الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرر المرأة والمجتمع الذكوريّ

أحمد هيكل

2024 / 3 / 4
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها


لا يمكن أن يقبل الرجل بتحرر سلوك امرأته ونيلِها الاستقلالَ الشخصيَّ الكاملَ إلا إذا تحرر أولا من نرجسيته وأنانيته ومن العقد الذكورية المتوارثة، التي تصبح مع مرور الوقت جزءا من تكوينه وصميم كيانه وروحه. وعدم رضا الزوج باستقلال زوجته راجع إلى المفاهيم التي يغرسها فيه المجتمع منذ نعومة أظفاره. فالمرأة بزواجها من الرجل تصير ملكا له، ومصيرها مرتبط بمصيره، وحياتها الشخصية من حياة زوجها، فلا تملك أن تخرج من المنزل أو تمارس أى عمل من الأعمال دون إذنه. والمرأة في مجتمعنا يتم تربيتها وتنشئتها منذ الصغر لتكون زوجة لا لتكون إنسانة ذات قرار وإرادة مستقلة. والمجتمع يكتب عليها هذا المصير الذي لا يتخلف وليس مسموحا أن يتخلف، فالمرأة حتى وإن دخلت سوق العمل وأصبح لها كسبها ودخلها الخاص ففي الأخير مكانها الحقيقي هو بيت زوجها كما يقال!
والزواج الشرقي في الحقيقة هو قيد ترْسُف فيه المرأة من أجل زوجها وأولادها ومستقبلها، وقبل كل ذلك: حتي لا تمرغ أنف أهلها في التراب وتجلب لهم العار عندما تصبح "عانسا" أو مطلقة، فتتجرع الآلام وتحتمل المصاعب والإهانات حتى تحافظ على مكانتها في المجتمع الذي لا يتعاطف مع مسمى "زوجة سابقة" أو لكي تحتفظ بلقب " أم حالية" .
ورجولة الشرقي لا تكتمل إلا إذا كانت المرأة ظلا له ومطيعة لأمره، لأنه يرى زوجته مكسبا ماديا ناله بعد عناء وطول صبر، فهو يعدها حَظوة من حِظيِّه. وتعود هذه النظرة الذكورية لمكانة المرأة في الأسرة والمجتمع إلى تشبع الشرقيّ بفكر وثقافة القرون الوسطى التي تعاملت مع المرأة على أنها جارية وتابعة للرجل!
وقد أسهمت تلك المواريث في تغيير شخصية المرأة، وجعلها منسحقة ذليلة تقبل بالدون من العيش بل وتدافع عمن يسحقونها ويسلبونها إرادتها وكرامتها! فبعد أن كانت المرأة ملكة في حضارات بلاد الرافدين وإلهة مقدسة في حضارة مصر القديمة أصبحت تحت الاسترقاق والعبودية بعد غزو ثقافة بدو الصحراء الحواضر والمدن الكبرى في منطقة الشرق الأوسط !
ويتضح لنا بجلاء ظلم هذه المواريث للمرأة واحتقارها لها عندما نعلم أنَّ المرأة المصرية في العصر الفرعونيّ قد هذه المكانة التقليدية حتى وصلت غلى درجة التقديس، فظهرت المعبودات من النساء إلى جانب الآلهة الذكور، بل إن إلهة الحكمة كانت في صورة امرأة، والإلهة إيزيس كانت رمزًا للوفاء والإخلاص. كما جعل المصريون القدماء للعدل إلهة وهي ماعت، وللحب إلهة هي حتحور، وللقوة سخمت. كما حصلت المرأة المصرية على وظيفة دينية في المعابد مثل كبيرة الكاهنات وحتى الملكة حتشبسوت حصلت على لقب يد الإله. واستطاعت المرأة الدخول في العديد من ميادين العمل المختلفة، وشاركت في الحياة العامة، وكانت تحضر مجالس الحكم، وكان لها حقوق رضاعة الطفل أثناء العمل، ووصل التقدير العملي لها لدرجة رفعها إلى عرش البلاد، فقد تولين المُلك في عهود قديمة، مثل حتب، أم الملك خوفو؛ وخنت، ابنة الفرعون منقرع؛ إباح حتب، ملكة طيبة؛ وحتشبسوت؛ وتي زوجة إخناتون؛ وكليوباترا. كما عملت المرأة بالقضاء مثل نبت، حماة الملك تيتي الأول من الأسرة السادسة، وتكرر المنصب خلال عهد الأسرة السادسة والعشرين، وأيضًا العمل بمجال الطب مثل بسشيت، والتي حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة، ووصلت الكاتبات منهن لمناصب مديرة، رئيسة قسم المخازن مراقب المخازن الملكية، سيدة الأعمال، كاهنة.
ومع شروق عصر الأنوار وهبوب رياح التغيير التى انتقلت إلى الشرق، حاول أصحاب الفكر والرأى عندنا تحرير المرأة من هذا الأسر الذي قبعت فيه لقرون، ولتعود روح مصر القديمة إلي الجسد المصري من جديد؛ فتدبَّ الحياة في أوصاله؛ وتستردَّ المرأة مكانتها المفقودة بعد ردح من الزمان سيطرت فيه عوائد الغزاة وثقافاتهم. وأسفرت دعوات المخلصين من أبناء هذه الأمة عن رفع كثير من القيود عن كاهل المرأة، وخلعت المرأة المصرية حجاب الذل وتمردت على ثقافة التكفين الموروثة، قبل أن تعود تلك الثقافة ولنلمس حضورها بقوة بعد نحو خمسة عقود؛ بفعل ثورة النفط التي حملت معها أقبح مكونات الثقافة العربية والمجتمع المسلم. فالمرأة المصرية التي كانت مثال الأناقة والرقيّ في خمسينات وستينات القرن الماضي، أصبحت نموذجا للمرأة التي تمَّ محو شخصيتها وكيانها من أجل سيادة عادات البداوة وتقاليد العربان!
ففي مجتمعنا اليوم تخسر الأنثى أنوثتها وتتنازل عن رغبتها الطبيعية في أن تكون جميلة ومثيرة ومغرية حتى تنال لقب محترمة. فتقمع بداخلها طبيعتها لإرضاء مجتمع منافق يتظاهر بالتدين والحفاظ على التقاليد، ولا تكسب في النهاية شيئا سوي الحصول على صك اعتراف المجتمع بها ولكن كخادمة أو أداة إنجاب بقية عمرها.
وبنفس الدرجة يتخلي الرجل عن أمله في أن يرتبط بفتاة متحررة عصرية مثقفة وتمتلك جسدها تحت ضغط الأهل والمعارف والأصدقاء وقيود المجتمع التي تشترط أن تكون امرأته المستقبلية جارية وفق مفهومهم للزوجة الصالحة! "فحسب مواصفاتهم يجب أن "تصون بيتك و تربي عيالك وتوفّر وتدبّر وتتحملك مهما عملت فيها عشان ماتخربش بيتها".
فالاثنان في الحقيقة ضحية للمجتمع الذي يقمع إنسانية الفرد، والنتيجة هي رجل لا يشعر برجولته الحقيقية؛ إذ سلبها منه المجتمع وفرض عليه مفهوما للرجولة يقوم على إخفاء طبيعته وراء سجن العادات الاجتماعية! وامرأة تتقمص شخصية الرجل وترضى بأن تحيا نصف أنثي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة