الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الطقوس والتقليدانية في استمرارية النظام المخزني البوليسي العلوي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


طبعا عند تحليل المهتمين بالشأن السياسي المغربي ، وبالضبط تحليل نوع النظام السياسي الذي استفرد بالمغرب منذ اكثر من 350 سنة ، خاصة وان أنظمة شبيهة ، أي ملكيات كانت اقوى منه ، سقطت بفعل تدخل الضباط الوطنيين الاحرار بالجيش ، فأنشأوا أنظمة جمهورية باسم الدعوة الى الدولة الديمقراطية ، لكنها ظلت بعيدة عن الديمقراطية التي كانت ديمقراطية العسكر ، فساد الاستبداد ، والطغيان ، والفساد بوجه اكثر ، عمّا كان عليه الوضع في فترة الأنظمة الملكية البائدة ، خاصة عندما تم توظيف القضايا القومية ( فلسطين ) ، في تسليط المزيد من القمع واللجم لقوى المعارضة ، التي حملت مشروعا مغايرا لمشروع الجيش المسيطر على السلطة .. وخاصة عندما تم توظيف محاربة الامبريالية ، وهُمْ كانوا اكبر ادواتها بالمنطقة التي يحكمونها بالحديد و النار ( تأييد مشروع " روجرز ، لحل القضية الفلسطينية ) ، خاصة عند افتضاح حقيقة ديمقراطية العسكر ، عندما شرع الحكام ، يهيئون ابناءهم ليكونوا خلفاء لهم في قيادة النظام ، المتناقض أصلا مع شعارات الديمقراطية المرفوعة ، خاصة اعتماد النظام فقط على القمع الذي وصل الى الاغتيالات التي اخذت لها اشكالا مختلفة .
فالتساؤل هنا عن النظام المخزني السلطاني ، والبوليسي العلوي ، يتعلق بسر بقاءه رغم انه كان ولا يزال مع محمد السادس من اضعف الأنظمة ، ورغم عزلته الداخلية ، وعزلته الخارجية الأكثر ، لم يسقط ، ولا زال النظام يواصل ، كأنّ الأمور عادية ، والوضع جد عادي . وحتى الجيش لم يعد يمثل تهديد ضباط الاحرار ، ضباط السبعينات الذين كانوا يمثلون البرجوازية الصغيرة ، والذين ثاروا على نظام الحسن الثاني ، وفشلوا في إسقاطه ، رغم انه أكبر حاكم طاغية عرفته البشرية ، بعد نهاية الحرب الكونية الثانية . ف " تزمامارت " ، و" إگدز " ، و" Pf1 ، Pf2 Pf3 " ، والعديد من المعتقلات الغير قانونية ، وُجدت في نظام الحسن الثاني وحده . ورغم التعرية عنها عالميا ، ظل النظام يواصل ، ولم يتعرض الى احتجاج داخلي ، ولا احتجاج خارجي ، وكأن لا شيء حصل في خروقات حقوق الانسان ، التي وصلت ضرب الصحراويين ب " النّابالم " ، وتصفية العديد منه فقط على الشبهة ، رغم ان مواقفهم الاولى لم تكن ضد أطروحة مغربية الصحراء . فالمجازر التي قام بها " صالح زمراگ " عامل مدينة العيون ينذى لها الجبين ، وهناك اليوم اكثر من 520 صحراويا في عدد المفقودين ، وطبعا المسؤول عن هذه الاختفاءات ، الحسن الثاني من خلال وزيره ادريس البصري ، في وزارة الداخلية التي تشرف على " المفتشية العامة للقوات المساعدة " ، " مديرية مراقبة التراب الوطني DST " قبل ان تصبح DGST ، ومديرية الاستعلامات بالإدارة العامة للأمن الوطني ، وجهاز السلطة ( العمال والولاة ) .
طبعا عندما نكون امام نظام يتنافى ويتعارض مع الأنظمة الديمقراطية ، ورغم الخروقات الفظيعة لحقوق الانسان ، وسيطرة النظام على ثروة المغاربة المفقرين ، ليصلوا حد التسول ، ووصل بهم الفقر في عهد محمد السادس الى الاكل من الزّبالة . هنا نطرح التساؤل عن سبب عدم سقوط النظام ، ونطرح التساؤل عن استمرار المغاربة صامتين ساكتين ، رغم أوضاعهم الأكثر من متدهورة ، ورغم انهم افقر ( شعب ) رعايا في العالم ، وملكهم يملك من الثروات ما يشيب به شعر الصبيان ، وهي ثروات المغاربة المفقرين .
قبل ان نصل في تحليلنا لأسباب بقاء النظام ، ونعني به الأصول التي يحتكم اليها في تثبيت بقاءه ، وبكل أريحية ، وهنا نعني مشروعية الحكم المبني على الطقوسية ، والتقليدانية ، والعشائرية .. ، نشير الى ان النظام المخزني البوليسي ، شرع جهابذته منذ الأيام الأولى التي ظهر فيها المرض الخطير للحسن الثاني L’emphysème القاتل ، في دراسة كل السيناريوهات المفترضة ، وكلها كانت تحوم حول السؤال . هل سيحكم محمد السادس ، والاختلاف بيّن بينه وبين الحسن الثاني . ووصل الامر باتجاه في النظام ، وطبعا بالاتفاق مع الحسن الثاني ، بتغيير ولي العهد ، ليصبح الأمير رشيد مكانه وليا للعهد . طبعا سيكون لإدريس البصري دور في هذا الطرح ، وكاد المخطط ان ينجح ، لو لم يتوغل المرض كثيرا في الملك ، الذي افقده الذاكرة ، وافقده التصرف . وهنا نتذكر الإهانة التي سلطها محمد السادس على شخص البصري بواقعة ملعب " الگولف " التاريخية ، حيث انتقم منه شر انتقام ..
ان من المواضيع التي انصب عليها انصار الأمير رشيد ، ودون علم رشيد ، ضد شخص محمد السادس الذي كان الجميع يشك في إمكانية خلفه للحسن الثاني ، هو التفكير في كيفية تنقية واخلاء الساحة من اية معارضة ، ولو كانت معارضة " بناءة " . والمقصود هنا ، دعاة الملكية البرلمانية بالخصوصية المغربية ، وهي نوع من النظام السياسي الذي يتشبث بالقشور ، ولا يناقش السلطات الخطيرة التي يعطيها دستور الملك للملك ، تجعل منه فوق كل السلط ، أي انه وحده الدولة ، وغيره مجرد معاول تستعمل لقضاء حاجات ومصالح الملك ، واسرته ، والعائلة الملكية .
وبالرجوع الى مختلف الانتفاضات الشعبية التي هددت نظام الحسن الثاني ، ورفعت شعارات الجمهورية عاليا ، ومنها انتفاضة 23 مارس 1965 ، انتفاضة يونيو 1981 ، انتفاضة يناير 1984 ، انتفاضة دجنبر 1990 ، وحتى حركة 20 فبراير المخزنية ، انّ تلك الانتفاضات ما كان لها انْ تحصل ، لو لم يكن من وراءها ، قوى وتنظيمات ، وأحزاب سياسية ونقابية .. وعليه توصلوا الى حقيقة ان ( الشعب ) الرعايا المغربي ، لن يتحرك ، ولن ينزال في انتفاضة مماثلة للانتفاضات السابقة في عهد محمد السادس ، لوحده ، ومن دون تنظيمات سياسية قوية ، تقف وراء دعوة النزول الى الشارع . فكان أهم شيء فكر فيه جهابذة النظام ، وقد اشتغلت وزارة الداخلية كثيرا على هذا الموضوع ، هو افراغ الساحة من اية معارضة قد تسبب في انتفاضة ، قد تتطور الى ثورة لإسقاط النظام، نحو النظام الجمهوري الذي تم الاشتغال عليه منذ سنة 1959 ، عندما انفصل جزء من البرجوازية الصغيرة عن الحزب المحافظ حزب الاستقلال ، واسسوا " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، وكانوا وراء احداث 16 يوليوز المسلحة 1963 ، وحرب الرمال بين المغرب والجزائر ، كانت في نفس السنة ، كنتيجة لهذا المشروع ، الذي سيساند قادة الجزائر في حربهم ضد النظام المغربي ، وهو نفس الموقف وقفته المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " Unem " تصريح رئيس النقابة الطلابية الحلوي " ، ووصلت محاولات هذا التنظيم للاستلاء على الحكم ، عندما شارك التيار الراديكالي في الحزب ، انقلاب الطائرة التي قادها الجنرال محمد افقير .. حيث سيتم الحكم على الفقيه محمد البصري بالإعدام غيابيا ..
فباستثناء هذا الحزب في جميع تشعباته ، أي الخارجين عنه ، كمجموعة " اللجنة الإدارية الوطنية " La Can ، ونقابة الحزب " ك د ش " Cdt ، واليسار الراديكالي " الماركسي اللينيني " ، وباستثناء حركات الإسلام السياسي ، فالنظام لم يكن منزعجا ، وكان واثقا من انتصاره الساحق عندما سيخترق الأحزاب والتنظيمات المزعجة . وهنا سيعين الحسن الثاني عبدالرحمان اليوسفي الملكي رئيسا لحكومة الملك ، وسيستقبل محمد السادس محمد نوبير الاموي عن نقابة " ك د ش " ، حيث بعد الاستقبال اصبح الاموي من اكبر المنادين الى " السلم الاجتماعي " ، واصبح جزءا من نظام محمد السادس لا خارجه ، كما اشترى النظام عناصر كثيرة مِن مَن برزوا وسط اليسار الراديكالي ك " بن زكري " ، و " احمد حرزني " ، واللائحة طويلة وتطول .. وللإشارة فان نفس العرض الذي قدمه النظام لهؤلاء المرتدين ، قدمه فؤاد الهمة للأستاذ محمد الساسي ، لكنه رفضه بدعوى الأصول الديمقراطية . ولا ننسى عندما ردد محمد الساسي عبارته المشهورة " لم يعد من بيننا من يدعو الى الجمهورية " وزاد قائلا " نحن ملكيون " .
عندما نجح النظام في افراغ الساحة ، من التنظيمات التي يمكن ان تدعو الى الاضراب العام ، ونزول الناس الى الشارع ، والشروع في الانتفاضة التي قد تتحول الى ثورة او شبة ثورة ، سيسهل الفهم إذن . لماذا رغم ان ( الشعب ) الرعايا أصبح مفقرا اكثر من اللازم ، ورغم الارتفاع المهول للأسعار والغير مقبول ، لم تنزل الرعايا الى الشارع ، ولم تحصل انتفاضة ، ولا تحولت الى ثورة او شبه ثورة ، ورغم الفساد المستشري ، والممارسات اللاّاخلاقية كفضيحة " نور زينو Nour Zino " ، وممارسات أخرى ذاع صيتها ، رغم انها مست بسمعة الجيش ، فان الجيش لم يتحرك ، وظل صامتا كأن شيء لم يحصل . ونفس الشيء مسجل على ( العلماء ) الفقهاء ، الذين يحللون الحرام ، ويحرمون الحلال ..
لكن هل فراغ الساحة وحدها من التنظيمات المعارضة ، ولو البرجوازية المتوسطة ، والشرائح العليا من هذه البرجوازية ، والبرجوازية الصغيرة ، والشرائح العليا منها ، وحده كاف للدلالة على قوة نظام محمد السادس الضعيف ، بل الأكثر من ضعيف ، والمعزول داخليا والمعزول اكثر خارجيا ؟ .
ان من يعتقد ذلك سيكون بمن يحلل خارج التحكم في مكانيزمات التحليل ، التي وحدها تؤسس لقوة النظام ، في مجتمع خرافي طقوسي ، ومحافظ ولو نفاقا . وهذه الاحكام التي تشرح الماء بالوضوء ، تجاهلت سقوط نظام " نكولا تشاوسيسكو " الروماني ، الذي انقلب عليه انصار حزبه ، فاعتقلوه واعدموه في الحال مع زوجته ، رغم ان الرئيس الروماني كان لا يملك شيئا . فما سرق أموال الشعب ، ولا فقره ، ولا فتح حسابات بالمليارات بالعملة الصعبة من " دولار و يورو " في الابناك الاوربية ، وبالملاذات الآمنة ، وهي أموال الشعب المنهوب والمفقر ..
اعتقد انه عند تحليل مسألة الأصول التي يرتكز عليها النظام المخزني السلطاني والبوليسي ، وحتى يكون التحليل والاحاطة بمستوى تفكيك اصل النظام ، الذي يرتكز عليه النظام كنظام فريد من نوعه في العالم ، تبقى القضية الأكثر أهمية ، هي معرفة لماذا يتمكن الحكم او النظام ، وحتى تجمع او طبقة سياسية مهيمنة في مجتمع ما ، من البقاء والاستمرار ، دون اجراء تغيير في المكانزمات التي يبسط بها هيمنته وسلطته . ان كثيرا من التحاليل التي تناولت التاريخ الحديث للنظام المخزني السلطاني البوليسي ، خاصة منذ فترة حكم الحسن الثاني ، أعلنت ، غير ما مرة عن الإفلاس ، انْ لم يكن السقوط الأكيد للنظام ، خاصة نظام محمد السادس الأكثر من ضعيف . فتعويض محمد الخامس بعد وفاته سنة 1961 ، قبل سنة من انتزاع استقلال الجزائر ، لم يكن مسألة اكيدة ومضمونة لولي العهد الحسن الثاني ، نظرا لان الاعتقاد السائد آنذاك كان هو ان الأمير الحسن اقل " شرعية " من ابيه ، واقل تأهيلا لممارسة السلطة الضرورية لضمان استمرارية العرش العلوي . وقد جاءت احداث الدارالبيضاء سنة 1965 ، والمحاولتين الانقلابيتين للجيش في سنة 1971 و 1972 ، ومظاهرات يونيو 1981 ، ومظاهرات يناير 1984 ، مظاهرات دجنبر 1990 ، لتغذية نظرة المتشائمين او المتفائلين ، حسب الزاوية التي ينطلق منها المحلل المهتم ، بخصوص مستقبل النظام ، طبعا نحن ككاتب هذا التحليل . ومع كل هذا ، فان النظام " باق ومستمر " . لقد حكم الحسن الثاني ل سبعة وثلاثين سنة ، ولم يغيبه سوى الموت ، ومحمد السادس الضعيف لا يزال يحكم المغرب من خارج المغرب من باريس ومن الکابون منذ سنة 1999 .
اذا كان النظام المغربي ، لا يتفوق من حيث المتانة والاستقرار عن النظام الجزائري ، فانه بالتأكيد لا يقل عنه قوة ورسوخا . فما هي العوامل التي يمكن ان تفسر هذا الوضع ؟ . والى أي حد يمكن تفسير استمرارية النظام الملكي بمشروعية و ( دستورية ) النظام الملكي ؟..
لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة ، يتوجب قبل كل شيء ان نجدد وندقق ما نريد قوله بعدد من المفاهيم المستعملة أعلاه . فبالنسبة لنا كمحللين للشأن السياسي ، ولطبيعة ونوع الدولة المخزنية السلطانية البوليسية السائدة منذ اكثر من 350 سنة مرت سنوات عجاف ، خاصة في اعتبار المغاربة مجرد رعايا ، أي عبيد ، يدل مفهوم " الحكم " بمغزاه السياسي ، على احتكار كل الدولة من طرف شخص واحد ، يتلوّن مرة بين ، باسم الملك ، ومرة باسم امير المؤمنين ، ومرة باسم الراعي الكبير على رأس الدولة الرعوية ، ومرة كإمام قُوّةً وجبرا ، رغم انه لم يسبق له ان أمم الصلاة بالرعايا المساكين الدراويش .
فميزان القوة مُركّز في يد شخص واحد ، ولا داعي للقول لتبرير هذا الوضع اللامنطقي الوحيد في العالم ، بان المسألة تتعلق بميزان قوة مختل نسبيا ، جوهره هو خطر وتهديد الاكراه الجسدي والمادي . ان نظاما من هذا النوع ، يمكن ان يتجسد في " حكم " ، او في " سلطة " اذا ما شعرت كل القوى المتواجدة ، بان ميزان القوى المذكور طبيعي ومقبول ، وبالتالي " مشروع " . وهنا نكون قد وصلنا الى اصل الفكرة التي تشغلنا ، التي هي التأكيد التام على الدولة المخزنية البوليسية عدو الديمقراطية ، ومخزنة مجتمع الدولة المخزنية قهرا ، حتى اصبح مع مرور السنين متعودا على العيش ضمن الطقوس المخزنية ، وضمن التقاليد المؤسسة في جزئها الأكبر ، على الخرافة ، والسحر ، والجن ، والعفاريت ، واحياء المواسم ، وزيارة القبور والاضرحة . أي الانغماس في حياة المسكنة والدروشة .
ان هذا الخلل الملاحظ في طبيعة الدولة ، ليس بوليد اليوم ، كما انه كان في النظام المخزني السلطاني القديم ، مفروضا بحد السيف على القبائل البربرية التي ثارت ضد النظام المخزني ، الذي اعتبرته بالاستعمار الأول عن الاستعمار الفرنسي ، فكانت ثورات قبائل " السيبة " ، رفضا لهذا النظام ، عصيانا قبائليا رافضا تقديم الضريبة لينعم بما السلطان ، واسرته ، وعائلته ، وحاشيته . فالثورات التي أدت بالمخزن ان يَهِب المغرب لفرنسا قصد حمايته من الثورات المشتعلة ، قادتها التقاليد والأعراف البربرية ، المتعارضة كليا مع طقوسية وتقليدانية الدولة السلطانية ، ولم تقدها أحزاب ولا نقابات ، ولا دساتير ديمقراطية ، بل كانت ثورات تنبع من قلب القيم القبائلية البربرية .
اما بعد هِبة فرنسا المغرب ، للعائلة والقبيلة العلوية ، باسم استقلال مشبوه ، سيتمكن السلطان المخزني ، وبالضبط الحسن الثاني ، في مخزنة كل الدولة ، ومنها مخزنة شعبها المسمى بشعب الدولة .
امام هذا الوضع الواضح ، ستتآمر كل القوى السياسية ، ونحن نقصد هنا القوى التي انتسبت الى اليسار بكل تلاوينه ، باسم ترويج للأفكار المستوردة ، خاصة الداعية الى القيم الديمقراطية ، والمثل الإنسانية ، والتلويح مرة بالاشتراكية ( الاتحاد الاشتراكي ) ، ومرة بالشيوعية ( حزب التقدم والاشتراكية ) . لكن قادتها وفي قرارات نفسهم ، وبكل قناعة ، كانوا يخدمون من خلال هذه الشعارات التي كانت تبدو مخيفة ، وتخيف قصارى النظر ، الدولة المخزنية والنظام المخزني . فحين تتفاعل سياسيا مع نظام مخزني سلطاني ، وتساهم كرعايا ممتازين في تأثيث مؤسساته وليس مؤسسات الشعب ، وتشارك كعبد خاضع ومسود في استحقاقات النظام ، للدخول الى مؤسساته ، لخدمة برنامجه ، او مشروعه ، فكل اللاعبين هنا ، يصدق عليهم وصف المخزن الذي يتسابقون لخدمة دولته .. فحين تتحرك ضمن دستور السلطان ، الملك المخزني الأول ، وليس ضمن دستور الشعب الديمقراطي ، فلن تكون الاّ مخزنيا ممتازا ، رغم ترويجك لشعارات الثورة الفرنسية ، ولشعارات الثورات التي زعزعت العالم ( 1917 ) و ( 1949 ) .
ان حكما من هذا النوع ، وحتى يبني ارضيته الصلبة ، في مجتمع ( محافظ ) ولو نفاقا ، يلجأ الى التقاليد المرعية ، ويلجأ كثيرا الى قرارات العقلية المزاجية ، التي تساهم في صياغة حالة القبول بدار المخزن والرضى عليها . فالسلطة تمارس عادة من خلال مؤسسات لا تشكل قوى البوليس خاصة السياسي ، او قوى الاكراه ، الاّ عنصرا ضمنيا بالنسبة لها ، أي جزء منها بشكل اكثر . وبهذا المعنى ، يمكن اعتبار المؤسسات ، البنية العليا بمعنى اشمل ، كمنظومة تضم من جهة اجساما اقتصادية ، واجتماعية ، وسياسية محددة ، ومتواصلة زمنيا ، ومتداخلة في صياغات متكاملة ، ومن جهة أخرى ، اعتبار المؤسسات كصيرورة تفاعل سياسي متجذر وواضح . أي ان المؤسسة بقدر ما تشكل شيئا في حد ذاتها ، بقدر ما تشكل وسيلة فاعلة في ذات الوقت .
--- ثقل وتأثير التقاليد : عندما نتناول التقاليد ، وكما هو الشأن في كل بحث سوسيولوجي ، نجد انفسنا امام واقع عنيد ، ذلك ان الناس بهذا الامر ، لا يفكرون ، ولا يتحركون صراحة وفق المصطلحات التي نشتغل بها . فالباحثون هم الذين يصفون أنواعا من السلوك ب " التقليدانية " ، وليس أصحاب السلوك انفسهم . وينتج عن هذا ، ربما اننا غير قادرين على الادعاء بمعرفة الأسباب الحقيقية ، لأنماط من السلوك الاجتماعي والسياسي .
بعد هذا التوضيح المتواضع ، يجب دراسة الأفكار السائدة حول مسألة التقاليد في الدولة السلطانية المخزنية والبوليسية ، بنوع من التحليل العلمي الدقيق . ففي الادبيات المكتوبة باللغة الإنجليزية ، كثيرا ما يوصف النظام الطقوسي العشائري السلطاني ، بالبتريمونيالية " Patrimonial " ، او بالنيوبتريمونيالية " Néo – patrimonial " ، كما يوصف بالنظام النيوبتريركي ، وبالنظام النيورعوي ، وبالنظام الثيوقراطي ، وحتى بالكمبرادوري ... الخ . ويرجع الفضل في إيجاد هذه المصطلحات الى عالم علم الاجتماع السياسي ، الألماني " Max weber " ، والى السوسيولوجي الفرنسي " Rémy Leveau " ، صاحب المؤلف الشهير " Le fellah marocain , défenseur du trône " ، كما توسع في دراسة الجنوب المغربي السوسيولوجي الذي اغتيل في موريتانية " Paul Pascon " .
لقد رأى عالم الاجتماع السياسي ، الألماني Max weber في البتريمونيالية ، توسعا وامتدادا عسكريا واداريا ، للسلطة العشائرية ، كدخول النظام المخزني الى الساقية الحمراء ، وبعدها في سنة 1979 سيشفع منطقة وادي الذهب . وحسب Weber ، يمكن تمييز النظام العشائري في الحياة السياسية ، كما يلي :
1 ) تواجد المقربين المخلصين بالقرب من القائد ( الملك ) محمد السادس ، فالحلقة الداخلية لحاشية ( الملك ) ، مكونة من عناصر حميمية ( فؤاد الهمة ، ومنير الماجدي ، وفي وقت من الأوقات رشدي الشرايبي .. ) ، تم استقطابها على أساس مدى ( اخلاصها ) ووفاءها ، واشياء أخرى معروفة في الداخل وفي الخارج ، لا على أساس كفاءتها ومؤهلاتها .. خاصة وان مستوى وتكوين الملك ( القائد ) في نفس مستواهم ، او اقل منهم بكثير .
2 ) التشخيص ، وذلك بإعطاء العلاقات الشخصية بين ( الملك ) وأصدقاء Le collège royal ، والمقربين اكثر ، وهي حاشيته ، قيمة عالية ومبالغة ، يأخذ الملك في ظلها مكانة ( المرشد ) ، او ( الاب ) الروحي والمادي . من سلالة النبي ، وهذا عندما مات مسموما من طرف يهودية ، لم يترك من بعده ولدا ذكرا ، فترك امرأة اسمها فاطمة ، تزوجها علي بن ابي طالب .
3 ) صيرورة متكاملة ومستمرة ، يتم فيها تمييع دور المؤسسات ، حتى تبقى دائما دون تحديد ، في الغموض ، وخلق جو من الحذر المتبادل بين افراد الحاشية ( فؤاد الهمة – رشدي شرايبي / فؤاد الهمة – حسن اوريد ... الخ ) ، وتعميق الحيطة بينهم الى اقصى درجة .
4 ) النزاعات السياسية والتنافسات ، تبقى محصورة وقائمة على توازن ضعيف ومهتز ، ولكن بشكل يسمح بخلق أوضاع قارة وجامدة .
5 ) استعراض القوة العسكرية والتباهي بها ، كضرورة لتدعيم الحكم العشائري النيوبتريمونيالي ، والنيوبتريركي ، والثيوقراطي ..
6 ) توسيع الدور الرجعي للدين ، ونشر الديانة الرسمية وتأثيرها على الرعايا الغارقة في حياة الدروشة والمسكنة ، وتعيس البؤس والفقر المدقع .
يمكن ان نلاحظ ان هذه المميزات ليست بالتأكيد ، خاصة بالنظام النيوبتريمونيالي ، والنيوبتريركي ، والرعوي ، لكنه من الأكيد أيضا ان الرموز المخزنية ومظاهرها ، مؤهلة لخلق جو مساعد ، ومناخ ملاءم للنيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية . ولنلاحظ أخيرا ان مصطلح النيوبتريمونيالية ، Weber وسوسيولوجيون اخرون ، يعني ببساطة بناء السلطة الباتريمونيالية في الاطار الإداري الكلاسيكي المريض ، والتكنولوجي ، والعسكري للدولة ( الحديثة ) . ان كل المواصفات المذكورة وبدرجات متفاوتة ، تنطبق دون جدال على النظام المخزني السلطاني البوليسي والعشائري العلوي .
لكن السؤال الأهم والاهم بكثير . هل يعني هذا ان البتريمونيالية ، والنيوبتريمونيالية ، توازي التقاليد المرعية ، وتوازي الطقوسية سلاح الدولة المخزنية في مواجهة التنويريين والتحديثيين ، والمثقفين السياسيين المناشدين للدولة الديمقراطية ، التي يجب ان تكون دولة لائكية ، وليس بدولة ثيوقراطية عنصرية ورجعية ..
اعتقد انه ليس بالضرورة ذلك في بعض الأزمنة مع سيادة أجواء مخالفة . وهنا لنستشهد بالمفهوم الذي يستعمله " ايرينستات " Erinstar للمجتمعات التقليدانية ، التي تعشق حياة المسكنة والدروشة ، والغارقة في كل الاهانات التي يستحيل ممارستها في بلاد الشعوب الحرة . " ، ان لها توجها لقبول ديمومة حدث ما ، او وضع ، او شخصية من الماضي ( حقيقية او رمزية – محمد الخامس والظهور في القمر ) ( الحسن الثاني والبركة التي افشلت انقلاب الطائرة الملكية في 1972 ... ) ، ولتجعل منها المنهل الرئيسي لهويتها الجماعية . " .
في نظرنا ، نعتبر ان هذا المعطى ، يحدد حدود وطبيعة النظام الاجتماعي والثقافوي التقليداني ، ويصبغ في النهاية ( المشروعية ) المفروضة من فوق ، بقوة السيف ، والجبر ، والقمع ، وفي الأخير فان هذا المعطى العشائري ، هو من يسطر حدود التجديد باسم التفتح ، الذي يبقى ضمن الموروث الأيديولوجي للنظام السلطاني المخزني البوليسي العشائري . ولنتذكر خرافة واكذوبة عهد محمد السادس ، عندما روج اصدقاءه الحميميين ، والجماعات التي التحقت تطبل وتزمر لما اطلقوا عليه ب " المشروع الحداثي " ، وهو ( مشروع ) كان لإلهاء الساحة ، حتى لا تسأل السؤال الاستراتيجي ، الذي هو الدولة الديمقراطية . ومثل ان تصريح الملك بفشل مشروعه التنموي ، وهو اعتراف بفشله في الحكم ، لأنه اكبر منه بكثير ، فسلّم الدولة لأصدقائه بالأساس ، فان خطابه واعترافه بفشل نموذجه التنموي ، كان للإلهاء ، وبعثرة الاتجاه الذي يدعو الى المحاسبة والحساب . وبما انه لم يكن هناك نموذج للتنمية ، للحكم على فشله او نجاحه ، فكذلك كان الحديث عن المشروع التحديثي ، للإلهاء والتدويخ ، لأنه لم يكن هناك مشروع تحديثي اطلاقا ، كما لم يكن هناك مشروع تنموي ، فكان فقط المزاج ، وكان ان اصبح الملك ، واسرته ، وعائلته ، واصدقاءه ، والمقربون .... ، يملكون ثروات فاحشة ، وهي ثروات المغاربة المفقرين . والنكتة الكبرى ، هي عندما تساءل محمد السادس شخصيا عن : " اين الثروة ، والثروة بين يديه يسيطر عليها بقوة السيف والجبر .
اذن . اذا ما تقبلنا هذا التعليل ، سيصبح البحث عن المشروعية للاستئثار بالحكم ، هي النيوبتريمونيالية التي تحيل الى الماضي ( الذهبي ) السحيق .
ان السلالة العلوية بطقوسها وتقاليدها ، خاصة في شكل صورة تقديم ( البيعة ) التي لا تتم الاّ في مجتمعات العبودية ، وافتتاح رئيس الدولة البرلمان في دورة الخريف التشريعية ، باحترام الطقوس المخزنية ، خاصة اللباس المخزني ، والقاءه خطبة يرسم فيها خريطة الطريق لبرلمانيه ، وتعتبر بالأمر اليومي ، وهو خطاب مَثِيلٌ للأمر اليومي للجيش .... تتوافق مع مقاييس البتريمونيالية والتقليدانية في نفس الوقت .
ان ملك في الدولة المخزنية ، السلطانية ، البوليسية ، النيوبتريركية ، والرعوية ، والنيوبتريمونيالية ... يرى في ماضي اسرته وعائلته تاريخ المغرب ، وتاريخ الإسلام ، او انْ اصح ، يجعل من ماضي عائلته ، هو تاريخ المغرب ، وتاريخ الإسلام . فهو يقدم نفسه كأب ، وكمرشد ( للشعب ) الرعايا المغربي ، فوق كل ما هو سياسي ، وكعنصر ضمان للاستمرارية ، في صيرورة يجتهد هو نفسه على تصويرها كصيرورة متقطعة ومهتزة .
فهو يقدم نفسه انه هو المؤسسة الحقيقية الوحيدة بالمغرب ، أي انه هو الدولة ، وهو الحكم ، وهو السلطان ... وبالتأكيد ، فان إشاعة مثل هذا التصور ، يتضمن المخاطرة بالطعن في النظام نفسه ، من انه عجز بعد سنة 1999 ، وبعد 58 سنة من ( الاستقلال ) الشكلي ، عن خلق مؤسسات ديمقراطية حقيقية .
ان الملك بالمعنى الذي يقدم به نفسه ، يستمد سلطته من الرعايا التي ( بايعته ) ، لأنها من الله ، لكنه ليس مسؤولا ، الاّ امام الله وحده لا غيره . فهو لا يملك حزبا كالأنظمة العربية التي تحكم باسم الأحزاب ، ولا الجماهير الثورية الجزائرية ، كمصدر للمشروعية . ذلك انه هو نفسه المُشرّع الأعلى . لكن من الذي يوفر المشروعية للمشرع نفسه في الحقيقة ؟ .
ان النظام المخزني السلطاني البوليسي ، يستعمل جملة من الرموز التاريخية الدينية ، سواء تعلق الامر ب ( البيعة ) ، او بافتتاح دورة الخريف التشريعية ، او ببروتوكول انحناء " الوزراء ) ، وما هم الاّ موظفين سامين بإدارة الملك ، او الولاة والعمال ، وكبار الموظفين امام الملك ، وهو على صهوة الجواد ، او راكبا سيارة " ليموزين " بيضاء اللون ، وتحت المظلة ، او يفرض لباس الجلباب الأبيض على كل البرلمانيين ، لدى افتتاح دورة الخريف التشريعية .... ولا بد ان نذكر بما قاله الحسن الثاني في احد خطاباته الى البرلمانيين ، عندما الح على الطابع الإسلامي لانتخابات 1977 ، مذكرا بالمبادئ القرآنية حول الاستشارة ( الشورى ) ، والاجماع الوطني ( الجماعة ) . ويمكن ان نضيف حقيقة ( البركة ) التي انقدته من انقلاب الضباط الاحرار في الجيش ، في انقلاب الطائرة في سنة 1972 الذي قاده الجنرال محمد افقير ، وقبله انقلاب سنة 1971 الذي انطلق من قرية " أهرمومو " بالأطلس المتوسط .. وحتى يؤكد الملك انه وحده هو الدولة ، اعتبر البرلمانيين وزراء شأنهم شأن وزراءه الذين يشكلون حكومته ، ومعارضته .. وهذه هي الغاية المفيدة من الحرص على افتتاح دورة الربيع التشريعية ..
يبقى هنا ان نعرف . الى أي حد تتمتع هذه الرموز والاستشهادات ، بثقة ومصداقية الجماهير المغربية ، وبثقة الرعايا ؟ . لكن هنا بالضبط ما لا يمكن معرفته ، ولا يمكن بالتالي ، الاّ اللجوء الى التأويلات . فنظرة البعض تقوده الى الافتراض ، بان النظام ثابت في الدولة المخزنية ، لان هذه الرموز التقليدانية مقبولة من غالبية الرعايا المُنوّمة و النائمة ، ولن تستطيع العيش دون حياة المسكنة والدروشة ، التي تحولت الى نوع من المازوشية ، عندما تنزل عليها عصا أجهزة النظام البوليسي ( بوليس ، مْخازنية ، جدرمة الدرك ، السلطة .. ) بالعصى على اكتافها ، وتصفع وجوههم الذابلة ، وهو يصيحون – عاااااش الملك .. عاش سييييدنا – وقوات سيدهم ، وباسم سيدهم ، هي من تنكل بهم شر تنكيل ..
هنا نفهم كيف لهذه الرموز ان تصبح مقبولة في دولة الرعية ، وبالطبع تكون مرفوضة في دولة الشعب ، وكمسألة تصبح ( مشروعة ) كما هو الحال بالنسبة لمصدرها .
وهناك اخرون يضعون مقابل " البركة " الملكية ، مفهوما تعاقديا اكثر ، لا ينسجم مع ( البيعة ) التي تتم فيها الصفقة بين الملك ، وبين الرعايا ، وبين المواطنين بشكل يمكن تلخيصه كالتالي : " ما دمنا لا نرى اختيارا افضل ، فإننا نقبلكم " .
ويمكن القول ان الاتجاه العام عند حصول الفراغ القاتل في الدولة ، كموت الملك المريض ، ان سير الدولة ، بسبب ضعفها البين ، بسبب عزلتها الداخلية ، وعزلتها الخارجية الأكبر ، ولتفادي السقوط في Chaos ، الذي قد يهدد استقرار جيران شمال البحر الأبيض المتوسط ، فان الملكية العشائرية توجد حاليا في وضع انتقالي ، من بتريمونيالية مبنية على أساس التقاليد ، الى نيوبتريمونيالية تعاقدية مؤسسة دستوريا ، حيث تتمحور عملية المساومة لضمان بقاء النظام على مستوى النخب المحلية الموجودة في جهاز الدولة .
وهناك نوع اخر ثان من الباتريمونيالية ، هو السيطرة الشخصية على أساس اخلاص حميمي ، او وفاء ، لا يستلزمان ايمانا بالمميزات الخاصة بالملك ، ولكنهما مرتبطان كلية بالتشجيعات والمكافئات المادية المختلفة .
وعلى اعتبار ان الملكية المخزنية تعتمد في استمراريتها على هذا النوع من ( الإخلاص ) ، يمكننا ان نميز لعبة مزدوجة بالنسبة لهذه الملكية البوليسية : فمن جهة هناك ضرورة التحكم في كل قطاعات نخبة الدولة المخزنية ،والشرائح السياسية ، ومن جهة أخرى هناك ضرورة تحييد الجماهير انْ لم يكن التحكم فيها من جانب الطبقة السياسية .. والقبول فقط بالرعايا الجاهلة .
ان موقع التقاليد ، او على الاصح ، موقع النزعة التقليدانية Traditionalisme من هذه اللعبة المزدوجة ، موقع جوهري . وهناك من يميز في هذا الصدد بين التقاليد وبين النزعة التقليدانية ، وذلك على افتراض انّ الثانية ، ليست طبيعية . بل هي نزعة ، مخططة ، دفاعية ، قمعية ، ورجعية .
في سياق هذه النزعة التقليدانية ، المخططة ،والمقصودة من جانب ( النخبة ) ، فان التقليد المطروح ، لا يعبر عن الذين يُنعتون بانهم تقليدانيون ، ولا يمكن ان يحظى باي دعم منهم . بل ان قوته ناجمة عن انعدام البديل الملموس في نظر ( النخبة ) ، التي تحاول من هذا المنطلق الاستمرار في لعب دورها .
وخلاصة القول ، انه يبدو لنا ، ان نظام الملكية المخزنية السلطانية والبوليسية ، مرتبط بالعلاقات التعاقدية مع نخبة القصر ، وضباط الجيش الكبار ، والفاعلين المؤثرين في السياسة المخزنية . ان هذه العلاقات المطروحة على بساط التفاوض الغير مباشر ، وباستمرار ، ولو بشكل محدود في الزمان والمكان ، وهي تخلو من أي ارتكاز على مشروعية تقليدية او باتريمونيالية ( فشلت هذه المفاوضات على الأقل مع جزء من النخبة العسكرية مرتين – انقلاب 1971 و انقلاب 1972 .. ) . وبالمقابل ، تسمح النزعة البتريمونيالية ، أي التقليدانية ، لكل المشاركين من هذه اللعبة ، بصياغة مواجهتهم الدفاعية ، إزاء الجماهير التي تبقى مبعدة على هامش المتاجرة الجارية في القمة في للجم ، وفي القمع . او تستغل هذه النزعة ، كما ظهر في ( المسيرة الخضراء ) ، لتعبئة الرأي العام ، لصالح القصر ، ولصالح قطاع من ( النخبة ) ، ولكن بالخصوص لصالح شخص الملك على حساب الاخرين ، وهو نوع من الصراع سيطفو على السطح عند قرب تصفية نزاع الصحراء الغربية ، او عند وفاة الملك .
يتوجب علينا الآن كمحللين للشأن السياسي المغربي ، ومفككين لهيكل الدولة المخزنية السلطانية البوليسية ، ان نهتم اكثر بدور التخطيط والمؤسسات في هذه اللعبة ، الصراع على الحكم من قبيل جميع الفاعلين السياسيين ، ذلك انه سيكون من الخطأ الاعتقاد بان كل شيء مرتجل وضبابي . لكن هناك مفارقة ، بالنسبة للتحليل العلمي الدقيق على الأقل . فالملكية مضطرة للحذر من المؤسسات بمعناها السائد اليوم في الغرب .
فلكي تبقى الملكية ضرورة أساسية لاستمرارية النظام ، ومنه استمرارية الدولة ، يجب ان توحي مظهريا بانها هي المؤسسة القارة الوحيدة والمستمرة . في حين ان الباقي ، كالأحزاب ، والنقابات ، وضباط الجيش الكبار ، والدرك ، والبوليس العام والسياسي ، ووزارة الداخلية من خلال هيئة العمال والولاة ، ورجال السلطة ، والبرلمان ، والصحافة ، والقضاء .. الخ .. يجب ان تبقى كلها مؤسسات احتياطية ، مرتبطة بالإدارة الملكية / الديوان الملكي ، ومحدودة الاستقلالية . ولكي تحافظ هذه المؤسسات على وجودها ومشروعيتها ، فإنها مجبرة على تأكيد وتثبيت مشروعية العرش العلوي ، والاّ تكون قد وضعت نفسها على الهامش . ان هذا الآلية ، كصيرورة ، هي نفسها التي تشكل عنصر التسيير الرئيسي للنظام السياسي السلطاني المخزني والبوليسي .
والخلاصة . ان في المغرب فقط الملك ، والقصر الملكي ، أي ان الدولة هي دولته . طبعا انها الدولة العلوية التي سيطرت على المغرب منذ اكثر من 350 سنة، ورغم جميع الهزات ، لم تسقط ولا تزال تواصل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي