الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين، دور العقل والخلق في معركة التحرير- وصفي التل

رائد الحواري

2023 / 11 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تاريخ وحقائق المنطقة العربية في كتاب
"فلسطين، دور العقل والخلق في معركة التحرير"
وصفي التل
هناك حقيقة تتمثل في أن قراءة أي كتاب تزيد من معرفة القارئ وتنمي فيه القدرة على التحليل للوصول إلى الحقيقة، يستوقفنا عنوان الكتاب: "فلسطين، دور العقل والخلق في معركة التحرير" لأنه يحمل فكرة "وصفي التل" عن فلسطيني التي يعتبرها محتلة، وهناك معركة قادمة يجب خوضها لتحقيق التحرير/الانتصار، وإذا ما توقفنا عند طريقة تناول الباحث لطبيعة دولة الاحتلال ووظيفتها نجده يشخص تركيبتها والهدف من إيجادها بطريقة موضوعية: "فنكبة فلسطين في واقعها الصحيح، ليست سوى جولة أولى في معركة العرب الرهيبة الطويلة مع الصهيونية العالمية ومع القوى العالمية التي تساندها في الشرق والغرب" ص13، مثل هذه الرؤية تنم على سعة اطلاع الباحث ومعرفته لطبيعة الصراع، فهو يتجاوز دولة الاحتلال إلى محاربة من يساندها من "الغرب والشرق" بمعنى أن الموجهة يجب أن لا تقتصر على دولة الاحتلال فقط، بل تطال من يساندها ويدعمها أيضا.
ولكي نؤكد الرواية الوطنية والقومية ل"وصفي التل" تجاه دولة الاحتلال نجده يقرن أو يستبدل كلمة (إسرائيل) بكلمة العدو: "وقد تعمد العدو على تضليل العرب عن مخططاته واستعداداته وعناصر قوته، حتى يظلوا يتخبطون في طريقة التهيئة للجولة الثانية، ومن جهة أخرى شجع العدو العرب على تبادل الاتهامات وتراشق السباب، وبالتالي بذؤ في صفوفهم بذور الشك وانعدام الثقة وتصدع الصف" ص15، أن مثل هذا الاستخدام يؤكد أن الباحث ينظر إلى دولة الاحتلال نظرة العدو ويتعامل معها ضمن هذا الإطار، وما استخدامه لكلمة "العدو" مرتين في فقرة واحدة إلا من باب الإيمان واليقين بأن دولة الاحتلال هي عدو للعرب.
رغم وضوح الفقرة التي تشير إلى أساليب العدو في إضعاف الصف العربي، إلا أنها مهمة، لأن هذا الاسلوب ما زال قائما وفاعلا حتى بعد مرور أكثر من ستين عاما على كتابة البحث، بمعنى أن العرب لم يستفيدوا ممن نبههم لخطورة التشتت فيما بينهم، ولا من تجارب الماضي، وما زالوا يتخبطون فيما بينهم، وهذا ما يجعل عدوهم في مأمن.
الباحث يقدم معلومة يجب أن تؤخذ بالحساب، حقيقة لا يعرفها العديد من القراء وهي أن وعد بلفور كان يضم شرق الأردن بالإضافة إلى فلسطين: "إن التخطيط الإسرائيلي في فلسطين من حيث الأساس لم يصب بأية نكسة تعيقه منذ صدور وعد بلفور حتى قيام إسرائيل، اللهم إلا إذا استثنينا قيام إمارة شرق الأردن على يد المغفور له الملك عبد الله بن الحسين، والمفاوضات التي عقدها بعد ذلك مع تشرشل والتي كان من أهم نتائجها إعادة تفسير وعد بلفور، بحيث استثنى شرق الأردن من المنطقة التي قصدها وعد بلفور لإقامة وطن قومي لليهود" ص26، أهمية هذه الفقرة لا تمكن في المعرفة التي تضيفها للمتلقي فحسب، بل في البعد الوطني والقومي الذي يُوجب على سكان ضفتي النهر تحديدا، لكي ينظروا إلى أنهم مستهدفون من دولة الاحتلال، وأنهم ضمن المخطط الصهيوني، فإذا كان قد أستوفى مخططاته في غرب النهر فإن الدور قادم على شرقه، وعلينا الانتباه والحذر إلى ما يريده العدو بنا.
ومن الحقائق التي يقدمها الباحث دور مصر وأهميتها كقوة عربية في حسم الصراع مع العدو: "مع ذلك فإن ثمة شيئا واحدا واضحا هو أن ما من دولة عربية حتى ولا العراق تجرؤ على التفاوض مع إسرائيل قبل قيام مصر بذلك لأن الأخيرة هي أقوى دولة عربية في المنطقة" ص44، اللافت في هذه الرؤية أنها حقيقة موضوعية وواقعية، فبعد أن قامت مصر بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1976انزلقت بقية الدولة العربية ـ وحتى منظمة التحرير الفلسطينية ـ في أوسوا، وبعدها الأردن في وادي عربة، وما يحدث من تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني إلا تابع ولاحق لموقف مصر.
ومن الحقائق الأخرى التي يقدمها الباحث رفض الدول الاستعمارية أي مشاريع وحدوية عربية حتى لو كانت صادرة من حلفائهم في المنطقة، يحدثنا عن المشروع الأزرق الوحدوي الذي طرحه "نوري السعيد": "لهذه الأسباب تقدم الكتاب الأزرق يقترح قيام دولة اتحادية تضم الهلال العربي الخصيب (العراق وسورية وشرق الأردن ولبنان وفلسطين) وتعهد أن تضع هذه الدولة كافة مقدراتها في الحرب إلى جانب الحلفاء، شريطة أن تحصل هذه الدولة ومن ضمنها فلسطين على الاستقلال، وأن توافق على استقبال الهاربين اليهود من أوروبا لا في فلسطين بل في كافة أقطار الدولة الاتحادية، وكان المقصود من هذا أن يضمن ضياع المهاجرين اليهود بالغا ما بلغ عددهم في وسط دولة عربية يربو سكانها عل خمسة عشرة مليونا، ويترك للزمن أن يفعل فعله في استعرابهم واندماجهم في الشخصية العربية كما حدث من قبل بالنسبة لهجرات عديدة أخرى" ص57، محاولة "نوري السعيد" الضابط الذي شارك في الثورة العربية منذ أن انطلقت من مكة وحتى وصله إلى العراق ليكون ضمن النخبة المتنفذة والحاكمة فيه، يعلم جيدا ما يحاك للمنطقة العربية، لهذا حاول أثناء الحرب العالمية أن يناور وأن يستغل انشغال الدول الاستعمارية بالحرب ليحصل على شيء يقوي المنطقة العربية، ويعطيه فسحة لكي تنهض ولو بعد حين، لكن طبيعة الاستعمار الذي مزق لمنطقة كان يعي أن التجزئة ما هي إلا قوة له ولوكيله في المنطقة، دولة الاحتلال، لهذا رُفض المشروع الأزرق الذي قدمه "نوري السعيد".
الباحث يؤكد أن أكبر خطر يواجه الغرب هو الوحدة/الاتحاد بين الأقطار العربية، فهو يتناول مقتل "رياض الصلح: رئيس وزراء لبنان في عمان وبعد أربعة أيام فقط تم اغتيال الملك "عبد الله" في القدس وفي المسجد الأقصى ـ الذي يفترض أن يكون مقدسا ـ وهذا الأمر يستدعي التوقف عنده، فرغم أن مقتل "رياض الصلح" له علاقة بطريقة إعدام "أنطون سعادة" التي ما زالت طريقة إعدامه تثير كل من يطلع عليها، ف"انطون سعادة" كان يمكن أن يغير مسار الأحداث في الهلال الخصيب، لرؤيته الحديثة للأمة السورية وعلاقتها بالجغرافيا السورية، إلا أن مقتل "رياض الصلح" واغتيال الملك عبد الله" في وقت (واحد) تثير الريبة، فكلاهما كانا يسعيان للوحدة السورية: "كان الملك عبد الله يدرك أن مبادرته الشخصية قد تخلق صعوبات وتساؤلات لدى الرأي العام العربي الذي ضللته الأكاذيب لمدة طويلة عن حقيقة نواياه، ولهذا كلف المرحوم رياض الصلح بمهمة إجراء المحادثات مع سورية بصورة خاصة، وكان الملك عبد الله قد مهد مباشرة للمشروع مع المسؤولين في العراق، لم يُعرف إلا بعد حين أن الملك عبد الله قبل بالتنازل عن العرش ثمنا لهذا المشروع، تذليلا للعقبات وإزالة لمخاوف السعوديين بصورة خاصة، وقد تحمس المرحوم رياض الصلح لهذا المشروع وكان ساعيا لإنجاحه، وفي آخر حديث له مع عقيلته السيدة فايزة الصلح زف لها بشرى المشروع هاتفيا من عمان.
في اليوم التالي اغتيل رياض الصلح في عمان من قبل شخصين قيل أنهما من أعضاء الحزب السوري القومي، وقد يكونان كذلك، إلا أن الأهم هو كون المجرمين الاثنين يعملان في مكتب غلوب باشا الخاص بالقيادة، وكان أحدهما شبه سكرتير خاص له.
بعد ذلك بأربعة أيام اغتيل الملك عبد الله في المسجد الأقصى (20تموز 1951) ومعروف الآن أن الاستخبارات البريطانية والأمريكية عرفت بصورة موثوقة، من مصدر واحد بمؤامرة الاغتيال وتاريخ تنفيذها وساعتها. لكن الجنرال غلوب لم يحذر الملك عبد الله منها بل جاء صبيحة يوم الاغتيال يستأذنه في عقد اجتماع عسكري للضباط الإنكليز في معسكر إربد" ص155، بصرف النظر عن الموقف من رياض الصلح ومن الملك عبد الله، إلا أن هذه الشهادة تؤكد أن الغرب ضد أي وحدة/اتحاد عربي، لأن هذه الوحدة/الاتحاد يمثل تحدي ورفض لمشروع التجزئة الذي أقامه الإنجليز، حتى لو كان من يقوم بهذه الوحدة/الاتحاد من المحسوبين عليهم.
هذه الحقيقة مهمة جدا لكل من يريد أن يتحدث عن تحدي المشروع الاستعماري في المنطق العربية، فأن أي وحدة/اتحاد يعد الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، فالوحدة/الاتحاد بداية المشروع الحقيقي المناهض والمعادي للغرب، وهي بداية نهضة العرب وامتلاكهم لمصادر القوة التي بها يستطيعون مواجهة الأعداء والانتصار عليهم، فالقطرية هي مشروع استعماري يخدم الأعداء، هذا ما أكده الباحث في كتابة "فلسطين، دور العقل والخلق في معركة التحرير.
وكذلك يتناول إمكانيات العرب الجغرافية والمادية بقوله: "كان قد أتاح للعرب أحس الفرص لكسب المعركة في الميدان السياسي، لا سيما وأن العرب يمتلكون أهم المواقع الاستراتيجية في الشرق الأدنى، وملتقى القارات الثلاث كما أنهم يسيطرون على أهم طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية، بالإضافة إلى سيطرتهم على معظم منابع النفط الغزيرة في هذه البقعة من العالم، ولو أنهم وقفوا من الدول التي تمالي الصهيونية مؤقتا أكثر حزما وأشد قوة وصلابة من موقفهم الراهن، لما استهترت هذه الدول بمقدرات العرب، ولما استهترت بكرامتهم" ص131، رغم أن هذا الكلام قيل قبل أكثر من ستين سنة، إلا أن النظام الرسمي العربي لم يلتفت لهذه القوة، واستمر واضعا رأسه في الرمال لكي يحتمي من الخطر ومن الأعداء، وهذا يدين الأنظمة، ويؤكد أنها ارتضت لنفسها الذل والهوان، عدم مواجهة عدوها، رغم ما تملكه من قوة وإمكانيات.
وعن الجامعة العربية ودورها وطريقة عملها يقول الباحث: "وجاء قيام الجامعة العربية فافتتحت سوقا جديدا للكلام والفشر زادت الطين بلة" ص81، رغم أن هذا التقييم كان منذ أن تأسست الجامعة العربية، إلا أن نهجها وطريقة عملها لم تتغير أو تتبدل حتى الآن.

وعن نتائج حرب 1948 وما آلت إليه أحوال فلسطين يقول: "وبنهاية المعركة اتضح أن الأرض الفلسطينية الوحيدة إلي كسبها العرب هي تلك التي استولى عليها الجيش الأردني، أما باقي الجيوش العربية فقد خسرت ما كانت تحتله من الأراضي الفلسطينية لليهود، عدا منطقة غزة" ص88، وهذه إشارة إلى عدم التنسيق والتخطيط بين الجيوش العربية التي دخلت لإنقاذ فلسطين من العصابات الصهيونية، مما أدى إلى فقدان أكثر من 80% من فلسطين التاريخية.
إذن رؤية الباحث لطبيعة الصراع تعبر بموضوعية، وتكشف دولة الاحتلال ودورها في المنطقة العربية، لكن هناك مواقف أتخذها الباحث أعتقد بأنها غير موضوعية، مثلا موقفه من التغييرات في الدول العربية والأحزاب الثورية والماركسية: "لقد وجدت الدعاوي الصهيونية مرتعا خصبا في الخطة التخريبية الجديدة التي أخذت تنفذها الثورات المصرية والسورية والعراقية والجزائرية وأخيرا اليمنية.
فإسرائيل التي لا تخشى شيئا كخشيتها اتحاد كلمة العرب ورص صفوفهم وتضامن مواقفهم ـ ولو ضدها على الأقل ـ كانت مستعدة لبذل كل غال في سبيل إيصال الدول العربية إلى مثل الحال التي وصلت إليها هذه الدول، بفضل الأيديولوجية الثورة الماركسية التي تبنتها الدول الاشتراكية" ص16، هذه النظرة السلبية التي تشمل كل الدول التي حدثت فيها تغييرات تعتبر غير صحيحة، وتحتاج إلى وقفة من الباحث عند كل دولة على حدة، وعلى كل حزب/تنظيم، ليكي يكون رؤيته مقنعه/موثقة بتحليل وتفسير يقنع المتلقي، أما بهذا الشكل الشامل والكامل ففيه من الاستعجال وعدم النضج الشيء الكثير، وخرج البحث عن الموضوعية التي بدأ بها.
لهذا هو ينظر إلى ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق نظرة سلبية، رغم أنها سعت لتحرير العراق من الهيمنة الإنجليزية، فيرجع الباحث ضعف الجيش العراقي في حرب 1948 وعدم فعاليته إلى حركة علي رشيد الكيلاني: "وكذلك كان الجيش العراقي غير كامل التنظيم من آثار حركة رشيد علي الكيلاني" ص87، فمثل هذه الرؤية للحركات الثورية في المنطقة العربية غير موضوعية وتحتاج إلى إعادة نظر، خاصة أن هناك تغييرات جذرية حدثت في مصر والعالم العربي بعد أن وصل عبد الناصر إلى السلطة.
وهناك مواقف للباحث بحاجة إلى التوقف عندها، وعند الظرف الذي اتخذت فيه تلك المواقف، خاصة تلك المتعلقة برفض الفلسطينيين لأي قرارات/مشاريع متعلقة بالانتقاص من حقوقهم الوطنية والقومية، منها الكتاب الأبيض، فالباحث يرى في رفض الزعامات الفلسطينية للكتاب الأبيض خطأ، فهو يرى في الكتاب الأبيض ما (يحاصر) المشروع الصهيوني ويحد من توسعة: "إذا كان بعض زعماء فلسطين قد رفضوا الكتاب الأبيض وسايرهم بذلك بعض الحكام، فقد كان بين عقلاء العرب من أدركوا أن الكتاب الأبيض إذا كان ضد مصلحة العرب بنسبة50% فهو ضد مصلحة اليهود بنسبة100% بدليل مقاومتهم الضارية له" ص55، أعتقد أن المواقف الفلسطينية من المشروع الصهيوني كانت طبيعية وتنسجم مع كونهم أصحاب الأرض، ولو عرضت الكتاب الأبيض وما بعده من قرارات اللجان التي جاءت إلى فلسطين على أي دولة/قطر/مكان في العالم لرفضه الوطنيون لما فيه من انتقاص لمصالحهم الوطنية والقومية، من هنا كان يفترض من الباحث أخذ هذا الجانب وعدم النظر إلى حدث ماضي من منظور الحاضر.

الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، مشروع مكتبة الأسرة، طبعة 2007.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!