الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى غزة,,, أو الفلسفة والمقاومة

أم الزين بنشيخة المسكيني

2023 / 11 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الفلسفة والمقاومة
هدية إلى أطفال غزّة- تونس في 18 أكتوبر 2023

"سقط القناع عن القناع
لا إخوة لك يا أخي، لا أصدقاء.."

حين يستحي العدم من قبح ما يحدث. تنزف الشرايين وحيدة في ظلام الموت. حتى الآلهة لو قُدّر لهم العودة ثانية على ركح الجريمة، لأصابهم الذهول والخجل. أين الفلاسفة من هول المجزرة؟ ما الذي حدث يوم 7 أكتوبر؟ يبدو أنّ فلسفتنا لم تلتحق بعدُ بهذا الحدث. ما حدث يوم 7 أكتوبر هو التاريخ مرتطما بالجغرافيا وقد أصبحت مستحيلة. حينما تستحيل الجغرافيا وتصير إلى خراب يحدث التاريخ من جهة لم تتوقعها عقولنا التي صارت مستودعات لمعارف ميتة. حين تستحيل الجغرافيا يحدث التاريخ فجأة ومن جهة اللامتوقّع وبشكل عنيف جدّا. حرائق وخرائب ودماء وقتلى وضباب كثيف يلفّ المكان. لم يعد المكان مكانا للعيش. هكذا يحدث التاريخ : فلا تكثروا من البكاء فأنتم لستم بصدد جنازة لموت كسول..أنتم إزاء شهيدات وشهداء فداء لوطن مسلوب. هناك حيث صارت الحياة مستحيلة تحت الحصار والقهر والاعتقال والشرّ الصهيوني، ينبثق التاريخ من فوهة البندقية. لم تعد غزّة في غزّة بل صارت غزّة كلّ العالم. ما حدث هو زعزعة فصائل المقاومة الفلسطينية طمأنينة الوحش. لقد نزعت المقاومة عن التنين براقعه وكشفت عن حيوانيّته الهشّة. ما حدث هو رجّة أنطولوجية وعسكرية لطمأنينة العقل الغربي ولخرائط الاستعمار العالمي على نحو لا مجال فيه للعودة إلى الوراء. مهما كان ذاك الوراء.حتى لو كان مكانا سعيدا.
يبدو أنّ الفلسفة لم تتكلّم بعدُ. ما عدا بعض المواقف اليتيمة وبعضها ضجيج أو صدى لأصوات العدوّ. وهي لذلك أصوات لم تصل إلى دائرة الحقيقة. الحقيقة بوصفها حقّا وبوصفها عدلا. عدالة العقل وعدالة الحياة والموت. لم تقل الفلسفة كلمتها بعدٌ. ربّما ليس لها كلمة، هي صاحبة اللوغوس وحارسة الكينونة. ربّما أصيبت بالصمم أو بالعمى المنهجي. ربّما. وربّما أصيبت الفلسفة في أوطاننا بالعقم. نعم هو العقم من فرط ازدحام حناجرنا بفلاسفة الغرب وأنساقهم ومفاهيمهم الباردة. أصوات الفلاسفة لم تدرك بعدُ لماذا يُقتل الفرح والربيع في أرض البرتقال الحزين؟ ولم تدرك بعدُ أنّ الحقيقة تولد بين الأنقاض؟ وأنّ أصحاب الحقّ يقطنون أنفاقا تحت جلودنا دون أن نعلم .. نحن الممضين فوق جراح أبناء جلدتنا، نؤكّد لكم أنّه لم يصلنا من الفلاسفة غير وكوكة خجولة، وغير تحذلق أحمق وغير صمت على عار العرب.
نعم، "لا تصالح..إنّها الحرب..قد تكون ثقيلة..لكن وراءك عار العرب". ليت أمل دنقل ومحمود درويش وناجي العلي كانوا معنا. ههنا في بهو الحزن غير العادي، في نفق القتل الوحشي. ليتهم كانوا معنا حتى يحوّلوا بسمة طفل مقتول أثناء حلم جميل إلى قصيدة.
ربّما ازدحمت في حناجرنا الفلسفية وتيبّست أصوات فلاسفة الغرب نيغري وأغمبان وباديو وهابرماس وجوديث بتلر ورنسيار ونانسي ورورتي وسلوتردايك...إلى حدّ عجزنا فيه على النطق بأنفسنا. نعم إنّهم يستوطنون ألسنتنا ولغتنا وعقولنا. ربّما تحوّلنا إلى سوق للخردة الفلسفية أو نحن ثلاجات لحفظ جثامين القتلى. في حين في الوقت الذي نتكلّم فيه الآن تطلب بعض مستشفيات غزّة أو ما تبقى منها ثلاجات لحفظ أشلاء القتلى..لكن حتى ثلاجات القتلى قد ازدحمت أو هي اكتظّت وغصّت مثلما تغصّ حناجرنا وعقولنا بفلاسفة الغرب وتعجز عن الكلام إزاء أفظع عدوان صهيوني على أطفال غزّة وشعب الجبابرة. وفي حين تلجأ مستشفيات غزّة إلى ثلاجات المرطّبات لحفظ أشلاء قتلى العدوان المتوحش، نكتفي نحن الممضين أسفل عقولنا، والقابعين في ظلام خجلنا من أنفسنا، بالفرجة أو بالبكاء كأضعف انفعالات البشر. فمن منكم مازال يشتهي تناول المرطّبات دون شعور بالخزي أمام أطفال غزّة.
المجد لأطفال غزّة، أطفالكم أطفالنا أيضا، نحن الأمهات اللاتي تحرسن العالم من سياسات الخراب والقتل العالمي الممنهج. أطفالكم هم أطفالنا أيضا. صدفة وُلد أطفالكم في جغرافيا الدماء التي تسيل هدرا، وصدفة وُلد أطفالنا بعيدا عن أيادي المتوحّشين والقتلة. ليس لنا إلاّ أن نقتسم مساحة الصدفة باقتسام الألم، بالبكاء نعم، وبالأمل في تحرير غزّة وفلسطين الكبرى على أيادي فصائل المقاومة هناك. المجد للمقاومة. النصر لأصحاب الحق.
لم تعد غزّة في غزّة. كل العالم أصبح غزّة. إنّها تحتل العالم بأعلام الحق ترفرف في كل عواصم الدنيا. نعم، لقد خسرنا أرواحا عزيزة علينا جميعا، لكنّ فلسطين انتصرت وصارت أغنية عالمية تصدح بها أصوات كلّ الأعراق والقوميات والشعوب الحرّة. لقد أجبرت المقاومة العالم على الاعتراف بأنّ شعب فلسطين يستحقّ استعادة حقه في الحياة على أرضه بكل كرامة.
إنّها حرب إبادة لشعب فلسطين، وهي حرب تعلّمنا ألاّ نطمئن أبدا إلى جغرافياتنا المرسومة بالأيادي الوسخة للاستعمار العالمي المتوحّش. إنّها حرب إبادة، لكن حروب الإبادة لا تبيد الشعوب فقط، إنّما تبيد خاصّة صورة الجلاّد أيضا. إنّها درس لنا جميعا، لجغرافياتنا الهشّة، لكل خياناتنا لأنفسنا ولمن يقوم مقام أنفسنا. لا حلّ لنا غير أن نكون معا جبهة واحدة ضدّ العدوان على أهلنا في أراضينا الحزينة هناك حيث التين والزيتون وحيث قبّة الصخرة والأقصى وضحكة القدس تظلّ صامدة. النصر للمقاومة. المجد لكل أطفال غزّة القادمين من رحم المستقبل.
(هذا النص بعض من خطاب ارتجلناه يوم 18 أكتوبر 2023 بمقهى الفلسفة بدار الثقافة ابن خلدون بتونس العاصمة. كانت صرخة أولى فقط.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية