الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطوير ماو تسى تونغ للحرب الثوريّة و الخطّ العسكريّ الماركسي - الفصل الثاني من - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - لبوب أفاكيان

شادي الشماوي

2023 / 11 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


( ملاحظة : منذ نهاية 2015 ، نشرنا على صفحات الحوار المتمدّن ترجمة فصول ثلاثة من هذا الكتاب كجزء أوّل ضمن العدد 22 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي . و كملحق لهذا الفصل الجديد من الجزء الثاني للكتاب ، تجدون أدناه المقدّمة العامة للمترجم و محتويات الكتاب بشيء من التفصيل ).

الحرب الثوريّة و الخطّ العسكريّ

مقدّمة : الفصل الأوّل الذى تناول بالبحث تطوير ماو تسى تونغ لخطّ الثورة في البلدان المستعمَرة و بصفة خاصة نظريّة و إستراتيجية ثورة الديمقراطيّة الجديدة و أشار إلى أنّ مساهمات ماو في ذلك المجال كانت وثيقة الإرتباط بتلك التي جدّت في حقل الحرب و الإستراتيجية العسكريّة . و يتطرّق هذا الفصل إلى تطوير ماو لخطّ حرب الشعب / الحرب الشعبيّة في الصين و مساهماته العامة في الخطّ الماركسي العسكريّ و النظريّ و الإستراتيجيّ .
-------------------------------

أساس الخطّ العسكريّ لماو و مبادئه الجوهريّة

عند صياغة خطّ ثوريّ بشأن الحرب و الإستراتيجية و النظريّة العسكريّة الماركسيّة ، لخّص ماو و تعلّم من المساهمات و الكتابات في هذا الموضوع من لدن كلّ القادة الثوريّين الماركسيّين و من الأعمال المتنوّعة لغيرهم من الكتّاب و المثقّفين، في كلّ من الصين و سواها من البلدان . و كانت الصين نفسها بآلاف السنوات من التاريخ و التمرّدات المتكرّرة للجماهير و الحروب الثوريّة تزخر بتجارب الحرب القديمة منها و الأكثر حداثة . و كذلك في فترة وجيزة من ظهورها على مسرح التاريخ ، إنخرطت البروليتاريا في عدد من البلدان في حروب ثوريّة أحيانا سويّة مع و حتّى تحت قيادة طبقات أخرى بما فيها البرجوازيّة ، ضد الإقطاعيّة و الأنظمة المُلكيّة الرجعيّة و قوى أخرى تشدّ إلى الوراء تطوّر الرأسماليّة ، و أحيانا كقوّة قتاليّة مستقلّة إلى جانب جماهير مضطَهَدَة أخرى للإفتكاك السلطة و إرساء دولة عمّال .
من البداية ، أعار قادة حركة العمّال الطبقيّة الواعية إنتباها هاما لمسألة النضال المسلّح و دور العنف الثوريّ في التقدّم بالمجتمع من مرحلة تاريخيّة إلى مرحلة أخرى ، خاصة من الرأسماليّة إلى الإشتراكيّة و في نهاية المطاف الشيوعيّة . و تابع ماركس و إنجلز عن كثب و كتبا مطوّلا عن مثل هذه الأحداث التاريخيّة كالحرب الأهليّة في الولايات المتّحدة و كذلك حروب تقدّميّة متنوّعة في أوروبا و في غيرها من الأماكن . و بوجه خاص ، تابعا عن كثب و قدّما النصح لتمرّد العمّال في باريس الذى ركّز أوّل حكومة عمّاليّة و إن لم تعمّر طويلا سنة 1871 ، أثناء كمونة باريس . و قد ركّزا بصلابة المبدأ الماركسيّ الأساسيّ أنّ إلغاء الرأسماليّة يتطلّب كخطوة أولى الإطاحة بالقوّة بالدولة الرأسماليّة و بالطبقة الرأسماليّة و العناصر الرأسماليّة لأجل التقدّم نحو المجتمع الخالى من الطبقات ، المجتمع الشيوعيّ .
في أعمال مثل " مقدّمته " لكتاب ماركس ، " الصراع الطبقي في فرنسا ، 1848-1850 " و في كتابه الشهير " ضد دوهرينغ " و في غيرهما من الأعمال ، لخّص إنجلز التطوّرات الحديثة في التسلّح و تطوّرات أخرى أفرزت التغيّرات الضروريّة في إستراتيجية و تكتيك حرب حديثة . و إستخلص الدروس السياسيّة من ذلك و تطبيقها على مسألة التمرّد المسلّح للطبقة العاملة ضد حكم رأس المال .
و لينين في بداية ثورة روسيا سنة 1905 التي وصفها لاحقا ب" تمرين " على الإستيلاء الناجح على السلطة في 1917 ، أولى إنتباها لمسألة تكتيكات قتال الشوارع و الإنتفاضة المسلّحة التي يجب أن تتطوّر لمواجهة القوّة العسكريّة للقيصر . و في خضمّ قيادة الإنتفاضة الناجحة في روسيا في أكتوبر 1917 ، طوّر لينين و ستالين نظريّة و ممارسة متّصلة بالإنتفاضة و الحرب في بلد رأسمالي – و إن كان بلدا له مظاهر متخلّفة كبقايا الإقطاعيّة على نطاق واسع و ظروف ريفه متخلّفة . و طوّر لينين و ستالين أكثر النظريّة الماركسيّة و إستراتيجية و تكتيك الحرب الثوريّة ، خاصة في الحرب التي تبعت الإنتفاضة المظفّرة في أكتوبر 1917 . ففي هذه الحرب ، ألحق العمّال و الفلاّحون الروس ، بقيادة الحزب البلشفيّ و لينين و ستالين ، ألحقوا الهزيمة ليس بالرأسماليّن و الملاّكين العقّاريّين في روسيا الذين أطاحوا بهما فحسب بل كذلك بأربعة عشر قوّة رجعيّة تدخّلت إلى جانب الثورة المضادة .
و طبعا ، إبّان الحرب العالمية الثانية ، إبّان الحرب الوطنيّة الكبرى للإتّحاد السوفياتي التي آلت إلى هزيمة النازيّين الألمان، قاد ستالين بإمتياز الجيش الأحمر السوفياتيّ و الشعب السوفياتيّ ككلّ في خوض الحرب الثوريّة لهزم الغزو و الحرب العدوانيّة للنازيّين ، أضحى ذلك نقطة إنعطاف و عاملا حيويّا في مسار الحرب و هزم المحور الفاشيّ . في خلال ذلك ، قدّم ستالين مساهمات عظيمة في الحركة الثوريّة عالميّا و في الإستراتيجية الشيوعيّة و تكتيكات الحرب و تطبيقاتها الملموسة.

أوّل خطّ عسكريّ ماركسيّ شامل

لكن كان ماو تسى تونغ هو الأوّل ضمن القادة الكبار في تطوير خطّ عسكريّ ماركسيّ و نظام فكريّ شاملين و كاملين حول القضايا العسكريّة . لأكثر من 20 سنة ، قاد ماو تسى تونغ الحرب الشيوعي الصيني و الشعب الصيني و القوّات المسلّحة تحت قيادة الحزب الشيوعي في خوض الحرب الثوريّة ضد أمراء الحرب و ضد النظام الرجعيّ لتشانغ كايتشاك / تشيانغ كاي شيك ، ثمّ في الجبهة المتّحدة ضد اليابان في الحرب المناهضة لليابان ، و في النهاية في حرب التحرير ضد تشانغ كايتشاك و داعميه الأمريكان ما أدّى إلى تحرير الصين سنة 1949 .
وقد إرتبط تطوير ماو للماركسيّة - اللينينيّة في ما يتّصل بالحرب وثيق الإرتباط بطبيعة الثورة الصينيّة لأنّ الثورة ، كما تمّ شرح ذلك في الفصل السابق ، كانت من البداية ثورة مسلّحة تقاتل الثورة المضادة المسلّحة في الصين . و كان هذا في آن معا مظهرا خاصا و ميزة خاصة للثورة الصينيّة .
بكلمات أخرى، كما أشار ماو و ناضل من أجل ذلك ، من البداية ، كانت الحرب الشكل الأساسيّ للحركة الثوريّة في الصين. و لم يرسى ماو هذه الحقيقة كمبدأ أساسيّ للحزب إلاّ من خلال الصراع الشرس ضد الإنتهازيّين اليمينيّين في صفوف الحزب في المراحل الأولى من الثورة الصينيّة . و في سياق قيادة النضال المسلّح أثناء مختلف مراحل الثورة التي طوّرها ماو تماما إلى خطّ عسكريّ ماركسيّ و إستراتيجية و منظومة فكريّة حول القضايا العسكريّة التي أرشدت الثورة الصينيّة نحو النصر التام ، قام بمساهمات دائمة في الإثراء الكبير للماركسيّة – اللينينيّة بخصوص الحرب . و كما قال ماو نفسه ، بالنسبة إليه و إلى الحزب الشيوعي و الجماهير الصينيّة الذين كان يقودهما ، كانت المسألة مسألة تعلّم الحرب خلال خوض الحرب .
و في الوقت نفسه ، كما مرّ بنا سابقا ، درس ماو و إستوعب الدروس الثرية للحرب ، خاصة الحروب التقدّميّة في الصين و في غيرها من البلدان ، و تفكير و تحليل القادة الثوريّين لا سيما القادة الماركسيّين في ما يتّصل بالحرب . و فضلا عن ذلك ، طبّق ماو بإقتدار الماديّة الجدليّة على مسألة الحرب و طوّر الإستراتيجيا الثوريّة للحرب في الصين عبر المراحل المختلفة للثورة الصينيّة . و بالتالى ، أعمال ماو العسكريّة بنك كنوز ثريّ ليس للفكر الماركسي حول مسألة الحرب بل كذلك حول تطبيق المبادئ الأساسيّة للماركسيّة و بالأخصّ الفلسفة الماركسيّة .
كان الخطّ العسكريّ لماو متجذّرا في الواقع الأساسيّ بأنّ الحرب الثوريّة ترتهن بالجماهير الشعبيّة و لا يمكن أن تنجح إلاّ على أساس تمتّعها بمساندتها و إشراكها بنشاط في النضال ضد القوى المضادة للثورة . بكلمات أخرى ، كما قال ماو ، حرب الشعب هي حرب الجماهير . و هذا تطبيق هام ليس فقط في بلدان كالصين و إنّما عالميّا على النضال الثوري في كلّ البلدان . و في حين طوّرت التكتيكات العسكريّة لماو ذات الصلة و الأهمّية الخاصة لبلدان كالصين خلال فترة الثورة الديمقراطية ، يمكن للمبادئ الأساسيّة للخطّ العسكريّ لماو أن تطبّق عامة على الحرب الثوريّة في كلّ البلدان .
من البداية ، و فى مسار الثورة ، قاتل ماو من أجل بعض المبادئ الأساسيّة و طوّرها أكثر و صاغها . و من أهمّ هذه المبادئ مبدأ أنّ الحزب يجب أن يوجّه البندقيّة و ليس العكس – بمعنى ، يجب على الحزب أن يقود القوّات المسلّحة الثوريّة و النضال المسلّح ، و لا يجب أن يُسمح للجيش أبدا أن يُصبح في الآن نفسه القوّة السياسيّة القياديّة للثورة أو قوّة مستقلّة عن القيادة السياسيّة للحزب ؛ و في إرتباط بهذا ، مبدأ أنّ الناس و ليست الأسلحة هم المحدّدون في الحرب ؛ و حقيقة أساسيّة هي أنّ ماو صارع من أجل ذلك و دافع عنه و طوّره في تعارض مع إنتهازيّة التحريفيّين القدماء منهم و الجدد ، من برنشتاين و كاوتسكى إلى خروتشاف و ما شاكل في الصين ذاتها .
و إضافة إلى ذلك ، طوّر ماو التوجّه الأساسي الذى من الممكن تطبيقه فى الأمم المضطهَدَة و البلدان الإشتراكيّة التي تتعرّض إلى العدوان الإمبريالي ، و أكثر من ذلك على القوى المسلّحة الثوريّة التي تنطلق صغيرة الحجم أو ضعيفة مقارنة بخصمها – توجّه الإنطلاق أوّلا من الدفاع الإستراتيجي و خوض حرب بحيث يتمّ الإعداد و في النهاية المرور إلى الهجوم الإستراتيجي و على ذلك الأساس المضيّ بالحرب إلى الإنتصار .
في تطوير خطّه حول الحرب الثوريّة ، إستند ماو على و أكّد تأكيدا قويّا على التحليل الماركسي الأساسي لمسألة الحرب . مثلا ، في " قضايا الإستراتيجية في الحرب الثوريّة الصينيّة " المؤلّف في ديسمبر 1936 ، أشار ماو إلى :
" إنّ الحرب التي ظهرت مع ظهور الممتلكات الخاصة و الطبقات ، هي أعلى أشكال الصراع لحلّ التناقضات التي تكون قد تطوّرت إلى مرحلة معيّنة ، بين الطبقات ، و الأمم ، و الدول ، و الجماعات السياسيّة ." [ ص 61 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، باللغة العربيّة ، مكتبة الحوار المتمدّن ، نسخ و تقديم و ملحق لشادي الشماوي + صفحة 264 ، المجلّد الأوّل من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة العربيّة ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ]
و أوضح أنّ هدف البروليتاريا من خوض الحرب هو إلحاق الهزيمة بالإمبرياليّة و الرجعيّة و التقدّم بالمجتمع بإتّجاه مرحلة الشيوعيّة حيث ستلغى في نهاية المطاف الحرب مع إلغاء الطبقات . و بيّن بحيويّة أنّه من الضروريّ خوض حرب للقضاء على الحرب ، كما وضع ذلك بشكل تخطيطيّ ، في سبيل القضاء على البنادق يجب علينا أن نحمل البنادق . فكان ذلك دحضا لاذعا للنفايات التحريفيّة و البرجوازية الأخرى التي تنادى بالسلبيّة و السلم لتعدّ لمذابح الرجعيّين و توقف النضال الثوريّ .
و فضلا عن ذلك ، في " قضايا الحرب و الإستراتيجية " المكتوب في نوفمبر 1938 ، أفصح ماو عن أنّ " الإستيلاء على السلطة بواسطة القوّة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزيّة للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي – اللينينيّ المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ سواء ".(2) ( صفحة 65 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " + صفحة 303 ، المجلّد الثاني من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة العربيّة ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين – من هنا فصاعدا سنشير إلى المجلّد ب " م " و إلى الصفحة ب " ص" ) و فورا أضاف ، مع ذلك ، " إنّ المبدأ سيبقى هو ذاته إلاّ أنّ الأحزاب البروليتاريّة التي تعيش في ظروف مختلفة تطبّقه بصورة مختلفة تبعا لإختلاف الظروف ." (3) ( م 2 ، ص 303) . أمّا في ما يخصّ مسائل أخرى، متعلّقة بالخطّ العسكريّ الماركسيّ للحرب الثوريّة ، فقد حلّل ماو تحليلا ملموسا الظروف الملموسة و وقف ضد الدغمائيّة و التحريفيّة و على هذا الأساس طوّر الخطّ العسكريّ الصحيح في تعارض مع شتّى الخطوط العسكريّة الإنتهازيّة .
و كان الخطّ العسكريّ الصحيح للثورة الصينيّة يعتمد على التحليل الصحيح للمجتمع الصينيّ و طبيعة الثورة الصينيّة عامة، النابعين من الطابع الأساسي شبه المستعمر و شبه الإقطاعي للصين و ظروفها الخاصة بما فيها علاقتها بمختلف القوى الإمبرياليّة ، في مسار هذه الثورة . و على هذه القاعدة ، طوّر ماو إستراتيجية إرساء قواعد الإرتكاز و خوض حرب طويلة الأمد لمحاصرة المدن إنطلاقا من الريف و في النهاية الإستيلاء على المدن و كسب السلطة السياسيّة عبر البلاد ، الطريق الصحيح الذى على قاعدته قاد ماو الجماهير الصينيّة في خوض النضال الثوريّ المظفّر في الصين .

قواعد الإرتكاز الثوريّة

في المراحل الأولى من الثورة الصينيّة ، أنجز ماو و دافع عن تحليل لماذا يمكن للسلطة السياسيّة الحمراء أن توجد في الصين - أي لماذا من الممكن إرساء قواعد إرتكاز محرّرة و إستخدامها كأساس لخوض الحرب الثوريّة . و قد قدّم ماو القيادة في إنجاز ذلك و ليس نظريّا فحسب بل عمليّا أيضا . ففي 1927 ، قاد تمرّد حصاد الخريف الذى منه تمّ تطوير القوّات المسلّحة و إرساء أوّل قاعدة إرتكاز ثوريّة في الصين في جبال تشنغكانغ . و كان الخطّ الجوهريّ لإرساء قواعد الإرتكاز و خوض الحرب كقاعدة في حدّ ذاته تطبيقا خلاّقا للماديّة الجدليّة الماركسيّة إذ وفّر وسائل تحويل نقاط ضعف الصين و تخلّفها إلى قوّة للنضال الثوريّ . و أشار ماو إلى أنّ الصين ليست عُرضة للعدوان و الهيمنة الإمبرياليّين فحسب بل إنّ قوى إمبرياليّة متباينة كانت تتنازع السيطرة على الصين و كانت عدّة قوى رجعيّة في الصين متحالفة معها و عميلة لهؤلاء الإمبرياليّين المتنازعين . و زيادة على ذلك ، أشار إلى كونه في الريف الصينيّ الشاسع هناك " إقتصاد فلاحيّ محلّي ( ليس إقتصادا رأسماليّا موحّدا )" ما وفّر القاعدة الإقتصاديّة لقواعد الإرتكاز لتحقّق إكتفاء ذاتيّا نسبيّا .(4) و منذ البداية ، أكّد ماو على أنّ النضال المسلّح في الصين يجب أن يندمج مع الثورة الزراعيّة و أنّه بصورة عامة متّصل بالثورة الديمقراطيّة في الصين . و شدّد على أنّ " الأماكن التي ظهرت فيها السلطة السياسيّة الحمراء الصينيّة ، قبل غيرها ، و إستطاعت أن تبقى لمدّة طويلة ، هي ليست بالأماكن التي لم تتأثّر بالثورة الديمقراطيّة ... بل هي الأماكن التي سبق أن نهضت فيها جماهير العمّال و الفلاّحين و الجنود نهضة كبيرة في أثناء الثورة الديمقراطيّة البرجوازيّة عام 1926 و عام 1927. " (5) ( م 1 ، ص 88-89)
و لاحظ ماو أنّ وجود هكذا قواعد إرتكاز و بقاءها كان حدثا لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم ، و قد أحال بإستمرار إلى الأسباب الماديّة و السياسيّة للماذا يمكن لمثل هذه القواعد أن توجد و يمكن لها أن تتوسّع في مسار النضال الثوريّ . و في هذا كان عليه أن يخوض صراعا إيديولوجيّا شرسا ضد الإنقلابيّين في الحزب الشيوعي الصيني الذين أرادوا شنّ هجمات كبرى على المدن بدلا من إرساء قواعد إرتكاز و حاولوا إفتكاك السلطة عبر البلاد مباشرة و بضربة واحدة . و حتّى أكثر، كان عليه أن يخوض صراعا ضد التشاؤم و الإنتهازيّة اليمينيّة بما فيها إنتهازيّة لين بياو حتّى في تلك المرحلة الأولى من الثورة الصينيّة ، أواخر عشرينات القرن العشرين . فمثل هؤلاء الناس كانوا يثيرون مسألة " إلى متى سيبقى العلم الأحمر مرفرفا ؟ " و يشكّكون و يتحدّون إستراتيجيا إرساء قواعد إرتكاز و خوض حرب طويلة الأمد . و كانوا بدلا من ذلك ، و هم لا يؤمنون بأنّ تيّارا ثوريّا عاليا في البلاد كان وشيكا و يائسين جرّاء التراجعات المؤقّتة ، يتطلّعون إلى المضيّ نحو عمليّات حرب عصابات مرتجلة و التصرّف بإرتجال كفرق متمرّدين . و قد شرح ماو أنّ مثل هذه المقاربة ستعزل القوى الثوريّة و الجيش الثوريّ عن أوسع الجماهير و تنحو إلى تكبيدهما الهزيمة . و في دحض هذا الخطّ ، شدّد ماو على أنّه " عاجلا سيوجد مدّ عالي للثورة " عبر البلاد ككلّ ، و بوجه خاص ردّا على ما يعنيه " عاجلا " ، في تصريح صار الآن شهيرا و شاعريّا بدرجة كبيرة ، شرح ماو ذلك على النحو التالي :
" ظهور مدّ الثورة العالى عاجلا في الصين ، الذى ذكرته ، ليس على الإطلاق شيئا وهميّا بعيد المنال " محتمل الوقوع " كما يزعم بعض الناس ، شيئا لا يحمل أي معنى من المعانى العمليّة . بل هو باخرة تمخر عباب البحر قد تراءت ذورة صاريها عن بعد للناظر الواقف على الساحل ، و شمس على وشك الطلوع قد إنبلجت أضواؤها الباهرة أمام من يسرح نظره من قمّة الجبل الشامخ نحو الشرق ، وجنين يدبّ في أحشاء أمّه متطلّعا للخروج وقد قربت الساعة التي يرى فيها النور."(6) ( م 1 ، ص 185 )
و طبعا ، لم يكن إرساء قواعد الإرتكاز هدفا في حدّ ذاته بل وسيلة و أرضيّة لخوض الحرب الثوريّة . مثّل مسألة تركيز سلطة سياسيّة للجماهير بواسطة النضال المسلّح و تاليا إستخدام ذلك لدعم و كمنطقة خلفيّة للإشتباك مع العدوّ في حرب ثوريّة . و هنا مرّة أخرى ، كان دور الجماهير و نضالها حيويّا . عند إرساء أوّل قاعدة إرتكاز في جبال تشنغ كانغ سنة 1927 ، إختار ماو منطقة أين كان نضال الجماهير على درجة عالية و كان ذلك هو العامل الأكثر حيويّة بمعنى ليس تركيز نظام مستقلّ ، منطقة إرتكاز محرّرة فحسب ، و إنّما متّخذا ذلك كقاعدة ، قاد ماو صياغة و أيضا تطبيق " إقامة القواعد الثوريّة ، و بناء السلطة السياسيّة بصورة مخطّطة ، و تعميق الثورة الزراعيّة ، و بتحقيق خطّ توسيع القوّات المسلّحة الشعبيّة بواسطة مجموعة متكاملة من التدابير أي عن طريق خلق فصائل الحرس الأحمر على مستوى الناحية ثمّ المركز ثمّ المحافظة ، ثمّ إنشاء القوّات الحمراء المحلّية حتّى الجيش الأحمر النظاميّ ، و بتوسيع السلطة السياسيّة على شكل التموّج ... إلخ . و هذه السياسة وحدها تمكّننا من أن نكسب ثقة الجماهير الثوريّة في البلاد كلّها ، تماما كما كسبها الإتّحاد السوفياتي في العالم بأسره ، و تمكّننا من أن نخلق مصاعب هائلة للطبقات الرجعيّة الحاكمة و نزعزع أركانها و نعجّل بتفكّكها الداخليّ ، كما أنّ هذه السياسة وحدها تمكّننا من أن نخلق بالفعل جيشا أحمر يكون أداتنا الرئيسيّة في الثورة الكبرى المقبلة . و جملة القول أنّنا لن نتمكّن من تعجيل مدّ الثورة العالي إلاّ بإتّباع هذه السياسة ." (7) ( م 1 ، ص 173 )
على هذا النحو ، تمّ بناء جيش العمّال و الفلاّحين عمليّا و تطوير النضال المسلّح ضد قوّات الثورة المضادة لتشانغ كايتشاك. و من البدايات الأولى فصاعدا ، طوّر ماو بعض المبادئ الأساسيّة التي شكّلت أساس خطّه العسكريّ . فقد كثّف عديد تعقيدات الحرب في صيغة أنّ المبدأ الأساسي في الحرب هو " المحافظة على النفس و إبادة العدوّ " . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، طبّق الماديّة الجدليّة و ليس فقط بيان كيف أنّ إبادة العدوّ عامة هي المظهر الرئيسيّ و إنّما طوّر أيضا فهم المبدأ الأساسي في الحرب و سلسلة كاملة من الخطوط الإستراتيجيّة و التكتيكيّة و كذلك طرقا خاصة لخوض حرب ثوريّة و حملات و معارك خاصة ضمن مثل هذه الحرب في الظروف الملموسة للثورة الصينيّة في كلّ مرحلة من مراحلها وصولا إلى النجاح في إفتكاك السلطة السياسيّة في البلاد باسرها .
و أكّد ماو أنّ في معارك قتال العدوّ و مهاجمته ، لا بدّ من حشد / تركيز قوّات الجيش الثوريّ ، بينما لتطوير النضال الثوريّ و نشره في صفوف الجماهير ، من الصواب تفريق القوّات المسلّحة للثورة . كان كلا الأمران هامان ذلك أنّه ما لم يقع إستنهاض الجماهير و ما لم يندمج النضال المسلّح مع النضال الثوريّ للجماهير ، خاصة الثورة الزراعيّة في الريف ، فإنّه على الرغم من البطولة و حتّى على الرغم من التكتيكات الذكيّة في القتال ، سيتفسّخ الجيش الأحمر إلى فرق لصوصيّة و أمراء حرب . سيفتقد إلى كلّ من الأساس السياسيّ و الاقتصاديّ لخوض حرب ثوريّة بالإعتماد على الجماهير الشعبيّة . و من ناحية أخرى ، ما لم يتبنّى الجيش الثوريّ و ما لم يكرّس بنجاح الإستراتيجية و التكتيكات العسكريّة الصحيحة ، و خاصة مبدأ حشد قوّاته ، و حشد/ تركيز قوّة أكبر في كلّ معركة خاصة ضد العدوّ ، فإنّه لن يستطيع الحفاظ على قواعد الإرتكاز التي أرساها و لن يستطيع مزيد تعبأة الجماهير في النضال الثوريّ و بناء القوّات المسلّحة للثورة و توسيع الحرب الثوريّة تدريجيّا . في " ربّ شرارة أحرقت سهلا " ، إستخلص ماو المبادئ العسكريّة التي تطوّرت أثناء مسار سنوات ثلاثة من النضال المسلّح :
" إنّ التكتيك الذى توصّلنا إليه في غمرة النضال خلال السنوات الثلاث الأخيرة يختلف حقّا عن أيّ تكتيك متّبع في الماضى و الحاضر ، في الصين و البلدان الأخرى على حدّ سواء . و بواسطة تكتيكنا هذا ، يمكننا إستنهاض الجماهير لخوض نضالات يتّسع نطاقها يوما بعد آخر ، و لن يستطيع أيّ عدوّ ، مهما يكن قويّا ، أن يمسّنا بسوء . و هذا التكتيك هو تكتيك حرب العصابات ، و هو يتلخّص فيما يلى : " تقسيم القوّات و توزيعها في سبيل تعبئة الجماهير ، و حشد القوّات و تركيزها في سبيل صدّ العدوّ . و " إذا تقدّم العدوّ تراجعنا ، و إذا عسكر أزعجناه ، و إذا تعب هاجمناه ، و إذا تقهقر طاردناه ." و " نطبّق في إنشاء مناطق القواعد الثابتة سياسة التقدّم على شكل موجات متتابعة ، و نتّبع سياسة اللفّ و الدوران عندما يطاردنا عدوّ قويّ ." و " تعبئة أوسع الجماهير في أقصر وقت ممكن و بأفضل الطرق الممكنة ." إنّ هذا التكتيك أشبه ما يكون بعمليّة إلقاء شبكة ، و ينبغي أن نكون قادرين على إلقائها أو سحبها في أي لحظة من اللحظات ، إنّنا نلقيها لكسب الجماهير و نسحبها لصدّ العدّو . و هذا هو التكتيك الذى طبّقناه طوال السنوات الثلاث الأخيرة ." (8)( م 1 ، ص 180-181 )
وقد إكتست أهمّية خاصة ما صارت تسمّى ب" صيغة ستّة عشر مقطعا " : " إذا تقدّم العدوّ تراجعنا ، وإذا عسكر أزعجناه، و إذا تعب هاجمناه ، و إذا تقهقر طاردناه ." و بعد عدّة سنوات ، لاحظ ماو أنّ " الصيغة المؤلّفة من ستّة عشر مقطعا ... تضمّنت جميع المبادئ الأساسيّة للحملات المضادة " للتطويق و الإبادة " و تضمّنت كلتا مرحلتي الدفاع الإستراتيجي و الهجوم الإستراتيجي ، و كذلك تضمّنت فيما يتعلّق بالدفاع مرحلتي التراجع الإستراتيجي والهجوم المضاد الإستراتيجي. أمّا الأشياء التي ظهرت فيما بعد فلم تكن سوى تطوّرات لهذه المبادئ ." (9) ( م1، ص 311-312 ) و من خلال تطوير و تطبيق هذه المبادئ ، قاد ماو القوّات المسلّحة الثوريّة في إلحاق الهزيمة بأربعة حملات متتالية من " التطويق والإبادة " التي شنّها تشانغ كايتشاك في محاولة لإبادة القوّات المسلّحة الثوريّة و قواعد الإرتكاز الثوريّة . و طوال هذه الفترة كلّها ، مع ذلك ، وُجدت معارضة و تشابك حادين في صفوف الحزب الشيوعي عينه صدرت عن خطوط إنتهازيّة " يساريّة " متباينة . و أكثر تلك الخطوط الإنتهازيّة ضررا كان الخطّ الإنتهازي " اليساري " لوانغ مينغ الذى تحوّل إلى إنتهازية يمينيّة تماما و إلى إستسلام تام إبّان الحرب المناهضة لليابان و الجبهة المتّحدة ضد اليابان .

قتال الخطوط الإنتهازيّة

في هذه الفترة منذ بدايات ثلاثينات القرن العشرين ، إستهان الخطّ الإنتهازي " اليساري " بالقضايا العسكريّة و تقدّم بقوّة بإستراتيجية مهاجمة المدن الكبرى في تعارض مع الخطّ الصحيح لإرساء قواعد الإرتكاز و ربطها ببعضها و إستدراج العدوّ للتوغّل إلى عمق الأراضي لتوجّه له الضربات ، و حشد قوّات أكبر في معارك خاصة و كنس جنوده و هكذا يجرى كسر التطويق وفى الحملات الخاصة يجرى المرور من الدفاع إلى الهجوم . و بفعل تشويش الخطّ الإنتهازي " اليساري " لوانغ مينغ ، لم يقدر الحزب الشيوعي الصيني و الجيش الثوريّ تحت قيادته في النهاية على هزم الحملة الخامسة من " التطويق و الإبادة " التي شنّها تشانغ كايتشاك ضدّهما فإضطرّا سنة 1934 إلى التخلّى عن قاعدة الإرتكاز المركزيّة في الجنوب . و إزاء هذه التطوّرات ، قاد ماو تسى تونغ الجيش الأحمر للحزب الشيوعي الصيني في إنجاز ما بات حدثا تاريخيّا غير مسبوق ، المسيرة الكبرى . طوال سنتين ، خائضا يوميّا أكثر من معركة كمعدّل ، و قاطعا آلاف الأميال ، إستطاع الجيش الأحمر أن يكسر تطويق قوّات تشانغ كايتشاك و التقدّم نحو الشمال الغربي و إرساء قواعد إرتكاز هناك . و لم يكن التقدّم نحو الشمال الغربي مجرّد مسألة قتال لكسر التطويق و تجنّب الإبادة من قبل قوّات تشانغ كايتشاك و حسب ، بل كان مرتبطا مباشرة بمسألة خوض حرب ضد اليابانيّين الذين قد غزوا الشمال الشرقي للصين و كانوا يعدّون لإجتياح بقيّة البلاد.
و في جانفي 1935 ، حصل تحوّل في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني و الثورة الصينيّة . ذلك أنّه عُقد اجتماع موسّع للمكتب السياسيّ للجنة المركزيّة للحزب و فيه تمّ تبنّى الخطّ العسكريّ لماو تسى تونغ في تعارض مع الخطّ الإنتهازي لوانغ مينغ و آخرين ، و جرى تركيز قيادة ماو للحزب الشيوعي الصيني و الجيش الأحمر . و أرسى ذلك قاعدة الخوض الصحيح للنضال المسلّح ضد اليابان الذى كان يمثّل ضرورة ملحّة للنضال الثوريّ وقتها .
و قصد تعزيز الخطّ الثوري لماو و قيادته للنضال المسلّح و للحزب الشيوعي الصينيّ ، كان لزاما خوض صراع حاد ضد الخطّ الإنشقاقي لتشانغ كوو- تاو الذى حاول إنشاء لجنة مركزيّة مزيّفة في معارضة قيادة ماو و رفض توحيد قوّاته المسلّحة مع تلك التي كانت تحت قيادة ماو لخوض النضال ضد اليابان . و ناظرين إلى الظاهرة المؤقّتة و السطحيّة أنّ الحزب الشيوعي و الجيش الأحمر تحت قيادته قد خسرا جزءا كبيرا من قوّاتهما خلال المسيرة الكبرى ، و متصرّفين على طريقة أمراء الحرب ، سعوا إلى إقتطاع أراضي لأنفسهم و تمسّك تشانغ كوو- تاو بالعدول عن مهمّة إرساء قواعد إرتكاز و إستخدامها في خوض الحرب الثوريّة ضد المعتدين اليابانيّين . و في تناقض مع هذا ، أبرز ماو أنّه من خلال إرساء قواعد الإرتكاز هذه و خوض الحرب ضد اليابان و التعبأة العامّة و الإستنهاض التام للجماهير من أجل هذا النضال سينمو الحزب الشيوعي الصينيّ و تنمو القوّات المسلّحة الثوريّة و يشتدّ عوتهما . و بفضل هذا الصراع هُزم تشانغ كوو- تاو و بعد فترة قصيرة من ذلك إلتحق برجعيّي الكيومنتانغ .
في أثناء المسيرة الكبرى ، مبقين في الذهن هدف إرساء قواعد الإرتكاز لخوض النضال ضد اليابان و كذلك الهدف المباشر لكسر و هزم " تطويق و إبادة " تشانغ كايتشاك ، طبّق ماو بإقتدار الإستراتيجيا العسكريّة . و بوجه خاص ، قاد القوّات المسلّحة الثوريّة في كسب المبادرة و ممارسة المرونة في ظروف في منتهى الصعوبة . و بيّن ماو في كتاباته العسكريّة أنّ مسألة المبادرة متّصلة وثيق الإتّصال بمسألة التفوّق ، و كان الحال كذلك في المسيرة الكبرى حيث تمتّعت القوّات الرجعيّة لتشانغ كايتشاك بتفوّق إستراتيجي في ما يتّصل بالأعداد و التدريب و التسليح أيضا . لكن آخذا بعين الإعتبار و مطبّقا الماديّة الجدليّة و المبادئ الخاصة للإستراتيجية و التكتيكات العسكريّة المعتمدة عليها ، أرشد ماو القوّات المسلّحة الثوريّة في تركيز التفوّق التكتيكي في بعض المعارك و في إفتكاك المبادرة تكتيكيّا في وضع كان فيه العدّو يملك تفوّقا إستراتيجيّا . و في الوقت ذاته ، عالج كذلك ماو بطريقة صائبة العلاقة الجدليّة بين التوجّه الأساسيّ و التوجّهات الثانويّة – أي أنّه قاد الجيش الأحمر في تغيير توجّهاته التكتيكيّة لخوض المعارك في الظروف المناسبة أكثر بُغية التمكّن من شنّ هجمات مباغتة على العدوّ ، بينما في الآن نفسه ، يقع الإنخراط في التوجّه الأساسي للتقدّم نحو الشمال للتمكّن من خوض حرب ثوريّة ضد العدوان الياباني .
و جاء " قضايا الإستراتيجية في الحرب الثوريّة في الصين " الذى ألّفه ماو في ديسمبر 1936 ليلخّص تجربة الحرب الثوريّة في الصين في ظلّ قيادة الحزب الشيوعي الصينيّ إلى تلك اللحظة و رسم أسس خوض الحرب الثوريّة في مقاومة العدوان الياباني . في هذا العمل ، أعاد ماو تأكيد المبدأ الجوهريّ الذى صارع من أجله و عرضه في أعمال سابقة مثل " النضال في جبال جينغقانغ " في نوفمبر 1928 و " حول تصحيح الأفكار الخاطئة في الحزب " المكتوب في ديسمبر 1929 ، مبدأ أنّ الحزب يجب أن يقود الجيش و النضال المسلّح و أنّ النضال الثوريّ يجب أن تقوده البروليتاريا إيديولوجيّا و سياسيّا .
و لم تركّز هذه القيادة من خلال الدور الطليعي للحزب الشيوعي – الذى كان عامة المظهر الأهمّ للدور القيادي للبروليتاريا – و حسب بل كذلك ( و إن ثانويّا ) قد تحقّق بواسطة المشاركة النشيطة لعدد من العمّال الواعين طبقيّا كقوى تمثّل العامود الفقريّ للحزب الشيوعي و الجيش الثوريّ الذى أسّسه ماو . و بالفعل ، إصطحب ماو معه إلى أوّل قاعدة إرتكاز في جبال تشنغ كانغ عديد العمّال الذين وقع إنتدابهم من مختلف نضالات الطبقة العاملة . و هكذا ، من الخاطئ جوهريّا المحاججة بأنّ الثورة الصينيّة بإنطلاقها من الريف إلى المدن ، مثّلت هيمنة البرجوازيّة الصغيرة ( خاصة الفلاّحين ) بدلا من قيادة البروليتاريا للحركة الثوريّة . فمثل هذا الموقف يخفق في إدراك جدليّة الثورة في الصين في مرحلتها الديمقراطيّة الجديدة ، و بوجه خاص واقع أنّ الفلاّحين كانوا القوّة الأساسيّة و ظلّت الطبقة العاملة – رئيسيّا من خلال خطّ الحزب و سياساته و ثانويّا من خلال الدور المفتاح للعمّال الواعين طبقيّا – القوّة القياديّة .
في " قضايا الإستراتيجية في الحرب الثوريّة في الصين " ، شدّد ماو على أنّه " لا مفرّ ، في هذا العصر الذى ظهرت فيه البروليتاريا على المسرح السياسي ، من أن تقع مسؤوليّة قيادة الحرب الثوريّة على كاهل الحزب الشيوعيّ الصينيّ ". (10) ( م 1 ، ص 281 ) و قد تمّ تأليف هذا العمل لقتال نزعات خاطئة متنوّعة صلب الحزب الشيوعي الصينيّ و بخاصة ضد أشكال متباينة من الدغمائيّة و التفكير الميكانيكي – سواء في ما يتّصل بإعتبار أنّه تكفى دراسة و فهم قوانين الحرب بشكل عام أو عدم التمييز بين الحروب الرجعيّة و الحروب التقدّميّة أو الثوريّة ؛ أو النسخ الميكانيكي لتجربة الحرب الأهليّة في روسيا التي أدّت إلى تركيز الإتّحاد السوفياتي ؛ أو في ما يتّصل بالتجربة الأوّليّة للحزب الشيوعي الصيني عندما كان لا يزال ضمن الكيومنتانغ على أنّها التجربة الوحيدة الصالحة أو التجربة الأهمّ متنكّرين إلى الدروس الثريّة للحرب الثوريّة لعشرات السنين ضد القوى الرجعيّة لتشانغ كايتشاك إثر كسر التحالف مع الكيومنتانغ بعد إنقلاب تشانغ كايتشاك سنة 1927.
و ردّا على هذا ، أبرز ماو أنّ قوانين الحرب ، قوانين الحرب الثوريّة ، و قوانين الحرب الثوريّة الصينيّة كانت جميعها قضايا تقتضى الدراسة و التحليل و المعالجة و ذلك بينما توجد بعض المبادئ الأساسيّة للحرب عامة و للحرب الثوريّة خاصة ، بالأخصّ الحرب الثوريّة في الصين ، لا بدّ منها لمواصلة تطوير الإستراتيجية العسكريّة الصحيحة . بينما لا يمكن طبعا فصل خطّ خوض الحرب الثورية عن التحليل العام لطبيعة الثورة الصينيّة عامة و كذلك المرحلة الخاصة من المقاومة المناهضة لليابان ، و بينما لا يمكن فصلها عن الخطّ السياسي الصحيح عامة ، كان من الضروريّ دراسة و تطوير الخطوط و السياسات الخاصّة بالحرب ذاتها . و قد إستنتج ماو ، " لقد بيّنت حروبنا الثوريّة الماضية على أنّنا لا نحتاج إلى خطّ سياسي ماركسيّ صحيح فحسب ، بل إلى خطّ عسكريّ ماركسيّ صحيح أيضا . " (11) ( م1 ، ص 284 )
و مقيّما تجربة سنوات عشر من الحرب ضد رجعيّى الكيومنتانغ ، أبرز ماو إلى أنّ مظهرا خاصا من الثورة الصينيّة و الحرب الثوريّة في الصين كان أنّ الصين كانت بلدا ممتدّ الأطراف جدّا و أنّ هذا وفّر للقوى الثوريّة مجالا للمناورة . و ثانيا ، في ما يخصّ الحرب ضد قوى تشانغ كايتشاك ، كان من اللازم أن يأخذوا بعين الإعتبار الميزة الهامة المتمثّلة في أنّ العدوّ كان عدوّا كبيرا و قويّا في حين ، في بداية الحرب ، كانت القوى الثوريّة و الجيش الأحمر صغيرين وضعيفين . و في الآن ذاته ، مبيّنا التداخل و الروابط الوثيقة بين القضايا السياسيّة و العسكريّة ، أشار ماو إلى أنّ ميزة هامة للنضال ضد الكيومنتانغ كان أنّ الحزب الشيوعي دافع بصلابة و أنجز الثورة الزراعيّة ، في حين أنّ الكيومنتانغ عارض الثورة الزراعيّة و بالتالى فَقَدَ دعم الفلاّحين الذين كان الحزب الشيوعي قادرا على إستنهاضهم بإعتبارهم القوّة الأساسيّة للثورة و الدعم الأساسي للحرب الثوريّة .
و ملخّصا هذه النقاط ، دلّل ماو على أنّه كان الحال أنّه بفضل الإمتداد الترابي و مجال المناورة في الصين و بفضل قيادة الحزب الشيوعي و إدماجه الثورة الزراعيّة مع النضال المسلّح ، من الممكن للجيش الأحمر أن ينموَ و في نهاية المطاف أن يُلحق الهزيمة بالعدوّ . هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى، لاحظ أنّه بسبب كون العدّو في البداية كان كبير الحجم و قويّا فيما كان الجيش الأحمر صغيرا و ضعيفا و بالتالى يجب بالضرورة على الحرب الثوريّة في الصين أن تكون ذات طابع طويل الأمد . و هدف ماو من تلخيص و تحليل هذه المميّزات الهامة لم يكن تسليح أعضاء الحزب و الجماهير فحسب بفهم صحيح للخطّ العسكريّ عامة ، لكن أيضا لإعداد الأرضيّة لخوض حرب المقاومة ضد اليابان . و سجّل " إنّ الحرب الثوريّة الصينيّة التي بدأت في عام 1924 ، قد مرّت بمرحلتين : الأولى من عام 1924 إلى عام 1927 و الثانية من عام 1927 إلى عام 1936 ، و المرحلة التالية هي مرحلة الحرب الوطنيّة الثوريّة ضد البيابان . " (12) ( م 1 ، ص 281) و الدروس التي إستخلصت بثمن تضحيات جسام و دُفعت دماء لأجلها يجب أن تطبّق بالملموس على النضال الحالي ضد المعتدين اليابانيّين .

الهجوم و الدفاع

بعض خصوصيّات الحرب ضد الكيومنتانغ قد لا تنسحب تماما على الحرب ضد اليابان . و على سبيل المثال ، على المدى القصير في الحرب ضد الكيومنتانغ ، للعدوّ ( قوات تشانغ كيتشاك ) مناطق عدد سكّانها كبير و منهم يشكّل أو يجنّد مقاتلوه ، في حين أنّه في الحرب ضد العدوان الياباني أفراد الأمّة الصينيّة كثيفي العدد و منهم تشكّل جنودها بينما لم تكن اليابان قادرة على تكوين جيش كبير كالجيش الصيني . و مع ذلك ، المبدأ الأساسي للحرب الثوريّة ضد الكيومنتانغ يجب الآن أن يُكرّس في خوض الحرب الثوريّة ضد اليابان .
و كان هذا صحيحا لمعظم خصوصيّات الحرب الثوريّة ضد الكيومنتانغ . فعلى سبيل المثال ، العامل الأهمّ الذى ألمح إليه ماو في تلخيص النضال ضد حملات " التطويق و الإبادة " كان أنّه في هذه المعارك " الهجوم و الدفاع ، و هذا لا يختلف عمّا في سائر الحروب القديمة و الحديثة ، الدائرة في الصين أو البلدان الأخرى . إلاّ أنّ الحرب الأهليّة الصينيّة تتميّز بتناوب هذين الشكلين بصورة متكرّرة خلال مدّة طويلة ." (13) ( م 1 ، ص 294 )
و في الآن نفسه ، شدّد ماو على الأهمّية الخاصّة للدفاع الإستراتيجي في خوض الحرب الثوريّة . و أكّد على " أنّ المعارك الدفاعيّة في جميع الحروب العادلة ليس من شأنها أن تخدّر العناصر الغريبة سياسيّا فتفقدها اليقظة فحسب ، بل من شأنها أيضا أن تعبّئ الفئات المتخلّفة من جماهير الشعب لتساهم في الحرب ." (14) ( م1 ، ص 303 ) و عرّج على أنّ " الخبراء العسكريّين في الدولتين الإمبرياليّتين ألمانيا و اليابان اللتين نهضتا متأخّرا و لكن تطوّرتا سريعا جدّا ، يشيدون في حماس بمنافع الهجوم الإستراتيجي ، و يعارضون الدفاع الإستراتيجي . و فكرتهم هذه لا تناسب الحرب الثوريّة الصينيّة على الإطلاق . و يقول هؤلاء الخبراء العسكريّون إنّ نقطة الضعف الكبرى في الدفاع هي أنّه لا يمكن أن يرفع معنويّات الناس بل يثبطها . و لكنّ رأيهم هذا لا ينطبق إلاّ على تلك البلدان التي تحتدّ فيها التناقضات الطبقيّة و لا تفيد الحرب إلاّ الفئات الحاكمة الرجعيّة فيها أو الجماعات السياسيّة الرجعيّة القابضة على زمام الحكم . أمّا أوضاعنا فتختلف عن ذلك ." (15) (م 1 ، ص 303)
و رصد ماو الأخطاء الجدّية للذين في صفوف الحزب الشيوعي الصيني تمسّكوا بعدم التخلّى عن أيّة أراضي في وجه هجمات العدوّ و أرادوا صدّ العدوّ " خارج بوّابة البلاد " و دافعوا عن توجيه الضربات في الإتّجاهين و التعويل على حرب المواقع و إتّباع سياسة جعل قوّة صغيرة تواجه قوّة أكبر بدلا من السياسة السليمة لتجميع / حشد قوّة أكبر ضد القوّة الأصغر عدديّا لإبادتها في معركة خاصة أو حملة خاصة . و عارض مثل هؤلاء الناس السياسة الصحيحة و اللازمة مطلقا لإستدراج العدوّ إلى العمق و إلى التغلغل في الأراضي و محاصرته بالجماهير و تمزيق قوّاته إربا إربا و سحقها شيئا فشيئا . و أعرب ماو عن أنّ مثل هذه الحجج الخاطئة رُفعتها " نزعة حرب العصابات المحضة " و ستؤدّى بالتأكيد إلى هزيمة و ليس إلى إنتصار و أنّه حيثما قد مضوا بعيدا في ذلك ، أدّت بالضبط إلى ذلك .
و جاء تشديد من ماو على أنّ " ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه النظريّات و التطبيقات كلّها خاطئة ، و مردّها إلى النزعة الذاتيّة . و هي من مظاهر الهوس الثوري و التسرّع الثوري لدي البرجوازيّة الصغيرة في الظروف المؤاتية ، و لكن حينما تصبح الظروف قاسية ، فإنّها ستتحوّل حسب تحوّلات الأحوال ، إلى نزعة الإستماتة فنزعة التحفّظ فنزعة الفرار . إنّها نظريّات وتطبيقات المتهوّرين و من ليسوا بأهل الفنون العسكريّة ، وهي شيء لا نشمّ فيه رائحة الماركسيّة ، بل شيء ضد الماركسيّة." (16) ( م 1 ، ص 314 )
و كان الذين دافعوا عن مثل هذه النظريّات الخاطئة و الإنتهازيّة بالفعل مسؤولين عن هزيمة الجيش الأحمر خلال الحملة الخامسة ل " التطويق و الإبادة " لتشانغ كايتشاك . و ذكّر ماو أنّهم حاججوا بصيغة غير حكيمة أنّ " إذا كانت طريقة إستدراج العدوّ للتغلغل في أراضينا مجدية في الماضى ، فإنّها عديمة الجدوى أثناء حملة " التطويق و الإبادة " الخامسة التي يلجأ فيها العدوّ إلى سياسة بناء القلاع . و على ذلك لا نستطيع أن نقاوم الحملة الخامسة إلاّ بتقسيم القوّات و شنّ هجمات خاطفة ." (17) ( م1 ، ص 322 )
و في الوقت نفسه ، عاين ماو أنّ الدفاع السلبي كان كذلك خاطئا و سيؤدّى إلى الهزيمة . و وضع تشديدا على أنّ قضيّة خوض حرب الدفاع و الانسحاب الإستراتيجيّين كجزء مفتاح من حرب الدفاع ، كانت بالفعل للإعداد للمضيّ إلى الهجوم المضاد . و قد أجمل هذه النقطة على النحو التالي : " إنّ التراجع الإستراتيجي يستهدف كلّيا الإنتقال إلى الهجوم المضاد ، و التراجع الإستراتيجي ليس سوى المرحلة الأولى من الدفاع الإستراتيجي . و إنّ الحلقة الحاسمة في كلّ الإستراتيجيّة هي النصر أم الفشل في المرحلة اللاحقة ، مرحلة الهجوم المضاد ." (18) ( م1 ، ص 326 )
و مرّة أخرى ، أبرز ماو الأهمّية الحيويّة لحشد قوى أكبر تكتيكيّا في وضع حيث إستراتيجيا يكون للعدوّ تفوّقا عدديّا و كذلك توفّقا في التدريب والتسليح . و صار هذا مكثّفا في صيغة " إستراتيجيّا ، واحد ضد عشرة ؛ و تكتيكيّا ، عشرة ضد واحد ". بكلمات أخرى ، في الوضع الإستراتيجي أين لا تزال القوى الثوريّة تفوقها عدديّا بشكل كبير قوى الثورة المضادة ، كان من الضروريّ في معارك خاصة و حملات خاصة تطبيق مبدأ حشد قوّة أكبر لإبادة قسم أصغر عدديّا من قوّة العدوّ .
كما نبّه ماو إلى أنّ ميزة هامة أخرى لعمليّات الجيش الثوريّ التي نبعت من واقع أنّ العدوّ يملك تفوّقا تقنيّا عليها هي أنّ الجيش الثوري قاتل بخطوط معارك مرنة و ليست قارة . و من خلال تحليل الخطّ الإنتهازي الذى أدّى إلى الهزيمة في وجه تشانغ كايتشاك و حملته الخامسة ل " التطويق و الإبادة " و أجبر الحزب الشيوعي الصيني الجيش الأحمر على الإبحار في ما أضحى المسيرة الكبرى ، وضع ماو ، مطبّقا تطبيقا خلاّقا الجدليّة ، أنّ " الرفض الخاطئ لحرب العصابات و الميوعة على نطاق ضيّق قد أدّى إلى حرب عصابات و ميوعة واسعة النطاق ." (19) ( م 1 ، ص 354 )
و كرّس ماو المقاربة الجدليّة لما كان يسمّى " نزعة حرب العصابات المحضة ". فنبذ " نزعة حرب العصابات المحضة " طالما أنّها تعنى معارضة بناء جيش نظاميّ . و في الآن ذاته ، بيّن بقوّة أهمّية حرب الأنصار و دافع عن هذا ضد الذين ندّدوا بإستخدام حرب الأنصار على أنّها " نزعة حرب العصابات المحضة " . و قال إنّ بهذا المعنى " نزعة حرب العصابات المحضة " لها مظهران و إنّه بينما الجيش الثوريّ و الحرب الثوريّة في الصين قد طوّرا مستوى أعلى بكثير من المراحل الأوّليّة من التشكّل الأوّلي للوحدات المسلّحة ( التشكيل الأوّل للجيش الأحمر ) يظلّ من الضروريّ الإحتفاظ ببعض المبادئ التي صيغت عبر خوض حرب الأنصار و مواصلة تطبيقها . و ملخّصا ذلك قال : " نحن في الوقت الحاضر نعارض من جهة التدابير الخاطئة المتّخذة في المرحلة التي كانت تسود فيها الإنتهازيّة " اليساريّة " ، و نعارض من جهة أخرى ، بعث تلك المظاهر العديدة غير النظاميّة التي كانت سائدة في عهد طفولة الجيش الأحمر و قد أصبحت الآن غير ضروريّة . و لكن علينا أن نكون حازمين في بعث المبادئ الكثيرة الثمينة المتعلّقة ببناء الجيش و المبادئ الإستراتيجيّة و التكتيكيّة – تلك المبادئ التي ما برح الجيش الأحمر يحرز بواسطتها الإنتصارات ." (20) ( م 1 ، ص 356 )
و في ختام هذا العمل ، أعاد ماو تأكيد المبدأ الهام جدّا لخوض حرب الإبادة أي خوض المعارك و الحملات ليس لمجرّد دحر العدوّ بل لكنسه كنسا تاما وبلوغ إنتصار سريع في المعارك . و هذا ، مرّة أخرى ، كان تطبيقا خلاّقا للجدليّة ، و تطبيقا لتكتيكات الإنتصار السريع و السحق السريع على وضع حيث التوجّه الإستراتيجي يجب أن يكون حربا طويلة الأمد و حرب إستنزاف للكنس التدريجي و على إمتداد فترة طويلة حقّا لأعداد كبيرة من قوّات العدوّ و هكذا يجرى إضعاف العدوّ و في النهاية يبوء بالهزيمة .

حرب العصابات

و بعد سنة و نصف السنة من التجربة في حرب المقاومة المناهضة لليابان ، كتب ماو ، " قضايا الإستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان " في ماي 1938 . و كما شرح هامش هذا المقال ، كُتب كجزء من صراع ضد الذين في صفوف الحزب و خارجه الذين كانوا " يستصغرون الدور الإستراتيجي العظيم لحرب العصابات ، و يعلّقون كلّ آمالهم على الحرب النظاميّة وحدها ، و بصورة خاصة على عمليّات قوّات الكيومنتانغ . و لقد دحض الرفيق ماو تسى تونغ آراءهم هذه و كتب هذه المقالة مشيرا إلى الطريق الصحيح لتطوير حرب العصابات المناهضة لليابان . " (21) ( م 2 ، ص 105)
في هذا العمل ، كرّر ماو المبدأ الأساسي أنّ الحرب يجب أن تخاض في مراحلها الأولى و أثناء معظم المدّة التي تدومها كحرب دفاع إستراتيجي و أنّه يجب أن تكون حربا طويلة الأمد . كان هذا ضروريّا و كذلك إستطاع التحوّل إلى ميزة للحرب الثوريّة نظرا إلى واقع أنّ اليابان كان من جهة بلدا قويّا يخوض حربا عدوانيّة ، حربا غير عادلة بينما كانت الصين ضعيفة في قدراتها التقنيّة و مستوى تطوّر قوى الإنتاج لكنّها كانت تخوض حرب مقاومة عادلة يمكن و يجب أن تعوّل على قوّة الجماهير الشعبيّة . و لهذه العوامل كان الحال أن إستطاعت اليابان أن تحتلّ قسما كبيرا من الأراضي الصينيّة . و بالنتيجة ، برزت ضرورة و أهمّية خوض حرب العصابات ، خاصة ضمن المناطق التي يحتلّها عامة المعتدون اليابانيّون.
و أفصح ماو عن أنّ " المبدأ الأساسيّ هو أنّه يجب أن تقوم حرب العصابات على الهجوم ، و أنّ طابع الهجوم فيها يجب أن يكون أشدّ بروزا منه في الحرب النظاميّة ." (22) ( م 2، ص 113 ) و مع ذلك ، أكّد أنّ الهجوم في حرب العصابات يجب أن يتّخذ شكل الهجمات المباغتة . و زاد من التشديد على أنّ في حرب العصابات ، حتّى بشكل أهمّ ممّا هو عليه في الحرب النظاميّة ، يجب خوض قتال معارك قرارات سريعة . و بطبيعتها حرب العصابات أكثر تفوّقا حتّى من الحرب المتحرّكة ، لكن ماو وضع تشديدا في الآن نفسه ، على أنّ مبدأ حشد قوّة أكبر لضرب قوّة أصغر من قوّات العدوّ يبقى صالحا و هاما في حرب العصابات .
و بالمعنى العام طوال كامل الحرب ، أعرب ماو عن أنّ الحرب النظاميّة ستكون هي الرئيسيّة و أنّ حرب العصابات ستكون ثانويّة . و مع ذلك ، تعنى الحرب النظاميّة رئيسيّا حربا متحرّكة و حرب المواقع هي فقط ثانويّة . و تُحيل الحرب المتحرّكة على حرب تخوضها وحدات نظاميّة بقواعد إرتكاز خلفيّة و على نطاق كبير نسبيّا ، و تطبيق مبدأ تحريك و قتال ، تحريك لأجل القتال ؛ حرب العصابات عامة تخاض بوحدات غير نظاميّة أكثر ، أساسا بهدف إستنزاف العدوّ في أراضيه الخاصة. و لخّص ماو أنّ ، أساسا من خلال حرب نظاميّة ، - و رئيسيّا الحرب المتحرّكة – لكن مع نهوض حرب العصابات بدور هام و إن كان ثانويّا ، طريق النصر يكمن في " تجميع عدد كبير من الإنتصارات الصغرى ليتشكّل من مجموعها نصر كبير ". (23) ( م2 ، ص 115 ) و بكلمات أخرى ، في كلّ من الحرب النظاميّة و حرب العصابات ، من الضروري التأكيد على مبادئ قتال معارك ذات قرار سريع ، لحشد قوّة كبيرة لتوجيه ضربات لقوّة صغيرة من قوّات العدوّ و لإبادة قوّات العدوّ قطعة قطعة ، و هكذا عبر سيرورة طويلة الأمد من خوض حرب إستنزاف للعدوّ إلى أن يغدو ضعيفا بحيث يمكن أن تُوجّه إليه الضربة القاضية .
و شدّد ماو كذلك على مسألة تطوير حرب العصابات إلى حرب متحرّكة خلال الحرب المناهضة لليابان . و عبّر عن أنّه : " ما دامت الحرب طويلة و ضارية ، فسيصبح في إمكان قوّات العصابات أن تمرّ بعمليّة صقل ضروريّة و أن تتحوّل بصورة تدريجيّة إلى قوّات نظاميّة ، و تبعا لذلك ستتطوّر أساليب عمليّاتها تدريجيّا في الوقت ذاته إلى أساليب عمليّات القوّات النظاميّة ، و هكذا تكون حرب العصابات قد تحوّلت إلى الحرب المتحرّكة . إنّ قادة حرب العصابات لا يستطيعون أن يتمسّكوا بحزم بسياسة تطوير حرب العصابات إلى الحرب المتحرّكة و أن يطبّقوها بصورة مخطّطة إلاّ إذا أدركوا بكلّ وضوح تلك الضرورة و الإمكانيّة . " (24) ( م 2 ، ص 148 )
و إسترسل ماو ليضيف أنّ مبدأ القيادة اللامركزيّة في الحملات أو المعارك ينبغى أن يطبّق على الحرب النظاميّة و حرب العصابات – بإختصار ، لا بدّ من إمتلاك إستراتيجية موحّدة و قيادة إستراتيجيّة مركزيّة و في الآن عينه ، قيادة لامركزيّة و مبادرة و مرونة في خوض حملات و معارك خاصّة .

" حول الحرب الطويلة الأمد "

و قد وقع تأليفه في ذات الوقت مع " قضايا الإستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان " ، كان مقال ماو " حول الحرب الطويلة الأمد " تصريحا أشمل و أعمّ يلخّص مبادئ الحرب و الحرب الثوريّة بوجه خاص و يرسم السياسات و التوجّه الإستراتيجي العام لحرب المقاومة المناهضة لليابان . و أجلى ماو أنّ حرب الأمّة الصينيّة في مقاومة اليابان حرب " لم يشهد لها مثيل في تاريخ الشرق و سوف تعتبر حربا عظمى في تاريخ العالم . " (26 ) ( م 2 ، ص 157 )
في هذا العمل ، تصدّى ماو بشدّة ودحض نظريّة الإخضاع / السقوط الحتمي للصين وكذلك نظريّة تحقيق النصر السريع ، و كان لكلا النظريّتين تأثير معتبر داخل الصين عامة و صلب الحزب الشيوعي الصيني ذاته ، مع أنّ النظريّة الأولى ، الإخضاع و نظرتها الإستسلاميّة مثّلت بشكل عام الخطر الأكبر . و حلّل ماو مرّة أخرى و بطريقة شاملة العوامل التي تشرح في آن معا لماذا من ناحية ، يمكن للصين خوض حرب مظفّرة للمقاومة المناهضة لليابان و لماذا من الناحية الأخرى، يجب أن تكون هذه الحرب حربا طويلة الأمد . و سلّط سياط النقد على كلّ من مفهوم أنّه بما أنّ اليابان متفوّقة على الصين في التسليح و التقنية ، بالتالى لا يمكن للصين أن تخوض حرب مقاومة مظفّرة ، والمفهوم الذى وصفه بأنّه متفائل غير أنّه فاقد للأرضيّة الواقعيّة ، مفهوم أنّ اليابان قد تُهزم بسهولة ، مفهوم ، كما قال ، يستهين بالدور الإستراتيجي لحرب العصابات في الحرب ضد اليابان .
و ردّ ماو بصفة شاملة و من كافة الجوانب على حجّة أن الصين لن تقدر على تحقيق النصر . و حلّل بالملموس المظاهر الخاصّة للحرب المناهضة لليابان و الوضع العالمي الذى تجرى فيه . و عاين أنّ اليابان ، فيما كانت قويّة مؤقّتا و تتمتّع بتفوّق تقنيّ على الصين ، كانت في النهاية قوّة إمبرياليّة و من ثمّة متداعية ، من ناحية ، بينما من الناحية الأخرى ، كانت الصين في عصر تقدّم – البروليتاريا و حزبها قد ظهرا على المسرح و هما يقودان حرب المقاومة المناهضة لليابان . كما عاين ماو ، علاوة على ذلك ، إلى أنّه عالميّا ، يُوجد الإتّحاد السوفياتي و توجد الحركات التقدّميّة و الثوريّة على نطاق واسع في بلدان متنوّعة عبر العالم كانت تقف ضد حرب اليابان العدوانيّة على الصين .
و على قاعدة تحليل ملموس لمختلف القوى و نقاط ضعف اليابان و الصين ، أجمل ماو القول مجدّدا في أنّ " اليابان يمكن أن تطغى في أرض الصين في فترة معيّنة و إلى حدود معيّنة ، و أنّ الصين سوف تجتاز حتما فترة عصيبة ، و أنّ حرب المقاومة ضد اليابان ستكون حربا طويلة لا حربا سريعة ؛ و لكن الوجه الثاني ، وهو صغر اليابان و إنحطاطها و التأييد الهزيل الذى يتاح لها مقابل كبر الصين و تقدّمها و التأييد الواسع الذى تتمتّع به ، يقرّر بدوره أنّ اليابان لن يمكنها البغي و الطغيان إلى ما لا نهاية ، بل ستبوء حتما بالفشل النهائيّ ، و يقرّر كذلك أنّ الصين لن تسقط في يد العدوّ ، بل ستكسب النصر النهائيّ بصورة أكيدة . " (27) ( م 2 ، ص 176 )
كان ذلك صراعا إيديولوجيّا حادا تداعياته حيويّة في علاقة بالنضال العسكري المناهض لليابان . و في الوقت نفسه ، في بداية الحرب ، لم يكن من الواضح تماما ، ناظرين إلى السطح فحسب و دون تفحّص جوهر الأشياء ، أنّ الصين المتخلّفة تستطيع هزم اليابان المتقدّمة . و لهذا تعزّزت كثيرا نزعات الإستسلام و محاولة تجنّب حرب طويلة الأمد .
و قاوم ماو بشدّة أولئك الذين أرادوا تبنّى سياسة إستسلام و مهادنة أمام اليابان و الذين شجّعوا الفهم الخاطئ بأنّ هذا سيوقف تقدّم اليابان عبر الصين و يدفع اليابان إلى الإكتفاء بالإستيلاء على بعض الأجزاء لا غير من شمال الصين . و أبرز ماو الطبيعة الإمبرياليّة لليابان التي كانت في نزاع شرس مع القوى الإمبرياليّة الأخرى ، و دلّل على أنّ اليابان ليس بوسعها الإكتفاء بالإستيلاء جزئيّا على الصين و إنّما يتعيّن عليها أن تتوغّل عميقا لإجتياح داخل الصين .
و بالإعتماد على تحليل طبقيّ للقوى داخل الصين و كذا عالميّا و الصلة بين القوى الداخليّة و الخارجيّة ، أوضح ماو أنّ الكيومنتانغ " و بسبب إرتمائه في أحضان بريطانيا والولايات المتّحدة لن يستسلم لليابان ما لم تسمح له هاتان الدولتان بذلك." (28) ( م2 ، ص 180 ) وهكذا ، أشار ماو إلى أنّ نزعة الإستسلام والمهادنة إزاء الإمبرياليّة اليابانيّة مع كبرها و خطورتها ، يمكن و سيتمّ تجاوزها بالإعتماد على الجماهير الشعبيّة الصينيّة و الأمّة الصينيّة ككلّ التي تفضّل في غالبيّتها مقاومة اليابان و تطالب بها .
و في الوقت نفسه ، دحض ماو الحجج الخاطئة لمنظّرى النصر العاجل و بيّن الوحدة الجوهريّة بين نظريّة سقوط الصين و نظريّة النصر العاجل . و متحدّثا عن أولئك الذين يدافعون عن النصر العاجل فسّر ماو بدقّة : " ليست عندهم الجرأة على الإعتراف بأنّ العدوّ قويّ و نحن ضعفاء " و يقيمون إستراتيجيّتهم على هذه النظرة الذاتيّة . (29) ( م 2 ، ص 184 ) و بعد ذلك عن مثل هؤلاء الناس ، قال : " أمّا دعاة نظريّة النصر العاجل المتسرّعون فيعجزون عن تحمّل مشقّة الطريق للحرب الطويلة الأمد و يحاولون النصر العاجل ، فكلّما تحسّن الوضع بعض الشيء ، راحوا يثيرون ضجّة لخوض القتال الحاسم الإستراتيجي ، إذا طبقت نظريّتهم هذه فعلا ألحق ضرر جسيم بحرب المقاومة بأجمعها ، و قضي على الحرب الطويلة الأمد ، و نكون قد وقعنا بذلك فريسة للحيلة الخبيثة التي دبّرها العدوّ . حقّا إنّ ذلك أسوأ سياسة ، و لا شكّ أنّنا إذا رفضنا القتال الحاسم إضطررنا إلى التخلّى عن بعض أراضينا ، و عندما يكون ذلك حتميّا ( عند ذلك فقط ) ، لا يسعنا إلاّ أن نتخلّى عنها بجرأة . و عندما تتطلّب منّا الظروف أن نفعل ذلك ينبغي ألاّ نبدي أقلّ أسف ، لأنّ إعطاء بعض الأراضي لكسب الوقت هو سياسة صحيحة . " (30) ( م 2 ، ص 254 )
و صاغ ماو ردّا على الذين سمّوا هكذا سياسة سياسة عدم مقاومة ، مجليا حقيقة أنّه ما لم يتمّ تطبيق إستراتيجيا الحرب الطويلة الأمد و المبادئ المتنوّعة التي هي حتما جزءا منها ، و إذا تمّ تبنّى إستراتيجية منظّرى النصر العاجل ، عندئذ ، هذا سيسقط حتما الأمّة الصينيّة في موقع الخاضعة . و جاء تلخيص ماو لهذه النقطة على النحو التالي :
" إنّ اللامقاومة هي عدم محاربة العدوّ أبدا بل مهادنته ، وهي لا تستحقّ أن تستنكر فحسب ، بل لا نسمح بها أبدا . من واجبنا أن نخوض حرب المقاومة بعزم ، و لكن من الضروريّ تماما ألاّ نقع في حيلة العدوّ الخبيثة فتتعرّض قواتنا الرئيسيّة للدمار تحت ضربة العدوّ ممّا يؤثّر في مواصلة حرب المقاومة ، أو بعبادة واحدة ، أن نتفادى سقوط الوطن . أمّا أولئك الذين يشكّون في ذلك فهم قصيرو النظر في مسألة الحرب ، و من المحتّم أن ينضمّوا ، في نهاية الأمر ، إلى صفوف دعاة نظريّة سقوط الوطن . و لقد نقدنا نزعة الإستماتة التي تنادى بما يسمّى " التقدّم كلّ التقدّم بدون تراجع " ، و ذلك يالضبط لأنّه إذا عمّت هذه النزعة ، تعرّضنا لخطر عدم التمكّن من مواصلة حرب المقاومة ، الأمر الذى يؤدّى في آخر الأمر إلى سقوط الوطن . " (31) ( م 2 ، ص 254-255 )
و منجزا تلخيصا لأساس نوعي التفكير الخاطئين – نظريّة الإخضاع و نظريّة النصر العاجل – و صائغا الفهم الصحيح في تعارض معهما ؛ وضع ماو الصيغة المقتضة التالية : " إنّ دعاة نظريّة سقوط الوطن يرون في العدوّ قوّة خارقة ، بينما تبدو الصين في نظرهم كأنّها خردلة ، و بالعكس فإنّ دعاة نظريّة النصر العاجل يعتبرون العدوّ خردلة بينما يرون في الصين قوّة خارقة . إنّ هؤلاء و أولئك مخطئون . أمّا نحن فنختلف عنهم جميعا ، إذ نرى أنّ حرب المقاومة سوف تكون حربا طويلة الأمد ، و أنّ النصر النهائيّ سوف يعود للصين – هذه هي إستنتاجاتنا ." (32) ( م 2 ، ص 256 )


مراحل ثلاثة في حرب المقاومة

فى هذا العمل ، قام أيضا ماو بتحليل المراحل الأساسيّة التي ستمرّ بها حرب المقاومة ضد اليابان . فشرح أنّه ستوجد مراحل أساسيّة ثلاثة ، الأولى تغطّى مرحلة تكون فيها اليابان في هجوم إستراتيجي و تكون فيها حرب المقاومة الصينيّة في مرحلة دفاع إستراتيجي . و هي مرحلة ستكون فيها الحرب المتحرّكة الشكل الأساسي بينما حرب العصابات و حرب المواقع ستكون ثانويّة و مكمّلة للحرب المتحرّكة .
والمرحلة الثانية من الحرب ، قال ماو ، ستكون مرحلة التوازن الإستراتيجي . وفي هذه المرحلة ستكون حرب العصابات الشكل الأساسي ملحقَة بالحرب المتحرّكة لأنّ الهدف سيكون تهديد تعزيز العدوّ للمناطق التي يحتلّها و إستنزافه في مناطقه المحتلّة .
و المرحلة الثالثة ستكون مرحلة هجوم مضاد إستراتيجي لقوى مقاومة اليابان . و تجاوز هذه المرحلة سيقتضى مراكمة قوّة قوى الأمّة الصينيّة في مقاومة اليابان و كذلك سيقتضى إنعطافا في الوضع العالمي ليصبح وضعا مواتيا أكثر لحرب المقاومة الصينيّة . و في هذه المرحلة ستغدو الحرب المتحرّكة مرّة أخرى هي الرئيسيّة غير أنّ حرب العصابات ستستمرّ و ستنمو أهمّية حرب المواقع .
و بشكل عام ، تحليل ماو هذا لتطوّر الحرب ثبتت صحّته بالأحداث العمليّة للحرب ذاتها . و كما سيلخّص لاحقا عقب الظفر في الحرب المناهضة لليابان و في بداية حرب التحرير ضد تشانغ كايتشاك و أسياده الإمبرياليّين الأمريكان ، ثبُت أنّ أثناء الحرب المناهضة لليابان " تقسيم القوّات لخوض حرب العصابات كأسلوب رئيسيّ للقتال و إلى أسلوب حشد القوّات لخوض الحرب المتحرّكة كأسلوب ثانويّ ." ( 33) ( م 4 ، ص 132 ) و بهذا ، آخذا بعين الإعتبار الحرب المناهضة لليابان ككلّ و محلّلا نجاح المعارك التي راكمتها لتحقيق نصر نهائيّ ، كان ماو يعنى أنّ حرب العصابات أضحت في المقام الأوّل في حين أضحت الحرب المتحرّكة في مقام هام لكن ثانويّ . و قد إرتبط هذا بواقع أنّ مرحلة التوازن الإستراتيجي في الحرب تبيّن أنّها طويلة إلى حدّ لا بأس به . في " حول الحرب الطويلة الأمد " ، صاغ ماو بعدُ مبدأ سيشكّل أساس واقع أنّ حرب العصابات دلّلت عمليّا أنّها الأوّليّة " بإعتبارنا للكلّ فإنّ الحرب المتحرّكة هي الشكل الرئيسي و حرب العصابات هي الشكل المساعد ، أمّا بإعتبارنا للجزء ، فتصبح حرب العصابات هي الشكل الرئيسيّ و الحرب المتحرّكة هي الشكل المساعد ." (34) ( م 2 ، ص 161 )

الناس و ليست الأسلحة هم المحدّدون في الحرب

بينما تمّ في " حول الحرب الطويلة الأمد " رسم التوجّه الأساسيّ و المبادئ الإستراتيجيّة لحرب المقاومة المناهضة لليابان، و كجزء ضروريّ من هذا ، نقد ماو أيضا و دحض عددا من المفاهيم الخاطئة . و لهزم نظريّة الإخضاع القومي كان نقد الفهم الخاطئ ل " الأسلحة تحدّد كلّ شيء " . هذه النظرة التي تقلب الأمر رأسا على عقب كانت بطبيعة الحال دعامة قويّة تساند حجّة أنّ اليابان المتفوّقة في الأسلحة و التقنية تنزع إلى هزم الصين التي هي أدنى مستوى في هذه الأشياء .
و قد ردّ ماو بشدّة على حجج الذين تقدّموا بمثل هذا الخطّ :
" عندما يصل حديثنا إلى هنا سيتقدّم دعاة نظريّة سقوط الصين و نظريّة المهادنة قائلين : لا بدّ للصين ، من أجل الإنتقال من المركز المتفوّق عليه إلى حالة التوازن ، أن تحصل على قوّة عسكريّة و إقتصاديّة مساوية لقوّة اليابان ؛ أمّا من أجل الإنتقال من حالة التوازن إلى المركز المتفوّق فلا بدّ لها من أن تحوز قوّة عسكريّة و إقتصاديّة أكبر من قوّة اليابان ؛ لكن هذا مستحيل ، و بالتالى فإنّ النتيجة الآنفة الذكر غير سليمة .
و رأيهم هذا يسمّى نظريّة " السلاح يقرّر كلّ شيء " وهي نظريّة ميكانيكيّة إلى قضيّة الحرب ، و نظرة ذاتيّة و وحيدة الجانب إلى القضايا المطروحة . أمّا رأينا فعلى النقيض من ذلك ، إذ أنّنا لم نأخذ في الإعتبار عامل السلاح وحده بل أخذنا في الإعتبار أيضا عامل الإنسان . إنّ السلاح عامل مهمّ في الحرب ، لكنّه ليس العامل الحاسم ، فالعامل الحاسم في الحرب هو الإنسان لا المادة . إنّ نسبة القوى لا تعنى نسبة القوّة العسكريّة و الإقتصاديّة وحدها بل تعنى أيضا نسبة القوى البشريّة و ما تبديه القلوب من عطف أو نفور . فالقوّة العسكريّة و الإقتصاديّة تتطلّب هيمنة الإنسان عليها . فإذا وقفت الأغلبيّة العظى من الصينيّين و اليابانيّين و سكّان بلدان العالم إلى جانب حرب المقاومة ضد اليابان ، فهل هناك مبرّر لإعتبار القوّة اليابانيّة العسكريّة و الإقتصاديّة التي تملكها عنوة قلّة من الناس متفوّقة ؟ و إذا لم تكن هي المتفوّقة أفلا تصبح الصين التي تمتلك القوّة العسكريّة و الإقتصاديّة المتفوّق عليها نسبيّا هي القوّة المتفوّقة بالمقابل ؟ " (35) ( م 2 ، ص 200 )
ضد التفوقّ التقني لليابان ، شدّد ماو على أنّ قوّة هذه الجماهير الصينيّة المقادة والمستنهضة سياسيّا لخوض حرب مقاومة، بوسعها ، في ترافق مع الخطّ العسكريّ الصحيح إعتمادا على مبدأ حرب الشعب ، أن تؤدّى إلى النصر . و قد وضع ماو الأمر على هذا النحو : " إذا عبّأنا أبناء الشعب جميعا إستطعنا أن نخلق بذلك محيطا زاخرا يبتلع العدوّ ، و بالتالى نخلق الظروف التي تعوّض عن نقصنا في السلاح والأشياء الأخرى ، و نضع المقدّمات للتغلّب على جميع المصاعب فى الحرب." (36) ( م 2 ، ص 216 )
و متحدّثا أكثر عن العلاقة بين الناس و الأسلحة و حاجة الشعب الصينيّ و الجيش الثوريّ و الحزب الشيوعي الصينيّ يقودهما ، إلى معالجة صحيحة لهذه العلاقة ، إعتبر ماو : " يتطلّب إصلاح النظام العسكري جعل الجيش حديثا و تحسين عتاده التكنيكي ، و بدونهما لن نستطيع أن نطرد العدوّ إلى ما وراء نهو يالو . كما أنّ إستخدام القوّات يتطلّب إستراتيجية و تكتيكا مرنين تقدّميّين ، و بغير ذلك يستحيل علينا إحراز الإنتصار . بيد أنّ أساس الجيش هو جنوده ، إذا لم ننفخ فيهم روحا سياسيّة تقدّميّة ، و إذا لم نقم بعمل سياسي تقدّميّ من أجل هذا الغرض ، فلن نستطيع التوصّل إلى وحدة حقيقيّة بين الضبّاط و الجنود ، و لا إثارة حميّتهم في حرب المقاومة إلى الدرجة القصوى ، و بالتالى لن تجد جميع أنواع تكنيكنا و تكتيكنا أفضل أساس لإظهار فعاليّاتها كما ينبغي . " (37) ( م 2 ، ص 260 )
و في صلة وثيقة بهذا ، أوضح ماو أهمّية ما سمّاه " الدور الفعّال لوعي الإنسان " لا سيما في علاقة بالحرب ، و أنّه بالرغم من أنّ الظروف الموضوعيّة - نقاط قوّة و نقاط ضعف الجانبين المتنازعين في حرب – تحدّد إمكانيّة الإنتصار أو الهزيمة، مع ذلك ، فإنّها لا تحدّد مآل الحرب . التحقيق العمليّ للإنتصار أو الهزيمة الفعليّة سيرتهن أيضا بالعامل الذاتي ، تحديدا مفهوم قيادة الحرب و خوضها . و من هنا ، أهمّية خطّ عسكريّ صحيح في علاقة وثيقة بخطّ سياسي عام صحيح ، و من هنا أهمّية دراسة قوانين الحرب و المظاهر الملموسة لحرب تخاض ، و تأكيد ماو على تعلّم الحرب أثناء خوض الحرب .
و جاء تشديد ماو في آن معا بالمعنى العام على أنّه لا يمكن فصل الحرب عن السياسة كما لا يمكن فصل الخطّ العسكريّ عن الخطّ السياسي العام ، و من الجهة الأخرى ، أنّ للحرب مظاهرها و قوانينها الخاصّة ، و هذا لا يمكن أن يُسوّي ببساطة مع السياسات العامة لكن يجب أن يدرس بالملموس و يتمّ العمل إنطلاقا منه ، و تلخيصه و تطويره في خضمّ خوض حرب ثوريّة . بإختصار ، أعلن ماو أنّه كان من غير الممكن كسب حرب ثوريّة دون من جهة توسيع التعبأة السياسيّة و تسليح الجماهير لخوض واعي و دعم النضال و من جهة أخرى ، دون التطبيق الملموس لخطّ عسكريّ صحيح . يجب أن يتركّز هذا الخطّ العسكري على واقع أنّ الحرب حرب عادلة ، حرب الشعب ، و في الوقت ذاته ، يجب أن يتجذّر في الظروف الملموسة للصين وقتها في إطار الوضع العالمي و النضال العالمي .
وهو يتّبع بالضبط هذا المنهج ، لم يصغ ماو و لم يقاتل من أجل إستراتيجيا أساسيّة لحرب الشعب و حسب و إنّما لخّص و كثّف تماما تكتيكات خوض مثل هذه الحرب :
" المبدأ القتالي السابق الذكر حول الحملات و المعارك يمكن أن يُصاغ في عبارة واحدة هي " عمليّات هجوميّة سريعة في الخطّ الخارجي " وهو نقيض مبدئنا الإستراتيجيّ القائل : " حرب دفاعيّة طويلة الأمد في الخطّ الداخليّ " ؛ لكن الأوّل مبدأ لا غنى عنه من أجل تحقيق هذا المبدأ الإستراتيجي ." ( 38) ( م 2 ، ص 224 )
و " الخطوط الداخليّة " تُحيل على وضع يكون فيه الجيش الخاص محاصرا من قبل العدوّ . و إستراتيجيّا ، كان ذلك الوضع فى معظم حرب الصين المقاومة المناهضة لليابان . و مع ذلك ، مطبّقا بإقتدار الماديّة الجدليّة ، طوّر ماو المبادئ العمليّة للإنقلاب التكتيكي على هذا الوضع ، بأنّه في قتال معارك أو حملات محاصرة أجزاء من العدوّ ، يجب إجبارها على المعارك في وضع غير مواتي حيث ليس لديها سوى خطوط داخليّة . و إنجاز هذا يرتهن بإستراتيجيا إرساء قواعد الإرتكاز و بالمبدأ الحيوي لإستدراج العدوّ إلى العمق و التغلغل في اراضى الصين .
و في الآن نفسه ، لأنّ إستراتيجيا العدوّ كانت أكثر قوّة و حاصرت الجيش الثوريّ ، كان من اللازم شنّ معارك هجوميّة للإبادة و شنّ معارك إنتصارات سريعة و عدا ذلك ، إحتياطات التفوّق العام لقوّات العدوّ يمكن أن تستخدم بما يحوّل الميزة التكتيكيّة للجيش الثوريّ إلى ضدّها ، و ستكون النتيجة بالأحرى الهزيمة بدلا من الإنتصار . و علاوة على ذلك ، كما فعل طوال كلّ المسيرة الكبرى و في المعارك قبلها ، طوّر ماو و طبّق مبدأ بلوغ المبادرة و المرونة ضمن الوضع حيث كان العدوّ متفوّقا إستراتيجيّا . و مرّة أخرى ، وهو يطبّق مبدأ " الدور الفعّال لوعي الإنسان " ، ساق ماو ملاحظة أنّه :
" بسبب صحّة القيادة الذاتيّة أو خطئها ، يمكن في مجرى النضال أن يتحوّل الضعف إلى تفوّق و الحرج إلى مبادرة ، أو العكس بالعكس . و عجز كلّ أسرة ملكيّة حاكمة عن قهر الجيوش الثوريّة ، يبيّن أنّ مجرّد التمتّع بنوع من التفوّق لا يكفى لضمان المبادرة ، فضلا عن ضمان النصر النهائيّ . فإنّ المبادرة و النصر يمكن أن ينتزعهما الطرف الذى يكون في ضعف و حرج من يد الطرف الذى يملك زمام التفوّق و المبادرة ، بعد أن يبذل ، وفقا للأوضاع الواقعيّة ، نشاطا ذاتيّا لتوفير بعض الظروف المعيّنة . " (39) ( م 2 ، ص 231 )

تطبيق الماركسيّة على ظروف الصين

كانت تحاليل ماو هذه للمبادئ الأساسيّة الرئيسيّة للحرب الثوريّة في ظروف الصين حينها ضروريّة للظفر في حرب المقاومة المناهضة اليابان و تقدّم الثورة الصينيّة عامة . و في صياغته و قتاله من أجل الخطّ العسكريّ الصحيح لحرب المقاومة المناهضة لليابان و من أجل حرب ثوريّة في الصين عموما ، كان على ماو كما أسلفنا الذكر ، ليس أن يُطبّق المبادئ الماركسيّة و حسب على الوضع في الصين و إنّما كان عليه أيضا أن يقاتل نزعات غالطة متنوّعة ، خاصة تلك التي حاولت أن تنسخ ميكانيكيّا و تطبّق في الصين تجربة ثورة أكتوبر في روسيا التي أرست توجّها إستراتيجيا للثورة و إفتكاك السلطة في البلدان الرأسماليّة .
و ألّف ماو " قضايا الحرب و الإستراتيجية " في نوفمبر 1938 لمواجهة هذه الخطوط الخاطئة و فيه أجلى الإختلاف بين بلد كالصين – بلد مستعمر أو شبه مستعمر – و البلدان الرأسماليّة . و صرّح بوجه خاص :
" إنّ الأحزاب الشيوعيّة في الدول الرأسماليّة ، فيما يتعلّق بمسألة الحرب ، تعارض الحروب الإمبرياليّة التي تشنّها بلدانها؛ فإذا ما نشبت مثل هذه الحروب ، فإنّ سياسة هذه الأحزاب هي السعي لهزيمة الحكومات الرجعيّة القائمة في بلدانها . و إنّ الحرب الوحيدة التي تريد هذه الأحزاب خوضها هي الحرب الأهليّة التي تعدّ لها العُدّة . إلاّ أنّه يجب ألاّ تشنّ الإنتفاضة و الحرب الأهليّة قبل أن تصبح البرجوازيّة عاجزة بالفعل ، و قبل أن تعقد أغلبيّة البروليتاريا عزمها على القيام بالإنتفاضة المسلّحة و خوض الحرب ، و قبل أن تصبح جماهير الفلاّحين مستعدّة لتقديم المساعدة إلى البروليتاريا بمحض إرادتها . و عندما يحين الحين لشنّ الإنتفاضة و الحرب ، يجب الإستيلاء على المدن أوّلا ثمّ الزحف على الريف ، و ليس العكس . و على هذا النحو عملت الأحزاب الشيوعيّة في الدول الرأسماليّة ، كما أثبتت ثورة أكتوبر ( تشرين الأوّل ) في روسيا صحّة ذلك .
بيد أنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى الصين . فخصائص الصين هي أنّها ليست دولة ديمقراطيّة مستقلّة ، بل هي بلد شبه مستعمر و شبه إقطاعي لا يوجد فيه نظام ديمقراطي بل إضطهاد إقطاعي ، و لا يتمتّع في علاقاته الخارجيّة بالإستقلال الوطني ، بل يتعرّض للإضطهاد من قبل الإمبرياليّة . و تبعا لذلك ، لا يوجد في الصين برلمان نستطيع الإفادة منه ، و لا حقوق شرعيّة تسمح لنا بتنظيم العمّال من أجل الإضراب . فمهمّة الحزب الشيوعي هنا ، من الناحية الأساسيّة ، ليست هي إجتياز فترة طويلة من النضال الشرعي ثمّ الإنتقال إلى شنّ الإنتفاضة و الحرب ، و ليست هي الإستيلاء على المدن أوّلا ، ثمّ إحتلال الريف ، بل هي العمل على النقيض من ذلك . " (40) ( م 2 ، ص 304-305 )
و عند تلخيصه تاريخ الثورة الصينيّة إلى لحظتها ، إستخلص ماو بقوّة الدرس الأساسي أنّه دون نضال مسلّح كأهمّ شكل سيكون من غير الممكن التقدّم بالحركة الثوريّة . و ألمح إلى أنّ الحزب الشيوعي الصيني أخفق في البداية في الإستيعاب التام لهذا و أنّه ، حتّى بعد بلوغ هذا الفهم الأساسيّ ، أدّت خطوط منحرفة سياسيّة و عسكريّة ، إلى إنتكاسات في النضال المسلّح ضد تشانغ كايتشاك عقب خيانته التامة سنة 1927 و إلى هزائم جدّية و إنتكاسات في قتال الحملة الخامسة ل " التطويق و الإبادة " بوجه خاص . و في هذا العمل ، خطّ ماو تصريحه الذى أضحى الآن شهيرا بأنّ " من فوّهة البندقيّة تنبع السلطة السياسيّة " و أكّد على أنّه من الضروريّ على جميع الشيوعيّين أن يستوعبوا تماما هذا المبدأ .
وفي تلك المناسبة ، أعاد تأكيد المبدأ الحيوي بأنّه يجب على الحزب أن يقود النضال المسلّح والجيش الثوريّ وليس العكس. و مثلما وضع ذلك حينها : " إنّ مبدأنا هو أنّ الحزب يوجّه البنادق ، و لن نسمح للبنادق أبدا بأنّ توجّه الحزب " . و ربط ماو هذا بالمسألة الهامة للغاية ، مسألة خوض حرب العصابات بنجاح ، مشدّدا على أنّه فقط بقيادة الحزب الشيوعي يمكن لحرب العصابات أن تستمرّ و كلّ من الحرب المتحرّكة المكمّلة و في نقطة معيّنة تتطوّر إلى حرب نظاميّة .
و في إنسجام مع هذا ، ختم ماو هذا العمل بالتأكيد مرّة أخرى على أهمّية دراسة النظريّة و الإستراتيجيا العسكريّتين و مزيد تعزيز كامل الحزب في إستيعابه ليس للخطّ السياسي الصحيح عامة و حسب بل بوجه خاص إستيعاب الشؤون العسكريّة و قوانين الحرب الثوريّة و مبادئها . و كان هذا حيويّا في تطوير تطبيق السياسات و التكتيكات الصحيحة و قيادة الجماهير في خوض حرب المقاومة المناهضة لليابان الطويلة الأمد .
و في خضمّ هذه الحرب ، لم يلخّص ماو و يقدّم مزيد القيادة لتطوير الحرب الثوريّة في الصين ذاتها فحسب بل تابع عن كثب و حلّل تطوّر النضال العالمي و الحرب العالميّة التي إندلعت في 1939 . و بوجه خاص ، في لحظة مبكّرة من المعركة التاريخيّة لستالينغراد في الإتّحاد السوفياتي ، نبّه ماو إلى أنّ هذا سيكون بالفعل منعطفا لكامل الحرب العالميّة الثانية . ففي 12 أكتوبر 1942 ، خطّ ماو إفتتاحيّة لجريدة " يوميّة التحرير " في يانان ( حيث كانت تقيم القيادة العامة للحزب الشيوعي) حلّل فيها تطوّر معركة ستالينغراد و تنبّأ بإنتصار الجيش السوفياتي و حصول نقطة إنعطاف في كامل الحرب لفائدة الإتّحاد السوفياتي ، و الشعب الصينيّ و القوى المتحالفة معهما عبر العالم . و قد تمّ تأليف هذا المقال لمزيد دحض التشاؤم و خُتِم بتصريح واضح جدّا : " يجب على جميع الذين ينظرون إلى الوضع العالمي في تشاؤم أن يبدّلوا وجهة نظرهم ." (41) ( م 3 ، ص 146 )
و بالفعل ، في غضون سنوات ثلاثة ، تحقّقت هزيمة الإمبرياليّين الفاشيّين اليابانيّين و الألمان و مجمل المحور الفاشيّ . و في الصين تمّ تحقيق ذلك على أساس تكريس الخطّ السياسيّ و الخطّ العسكريّ الثوريّين لماو تسى تونغ . و في " حول الحكومة الإئتلافيّة " ، وهو تقرير إلى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الصينيّ قدّمه ماو تسى تونغ غداة الإنتصار في الحرب المناهضة لليابان ، قام ماو بتلخيص المسار الإنتصاري للحرب و دور القوّات المسلّحة في ظلّ قيادة الحزب الشيوعي لتلك الحرب . و أشار إلى أنّه في بداية الحرب ، حتّى صلب الحزب الشيوعي نفسه " إستخفّ بعض الناس بهذا الجيش ، معتقدين أنّ مقاومة اليابان يجب أن تعتمد بصورة رئيسيّة على الكومينتانغ ." (42) ( م 3 ، ص 288 ) و تحدّث عن الجيش الثوريّ في ظلّ قيادة الحزب قائلا : " السبب في قوّة هذا الجيش يعود إلى أنّ كلّ أفراده يطيعون النظام عن وعي و إدراك ، و أنّهم تلاقوا و قاتلوا جنبا لجنب في سبيل مصلحة جماهير الشعب الواسعة و مصلحة كلّ الأمّة ، لا في سبيل مصلحة خاصة لأفراد معدودين أو زمرة ضيّقة . فالهدف الوحيد لهذا الجيش هو الوقوف بثبات إلى جانب الشعب الصيني و خدمته بكلّ أمانة و إخلاص ". (43) ( ص 105 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " + م 3 ، ص 288-289 )

تعبأة الجماهير

لخّص ماو و أكّد مرّة أخرى على أهمّية تعبأة الجماهير بشكل واسع من أجل الحرب و تنظيم الجماهير في مليشيات لتقاتل بالتنسيق مع قوّات جيش التحرير في المنطقة ، بينما في الآن نفسه ، تكون هناك قوّة أساسيّة من الجيش قادرة على القتال في مناطق مختلفة حسب المتطلّبات المختلفة للحرب . بكلمات أخرى ، كانت التعبأة التامة للأمّة الصينيّة من أجل حرب الشعب ، من أجل خوض الخطّ الإستراتيجي لحرب الشعب / الحرب الشعبيّة الطويلة الأمد و التكتيكات و المبادئ المتنوّعة للعمليّات التي طوّرها ماو للقتال في مثل هذه الحرب ، هي التي أدّت إلى النصر في حرب المقاومة المناهضة لليابان . و قد أوضح ماو بدقّة انّ قوّة تمثّل الطبقات الرجعيّة لن تكون قادرة على الإعتماد بالأساس على الجماهير و لا يمكنها أن تخوض فما بالك بأن تقود مثل هذه الحرب . بإختصار ، " لا يمكن الإنتصار على عدوّ الأمّة إلاّ بشنّ مثل هذه الحرب الشعبيّة . و السبب في فشل الكومينتانغ يعود بالضبط إلى أنّه يعارض الحرب الشعبيّة معارضة مستميتة ." (44) ( م 3، ص 292 )
و فعلا ، كما جرت ملاحظة ذلك في الفصل السابق من هذا الكتاب ، أثناء الحرب المناهضة لليابان ، بينما كان يقاتل في الكلام اليابانيّين ، تبنّى تشانغ كايتشاك موقفا سلبيّا و إنهزاميّا تجاه المعتدين اليابانيّين و ركّز معظم قوّتـه الناريّة ضد الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و قواعد الإرتكاز التي كانت تحت قيادته . لكن ، في ظلّ قيادة ماو تسى تونغ ، تصدّى الحزب الشيوعي الصينيّ لمثل هذه الهجمات و حافظ في الوقت ذاته على الجبهة المتّحدة ضد اليابان و على إستقلاليّته و مبادرته . و كرّس الخطّ السياسي و الخطّ العسكري لماو و على هذا الأساس توسّعت كثيرا القوّات المسلّحة و قواعد الإرتكاز تحت قيادته و لعب الدور القياديّ و الحيويّ في تعبأة الأمّة الصينيّة لخوض حرب الشعب ، في شكل حرب مقاومة طويلة الأمد، و في النهاية هُزم اليابان .
و غداة النهاية المظفّرة لهذه الحرب ، إستخلص ماو دروسها الأساسيّة و الأسباب الكامنة لسياسات و تصرّفات القوى المتباينة المشاركة فيها ، و نظر إلى الأمام و سلّح سياسيّا الحزب الشيوعي الصيني كما سلّح الجماهير الشعبيّة العريضة بفهم أنّها لا تستطيع التخلّى عن أسلحتها و تربط نفسها بالكيومنتانغ الذى كان يحاول أن يقطف ثمار الإنتصار الذى دفع ثمنه الشعب الصيني دما في الحرب المناهضة لليابان . و في هذا العمل ، نعثرعلى تصريح آخر من تصريحات ماو الشهيرة ، " بدون جيش شعبيّ ، لن يكون هناك شيء للشعب . " (45) ( م 3 ، ص 336 + ص 105 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ). و تمّ التشديد على هذه النقطة الحيويّة ليس في تلخيص كامل الحرب المناهضة لليابان و الثورة الصينيّة إلى تلك اللحظة فحسب بل كذلك في خوض النضال حينها و الإعداد لمواصلة الثورة في الوضع بالضبط إثر تلك الحرب و خوض النضال قُدُما في المرحلة التالية .
و عندما رفض تشانغ كيتشاك إنجاز إصلاح ديمقراطي و تفكيك نظامه للحزب الواحد ، و بدلا من ذلك ، حاول الإستيلاء على السلطة عبر الصين قاطبة ، شانّا حربا أهليّة ضد الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و قواعد الإرتكاز تحت قيادته ؛ قاد ماو الحزب الشيوعي و الجماهير الصينيّة في خوض حرب ثوريّة ضد الحرب المعادية للثورة لتشانغ كايتشاك و داعميه الأمريكان . و في إرشاده لهذا النضال المسلّح ، طبّق ماو مبادئ و إستراتيجية الحرب الثورّة التي تطوّرت في ظلّ قيادته في الثورة الصينيّة إلى تلك اللحظة .

حشد قوّة أكبر

في مقال كُتب في سبتمبر 1946 ، " أحشدوا قوّات متفوّقة لإبادة قوّات العدوّ واحدة بعد الأخرى " ، رسم ماو التوجّه للحزب الشيوعيّ الصينيّ و الجيش الثوري و الجماهير الصينيّة في تكريس إستراتيجية حرب الشعب و بوجه خاص خوض معارك الإبادة لإلحاق الهزيمة بعدوّ كان في بداية الحرب متفوّقا عدديّا و متفوّقا في الأسلحة و متفوّقا تكنولوجيّا . معتمدا على ذات مبادئ حرب الشعب كما تنطبق على الوضع الملموس حينها ، كتب ماو :
" في الحرب الأهليّة الحاليّة و قد تغيّرت الظروف فينبغى لنا أن نغيّر أسلوب القتال أيضا ، ينبغي لجيشنا ان يحشد قوّاته لخوض الحرب المتحرّكة كأسلوب رئيسيّ للقتال ، و يقسم قواته لخوض حرب العصابات كأسلوب ثانويّ . و ينبغي لجيشها في الظروف الحاليّة التي زوّد فيها جيش تشيانغ كاي شيك بأسلحة أكثر قوّة ، أن يولي أهمّية خاصة لأسلوب حشد قوّات متفوّقة لإبادة قوّات العدوّ واحدة بعد أخرى ." (46) ( م 4 ، ص 132 )
و في أكتوبر 1946 ، ألّف ماو " تلخيص عن ثلاثة أشهر " فيه حلّل تطوّر حرب التحرير ضد تشانغ كايتشاك و الإمبرياليّين الأمريكان في مرحلته الأولى إلى وقتذاك . و كما تمّ التعريج على ذلك في الفصل السابق من هذا الكتاب ، عند هذه النقطة من تطوّر الثورة الصينيّة ، نشأ صراع شديد في صفوف الحزب الشيوعي الصيني حول مسألة ما إن كان من الممكن أم لا خوض حرب ثوريّة ناجحة ضد تشانغ كايتشاك و الإمبرياليّة الأمريكيّة تدعمه . و بدأ ماو هذا " التلخيص " بإعادة التأكيد القويّ على توجيه اللجنة المركزيّة المؤرّخ في 20 جويلية من تلك السنة – أنّه بالفعل بالإمكان قهر تشانغ كايتشاك و أنّ كلّ الحزب يجب أن تسوده ثقة كاملة فى هذا .
ثمّ إنتقل ماو إلى تحليل " التناقضات السياسيّة و الإقتصاديّة الأساسيّة التي لا يستطيع تشيانغ كاي شيك ان يحلّها و التي تشكّل السبب الأساسي في كون إنتصارنا أكيدا و هزيمته حتميّة " . (47) ( م 4 ، ص 141 ) و مضى إلى تحليل التناقضات الخاصة في المجال العسكريّ التي ستمثّل السبب المباشر لإنتصار القوّات الثوريّة و هزيمة تشانغ كايتشاك – تحديدا واقع أنّ خطوط جبهة تشانغ كانت ممتدّة جدّا و أنّه على المدى البعيد سيفتقر إلى القوّات .
و مع ذلك ، لترجمة هذا إلى إنتصار فعليّ كان من الضروري التبنّى و التطبيق الصارمين للمبادئ الأساسيّة للقتال حسب طريقة حشد قوّة أكبرلإبادة قوّات العدوّ الواحدة تلو الأخرى ؛ قتال معارك إنتصار حيويّ ، و كما قال ماو ، القتال حينما تكون الظروف مواتية و تجنّبها حينما لا تكون الظروف مواتية ؛ القتال بطريقة تكتيكيّة على الخطوط الخارجيّة هجوميّا و في معارك قرار سريع . و هذه و غيرها من المبادئ الأساسيّة التي طوّرها ماو تسى تونغ في مسار الحروب الثوريّة في الصين ، و خاصّة حرب المقاومة ضد اليابان ، لا تزال صالحة و وجب تطبيقها في الحرب ضدّ قوّات تشانغ كيتشاك زمنها لأجل بلوغ إنتصار فعليّ . (48) (م 4 ، ص 170)
و في برقيّة " حول مبدأ العمليّات في ميدان الحرب في الشمال الغربيّ " أرسلها ماو تسى تونغ إلى جيش الشمال الغربي الميداني في أفريل 1947 ، أكّد على أهمّية إبقاء العدوّ مشغولا و إنهاكه و إنقاص تزوّده بالمواد الغذائيّة إلى أبعد الحدود ثمّ شنّ الهجوم لإبادته . دون القيام بهذا ، قال ماو ، لن يمكن إحراز النصر النهائيّ .
و مجدّدا ، أثناء هذه الحرب التحريريّة ضد تشانغ كايتشاك و إمبرياليّى الولايات المتّحدة الذين يدعمونه ، ظهر صراع في صفوف الحزب الشيوعي الصيني حول مسألة التخلّى المؤقّت من عدمه عن بعض الأراضي لأجل إستدراج قوّات تشانغ كايتشاك و تقسيمها و هزمها الواحدة تلو الأخرى .
و بشكل خاص ، سنة 1947 ، حشد تشانغ كايتشاك قوّات كبيرة ليهاجم مباشرة منطقة يانان ، قاعدة الإرتكاز حيث تقيم القيادة العامة للحزب الشيوعي الصيني و قيادة جيش التحرير الشعبيّ . و إزاء هذا ، حاجج البعض في الحزب الشيوعي الصيني بأنّه من الخطأ الانسحاب المؤقّت من منطقة يانان و بدلا من ذلك يجب خوض قتال شامل للدفاع عنها .
و هزم ماو هذا الخطّ الخاطئ و قدّم القيادة و التوجيه للقوّات التحريريّة في القيام بإنسحاب تكتيكيّ و محاصرة و عزل و تقطيع و إبادة قوّات كبيرة من جيش تشانغ كايتشاك الواحدة تلو الأخرى بإستخدام طرق الحرب المتحرّكة و المبدأ الأساسيّ لحشد قوّة أكبر في المعارك ، و القتال هجوميّا و قهر العدّو في حرب قرار سريع .

المرور إلى الهجوم

و مثّل النجاح الرائع في هذه الحملة العسكريّة منعرجا في حرب التحرير . و في سبتمبر 1947 ، صاغ ماو التوجيه الداخلي للحزب تحت عنوان " المبدأ الإستراتيجي في السنة الثانية من حرب التحرير " الذى عرض فيه مهمّة خوض الحرب في مناطق الكيومنتانغ و التحوّل من الموقع الإستراتيجي للقتال على الخطوط الداخليّة إلى القتال على الخطوط الخارجيّة – أي المرور من الدفاع الإستراتيجي الذى كان خلاله العدوّ يحاصر و يهاجم إلى الهجوم الإستراتيجي و فيه كان جيش التحرير يحاصر العدوّ و يهاجمه .
طوال هذه الفترة ، شنّ جيش التحرير الهجوم عبر البلاد قاطبة ما قاد في غضون سنتين إلى الإنتصار التام في حرب التحرير. ورسم ماو إستراتيجيا هذا الهجوم معلنا :" إنّ مبادئ العمليّات لجيشنا لا تبرح تلك المبادئ المحدّدة في الماضي." ( 49) ( م 4 ، ص 184 )
و في " الوضع الراهن و مهمّاتنا " ، المكتوب في ديسمبر 1947 ، أرسى ماو شكلا متطوّرا أكثر لهذه المبادئ العمليّاتيّة الأساسيّة التي صارت معروفة بالمبادئ العشر الكبرى للعمليّات .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" هذه هي مبادئنا العسكرية :
1- مهاجمة قوات العدوّ المتفرّقة و المعزولة اوّلا ، ثم قوّات العدوّ المركزة و القويّة .
2- الإستيلاء اوّلا على المدن الصغيرة و المتوسّطة و المناطق الريفيّة الواسعة ، ثم المدن الكبرى .
3- أن يكون الهدف الرئيسي إبادة قوّات العدوّ و ليس المحافظة على مدينة أو أرض ينجم عن إبادة قوّات العدوّ ، و لا يمكن فى الغالب المحافظة على مدينة او أرض أو الإستيلاء عليها بصورة نهائيّة إلاّ بعد أن تتداولها الأيدي عدّة مرّات .
4- حشد قوات متفرّقة تفوّقا مطلقا ( تفوق قوّات العدوّ ضعفين أو ثلاثة أضعاف أو أربعة حتّى خمسة أو ستّة أضعاف فى بعض الأحيان ) فى كلّ معركة ، و تطويق قوّات العدوّ تطويقا تاما ، و السعي فى إبادتها كلّيا دون أن يتمكّن واحد منها من الإفلات . و إستخدام أسلوب تسديد ضربات ساحقة للعدوّ فى حالات خاصة ، أي حشد جميع قوّاتنا للهجوم على مقدّمة العدوّ و على أحد جناحيه أو كليهما معا بغية إبادة قسم من قوّاته و تشتيت قسم آخر حتّى يستطيع جيشنا أن ينقل قوّاته بسرعة لسحق قوّات أخرى للعدوّ . و لا بدّ أن نعمل بقدر الإمكان على تفادى المعارك المنهكة التى تكون فيها المكاسب أقلّ من الخسائر أو تعادلها . و على هذا النحو نستطيع ، رغم أنّنا أضعف من العدوّ من حيث الكلّ ( من حيث العدد ) ، أن نحوز التفوّق المطلق فى كلّ جزء و فى كلّ حملة معينة ، و ذلك مما يضمن لنا النصر فى الحملات . و مع مرور الزمن سنحوز التفوق من حيث الكلّ و نبيد جميع قوّات العدوّ فى نهاية المطاف .
5- وجوب الإمتناع عن خوض أي معركة بدون إستعداد سابق أو أي معركة لا نتأكّد فيها من النصر ، وبذل أكبر الجهود فى الإستعداد لكلّ معركة ، و بذل أكبر الجهود فى الإستعداد لكل معركة ، و بذل أكبر الجهود لضمان النصر على أساس الظروف القائمة لدينا و لدي العدوّ.
6- إظهار روح البسالة فى القتال و الإقدام على البذل و التضحية و إحتمال التعب و الإعياء و الصمود فى القتال المتواصل ( أي خوض معارك متتالية فى فترة قصيرة بدون راحة ) .
7- السعي لإبادة العدوّ بقدر الإمكان أثناء التحرّكات . و فى الوقت نفسه ، يجب الإهتمام بتكتيكات مهاجمة مواقع العدوّ بغية الإستيلاء على معاقله و مدنه .
8- فيما يتعلّق بمهاجمة المدن ، يجب الإستيلاء بحزم على جميع المعاقل و المدن التى يضعف فيها دفاع العدو ، و يجب الإستيلاء كذلك فى الوقت الملائم على كلّ معقل أو مدينة للعدوّ ذات قوّة دفاعيّة متوسّطة، بشرط أن تسمح الظروف بذلك . أمّا جميع معاقل العدوّ ومدنه المنيعة فينبغى الإنتظار ريثما تنضج الظروف ، و حينذاك يستولى عليها .
9- سدّ النقص فى قواتنا بجميع الأسلحة التى نغنمها من العدوّ و بمعظم الرجال الذين نأسرهم . فجبهة القتال هي المورد الرئيسيّ الذى يمدّ جيشنا بالرجال و العتاد .
10- أن نحسن الإستفادة من الفترة التى تتخلّل كلّ معركتين لإراحة قوّاتنا و إعادة تنظيمها و تدريبها . و ينبغى ، عموما ، ألاّ تطول فترة الراحة وإعادة التنظيم و التدريب أكثر من اللازم ، حتّى لا نترك للعدوّ، بقدر المستطاع ، فرصة للراحة .
هذه هي الوسائل الرئيسية التى إستخدمها جيش التحرير الشعبيّ فى قهر تشيانغ كاي شيك. وهي النتيجة التى أحرزها هذا الجيش أثناء تمرّسه بقتال الأعداء المحلّيين و الأجانب خلال سنوات طويلة ، وهي وسائل ملائمة تماما لوضعنا الراهن ... إنّ إستراتيجيّتنا و تكتيكنا يستندان إلى الحرب الشعبيّة ، فلا يستطيع أيّ جيش معاد للشعب إستخدامها . "
" الوضع الراهن و مهمّاتنا " ( 25 ديسمبر – كانون الأوّل- 1947) ، مؤلّفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلّد الرابع ، صفحة 206-207 + " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، صفحة 100-101-102-103 .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
و مرّة أخرى ، في هذا العمل ( " الوضع الراهن و مهمّاتنا " ) التي تمّت كتابته في اللحظة التي مرّ فيها جيش التحرير إلى الهجوم الإستراتيجي و كان الإنتصار يلوح في الأفق ، قام ماو بتلخيص الأهمّية الحيويّة للحظة سابقة من هذه الحرب ، في الواقع عند بداياتها الأولى ، للتقييم الصحيح للوضع المحلّى و العالمي و على هذا الأساس الإعراف بإمكانيّة خوض حرب ثوريّة مظفّرة ضد الحرب المعادية للثورة التي كان تشانغ كايتشاك أطلقها ، فأشار ماو إلى أنّه في مستهلّ الحرب ، عندما إستولى تشانغ كايتشاك في البداية على بعض المدن و توسّع في أراضي ، أضحى منتفخا متكبّرا و إستهان بإستراتيجيا جيش التحرير - القتال أوّلا إنطلاقا من الدفاع الإستراتيجي - إعتبارا للضعف الإستراتيجي لجيش التحرير . و قال ماو :
" قد قلنا حينذاك أنّ تفوّق تشيانغ كاي شيك في القوى العسكريّة ليس سوى ظاهرة عابرة و عامل يلعب دورا مؤقّتا فقط ؛ و إنّ معونة الإمبرياليّة الأمريكيّة هي أيضا عامل يلعب دورا مؤقّتا ؛ و لكن طابع حرب تشيانغ كاي شيك المعادية للشعب، و مشاعر الشعب هما بالتحديد عاملان يلعبان دورا دائما ؛ و إنّ التفوقّ من هذا القبيل في حوزة جيش التحرير الشعبيّ . إنّ الحرب بطابعها الوطني و العادل و الثوري التي يخوضها جيش التحرير الشعبي لا بدّ أن تحظى بتأييد شعب البلاد كلّها . و هذا هو الأساس السياسي للإنتصار على تشيانغ كاي شيك . وقد أكّدت تجربة 18 شهرا من الحرب صحّة حكمنا هذا تمام التأكيد ." ( 50 ) ( م 4 ، ص 205-206 )
و لم يشدّد ماو على أنّ المبادئ العسكريّة الكبرى للجيش الثوري المتطوّرة في خضمّ الحرب السابقة لا تزال صحيحة و قابلة للتطبيق فحسب بل شدّد مجدّدا على أنّه سيكون من غير الممكن لجيش تشانغ كايتشاك إستخدام هذه المبادئ . و لاحظ أنّ تشانغ كايتشاك و الإمبرياليّين الأمريكان كانوا واعين تمام الوعي بإستراتيجيا و مبادئ جيش التحرير الشعبي بيد أنّ هذه المعرفة لم تقدر على إنقاذ تشانغ كايتشاك من الهزيمة . و صرّح ماو بصورة دقيقة : " إستراتيجيّتنا و تكتيكاتنا مبنيّة على أساس الحرب الشعبيّة ، فلا يستطيع أيّ جيش معاد للشعب أن يستخدمها ." ( 51 ) ( م 4 ، ص 208 )
حرب ثوريّة ، حرب الجماهير ، لا يمكن و لا يجب أن تخاض إلاّ وفق المبادئ العسكريّة التي هي في إنسجام مع الإعتماد على الجماهير و تعبأة قوّتها على أنّها عماد الحرب . و ليس بوسع حرب رجعيّة أبدا أن تخاض على هذا الأساس .

الجماهير هي الحصن الحديديّ

و العكس صحيح أيضا . ليس من الممكن أبدا خوض غمار الحرب الثوريّة دون الإعتماد على الجماهير الشعبيّة و تعبأتها كحصن حديدي حقيقيّ ، كما جاء على لسان ماو بصدد الحرب الثوريّة . و على سبيل المثال ، أشياء كشنّ هجمات مباغتة و تجنّب العدوّ و محاصرته و الانسحاب و تاليا تحويل الانسحاب إلى هجوم مضاد ، و حشد قوى أكبر للهجوم في معارك و حملات و عامة خوض حرب عصابات و حرب متحرّكة ، كلّ هذا يرتهن بالمساندة الصلبة للجماهير الشعبيّة . و في غياب هذا الدعم سيتمكّن العدوّ من إحباط عنصر المفاجأة من خلال كسب مخابراتيّ ، سيكون قادرا على إفشال محاولات هجمات مباغتة و فرار ، لتحديد اللحظة التي يحوّل فيها الانسحاب إلى هجوم مضاد إلخ و سيتمكّن من هزم محاولات خوض حرب متحرّكة و حرب العصابات .
لذا ، أيضا ، نظام لا يعوّل على الجماهير الشعبيّة لمساندته و مدّه بالتموين و بالجنود ، لكن مثل جيش تشانغ كايتشاك نجده مضطرّا إلى إنتداب جنود مأجورين لخدمته و لديه قاعدة تكنيكيّة قائمة على إستغلال الجماهير ، ينزع إلى أن تنخره التناقضات الداخليّة . و ينزع جيشه إلى التميّز بأخلاق متدنّية ، خاصة في ظروف حيث من الصعب جدّا الإشتباك مع العدوّ حسب معاييركم وحيث لا وجود لإنتصار عاجل. هذا تعبير عن حقيقة أنّ الناس وليست الأسلحة هم المحدّدون في الحرب .

الحملات الحيويّة الثلاث

لمّا شرع جيش التحرير الشعبيّ في الهجوم المضاد عبر البلاد و كان يقترب من ساعة النصر ، طوّر ماو تسى تونغ مبادئ خاصة لعمليّات الحملات الحيويّة الثلاثة في حرب تحرير الشعب الصينيّ ضد تشانغ كايتشاك و الإمبرياليّة الأمريكيّة . و كانت تلك هي حملات لياوش - شنيانغ وهواي - هاي و بيبينغ - تياجين . حينها خطّ ماو برقيّات أرسلت إلى القوّات المسلّحة لجيش التحرير الشعبيّ بصدد هذه الحملات . و بالفعل لم تكن " حول مبدأ العمليّات في حملة لياوشى- شنيانغ " و " حول مبدأ العمليات في حملة بيبينغ – تياجين " تعليمات عامة لإنجاز هذه الحملات الحيويّة و حسب بل كانت أيضا تمثّل صراعا حادا ضد الإنتهازيّين بمن فيهم خاصة لين بياو ، في قيادة هذه القوّات الخاصة لجيش التحرير الشعبيّ . كاشفا عن إنحرافه اليمينيّ ، أراد لين بياو أن يتلكّأ و كان يخشى شنّ هجوم شامل لإنجاز هذه الحملات الحيويّة – خاصة حملتي لياوشى - شنيانغ و بيبينغ – يانجين .
و نجم هذا عن نظرة لين بياو اليمينيّة و نزعته نحو المغالاة في تقدير العدّو و قد حدث هذا في عدّة مناسبات في لحظات حيويّة من تاريخ الثورة الصينيّة و وجه له ماو النقد في عدّة ظروف مفاتيح بما في ذلك تلك التي تعود إلى زمن بعيد ، إلى سنة 1930 لمّا كتب ماو " ربّ شرارة أحرقت سهلا " لمعارضة تشاؤم لين بياو و آخرين كانوا يقترفون إنحرافات يمينيّة . فى برقيّة " حول مبدأ عمليّات في حملة بيبينغ – تيانجين " المرسلة في 11 ديسمبر 1948 ، حذّر ماو لين بياو آخرين من أنّه " ينبغي ألاّ تبالغوا في أيّ حال من الأحوال في قدرة العدوّ القتاليّة " . ( 52 ) ( م 4 ، ص 373 )
بتنفيذ توجيهات ماو الخاصة بهذه الحملات الحيويّة و مع تحقيق الظفر ، صار إنتصار حرب التحرير مضمونا في الأساس. و طبعا ، مع ذلك ، كان من الضروريّ الخوض الحيوي للحرب ضد القوّات الرجعيّة لتشانغ كايتشاك إلى النهاية و سحقها كلّيا و تماما ، كما وضع ذلك ماو . عند هذه النقطة ، في أواخر 1948 – بدايات 1949، أخذ الإمبرياليّون الأمريكان و عملاؤهم بالكيومنتانغ ، وهم يواجهون الهزيمة الوشيكة ، في القيام بمحاولات المناورة سياسيّا و إستخدام تكتيكات ثنائيّة جديدة – أي لمواصلة الحرب ضد جيش التحرير الشعبي و في الآن نفسه محاولة تنظيم كتلة معارضة في صفوف الطرف الثوريّ تقسم صفوفه و تعقد " سلاما " مع الكيومنتانغ ، مبقية إيّاه بعدُ في السلطة . و من جديد ، قاد ماو الحزب الشيوعي الصيني و الجيش الثوري و الجماهير الصينيّة في الإستمرار بنجاح في خوض الحرب الثوريّة بالتوازي مع فضح مناورات مسؤولين من الكيومنتانغ مدعومين من الإمبرياليّة الأمريكيّة كانوا يسعون إلى ضمان " سلم مشرّف " حسب إطار رجعيّ.
و على هذا النحو ، تمّ كسب أوسع جماهير الشعب الصينيّ إلى الوحدة مع الحركة الثوريّة و كان العدوّ – الإمبرياليّة و الإقطاعيّة و الرأسماليّة البيروقراطيّة كما مثّلها الكيومنتانغ و داعميه الأمريكان – منعزلا إلى أقصى الحدود و في النهاية مُني بهزيمة ساحقة و شاملة . و هكذا ، عقب أكثر من 20 سنة من تقريبا حرب مستمرّة ، بلغت الصين في النهاية التحرّر الوطنيّ و تحرّر الشعب الصينيّ من حكم الإمبرياليّة و الإقطاعيّة و الرأسماليّة – البيروقراطيّة . وفي غرّة أكتوبر 1949، تأسّست جمهوريّة الصين الشعبيّة بقيادة الطبقة العاملة و حزبها الشيوعي ، مع النصر المدوّى للكفاح المسلّح للشعب الصيني.

الدلالة العالميّة للخطّ العسكري لماو تسى تونغ

خلاصة القول ، كانت قيادة ماو تسى تونغ ، خطّه السياسي و خطّه العسكريّ الثوريّين ، هي التي أرشدت الشعب الصيني في تحقيق هذا النصر العظيم . و الخطّان السياسي و العسكري لماو تسى تونغ ، رغم صياغتهما في معمعان تطبيق الماركسيّة – اللينينيّة على الظروف الملموسة للصين أثناء ثورتها الديمقراطيّة الجديدة و رغم إحتوائهما على بعض السياسات الخصوصيّة المتّصلة بتلك الظروف ، هما في مبادئهما الأساسيّة ينطويان على دلالة عظيمة ليس للثورة الصينيّة و ليس تاريخيّا فقط بل بالنسبة إلى الثورات في البلدان المستعمَرة و شبه المستعمرة اليوم و بصفة أعمّ بالنسبة إلى النضالات الثوريّة لإفتكاك السلطة و الحروب الثوريّة . و من خلال قيادة الثورة الصينيّة التي كانت ( كما جرت الإشارة إلى ذلك آنفا ) منذ البداية إلى إفتكاك سلطة الدولة ، نضالا مسلّحا ، طوّر ماو و أثرى النظريّة و الإستراتيجية الماركسيّة للحرب و طوّر نظاما ماركسيّا شاملا للفكر العسكريّ له قيمة كبرى و دلالة كبرى بالنسبة إلى البروليتاريا العالميّة .
و كما مرّ بنا ذلك في الفصل السابق من هذا الكتاب ، تقريبا مباشرة بعد ظفر الثورة الصينيّة ، بداية من السنة التالية لتأسيس جمهوريّة الصين الشعبيّة ، مدّت الصين يد المساعدة إلى الشعب الكوريّ في مقاومته لحرب عدوان الإمبرياليّة الأمريكيّة ، و شارك متطوّعون صينيّون في هذه الحرب على نطاق واسع .
و قد جدّ صراع في صفوف الحزب الشيوعي الصيني و الجيش الأحمر حول الخطّ العسكريّ لخوض حرب المقاومة ضد العدوان الأمريكي و تقديم الدعم لكوريا . و آخذا بعين الإعتبار المظاهر الخاصة لتلك الحرب ، حاجج ماو أنّ الخطّ و الإستراتيجيا و المبادئ الأساسيّة التي تطوّرت في خضمّ مختلف مراحل النضال المسلّح الثوري في الصين ، يجب تطبيقها في الأساس . و في 1953 ، مع نهاية الحرب ، ألقى ماو خطابا أكّد فيه على أنّه بينما كان عامل القيادة هاما في الإنتصارات المحقّقة في الحرب " العمل الأهمّ هو مساهمة أفكار الجماهير " و أضاف أنّ " تجربتنا قامت على الإعتماد على الشعب إلى جانب قيادة صحيحة إلى حدّ لا بأس به ما خوّل لنا بتجهيزاتنا الأدنى إلحاق الهزيمة بعدوّ أفضل تجهيزا ".(53)( م 5 ، بالأنجليزيّة ، ص 116-117 )
و في الوقت نفسه ، فيما أكّد ماو على الأهمّية الحيويّة لإضطلاع الصين بواجباتها الأمميّة و دعم كوريا في مقاومة عدوان الولايات المتّحدة و شرح ذلك ، شدّد على " لن نغزو أيّا كان في أيّ مكان كان . لكن إذا غزانا الآخرون ، سنتصدّى و سنقاتل إلى النهاية " .(54) ( م 5 ، بالأنجليزيّة ، ص 118 ) و هنا من جديد ، كان ماو يعيد تأكيد المبادئ الأساسيّة لحرب الشعب التي على أساسها نهض النضال المسلّح الناجح للشعب الصيني في تحرير الصين .
و خلال خمسينات القرن العشرين ، في حين واصلت الإمبرياليّة الأمريكيّة بأسلحتها النوويّة تهديد البلدان الإشتراكيّة بما فيها الصين و شعوب البلدان الأخرى بالعدوان في أنحاء متباينة من العالم ، ثابر ماو فى الدفاع عن التوجّه الذى أرساه قبل سنوات – أنّ الإمبرياليّة الأمريكيّة كانت نمرا من ورق و خاصة أنّ حتّى القنبلة النوويّة لا يمكن أن تسمح للإمبرياليّة الأمريكيّة بكسب حرب عدوانيّة ضد الصين . و تمسّك ماو بصرامة بالمبادئ التي أرشدت النضال المسلّح المظفّر للشعب الصيني في كسب تحرّره . و في تصريح في جويلية 1956 ، " الإمبرياليّة الأمريكيّة نمر من ورق " ، أبرز ماو مجدّدا أنّ سبب تمكّن الحزب الشيوعي الصيني و القوّات المسلّحة الثوريّة تحت قيادته من الإنتصار على القوّات الرجعيّة في الصين كان الإرتباط بالجماهير الشعبيّة و الإعتماد عليها و تعبئتها . و قد لخّص هذا في القانون الأساسي القائل بأنّ " القوّات الصغيرة المرتبطة بالشعب تصبح قوّات قويّة ، بينما القوّات الكبيرة المعارضة للشعب تضعف ." (55) ( م 5 ، بالأنجليزيّة، ص 309 )
و بعد سنة ، في نوفمبر 1957 ، في اجتماع موسكو لممثّلى الأحزاب الشيوعيّة و العمّاليّة ، قاتل ماو بشدّة الخيانة التحريفيّة لخروتشاف و سعيه لفرض خطّ انّ الإمبريالية الأمريكيّة قويّة جدّا لأنّ بحوزتها أسلحة متفوّقة منها الأسلحة النوويّة و أنّ تطوير أسلحة جديدة ، خاصة الأسلحة النوويّة غيّر المبادئ الأساسيّة للحرب . و أعاد ماو تأكيد أنّ المبدأ الإستراتيجي الأساسيّ ؛ إستراتيجيّا ، إحتقار العدوّ بما في ذلك قوّة كُبرى و عتيّة كالإمبرياليّة الأمريكيّة ، و تكتيكيّا ، تقدير و الأخذ مأخذ الجدّ مبدأ جرى تطبيقه في الحرب الثوريّة في الصين و يجد تعبيره في خوض حرب الشعب و الإعتماد على قوّة الجماهير مع تكريس ، في الحملات و المعارك ، سياسة حشد قوّة أكبرلإبادة قوّات العدوّ و إلحاق الهزيمة بها الواحدة تلو الأخرى ". (56) ( م 5 ، بالأنجليزيّة ، ص 517 )

قتال الخطّ العسكريّ التحريفيّ

و واصل ماو الدفاع عن هذا الخطّ العسكري الأساسي في تعارض مع التحريفيّين في الإتّحاد السوفياتي و في الصين ذاتها، الذين حاججوا كما فعل التحريفيّون تاريخيّا أنّ الأسلحة و ليس الناس هي المحدّدة في الحرب . و بالطبع في حين شدّد على أنّه ينبغي على الصين تطوير دفاعها الوطنيّ و بلوغ صناعة الأسلحة الأكثر حداثة ممكنة ، أعلن أنّ تطوير أسلحة جديدة و منها الأسلحة النوويّة لا يغيّر المبادئ الأساسيّة للحرب و الحروب الثوريّة بوجه خاص . و إستمرّ في تأكيد تطوير ليس الجيش النظامي فحسب بل أيضا القوّات المسلّحة العريضة للجماهير الشعبيّة كما يعبّر عن ذلك تنظيميّا في تطوير المليشيا التي ستشكّل قوّة هامة إلى جانب الجيش النظامي الشعبيّ في خوض حرب ثوريّة ضد العدوان الإمبرياليّ في الصين .
و سنة 1958 ، في خطاب أمام ندوة مجموعة من القيادات من الاجتماع الموسّع للجنة الشؤون العسكريّة ، نقد ماو العقيدة العسكريّة السوفياتيّة و الإستراتيجيا العسكريّة السوفياتيّة لأنّهما كانتا في مجملهما قائمتين على الهجوم و كانتا تتعارضان مع المبادئ الأساسيّة لخوض حرب الشعب . (57) ( " الرئيس ماو يتحدّث إلى الشعب " لستوارد شرام ، بنتيوم بوكس ، نيويورك 1974 ، ص128 ؛ بالأنجليزيّة )
و بعد عدّة سنوات من ذلك ، في بدايات ستّينات القرن العشرين ، عند نقد كتاب سوفياتي عن الاقتصاد السياسيّ ، وضع ماو تشديدا على أنّه من المهمّ بلوغ تعصير الاقتصاد و أنّ لهذا دلالة خاصة في ما يتعلّق بمسألة الحرب و الدفاع عن البلاد، بيد أنّ هذا لا يمكن أن يصبح حيويّا في تطوير الإستراتيجيا العسكريّة . و لاحظ أنّه :
" على وجه العموم ، فى الوقت الحاضر، نرتئى الأتمتة . و من الأكيد أنّه علينا أن نناقش مشكل المكننة لكن دون مبالغة . الحديث عن المكننة و الأتمتة أكثر من اللازم يجعل من الناس يحتقرون نصف المكننة و الإنتاج بالطرق التقليديّة . لقد وجد مثل هذا الإنحراف فى الماضي . عندما لا ننظر إلاّ إلى مظهر واحد من المشكل ، لنبحث سوى عن تقنيات جديدة وآلات جديدة ومؤسسات كبيرة الحجم و أنواع الأرقى ؛ سنحتقر الطرق التقليديّة و المؤسسات المتوسّطة و الصغيرة الحجم . فقط بعد تبنّى مبدأ التطوير المتزامن للمؤسسات المحلّية و الأجنبيّة ، الكبرى و المتوسّطة و الصغرى ، تمّ الإنتصار على هذا الإنحراف . " ( 58) ( ص 62 من " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية " ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي " ) ، مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي )
و ربط ماو هذا بوجه خاص بمسألة الحرب :
" ينبغى أن نتبنّى التقنية المتقدّمة . لكن لا نستطيع مع ذلك أن نرفض الإقرار بأنّه طوال فترة معيّنة ، سيكون من الحتمي أن تكون لدينا تقنية أقلّ تطوّرا . منذ وجود التاريخ ، فى الحروب الثوريّة ، ينتصر دائما الذين لديهم أسلحة من نوع أدنى على الذين يمتلكون أسلحة من نوع أرقى . و فى الصين ، فى فترات الحرب الأهليّة ، و حرب المقاومة ضد اليابان و حرب التحرير ، لم تكن السلطة بأيدينا فى كامل البلاد و لم نكن نمتلك ذخيرة عصريّة . و تعنى إرادة الحصول مطلقا على الأسلحة الأكثر عصريّة قبل الإنطلاق فى الحرب ، أن ينزع المرء سلاحه بنفسه . " (59) ( ص 62 من " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية " ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي " ) ، مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي )
هنا كما في السابق ، كان ماو يستند إلى التجربة الثريّة للثورة الصينيّة و كذلك إلى النضالات في البلدان الأخرى و على مبادئ الخطّ العسكريّ و الإستراتيجيا الأساسيّين الذين طوّرهما طوال فترة مديدة من قيادة النضال المسلّح للشعب الصيني و من تلخيص مزيد تطوير الحروب الثوريّة في العالم .
و لاحقا ، تحدّث ماو عن هذا المبدأ الأساسيّ مباشرة إثر المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصينيّ في 1969 . كان ذلك زمنا كانت فيه العمليّة العسكريّة للولايات المتّحدة ضد الفيتنام في أوجها مع تركيز مئات الآلاف من الجنود في جنوب الفيتنام و شنّ عدوان على شماله ، و في الوقت نفسه ، كانت الأعمال العدوانيّة السوفياتيّة تشتدّ على الحدود الشماليّة للصين . و أعاد ماو التأكيد مرّة أخرى على التوجّه الإستراتيجيّ الأساسي و مبادي الحرب ، في تعارض مع شتّى الخطوط التحريفيّة، و أكّد على أنّها لا تزال قابلة للتطبيق على الوضع في الصين أمام تهديد العدوان الإمبريالي وقتها . و قد صرّح بدقّة :
" قد يأتي آخرون و يهاجموننا لكن لا يجب أن نقاتل خارج حدودنا . أقول إنّه لن يقع إستفزازنا . حتّى إن دُعينا إلى الخروج، لن نخرج لكن إن أتيتم و هاجمتمونا سنتعاطى معكم . و سيرتهن الأمر بما إذا كان هجومكم على نطاق صغير أم على نطاق كبير . إن كان على نطاق صغير سنقاتل على الحدود . أمّا إن كان على نطاق كبير فأنا أفضّل ترك بعض الأراضي . فالصين ليست بلدا صغيرا . إذا لم يجدوا شيئا لا أعتقد أنّهم سيأتون ، يجب أن نوضّح الأمر إلى العالم قاطبة أنّه لدينا الحقّ و الأفضليّة إلى جانبنا . و إذا غزوا مجالنا الترابي ، حالئذ أعتقد أنّ الأمر سيكون أكثر مواتاة لنا ، و سيكون لدينا في آن معا الحقّ و الأفضليّة . سيكون من اليسير قتالهم بما أنّهم سيسقطون في طوق يضربه الشعب حولهم . و أمّا في ما يتّصل بأشياء كالطائرات و المدفعيّة و المصفّحات ، فإنّ التجربة في كلّ الأماكن تبيّن أنّه يمكن التعاطي معها ." (60) ( " الرئيس ماو يتحدّث إلى الشعب " لصاحبه ستوارد شرام ، بنتيوم بوكس ، نيويورك 1974 ، ص285-286 ؛ بالأنجليزيّة )
و سنة بعد ذلك ، أصدر ماو تصريحه المساند لنضال شعوب الهند الصينيّة ضد العدوان الأمريكي ، و قد كان أيضا إعلانا لمساندة النضالات الثوريّة لشعوب العالم . و في هذا التصريح ، أكّد ماو على أنّ بلدا صغيرا بإمكانه أن يهزم بلدا كبيرا و بإمكان بلد ضعيف أن يهزم بلدا قويّا متى تجرّأ الشعب على النهوض للنضال ، و رفع البندقيّة و إعتمد على قوّته الخاصّة و قاتل ليحقّق السيادة على بلاده الخاصة . و لم يعتمد هذا على تلخيص النضال البطولي و التجربة البطوليّة في الحرب الثوريّة لشعوب الهند الصينيّة ( التي لها قيمة كبرى ، رغم الخيانة التحريفيّة الكاملة لقادة الفيتنام اليوم ) و حسب بل أيضا تلخيص السنوات المديدة للنضال المسلّح في الصين عينها ، خاصة عقب تركيز قاعدة الإرتكاز الأولى . و إعتبارا لكون قواعد الإرتكاز الثوريّة هذه كانت تمثّل جوهريّا دولة ، نظاما ثوريّا ، أشّرت التجربة التاريخيّة للثورة الصينيّة بالضبط إلى سيرورة دولة صغيرة و ضعيفة ، قواعد الإرتكاز المحرّرة ، تهزم دولة أقوى بخوض حرب الشعب . لقد أشّرت إلى سيرورة جيش ثوريّ يعتمد على الجماهير الثوريّة و يلحق الهزيمة بالجيش الرجعيّ الذى كان في بداية الحرب متفوّقا تكنولوجيّا و حتّى عدديّا . و كانت لهذا دلالة عظيمة بالنسبة إلى الحرب الثوريّة في كافة البلدان .
و إلى النهاية ، إستمرّ ماو تسى تونغ في قيادة و دفع الثورة الصينيّة إلى الأمام و كذلك النضالات الثوريّة لشعوب العالم . و بوسعنا أن نشاهد بوضوح أنّ التحليل العام لماو تسى تونغ و خطّه الأساسيّ و نظريّته بصدد قضيّة الحرب كما بصدد قضايا أخرى ، سلاح بتّار بيد الشعوب الثوريّة في كلّ البلدان و أنّ له دلالة ثابتة و عالميّة ، على أنّ تطبيقه الملموس يمكن أن يختلف من بلد إلى آخر . في قضيّة الحرب و الخطّ العسكريّ كما في غيرها من القضايا ، قام ماو تسى تونغ بمساهمات خالدة حقّا في النضال الثوريّ للطبقة العاملة و الشعوب المضطَهَدَة عبر العالم و في قضيّة الشيوعيّة .









الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 22 / ديسمبر 2015
شادي الشماوي
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ
تأليف بوب أفاكيان
مقدّمة المترجم :
لقد مثّل هذا الكتاب علامة مضيئة و فارقة فى تاريخ الماويّين ليس فى الولايات المتّحدة الأمريكية فحسب بل فى العالم بأسره إذ خوّل لقرّائه أن يستوعبوا جيّدا الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ ( الماوية لاحقا ) و مساهمات ماو تسى تونغ العظيمة و الخالدة فى علم الشيوعية ما سلّحهم على أحسن وجه لمواجهة التحريفيّة الصينيّة و هجماتها ضد ماو تسى تونغ فى تلك السنوات و قبلها و بعدها و الردّ بسرعة وشموليّة و عمق على الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة التى ستطلّ برأسها منذ أواخر 1978 و ستدحضهما الماوية و منذ 1979 .
و بطبيعة الحال ، الأفكار الواردة فى هذا الكتاب على أهمّيتها و صحّة غالبيّتها الساحقة فقد عاد إلى بعضها بوب أفاكيان وهو ينقّب فى التراث البروليتاري الثوري قصد إستخلاص الدروس الإيجابيّة منها و السلبيّة و إنجاز ما أفضل مستقبلا فعمّقها أو إستبعدها أو شدّد عليها ... و مثلا فى هذا الكتاب مع تسجيله لإختلافات حزبه مع ماو و الماويّين الصينيّين بشأن الوضع العالمي و طبيعة النضال الثوري فى البلدان الإمبريالية و علاقته بالدفاع عن الصين و مع دعوته فى الفصل الأخير لإنجاز بحث و تقييم شاملين لتجارب البروليتاريا العالميّة و تراثها ، لا يتعرّض أفاكيان للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بالنقد لتشخيص بعض الأخطاء الثانوية و لكن الجدّية و كشفها . هذا ما سيشرع فى القيام به فى السنوات التالية – إلى جانب قيادة خوض الصراع الطبقي محلّيا و عالميا على كافة الجبهات - ومنذ 1981 ضمن " كسب العالم ..." ، طفق يضع الأسس الأولى لعمليّة تقييم و فحص شاملين و عميقين للتجارب الإشتراكية و النضالات المتراكمة سيتواصلان لعقود و سيكونان من جملة أعمال و مؤلفات ستفرز تحوّلا نظريّا نوعيّا جزئيّا تجسّد فى " الخلاصة الجديدة للشيوعية " ، حسب أنصارها .
و تجدر الملاحظة أنّ آجيث الشهير بمعاداة الخلاصة الجديدة للشيوعية التى أطلق عليها " الأفاكيانيّة " فى مقاله " ضد الأفاكيانية " ، قد أقرّ بأهمّية الكتاب و دوره و نوّه فى ذات المقال بأنّ : " هذا الكتاب يقدّم عرضا شاملا حقّا لمساهمات ماو فى شتّى الحقول " . أمّا ليني وولف ، القيادي فى الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية و صاحب كتاب " مدخل إلى علم الثورة " و الذى قدّم تعريفا مركزّا للخلاصة الجديدة للشيوعية ( فى " ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان ؟ " ؛ كتاب شادي الشماوي " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " بمكتبة الحوار المتمدّن ) فقد أعرب فى مقال آخر عنوانه " على الطريق الثوري مع رئيس الحزب بوب أفاكيان " صدر فى 28 ديسمبر 2003 بجريدة الحزب الأمريكي " العامل الثوري " عدد 1224 :
www.rwor.org
" أرى فعلا أنّ رئيس الحزب قد عمّق أكثر المساهمات الفلسفيّة لماو تسى تونغ خاصة فى شيء من الخلاصة الأرقى . و يعود ذلك إلى كون الكثير من أفكار ماو الفلسفيّة الأخيرة و الأكثر إستفزازا – كما سجّلتها مجموعات نصوص و خطب و تعليقات غير رسميّة متنوّعة بعد 1949 – و كذلك الإنعكاسات الفلسفيّة لبعض تحاليل ماو السياسيّة الرائدة و بعض ما نجم عن القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ( مثل الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة ، و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و دور الوعي و البنية الفوقيّة ، و تجاوز الحقّ البرجوازي ، و دور الحزب فى ظلّ الإشتراكية إلخ ) - لم يقع تلخيصها أبدا فى كلّ منسجم إلى أن كتب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " . "
وعندما وجدنا بين أيدينا هذا الكتاب الذى صار متوفّرا على الأنترنت فى موقع الفكر الممنوع و رابطه :
http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/MaoTsetungImmortal-Avakian.pdf
كان لزاما علينا أن نطّلع علي مضامينه عن كثب و ندرسها بتمعّن و حين خلصنا من هذه المهمّة الأوّلية تنازعتنا حقيقة مشاعر متباينة فمن ناحية نظرا لقيمته و تلخيصه الجيّد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، و لكونه أرقى ما ألّف فى تلك السنوات ، نهاية السبعينات، لشرح الماركسية – اللينينية – الماوية والتشديد على مساهمات ماوتسى تونغ العظيمة و الخالدة، و لمواجهته وفضحه الجريئين و الصريحين للإنقلاب التحريفي فى الصين على أيدى دنك سياو بينغ و إعادة تركيز الرأسمالية هناك منذ 1976؛ إرتفعت داخلنا أصوات و شحنة حماس تحثّنا على الإشتغال عليه وترجمته برمّته ؛ و من ناحية ثانية ، وجدنا العقل و المشاريع الكثيرة الموضوعة أمامنا وهي تنتظر الإنجاز منذ مدّة طويلة أو قصيرة مقابل الوقت الضيق تدعونا جميعها إلى الهدوء و التفكير مليّا و برويّة . و دام الصراع أيّاما بل أسابيعا و حسم على النحو التالي : الإشتغال كلّما كانت هناك فسحة من الزمن على بعض الفصول المفيدة حاليّا للماويّات و الماويّين و المناضلات و المناضلين الثوريّين فى البلدان العربية و إرجاء العمل على الفصول الأخرى لوقت لاحق حسب متطلّبات الرفيقات و الرفاق و مجريات الأحداث موضوعيّا، دون أي إلتزام بالإنجاز فى غضون مدّة معيّنة .
و إنكببنا على الإشتغال بكلّ ما أوتينا من جهد لكن على فترات متقطّعة لتعريب ثلاث فصول من أصل سبعة ، هي الفصول المتّصلة بالفلسفة و الإقتصاد السياسي و دكتاتورية البروليتاريا بإعتبارها تتطرّق لمصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة و تبرز مساهمات ماوتسي تونغ فيها جميعا و بالطبع لا تخرج الفصول الأخرى عن هذا النطاق و لكنّها وفق تقييمنا ثانوية راهنا فى فهم غالبية الماويّين و الماويّات و المناضلين والمناضلات الثوريّين و تكوين أجيال من الشيوعيّين الثوريّين . و نعلم جيّدا أنّ الثانوي ماويّا لا يعنى عدم الأهمّية و إنّما يعنى أنّه لا يحتلّ الموقع الرئيسي فى الوقت الراهن و قد يصبح فى المستقبل القريب أو البعيد رئيسيّا أي قد تفرض علينا ضرورة ذاتيّة أو موضوعيّة التركيز عليه لاحقا . و الفصول المؤجّلة هي الفصل الأوّل – الثورة فى البلدان المستعمَرة ، و الفصل الثاني – الحرب الثوريّة و الخطّ العسكري، و الفصل الخامس – الثقافة و البناء الفوقي ، و الفصل السابع – ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زمننا .
و مع ذلك ، لا ينبغى لجهدنا الذى إنصبّ بالأساس على الثلاثة فصول المذكورة أعلاه و إمكانية تعريب الباقي جزئيّا أو كلّيا، أن يقفا حاجزا دون قيام رفاق و رفيقات آخرين بترجمة أيّ فصل يرون ضرورته ملحّة أو دون إبلاغنا مقترحاتهم المعلّلة فى الغرض .
و من نافل القول أن للرفيقات و الرفاق و المناضلات و المناضلين الثوريّين و الباحثين عن الحقيقة من المثقّفين و الجماهير الشعبيّة أن يستغلّوا أعمالنا بلا حدود و قيود – و لا نطالبهم بأكثر من ذكر المرجع – فى التكوين و الدراسة و البحث و النقد و الجدال و الصراع النظري و لهم كذلك أن ينقدوا أعمالنا و مضامينها و خياراتنا – دون شتائم رجاء فهذا لا يليق بالأخلاق الشيوعية - و يقترحوا ما يرونه صالحا لقطع أشواط أخرى و ترسيخ السابقة فى نشر النظرية الثورية ، فى إرتباط بمعارك الصراع الطبقي على كافة الجبهات بلا إستثناء قصد إنجاز المهمّة المركزيّة المرحليّة ألا وهي تأسيس فبناء الحزب الشيوعي الماوي الثوري كمحور للحركة الثوريّة و طليعتها و هدف برنامجه الأدني إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و المضي بها إلى المرحلة التالية الإشتراكية كتيّار من تيّاري الثورة البروليتارية العالمية ، و هدفه الأقصي و الأسمى الشيوعية عالميّا .
و بغية أن نزيد فى تأكيد البعد الراهن لهذا الكتاب بالنسبة للماويّين وصراع الخطّين فى صفوفهم خاصة و الخوض فى مسائل الجدلية و جوهر الماويّة و الثورة الثقافيّة و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و حرب الشعب و الحزب و الوعي الشيوعي و الجبهة المتّحدة إلخ ، راينا من الضروري أن نضيف ملحقا هو وثيقة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية صدرت سنة 1986 [ و يترتّب علينا طبعا أن نتفطّن إلى أنّ بعض المحتويات تطوّرت أو تعمّقت أو تمّ تجاوزها لاحقا ] ضمن العدد السابع من مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " تحت عنوان له دلالته ألا وهو " الثورة فى البلدان الإمبريالية تتطلّب الماركسية-اللينينيّة – فكر ماو تسى تونغ [ الماوية ] ". و للتعريف ببوب أفاكيان أرفقنا الملحق الأوّل بملحق ثاني يقدّم الكاتب و مؤلّفاته . وفى الملحق الثالث عرض لمضامين كتب المترجم شادي الشماوي المتوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن .
و كيما نعطي فكرة عامة أوّلية فى هذه المقدّمة عن مضامين كتاب أفاكيان برمّته " المساهمات الحالدة لماو تسى تونغ " ، نورد بشيء من التفصيل محتويات الفصول بكلّيتها .
" المساهمات الخالدة لماوتسى تونغ " كتاب لبوب أفاكيان ، صدر فى ماي 1979 عن منشورات الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، و قد نشرت فصوله تباعا كمقالات فى مجلّة الحزب حينذاك " الثورة " بين أفريل 1978 و جانفي 1979 و مضامينه حسب الفهرس هي :
فهرس الكتاب :
الفصل الأوّل : الثورة فى البلدان المستعمرة ( من الصفحة 1 إلى الصفحة 37 )
الفصل الثاني : الحرب الثورية والخطّ العسكري ( من الصفحة 39 إلى الصفحة 82 )
الفصل الثالث : الإقتصاد السياسي ، والسياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي ( من الصفحة 83 إلى الصفحة 129)
الفصل الرابع : الفلسفة ( من الصفحة 131 إلى الصفحة 197 )
الفصل الخامس : الثقافة و البناء الفوقي ( من الصفحة 199 إلى الصفحة 244 )
الفصل السادس : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ( من الصفحة 245 إلى الصفحة 310 )
الفصل السابع : الخاتمة : ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زمننا ( من الصفحة 311 إلى الصفحة 324 )
==========
تفاصيل الفصول السبعة ( إضافة من المترجم ) :
الفصل الأوّل : الثورة فى البلدان المستعمرة :
- مقدّمة
- ماركس و إنجلز
- حروب التحرّر الوطني فى أوروبا فى فترة صعود الرأسمالية
- الإمبريالية تغير الثورة فى المستعمرات
- روسيا : جسر بين الشرق و الغرب
- لينين و ستالين يحلّلان التطوّرات
- ماو حول الثورة الصينية
- الإرتكاز بصلابة على التحليل الطبقي
- تشكّل الجبهة المتحدة
- النضال ضد الإستسلام
- الإستقلال و المبادرة فى الجبهة المتحدة
- الثورة الديمقراطية الجديدة
- القيادة البروليتارية
- الحرب الأهلية ضد الكيومنتانغ
- النضال من أجل الإنتصار الثوري
- المساهمات الفلسفية
- تطوّر السيرورة
- رفع راية الأممية البروليتارية
- الموقف تجاه الحركات الثورية
- الحاجة المستمرّة إلى القيادة البروليتارية
- أممي عظيم
الفصل الثاني : الحرب الثورية والخطّ العسكري :
- مقدّمة
- أسس الخطّ العسكري لماو و مبادئه الجوهرية
- أوّل خطّ عسكري ماركسي شامل
- مناطق الإرتكاز الثورية
- النضال ضد الخطوط الإنتهازية
- الهجوم و الدفاع
- حرب الأنصار
-" حول الحرب الطويلة الأمد "
- ثلاث مراحل فى حرب المقاومة
- الناس و ليست الأسلحة هي المحدّدة
- تطبيق الماركسية على الظروف الصينيّة
- تعبئة الجماهير
- مركزة قوّة أكبر
- المرور إلى الهجوم
- الجماهير حصن من الفولاذ
- حملات ثلاث حاسمة
- المغزى العالمي لخطّ ماو العسكري
- النضال ضد الخطّ العسكري التحريفي
الفصل الثالث : الإقتصاد السياسي ، والسياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي :
- مقدّمة
- الإقتصاد السياسي الماركسي
- مساهمة لينين فى الإقتصاد السياسي
- البناء الإشتراكي فى ظلّ ستالين
- السياسة الإقتصادية فى المناطق المحرّرة
- ماو يحلّل المهام الجديدة
- من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية
- طريقان بعد التحرير
- التعلّم من الجوانب السلبية للتجربة للسوفيات
- الكمونات الشعبية و القفزة الكبرى إلى الأمام
- إحتدام صراع الخطّين
الفصل الرابع : الفلسفة :
- مقدّمة
- الأساس الطبقي للفلسفة
- أسس الفلسفة الماركسية
- لينين يدافع عن الفلسفة الماركسية و يطوّرها
- ستالين : الماركسية و الميتافيزيقا
- التطوّر الجدلي لمساهمات ماو الفلسفية
- نظرية المعرفة
- " فى التناقض "
- وحدة و صراع الضدّين
- عمومية التناقض و خصوصيته
- التناقض الرئيسي
- المرحلة الإشتراكية
- تعميق الجدلية
- وعي الإنسان ، الدور الديناميكي
- الصراع و الخلاصة
- وحدة الأضداد هي الأساس
- الثورة الثقافية و مواصلة الصراع
- النضال بلا هوادة
- الإشتراكية بالمعنى المطلق تعنى إعادة تركيز الرأسمالية
- التناقض و النضال و الثورة .
الفصل الخامس : الثقافة و البناء الفوقي :
- مقدمة
- ماركس و إنجلز
- لينين
- ماو حول أهمّية البنية الفوقية
- خطّ ماو حول الأدب و الفنّ
- ندوة يانان حول الأدب و الفنّ
- النشر الشعبي و رفع المستويات
- القطيعة الراديكالية فى مجال الثقافة
- الفنّ كمركز للنضال الثوري
- النضال على الجبهة الثقافية فى الجمهورية الشعبية
- إشتداد المعركة فى الحقل الثقافي
- الثورة الثقافية و تثوير الثقافة
- الحقل الثقافي فى آخر معركة كبرى لماو
- قصيدتان لماو تسى تونغ
الفصل السادس : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا :
- مقدمة
- نظرية دكتاتورية البروليتاريا
- كمونة باريس
- نقد برنامج غوتا
- إنجلز مواصل للماركسية
- لينين
- ستالين
- التحليل الصيني لستالين
- الثورة الثقافية
- البرجوازية فى الحزب
- تعامل ماو مع البرجوازية الوطنية
- الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية
الفصل السابع : الخاتمة : ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زممنا :
- مقدمة
- ماو قائد مركب فى بحار غير معروفة
- الثورة الثقافية : وميض ضوء عبر الغيوم
- الإنقلاب فى الصين و الهجومات الجديدة ضد ماو
- مكاسب عظيمة للثورة الصينية و مساهمات ماو تسى تونغ
- دور ماو و دور القادة
- التعلّم من ماو تسى تونغ و المضيّ قدما بقضية الشيوعية
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي