الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فريدريك انجلز حول نشأة المسيحية

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2023 / 11 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مؤلف المقالة: اليكساندر بيتروفيتش كاجدان*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

فريدريك انجلز هو مؤلف ثلاث مقالات مُخصصة لأصول المسحية. نشرَت مجلة Der Sozialdemokrat مقالته (برونو باور والمسيحية المُبكرة) عام 1882، والتي كتبها كتقييم لمُساهمة باور في علاج هذه المسألة المًعقدة. وفي العام التالي، نشَرَ انجلز مقالة بعنوان (سفر رؤيا القديس يوحنا). وأخيراً، نَشرَ انجلز في صحيفة Die Neue Zeit عام 1894-1895 قبل موته بقليل، دراسةً بعنوان (إسهام في تاريخ المسيحية المُبكرة).

ان إهتمام أقرب أصدقاء ماركس بمسألة نشوء المسيحية، لا يُمكن تفسيره فقط بحقيقة أن المسألة المطروحة هي أحد العوامل الأساسية التي ساهمت في تشكّل مصير البشرية، ولكن أيضاً بالظروف التي رأى فيها انجلز أن فيها تشابه بين تطور الحركة الاشتراكية في القرن التاسع عشر ونشوء المسيحية. وقد طَرَحَ انجلز هذا التشابه في مقال (سِفر الرؤيا)(1) وفي مقال (إسهام في تاريخ المسيحية المُبكرة)، والذي بدأ بجُملةٍ بارزة: "يعرض تاريخ المسيحية المُبكرة نقاط تماس طريفة مع الحركة العُمالية الحديثة. مثل هذه، كانت المسيحية في الأصل حركة المُضطهدين"(2). ومن ثم، يعود انجلز، لدن وصفه مُمارسة الحركة المسيحية المُبكرة طوال المقالة بأكملها، ليتحدث بشكلٍ مُستمر عن الكوميونات الفايتلنغية الشيوعية في سويسرا والى الأُممية الأولى: "أي ذكريات شبابٍ استيقظت في نفسي عند قراءة هذا المقطع للوقيانوس"(3). يقول انجلز: "ذلك هو كل المضمون العقائدي للرسائل (يقصد بها أسفار بولس). أما الباقي من مضمونها، فيُحرض الرفاق على الدعاية النشطة، على المُجاهرة الشُجاعة بايمانهم إزاء خصومهم، على النضال بلا انقطاع ضد أعداء الداخل والخارج، وحول هذا الموضوع، كان مُمكناً أن يكتب هذه الرسائل، وبنفس السوية أيضاً، مُتحمسٌ على حدٍّ أدنى من النبؤة الأُممية"(4). هكذا كَتَبَ الثوري العظيم انجلز، عندما تحدّثَ عن المسيحية المُبكرة.

بالطبع، أنه لا يُشير الى تطابقٍ، بل مُجرّد تشبيه-تشابه خارجي في الثقافة والوضع. ومع ذلك، تُذكرنا هذه التشبيهات التي طرحها انجلز بأن المسيحية كانت بالنسبة له، كما هو الحال، قضيةً هامةً في تاريخ الفكر الانساني.

ينقسم مقال (برونو باور والمسيحية المُبكرة) الى قسمين: يتناول أحدهما بشكلٍ مُباشرٍ تراث باور ومُنجزاته وأخطاءه. ويتضمن الثاني وجهة نظر انجلز الخاصة في مُعالجة المسألة. يقول فريدريك انجلز حول هذا القسم: "نُفضل تقديم مفاهيمنا الخاصة حول هذه النُقطة، المبنية على مؤلفات باور، وكذلك على دراستنا الشخصية"(5).

ان الطريقة التي يُطبق بها انجلز مبادئ المادية التاريخية على مسألة أصل المسيحية، تستحق الاهتمام.

يبدأ انجلز تحليله بقوله: "لقد فسّخَ الغزو الروماني في سائر البُلدان الخاضعة، بصورةٍ مُباشرة، بادئ ذي بدء، البُنية السياسية السابقة، ثم بصورة غير مُباشرة الشروط أو الظروف القديمة للحياة الاجتماعية(6). لو كان مادياً مُبتذلاً، لكان قد رأى أن العامل الاقتصادي، هو العامل الوحيد المُحدد، وكان من الطبيعي أن ينطلق من أمرٍ آخر، قد يكون من التجارة، أو من أسعار الحبوب (لو كانت أسعار الحبوب في العصر الروماني قد وصلت الينا)، أو بالانتاج (مثلاً، باستخلاص المستعمرين لنِتاج العمل العبودي)، أو بمستوى القُوى المُنتجة (على سبيل المثال، ركودها، أو تقدمها بمعدلٍ بطيء)(7). تُشير كل الأدلة والبيانات الى أن التغير في أشكال الاستغلال، لم يكن له تأثير مُباشر على ظهور المسيحية. على أية حال، عاشَ هذا الدين جنباً الى جنب مع تشكيلات اجتماعية-اقتصادية مُختلفة. ان النظرية التي سادت أدبنا في وقتٍ ما، والتي ربطت ظهور المسيحية بثورة العبيد(8)(أ)، ليس لها أساس راسخ، خاصةً وأنه ثَبُتَ أن "ثورة العبيد ذاتها كانت خيالاً في كتابة التاريخ، أو حتى حقيقة مُبسطة.

ولكن دعونا نعود الى سياق تفكير انجلز. كيف رأى تأثير الغزو الروماني على المُجتمع في البحر الأبيض المتوسط، التأثير الذي أدى الى نشوء دين عالمي؟ أكّدَ انجلز، في المقام الأول، على أن قوة القبضة الهائلة للامبراطورية الرومانية، التي سحقت السمات السياسية والاجتماعية التي تُميّز الشعوب المُضطهدة "قد حَكَمَت بتدمير أديان تلك الشعوب الخاصة"(9). لاحقاً، كَتَبَ انجلز عن "اليد الحديدية المُساواتية للغازي الروماني" التي دمّرَت الظروف الاجتماعية التقليدية للمُدن السابقة والكوميونات العشائرية(10). بعبارةٍ أُخرى، أدّى الغزو الروماني (الذي كان دافعه الأساسي والنهائي في العوامل الاقتصادية) الى خلق فراغ في عالم البناء الاجتماعي ولأفكار، أي الى خلق مناخ مُجتمعي كان ملائماً بشكلٍ خاص لصعود مُعتقدٍ ديني. وكما كَتَبَ ماركس الشاب: "الدين هو وعي ذات الانسان ومشاعره تجاه ذاته لذلك الذي لم يُسيطر بعد على نفسه، أو فقد نفسه مرةً أُخرى"(11). نتيجةً للغزو الروماني (الذي كان الى حدٍّ، ذروة التاريخ اليوناني الروماني)، فَقَدَ انسان البحر الأبيض نفسه"، أي فقدَ الظروف المُعتادة لوجوده وأشكال وعي ذاته التي تتوافق مع نمط حياته السابق.

كان للوضع الاجتماعي الذي نشأ في حوض البحر الأبيض المتوسط في القرون الأولى الميلادية، جانب آخر، ايجابي، ان جاز التعبير. لم يقتصر الأمر على دمار الظروف الاجتماعية القديمة وتحطّم المُعتقدات التقليدية، بل أن الامبراطورية الرومانية نفسها ظهرت الى الوجود، وهي كيان سياسي يختلف جوهرياً عن الدول السابقة حول البحر الأبيض المتوسط (على الرغم من أننا نستطيع بطبيعة الحال أن تكشف عن جذورها في الممالك الهلنستية). حلّلَ انجلز، بأكثر الطُرُق دقةً، البيئة الاجتماعية والايديولوجية التي تُميّز الامبراطورية الرومانية، ومن الجدير بالامعان في ما يُميّز تلك البيئة. انه يُلاحظ، قبل كُل شيء، اشتداد قوة جهاز الدولة. انقسم السكان الى ثلاث فئات (الأغنياء والأحرار غير المالكين، والعبيد). يقول انجلز "ازاء الدولة، أي ازاء الامبراطور، كانت الطبقتان الأوليان محرومتين من الحقوق شأن العبيد تقريباً ازاء أسيادهم أو مالكيهم. وبخاصةً منذ (تيبيريوس) والى (نيرون)، كانت القاعدة السائدة هي اعدام أغنياء رومان بهدف مُصادرة ثروتهم. وبالنسبة لكل دعم، فقد كانت الحكومة تتصرف، مادياً: بجيشٍ غدا أشبه بكثير بجيش مُرتزقةٍ منه بالجيش الروماني القديم المؤلّف من الفلاحين، ومعنوياً: برأي مُنتشر انتشاراً شاملاً يقول بأن ليس ثمة أية امكانية في الخروج من هذا الوضع، وأن الامبراطورية المبنية على الهيمنة العسكرية ضروة دائمة، حتى وان كان مُمكناً أن يتغير هذا الامبراطور أو ذاك... هذا الحرمان الشامل من الحقوق وغياب كل أمل في إقامة وضع أفضل للأشياء قابلتها أو ناظرتها ميوعة وتثبيط شاملان"، ومن ثم يقول انجلز: "ان طابع ايديولوجيي هذه الفترة يُطابق أو يُناظر أيضاً حالة الأشياء هذه"(12).

ان لدينا اليوم معارف أعمق مما كان عليه في القرن التاسع عشر حول تاريخ الامبراطورية الرومانية الاقتصادي، ونحن في وضعٍ يسمح لنا بالتأكيد على مُفارقةٍ ملحوظة: ترافقَ الفراغ الاجتماعي والانحلال الأخلاقي الذي رسَمَ انجلز صورته ببراعة، مع ظروف التقدم النسبي في الأشياء المادية. عاشَ الرومان، في القرون الأولى من "العصر المسيحي"، حياةً أفضل من ذي قبل بشكلٍ عام: بنوا مساكن أفضل، وتناولوا طعاماً أفضل، وربما حصلوا على تعليمٍ أفضل في المتوسط. وبكل الأدلة، أثر تحسّن الحياة اليومية أيضاً على العبيد، ناهيك عن اولئك الذي أُعتِقوا. من المهم التأكيد على هذا، لأن انتقاد السعي وراء خيرات هذا العالم، كان يُشكل أحد أهم العوامل في برنامج المسيحية المُبكرة.

ولم تكن المسيحية مُجرّد حركةٍ جماهيرية. وبحسب تعريف انجلز، فقد كانت بمثابة "عُنصرٍ ثوري"(13). يجب علينا أن نتبنى موقفاً يقظاً جداً تجاه أفكار انجلز هذه لتجنّب الميل المُبتذل لتصوير المسيحية على أنه دين الاستغلاليين. ان الدور الاجتماعي للدين ليس بالأمر البسيط كما قد يتصور البعض. يقول ماركس "ان الشقاء الديني هو تعبير عن الشقاء الواقعي، وهو من جهةٍ أُخرى، احتجاجٌ عليه"(14). ونحن اذ نتحدث عن وجهة نظر ماركس حول المسيحية المُبكرة، يتعيّن علينا أن نقول أنها لم تكن مُجرّد تعبير عن الفراغ الاجتماعي والفكري الذي ميّزَ الامبراطورية الرومانية، بل كانت احتجاجاً على ذلك الفراغ، ولهذا السبب وصَفَ انجلز المسيحية بأنها عُنصرٌ ثوري.

لقد كانت المسيحية ذلك، ليس فقط لأن أتباعها كانوا من بين " العبيد والمعتوقين، الفقراء والناس المحرومين من الحقوق، الشعوب التي أخضعتها وشتتت شملها روما"(15)، وليس فقط أتباعها كانوا من "الرازحين المُنتمين الى أدنى شرائح الشعب"(16). يقول انجلز، أن المسيحية "تعارضت تعارضاً جذرياً من الأديان السابقة كُلها"(17).

ومن المفيد أن نتوقف عند موقف انجلز هذا. النُقطة المُهمة ليس أن المسيحية كانت ديانةً فريدةً من نوعها. ان فكرة المسيحية كانت فريدةً وليس كمثلها شيء، تتعارض مع مُجمل الحقائق المعروفة التي لا يلتزم بها في شكلها المحض سوى أكثر اللاهوتيين تطرفاً. في ظل ظروف الحركة المسكونية، كان اللاهوتيون الأكثر مرونةً، الذين اتخذوا موقفاً دقيقاً تجاه ذلك العصر، يُحولون العثور على "عناصر الوحي الالهي" في ديانات ما قبل ىالمسيحية. يتتبع انجلز، كيف مهّدَت فلسفة فيلون Philo وسينيكا Seneca لمفاهيم المسيحية الأساسية. يُلخّص انجلز: "أصبَحَ الأمر واضحاً: لكي تكتمل المسيحية في خصائصها الرئيسية، لم يكن ينقصها سوى حجر الغلق..."(18). بالاضافة الى ذلك، يًصر انجلز بشكلٍ خاص على أن المسيحية "تحدّرَت من التمثيلات المُقتبسة من فيلون والمُشبعة بروحٍ شعبية، لا من كتابات فيلون مُباشرةً"(19).

اليوم، يُمكن أن نُثبِت أن المصادر الايديولوجية للمسيحية المُبكرة كانت أكثر تنوعاً مما اعتقده انجلز وفريدريك باور. يُمكن الآن أن نتحدث عن حركاتٍ اجتماعية وايديولوجية أُخرى كان لها تأثير على المسيحية المُبكرة، ليس أقل من تأثير الفيلسوف اليهودي الاسكندري فيلون والرواقي الروماني سينيكا. ومن بين هؤلاء كان الاسينيون الفلسطينيون Palestinean Essenes، الذين حفّزت مُكتشفات قُمران والمناطق المُجاورة الى الاهتمام بهم، والذين تناول الباحثون السوفييت علاقتهم بالمسيحية كثيراً(20). مصدر ايديولوجي آخر للمسيحية هو الغنوصية gnosis والتي أولاها أدبنا بعض الاهتمام(21). في القرن التاسع عشر، لم تكن سوى الغنوصية المتأخرة هي المعروفة، وعادةً ما نُظِرَ اليها أنها هرطقة من داخل المسيحية، أما اليوم، يُمكننا أن نتحدث حول الغنوصية ما قبل المسيحية، وبالتالي تأخذ علاقتها بالمسيحية طابعاً مُعاكساً: ليست الغنوصية هي التي نشأت باعتبارها فرعاً من المسيحية، بل المسيحية المُبكرة هي التي استفادت من الأساطير والأخلاق الغنوصية، والتي عدّلت بعضها ورفضت بعضها الآخر.

أكّدَ انجلز، في جداله ضد باور، كما رأينا، على حقيقة أن المسيحية لم تتأثر بفلسفة فيلون وسينيكا ودراساتهما ولا بتلاميذهما، بل بأفكارهما الفلسفية والرواقية المُبتذلة والشعبية. ولم يكن لديه علم بالدور الذي لعبته كوميونات قُمران والغنوصية ما قبل المسيحية في تشكّل الايديولوجيا والأساطير المسيحية. ينطلق فريدريك انجلز من المبدأ العام القائل: "أن الأديان يؤسسها أُناسٌ يُكابدون هم بالذات حاجةً دينية ويتحسسون الحاجة الدينية لدى الجماهير، وهذه ليست، بصورةٍ عامة، حال مدارس الفلسفة"(22). لقد أظهَرَ تراكم المعرفة اللاحق صحة المبدأ العام الذي طَرَحَه انجلز والاستنتاج الملموس الذي توصّلَ اليه بأن المسيحية لم تتطور على أساس تأملات فيلون وسينيكا الفلسفية بقدر ما كانت تحت تأثير أفكارهما التي ابتُذِلَت، وتحت تأثير الأفكار الدينية الفلسفية الغنوصية والاسينية المُبتذلة.

نجد في واقع الأمر، كما في المواعظ الأسينية في وقتٍ مُبكر، تمجيداً للفقر وادانةً للغِنى، ويعتقدون بخلود الروح وبالخلاص عن طريق تدخل الاله وكانوا كثيري الوضوء، وهذا أحد بذور التعميد المسيحي. ان لُغة العهد الجديد ذاتها تُذكرنا بالاسينيين. تكشف الاسطورة الغنوصية حول اينويا Ennoia، والدة الاله التي تجسدت في صورةٍ بشرية وانحطت الى الأرض، عن تشابهٍ لا يقبل الشك مع الاسطورة المسيحية اللاحقة حول ابن الله الذي تجسّد على شكل انسان. يتوافق الهوَس المسيحي بالمُعجزات أيضاً مع المُعتقدات الشعبية بالسحر والشعوذة، الذي كان مُنتشراً في الامبراطورية الرومانية خلال القرون الأول. وكانت الغوامض الهلنستية بإيمانها بحياة الانسان بعد الموت، تُساهم بنصيبها في تشكّل الايديولوجيا المسيحية. باختصار، تنبُع المصادر الايديولوجية للمسيحية الى حدٍّ كبير من الحركة الجماهيرية الدينية في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد الى القرن الأول بعد الميلاد. لم ينطلق المسيحيون الأوائل أياً كانوا، في القرن الأول الميلادي، من صفحةٍ بيضاء. ومن ثم فإن انجلز لا يُنكر على الاطلاق التوافق بين المسيحية المُبكرة وتبنيها لعناصر كانت سبقتها وكذلك عاصرتها. ولكنه في الوقت ذاته، بعيد كُل البُعد عن المُقاربة المُبسطة التي تختزل المسيحية الى مجرد تبنّي للعناصر السابقة والمُعاصرة لها ولا ترى فيها شيئاً جديداً على الاطلاق. المسيحية، بحسب انجلز، هي عُنصر ثوري، ودين تعارضَ تعارضاً جذرياً من الأديان السابقة كُلها.

يُحدد انجلز السمات الجديدة التي يجب رؤيتها في ايديولوجيا المسيحيين. ومن المُهم للغاية أنه لا يُعلمِن المسيحية، ولا يجعل منها مُجرد برنامجاً اجتماعياُ أو مُجرد نظاماً فلسفياً. تضمنت المسيحية بطبيعة الحال، برنامجاً اجتماعياً ووجهات نظر فلسفية، ان لم يكن نظاماً فلسفياً. كان برنامجها الاجتماعي يتألف، قبل كُل شيء، من رفض السعي وراء الملذات الدنيوية التي ميزت المُجتمع الروماني. لم يكن هذا رفضاً لـ"العالم"، لأنها كانت تنظر الى العالم بوصفه خلقاً من الاله وليس من ابليس، بل رفض لاستعباد هذا الأخير للعالم. ان المسيحي، الذي يُعطي لقيصر ما لقيصر، يعتمد على التحرر من الامبراطورية، الذي كان في الواقع تحرراً "في المسيح"، في الروح، "خارج نطاق علاقات الحياة الحقيقية القائمة" كما تقول الينا شاتيرمان"(23).

كانت وجهات نظر المسيحيين الفلسفية مُحمّلة بتصورٍ جديدٍ حول الزمان والمستقبل. كان الزمان في الفهم اليوناني-الروماني مُغلقاً ومحدوداً، ومُتكرراً في أحسن الأحوال، كما هو الحال في فلسفة التاريخ عند بوليبيوس Polybius، والتي بموجبها يمر كُل مُجتمع بشبابه ثم نُضجه ثم شيخوخته. أما المسيحي من ناحيةٍ أُخرى، فيعيش في نوعٍ من الخلود، ويتميّز وعيه بذاته "بالانفتاح الجذري على المُستقبل" على حد تعبير اللاهوتي الألماني رادولف بولتمان Rudolf Bultmann(24). لذلك يبدو تطور التاريخ بالنسبة للمسيحي، خطياً ولانهائياً، بغاياتٍ لم تتحقق بعد.

لا شك أن البرنامج الاجتماعي والآراء الفلسفية كانت حاضرةً في تعاليم المسيحيين الأوائل. لكن المسيحية، كانت، قبل كُل شيء، ديناً، أي جانباً من النظرة الى العالم التي تتعلق بمفاهيم الانسان حول علاقته بالمُطلق، الاله. كانت الصور الدينية، بالطبع، نُسخاً عن العالم الحقيقي. ان الدين، "أياً كان"، بكلمات انجلز،"ما هو الا انعكاس خيالي في أذهان الناس للقوى الخارجية التي تُسيطر عليهم في حياتهم اليومية، وهو انعكتس تتخذ فيه القُوى الأرضية شكل القُوى غير الأرضية"(25). ولكن من الطبيعي، انه سيكون من الابتذال، أن نُحِل دراسة الصور والطقوس والمؤسسات الدينية نفسها محل تحليل القوى الارضية التي استدعتها الى الحياة، عند دراستنا للدين. لا يُمكن للمرء أن يرضى بمُجرد القول بأن المسيحية المُبكرة عبّرت عن يأس المحرومين، لأن هذا اليأس عبَّرَ عن نفسه بأشكال مُتنوعة. يجب البحث عما يُميّز المسيحية المُبكرة، قبل كُل شيء، في السمات الخاصة لمفاهيمها الدينية.

يبدأ انجلز تحليله بتسجيل الطقوس التي تُميّز المسيحية المُبكرة. ومن هذه المُلاحظة يستخلص استنتاجاً له أهمية اجتماعية وسياسية: "ان المسيحية، اذ رفضت على هذا النحو سائر الأديان القومية والطقوس الشائعة فيها، اذ توجهت الى الشعوب كافةً بدون تمييز، أصبحت هي ذاتها أول دين عالمي مُمكن"(26).

بالاضافة الى ذلك اعتبَرَ انجلز أن "تجسّد الكلمة في شخصٍ مُعيّن والتضحية التكفيرية لهذا الشخص على الصليب لاسترجاع الانسانية المُخطئة"(27)، سمةً خاصةً للمسيحية. وهكذا، فهو يتطرق الى مركز الميثولوجيا المسيحية مرةً أُخرى، كما هو الحال مع الطقوس، ولا يتعلق هذا بالحديث الدوغمائي حول "أصالة" هذه الطقوس والأساطير، بقدر ما يتحدث حول أهميتها الوظيفية. يقول انجلز: ان المسيحية قد ضربت على وترٍ كان لا بد أن يكون حساساً... على الأنين من شقاء الحياة ومن البؤس المادي والمعنوي الشامل. كان الوعي المسيحي المُفعَم بفكرة الخطيئة يُجيب: هكذا الواقع، ولا يُمكن أن يكون على نحوٍ آخر"، ويُكمل انجلز، أن قبول هذا، هو الشرط المُسبق للخلاص الروحي (على يد المسيح) الذي كانت المسيحية قد أعلنته في نفس الوقت"(28)(ب). يقول انجلز: "بالنسبة لسائر هذه الديانات القديمة، ان فكرة التضحية التكفيرية التي يتصالحون بواسطتها مع الألوهة المُهانة، كانت فكرةً شائعة. كيف يُمكن أن تُلاقي فكرة الشفيع الذي يمحو مرةً واحدةً والى الأبد بتضحيته الخاصة، خطايا البشرية، تُربةً ملائمة؟ اذاً، فالمسيحية باعطائها، بواسطة فكرة الضمير الشخصي المُفعم بفكرة الخطيئة، تعبيراً واضحاً عن شعور مُنتشر انتشاراً شاملاً، بأن البشر هم بالذات مسؤولون عن الشقاء الكوني، وفي نفس الوقت بتقديمها عن طريق تضحية مؤسسها بنفسه، خَلَقَت المسيحية شكلاً سهل الفهم للخلاص الداخلي من عالمٍ فاسد"(29)(جـ).

هذا هو فهم أصل المسيحية الذي طوره انجلز، وهو فهم مادي مُتسق، الذي أعطى مكاناً مُهماً لمنشأه الاجتماعي الذي كان في قشرته الخارجية، تعبيراً عميقاً عن الوعي الذاتي للمُجتمع.
تحتوي اعمال انجلز، الى جانب عرض مفهومه الخاص حول منشأ الدين، تحليلاً لآراء برونو باور حوله. هذا المقال ليس مُخصصاً لتحليل نقد الهيغيليين الشباب للكتاب المُقدس، ولكن سيكون من المهم للغاية أن نُوضح ما الذي اعتبره انجلز في إسهام باور النقدي قابلاً للنقاش ومشكوكاً فيه، والذي، في حُكم انجلز، هو "أهم بكثير من إسهام أي شخصٍ آخر"(30). بعض التعليقات الجِدالية موجودة في مقال (برونو باور والمسيحية المُبكرة)، ولكن ربما سيكون أكثر مُلائمةً أن ننتقل الى مقال (إسهام في تاريخ المسيحية المُبكرة)، حيث يجمع فيها انجلز أحكامه على برونو باور.

يقول انجلز: "ان فضله الكبير (أي باور) هو أنه نَقَدَ بلا رحمة الأناجيل والرسائل الرسولية. انه أول من اهتم بفحص لا العناصر اليهودية واليونانية-الاسكندرانية فقط، بل أيضاً العناصر اليونانية واليونانية-الرومانية التي أتاحت للمسيحية أن تُصبح ديناً كونياً"(31). ويواصل انجلز، أن باور بَرهَنَ على أن "المسيحية لم تُستَورَد من الخارج، من فلسطين، وفُرِضَت على العالم اليوناني-الروماني، بل هي، على الأقل، في الشكل الذي ارتدته كدينٍ كوني، النتاج الأصيل لهذا العالم"(32).

هذا كان فضل باور. ولكن اين اختَلَفَ انجلز معه؟ يطرح انجلز صياغةً مُحددةً لاختلافاته مع باور.

أولاً، "اضطر باور الى تأخير ظهور الدين الجديد مدة نصف قرن"، وقد فَعَلَ ذلك لكي "يُظهِرَ بصورةٍ قاطعةٍ مؤلفي العهد الجديد كمُنتحلين لأفكار هذين الفيلسوفين (سينيكا وفيلون)". ومن أجل فعل ذلك "ردّ الحكايات المُعارضة لذلك التي جاء بها المؤرخون الرومانيون وتصرّفَ بالتاريخ الذي وَصَلَ الينا".

ثانياً، "شهدنا عند باور زوال أي أساس تاريخي لحكايات العهد الجديد الخاصة بالمسيح ومُريديه. انها تنحَل الى مجموعة أساطير حيث مراحل التطور الداخلي والنزاعات الأخلاقية بين الجماعات الأُولى المسيحية تُنقَل وتُنسَب الى شخصياتٍ وهميةٍ الى هذا الحد أو ذاك".

ثالثاً، "لا الجليل ولا القُدس، بل الاسكندرية وروما هما، في رأي باور، مكان ولادة الدين الجديد". يقول انجلز "اذا كانت مدرسة توبنغه قد قدمت لنا، في البقية الباقية التي لا يماري فيها من تاريخ أدب العهد الجديد، الحد الأقصى لما يستطيع العلم، في أيامنا هذه، أن يقبله بصفته عُرضةً للمُجادلة، فإن برونو باور قد قدم لنا الحد الأقصى لما يُمكن للعلم أن يُعارضه. الحقيقة موجودة بين هذين الطرفين"(33).

يبدو لي أن أدبنا، لم يُعِر أفكار انجلز هذه، الاهتمام الذي تستحقه(34). دعونا ندرس بالتفصيل هذه النقاط التي ذكرها انجلز.

دَخَلَ انجلز في جدالٍ مع باور، الذي أكَدَ أن المسيحية لم تنشأ في القدس والجليل، بل في العالم الهيلنستي والامبراطورية الرومانية. ويصوغ انجلز موقفه تجاه مصدر الدين الجديد بشكلٍ أكثر حدّة في مقالته (سِفر رؤيا القديس يوحنا): "شأن سائر الحركات الثورية الكُبرى، المسيحية من صُنع الجماهير. لقد وُلِدَت بكيفية نجهلها كُلياً، في فلسطين"(35).

للوهلة الأولى، تتعارض هذه الفكرة مع كلمات انجلز، التي استَشهَدَ بها أدبنا أكثر من مرة، المُستمدة من مقالته (إسهام في تاريخ المسيحية المُبكرة): "على هذا النحو، تكوّنَت المسيحية في آسيا الصُغرى، بؤرتها الرئيسية، حوالي العام 68، بالقدر الذي نعرفها فيه"(36). ومع ذلك، فمن حُسن حظنا أننا لا نتعامل هُنا مع تناقضٍ عند انجلز، بل خطأ في الترجمة من الألمانية الى الروسية(د).

بالاضافة الى ذلك، نذكر ان انجلز ينتقد باور بسبب تأريخه المتأخر لبداية المسيحية . وضعَ باور هذا الحدث في زمن أباطرة فلافيان، والذي كان في رأي انجلز، مُتأخراً بحوالي نصف قرن مما هو عليه في الواقع. اعتلت سُلالة فلافيان العرش من 69-96م. ان الحساب البسيط يُقنع المرء بأن انجلز أرجع المسيحية الى حوالي الرُبع الثاني من القرن الأول الميلادي. ومع هذه المراجعة للتواريخ ارتبَطَ انتقاد باور بتجاهله المعلومات التي طرحها المؤرخون الرومان، والتي لا تتفق مع تصوره. من المُرجّح أن انجلز كان يتخذ من سردية تاسيتوس حول اضطهاد المسيحيين في عهد نيرون، مُنطلقاً لتلك المُراجعة.

ان مسألة الزمن الذي كُتِبَ فيه أدب العهد الجديد تتشابك بشكلٍ وثيق مع مسألة أصل المسيحية. كَتَبَ انجلز في انتقاده لباور: "في رأيه، أن المسيحية كما هي، لم تظهر الا في ظل الأباطرة الفلافيين، أدب العهد الجديد في ظل هارديان، انطونين وماركوس اوريليوس"(37). يوجد هُناك نظرة نقدية حادّة، تؤجّل ظهور الأناجيل والرسائل الى منتصف القرن الثاني الميلادي، أو حتى رُبعه الثالث، موجودةً أيضاً في الأدب السوفييتي، وخاصةً في كتابات ياكوف ابراموفيتش لينتسمان Yakov Abramovich Lenzman (38). ومع ذلك، فإن هذا لا يتفق مع الحقائق. وكما نعلم، كان بابياس اسقف هيرابوليس Papias of Hierapolis، الكاتب المسيحي من النصف الأول من القرن الثاني، يعرف أناجيل مرقس ومتّى. رأى بابياس أن مرقس مُترجماً لبطرس، في حين أن متّى كَتَبَ انجيله باللهجة العبرية، أي الآرامية. وعن حق، لا يُمكن أن نُرجِع شهادة بابياس حول انجيل متّى بصياغته الحالية. ومن المعروف أن انجيل متّى لم يكن مكتوباً باللغة الآرامية فحسب، بل يُمثّل الى حدٍّ كبير صياغةً لغنجيل مرقس اليوناني.

قد تكون مُكتشفات ورق البردي المصرية في القرن الثاني التي تتضمن أجزاءً من نصوص العهد الجديد، أكثر أهميةً. وفي هذه الفئة يوجد نص انجيل يوحنا المحفوظ في جامعة مانشستر Manchester fragment of the Gospel according to John المؤرخة في الرُبع الأول من القرن الثاني، وورقات اوكسفورد الثلاثة من الفصل السادس والعشرين من انجيل متّى (نهاية القرن الثاني)، والنص الكامل لانجيل يوحنا المُعاد كتابته قبل عام 200م (المُسماة بُردية بودمر11) Papyrus Bodmer 11، وأجزاء من بردية تحتوي على انجيل لوقا ويوحنا مؤرخة في نهاية القرن الثاني (بردية بودمر14-15)(39). تشهد هذه الاكتشافات، التي أُتيحَت للمُجتمع العلمي بين عامي 1935-1961، على حقيقة أن نصوص الأناجيل كانت معروفةً جيداً في مصر منذ القرن الثاني، مما يجعل التأريخ المُتأخر الذي قام به باور ولينتسمان موضع شكٍّ كبير.
ان توقّع انجلز، الذي استَبَقَ معلوماتٍ حاسمةٍ مثل هذه المُكتشفات المصرية الجديد، والتي ستكون أكثر أهميةً من أي نقدٍ كان، قد تأكّدَ حقاً.

أخيراً، ينتقد انجلز باور لحقيقة أن الأساس الذي تقوم عليه قصص العهد الجديد حول يسوع وتلامذته (سُمّوا بالرُسل فيما بعد)، يختفي في استعراض باور. بعبارةٍ أُخرى، على عكس باور، لا يعبر انجلز هذه القصص اسطورية صرف. فهو يُدرك أن المعلومات المُتعلقة بالفترة الفلسطينية من تاريخ المسيحية ليست موثوقة(40). لكنه مع ذلك يرى، أن هُناك أساساً تاريخياً مُعيناً مخفياً بين ثنايا "حكايات" العهد الجديد غير الموثوقة.

وهكذا، يتطرق انجلز الى مسألة ما اذا كانت شخصية يسوع تاريخية. وهو يفعل ذلك بحذرٍ شديد، ولكن يُمكن للمرء أن يستخلص من تعليقاته أنه يرى أن باور تمادى أيضاً في انكار الوجود التاريخي لـ"النبي" الفلسطيني.

أحد أكثر أنصار المدرسة الأُسطورية ثباتاً التي تُنكر الوجود التاريخي ليسوع هو جوزيف ارونوفيتش كريفيليف Joseph Aronovich Kryvelev، كَتَبَ مؤخراً بحق، أن قبول فكرة أن يوسع كان شخصيةً تاريخية، لا يتعارض في حد ذاته مع المادية والالحاد(41). كما اضطرَّ اللاهوتيون المُعاصرون الى التسليم بأن إنكار الوجود التاريخي ليسوع لا يعني اتخاذ موقفٍ فلسفي، وأنه يُمكن للمرء أن يظل مسيحياً دون أن يعترف بوجود المسيح(42). وهكذا، يؤكّد كلا الجانبين أن مسألة الوجود التاريخي ليسوع ليست ذات أهمية أساسية لهما على الإطلاق، لكنهم مع ذلك يستمرون بمناقشتها(هـ).

وليس هذا هو المكان المُناسب للعودة الى هذا الموضوع. أود فقط أن أُشير الى أن انجلز لم يقبل بتفسير باور النقدي الحاد، والذي رَفَضَ كُلّاً من الفترة الفلسطينية وشخصية يسوع. كانت نظرية باور نِتاجاً نموذجياً للبحث الايديولوجي العائد الى النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما أُضفيَ طابع انطولوجي على القوانين التي تحكم العملية التاريخية تحت تأثير الفلسفة الهيغيلية، وعندما كان يتم دمج العملية التاريخية بالروح وتُفصَل عن حاملها الحقيقي: الانسان. لم يبقَ ليسوع مكاناً في التاريخ، كما لم يبقَ لهوميروس مكاناً في الثقافة. كان يُنظَر الى كُلٍّ من المسيحية وقصائد هوميروس على أنها انبثقت الى الوجود من تلقاء نفسها، في سياق ظهور الروح. اضطر النبي اليهودي الناصري ومُبدع الالياذة الأعمى الى مُغادرة مسرح التاريخ. يبدو أن هذا هو ما يُريدنا العقل النقدي الهيغيلي أن نعتبره انجازاً له.

وعلّقَ انجلز، على نقد باور في هذا الصدد، أن أسطَرَة صورة المسيح والرُسُل والقصص المُتداولة عنهما، يؤدي الى أن يُغفل الباحث "مراحل التطور الداخلي والنزاعات الأخلاقية بين الجماعات المسيحية الأُولى"، والتي، على عكس ذلك، يُحاول انجلز نفسه التمييز بينها (مراحل التطور الداخلي).

في واقع الأمر، يتضمن نقد انجلز لباور نظاماً مُعيناً. وفي رأيه، تتحول الفترة التي بدأت فيها المسيحية (تحت الظروف الاجتماعية للامبراطورية الرومانية وتحت تأثير حركة الأفكار اليونانية-الرومانية)، الى دينٍ عالمي، سبقتها مرحلة أُخرى، وهي الميلاد، والأصول، والتشكّل.
لقد نشأت المسيحية، في رأي انجلز، في فلسطين في الرُبع الأول من القرن الأول الميلادي تقريباً، بمُشاركة أولئك الأشخاص الذين انعَكَسَ نشاطهم في الأناجيل بشكلٍ أُسطوري، أي يسوع وتلاميذه (وبطبيعة الحال كان انجلز بعيداً عن نسج رواية يسوع المُتمرّد من الشهادات الغامضة في المصادر، كما فَعَلَ ذلك كثيرون لاحقاً، مثل كاوتسكي وروبرتسون)(43). لقد حاوَلَ أن يفهَمَ ما كانت عليه المسيحية في مراحلها الأُولى من خلال دراسة سِفر الرؤيا الذي يعود تاريخه، وفقاً لفيرديناند بيناري Ferdinand Benari الى حوالي عام 68م(44). ويؤكد أنه في ذلك الزمن ظَهَرَت "مئات الأديان والأنبياء الجُدد". ويُتابع انجلز "والواقع أننا لسنا الا إزاء ظاهرة مُحصلة، وُلِدَت عفوياً من الاحتكاكات المُتبادلة الأكثر تقدميةً لتلك الطوائف، والتي تحوّلَت فيما بعد الى مذهب، بانضمام نظريات الهيودي الاسكندري فيلون، وكذلك جاءت فيما بعد لتتغلغل الفلسفة الرواقية فيها"(45).

لم تزل مسيحية الرُبع الثالث من القرن الأول الميلادي (بحسب كتاب الرؤيا) إحدى الطوائف اليهودية، ومؤلّفها "لم يكن يملك أدنى فكرة، في العام 69 من عصرنا، عن أنه يُمثّل مرحلةً جديدةً في سير التطور الديني، مُهيأةً لأن تصير احدى العناصر الأساسية للثورة"(46). يقول انجلز، ان المسيحية، في زمن كتابة رؤيا يوحنّا، "لم تكن بعد على وعيٍ بنفسها، كانت على بُعد ألف فرسخٍ من الدين الذي تحدّدَ عقائدياً في مُجمع نيقية المسكوني The First Council of Nicaea"(47).
وهكذا، يقول انجلز بوجود مرحلتين في تاريخ المسيحية المُبكّرة. يُمكن تسمية الأولى بمرحلة فلسطين وآسيا الصُغرى. خلال هذه الفترة، لم يخرج أتباع النبي اليهودي المسيحي عن حدود الطائفة اليهودية. المرحلة الثانية، كانت فترة تحوّل الطوائف اليهودية الى دينٍ عالمي. وحّدَت المسيحية صفوفها، وصارت من كونها مُجرّد مجموعةٍ من الطوائف، كنيسةً مُوحّدة. وبدأت هُنا، بتطوير ووضع عقائد مُلزِمة للجميع، وبدأت هُنا، تبعاً لجميع الأدلة، أسطرة القصص حول مؤسس الدين الجديد.

كانت هذه هي آراء انجلز حول المسيحية البدائية. لقد كانت معروفةً منذ زمنٍ طويل للباحثين السوفييت المُهتمين بهذه المسألة، على الرغم من أن الترجمة القديمة لمقالات انجلز، كما رأينا، تركت الكثير من الأخطاء، كما حافظت الترجمة الجديدة أيضاً على درجةٍ مُعينةٍ من عدم الدقة. ومع ذلك، لم يتم استخدام أفكار انجلز بشكلٍ كاملٍ في دراساتنا التاريخية. وعلى الرُغم من التناقض الذي قد ينطوي عليه هذا الأمر، فإننا نميل الى السير على خُطى برونو باور والمدرسة الأُسطورية العائدة الى مطلع القرن الحالي، أكثر من السير على خُطى انجلز (هذا ينطبق على كتاباتي المُبكرة كذلك). انتَقَدَ ابرام رانوفيتش أيضاً انجلز من وجهة نظر المدرسة الاسطورية(48). أصبَحَ من المُعتاد التزام الصمت ازاء انتقادات انجلز الموجهة الى برونو باور، بل جَرَت مُحاولات، كما رأينا، لتحويل انجلز الى مُعارضٍ لنظرية الأصل الفلسطيني للمسيحية. غالباً ما ألحقنا بآراء باور المثالية والمدرسة الأُسطورية، تفسيراتٍ اقتصاديةٍ مُبتذلة لجذور المسيحية، مُعتبرين أن هذا الدين هو النتيجة المُباشرة لهزيمة ثورات العبيد.

هناك بداية إعادة نظر في التقليد الذي تأسس على النحو الذي ذكرناه، من خلال أعمال سيرجي ايفانوفيتش كوفاليف Sergey Ivanovich Kovalev المنشورة عام 1958(49). ان الدراسة المُعمقة للحقائق، التي أجراها في المقام الأول عُلماء من الأجيال المُتوسطة ايلينا شاتيرمان وميخائيل مويسيفيتش كوبلانوف Mikhail Moiseevich Kublanov وايرينا سيرجيفنا سفينتسيتسكايا Irina Sergeevna Sventsitskaya وماريانا كازيميروفنا تروفيموفنا Marianna Kazimirovna Trofimova وسيرجي سيرجيفيتش افيرينتسيف Sergei Sergeevich Averintsev، قد جعلت بالامكان تحييد عدد من المواقف النقدية القديمة. لا ينبغي اعتبار تعرّج الحركة العلمية هذا شيئاً مُعيباً ويدعو للخجل: فكل هذا التعرّج، وهذه الحركة، هو في اطار العلم، ويتجاوز حدود عقلية الطائفة الأرثذوكسية. ان دراسة تراث انجلز، سوف يُسهّل تطوير أبحاثنا حول المسيحية الباكرة.

* اليكساندر بيتروفيتش كاجدان 1922-1997، مؤرخ سوفييتي-أمريكي مُختص بتاريخ بيزنطة، دكتور في العلوم التاريخية. التحَقَ كاجدان بقسم التاريخ التابع لجامعة موسكو الحكومية. ومنذ عام 1943 دَرَسَ في كُلية الدراسات العُليا في جامعة موسكو الحكومية،، ثم في معهد التاريخ التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية. دافَعَ عن اطروحته للدكتوراة بعنوان (العلاقات الزراعية في بيزنطة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر)، وفي عام 1962 دافَعَ عن اطروحته الثانية للدكتوراة بعنوان (القرية والمدينة في بيزنطة في القرنين التاسع والعاشر). عَمِلَ كاجدان في قسم الدراسات البيزنطية في معهد التاريخ التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية منذ عام 1956، وكَتَبَ مئاتٍ من المقالات، وترجَمَ كُتباً عديدة للمؤلفين القُدامى. من كُتبه (الدين والالحاد في العالم القديم) 1957، و(مقالات عن تاريخ بيزنطة والسلافيين الجنوبيين) 1958، (كيف خلَقَ الانسان الله) 1962، (من المسيح الى القسطنطينية) 1965.

1- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص155
2- نفس المصدر، ص236
3- نفس المصدر، ص239
4- نفس المصدر، ص248
5- نفس المصدر، ص150
6- نفس المصدر، ص150
7- هذا النوع من المُقاربات، هو سمة خاصة للمنشورات الشائعة حول المسيحية المبكرة، والتي يُشتق فيها الدين المسيحي مباشرةً من تناقضات نمط الانتاج العبودي، ودون الانتباه الى حقيقة أن العبودية كانت موجودةً لقرونٍ قبل ظهور المسيحية الى الوجود.
see, for example, V. R. Tarasenko, Proiskhozhdenie i sushchnost khristianstva, Minsk, 1958, pp. 10-15
8- "لقد نشأت المسيحية، كتعبير عن اليأس الذي تغلغل في أعماق المُجتمع الروماني نتيجةً لهزيمة الثورة".
See, for example, V. I. Nedel skii, Revoliutsiia rabov i proiskhozhdenie khristianstva, Moscow and Leningrad, 1936
See also, S. Enshlen, Proiskhozhdenie religii, Moscow, 1954, p. 118
أ- يعترض المؤلف على مثل هذه الجُملة: " لقد نشأت المسيحية، كتعبير عن اليأس الذي تغلغل في أعماق المُجتمع الروماني نتيجةً لهزيمة الثورة". ولكن أعتقد أنه كان عليه أن يُدقق أكثر في "سياق تفكير انجلز"، الذي يُحلله. لقد ذكَرَ انجلز في مقالاته الثلاث، في أكثر من موضع، أن من بين العوامل التي أدت الى نشوء المسيحية، هو هزيمة الثورة. يقول انجلز: فإن الأرقاء المحرومين من الحقوق ومن الحرية، كانوا عاجزين عن تحرير أنفسهم، كما أثبتت ذلك قبلاً هزيمة سبارتاكوس، ومع ذلك فإن قسماً كبيراً منهم كانوا رجالاً أحراراً أو أبناء رجال وُلدوا أحراراً. اذاً، فبينهم يُفتَرَض أن توجد أشد البغضاء ضد ظروف حياتهم".
ويقول كذلك: من بين أي أُناس جاء المسيحيون الأوائل؟ بصورةٍ رئيسيةٍ من الكادحين والرازحين المُنتمين الى أدنى شرائح الشعب، على نحو ما ينبغي لعنصرٍ ثوري..."
ويقول: "كانت المسيحية في الأصل حركة المُضطهدين: ظهرت في البدء كدينٍ للعبيد والمعتوقين، الفقراء والناس المحرومين من الحقوق، الشعوب التي أخضعتها وشتتت شملها روما"
حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص151، 248، 236
9- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص152
10- نفس المصدر، ص249
11- See K. Marx and F. Engels, Soch., Vol.1, p414
12- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص150-151
13- نفس المصدر، ص245
14- اسهام في نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، كارل ماركس، دار الجمل 1986، ص3
15- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص236
16- نفس المصدر، ص248
17- نفس المصدر، ص153
18- نفس المصدر، ص148
19- نفس المصدر، ص149
20- See I. D. Amusin, Rukopisi Mertvogo moria, Moscow, 1961, pp. 217-258 G. M. Livshits, Proiskhozhdenie khristianstva v svete rukopisei Mertvogo moria, Minsk, 1967
21- With respect to Gnosis, see J. Leipoldt and W. Grundmann, Umwelt des Urchristentums, Vol. I, Berlin, 1965, pp. 371-414. In the Soviet literature, s e e I. S. Sventsitskaia, -Za- - preshchennye evangeliia, Moscow, 1965, pp. 88-96. On the Gnostic Acts of Thomas, see M. K. Trofimova, "Iz istorii ideologii I1 veka n.e" Vestnik drevnei istorii, 1962, No. 4, pp. 67- 90 "K metodike izucheniia istochnikov po istorii rannego khristianstva," Vestnik drevnei istorii, 1970, No. 1, pp. 142-150.
22- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص148
23- On certain features of the social program of early Christianity, see E. M. Shtaerman, Moral i religiia ugnetennykh klassov Rimskoi Lperii, Moscow, 1961, pp. 102-104, 139-141
24- R. Bultmann, Das Urchristentum in, Aahmen der antiken Religionen, Zurich and Stuttgart, 1963, p. 3" ). On Bultmann s views, see Trofimova, "Filosofiia ekzistenialrizrna i problemy istorii rannego khristianstva," Vestnik drevnei istorii, 1967, NO. 2, pp. 283-294
25- ضد دوهرينغ، فريدريك انجلز، دار التقدم 1984، ص366-367
26- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، 153
27- نفس المصدر، ص148
28- نفس المصدر، ص153
ب- بعد هذا سيقوم كاجدان بالحديث حول مشاكل الترجمة الروسية لمقالات انجلز هذه. وهُنا يرجع المؤلف الى النص الألماني الأصلي ويجد أن النص الألماني يُريد من القارئ أن يفهم أن المفهوم المسيحي حول الخلاص "مُنظّم" بطريقة تجعله مفهوماً بسهولة لمُعتنق الديانات القديمة. ويختلف النص الألماني الأصلي عن الترجمة الروسية، بأن الأولى تُشير الى أن الأديان القديمة جميعها كانت لديها فكرة التضحية التكفيرية، وهذه الفكرة خَدَمت كمُسهّل لانتشار الفكرة المسيحية حول المُتطوع الذي يُقدّم نفسه كأُضحية (المسيح). قررنا أن لا نُترجم هذه الفقرة لأنها طويلة ولا تُهم القارئ العربي كثيراً.
29- نفس المصدر، ص153-154
جـ- يُشير الكاتب الى أن النص الروسي يُترجِم كلمة (مؤسس Founder) الألمانية في هذا الاقتباس، الى كلمة (حَكَم)-وهذه الترجمة الخاطئة موجودة في النص الانجليزي كذلك. ولكننا هُنا، نُواجه عدد من المشاكل في الترجمة العربية كذلك- (عدلتها في المقالة دون أن أُشير الى ذلك). ان كتاب (حول الدين) لياسين الحافظ، الذي نستمد منه النصوص العربية في هذه المقالة، قد تُرجِمَ من النص الفرنسي. ان الترجمة العربية للنص الخاطئ، كما يلي: "وفي نفس الوقت بتقديمها عن طريق التضحية بالحرق من قِبَل ديانها". المسيحية لم تطرح التضحية بـ"الحرق"، فهذا غير موجود لا في الترجمة الروسية ولا الانجليزية وبالطبع ليست في الألمانية، ولا نعرف ما ان كانت في النص الفرنسي. وكذلك، لم استطع أن أعرف ما معنى "ديانها" هُنا.
30- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص147
31- نفس المصدر، ص241-242
32- نفس المصدر، ص 242
33- نفس المصدر، ص 242
34- I. A. Kryvelev, in the book Marks i Engel s o religii (Moscow, 1964), in which there is a special subchapter, "Engel s o znachenii rabot burzhuazno-liberal nykh istorikov khristianstva" (pp. 87-89), makes only a general reference to "a number of forced interpretations" by Bauer "in presenting the factual aspect of history" (only there? - A.K.), but does not indicate what Engels regarded these forced interpretations as being. G. M. Livshits in his historiographic work, Ocherki istoriografii Biblii i rannego khristianstva (Minsk, 1970, p. 139) justly mentions Engels criticism of Bauer s idealism but touches upon the actual criticisms themselves only in passing (compare ibid., p. 187)
35- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص156
36- نفس المصدر، ص255
د- يبدو أنه كذلك خطأ في الترجمة من الألمانية الى الفرنسية، وبالتالي الى العربية.
سيُكمل مؤلف المقال فقرةً أُخرى مُتحدثاً عن هذا الخطأ في الترجمة، ونحن ارتأينا أن لا نُترجمها.
37- نفس المصدر، ص242
38- ان تطور تفكير لينتسمان في هذا الصدد أمرٌ مُثيرٌ للفضول. كَتَبَ عام 1958: "لا يُمكن أن تكون الأناجيل قد كُتِبَت قبل مُنتصف القرن الثاني". وفي كتاب ألفه قبل وقتٍ قصيرٍ من موته (1967)، كانت الصياغة أكثر حذراً: "في وقتٍ لم يتجاوز عام 25م، كانت بعض أناجيل العهد الجديد، على ما يبدو، في شكلٍ لم يصل الينا، قد تم تداولها بالفعل بين المؤمنين. في وقتٍ ما، كُنت أنا مُتمثلاً فكرة التاريخ المُتأخر لأدب العهد الجديد، مُتبعاً خُطى لينتسمان
39- P. Feine, J. Behm, and W. G. kummel, inleitung in das Neue Testament, Berlin, 1965, pp. 380 ff.
40- See Marx and Engels, Soch., Vol. 21, pp. 8 ff
41- I. A. Kryvelev, Chto znaet istoriia ob Iisuse Khriste?, Moscow, 1969, p. 192
42- Compare, for example, J. Jeremias, "Der gegenwartige Stand der Debatte um Problem [sic] des historischen Jesus," in Der historische Jesus und der kerygmatische Christus, Berlin, 1964, p. 12
هـ- نتمنى لو كان في مقدورنا أن نسأل اليكساندر كاجدان، مؤلف هذه المقالة، حول وجهة نظره فيما يتعلق بالرأي الذي أورده سيرجي توكاريف في كتابه (تاريخ الدين)، والذي ترجمنا أجزاءاً منه. يقول توكاريف: "الى جانب حقيقة أن جميع المصادر المكتوبة خلال حياة يسوع المزعوم لم تذكره، هُناك حُجّة أُخرى مُهمة ضد المدرسة التاريخية التي تقول بالوجود التاريخي للمسيح. تُشير الكتابات المسيحية المُبكرة، عند وضعها في التسلسل الزمني الصحيح، الى أن صورة المسيح تطورت تدريجياً من كائنٍ خارقٍ للطبيعة، وهو حَمَل غامض، كما تم تصويره في سِفر الرؤيا، الى صورة مسيح الانجيلية الذي بشّرَ على الأرض وتم اعدامه. ارتَبَطَ هذا التطور بتطور الايمان المسيحي. تم تقديم المزيد من الأدلة على لاتاريخية شخصية يسوع من خلال الايقونات الأثرية. لا يحتوي الفن المسيحي الباكر على صورة يسوع المصلوب، لا تظهر هذه الايقونات قبل القرن الثامن". أُنظر: (مجموعة مقالات ماركسية سوفييتية، الجزء الثاني-في الفلسفة وتاريخ الدين، ترجمة مالك أبوعليا، نشر الكتروني، ص287).
وهُنا نُكرر، ما رأي كاجدان بهذا؟ اليس ما قاله توكاريف أكثر إقناعاً؟
43- K. Kautsky, Proiskhozhdenie khristianstva, 5th ed., Moscow and Leningrad, 1930 A. Robertson, Proiskhozhdenie khristianstva, 2nd ed., Moscow, 1959
44- Marx and Engels, Soch., Vol. 21, pp. 10-13. Compare ibid., Vol. 22, pp. 486-489
وفي هذا الصدد، لا يُمكن اعتبار تأريخ بيناري أمراً لا جدال فيه. أرّخَ ايريني رؤيا القديس يوحنا أنها كانت في نهاية حُكُم الامبراطور دوميتيان (81-96م).. في حين أن الرؤيا تحتوي على تلميحاتٍ فيما يتعلق بأحداثٍ من المُرجّح أنها حدَثَت خلال حُكمه. أُنظر: see P. Feine, J. Behm, and W. G. ~iimmel,o p. cit., pp. 341-344
في وقتٍ ما، أعرَبَ أبرام وريسوفيتش رانوفيتش Abram Borisovich Ranovich عن شكوكه حول صحة تأريخ بيناري. ولكن لاحقاً، عادَ فيما بعد الى التأريخ الذي اقترحه بيناري. يعتقد كريفيليف أن القسم الأعظم من الرؤيا يعود الى عام 68، وأن النص استُكمِلَ لاحقاً بمُدخلات مُختلفة.
45- حول الدين، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة ص1981، ص156
46- نفس المصدر، ص157. عبّرَ انجلز عن الطابع اليهودي لرؤيا القديس حنّا في مؤلفاتٍ أُخرى له.
47- نفس المصدر، ص245
48- See A. B. Ranovich, 0 rannem khristianstve, p. 46
49- S. I. Kovalev , Osnovnye voprosy proiskhozhdeniia khristianstva, Moscow and Leningrad, 1964, pp. 21-48

ترجمة لمقالة:
A. P. Kazhdan (1971) F. Engels on the Origins of Christianity, Soviet Studies in Philosophy, 10:1, 81-102








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي