الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يجب ان تسقط الأوهام

حاتم استانبولي

2023 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


خطّةُ ترامب للسّلام (عرفت بصفقة القرن)، ورد فيها تحت عنوان المعيقات أن المسؤوليّة الأمنيّة غرب النهر هي مسؤوليّةٌ إسرائيليّة، جوًّا وبرًّا وبحرًا، وحدّد مسؤوليّة القوى الأمنيّة الفلسطينيّة هي إجهاض الأعمال الإرهابيّة التي تستهدفُ إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة والأردنيّة والمصريّة، وأكّدت أن متطلّبات الأمن الإسرائيليّ والأردنيّ والمصري تفرضُ ضرورة تشكيل لجانٍ رباعيّةٍ وخماسيّةٍ وسداسيّة.

اجتماع بئر السبع الذي ضمَّ مصر والإمارات والبحرين والمغرب وإسرائيل والولايات المتّحدة (محور كوشنير)، الذي عقد في كيبوتس سديه بوكير في النقب في آذار ٢٠٢٢، انبثق منه ما يعرف بمنتدى النقب الذي شكل لجان عملٍ في الاختصاصات كافة، من أهمّها الأمنيّة والسياسيّة والسياحيّة والاقتصاديّة والماليّة، واتّفق على عقد اجتماعاتٍ دوريّةٍ في كلّ عام. الاتفاق على استمرار اجتماعاته الدوريّة هو في الجوهر تنفيذ للبند الخاص باللجان في اتفاقية ترامب للسلام (صفقة القرن).

اجتماع العقبة الذي تم في ٢٧٠٢٢٠٢٣، ضم ممثلي السلطة و الأردن وإسرائيل ومصر والولايات المتّحدة، هو في الجوهر، تنفيذ بند تشكيل اللجنة الخماسيّة، الذي ورد في صفقة القرن، وحدّد أنّ وظيفة هذه اللجنة في الجوهر هي وظيفةٌ أمنيّةٌ لحماية أمن إسرائيل والأردن ومصر.

لقد جاء اجتماع العقبة، بعد زيارة نتنياهو للأردن، التي كانت أوّل محطّةٍ له بعد نجاحه في تشكيل حكومته اليمينيّة الصهيونيّة المتطرّفة التي أعلنت أنّها ستخوضُ حربًا ضروسًا ضدّ الفلسطينيين، هذه الزيارة كانت سابقةً تاريخيّة، من حيث الأولوية جرت العادة أن تكون واشنطن هي المحطّة الأولى للزيارة بعد أيّة انتخاباتٍ إسرائيليّة.

الزيارة على ما يبدو أنّها تهدف إلى تبديد المخاوف الأردنيّة من سياسة نتنياهو حول الخيار الأردني وتأكيده أنّ المصلحة المشتركة هي في حلّ القضية الفلسطينية في إطار ما ورد في صفقة القرن مع إعطاء ضماناتٍ باستمرار الولاية الهاشمية على المقدّسات في القدس ، التي لم ترد في بنود صفقة القرن، حيث من الواضح أنّ إدارة الرئيس بايدن، تسعى إلى دمج محوري الاتفاقيات العربية الإسرائيلية التي وقعت في العهدين الديمقراطي والجمهوري، في إطار صفقة القرن مع بعض التعديلات لتبديد المخاوف الأردنيّة.

إنّ استمرار التمسّك بهدف الدولة الفلسطينية المستقلّة على الأراضي المحتلّة في الرابع من حزيران ١٩٦٧، من قبل أطراف المعاهدات الثلاث كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، يتناقضُ مع جوهر هذه الاتفاقات التي وقعت، من حيث ما ورد في اتفاقيّة كامب ديفيد: أنّ الحلّ يكون عبر حكمٍ ذاتيٍّ للفلسطينيين، أما في وادي عربة، فلم تتطرّق للدولة الفلسطينيّة، في حين لا تشير اتفاقية أوسلو بشكلٍ واضحٍ إلى دولةٍ فلسطينيّةٍ حدودها الرابع من حزيران.

الموقف الدولي الذي يطرح إقامة دولتين تعيشان بسلامٍ جنبًا إلى جنب، لم يحدّد إطارًا للدولة الفلسطينيّة وحدودها، إنّما أحالها للاتفاق الثنائي الإسرائيليّ الفلسطينيّ في إطار الحلّ النهائي.

إنّ السلطة الفلسطينيّة في حالةٍ لا تحسد عليها، كمن بلع سكينًا، فهي لا تستطيع إخراجه، كون استمرار بقائها مرتبطًا في تنفيذ التزاماتها الأمنية الموقعة، ولا تستطيع أن تبلع السكين، لأنها تفقد مبررات وجودها الوطني، حيث إنّ استمرار حالة رفع شعار الدولة الفلسطينية المستقلة (بلا آليات سياسية وزمنية)، من حين لآخر من قبل البعض، يندرج في حالة المزاد الدوري لاستقدام المساعدات والقروض المالية، فبعد كلّ معونةٍ من البنك الدولي يختفي هذا الشعار من التصريحات الرسميّة وتعود تصريحات التهدئة ووقف التصعيد ومخاطر الفوضى، وعدم اتّخاذ إجراءاتٍ أحادية الجانب وجميعها موجهة للطرف الفلسطيني.

اللافت أن كل هذه الشعارات التي يصدح بها المسؤولين في بقاع الأرض، تتغاضى عن أن هناك احتلالًا هم مقرّون بصفته غير الشرعية قانونًا، هذا يعني أن استمرار الاحتلال الإحلالي الإسرائيلي هو بحد ذاته تصعيد وجرائمه اليومية من قتل واعتقال ومصادرة أراضي، وبناء مستوطنات ومعتقلين وأسرى واغتيال ميداني، مخالف للقوانين والأعراف الدولية، وهي حالةٌ تصعيديّة، تحمل طابع الجرائم رسمية، يقوم بها جيش الاحتلال ومستوطنون تحت حمايته، هذه الجرائم تشرّعها قراراتٌ حكوميّةٌ إسرائيليّة، تحملُ طابعًا عنصريًّا تمييزيًّا وإبادةً جماعيّةً للفلسطينيين، وهنا يحضر تصريح بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي حول محو حوارة عن الوجود؛ تدلل على أنّ سياسة الإبادة هي سياسةٌ رسميّةٌ للاحتلال الإحلالي، يعيد إلى الأذهان الأسس التي قامت على أساسها دولة إسرائيل الإحلالية بدعم من حكومة الانتداب البريطاني.

الحكومة الإسرائيلية تصرح كل صباح ومساء، أنها لم ولن توافق على إقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ على أية حدود، إن كانت على أراضي ما قبل الرابع من حزيران، أو حتى ضمن أية تعديلات في إطار ما طرح سابقًا من تبادل للأراضي، وهذا يشمل كل الاتجاهات السياسية الإسرائيلية وأحزابها.

إن الاتفاقات العربية والفلسطينية الموقعة لا تشمل أي بند يشير إلى قيام دولةٍ فلسطينيّة، القرار الوحيد الأممي الذي يشير إلى قيام دولةٍ عربيّةٍ هو قرار التقسيم ١٨١، وفي هذا الإطار، فإنّ إسرائيل في الغرف المغلقة، تشيرُ إلى أن هذه الدولة هي الأردن، الذي اقتسمت معه فلسطين وشعبها ما بعد جريمة النكبة. فالنظم العربيّة وإسرائيل، جاء قيامها بناء على اتفاقيات سايكس بيكو، هذه النظم التي صُنِعَ لها دول هي ما زالت ملتزمة وخاضعة لاتفاقيات سايكس بيكو ووعد بلفور.

إنّ كل الخطابات التي سمعها الشعب الفلسطيني منذ النكبة عن تحرير فلسطين وَلاءات الخرطوم ومقررات لجنة القدس وقرارات الجامعة العربية هي في الواقع قراراتٌ إنشائيّةٌ بالجوهر، أعطت الفرصة الزمنيّة لإسرائيل لبناء نفسها وقدراتها، وفي أوّل فرصة، سنحت لهم تم سحبها، بل ذهبوا لإبرام اتفاقاتٍ ثنائيّةٍ على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته وخاضوا المعارك السياسية الإسرائيلية ضد سورية و إيران تحت عنوان خطر الشيعي وتغاضوا عن الخطر الاسرائيلي.

عندما أدرك الشعب الفلسطيني خصوصيته وأطلق ثورته بدأت معظم هذه النظم بمحاولات احتواء الثورة الفلسطينية في إطار السياسة الرسميّة للنظام الرسميّ العربيّ، والآن يتكرّر ذلك من خلال المناشدة بإقامة الدولة الفلسطينية بلا آليّات سياسيّة وأمنيّة، هذا يطرح السؤال المهم: لماذا لم يقيموا الدولة الفلسطينية ما بعد النكبة؟

القيادة الفلسطينية (سلطة ومعارضة)، يجب أن تصحو من سكرتها، وتدرك أنها وحدها ولا أحد بالجوهر معها، فالبيانات والتصريحات والانتقادات الإنشائية هي في الجوهر إبر تخدير موجهة للداخل العربي. لو أن النظم العربية جدية في انتقاداتها أو مواقفها فإنها بالحد الأعلى، يجب أن تمارس تجاه القضية الفلسطينية، ما يقوم به الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، من أجل أوكرانيا، باعتبار أن هناك احتلالًا إسرائيليًّا، يجب وقفه وهزيمته، وفي حده الأدنى هو رفع الضغط والحصار عن الشعب الفلسطيني ومقاومته الفلسطينية ودعمها.

إنّ الشعب الفلسطيني لا يريد من النظم أن تحارب عنه، بل يريد منها وقف هَروَلَتِها نحو إسرائيل وإدانة عدوانها، من خلال دعم الشعب الفلسطيني بكل الإمكانيات؛ لكي يقوم بهزيمة الاحتلال الصهيوني الإحلالي وإنهائه. وعلى القيادة الفلسطينية بكل أطيافها إدراك أن النظم العربية (نظم اتفاقية إبراهام) هي مشاركةٌ في تمرير صفقة القرن، عبر البوابة الخلفية، لفرض وقائع على الأرض، لفرضها على الشعب الفلسطيني في إطار الحل الاقتصادي (الذي يُسيل لِعابَ بعضها)، الذي تروّج له واشنطن الجمهوريّة والديمقراطيّة.

الموقفُ الرماديُّ للنظام الرسمي العربي من الحرب الأوكرانية، ليس حبًّا في موسكو، بل هو موقفٌ رماديّ، لكي لا تُسأَل من قِبَل جماهيرها عن موقفها من الاحتلال الإحلالي الإسرائيلي وتطالبها بالتضامن ودعم المقاومة، كما تدعم دول أوروبا وواشنطن أوكرانيا بكلّ إمكانياتها.

إنّ منتدى النقب أو مؤتمر العقبة هما حلقتان في إطار تنفيذ بند اللجان السياسية والأمنية لبنود صفقة القرن، وعليه فإنّ النظم الرسميّة العربيّة وجماهيرها، يجب أن تدرك أنّ عدوانيّة إسرائيل لن تتوقف عند حدود فلسطين، بل ستطال كل عواصمهم واقتِصادِياتِهِم، وبقدر ما يتعمق الاتجاه اليميني العنصري وتتضح ملامح عنصرية وصهيونية الدولة الدينية الرجعية، فإنّ عدوانيتها وسطوتها ستطال الجميع من المحيط إلى الخليج، هذا الشعار الصهيوني الذي تسعى لإعلانِهِ دولة الاحتلال الإحلالي، التي لم تحدد حدودًا أو دستورًا يعرفها.

إنّ إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، يعدُّ مهمةً ملحّةً يجب أن توليها القيادة الفلسطينية بكل اتجاهاتها أهمية قصوى، من خلال إعادة الوحدة السياسية الفلسطينية والخروج من الالتزامات التي وضعت نفسها في إطاره، إن كانت قوى السلطة أو المعارضة. كما ان إعادة الاعتبار وتنشيط الحلقة الفلسطينية في الخارج وتوحيد أدواتها النضالية وتوثيق التحالف مع القوى المساندة للقضية الفلسطينية، تعدُّ من الأولويات الملحة، لرفع الضغط عن الداخل الفلسطيني وتغيير لغة الحوار والنقاش السائدة باعتبار النضال الوطني الفلسطيني يندرج تحت عنوان الإرهاب.

إنّ الحوار الجدي بين قوى المعارضة الفلسطينية، يجب أن يتطرّق إلى إعادة عمليّة البناء السياسي والأمني والثقافي والاجتماعي في غزة، على قاعدة إرساء الأسس الوطنية الديمقراطية ومشاركة الجميع في الإدارة السياسية والأمنية والثقافية والاجتماعية، لإعطاء نموذجٍ وطنيٍّ ديمقراطيّ، لِتغيير الصورة النمطية التي رُوِّجَ لها من المقربين والخصوم والأعداء، أن قطاع غزة يقاد من مجموعاتٍ إرهابيّة. فالمشاركة الجماعيّة من قبل القوى والاتجاهات كافةً في إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني (بما فيها جماهير 1948) سيكون الردّ الحاسم على العدوانيّة الإسرائيليّة.

إنّ على القوى الوطنيّة الفلسطينيّة باتجاهاتها كافةً إدراك أن دفاعها عن شعبها في أماكن وجوده كافةً هو السبيل الوحيد لإعادة الاعتبار لها ولِتشريع قيادتها، فلا يمكن أن تحمل القوة الأمنية الفلسطينية السلاح ولا تمارس حماية شعبها أمام العدوانية الإسرائيلية، التي تمارس القتل والاغتيال اليومي لشعبها تحت سقف عباءتها.

على مدى عشرات السنين، الشباب والشابات وأطفال ورجال ونساء فلسطين، يتنقلون بين الحجر والخنجر والكلمة والطلقة، لِيتصدوا لجرائم رصاص العدوان اليومي للاحتلال الإسرائيلي الإحلالي وداعميه، يعطون دروسًا في النضال والإقدام والإصرار لِتحرير وطنهم، هذه التضحيات جديرة بأن تكون حافزًا لتغيير سلوك القيادة الفلسطينية والالتفات لإرادة شعبها وخياراته الوطنية، وإذا لم تمارس مسؤولياتها في الدفاع عن مصالح وأرواح الشعب الفلسطيني فهي غيرُ جديرةٍ بقيادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -