الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرارة هامة من تاريخ النضال الحضاري لقوى التحرر4

عبدالرحيم قروي

2023 / 11 / 27
الارشيف الماركسي


بعد الثورة الاشتراكية الأولى للبروليتاريا، وبعد إسقاط البرجوازية في بلاد واحدة، تبقى بروليتاريا تلك البلاد لزمن طويل أضعف من البرجوازية، وذلك لمجرد أن لهذه الأخيرة روابط عالمية هائلة وكذلك بحكم الانبعاث العفوي المستمر للرأسمالية والبرجوازية على أيدي منتجي البضائع الصغار في البلاد التي أسقطت فيها البرجوازية. والانتصار على عدو أشد بأسا لا يمكن إلاّ ببذل أقصى الجهد، ولا بد أثناء ذلك من الاستفادة كل الإستفادة، وبمنتهى الاهتمام واليقضة، من أي « صدع » فيما بين الأعداء مهما كان ضئيلا، ومن أي تناقض في المصالح بين برجوازية في داخل كل بلد، وكذلك من الاستفادة من أية إمكانية، مهما كانت ضئيلة، لكسب حليف جماهيري، وان كان حليفا مؤقتا ومتذبذباً ومزعزعا وفرضياً، ولا يركن إليه. ومن لم يفهم هذا الأمر، فهو لم يفهم ولا حرفا واحداً في الماركسية وفي الإشتراكية العلمية الحديثة بوجه عام. ومن لم يثبت عمليا، خلال مدة طويلة جدا وفي أوضاع سياسية متنوعة جداً، قدرته على تطبيق هذه الحقيقة في العمل، فإنه لم يتعلم بعد كيف يساعد الطبقة الثورية في نضالها من أجل تحرير البشرية الكادحة جميعها من الإستثماريين. إن ما أوردته ينطبق بدرجة واحدة على عهد ما قبل وما بعد استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية.
إن نظريتنا ليست عقيدة جامدة، بل مرشد للعمل – هكذا قال ماركس وإنجلس، إن أفدح غلطة وأبشع جريمة ارتكبها الماركسيون « من الماركة المسجلة »، أمثال كارل كاوتسكي وأوتو باور ومن في شاكلتهم، هو أن هؤلاء لم يفهموا هذا الأمر ولم يستطيعوا تطبيقه في اللحظة الفاصلة من ثورة البروليتاريا. كان تشيرنيتشيفسكي، الاشتراكي الروسي العظيم قبل عهد ماركس يقول: « النشاط السياسي ليس كرصيف جادة نيفسكي » (الرصيف النظيف العريض المعبد الممتد باستقامة طوال الشارع الرئيسي في بطرسبورغ). ولقد دفع الثوريون الروس، من عهد تشيرنيتشيفسكي، ضحايا لا تحصى جزاء تجاهلهم أن نسيانهم هذه الحقيقة. ينبغي أن نسعى بأي ثمن كان لنمنع الشيوعيين اليساريين والمخلصين للطبقة العاملة من الثوريين في أوروبا الغربية وأمريكا، من أن يدفعوا، لاستيعاب هذه الحقيقة، مثل الثمن الباهظ الذي دفعه الروس المتأخرون.
لقد استفاد الاشتراكيون-الديموقراطيون الثوريون الروس، قبل سقوط القيصرية، من خدمات الليبراليين البرجوازيين مراراً، أي أنهم عقدوا معهم كثرة من المساومات العملية، وفي سنتي 1901-1902، قبل ظهور البلشفية، عقدت هيئة التحرير القديمة « للايسكرا » )وكان أعضاؤها بليخانوف واكسيلرود وزاسوليتش ومارتوف وأنا) بصورة رسمية حلفاً سياسياً مع ستروفه، زعيم الليبراليية البورجوازية السياسي (صحيح أن الحلف كان قصير الأمد)، ولكن الهيئة استطاعت في الوقت نفسه أن تشم على الليبرالية البرجوازية وعلى أضأل نفوذ يظهر لها داخل حركة العمال، نضالاً فكرياً وسياسيا لا وقفة فيه ولا هوادة. وقد واصل البلاشفة على الدوام هذه السياسة. فمنذ سنة 1905 كانوا يدافعون بصورة منتظمة عن تحالف الطبقة العاملة والفلاحين ضد البرجوازية الليبرالية وضد القيصرية، دون أن يمتنعوا قط في الوقت ذاته عن تأييد البرجوازية ضد القيصرية (مثلا في المرحلة الثانية من الانتخابات، أو عند إعادة الاقتراع)، كما أنهم لم يوقفوا نضالهم الفكري والسياسي الذي لا يعرف المسالمة ضد حزب الفلاحين البرجوازي الثوري، حزب « الاشتراكيين-الثوريين »، نازعين عنهم القناع بوصفهم ديموقراطيين برجوازيين صغاراً يضعون أنفسهم زوراً في عداد الاشتراكيين. وفي سنة 1907، في زمن انتخابات الدوما، دخل البلاشفة، لأمد قصير، في كتلة سياسية رسمية مع « الاشتراكيين-الثوريين ». ومن سنة 1903 حتى سنة 1912، خلال عدة سنوات، كنا مع المناشفة رسمياً في حزب اشتراكي-ديموقراطي واحد.. ولم نوقف أبداً النضال الفكري والسياسي ضدهم، باعتبارهم انتهازيين يسري بواسطتهم نفوذ البرجوازية على البروليتاريا. وفي زمن الحرب عقدنا نحن بعض المساومات مع « الكاوتسكيين » ومع المناشفة اليساريين (مارتوف) ومع قسم من « الاشتراكيين-الثوريين » (تشيرنوف، ناتانسون)، وجلسنا سوية معهم في زيميرفالد وكينتال وأصدرنا بيانات مشتركة، إلاّ أننا لم نوقف، بل ولم نفتر أبداً في نضالنا الفكري السياسي ضد « الكاوتسكيين » وضد مارتوف وتشيرنوف (أمّا ناتانسون فتوفي في سنة 1919 حين كان قريبا جدا منا، وكان « شيوعيا ثوريا » من الشعبيين، وكان في الأغلب متضامنا معنا. وفي لحظة انقلاب أكتوبر دخلنا في كتلة رسمية، ولكنها كانت هامة للغاية (وموفقة للغاية (وموفقة للغاية)، وقد قبلنا برنامج الاشتراكيين-الثوريين الزراعي بحذافيره، دون إدخال أي تعديل فيه، أي أننا عقدنا مساومة لا شك فيها لكيما نبرهن للفلاحين أننا لا نريد التحكم فيهم، بل الاتفاق معهم. وفي الوقت نفسه عرضنا على « الاشتراكيين-الثوريين اليساريين » تشكيل كتلة سياسية رسمية، مع اشتراكهم في الحكومة، (وسرعان ما حققنا ذلك)، ولكنهم أخلو بهذه الكتلة بعد انعقاد صلح بريست، ثم تمادوا حتى شنوا علينا في يوليوز سنة 1917 انتفاضة مسلحة، وفيما بعد بلغ بهم الأمر حد الكفاح المسلح ضدنا.
ولذلك من المفهوم أن حملات اليساريين الألمان في اللجنة المركزية لحزب الشيوعيين في ألمانيا بسبب إجازتها فكرة الدخول في كتلة مع « المستقلين » (« الحزب الاشتراكي-الديموقراطي المستقل في ألمانيا »، الكاوتسكيين) تبدو لنا طائشة تماماً ودليلاً جليا يشهد بأن « اليساريين » على خطأ. لقد كان عندنا في روسيا كذلك المناشفة اليمينيون (ممن دخلوا في حكومة كيرنسكي) وهم يضاهون الشيدمانيين الألمان، والمناشفة اليساريون (مارتوف) ممن كانوا معارضين للمناشفة اليمينيين وهم يضاهون الكاوتسكيين الألمان. إن انتقال جماهير العمال التدريجي من جانب المناشفة إلى جانب البلاشفة قد لاحظناه بوضوح في سنة 1917. ففي مؤتمر السوفييتات الأول لعامة روسيا الذي انعقد في يونيو سنة 1917 كانت لنا 13% فقط من الأصوات، وكانت الأكثرية للاشتراكيين-الثوريين والمناشفة. وفي مؤتمر السوفييتات الثاني (25 أكتوبر 1918 حسب التقويم القديم) كانت لنا 51% من الأصوات. فلماذا إذن لم يؤد جنوح العمال في ألمانيا من اليمين إلى اليسار، ذات الجنوح المتماثل مع ذلك تماماً، إلى تقوية مباشرة للشيوعيين، بل إنه في بادئ الأمر حزب « المستقلين » الوسطى، رغم أن هذا الحزب لم تكن له قط أية فكرة سياسية مستقلة، ولم تكن له أية سياسة مستقلة، وإنما كان يتذبذب بين الشيدمانيين والشيوعيين ؟
واضح أن أحد هذه الأسباب كان التكتيك المغلوط الذي اتبعه الشيوعيون الألمان، الذين يجب عليهم دون وجل، وبصدق، أن يعترفوا بهذا الخطأ، وأن يتعلموا كيفية إصلاحه. خطؤهم هو في رفضهم الاشتراك في البرلمان البورجوازي الرجعي، وفي النقابات الرجعية. وخطؤهم هو في الظواهر العديدة من ذلك المرض الطفولي، مرض « اليسارية » الذي برزت أعراضه الآن عياناً، وعليه أصبح من الممكن علاجه بصورة أحسن وأسرع، وذلك يعود بأكبر الفائدة على الجسم.
واضح أن « الحزب الاشتراكي-الديموقراطي الألماني المستقل » ليس حزبا متجانسا: فإلى جانب الزعماء الانتهازيين القدماء (كاوتسكي وهيلفردينغ، ولدرجة كبيرة، كما يبدو، كريسبين وليديبور وغيرهما) ممن أثبتوا عدم قدرتهم على فهم أهمية السلطة السوفييتية وديكتاتورية البروليتاريا، وعدم قدرتهم على قيادة نضال البروليتاريا الثوري، تشكل في هذا الحزب جناح بروليتاري يساري، وهو أخذ في النمو بسرعة فائقة. إن مئات الألوف من أعضاء هذا الحزب (الذي يعود أعضاؤه كما يظهر نحو ثلاث الألوف من أعضاء هذا الحزب (الذي يعد أعضاؤه كما يظهر نحو ثلاثة أرباع المليون) هم بروليتاريون أخذوا يهجرون شيدمان ويتجهون بسرعة نحو الشيوعية. وقد سبق لهذا الجناح البروليتاري أن اقترح في مؤتمر « المستقلين » في لايبزغ (سنة 1919) الانضمام في الحال، ودون قيد أو شرط، إلى الأممية الثالثة. إن الخوف من « المساومة » مع هذا الجناح من الحزب أمر مضحك تماماً. فإن الشيوعيين، بالعكس، ملزمون بأن يبحثوا ويجدوا الشكل الملائم للمساومة معهم، مساومة تسهل، من جهة، الاندماج التام الضروري مع هذا الجناح وتعجل فيه، ومن الجهة الأخرى لا تعيق الشيوعيين مطلقا عن نضالهم الفكري السياسي ضد الجناح اليميني الانتهازي « للمستقلين ». من المحتمل ألاّ يكون إيجاد الشكل الملائم للمساومة أمراً هيناً، فالدجال وحده بإمكانه أن يعد العمال والشيوعيين الألمان بأن يكون طريق النصر طريقا « هيناً ».
لا تكون الرأسمالية رأسمالية إذا لم تكن البروليتاريا « الصرف » محاطة بجمهرة من العناصر الإنتقالية المتنوعة تنوعا خارقا، من البروليتاريين إلى أشباه البروليتاريين (أولئك الذين يحصلون على نصف وسائل عيشهم من بيع قوت عملهم)، ومن أشباه البروليتاريين إلى الفلاحين الصغار (والحرفيين الصغار وأصحاب الملكية الصغار بوجه عام). ومن الفلاح الصغير إلى الفلاح المتوسط وهكذا دواليك، وإذا لم تكن البروليتاريا نفسها منقسمة في داخلها إلى فئات أكثر تطوراً أو أقل تطوراً، ومنقسمة حسب مناطق الاستيطان، والمهنة، والدين أحيانا الخ.. ومن كل هذا تنشأ ضرورة مطلقة، ضرورة لجوء طليعة البروليتاريا، وقسمها الواعي، أي الحزب الشيوعي، إلى مناورات التوفيق والمساومات مع مختلف فئات البروليتاريين، ومع مختلف أحزاب العمال وصغار أصحاب الملكية. وجوهر القضية كله يتلخص في معرفة كيفية تطبيق هذا التكتيك، لرفع المستوى العام لوعي البروليتاريا وثوريتها وقدرتها على النضال وعلى الانتصار، لا النزول بذلك المستوى. وتجدر الإشارة عرضاً إلى أن انتصار البلاشفة على المناشفة قد تطلب ليس فقط ليس فقط قبل ثورة أكتوبر 1917، بل بعدها كذلك، تطبيق تكتيك المناورات والتوفيق والمساومات، ولكن، من البديهي، تلك التي منها تسهل أمر البلاشفة وتعجل بتحقيقه وتوطد موقعهم وتقويتهم على حساب المناشفة. إن الديموقراطيين البرجوازيين الصغار (والمناشفة في عدادهم) يتأرجحون، ولا مناص، بين البرجوازية والبروليتاريا، بين الديموقراطية البرجوازية والنظام السوفييتي، بين الإصلاحية والثورية، بين حب العمال والخوف من الديكتاتورية البروليتارية وهلمجرا. يجب أن يكون التكتيك الصحيح للشيوعيين الإستفادة من هذه التأرجحات وعدم اهمالها أبداً. وهذه الاستفادة تستلزم التساهلات مع تلك العناصر التي تنعطف نحو البروليتاريا، وذلك عندما تنعطف، وبمقدار ما تنعطف نحوها، كما تستلزم إلى جانب ذلك النضال ضد أولئك الذين ينعطفون نحو البرجوازية. وكانت نتيجة هذا التكتيك الصحيح هي أن المنشفية أخذت تنحل عندنا باستمرار وهي تنحل أكثر فأكثر، والزعماء الانتهازيون العنيدون أخذوا يعزلون، وأخذ يرد على معسكرنا من معسكر الديموقراطية البرجوازية الصغيرة أحسن العمال وأفضل العناصر. وتلك عملية طويلة الأمد، وأمّا « القرار » الطائش المتسرع القائل أن « لا مساومات أبداً ولا مناورات » فمن شأنه فقط أن يضر بقضية تعزيز نفوذ البروليتاريا الثورية وزدة قوتها.
وأخيرا، إن أحد الأخطاء التي ارتكبها « اليساريون » في ألمانيا دون شك، هو اصرارهم بعناد على عدم الاعتراف بصلح فرساي. إذ كلما أراد ك. هورنر، مثلا، أن يجد لهذا الرأي صيغة « أرجح » و« أكثر أبهة » و« جزماً » وتوكيداً، كلما ظهر هذا الجزء أكثر دكاء. لا يكفي التبرؤ من الخزعبلات الفاضحة لممثلي « البلشفية القومية » (لاوفنبرغ وآخرون)، ممن تمادوا إلى حد تبرير الدخول في كتلة مع البرجوازية الألمانية من أجل الحرب ضد دول الوفاق، في ظروف الثورة البروليتارية الدولية الراهنة، بل ينبغي على المرء أن يفهم أن تكتيكاً لا يقر بأن من المحتم على ألمانيا السوفييتية (إذا تأتى أن تنشأ عاجلا جمهورية ألمانيا السوفييتية) كانوا على حق إذ عمدوا، عندما كان الشيدمانيون قابعين في الحكومة، والحكم السوفييتي في المجر لم يكن قد أسقط بعد، وعندما كانت إمكانية قيام ثورة سوفييتية في فيينا تأييداً للمجر السوفييتية غير مستبعدة، إلى المطالبة في تلك الظروف بتوقيع صلح فرساي. فقد كان « المستقلون » آنذاك يداورون ويناورون بصورة سيئة جدا، فقد أخذوا على أنفسهم، إلى هذا الحد أو ذاك، المسؤولية عن الخونة الشيدمانيين، وتخلوا، إلى هذا الحد أو ذاك، عن وجهة نظر الحرب الطبقية القاسية (والصابرة جداً) ضد الشيدمانيين، متدهورين إلى وجهة النظر « اللاطبقية » و« فوق الطبقية ».
غير أن الوضع الآن، كما هو واضح، كالآتي: أن الشيوعيين الألمان لا يجب أن يقيدوا أنفسهم، ويعدوا بأنهم في حالة انتصار الشيوعية سيفسخون، حتما وبصورة قطعية، صلح فرساي. فذلك سفه. ينبغي لهم القول: إن الشيدمانيين والكاوتسكيين قد ارتكبوا سلسلة من الخيانات عسرت (وأحبطت مباشرة في بعض الحالات) أمر التحالف مع روسيا السوفييتية ومع المجر السوفييتية. إلاّ أننا نحن الشيوعيين سنبذل قصارى جهدنا لتسهيل هذا التحالف والتمهيد له، علما بأننا لسنا ملزمين البتة بفسخ صلح فرساي، وبفسخه في الحال. إن إمكانية فسخه بصورة موفقة لا تتوقف على نجاحات الحركة السوفييتية في ألمانيا فقط، بل كذلك على نجاحاتها في الميدان الدولي. لقد عرقل الشيدمانيون والكاوتسكيون هذه الحركة، أمّا نحن فنساعدها. هذا هو جوهر القضية، وهذا هو الفارق الأساسي. ولئن فرط أعداؤنا الطبقيون، الاستثماريون وخدمهم، والشيدمانييون والكاوتسكيون، بجملة من امكانيات تقوية الحركة السوفييتية الألمانية والعالمية على حد سواء، وتقوية الثورة السوفييتية الألمانية والعالمية كذلك فإن جريرة ذلك تقع عليهم. إن قيام الثورة السوفييتية في ألمانيا يشد ساعد الحركة السوفييتية العالمية التي هي أقوى دعامة (والتي هي الدعامة الوحيدة الممكنة المنيعة ذات الجبروت العالمي) ضد صلح فرساي وضد الامبريالية العالمية بوجه عام. إن وضع مسألة التحرر من صلح فرساي في المقام الأول، ووضعها بشكل الزامي وقاطع ومستعجل، وقبل مسألة تحرير سائر البلدان التي تضطهدها الإمبريالية من الظلم الذي تعانيه من الامبريالية، هو نزعة قومية برجوازية صغيرة (تليق بأمثال كاوتسكي وهيلفردينغ وأوتو باور وشركاهم) وليس هو بالأممية الثورية. إن إسقاط البرجوازية في أي بلد من البلدان الأوروبية الكبرى، ومنها في ألمانيا، سيكون فوزا للثورة العالمية، يمكن من أجله، بل ويجب، القبول إذا اقتضى الأمر، بقاء صلح فرساي لمدة أطول. فلئن استطاعت روسيا وحدها أن تتحمل لصالح الثورة صلح بريست بضعة أشهر، فإن من غير المستبعد أبداً أن تتحمل ألمانيا السوفييتية، في حال تحالفها مع روسيا السوفييتية، صلح فرساي لزمن أطول وذلك لصالح الثورة.
إن امبرياليي فرنسا وانجلترا وغيرهما يستفزان الشيوعيين الألمان، وينصبون لهم فخا ويقولون: « قولوا أنكم سوف لا توقعون صلح فرساي »، أما الشيوعييون اليساريون، فعوضاً عن أن يقوموا بمناورات بارعة ضد العدو الغادر الذي هو في اللحظة الراهنة أقوى منهم، وعوضا عن أن يقولو له: « إننا سنوقع الآن صلح فرساي »، يقعون كالأطفال في الفخ المنصوب لهم. إننا إذا كبلنا أيدينا سلفاً، وأعلنا على المكشوف للعدو الذي هو تلآن مسلح أحسن منا، وقلنا له أننا نحاربه أم لا ومتى نحاربه، نكون قد أظهرنا الحمق، لا الروح الثورية. إن ولوج المعركة عندما يكون مسلماً أنها في صالح العدو لا في صالحنا، هو جريمة. أمّا الزعماء السياسيون للطبقة الثورية ممن لا يستطيعون أن يقوموا « بالمناورات والتوفيق والمساومات » لكيما يتحاشوا الولوج في المعركة ليست في صالحهم مطلقا، فإنهم لا يصلحون لشيء قطعاً.
(1) في كل طبقة، حتى في أرقى البلدان ثقافة، وحتى في أكثر الطبقات تقدماً، عندما تكون جميع قواها المعنوية قد تعاظمت، بنتيجة الظروف السائدة آنذاك، إلى أعلى الدرجات، يوجد على الدوام ممثلون للطبقة لا يفكرون ولا يستطيعون التفكير، هؤلاء يسبقون حتماً ما دامت الطبقات موجودة، وما دام المجتمع اللاطبقي لم يتوطد بعد على دعائمه ولم يرسخ ولم يتطور. ولو لم يكن الأمر كذلك لما كانت الرأسمالية رأسمالية ظالمة للجماهير.
من مؤلف : "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"
للقائد الأممي لينين العظيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي