الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف ضد المرأة ... والعناية الواجبة

خليل إبراهيم كاظم الحمداني

2023 / 11 / 26
حقوق الانسان


خليل إبراهيم كاظم الحمداني
باحث في مجال حقوق الإنسان
- يمثل العنف ضد المرأة أحد أسوأ أشكال إنتهاكات الحقوق الإنسانية للمرأة.. وتدفع المجتمعات تكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة المستوى جرائه.. وفي الوقت الذي لا توجد مبررات (اقتصادية أو ثقافية أو سياسية. الخ) لهذا العنف سوى في التنميط الاجتماعي التي توجد المرأة في سياقه فأن عديد الدول بادرت الى اتباع سياسات مناهضة لهذه العنف من جهة حاولت فيه الموائمة – إذا صح التعبير – بين متطلبات الثقافة الذكورية السائدة وبين احترام الكرامة الإنسانية للنساء.. هذه السياسات أطرتها نصوص تشريعية (دستورية او قانونية.. الخ) حاولت إيجاد التوازن بين المبدأ وضغوط الواقع. ان مبدأ العناية الواجبة (موضوع هذه الورقة المختصرة) عبارة عن أداة لنهج حقوقي في سياسات حقوق الانسان للتعامل مع مختلف الانتهاكات بما فيها الانتهاكات المتعلقة بالعنف ضد المرأة.
- مع تشكّل نظام الحماية الدولية لحقوق الانسان مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت بوادر تشكيل آليات الحماية المتعلقة بالمرأة بشكل مبكر من خلال انشاء ما يعرف بلجنة وضع المرأة في يونيه حزيران 1946 التي لعبت دورًا أساسيًا في تعزيز حقوق المرأة ، وتوثيق واقع حياة المرأة في جميع أنحاء العالم ، وتشكيل المعايير العالمية بشأن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ، وكان انشاء هذه الآلية تعبيرا عن حقيقة ان مشاركة المرأة تعزز النتائج الاقتصادية، وتشجع على زيادة الاستثمار في الحماية الاجتماعية، وتقود إلى سلام أكثر استدامة فبدأ نظام الحماية بتثبيت ركائز العمل باعتماد الصكوك او تضمينها المبادئ المتعلقة بحماية الحقوق الإنسانية للمرأة بما في ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والصكوك اللاحقة التي ركزت أولا على موضوع المساواة (اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة /1952،اتفاقية بشأن المرأة المتزوجة 1957، اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج / 1962،العهدان الدوليان للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمدنية والسياسية /1966) ثم موضوع التمييز (إعلان القضاء علي التمييز ضد المرأة / 1967 ،اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة(السيداو)/1979) وأخيراً موضوع العنف ضد المرأة بصيغة اعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة /1993.
- كان احد ثغرات – اذا صح التعبير- اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة من بين أمور أخرى عدم التطرق الى موضوع العنف ضد المرأة باعتباره التعبير الأكثر جسامة عن انتهاكات الحقوق الإنسانية للمرأة ، الأمر الذي انتبهت له اللجنة المعنية بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (لجنة المعاهدة) التي أصدرت توصيتين بهذا الشأن الأولى بالرقم 12لسنة 1989 والثانية التوصية بالرقم (19) لسنة (1992) والتي تعتبر علامة فارقة في تطور المفهوم الحقوقي لموضوع التمييز حيث اعتبرت التمييز هو ممارسة عنفية حيث جاء فيها (6- تعرّف المادة 1 من الاتفاقية التمييز ضد المرأة. يشمل تعريف التمييز العنف القائم على النوع الاجتماعي، أي العنف الموجه ضد المرأة لأنها امرأة أو الذي يؤثر على المرأة بشكل غير متناسب. ويشمل الأفعال التي تلحق الأذى أو المعاناة الجسدية أو العقلية أو الجنسية، والتهديد بمثل هذه الأفعال، والإكراه، وغير ذلك من أشكال الحرمان من الحرية. قد ينتهك العنف القائم على النوع الاجتماعي أحكامًا محددة من الاتفاقية، بغض النظر عما إذا كانت تلك الأحكام تشير صراحةً إلى العنف. 7- إن العنف الجنساني، الذي يعيق أو يلغي تمتع المرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية بموجب القانون الدولي العام أو بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان، هو تمييز بالمعنى المقصود في المادة 1 من الاتفاقية. الخ. وكأنما جاء اصدار هذه التوصية استباقا لمقررات مؤتمر فيينا 1993 وما اعقبه من انشاء آلية جديدة ضمن الإجراءات الخاصة بعنوان (المقررة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة، أسبابه وعواقبه/ عام 1994).
- يأخذ العنف ضد المرأة سياقات مختلفة، إلا الأشكال الخمسة التالية هي الاغلب وهي المحورية في نهج حقوق الانسان ومؤشراتها في اتباع سياسات مناهضة العنف:
1. الصحة الجنسية والانجابية والممارسات التقليدية الضارة
2. العنف المنزلي
3. العنف في العمل والعمل القسري والاتجار
4. العنف المجتمعي وتجاوزات المسؤولين عن انفاذ القوانين
5. العنف وحالات الصراع (وما بعدها) والطوارئ
- طرح مبدأ العناية الواجبة (الاجتهاد الواجب) في سياق الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة /1993 حيث نصت الفقرة (ج) من المادة (4) على (أن تجتهد الاجتهاد الواجب في درء أفعال العنف عن المرأة والتحقيق فيها والمعاقبة عليها، وفقاً للقوانين الوطنية، سواء ارتكبت الدولة هذه الأفعال أو ارتكبها أفراد.) وتم تأكيد ذلك في اصل ولاية المقررة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة أسبابه وعواقبه بقرار لجنة حقوق الانسان السابقة 45/1994 الذي نص على (2 - يدعو ، وفقا لإعلان القضاء على العنف ضد المرأة ، إلى القضاء على العنف الجنساني في الأسرة وداخل المجتمع العام وحيثما ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه ويؤكد واجب الحكومات في الامتناع عن الانخراط في العنف ضد المرأة وبذل العناية الواجبة لمنع أعمال العنف ضد المرأة والتحقيق فيها والمعاقبة عليها ، وفقًا للتشريعات الوطنية ، واتخاذ الإجراءات المناسبة والفعالة فيما يتعلق بأعمال العنف ضد المرأة ، سواء ارتكبت هذه الأفعال من قبل الدولة أو الأفراد ، وإتاحة الوصول إلى سبل الانتصاف العادلة والفعالة والمساعدة المتخصصة للضحايا).
- ان التزام الدولة بتوخي العناية الواجبة يتطلب مجموعة من الاعتبارات تتعلق بتوفر اطار هيكلي يتضمن التصديق على الصكوك الدولية لحقوق الانسان ووجود ضمانات دستورية تكفل المساواة للمرأة ووجود قوانين وطنية و/أو إجراءات إدارية توفر سبل انتصاف وافية للنساء ضحايا العنف وسياسات او خطط عمل تعالج مسألة العنف ضد المرأة وتوعية أفراد نظام العدالة الجنائية والشرطة بقضايا كل من الجنسين وتفير خدمات الدعم وجعلها في المتناول ووجود تدابير لزيادة الوعي وتغيير السياسات التمييزية في مختلف الميادين إضافة الى قاعدة معلومات حول العنف ضد المرأة .
- وبشأن المبادئ الأساسية لتطبيق مبدأ العناية الواجبة فإنها تشمل:
‌أ. لا يجوز للدولة ان تفوض الى جهة أخرى التزامها بتوخي العناية الواجبة حتى في الحالات التي يتولى فيها القيام ببعض المهام طرف آخر خاضع أم غير خاضع لها.
‌ب. عدم التمييز مبدأ أساسي يرتبط بتطبيق معيار العناية الواجبة وعدم التمييز هنا يتعلق بتطبيق هذا المعيار – بما في ذلك منع العنف ضد المرأة والتحقيق فيه والمعاقبة عليه وتوفير سبل الانتصاف لضحاياه - على اشكال العنف الأخرى.
‌ج. المبدأ الأخير يتعلق بضرورة ان تكون التدخلات الرامية الى منع العنف ضد المرأة قائمة على بيانات دقيقة مبنية على التجربة.
- تمحورت اغلب تدخلات الدول في سياق التزامها بمبدأ العناية الواجبة لمناهضة العنف ضد المرأة في محاور الوقاية والحماية والمعاقبة وجبر الضرر:
‌أ. الوقاية: أغلب الخطوات المتبعة في هذا الإطار تتمثل باعتماد قوانين محددة وتنظيم حملات توعية وتوفير التدريب لفئات مهنية معينة، ان هذه الخطوات غالبا ما تغطي حالات (العنف المنزلي والاعتداء الجنسي والإتجار (وجرائم الشرف) والتحرش الجنسي.
‌ب. الحماية: تقع في هذا المحور التدابير المتنوعة التي تتخذها الدول من قبيل توفير خدمات للنساء ضحايا العنف (بما في ذلك خطوط الهاتف الساخنة والرعاية الصحية ومراكز المشورة والمساعدة القانونية وتوفير المأوى وإصدار الأوامر الزجرية وتقديم المساعدة المالية لضحايا العنف.
‌ج. المعاقبة: يمثل هذا الجانب ركنا أساسيا في التعامل مع مرتكبي العنف ضد المرأة وتبدأ تدخلات الدولة استنادا الى معيار العناية الواجبة من خلال اعتماد القوانين وتعديلها وبتعزيز قدرات وصلاحيات الشرطة والمدعين العامين والقضاة.
‌د. جبر الضرر: بالرغم من محدودية تطبيق هذا المحور من قبل الدول إلا انه مهم لرد الاعتبار رمزياً على الأقل وهو متاح عادة في سياق الاعتمادات المخصصة لضحايا الجريمة.
- هذا العرض المبسط سنختمه باقتباس للسيدة (السيدة ياكين ارتورك / المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه (2003-2009) حول معيار العناية الواجبة (إن إمكانات معيار العناية الواجبة تكمن في إعادة تفسير الالتزامات بمنع العنف ضد المرأة ومقاضاة مرتكبيه وتعويض ضحاياه ورسم حدود مسؤولية الدولة والأطراف غير الدول فيما يتعلق بمواجهة العنف، وأن ما يلزم لإستيفاء معيار العناية الواجبة سيختلف بالضرورة حسب السياق المحلي والمتغيرات المحلية وطبيعة الأطراف المعنية والظروف الدولية).

*استفادت هذه الورقة من (اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة /1979والإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة/1993وتقرير المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة واسبابه وعواقبه – السيدة ياكين ارتورك -الوثيقة E/CN.4/2006/61.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية