة، بنيت الصناعة الأرمنية على الرغم من الحظر الاقتصادي والتطويق العسكري والغزو العسكري الذي أودى بحياة أكثر من 20 مليون مواطن سوفييتي ، ومن بينهم أكثر من 300 ألف أرمني.

بعد مرور عشرين عاماً على تأسيس السلطة السوفييتية في أرمينيا، تمكنت البلاد من صد المعتدين، وإطعام الجياع، وإيواء الفقراء، وتعليم الأطفال، وبناء المدن. وفي المقابل، أدت عشرين عاماً من عودة الرأسمالية إلى قلب ارقام الفترة السوفييتية. انخفضت معدلات المواليد ومتوسط العمر المتوقع؛ وارتفع معدل وفيات الرضع؛ وانهارت البنية التحتية الصناعية؛ طرد مئات الآلاف من وظائفهم؛ طرد الآلاف من منازلهم ومزارعهم، وانخفض عدد سكان أرمينيا بنحو 20%.

ربما كان رجال العصابات الطموحين يعتبرون أرمينيا السوفييتية بمثابة "زنزانة" لا يمكنهم فيها سوى قضاء وقتهم في انتظار الخلاص. لكن المهندس المعماري ألكسندر تامانيان لم يجلس منتظراً، ولا الكتاب والملحنين والقادة العسكريين والمهندسين ومئات الآلاف من العمال الذين كانوا فخورين ذات يوم بأرمينيا السوفييتية. على سبيل المقارنة، يريد المرء أن يسأل ما هي أنواع التغييرات التي أحدثتها السنوات العشرين الأخيرة من الرأسمالية في "الشخصية الأرمنية". يفكر المرء في هوفانيس باغراميان [مارشال الاتحاد السوفياتي]وإيفان إيساكوف[ رئيس اركان البحرية السوفياتية]، ورافائيل إسرائيليان [معماري سوفياتي بارز] وفيكتور هامبارتسوميان[عالم فيزياء فلكية سوفييتي متميز، وواحد من مؤسسي علم الفيزياء الفلكية النظرية]، وآرام خاتشادوريان [الموسيقار البارز للسمفونيات ] وألكسندر سبندياريان [ موسيقار مبدع للاوبرا]- ويتساءل المرء لماذا ليس لديهم نظراء وسط تكاثر الرثاثة والخنزيرية في أرمينيا الرأسمالية.

إذا كان من الممكن القول بأن حكام الإقطاعيات والمرزبانيات الصغيرة المتحاربة في العصور الوسطى قد سلموا راية "الامة" الأرمنية - وهذه بالطبع مفارقة تاريخية مضللة - فقطعًا يمكن القول بأن قادة جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية قد فعلوا ذلك. كانت أرمينيا واحدة من خمس عشرة جمهورية سوفييتية خلال السنوات التي كان فيها أنستاس ميكويان أحد أعلى القادة رتبة في الاتحاد السوفييتي. كان ميكويان زعيم الدولة التي هزمت النازيين رغم كل الصعاب، وهي الدولة التي دعمت نضالات التحرير الوطني من الصين إلى فيتنام إلى جنوب إفريقيا. أطلق الاتحاد السوفييتي بقيادة ميكويان أول قمر صناعي، ووضع أول رجل في مدار الأرض، و أيضًا أول امرأة في المدار. (دعونا نتذكر أن رائدي الفضاء يوري غاغارين وفالنتينا تيريشكوفا وُلدا في أسر فلاحية).

لقد سئم الأرمن في الشتات من نداءات التبرع للوطن. قد يكون من الصعب أن نتصور ذلك في الوقت الحاضر، ولكن منذ وقت ليس ببعيد كانت الأعمال الخيرية تتدفق في الاتجاه المعاكس: فقد اعتادت أرمينيا السوفييتية على تقديم الدعم للمغتربين، بما في ذلك آلاف المنح الدراسية الكاملة في جامعات الدولة. والآن بعد أن انتهت هذه المنح الدراسية، لم يعد ممكنا لطلاب الشتات الحكم على أنفسهم بالتعليم العالي المجاني في "زنزانة".

وفي مواجهة هذه الاعتبارات، فإن منتقدي كل ما هو سوفياتي سوف يحتجون قائلين إن هذه الإنجازات تم شراؤها بثمن باهظ بالنسبة للحرية وحقوق الإنسان. وهم على حق بطبيعة الحال: إذ أن ستالين وبيريا مسؤولان عن مقتل الآلاف من المواطنين السوفييت العاديين في أرمينيا. وحرم أتباعهم أرمينيا من يغيشي شارنتس، وأكسيل باجونتز، وأفضل أبنائها وبناتها، بما في ذلك هايك بجيشكيان، وأغاسي خانجيان، ومئات من البلاشفة الأرمن الآخرين.

لكن الجمهوريتين الأولى والثالثة كانتا لهما ضحايا أيضاً. وبوسعنا أن نروي سلسلة طويلة من الانتهاكات التي ارتكبتها الإدارات المتعاقبة في أرمينيا ما بعد الاتحاد السوفييتي ــ نهب الخزانة العامة، والاستيلاء على الأراضي، وملء صناديق الاقتراع والرشوة، والترهيب، والسجن، وقتل المعارضين، وضرب المتظاهرين. ونحن نعلم أيضاً أن العديد من كبار رجال الأعمال في أرمينيا هم من البلطجية واللصوص، وأن الأثرياء المتسلطين في قلاعهم المصطنعة وقوافل سيارات الليموزين الخاصة بهم، هم في الحقيقة مجرد أتباع العصر الحديث يتملقون عندما يجدون أنفسهم في عواصم أجنبية.

الأشخاص الذين لديهم رؤى متعارضة للمستقبل يحملون رؤى مختلفة جدًا للماضي. وفي ضوء السجل الممتد لعشرين عاماً من الرأسمالية المنبعثة من جديد في أرمينيا، فليس من المستغرب أن يشعر أصحاب الإنجازات الصغيرة بأنهم مضطرون باستمرار إلى الاستماع إلى قصص الرعب عن الحياة في "زنزانة" أرمينيا السوفييتية. ولكن من غير الحكمة أن نفترض أن الأجيال المقبلة، التي ستنشأ في ظل نظام رأس المال، سوف تشاركهم فقدان الذاكرة الانتقائي، أحادية الجانب، وعدم القدرة على منح التقدير لمن يستحقه.
……………

[الملاحظات بين قوسين كبيرين للمترجم]

المصدر

http://melkonianbooks.com/PAGES/hetq1%20golden%20age.htm

 ماركار ملكونيان Markar Melkonian
حصل على الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس في أمهرست / امريكا عام 1997، وهو محاضر في قسم الفلسفة بجامعة ولاية كاليفورنيا، نورثريدج. قام بتأليف عدد من الكتب، بما في ذلك كتاب سياسة ريتشارد رورتي: الليبرالية في نهاية القرن الأمريكي  (كتب العلوم الإنسانية، 1999)،و طريق أخي: رحلة مصيرية لأميركي إلى أرمينيا ، والعديد من الكتب الجامعية التي صدرت في السنوات الأخيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين لإسرائيل وآخرين مؤيدين لفلسطين


.. أنصار إسرائيل يعتدون على متظاهرين مؤيدين لغزة بجامعة كاليفور




.. اشتباكات بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في ميدان تقسم بإس


.. ضباط شرطة يدخلون كلية مدينة نيويورك لاعتقال وتفريق المتظاهري




.. اقتحام الشرطة الأميركية جامعة كولومبيا واعتقال العشرات من ال