الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات العربية وحرب غزة وقوة إيران الناعمة: كي لا تسقط الأندلس مجددا

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 11 / 24
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


النمط الجيوثقافي: التنظيم- التمويل- التسليح
هاك نمط إيراني في التمدد الجيوثقافي على حساب الذات العربية أصبح يمكن رصده بسهولة، يعتمد على تقوية الوجود الشيعي الثقافي في الدول العربية وتفجير التناقض الناعم بين السنة والشيعة في مستودع الهوية العربي، وذلك في معظم الدول التي يمكن تفجير التناقض فيها، ويمكن القول من خلال رصد طريقة عمل إيران وتمددها الشيعي في البلدان العربية، أن النمط الجيوثقافي الشيعي يعتمد في تمدده على ثلاثة مراحل، وهي: التنظيم- التمويل- التسليح.

من الرأس العقائدي إلى القوة التسليحية
أي يبدأ في البداية بتكوين رأس تنظيمي عقائدي شديد القوة والصلابة، يعمل في إطار مذهبي شيعي، ثم إذا وجد الفرصة سانحة وكانت الدولة العربية التي يوجد فيها هذا التنظيم في حالة رخاوة وضعف وعدم تماسك، قام بزيادة تمويل التنظيم المذهبي ليزيد من حضوره السياسي والاجتماعي، ولمرحلة الأخيرة من نمط التمدد الجيوثقافي الإيراني في جغرافيا الذات العربية، أن هذا التنظيم الشيعي يتمدد ويتم تسليحه ليصبح له وجودا جيوثقافيا وسياسيا مستقلا في الدول العربية، وللننظر في حالة جماعة الحوثي اليمنية ومراحل تطور وجودها في اليمن من التنظيم إلى التمويل وتفجير التناقض السني الشيعي وصولا إلى التسليح.


كيف انفردت إيران بخيار المقاومة الجيوثقافية

كما أن إيران اختارت لنفسها على المستوى الجيوثقافي العام اختيارا ثقافيا براقا، يقوم على تبنيها لحالة المقاومة العربية عموما لدولة الاحتلال والصهيونية، وظهر هذا التناقض الجيوثقافي وبزغ للوجود وأصبح متمايزا عقب معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل"، لينتقل مركز الثقل الجيوثقافي الخاص بالمقاومة إلى إيران، خاصة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي وبعد انضمام الأردن إلى مسار التطبيع مع "إسرائيل"، ثم الضغوط الجيوثقافية التي مارستها أمريكا بعد زيادة نفوذها وحضورها الجغرافي في منطقة الخليج العربي بعد حرب الخليج الثانية ضد العراق، لتخسر الذات العربية حتى الخطاب الجيوثقافي الناعم الداعم للمقاومة شيئا فشيئا التي كانت تحاول الدول الخليجية الصاعدة الجديدة تقديمه، وانتقلت بالتدريج أيضا من حالة القطيعة التي كانت عليها مع مصر بسبب معاهدة السلام الممنفرد مع إسرائيل، لأن أصبحت الإمارات والبحرين والسعودية بدرجة أقل مراكزا جديدة للصهيونية الإبراهيمية وصفقة القرن التي ظهرت في مرحلة ما بعد الثورات العربية، لتنفرد إيران تقريبا بالاختيار الجيوثقافي لدعم المقاومة، ومعها الأذرع الخاصة بها التي استطاعت تقوية حضورها الجيوثقافي والسياسي في اليلدان العربية خاصة في ظل الفشل الجيوثقافي العربي في تقديم بدائل سياسية مقبولة لدولة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي في مرحلة الثورات العربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

الحاضنة الجيوثقافية لفلسطين في إيران
وليس في الدول العربية


ورغم التباين المذهبي المعروف بين السنة والشيعة والحركات الخاصة بكل منهما في التاريخ الإسلامي عموما وللمنطقة العربية خصوصا، إلا أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" سرعان ما وجدت المشترك الجيوثقافي بينها وبين إيران وأذرعها في المنطقة العربية، لأن كل منهما على المستوى الثقافي كان يتبنى اختيار مقاومة العدو الصهيوني، وكل منهما ركز جهود الجغرافية في اتجاه العدو المشترك "إسرائيل"، ومع دخول الدول الخليجية تحت مظلة الصهيونية الإبراهيمية وتفكك دولة ما بعد الاستقلال في ليبيا والصدام بين مصر وكل تمددات جماعة الإخوان بما فيها "حماس"، أصبح هناك مددا يكاد يكون وحيدا لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين يأتي من إيران، من ثم أصبحت إيران حاضنة جيوثقافية شبه منفردة للمقاومة الفلسطينية، خاصة بعد تحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى العمل السياسي المؤسسي في ظل اتفاقيات أوسلو التي وقعت في التسعينيات بعد تفجير التناقض العراقي الكويتي وحرب الخليج الثانية، وعودتها إلى فلسطين حالمة بالدولة لكنها وصلت إلى الطريق المسدود لا مستقبل أمامها ولا تستطيع الخروج ثانية من الأرض المحتلة، بعد اغتيال إسحاق رابين وتفكك الظرف الضاغط لحرب الخليج الثانية ومحاولة تجميل وجه أمريكا بعد احتلال العراق وضربه.

محور الممانعة
وهكذا في نهاية عام 2023م أصبحت إيران تمثل الحاضنة الجيوثقافية شبه الوحيدة للمقاومة في فلسطين، والذات العربية عموما لدولة الاحتلال متصدرة ما عرف بـ"محور المقاومة" أو "محور الممانعة"، بما فيه النظام السوري العلوي الشيعي، بما لا يترك مجالا للشك أن إيران وبقية محور المقاومة كان على علم -بدرجات متفاوتة- بقرب قيام حركة حماس بعملية طوفان الأقصى، أو على الأقل كانت إيران قد رفعت درجة استعداد هذا المحور، وزودته بأسلحة يمكن لها أن تدعم العملية عند وقوعها.

في ضرورة مراجعة النفس
ورغم أن الذات العربية وتمثلاتها السياسية تجد أنه لابد من التنسيق الجيوثقافي مع إيران ومحور المقاومة برمته، وكذلك مع التمدد والحضور التركي، إلا أن الذات العربية يجب أن تراجع نفسها في الاختيارات الجيوثقافية التي وصلت إليها في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ويجب ان تطور لنفسها مشروعها جيوثقافيا جديدا، بعيدا عن المزايدات من هذا الطرف أو ذلك.
تلك المزايدات التي تتمحور حول أن من يرفض هيمنة دولة الاحتلال يدعو إلى الحرب، وشيوع مستوى من تسطيح المسئولية السياسية وإدارة الدبلوماسية العربية لوجودها العام الإقليمي والعربي، عبر مزيج بشري هش سيطر على التراتب الاجتماعي العربي.

ما بعد فلسفة "الأسقف المنخفضة" و"الحدود الدنيا"!
والحقيقة أنه إذا نجد الفرصة المواتية في حرب غزة 2023م لتجاوز أصحاب "فلسفة الأسقف المنخفضة"، أو "فلسفة الحدود الدنيا"، فإن القادم أسوأ ما يكون، لأنه المدقق جيدا في الخطوط الرئيسية للسياسات العامة في بعض الدول العربية في فترة ما بعد الثورات العربية، سيجد أن هناك تيارا انتهازيا سيطر في بعض الدول العربية داعيا إلى تطبيق فلسفة "الحدود الدنيا" في السياسات الخارجية متخيلا أن هذه الفلسفة سوف تضمن الدعم الغربي/ الصهيوني له!
ولأن السياسات العامة للدول تتدافع بين ظرف موضوعي خارجي وظرف ذاتي داخلي، فيمكن للبعض ان يجد في طوفان الأقصى وحرب غزة 2023م فرصة بديلة لسياسات بديلة تعتمد على تولي المسئولية السياسية فعلا، واستعادة الصلة مع مستودع "الهوية العربي" وقيمه المشتركة الجامعة، باعتبار ذلك أساس لبناء مشترك عربي جديد، يتجاوز تناقضات العقود الماضية التي جعلت العالم العربي –بكل أسف- يبدو وكأنه يمثل مرحلة دولة الطوائف التي في عهدها سقطت دولة الأندلس العظيمة.

من الصفقة الأولى إلى التلويح بالترانسفير
فإما أن نستغل الفرصة الحضارية لتغيير المزيج البشري والسياسات الكلية السارية، أو ربما سيكون القادم أسوأ ما يكون، وهذا الكلام قاله البعض في صفقة القرن الأولى مع ترامب، وفي ملف سد النهضة، وفي ظل أزمة كورونا، وفي ملف الصعود الأوراسي في أفريقيا وتمدد طريق الحرير الصيني، ويتكرر الآن في ظل عملية طوفان الأقصى وتلويح "إسرائيل" المستمر بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية.

كي لا تسقط الأندلس مجددا
فإما أن تطور مصر مشروعا جيوثقافيا جديدا تستعيد به من خلالها قوة الذات العربية ووحدتها، أو سيسجل التاريخ أن القرن الحادي والعشرين شهد سقوط الذات العربية وسقوط فلسطين والمسجد الأقصى تحديدا (مركز صفقة القرن الفعلي)، في مرحلة تشبه دولة ملوك الطوائف التي في عهدها ضاعت الأندلس العظيمة.
لا يمكن أن تتخلى الذات العربية عن وجودها الجيوثقافي القائم على خيار المقاومة للهيمنة والتمدد الصهيوني، وتترك القوة الناعمة كلها لصالح التمدد الشيعي الإيراني، هما اختياران لا ثالث لهما إما أن نتحمل المسئولية الثقيلة لأن نكون كيانا مستقلا جيوثقافيا، أو ستؤدي فلسفة "الحدود الدنيا" و"الأسقف المنخفضة" والخضوع والتبعية وتيار الاستلاب العربي للصهيونية، لتسليم مفاتيح المسجد الأقصى للصهاينة والصهيونية الدينية، وستسقط دولة الأندلس مجددا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو