الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة غزة ضمن مسار صراع تاريخي

عبد الإله بسكمار

2023 / 11 / 27
الارهاب, الحرب والسلام


لم تكن سنة 1948 والتي سميت عام النكبة بداية للصراع العربي الصهيوني فوق أرض فلسطين، وإنما تعد محطة فاصلة فقط في سيرورة ذلك الصراع والذي نجم من جهة عن اضطهاد اليهود في أوربا وخاصة شطرها الشرقي وتطور الفكر الصهيوني منذ المؤتمر الأول الذي عقد في بازل بسويسرا سنة 1898، إلا أن تلك المحطة ونقصد نكبة 1948 أخذت شكل منعطف درامي مأساوي بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي لا ناقة له ولا جمل في ذلك الاضطهاد وقد شرد عن أرضه، بعد أن عانى قمعا وحشيا من طرف سلطات الانتداب البريطانية أثناء ثورة 1936 وقامت دولة إسرائيل من جهة ثانية في 14 ماي 1948 ما أدى إلى دخول الجيوش العربية بشكل محسوب مسبقا وتلقيها الهزيمة جميعا رغم بعض الانتصارات في بداية الحرب، وقد انطلت هذه المسرحية على الفلسطينيين وقياداتهم، إذ انطلت عليهم أكذوبة تحريرالأرض التي اغتصبها الصهاينة فأدوا الثمن غاليا .
وكان للنكبة نتائج مباشرة على المجتمع الفلسطيني، حيث تم تمزيق أوصاله وتحول أكثر الشعب الفلسطيني إلى لاجئين في الدول العربية المجاورة كلبنان والأردن والضفة الغربية التي كانت تحت الوصاية الهاشمية وسوريا ثم مصر ومعها قطاع غزة، وكان من أبرز العوامل وراء ذلك المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية كدير ياسين ثم كفر قاسم .
من تداعيات تلك النكبة تأسيس حركة القوميين العرب والإطاحة ببعض الأنظمة الملكية كنظام فيصل في العراق سنة 1958 وقبله إسقاط ملك مصر فاروق سنة 1952 الذي اتهم نظامه في قضية الأسلحة الفاسدة، كما حول بورقيبة نظام البايات إلى جمهورية، سنة واحدة بعد إعلان استقلال تونس .
لم يكن حدث تأميم قناة السويس من طرف الرئيس جمال عبد الناصر هو العامل المباشر في ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر ( أكتوبر 1956 )، كما يتبادر إلى الكثيرين وإنما شكل عاملا واحدا فحسب ، هوما ظهر على السطح، بل يذهب أكثر المتتبعين أن دعم نظام الرئيس جمال عبد الناصر للثورة الجزائرية المستعرة آنذاك ضد فرنسا الاستعمارية، كانت أبرز خلفية لذلك العدوان الذي سرعان ما حوله عبد الناصر من هزيمة عسكرية إلى انتصار سياسي، نجم عنه انسحاب القوات المعتدية وتكريس زعامة عبد الناصر للعالم العربي، ولم تكن لهذه الحرب علاقة مباشرة بالمشكل الفلسطيني اللهم إلا مشاركة الجيش الإسرائيلي في الهجوم على سيناء واحتلالها مؤقتا قبل أن ينسحب بسبب الضغط الأممـــــــي .
شكلت سيطرة الجناح اليساري في حزب البعث على السلطة في سوريا بقيادة صلاح جديد منعطفا نوعيا على صعيد القضية الفلسطينية، إذ كان هذا الحزب يدعو إلى حرب تحرير شاملة لفلسطين ولذا أفسح المجال للعمل الفدائي على طول الحدود مع إسرائيل ونتيجة تكاثف عمليات الفدائيين الفلسطينيين وجهت القيادة الإسرائيلية إنذارا إلى سوريا، وحذر الاتحاد السوفياتي مصر في نفس الوقت من هجوم للجيش الإسرائيلي على سوريا، الشيء الذي أخذه عبد الناصر على محمل الجد، وبما أن الرجل كان يتزعم القومية العربية، فقد أحس بحرج تجاه شعبه وباقي الشعوب العربية، هذا الحرج دفعه إلى دعوة القوات الدولية للانسحاب من سيناء، في وقت كان الجيش المصري غير مستعد للمعركة خاصة وأنه أنهك في حرب اليمن، ثم عزز عبد الناصرخطواته تجاه إسرائيل بإغلاق مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، الشيء الذي اعتبرته الدولة العبرية إعلانا صريحا بالحرب، ثم عقد اتفاق الدفاع المشترك مع سوريا والعراق وانضم الأردن لاحقا .
صباح يوم الخامس من يونيو 1967 كان كل شيء قد انتهى تقريبا قبل أن يبدأ، إذ إن الطيران الإسرائيلي أغار في موجات متلاحقة على مطارات مصر العسكرية ودمرأغلب الأسطول الجوي، وبعد هذا أجهزعلى طائرات الأردن وسوريا، وقضى في نفس الوقت على القوات العراقية التي كانت متوجهة للجبهة، هكذا تتوج الحرب باكتساح أشبه بنزهة حربية رغم بعض المقاومة في غزة والقدس خاصة، فتتابعت فصول الهزيمة لتحتل إسرائيل ما تبقى من فلسطين ثم شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، غير أن المسلسل لم يذهب سياسيا أبعد من هذا، فقد ردد مؤتمر الخرطوم للدول العربية اللاءات الثلاث الشهيرة ( لا صلح – لا اعتراف – لاتفاوض ) فضلا عن صدور قرار مجلس الأمن الدولي الشهير 242 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في تلك الحرب .
رغم حدة الهزيمة فقد أعادت مصر تشكيل جيشها وبدأت فعليا ما سمي بحرب الاستنزاف بإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بتاريخ 21 أكتوبر1967 في عرض البحر المتوسط ليثبت المصريون أن الصراع لم ينته وأن الهزيمة ليست نهاية التاريخ، إذ شكلت حرب الاستنزاف باشتباكاتها واقتحاماتها وخسائرها بالنسبة للطرفين تحولا تدريجيا في موازين القوى أجهضته مبادرة روجرز للسلام، لكنها مهدت الطريق عسكريا لنصر أكتوبر 1973 .
كما ارتفع وقع العمل الفدائي في الأرض المحتلة خاصة بعد معركة الكرامة في 21 مارس 1968 وعلى أثر هزيمة يونيو وقع انقلاب عسكري في السودان أتى باللواء جعفر النميري وفي سوريا حيث تقلد اللواء حافظ الأسد السلطة وفي العراق، قلد العسكر حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين، ثم وقع قلب النظام في ليبيا، حيث أطاح العقيد معمر القذافي بالملك ادريس السنوسي وأعلن الجمهورية التي تحولت فيما بعد إلى " جماهيرية عظمى " كذا .
في أكتوبر 1973 أخذت الجيوش العربية ( وكان بينها لواء مشاة مغربي تمركز بسفح جبل الشيخ في الجولان ) بزمام المبادرة لأول مرة وحققت نصرا مشهودا خاصة في أيام الحرب الأولى، الشيء الذي مسح عار نكسة يونيو 67 وتعزز كل ذلك بسلاح النفط الذي استخدمه العرب ضد الدول التي تؤيد العدوان، مما جعل الأمور تتحول إيجابا إلى حد بعيد، وتوج المسار السياسي بإقرار منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ( وقتذاك ) وجاء ذلك في مقررات مؤتمر الرباط سنة 1974، ثم قبول فلسطين كعضو ملاحظ بالأمم المتحدة، لكن من جهة ثانية كانت نتائج الحرب محفزا لمصرخاصة كي تقبل بالسلام المنفرد مع إسرائيل، وسط رفض عربي عارم وتوج كل ذلك بأوفاق كامب ديفيد سنة 1979 والتي استرجعت مصر بموجبها شبه جزيرة سيناء، مقابل تنازلات مصرية مهمة أبرزها مكتب الاتصال الذي تحول إلى سفارة إسرائيل والسماح للتجارة والسياحة والملاحة بين البلدين، أي ما سمي منذ ذلك الوقت ولحد الساعة ب" التطبيع "، وللإشارة فقد حرر الجيش المصري قناة السويس وحوالي 3000 كلم مربع من أرض سيناء أثناء حرب أكتوبر، التي عدت آخر حرب نظامية بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي .
مع ذلك شمل التطبيع عددا من الدول العربية كالبحرين والأردن والمغرب فيما بعد، أمام " امتيازات " مزعومة ذات أبعاد اقتصادية أساسا، ثم سياسية بعد ذلك .
وعود على بدء رغم كل ما سبق، استمر الصراع والعمل الفدائي الفلسطيني الذي كانت ترعاه منظمة فتح وباقي الفصائل الأخرى خاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية، كما تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية خاصة على لبنان حيث تمركزت منظمة التحرير الفلسطينية بجناحها المسلح منذ بداية سبعينات القرن الماضي، وكانت سنة 1982 فارقة في الصراع حيث غادر المقاتلون الفلسطينيون بيروت نحو عدة أقطار عربية، بعد حرب قاسية استمرت شهرا ونيف، شهدت حصارا لبيروت العاصمة ثم انسحب الجيش الإسرائيلي وتواصل احتلال شريط حدودي في جنوب لبنان، عبر قوات عميلة لينتهي ذلك الاحتلال على يد حزب الله في بداية الألفية الثالثة وبدأت المنظمة تتخلى تدريجيا عن الكفاح المسلح، خاصة بعد المجلس الوطني الشهير بالجزائر واغتيال أبرز القادة كأبي جهاد وأبي إياد وغيرهم، وظهور فصائل أخرى تتبنى شعارات تحرير فلسطين والقدس وأبرزها تيارات حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله في لبنان بتفاعل واضح مع ثورة الخوميني في إيران والذي ظل يدعو هو الآخر إلى تحرير القدس وفلسطين دون التخلي عن الأهداف المصلحية والاستراتيجية للجمهورية الإسلامية كدولة قومية أولا وقبل كل شيء وتزامن كل ذلك مع خفوت البعد النضالي للفصائل التاريخية وأبرزها حركة فتح خاصة بعد اتفاق أوسلو، وانسحاب إسرائيل من غزة وتفكيك مستوطناتها مع سيطرة حركة حماس .
طيلة العشرية الأولى تقريبا للألفية الثالثة عرفت المنطقة توسعا استيطانيا رهيبا خاصة في الضفة الغربية عززته إسرائيل بأساليب القمع ومصادرة الأراضي واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى وأصبح دور السلطة الوطنية الفلسطينية شكليا إن لم نقل عليه أكثر من علامات استفهام وفي هذا السياق تأتي الحروب الأربعة على غزة، وأهمها على الإطلاق الحرب الحالية التي أذهلت العالم اعتبارا لأن يوم 7 أكتوبر 2023 شهد هجوما منسقا وشاملا ومفاجئا على مستوطنات غلاف غزة لأول مرة في التاريخ، خلف خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، مما أفقد الدولة العبرية زمام المبادرة فأعلنت حالة الحرب ببساطة التي لم تكن هي الأخرى أكثر وضوحا من حيث أهدافها السياسية في ظل حكومة يمينية أعمتها المفاجأة وحصيلة الخسائر.
يبقى من السابق لأوانه تحليل أبعاد هذه الحرب ونتائجها على المستويين القريب والبعيد والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء العزل وهدمت المنازل والمنشآت والمؤسسات في عرض وحشي، كما تم إخلاء مستوطنات غلاف غزة والجليل الأعلى الشيء الذي يعكس مرارة ما تعرضت له إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، وفي المحصلة لم تكن الحرب الحالية إلا حلقة واحدة في صراع لا يُعرف ختامه أو مداه، ولكن الطريق الأسلم للجميع وللسلام العالمي في الوقت الحالي يتمثل في الإقرار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحقه في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا