الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمراض سياسية عربية مزمنة .. لكنها ليست مستعصية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تمتاز نظم الحكم السياسية في البلدان العربية , بأنها نظم حكم شمولية إستبدادية يترأسها , إما ملوك ثيوقراطيين أحاطوا أنفسهم بهالة من القدسية ودعاوى الحسب والنسب العائلي المرتبط ببيت النبي محمد ( ص ) , حيث بات يخاطبهم البعض بسيدنا ومولانا وبأمير المؤمنين , وهم أبعد ما يكونوا عن تعاليم ومبادئ الدين الإسلامي , أو أمراء وشيوخ قبائل متنفذة , أو قادة عسكرين مغامرين إستلموا مقاليد السلطة عبر إنقلابات عسكرية تحت شعارات ثورية براقة ووعود كاذبة بالحرية والعدالة الإجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان . وأيا كانت صفة هؤلاء الحكام فأنهم جميعا كانوا حكاما مستبدين ,لا يقيمون وزنا لشعوبهم التي ما عليها سوى تقديم فروض الطاعة لهؤلاء الحكام , والتسبيح بحمدهم والدعاء لهم بطول العمر, لينعموا هم وعوائلهم بخيرات بلدانهم . أدار هؤلاء الحكام بلدانهم بطريقة بدائية لا تختلف عن إدارة مشايخ القبائل والعشائر في قراهم وعشائرهم ,حيث لهم وحدهم الكلمة الفصل وحرية التصرف بشؤونها , وما على الإخرين إلاّ السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر .
أحاط هؤلاء الحكام أنفسهم بثلة من الأعوان الطامعين بتولي المناصب الرفيعة في الدولة والإستفادة من مغانمها , وبجوقة من الإعلاميين والمزمرين والطبالين لتلميع صورتهم , والحديث عن إنجازاتهم العظيمة بمناسبة وبدونها , فضلا عن حفنة من رجال الدين الذين يحللون ويحرمون بحسب مزاج حكامهم , ويحرمون خروج الناس عن إرادة ذوي الأمرأي الحكام .
لم تعرف البلدان العربية الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة , سوى مرات قليلة في بعضها ولفترة قصيرة لإمتصاص حالة الغليان والغضب الشعبي العارم في بعض الأحيان , على الرغم من أن هذه النظم تعد من أقدم النظم السياسية في دول ما يعرف بدول العالم الثالث , حيث أن معظمها كانت دولا مستقلة منذ مطلع القرن العشرين , بينما لم تنل دول كثيرة إستقلالها إلاّ في وقت متأخر عن ذلك كثيرا , فالهند مثلا لم تنل إستقلالها إلاّ في العام 1947 , وأندونيسيا في العام 1945 وماليزيا في العام 1971, ودول أخرى كثيرة بعد هذا التاريخ , بينما كان العراق عضوا في عصبة الأمم منذ العام 1932 وعضوا مؤسسا لهيئة الأمم المتحدة عام 1945 . قطعت هذه الدول شوطا مهما في مضمار التقدم العلمي والإقتصادي وأصبحت دولا ذات شأن في المحافل الدولية بفضل سياسات حكوماتها الرشيدة , بينما تتقهر البلدان العربية أكثر فأكثر وكأنها دمى فارغة تتلاعب بها الدول الكبرى ومصالحها الدولية بسبب سياساتها العبثية وعدم إرتقائها لروح العصر , وقصر فهمها للمتغيرات الدولية وتقوقعا في دهاليز تاريخ مضى , وعدم إمتلاكها رؤية مستقبلية بالإستفادة من معطيات العلوم ومبتكرات التكنولوجيا الحديثة وتوظيف قدراتها الإقتصادية لتتماشى مع متطلبات الحاضر وتلبية آفاق المستقبل . وتنطلي عليها ألاعيب الدول الأخرى التي تغلب مصالحها دون شك , حيث ثير الشك والريبة بين الدول العربية بهدف جرها إلى صراعات عبثية جانبية ودفعها إلى شراء أسلحة ومعدات عسكرية . ولا عجب أن تتصدر البلدان العربية قائمة دول العالم بشراء الأسلحة . والمفارقة هنا أن الأمن القومي العربي, يعد الأمن الأكثر هشاشة في العالم على الرغم من مشتريات الأسلحة هذه , وإستضافة بعضها لأكبر القواعد العسكرية الأمريكية عدة وعتادا خارج الولايات المتحدة الأمريكية , ومنها إنطلقت وتنطلق الجيوش الأمريكية لغزو البلدان العربية ودول العالم الأخرى في حروبها العدوانية والتي لا ناقة فيها للدول العربية ولا جمل, بل أن معظم ضحاياه كانت دول عربية .
فهل يا ترى تعاني البلدان العربية من أمراض سياسية مزمنة لا تمكنها من الإفلات من قبضة التخلف والفساد والإستبداد وكأنه قدر بات محكوما على شعوبها . والمضحك المبكي أن الكثيرين ممن يصفون بالمفكرين السياسيين يبررون عجزهم وعجز نظم بلدانهم السياسية وأحزابها , بنظرية عداء الدول الغربية ودول أمريكا الشمالية , لبلدانهم من منطلق صراع الحضارات وتخوفهم من نهوض المارد العربي الإسلامي , والعمل بكل الوسائل لكبح هذا النهوض قبل أن ينطلق ووأده في عقر داره , بإلهائه بفتن وصراعات جانبية لشق وحدته وتفتيت نسيجه كي لا تقوم له قائمة . ونحن هنا لا ننكر صراع الحضارات بين الأمم , لكننا نعتقد أن هذا الصراع قائم منذ الأزل وسيستمر وتتبدل أشكاله وألوانه بحسب تبدل الحضارات . فبألامس كان الصراع بين الحضارات الفارسية والرومانية والإسلامية وغيرها , رافقته حروب دامية. أما اليوم فيمكننا القول أن ألصراع بين الحضارة الغربية والحضارات الإسيوية المتمثلة بالدرجة الأساس بالحضارة الصينية والحضارة الهندية والحضارة الإسلامية . والسؤال هنا كيف إستطاعت كل من الصين والهند ترويض هذا الصراع لمصلحة بلدانها دون التفريط بمصالحها , لتقف كل منهما عزيزة شامخة على قدم المساواة مع كبار الدول الغربية التي إستعمرتها ونهبت ثرواتها قرون طويلة . ألا ينبغي أن يكون ذلك درسا بليغا لمن يعلقون فشلهم على فزاعة صراع الحضارات , فصراع الحضارات صراع أبدي باق بقاء الزمن .
قلنا أن النظم السياسية العربية مصابة بأمراض مزمنة , ولكنها بالتأكيد ليست أمراضا مستعصية غير قابلة للشفاء , أي بألإمكان معالجتها والتخلص منها لو بذلت جهودا حقيقية لتشخيصها . وهي أمراض باتت معالمها واضحة للعيان يدركها القاصي والداني , متمثلة أولا وقبل كل شيئ الإستهانة بالمواطن وعدم إحترامه وهدر كرامته وحرمانه من حقه بالتعبير عن إرادته وسلب آدميته , وعدم تأمين حقه بالتعليم والعيش الكريم في وطنه , ومعاملته كبيدق يحركونه كيفما يشاؤون في صراعات عبثية , ولا يعرف عن وطنه اكثر من كونه جندي يساق في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل . وهذا يتطلب أن يدرك الجميع وبخاصة ممن يتولون زمام السلطة أن الناس جميعا سواسية في الحقوق والواجبات , وأن لا أحد فوق القانون وأن أكرمكم أتقاكم , وأن السلطة لن تدوم فلو أنها دامت لغيرك لما آلت إليك . ولعل الإستئثار بالسلطة وكأنها أرث عائلي , أو النرجسية السياسية المفرطة بقدرات البعض ممن يتولون زمام السلطة بطريقة أو بأخرى ,التي يعتقدون أنها قدرات خارقة وأنهم وحدهم ولا أحد سواهم قادر على النهوض ببلدانهم من قادة أو أحزاب سياسية ,لدرجة تخوين من يعارض سياساتهم تلميحا أو تصريحا , إنما تمثل أخطر هذه الأمراض المزمنة التي أصيب بها النظام السياسي العربي ,وما نجم عنها من مآسي ونكبات لحقت بهذه البلدان ما زالت شعوبها تئن منها حتى يومنا هذا . فلم شمل الشعب وتوحيد قواه السياسية على كلمة حق سواء , كل حسب طاقاته وقدراته في ظل حكم رشيد بعيدا عن المجسوبية والمنسوبية, بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب , والكف عن تعظيم الأشخاص المفرط مهما عظمت قدراتهم . وينبغي على قادة الأحزاب والقوى السياسية الكف عن إلقاء اللوم عن فشل سياساتهم ,على الآخرين في سياق نظرية المؤامرة التي يبررون من خلالها فشلهم في كل شاردة وواردة .وبذلك يمكن أن تتخلص هذه البلدان من أمراضها المزمنة . شافاها الله في القريب العاجل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة