الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رياح الشمال.. ما المقصود بالقارئ؟

حسين جرود

2023 / 11 / 24
الادب والفن


لأن جهة الشمال ليست واحدة، كانت قصيدة النثر، لأن الشمس لها ملايين المعاني، لأن بعضنا لم يمنح دقيقة من وقته للقمر، فهو يرى العالم من وجهة نظر مختلفة، ولا يعني ذلك أن نطالب بإعدامه، بل قد يكون امتلك نتيجة ذلك رؤية مختلفة للعالم.
الرؤية الشخصية، التي يمتلكها الشخص الواحد بسبب البيئة أو الجينات أو العاهات الخلقية... هي خزَّان ثري للشخصيات الروائية، وكذلك لكاتب قصيدة النثر، الذي يمثِّل دور الشخصية والمؤلِّف في الوقت نفسه، والكاتب والقارئ معًا، كي لا نقول "المدمِّر والخالق" الكلمات التي غدت مبتذلة مع جيل الحداثة.
لغة الرياضيات والعلم التي تحكم العالم قاصرة، وكل تفسيرات هذا العالم كذلك، لذا لا يكترث الشاعر بالمشترك والمتفَّق عليه، بل له رياضيات خاصة به، أي أن لكل فرد قوانينه الخاصة التي يعرفها جيدًا، بينما ليس للعالم مهما حاولنا قوانين متفَّق عليها مئة بالمئة حتى 1+1=2.
لا يعرف الشخص قوانينه بمعنى المعرفة، ولكنه يحسُّ بها ويحاول التعبير عنها مبتكرًا لغة خاصة، ويقوم بذلك مرَّات ومرَّات، وقد يفشل وقد ينجح، ولا يمكن بأي حال التنازل عن تلك اللغة التي تناديه، والقصيدة التي تطالبه بكتابتها في كل موقف وجودي مر به، رغم أنه دومًا يكتب غيرها، محاولًا مقاربتها، ويستمر في التعبير والفشل.
اللغة كلها، وحتى الفكر والمنطق... خُلقتْ لأهداف أدنى من ذلك بكثير، ولكنها في النهاية إبرة بوصلة تشير نحو الشمال.
مهما كانت النظريات الثقافية التي ننطلق منها لا يمكن التنازل عن القرَّاء وشطبهم وإلا ألغينا التواصل والفاعلية والإيحاء وأي هدف يمكن أن نبتغيه من الكتابة.
القارئ الأول هو الكاتب، والكاتب ليس قارئًا واحدًا، بل أمزجة مختلفة وشخصيات مختلفة في الوقت نفسه، وأشخاص مختلفين في أزمنة متباعدة. وبعده قد تؤثر فينا آراء القرَّاء الآخرين، سواءً أكانت سلبية أم إيجابية، سلبًا أو إيجابًا، ولكنها تبقى غير مهمة على المستوى الرؤيوي الشخصي، وربما مهمة فقط على المستوى العلمي ولغة الأرقام ونظريات التواصل والتلقي...
ينصحنا عزرا باوند -مثلًا- أن لا نكترث لرأي من لم يكتب نصًا مهمًا، لذا تبدو قصيدة النثر في كل فترة جزرًا مغلقة في أماكن شتَّى، وقد كتبتُ مرة: "يظن كُتاب قصيدة النثر أنهم جيدون، لأنهم يقولون ذلك لبعضهم"، أو كما يقول المثل: "من دهنه سقي له".
هذه حياة الغرباء ومأساتهم، باختصار. ويستطيعون أن يقولوا ببساطة إن من يصفِّق لهم الملايين غير مبدعين، ولا يمتلكون أي شيء يستحق، وأن كاتب شعر الشطرين التقليدي لا يزيد عن مطرب شعبي أو محترف في فن العتابا، مع شهادة في اللغة العربية، أو "تحويجة" أخرى...
مع أن الإبداع هو بمعناه البسيط إيجاد حل أو خلق (أعود مُكرهًا إلى تلك الكلمة الكريهة)، وعندما نبدع في اللغة يعني هذا إيجاد وسائل تواصل أذكى وأجدى وأعمق وأبعد غورًا من المتوفِّر والشائع، لا تقليد المتوفِّر والشائع، فهذا يستطيع فعله أيُّ طبال.
إذن، بينما يوجد عالم نراه جميعًا، ونحاول جميعًا أن نتفق عليه لنعيش بسلام، يوجد عالم آخر من الطبيعي أن نختلف حوله، وإلا لكنا جميعنا متشابهين، ونسخًا متكررة في مصفوفة كما في الفيلم الأمريكي الشهير...
ولكننا موزَّعون على أزمنة وأمكنة وشخصيات كثيرة حتى داخل الواحد منا، وموزَّعون عبر الدول والقارات والعصور، وربما قريبًا: الكواكب. ربما لم يعد يوجد ما يجمع بين الأفراد، لا وطن، لا إيديولوجيا، لا شغف، واللغة تلك الأداة النفعية المبتذلة الحقيرة التافهة، التي نحاول أن نحوِّلها إلى فن أو شيء أكثر دفئًا وعزاءً، قد لا تكون في المستقبل أكثر من استمناء ديوجين في برميله، أو نيتشه في بيته، أو بوكوفسكي في غرفته المستأجرة.
القصيدة ليست أكثر من لحظة اختراق لكل هذا الوهم الكبير، فنحن نموت في كل لحظة، وأحيانًا يتطفَّل أحدنا على هذا الأمر الشائع جدًا، ويكتب قصيدة كما فعل ديوجين ونيتشه وعزرا باوند وبوكوفسكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??