الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعادت الشعبوية الى أمريكا الجنوبية من بوابة الارجنتين

جيلاني الهمامي
كاتب وباحث

2023 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


باحت صناديق الاقتراع في الارجنتين يوم الاحد الماضي 19 نوفمبر الجاري بأسرارها وتم الإعلان عن انتخاب اليميني المتطرف الشعبوي خافير ميلاي رئيسا جديدا للأرجنتين. حصل ذلك فعلا رغم ان الدور الأول كان منح لخصمه وزير الاقتصاد في الحكومة المتخلية زعيم التحالف "الاتحاد من أجل الوطن" سارجيو ماصا أسبقية بستة نقاط (36 %). وحتى أيام قليلة من موعد الحسم بقيت الحظوظ متقاربة مع تفوق طفيف لسارجيو ماصا الذي كسب جولات المواجهات المباشرة بينهما.
ويبدو أن ميلا حدث لدى الجزء المتردد من الناخبين والذين كان عددهم يزيد عن عشرة ملايين من أصل 37 مليون ناخب هو الذي حسم الامر في آخر لحظة ليفوز الشعبوي المتطرف خافير ميلاي بنسبة 55،59 % وهو فوز ساحق لم يكن متوقعا لدى كل المتابعين للسباق الرئاسي في الارجنتين. لقد اختارت الارجنتين رئيسها للسنوات الأربع القادمة الذي كما صرح اثر انتخابه قائلا " لقد انتهى النموذج الطبقي الفقير، واليوم نعتمد نموذج الحرية، لنصبح قوة عالمية مرة أخرى". بنفس الكلمات تقريبا سارع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الى تهنئته بالقول "انا فخور بك سوف تحول بلدك وتجعل الارجنتين دولة عظيمة مرة أخرى". أما الشعبوي الاخر، الرئيس البرازيلي السابق فقد أبرق اليه "الأمل يشع مرة أخرى في أمريكا الجنوبية".
كثيرة هي الأسئلة التي صاحبت بروز هذا الشعبوي الجديد واثارها فوزه بالرئاسية وهو الذي يعد جديدا على عالم السياسة. فخافير ميلاي هذا ذو الـ 53 سنة جاء قبل فترة قليلة لهذا العالم المتقلب في هذا البلد الذي يعيش ازمة اقتصادية خانقة والذي عاد مجددا ليركع تحت "جزمة" صندوق النقد الدولي. كان اول عهد بالسياسة يوم أصبح عضوا بالبرلمان نائبا عن منطقة العاصمة بيونس إيرس. وقد صعد للبرلمان سنة 2021 تحت شعار "تحيا الحرية، اللعنة "vive la liberté, bordel" بعد ان اقنع اوساطا واسعة "سالتحق بمجلس المختلسين لأخوض المعركة ضدهم من الداخل". ومن ذلك الوقت كثف من حضوره الإعلامي ليخلق لنفسه صورة متفردة ومميزة عن باقي السياسيين حتى بات يعرف بمن يسب ويشتم ولا يتوانى عن الاعتداء عمن يعارضه في الحوارات التلفزية. وبصورة موازية لذلك ابتدع "المدارس الاقتصادية في الاحياء الشعبية" حيث يقدم دروسا في الاقتصاد السياسي مجانا هذه المدارس التي سرعان ما أصبحت أداة ذات فعالية عجيبة في استقطاب الاف الشبان.
غير ان السبب الحقيقي في صعود نجمه كان في البرنامج الذي تقدم به بكل "جرأة" وقوة. ويتمحور هطا البرنامج في الليبرالية المطلقة إذ ان الدولة ينبغي، حسب برنامجه، ان ينحصر دورها في رعاية الامن وفقط. فهو يعتنق الليبرالية التي يرى فيها "معركة ثقافية" ويعتبر نفسه مناركيا "minarchiste". ولم يخف في برنامجه انه في صورة انتخابه رئيسا للبلاد سيستبدل العملة المحلية "البيزو" بالدولار الأمريكي في المعاملات الداخلية. الاغرب من ذلك انه ينوي الغاء البنك المركزي الذي يحمله مسؤولية التضخم في البلاد. كما وعد بتقنين زواج المثليين والسماح بالاتجار بالمخدرات بشكل قانوني وهو يعتبر ان بيع الأعضاء هو معاملة تجارية بالتراضي لا تطرح اشكالا بالمرة وان الإجهاض قضية حقوق ملكية وحرية في التصرف فيها.
بمثل هذا البرنامج صعد خافير ميلاي للرئاسة في الارجنتين واحد من أكبر وأهم بادان أمريكا الجنوبية بعد البرازيل. ال
السؤال المطروح هو الى أي مدى سيكون وفيا لهذا البرنامج وهل سيتمسك به فعلا ويعمل به؟ لكن السؤال الذي ربما ينبغي طرحه قبل ذلك هو لماذا يلقى مثل هذا البرنامج قبولا لدى الجماهير فيما نراها تنفر البرنامج الاشتراكي الذي يتضمن فعلا كل الحلول الاقتصادية والاجتماعية والحضارية؟ هل لأن الاشتراكية قد تجاوزها الزمن كمقاربة ومنهج أم لأن الذين يمثلونها ويلهجون باسمها فقدوا القدرة على الاقناع بها؟
لقد أكدت ازمة 2008 ان الاشتراكية التي ذهب في ظن الأجيال الجديدة تحت وقع القصف الدعائي البرجوازي قد فشلت وانتهت صلوحيتها مازالت تمثل الحل القويم والاسلم للمجتمع الإنساني المعاصر. كل ما في الامر ان معتنقي هذه النظرية العظيمة لم يمتلكوا بعد الاهلية العلمية والعملية لإثبات تفوقها وإقناع الناس بالسير في سياقها.
نقول هذا لأنفسنا قبل ان نوجهه لغيرنا بطبيعة الحال ولكننا على يقين ان النهوض من الكبوة التاريخية الكبرى مسألة وقت لا أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رد فعل على ارث البيرونية
منير كريم ( 2023 / 11 / 23 - 23:52 )
الاستاذ الهمامي المحترم
ربما يعود السبب في تضاؤل القناعة بالاشتراكية الر ردة الفعل على ارث البيرونية
البيرونية كانت حركة قوية حكمت الارجنتين فترات طويلة
والبيرونية حركة قومية اشتراكية كالبعث والناصرية عندنا
فاذا عملت انتخابات حرة في كوبا فماذا تتوقع ان تكون النتيجة ؟
شكرا لك

اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب