الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى بعد الحرب: جولات كثيرة لمعارك مقبلة

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 11 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


نهاد أبو غوش
جاء التوصل إلى الوقف المؤقت لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ضمن الصفقة التي جرى التوصل إليها بشان الإفراج عن الأسيرات والأسرى الأطفال، ليشكل فرصة لالتقاط الأنفاس، وبخاصة لشعبنا المهجّر والمثخن بالفقد والجراح. هي فرصة لدفن جثامين الشهداء، ومداواة المصابين ولملمة الجراح وجمع شتات الأسر المشردة بسبب الحرب التي لا نظير لها في التاريخ الحديث لجهة فظائعها وبشاعتها، ولجهة غياب الضمير الإنساني لدى قادة الغرب الاستعماري المتوحش، الذين يرون ما يريدون، ويصمّون آذانهم ويغضّون أبصارهم ويغلقون قلوبهم عما لا يريدون.
هذا التوقف المؤقت، أو الهدنة، مع أن التعبير الأول أكثر دقة لأنها ليست حربا بين طرفين متكافئين، بل هي عدوان من قبل دولة مدججة بكل أنواع الأسلحة على شعب محاصر ومخنوق سلاحه الرئيسي هو الإرادة التي تصنع المعجزات، مثّلت أيضا كسرا لعدة لاءات ومواقف متعنتة، سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن رددها مرارا وتكرارا بكل ما عرف عنه من غطرسة: بالتشديد في كل مرة أن لا تفاوض مع حماس، ولا قطرة وقود يسمح بها، ولا حل لقضية الأسرى إلا بالضغط والقوة، ولا هدن مسموحة. تراجع عن كل هذه اللاءات بفعل عدة عوامل أبرزها صمود الشعب والمقاومة، وموجة الاحتجاجات الداخلية الإسرائيلية التي تطالب بعودة الأسرى تحت شعار "الكل مقابل الكل" وهو نفسه مطلب المقاومة، والموجات العارمة التي طافت مدن العالم وعواصمه رفضا للحرب وتضامنا مع فلسطين، وإلى جانب كل ذلك فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية الفتاكة في تحقيق نتائج حاسمة سواء في السيطرة على الأرض أو في تحقيق هدفي الحرب المعلنين وهما القضاء على حماس واستعادة الأسرى .
في ظاهر الأمر سوف تستأنف إسرائيل عمليات القتل والتهجير والتدمير، بعد استراحة عدة ايام، وهي التي حرصت على استغلال كل ساعة وكل دقيقة قبل "الهدنة" من أجل إلقاء مزيد من قنابل الدمار والخراب، وإمعانا في نهجها الإجرامي عملت على تفجير أقسام ومرافق من مستشفى الشفا قبل مغادرته، وكأن هذا التخريب يمثل هدفا عسكريا بحد ذاته. لكن ما جرى يشجع الوسطاء الإقليميين والدوليين، وحركة الاحتجاج الإسرائيلية، وموجات التضامن الدولية مع فلسطين، في متابعة الجهود وتكثيفها حتى يتم التوصل إلى وقف كامل للحرب والعدوان، مع تأكيد رفض تهجير الفلسطينيين من وطنهم ومن البلدات والأحياء والمخيمات التي يقيمون بها قبل الحرب، ورفض أي اقتطاع من مساحة قطاع غزة، ولعل ما يشجع هؤلاء الوسطاء على ذلك هو تكشف مدى الفظائع الإسرائيلية المرتكبة من قتل ودمار.
لم تكن الهدنة المعلنة مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، أو استراحة محاربين، بل مثلت كذلك جولة في المعركة الطويلة، خاضتها المقاومة بكفاءة واقتدار وبأخلاق الفدائيين وسجاياهم الإنسانية النبيلة المستندة إلى تراث ديني وحضاري عريق. كل الشواهد تدل على أن عناصر المقاومة عاملوا أسراهم بالحسنى ووفروا لهم ما استطاعوا توفيره من علاج وغذاء وأماكن نوم ومعاملة إنسانية، على عكس دولة الاحتلال ومؤسساتها الأمنية التي وجدت في الحرب فرصة للاستقواء على الأسرى والتنكيل بهم. كما نجحت المقاومة في تكريس مكانتها وشرعيتها كجهة سياسية تحمل هموم شعبها ومطالبه في الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين. وظهرت كمفاوض حصيف ومسؤول خلافا للصورة المرعبة والمنفرة التي حاول الاحتلال ترويجها، ومحاولاته الدائبة لشيطنة المقاومة ودعشنتها وتصويرها كعصابات لا يهمها إلا القتل ومصالح قادتها وأنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وكل ذلك لتبرير حرب الإبادة وما تحمله من أطماع عدوانية وتوسعية. بل تكشفت إسرائيل على حقيقتها أمام العالم أجمع بأنها هي التي تعتقل النساء والأطفال الفلسطينيين ولا توفر أي فرصة للتنكيل بالشعب الفلسطيني كله.
خسائرنا مؤلمة وثقيلة، ومشاعر الفقد سترافق كثيرا من أبناء وبنات شعبنا لسنوات طويلة، ولا تقل معاناة التشريد والتهجير عن آلام فقدان الأحبة، ومن المؤكد أن اجيالا جديدة من الفلسطينيين ستنشأ وتكبر على هذه الصور والمشاهد والذكريات التي لا يمكن نسيانها ولا محوها من ذاكرة البشرية، فكيف بذاكرة من كابدوها وذاقوا مرارتها.
ربما أعمت شهوة الانتقام وأوهام القوة المفرطة قادة إسرائيل وحالت دون رؤيتهم للآثار البعيدة لجرائمهم وحربهم التي أبعدت فرص السلام سنوات طويلة، بل أنها ألقت ظلالا ثقيلة من الشك على فكرة بقاء إسرائيل وضمانات وجودها خلال العقود القادمة طالما أنها مصرة على استعداء كل هذا المحيط العربي والإسلامي والإنساني، وطالما أنها تظن أن الاعتماد على الحليف والراعي الأميركي سوف يحميها مما يخبئه الزمان من تطورات وإمكانيات قد تعصف بكل معادلات القوة القائمة حاليا.
راجت في بداية الحرب أفكار ومقولات كثيرة ترى أننا وحدنا، بل ثمة من رأى أن غزة تُركت وحدها لتواجه مصيرها، وتسابق أصحاب هذه المقولات في إلقاء اللوم على العرب تارة ومحور الممانعة تارة اخرى وغيره من قوى عالمية. لكن الصورة الآن مختلفة تماما، فثمة موجات عارمة للتضامن مع فلسطين وغزة بفعل الصمود من جهة وتكشف الفظائع الإسرائيلية من جهة أخرى، وهذا بحد ذاته يثبت أن المقاومة بحاجة إلى خطاب ناضج قادر على مخاطبة العالم وإقناع البشر، خطاب مسلح بثقافة العدالة والحرية وحقوق الإنسان، ومجردا من شعارات العنترية والمزاودة وخطاب الكراهية الذي لا يفيد أحدا ولا يصلح حتى للتعبئة الداخلية. وإلى جانب هذا الخطاب الراقي الذي نأمل تطويره فنحن في أمس الحاجة إلى مغادرة الخطاب الرسمي البائس الذي يتنصل من المعركة ومن مسؤولياته تجاه شعبه، وما زال يردد شعارات عفا عليها الزمن، وتجاوزتها آلة الحرب الإسرائيلية. ستنتهي الحرب عاجلا أو آجلا، وسنواجه بعدها فصولا وجولاتٍ جديدة من المعارك السياسية التي تتطلب أقصى درجات الوحدة والتماسك لتفويت الفرصة على الاحتلال ومآربه، ولإدامة موجات التضامن الدولي والإفادة منها، وتحويل مشاعر التضامن لدى مئات ملايين البشر إلى أفعال مؤثرة وملموسة لصالح قضيتنا وحقوقنا، من أجل حريتنا وكرامتنا ومن أجل العدالة لشهدائنا وأطفالنا الذين حصدت آلة الحرب الإسرائيلية أرواحهم دون هوادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحمق (أو عميل) ، من يصدق أميركا أو يطمئن لإسرائيل
محمد بن زكري ( 2023 / 11 / 27 - 11:01 )
بينما تفرج إسرائيل عن 150 معتقلا (إداريا) ، أغلبهم نساء وأطفال . فإنها تعتقل 5000 فلسطيني ، وستعيد اعتقال المفرج عنهم في أية لحظة .
وخلال 49 يوما من حرب إسرائيل على قطاع غزة المحاصَر ، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اليهود 238 فلسطينيا - وعداد القتل مستمر في تسجيل (الأرقام) - من المتظاهرين والمزارعين في الضفة الفلسطينية المحتلة .

وبدعم من مجموعة حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد .. في المتوسط ، وبإسناد من مجموعة حاملة الطائرات الأميركية آيزنهاور .. في الخليج (الأميركي) ؛ تتحرش إسرائيل عسكريا بسوريا ، فتقصف مطار دمشق (المدني) ، وتستفز حزب الله اللبناني (لجره إلى الحرب) ، وتتوعد المدنيين الغزيين بمواصلة حرب الإبادة الجماعية و التهجير القسري .. فور انتهاء الهدنة المؤقتة .

و مع كل ذلك - فيا للعجب العجاب ! - لا زال ثمة (أغبياء و حمقى) ، يصدقون حديث اللغو الأميركي عن (حل الدولتين) ؛ بينما إدارة بايدن (الديمقراطية) ، تتبنى بالكامل قراريّ إدارة ترمب (الجمهورية) ، بأسرلة وتهويد القدس الشرقية وهضبة الجولان !ّ
فهل يمكن أن يصبح الضبعُ قطا أليفا ؟!
----
مع التحية والتقدير للأستاذ الكاتب


2 - المقامة ليست مجرد سلاح فقط بل أيضا برنامج سياسي تق
حميد فكري ( 2023 / 11 / 27 - 12:55 )
(وهذا بحد ذاته يثبت أن المقاومة بحاجة إلى خطاب ناضج قادر على مخاطبة العالم وإقناع البشر، خطاب مسلح بثقافة العدالة والحرية وحقوق الإنسان، ومجردا من شعارات العنترية والمزاودة وخطاب الكراهية)

نعم هذا هو المطلوب من حماس والجهاد . يجب تحديث خطابها وتفريغه من محتواه الديني القروسطي البائد.فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ،لا بد أن يكون سياسيا ،حتى يمكن أن تحقيقه على أرض الواقع.
وأعتقد أن حماس قد سارت خطوة في هذا الإتجاه،وذلك من خلال ميثاقها الصادر 2017، على عكس ميثاقها الأول 1988،الذي كان ميثاقا رجعيا متخلفا لكونه إرتكز على البعد الديني للقضية الفلسطينية .
ميثاق حماس الجديد ،نقلة كبيرة ،مقارنة مع ميثاقها الأول .لكن مع ذلك يبدو أنها لم تتحرر بعد من خطابها القديم الديني .مما يعني أنها توظف خطاب مزدوج ،وهي بذلك تخلط الأوراق وترتكب حماقات هي والشعب الفلسطيني في غنى عنها .
يبدو أن حماس مع الوقت والتجربة ،أخذت في تطوير نفسها ،وهذا شيء إيجابي حتى الآن ،لكن مازال ينتظرها الكثير.
المقامة ليست مجرد سلاح فقط بل أيضا برنامج سياسي تقدمي
تحياتي للسيد الكاتب


3 - الأصح هو المقاومة بدل لفظ المقامة
حميد فكري ( 2023 / 11 / 27 - 15:02 )
جاء في التعليق
المقامة ليست مجرد سلاح فقط بل أيضا برنامج سياسي تقدمي.
والأصح هو المقاومة ،بدل لفظ (المقامة).

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -